|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
قراءة في كتاب: القاضي إياس بن معاوية والقضاء بالفراسة
قراءة في كتاب: القاضي إياس بن معاوية والقضاء بالفراسة مركز جنات للدراسات على مدى 250 صفحة أمتعَنا الدكتور محمَّد بن علي بن سنان بكتابِه عن القاضي إياس - رحمه الله - والقضاء بالفِراسة، الصادر عن مكتبة دار الكتاب الإسلامي بالمدينة المنوَّرة. ولا يَخفَى علينا ما اشتهر به القاضي إياسُ بن معاوية من ذَكاء وفِراسة، حتى صار مَضرِبَ المَثَل في ذلك - كما قال أبو تمَّام: إِقْدَامَ عَمْرٍو فِي سَمَاحَةِ حَاتِمٍ ♦♦♦ فِي حِلْمِ أَحْنَفَ فِي ذَكَاءِ إِيَاسِ تَعرَّض المؤلِّف أولاً إلى طرق القضاءِ واختلاف العلماء في حصْرِها، وكذلك اختلافهم في القضاء بالفِراسة، والقضاء بعِلم القاضي، وغير ذلك. وذَكَر أنَّ الراجح عدمُ حصْر طرق القضاء، وأنَّ الأصل في إثبات الحقوق وإظهارها قَبول أيِّ حُجَّة تُوصل إلى ذلك. ونظرًا لأنَّ الفِراسة تتعلَّق بالقرائن، فقد قال المؤلِّف: ولم يتكلمْ فقهاءُ المذاهب الأربعة في كُتبهم عن الحُكم بالقرائن كلامًا مستقلاًّ كما تكلَّموا عن بقية أنواع البيِّنات، وإنَّما تكلموا عنها في بعضِ المسائل ولم يتوسَّع في بيانها والكلام عنها سوى العلاَّمة ابنِ القيِّم والقاضي ابن فرحون في كتابه "تبصرة الحُكَّام"، والقاضي الطرابلسي في كتابه "معين الحُكَّام". ثم تَطرَّق المؤلف لترجمةِ القاضي إياس، وهو ابن معاوية بن قُرَّة المازني، ويُكْنَى أبا واثلة. وُلِد سنة 46هـ، وتوفي سنة 122هـ، وقد تفرَّس حتى في وفاته؛ إذ قال في العام الذي مات فيه: رأيتُ كأنِّي وأبي على فرسين فجرَيَا جميعًا ولم أسبقْه ولم يسبقْني فعاش سِتًّا وسبعين وأنا فيها، فزَوَّج إياس ابنه فقال: أتدرون أية ليلة هذه؟ هذه ليلة استكملتُ فيها عُمرَ أبي ونام فأصْبح ميِّتًا، وهي مِن عجائب فِراسته. كان إياسٌ عاقلاً ذكيًّا، فَهِمًا حكيمًا، نزيهًا ورِعًا صدوقًا، بارًّا بوالديه كريمًا، مُعجبًا برأيه، كثيرَ الكلام، متواضعًا لا يعتني بنفسِه، سريع المِشية. وحكى الجاحظُ أنَّه أتى حلقةً لجماعة من قريش في مسجد دمشق، فاستولى على المجلس ورأوه أحمرَ دميمًا باذَّ الهيئة قشفًا، فاستهانوا به، فلمَّا عَرَفوه اعتذروا إليه، وقالوا له: الذنب مقسومٌ بيننا وبينك؛ أتيتَنا في زيِّ مسكين تُكلِّمنا بكلامِ الملوك! وعن عبدِالله بن شوذب قال: كان يُقال: يُولَد في كلِّ مائة سَنة رجلٌ تام العقل، وكانوا يرَوْن أنَّ إياس بن معاوية منهم. فقد كان القاضي إياس مِن مفاخِر مُضر، وعَلمًا من أعلام المسلمين، ورأسًا في الفصاحَة والرجاحة، ودقَّة المسلك في الفِطنة والفِراسة، عفيفَ المطعَم والمشرب، كريمَ المداخل والشِّيم، وجيهًا عند الخلفاء، مُقدَّمًا عند الأكْفَاء. وعن إياس قال: أنا أُكلِّم الناس بنِصفِ عَقلي، فإذا اختصم إليَّ الاثنان جمعتُ عقلي كلَّه. ومِن نفائس أقواله: ما يَسرُّني أن أكذبَ كذبةً لا يطلع عليها إلا أبي معاويةُ بنُ قرَّة، لا أسأل عنها يومَ القيامة، وأنَّ لي الدنيا بحذافيرها. وقيل له: إنَّك لسريع المِشية، فقال: ذاك أبعدُ مِن الكِبْر، وأقضى للحاجة. وعنه قال: إنَّ الناس لا يَعرِفون عيوبَ أنفسهم وأنا أعْرِف عيبَ نفسي، أنا رجلٌ مكثار (أي كثير الكلام). وقيل له مرة: ما فيك عيبٌ غير أنَّك مُعجَب بقولك، قال لهم: فأعجبكم قولي؟ قال: نعَمْ، قال: فأنا أحقُّ أن أُعجب بما أقول وما يكون منِّي. روَى إياسٌ عن أنس بن مالك، وعن أبيه معاوية بن قُرَّة، وعن سعيد بن المسيَّب، وعن نافِعٍ مولى ابن عمر، وغيرهم. وممَّن روى عنه: حُمَيدٌ الطويل، وخالد الحذَّاء، وحمَّاد بن سلمة، وشُعْبة، وغيرهم. ومِن اللُّغويين الخليل بن أحمد. ولما تولَّى إياسٌ القضاء فرِح به العلماء، حتى قال أيوب: لقد رمَوْها بحجرِها. وقال إبراهيم بن مرزوق: كنَّا نأتي إياسَ بن معاوية قبل أن يُستقضَى، وكنَّا نكتب عنه الفِراسة كما نكتُب من صاحِب الحديث. مع أنَّ القاضي إياس لم يتولَّ القضاءَ إلا سَنَةً واحدة فقط، ثم ترَكَه كراهة. ثم توسَّع المؤلِّف في مبحث الفِراسة وتعريفها وأقسامها، وهي: • الفراسة الإيمانية: وهي الناشِئة عن النور الذي يَقذِفه الله في قلْب العبد المؤمِن. • الفراسة الرِّياضية: وهي التي تحصُل بالتخلِّي وترويض النفس بالجوع والسَّهَر. • الفِراسة الخِلْقية: وهي الاستدلالُ بالشِّيَم والعلامات الظاهرة على الأخلاقِ الباطِنة. وذَكَر روائعَ كثيرةً مِن فراسة القاضي إياس؛ منها: • أنَّه نظَر إلى رجلٍ في الجامع فقال: يَنبغي أن يكون خيَّاطًا، وهو يخيط القلانس، فكان كما قال، فقيل له: كيف عرفتَ ذلك؟ قال: رأيتُه يُحرِّك رأسَه كما يفعل الخيَّاط، ورأيته ينظر إلى رؤوس الرِّجال. • ورأى رجلاً فقال: هذا يَبيع الرمَّان، فقيل: مِن أين علمت ذلك؟ قال: رأيتُ ظفر إبهامه أطولَ مِن سائره ورأسها أخضر، فعلمتُ أنه يَمتَحِن بها الرُّمَّان. وذكر المؤلِّف ما ألْحِق بالفِراسة، وهي ثلاثة أمور: • تحسين القول، وليس من الفِراسة. • التورية والحِيَل المباحة، وليس مِن الفِراسة. • التعريض ودَلالة اللزوم، وهو مِن الفِراسة. ثم تَوسَّع المؤلف في بيان حُكم الفراسة وكلام العلماء فيها، مؤيِّدًا كلامه بالنُّقول؛ كقول ابن العربي المالكي: على الناظر أن يَلْحظَ الأمارات والعلامات إذا تعارضتْ، فما ترجَّح منها قضَى بجانب الترجيح، وهو قوَّة التهمة، ولا خِلافَ في الحُكم بها. وقول ابن القيم: إنَّ الشارع لم يلغِ القرائن والأمارات ودلائل الأحوال، بل مَن استقرأَ الشرع في مصادرِه وموارده وجَدَه شاهدًا لها بالاعتبارِ، مرتِّبًا عليها الأحكام. ثم توسَّع المؤلِّف أيضًا في تحليلِ مسائل القضاء بالفِراسة الواردة عن القاضي إياس خاصَّة؛ لأنَّها موضوع الكتاب. ومِن أشهر هذه القضايا: • أنَّ رجلاً استودع غيرَه مالاً فجحده، فرفَعَه إلى إياس، فسأله فأنْكر، فقال للمدَّعي: أين دفعتَ إليه مالك؟ فقال: في مكان كذا في البرية، فقال: وما كان هناك؟ قال: شجرة، قال: اذهبْ إليها؛ فلعلَّك دفنتَ المال عندَها ونسيت، وقال للخَصْم: اجْلِسْ حتى يرْجِعَ صاحبك، وإياس يَقْضي إليه وينظر ساعةً بعدَ ساعة، ثم قال: يا هذا أترى صاحبَك قد بلَغ مكان الشجرة؟ قال: لا، قال: يا عدوَّ الله، إنَّك خائن، قال: أقِلْني، قال: لا أقالك الله، وأمَر أن يحتفظَ به حتى جاءَ الرجل، فقال له إياس: اذهبْ معه فخُذْ حقَّك. • وأنَّ رجلين اختصمَا إليه، فقال أحدهما: إنَّه باعني جارية رَعْناء، فقال: وما عسى أن تكونَ تلك الرعونة؟ فقال: شِبه الجنون، فقال إياس: يا جارية أتذكُرين متى وُلدتِ؟ قالت: نعم، قال: فأي رِجليك أطول؟ قالت: هذه، فقال إياس: رُدَّها؛ فإنَّها مجنونة. ثم أورد بعضَ القضايا المشابهة عن عمرَ بن الخطَّاب وعليِّ بن أبي طالب - رضي الله عنهما. ثم ختَم القضاء بذِكْر كثيرٍ من مسائل القضاء المرويَّة عن إياس في غيرِ الفراسة، ومنها: • أنَّه جِيء بغلام قد سَرَق أكيسة الحمَّالين، فقامتْ عليه بَيِّنة، فقال: اكشفوا عنه، فكَشفوا فلم يكن احتَلَم، فقال: لو كان احتَلَم لقطعتُه، اذْهَبوا به حيث سَرَق فسوِّدوا وجهَه وعَلِّقوا في عُنقه العِظام، واضْربوه حتى يدمى ظهرُه، وطوفوا به، فجاء رجلٌ يسعى فقال: أصلحَك الله، إنَّه مملوك لي، فإن فعلتَ ذاك به كسرتَ ثمنَه، فقال إياس: يعمد أحدُكم إلى الغلام لم يحتلمْ فيُكلِّفه الضريبة، ولا يُحسن عملاً يعمله، فإنَّما يأمره أن يسرِقَ ويُطعمه، ويعمد أحدُكم إلى الجاريةِ فيقول لها: اذْهبي فأدِّي الضريبة، فإنَّما يقول لها: اذهبي فازْني وأطعميني. • وسأله بعضُهم: بلغَني أنَّك لا تجيز شهادةَ الأشراف بالعراق، ولا التجار، ولا الذين يركبون البحر، فقال: أجَلْ، أما الذين يركبون البحر؛ فإنَّهم يركبون إلى الهِند حتى يُغرَّر بدِينهم ويُمكِّنوا عدوَّهم منهم مِن أجْلِ طمع الدنيا، فعرفتُ أنَّ هؤلاء إنْ أُعطي أحدهم دِرهمين في شهادتهم لم يتحرَّجْ بعدَ تغريرِه بدِينه، وأما الذين يتَّجرون في قرى فارس؛ فإنَّ المجوس يطعمونهم الرِّبا وهم يعلمون، فأبيتُ أن أُجيز شهادتهم لأجْلِ الرِّبا، وأما الأشراف؛ فإنَّ الشريف بالعراق إذا نابت أحدًا منهم نائبةٌ أتى سيِّدَ قومه فشَهِد له وشَفَع. • وجاءَه دِهْقان فقال: أخْبِرني عن السَّكَر أحرام هو أم حلال؟ قال: حرام، قال: كيف يكون حرامًا؟ أخبرني عن التمر أحلالٌ هو أمْ حرام؟ قال: حلال، قال: فأخبرني عن الكشوث، أحلالٌ هو أم حرام؟ قال: حلال، قال: فأخبرني عن الماءِ أحلال هو أم حرام؟ قال: حلالٌ، قال: فما خالَف بينهما؛ وإنَّما هو مِن التمر والكشوث والماء، أنْ يكون هذا حلالاً وهذا حرامًا؟ فقال إياس للدهقان: لو أخذتُ كفًّا من تراب فضربتُك به أكان يُوجِعك؟ قال: لا، قال: لو أخذتُ كفًّا مِن ماء فضربتُك به أكان يُوجِعك؟ قال: لا، قال: لو أخذتُ كفًّا مِن تِبْن فضربتُك به أكان يُوجِعك؟ قال: لا، قال: فإذا أخذتُ هذا الطين فعجنتُه بالتبن والماء ثم جعلتُه كتلاً، ثم تركتُه حتى يجفَّ، ثم ضربتُك به أيوجعك؟ قال: نعم ويَقْتُلني، قال: فكذلك هذا التمر والماء والكشوث، إذا جُمِع ثم عُتِق حَرُم، كما جُفِّف هذا فأوجع وقتَل، وكان لا يُوجِع. وإلى لقاء آخر إن شاء الله، مع كتاب آخَرَ
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |