سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله - الصفحة 11 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حرارة الصيف .. دروس وعبر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          أزمة التلقّي: لماذا نقرأ القرآن ولا ننتفع؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          ‏شرف المؤمن قيام الليل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          سُنّة: الذكر المشروع عند الإعجاب بشيء من الدنيا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          انتهاء حرب الأيام الـ12: سلام تحقق بالقوة أم هدنة على فوهة بركان؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          فقه الردود: بين واجب البيان وحكمة السكوت (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          الأحاديث القصار : 200 حديث من الصحيحين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 4 )           »          إكراه النفس على الطاعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          مِنْ دُرُوسِ الْهِجْرَةِ: إِفْشَاءُ السَّلَامِ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4918 - عددالزوار : 1974719 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #101  
قديم 16-10-2021, 03:50 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,887
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟[1]

رامي حنفي محمود





تفسير الربع الاخير من سورة الرعد كاملا بأسلوب بسيط







تفسير الربع الأخير من سورة الرعد









الآية 19، والآية 20، والآية 21:﴿ أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ يعني: هل الذي يَعلم أنّ ما جاءكَ أيها الرسول ﴿ مِنْ رَبِّكَ هو ﴿ الْحَقُّ - وذلك لِوُضوح علاماته - فيُؤمن به بمجرد ظهوره ﴿ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى عن الحق لا يؤمن به؟! لا يستويانِ أبدًا، ﴿ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ يعني: إنّ الذين يَتَّعظون بالقرآن وأدِلَّته هم أصحاب العقول السليمة، وهم ﴿ الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ أي العهد الذي أمَرَهم به سبحانه - من السمع والطاعة لأوامره التي وَصَّاهم بها في كتابه - ﴿ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ أي لا يَنقضون العهود المؤكدة التي عاهَدوا اللهَ على الالتزام بها (ما لم تكن إثمًا أو قطيعة رَحِم)، ﴿ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ كالأرحام والمحتاجين، ﴿ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بفِعل ما أمَر واجتناب ما نَهى ﴿ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ أي: ويَخافون أن يُحاسبهم اللهُ على كل ذنوبهم، ولا يَغفر لهم منها شيئًا، فحينئذٍ لا يَرجون إلا رحمته، ولا يُحسِنون الظنّ إلا به، حتى يَغفر لهم ذنوبهم ويَقبل منهم أعمالهم.




الآية 22، والآية 23، والآية 24:﴿ وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ أي: وهم الذين صبروا على الأذى، وصبروا على الطاعة، وصبروا عن المعصية (طلبًا لرضا ربهم)، ﴿ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ أي: وأدَّوا الصلاة على أتمِّ وجوهها (بخشوعٍ واطمئنان)، ﴿ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ أي وأخرَجوا من أموالهم: (الزكاة المفروضة والصدقات المُستحَبة) ﴿ سِرًّا وَعَلَانِيَةً : أي في الخَفاء والعَلَن، ﴿ وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أي: ويَدفعون السيئةَ بالحسنة فتمحوها (والمعنى أنهم يَتوبون من المعاصي، ويَجتهدون في فِعل الطاعات حتى يَمحوا بها السيئات، وكذلك يكونون حَلِيمينَ على الجُهَلاء، وصابرينَ على مَن يؤذونهم) ﴿ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ أي لهم العاقبة المحمودة في الدار الآخرة، وهي ﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ أي جنات الخلود ﴿ يَدْخُلُونَهَا ويقيمون في نعيمها الدائم (الذي خَلا من التعب ومن جميع المُنَغِّصات والمُنَكِّدات)، ﴿ وَمَنْ صَلَحَ أي ومعهم الصالحونَ ﴿ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ -والذرية هي الأبناء (ذكورًا كانوا أو إناثًا) - ﴿ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ لِتَهنئتهم بدخول الجنة - قائلينَ لهم -: ﴿ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ ﴾: أي سَلِمْتم مِن كل سُوءٍ بسبب صَبْركم في الدنيا، ﴿ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾: أي فنِعْمَ العاقبة المحمودة في الدار الآخرة، وهي الجنة.



الآية 25: ﴿ وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ يعني: وأمّا الأشقياء الذين لا يُوفون بعهد الله﴿ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ أي مِن بعد عَهْدِهِ الذي أخَذَهُ عليهم - بتوحيدهِ - وَهُم في ظَهر أبيهم آدم (وقد أكَّدَ سبحانه هذا العهد بإرسال الرسُل وإنزال الكُتب)، ﴿ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ بعمل المعاصي ونَشْر الشرك والفساد ﴿ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ أي لهم الطرْد من رحمة اللهِ ﴿ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ﴾: أي لهم العاقبة السيئة في الدار الآخرة، وهي جهنم (التي يَذوقونَ فيها العذابَ الشديدَ الذي يَسُوءهم).



الآية 26:﴿ اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ يعني: اللهُ وحده الذي يُوَسِّع الرزق على مَن يشاءُ مِن عباده ﴿ وَيَقْدِرُ ﴾: أي ويُضَيِّق على مَن يَشاءُ منهم (فالتصرّف كله بيديه سبحانه، وله الحِكمةُ البالغة في تضييق الرزق وتوسعته؛ لأنه - سبحانه - الأعلمُ بما يُصلِح عباده مِن الفقر والغنى)، ﴿ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا أي: وفَرِحَ الكفار بالسعة في الحياة الدنيا (ولم يَعلموا أنّ اللهَ يُعطي الدنيا لمن يُحب ولمن لا يُحب؛ لأنها لا تساوي عنده جناح بَعوضة)، ﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ يعني: وما هذه الحياة الدنيا بالنسبة للآخرة إلا شيءٌ قليل (يُتمتَّعُ به قليلًا ثم يَزولُ سريعًا).



الآية 27، والآية 28:﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا : ﴿ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ يعني: هَلاَّ أُنزَلَ اللهُ مُعجزة مَحسوسة على محمد، كمُعجِزة موسى وعيسى، ﴿ قُلْ لهم أيها الرسول: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ من المُعاندين، فلا يَهتدون ولو رأوا جميع المُعجِزات، ﴿ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ أي: ويَهدي سبحانه - إلى دينه - مَن رجع إليه بالإيمان والطاعات، وتابَ إليه من الشرك والعِصيان، وهؤلاء هم ﴿ الَّذِينَ آَمَنُوا بالحق لَمَّا جاءهم ﴿ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ وتوحيده، ﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ يعني: ألاَ بطاعة الله وذِكره تطمئن القلوب المؤمنة وتَأنس، وتَسعد بخالقها (واعلم أنّ أفضل الذكر هو ما كانَ باللسان مع حضور القلب، ويَجوز الذكر باللسان فقط - فالذي يَذكر خيرٌ من الذي لا يَذكر - ولكنه أقلّ درجةً مِمن يَذكر بلسانه وقلبه).



الآية 29:﴿ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ أي لهم حياةٌ طيبة في الدنيا، ﴿ وَحُسْنُ مَآَبٍ أي: ولهم مَرجع حَسَن في الآخرة إلى جنة اللهِ ورضوانه، (واعلم أنّ طُوبَى هي شجرةٌ في الجنة، مَسِيرة مائة عام، تَخرج ثياب أهل الجنة من أكمامها، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم) (انظر حديث رقم: 3918 في صحيح الجامع).



الآية 30، والآية 31: ﴿ كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ يعني: وكما أرسلنا المُرسَلين قبلك أيها الرسول، فكذلك أرسلناكَ ﴿ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ أي قد مَضَتْ مِن قبلها أُمَم المُرسَلين، ﴿ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ : أي لتقرأ القرآنَ على هذه الأُمَّة (تذكيرًا لهم وتعليمًا، ونِذارةً وبِشارة)، ﴿ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ أي: ولكنّ كفار قومك يَجحدون بوحدانية الرحمن واستحقاقه وحده للعبادة، ﴿ قُلْ لهم: ﴿ هُوَ رَبِّي ، ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ أي لا معبودَ بحق إلا هو، ﴿ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ﴾: أي عليه اعتمدتُ وَوَثقتُ في حِفظي ونَصري وفي كل أموري ﴿ وَإِلَيْهِ مَتَابِ يعني: وإليه وحده رجوعي بالإيمان والطاعة، والدعاء عند الكرب والحاجة، وتوبتي فيما عاتبني عليه ربي.



ثم رد الله تعالى على الكافرين الذين طلبوا إنزال المُعجزات على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لهم: ﴿ وَلَوْ أَنَّ قُرْآَنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ يعني: ولو أننا أنزلنا قرآنًا يُقرأ، فتزول به الجبال عن أماكنها ﴿ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ ﴾: يعني أو تتشقق به الأرض أنهارًا ﴿ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى : يعني أو يَحيا به الموتى وتُكَلَّم - كما طلبوا منك - ما آمَنوا به إلا أن يَشاء الله.



وهذا يُشبه قوله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ ﴾، ولذلك قال بعدها: ﴿ بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا يعني: بل للهِ وحده الأمر كله في إنزال المُعجزات وفي هداية مَن يَشاء، ﴿ أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾: يعني: أفلم يَعلم المؤمنونَ ﴿ أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا من غير مُعجِزة؟، إذًا فليَتركوا له الأمْرَ سبحانهُ يَفعل ما يشاء ويَحكم ما يريد، (واعلم أن اللفظ: "يَيْئَس" يأتي أحيانًا بمعنى "يَعلم"، وهذا في إحدى لغات العرب، وقد نزل القرآن بلُغَة العرب).



﴿ وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أي تَنزل بهم مصيبةٌ - بسبب كُفرهم - فيُصيبهم عذابها، ﴿ أَوْ تَحُلُّ ﴾: يعني أو تنزل تلك المصيبة ﴿ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ فيُصيبهم الخوف مِن تجاوُزها إليهم، ولا يزالون كذلك ﴿ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ بالنصر عليهم (كما حدث في فتح مكة) ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ، (واعلم أن القارعة هي المصيبة التي تَقرع القلوب بالخوف والفزع والهم والحزن، وقد سَمَّى اللهُ يوم القيامة بالقارعة لشدته وأهواله).



الآية 32: ﴿ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ أيها الرسول كما استهزأ الكفار بدَعْوَتك ﴿ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ﴾: أي فقد أمهلتُ الكافرين المُستهزئين من الأمم السابقة حتى قامت عليهم الحُجَّة ﴿ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ بعقابي، ﴿ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ ؟! لقد كان شديدًا مُهلِكًا، (وفي هذا تهديدٌ ووعيدٌ لكفار قريش، وفيه أيضًا تصبير للنبي صلى الله عليه وسلم على ما يَلقاهُ مِن أذى قومه).



الآية 33، والآية 34:﴿ أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ يعني: هل الذي خلق النفس البشرية ويَرزقها ويَعلم أعمالها ويُحاسبها عليها - وهو الله سبحانه - أحَقّ أن يُعبَد، أم هذه المخلوقات العاجزة التي لا تَعلم شيئًا عن عابِدِيها؟! ﴿ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ مِن خَلْقه يَعبدونهم، ﴿ قُلْ لهم - أيها الرسول -: ﴿ سَمُّوهُمْ ﴾: أي اذكروا صفاتهم - فإنكم لن تجدوا فيها شيئًا يَجعلهم يَستحقون العبادة - ﴿ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ : يعني أم تُخبِرونَ اللهَ بشركاء في أرضه لا يَعلمهم؟! ﴿ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ ﴾: يعني أم تُسَمُّونهم "شركاء" بمجرد إطلاق اللفظ عليهم من غير أن يكون لهم حقيقة؟! ﴿ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ يعني: بل حَسَّنَ الشيطانُ للكفار قولهم الباطل وصَدَّهم عن دين الله، ﴿ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ أي فليس له أحدٌ يُوفقه إلى الحق والرشاد، ﴿ لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا بالقتل والأسْر والذل والفضيحة، ﴿ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَقُّ أي أثقل وأشد ﴿ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ ﴾: أي وليس لهم مانع يَمنعهم من عذاب الله تعالى.



الآية 35: ﴿ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ أي: وَصْف الجنة - التي وَعَدَ اللهُ بها عباده المتقين - أنها ﴿ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أي أنهارُ الماء والعسل واللبن والخمر، ﴿ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا ﴾: أي طعامها لا يَنقطع، وظِلُّها لا يَزول ولا يَنقص، ﴿ تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا أي: هذه الجنة هي عاقبة الذين خافوا اللهَ فاجتنبوا معاصيه وأدَّوا فرائضه، ﴿ وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ أي وعاقبة الكافرينَ هي نار جهنم (نسألُ اللهَ العافية لنا ولإخواننا المؤمنين مِن شرِّ جهنم).



الآية 36:﴿ وَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ أي: والذين أعطيناهم الكتاب من اليهود والنصارى - مِمَّن آمَنَ بك منهم - كعبدالله بن سَلام والنَجاشي ﴿ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ من القرآن، لمُوافقته لِمَا عندهم، ﴿ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ أي: ومِن المُتَحَزبين على الكفر ضِدَّكَ يُنكِرون بعض المُنَزَّل عليك، ﴿ قُلْ لهم أيها الرسول: ﴿ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ ، وهذا كقوله تعالى في آيةٍ أخرى: ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾، فإذا كنتم تُنكِرونَ بعض القرآن، فخُذوا منه ما لا تستطيعونَ إنكاره (وهو عدم الشرك باللهِ تعالى)، فقد كان النصارى يَتبرؤون من الشرك، وفي نفس الوقت يَعبدون عيسى عليه السلام.



وهذا مِن بلاغة القرآن: (إلزامُ الطرف الآخر بالحُجَّة)، فإنه قال لهم أولًا: (أُمِرْتُ أن أعبد الله)، لأنه لا يَختلف في ذلك أحدٌ من أهل الكتاب، ثم قال لهم بعد ذلك: (ولا أُشْرِكَ به)، وذلك لإبطال عبادتهم لعيسى عليه السلام.



ثم أمَرَه سبحانه أن يقول لهم: ﴿ إِلَيْهِ أَدْعُو ﴾: أي أدعو الناسَ إلى توحيد اللهِ وعبادته (كسائر الرسل مِن قبلي)، فأنا مأمورٌ بالدعوةِ إليه وحده بهذا القرآن، وليس لي أن أختار منه شيئًا وأترك الآخر، فليس معنى أنكم تنكرون بعضه، أن أتَّبع أهوائكم وأُبَلِّغكم ما يُرضِي أسماعكم، وإنما أُبَلِّغكم كل ما يُوحَى إليّ من ربي ﴿ وَإِلَيْهِ مَآَبِ يعني: وإليه وحده أَرجع في كل أموري، وإليه وحده مَرجعي بعد موتي فيُجازيني بما قمتُ به من الدعوة إلى دينه.



الآية 37: ﴿ وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا يعني: وكما أنزلنا الكتب على الأنبياء بلسان أقوامهم، فكذلك أنزلنا إليك هذا القرآن بِلُغَة العرب لتَحكُمَ به، ﴿ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ يعني: ولئن اتَّبعتُ أهواء المشركين في عبادة غير اللهِ تعالى ﴿ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ - بأنك على الحق وهُم على الباطل - ﴿ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ ﴾: أي ليس لك حينئذٍ مِن ناصرٍ يَنصرك ويَمنعك من عذاب اللهِ تعالى.



الآية 38: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً - هذا رَدٌّ مِن اللهِ تعالى على المشركين الذين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: (ما لك تتزوج النساء؟)، فإنما هو بَشَرٌ كسائر الرسل مِن قبله - ﴿ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآَيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ - وهذا رَدٌّ عليهم أيضًا عندما قالوا: (لو كانَ رسولًا لأَتَى بما طَلَبْنا من المعجزات)، فليس في استطاعة رسولٍ أن يأتي بمعجزةٍ أرادها قومه إلا بإذن الله -فـ ﴿ لِكُلِّ أَجَلٍ - يعني لكل أمْرٍ مُحَدّد بوقت -: ﴿ كِتَابٌ كَتَبَ اللهُ فيه ذلك الأجل، لا يَتقدم عنه ولا يَتأخر.



الآية 39: ﴿ يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ أي يَنسخ اللهُ ما يشاء من الشرائع والأحكام بحسب حاجة عباده، ويُبْقِي ما هو صالحٌ لهم ونافع، فما مَحَاهُ تعالى فهو المنسوخ، وما أبقاهُ فهو المُحكَم (وفي هذا رَدّ على إنكارهم لِنَسْخ بعض الأحكام، كاستقباله لبيت المَقدس ثم الكعبة)، فأعلَمَهم سبحانه أنه ذو إرادة ومَشيئة لا تَخضعان لإرداة الناس ومَشيئاتهم، ﴿ وَعِنْدَهُ تعالى ﴿ أُمُّ الْكِتَابِ وهو اللوح المحفوظ الذي حَوَى كل المقادير، فلا يَدخله تبديلٌ ولا تغيير، ففي صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: (رُفِعَتْ الأقلام وجَفَّت الصحف).



وأمّا قوله صلى الله عليه وسلم: (مَن سَرّهُ أن يُبسَط له - (أي يُوَسَّع له) - في رزقه، ويُنسَأ له - (أي يُؤخَّر له) - في أجَله: فليَصِل رَحِمَه)، فهذا معناه أن اللهَ تعالى كتب في اللوح المحفوظ أن فلانًا يَصل رَحِمَه، ولذلك سأوَسِّع له في رزقه كذا، وأؤخِّر له أجَله إلى وقت كذا، (فصِلَةُ الرحم سببٌ في توسعة الرزق وطول العمر)، وكذلك الحال في قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يَرُدُّ القضاءَ إلا الدعاء)، فإن الدعاء سببٌ في رَد البلاء عن العبد، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما مِن مُسلم يدعو بدعوةٍ ليس فيها إثم ولا قطيعة رَحِم، إلا أعطاهُ اللهُ بها إحدى ثلاث: إما أن يُعَجِّل له دَعْوَته، وإمّا أن يَدخِرها له في الآخرة، وإما أن يَصرف عنه من السوء مِثلها) (انظر صحيح الترغيب والترهيب ج:2).



الآية 40، والآية 41:﴿ وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ يعني: وإمَّا أن نُرِيَكَ - أيها الرسول - في حياتك بعض العقاب الذي توَعَّدْنا به أعداءك (كما حدثَ في بدر) ﴿ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ قبل أن نُرِيَكَ ذلك فيهم: ﴿ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ ﴾: أي ففي الحالتين ما عليك إلا تبليغ الدعوة، ﴿ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ والجزاء.



﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا؟ وذلك بفتح المسلمين لبلاد المشركين وإلحاقها ببلاد المسلمين، وبهذا تنقص أرض الكفر، وتزداد أرض الإيمان، ﴿ وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ (وذلك لأن حُكمه سبحانه مُشتمِلٌ على العدل التام، أما غَيره تعالى فقد يُصِيبُ في قوله ويُخطئ، وقد يَعدِلُ في حُكْمِهِ ويَظلم)، ﴿ وَهُوَ سبحانه ﴿ سَرِيعُ الْحِسَابِ فلا يَشغله شيءٌ عن آخر، ولا يُتعِبُهُ إحصاءٌ ولا عدد.



الآية 42: ﴿ وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أي دَبَّرَوا المَكايد لِرُسُلهم (كما فَعَلَ هؤلاء معك)، ﴿ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا أي فيُبطِلُ سبحانه مَكْرَهم، ويُعيده عليهم مِن حيث لا يشعرون، لأنه سبحانه ﴿ يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ مِن خيرٍ أو شر (ومِن ذلك عِلمُهُ تعالى بمَكْرهم)، فأين مَكْرُ مَن يَعلمُ كل شيء مِن مَكْرِ مَن لا يَعلم شيئًا؟! أفلا يَفهم كفار قريش هذا فيَكُفوا عن مَكْرهم برسول اللهِ ودَعْوَتِه؟! ﴿ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ - عند لقاء ربهم يوم القيامة - ﴿ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ ﴾: أي لمن تكون العاقبة المحمودة في الدار الآخرة؟ إنها للرسل وأتْباعهم، (وفي هذا تهديدٌ ووعيدٌ للكافرين).



الآية 43: ﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا للنبي محمد: ﴿ لَسْتَ مُرْسَلًا : أي ما أرسلك اللهُ إلينا، ﴿ قُلْ لهم: ﴿ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ فشهادته تعالى لي بالنبوَّة هي ما أعطاهُ لي من المُعجِزات الباهرات (كانشقاق القمر وغير ذلك)، وكذلك وَحْيُهُ إليَّ بهذا القرآن الذي أُنذِرُكُم به، والذي لا يستطيعُ أن يقوله بَشَر، وأنتم تعلمون ذلك لأنكم أبْلغ البَشَر، هذا أولًا، وثانيًا: ﴿ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ﴾: أي وتَكفيكم أيضًا شهادة علماء اليهود والنصارى، مِمّن آمَنَ برسالتي، واتَّبعَ الحق فصَرَّحَ بتلك الشهادة ولم يَكتمها.





[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأن ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير.
• واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحديًا لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحيانًا نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #102  
قديم 16-10-2021, 03:50 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,887
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟[1]

رامي حنفي محمود





تفسير الربع الأول من سورة إبراهيم


الآية 1، والآية 2، والآية 3: ﴿ الر ﴾: سَبَقَ الكلام عن الحروف المُقطَّعة في أول سورة البقرة.
♦ إنَّ هذا القرآن هو ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ - أيها الرسول - ﴿ لِتُخْرِجَ به ﴿ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ أي من ظُلُمات الجهل والضلال إلى نور الهدى والإيمان ﴿ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ وتوفيقه لهم ﴿ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ ﴾: يعني إلى الإسلام، الذي هو طريقُ اللهِ العزيز (والعزيز هو الغالب الذي لا يَمنعه شيء مِن فِعل ما يريد)، ﴿ الْحَمِيدِ الذي يَستحق الحمد والثناء في كل حال، لِكَثرة نِعَمِه على جميع مخلوقاته.


♦ فالإسلام هو طريقُ ﴿ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ - خلقًا وتصرُّفًا وإحاطة - ولذلك فهو الذي يجب أن تكون العبادة له وحده، ﴿ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ يوم القيامة، (واعلم أنّ كلمة: "وَيْل" هي كلمة تهديد ووعيد، وتأتي أيضاً بمعنى "هلاك").


♦ وهؤلاء الكافرون هم ﴿ الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ ﴾: أي يَختارون الحياة الدنيا الفانية، ويَتركون الآخرة الباقية، ﴿ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أي يَمنعون الناس عن اتِّباع دين الله﴿ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أي: ويريدون هذه السبيل (وهي الإسلام) أن تكونَ معوجّة لِتُوافِق أهواءهم، ﴿ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ عن الحق وعن كل أسباب الهداية.


الآية 4: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ مِن قبلك أيها النبي ﴿ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ يعني إلا بِلُغَة قومه ﴿ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ﴾: أي لِيُوَضِّح لهم شريعة اللهِ تعالى ﴿ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ بعدله وحِكمته ﴿ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ بفضله ورحمته ﴿ وَهُوَ الْعَزِيزُ الذي - مِن عِزَّتِه سبحانه - أنه انفرَدَ بالهداية والإضلال، ﴿ الْحَكِيمُ الذي يَضع الأمور في مَواضعها، فلذلك يَهدي مَن طلب الهداية بصِدق وسَعَى في تحصيل أسبابها، ويُضِلُّ مَن رغب في الضلال، وسعى إليه وفَضَّلَهُ على الهدى.
واعلم أنه لا حُجَّة لغير العرب في هذه الآية: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ ﴾، لأنّ كُلُّ مَن تُرجِمَ له الإسلام بِلُغَته، وَجَبَ عليه الدخول فيه والعمل بشرائعه، لِيَسعد في الدنيا والآخرة.


الآية 5:﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى إلى بني إسرائيل ﴿ بِآَيَاتِنَا ﴾: أي بالمُعجزات الدالة على صِدقه، وأمَرناه ﴿ أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ أي من الضلال إلى الهدى، ﴿ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ العظيمة التي نَجَّى اللهُ فيها عباده المؤمنين، وأهلَكَ فيها العُصاة والطاغين (كيَوْم عاشوراء الذي نَجَّاكم اللهُ فيه من الغرق، وأغرق فرعون وجنوده) ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ ﴾: يعني إنّ في هذا التذكير لَدلالاتٍ يُستدَلّ بها على فضل اللهِ تعالى على عباده المحسنين، وانتقامه من أعدائه الجاحدين.


♦ وقولُهُ تعالى: ﴿ لِكُلِّ صَبَّارٍ أي كثير الصبر على طاعة الله، وعن مَعاصِيه، وعلى أقداره، ﴿ شَكُورٍ أي قائم بحقوق اللهِ تعالى، فيَشكره على نِعَمِه (وقد خَصَّ اللهُ الصابرينَ الشاكرينَ بالذِكر؛ لأنهم هم الذين يَعتبرون بآياته ولا يَغْفُلون عنها).


الآية 6، والآية 7: ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ أي اذكر - أيها الرسول - لقومك حين قال موسى لبني إسرائيل: ﴿ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ ﴾: أي اذكروا حين أنقذكم اللهُ مِن بَطش فرعون وأتْباعه، فقد كانوا ﴿ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ: أي يُذيقونكم أشدَّ العذاب، ﴿ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ الذكور (حتى لا يأتي منهم مَن يَستولي على مُلْك فرعون)، ﴿ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ﴾: أي ويَتركون بناتكم أحياءً ذليلات للخِدمة والإهانة، ﴿ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ أي: وفي ذلك اختبارٌ لكم من ربكم، وفي إنجائكم مِنْهُ نعمة عظيمة، تستوجبُ شُكرَ اللهِ تعالى في كل عصوركم وأجيالكم.


♦ وقال لهم موسى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ أي اذكروا حين أَعْلَمَكم ربكم أنكم ﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ يعني لئن شَكرتموني على نِعَمي لأَزيدنَّكم مِن فضلي، ﴿ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ يعني: ولئن جحدتم نِعَمي عليكم لأَعذبنَّكم عذابًا شديدًا.


الآية 8: ﴿ وَقَالَ مُوسَى لهم: ﴿ إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فلن تَضُرُّوا اللهَ شيئًا; ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عن عبادة خَلْقه، ﴿ حَمِيدٌ ﴾: أي مُستحِق للحمد والثناء في كل حال.


الآية 9: ﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ - يا أُمَّة محمد - ﴿ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾: أي خبر الأمم التي كانت قبلكم، كـ ﴿ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ ﴿ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ ﴾: أي لا يُحصِي عددهم إلا اللهُ تعالى، وقد ﴿ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ أي بالأدلة الواضحة على صِدقهم، ﴿ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ أي فوَضَعَ الأقوامُ أيديهم على أفواه رُسُلهم (يَطلبون منهم السكوت) ﴿ وَقَالُوا لِرُسُلهم: ﴿ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ أي كفرنا بما جئتمونا به ﴿ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ أي مُوقِع في الحيرة والقلق والتردد.


الآية 10: ﴿ قَالَتْ لهم ﴿ رُسُلُهُمْ : ﴿ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أي خالق السماوات والأرض، ومُنشِئهما من العدم على غير مثالٍ سابق؟، وهو سبحانه ﴿ يَدْعُوكُمْ إلى توحيده وطاعته ﴿ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ (وهي كل الذنوب التي بينكم وبين ربكم، أمّا مَظالم الناس: فرُدُّوها إليهم تُغفَر لكم)، ﴿ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى أي آمِنوا حتى لا يُعَجِّل سبحانه بهلاككم، بل يؤَخّر بقاءكم في الدنيا إلى نهاية آجالكم.


﴿ قَالُوا أي قال الذين كفروا لِرُسُلهم: ﴿ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا ﴾: أي ما نَراكم إلا بشرًا - صفاتكم كصفاتنا - ولا فضلَ لكم علينا يُؤَهِّلكم أن تكونوا رُسُلاً، و ﴿ تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا أي تمنعونا ﴿ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا من الأصنام، ﴿ فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ ﴾: أي فأتونا بحُجَّة ظاهرة تَشهد على صحة ما تقولون.


وهنا ينبغي أن نقولُ لمن أصابه وسوسة في إيمانه باللهِ تعالى - حتى يَزداد إيمانه ويَتخلص من هذا الوسواس -: (أخي الحبيب: إنَّ مُؤَسِّسي فِكرة الإلحاد قديماً قد اعترفوا بأنَّ العِلم الحديث قد أثبت أنه لابد مِن وجود خالق لهذا الكون الذي يَسير بهذا النظام المُتَزن، فإنّ الشمس لو ارتفعَتْ عن الأرض (سَنتِيمِتراً) واحداً: فإنّ الأرض سوف تتجمد، وإذا اقترَبَتْ من الأرض (سنتيمتراً) واحداً: فإنّ الأرض سوف تحترق، وإنه لا يمكن للصُدفة أبداً أن تُنشِئَ هذا النِظام الدَقيق، فلا يُمكن لها أن تأتي بالشمس - كل يوم - في موعدٍ مُحدد لا تتأخر عنه لحظة، وإلاَّ، فلو كان الأمرُ بالصُدفة: فإنّ الشمس كانت ستأتي في هذا الموعد مرة وتتأخر عنه مرات، ولا يمكن للصدفة أيضاً أن تأتي بقطعٍ مُبَعثَرَة من الحديد لِتُكَوِّنَ منها سيارة أو طائرة أو قطار، ولا يُمكن لها أن تُسَيِّرَ السفن في البحار والمُحيطات وحدها بدون قائدٍ يقودها، ولا يُمكن لها أن تأتي بكمية من الطوب المُبَعثَر لِتَبنِي بها مباني سكنية ذات طوابق عديدة، في كل طابق منها: أربعة منازل (مُجَهَّزَة) ومفروشة ومَدهونة بألوان مختلفة).


وقالوا أيضاً: (إنه بعد تراكُم الأدلة نستطيع أن نقول: (إنَّ هناك قوة خَفِيَّة وراء هذا الكون تُسَيِّرُهُ بهذا النظام المُحكَم الذي لا يَختل ولا يَضطرب لحظة واحدة)، (وأنَّ هذه القوة قد سَخَّرَتْ جميع المخلوقات لِخِدمة الإنسان، بدليل أنَّ هذا (الجَمَل) الضخم يقوده طفل صغير، ولا يؤذيه ولا يَضُرُّه، بل يتحرك ويَنْقادُ بأمره، وأنه لابد لهذه القوة أن تُعلِنَ عن نفسها حتى تُخبِرَنا لماذا خَلَقَتْنا، وما الذي تُحِبُّ أن نفعله، وما الذي يُغضِبُها، وإنه لا يُعقَلُ أبداً أن تكون قد خَلقَتْ كل هذا الخَلق العظيم عَبَثاً ولعباً دونَ أن تأمرهم وتنهاهم).
♦ وأمّا عدم الاعتراف بهذه القوة بحُجَّة أننا لا نراها: فهذه حُجَّة باطلة، لأنَّ العِلم قد اكتشف أشياءً عديدة لم يكن يراها الإنسان القديم، كالكهرباء، (ومَوْجَات الراديو والتِلفاز)، والفيروسات، والكائنات الدقيقة التي لا تُرَى بالعين المُجَرَّدة، ورغم أننا لا نرى هذه الأشياء: إلا إننا نَتَيَقنُ أنها موجودة، إذاً فليس معنى أننا لا نرى الشيئ أنه ليس موجوداً، وإلاَّ، فإنك لا ترى عقلك، ومع ذلك فأنت على يقين بأنَّ لك عقل.


فلا تَتَّبع هَواك أخي الكريم حتى لا تَضِلّ، ولكنْ تدبَّر القرآن، هذا الكتاب المُعجِز الخالد، الذي إذا رآه أيّ أحدٍ يَحترم عقله، فإنه حَتماً سيقول: (محمدٌ رسول الله، وهذه هي هي مُعجزته (القرآن الكريم)).


الآية 11، والآية 12: ﴿ قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ : ﴿ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يعني: حقًاً ما نحن إلا بَشَرٌ مِثلكم كما قلتم، ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ أي يَتفضل بإنعامه ﴿ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فيَختارهم لرسالته، فانظروا إلى ما جئناكم به، فإن كانَ حقاً فاقبلوه، وإن كانَ غير ذلك فرُدُّوه، ﴿ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ أي مُعجِزة - كما طلبتم - ﴿ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ، فالأمر أمْره، وهو على كل شيءٍ قدير، ولِذا فوَّضنا أمورنا إليه، واعتمدنا عليه ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (هذا أمْرٌ من الرُسُل - للمؤمنين مِن قومهم - بالاعتماد على اللهِ وحده في نَصْرهم وهزيمة أعدائهم)، وقصَدوا به أنفسهم أيضاً لأنهم أول المؤمنين، ولذلك قالوا:﴿ وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ ؟ يعني: وكيف لا نعتمد على اللهِ تعالى ﴿ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا أي: وهو الذي أرشد كل واحد مِنّا إلى طريق النجاة من عذابه (وهو توحيده واتِّباع أحكام دينه)، وعرَّفَنا سبحانه عظمته وقدرته وعزة سلطانه، فأيُّ شيءٍ يَجعلنا لا نتوكل عليه وهو القوي العزيز؟!
﴿ وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آَذَيْتُمُونَا بالكلام السيئ وغيره (مُتوكلين على اللهِ تعالى حتى يَنتقم لنا منكم) ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ والمعنى: ومَن كان مُتوكِّلاً - أي مُعتمداً - في أمْرِهِ على غير اللهِ تعالى: فليتوكل على الله وحده.


الآية 13، والآية 14: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ : ﴿ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا ﴿ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ﴾: يعني إلاّ إذا دخلتم في ديننا، فحينئذٍ لن نُخرجكم، ﴿ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ ﴾: أي فأوحى اللهُ إلى رُسُله أنه سيُهلك الجاحدين، ﴿ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ - أنتم وأتْباعكم - ﴿ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ أي مِن بعد إهلاكهم، ﴿ ذَلِكَ أي ذلك الإهلاك للكفار، وإسكان المؤمنين أرضهم هو أمْرٌ مؤكد ﴿ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي أي لمن خافَ مِن وقوفه بين يديَّ يوم القيامة ﴿ وَخَافَ وَعِيدِ ﴾: أي وخافَ من وعيدي وعذابي.


الآية 15، والآية 16، والآية 17: ﴿ وَاسْتَفْتَحُوا أي: ولجأ الرُسُل إلى ربهم وسألوهُ النصرَ على أعدائهم والحُكمَ بينهم، فاستجابَ سبحانه لهم وأهلَكَ أعدائهم،﴿ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ أي: وهَلَكَ كل مُتكبر لا يَقبل الحق ولا يَنقاد له، ﴿ مِنْ وَرَائِهِ ﴾: أي سيَلقى مِن بعد هَلاكه: ﴿ جَهَنَّمُ تنتظره ليُعذَّبَ فيها، فسيَدخلها ويَعطش فيها، ويَطلب الماء ﴿ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ ﴾: أي يُسقى فيها مِن الصديد الذي يَخْرج من أجسام أهل النار ﴿ يَتَجَرَّعُهُ ﴾: أي يحاول ابتلاع هذا الصديد مرة بعد مرة، ﴿ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ ﴾: أي ولا يَستطيع أن يَبتلعه; لقذارته وحرارته ومَرارته، ﴿ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ أي: ويأتيه العذاب الشديد من كل نوع، وفي كل عضو مِن جسده، فيتمنى الموت ليستريح من هذا العذاب ﴿ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ ، ﴿ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ أي: وله مِن بعد هذا العذاب: نوعٌ آخر من العذاب الشديد، الذي لا يُطاق ولا يُحتمَل، (واعلم أنّ لفظ "وراء" يُطلق على ما كان خلفاً وما كان أماماً، لأنّ كل ما وُورِيَ - أي: استُتِر - فهو وراء).


[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي" ، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير.
- واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #103  
قديم 16-10-2021, 03:51 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,887
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟[1]

رامي حنفي محمود




تفسير الربع الثاني من سورة إبراهيم



الآية 18: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ يعني إنّ حال الأعمال الحَسَنة للكفار في الدنيا - كَصِلة الأرحام وإكرام الضيف - كحال الرماد (الذي يَتبقى بعد احتراق الفحم)، وهذا الرماد قد ﴿ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ أي أصابته ريحٌ شديدة ﴿ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ فلم تَترك للرماد أثرًا، فكذلك الكفار ﴿ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ: أي لا يَجدون مِن أعمالهم ما يَنفعهم عند اللهِ تعالى (فقد أذهَبَها الكفر كما أذهَبَت الريحُ الرماد)، ﴿ ذَلِكَ أي السعي والعمل على غير إيمان ﴿ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ عن الطريق المستقيم.

الآية 19، والآية 20: ﴿ أَلَمْ تَرَ: يعني ألم تعلم ﴿ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ؟ أي لم يَخلقهما سبحانه عَبَثًا، بل خلقهما للاستدلال بهما على وحدانيته وكمال قدرته، وليُعلِمَ عباده أنّ الذي خلق السماوات والأرض قادرٌ على أن يُحيى الموتى، وأنّ ذلك أهْوَنُ عليه مِن خَلق السماوات والأرض، ﴿ إِنْ يَشَأْ سبحانه ﴿ يُذْهِبْكُمْ أي يُهلككم أيها المشركون ﴿ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ يُطيعونه ولا يُشركون به شيئاً، ﴿ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ أي: وما إهلاككم والإتيان بغيركم بصَعبٍ على اللهِ تعالى أو مُمتنع، بل هو سهلٌ عليه يسير، فإنه سبحانه يقول للشيئ كُن فيكون.

الآية 21: ﴿ وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا أي: وخرجت الخلائق من قبورها يوم القيامة، وظهروا كلهم للهِ تعالى ليَحكم بينهم، ﴿ فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا أي فحينئذٍ يقول الأتباعُ لرؤسائهم المشركين: ﴿ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا: يعني إنَّا كنَّا لكم أتباعًا في الدنيا نأتمر بأمْركم ﴿ فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ يعني: فهل أنتم - اليوم - دافعونَ عنا من عذاب اللهِ شيئًا كما كنتم تَعِدوننا؟ ﴿ قَالُوا أي فيقول لهم الرؤساء: ﴿ لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ يعني: لو كان اللهُ هَدانا في الدنيا إلى الإيمان لأَرشدناكم إليه، ولكنه لم يُوفقنا، فضَلَلْنا وأضللناكم، و﴿ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أي أصابنا السخط واليأس من العذاب ﴿ أَمْ صَبَرْنَا على تَحَمُّله، ففي الحالتين ﴿ مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ: أي ليس لنا مَهرب ولا مَنجى من العذاب، (فليس لهم حينئذٍ إلا الصراخ والبكاء، نسألُ اللهَ العفو والعافية).

الآية 22: ﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ - أي بعد أن حَكَمَ اللهُ بين الخلائق، ودخل أهلُ الجنةِ الجنةَ وأهلُ النارِ النارَ - فحينئذٍ يقول الشيطان لأهل النار: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ أي وَعَدَكم وعدًا حقًا بالبعث والجزاء، ﴿ وَوَعَدْتُكُمْ وعدًا باطلاً بأنه لا بَعْثَ ولا جزاء ﴿ فَأَخْلَفْتُكُمْ وعدي، ﴿ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ أي لم يكُن لي عليكم قوة أقهركم بها على اتِّباعي، ولا كانت معي حُجَة، ﴿ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي أي: ولكني دَعَوتُكم إلى الكفر والضلال فاتَّبعتموني، ﴿ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ فالذنبُ ذنبكم، ﴿ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ أي: ما أنا بمُنقذكم مِمّا أنتم فيه من العذاب والكَرب ولا أنتم بمُنقِذيَّ، ﴿ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ: يعني إني تبرَّأتُ مِمّا فعلتموه في الدنيا بأنْ جعلتموني شريكًا مع اللهِ في طاعته، ﴿ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بسبب إعراضهم عن الحق واتِّباعهم الباطل.

الآية 23: ﴿ وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أي حدائق عجيبة، تجري أنهارُ الماء والعسل واللبن والخمر مِن تحت قصورها العالية، وأشجارها الظليلة ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إذ هو سبحانه الذي أَذِنَ لهم بدخولها والبقاء فيها أبداً،﴿ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا أي تحية اللهِ وملائكته لهم - وكذلك تحية بعضهم لبعضٍ في الجنة - هي قولهم: ﴿ سَلَامٌ (أي سَلِمْتم من الخوف والحزن والتعب، ومِن كل سُوء)..

الآية 24، والآية 25: ﴿ أَلَمْ تَرَ: يعني ألم تعلم - أيها الرسول - ﴿ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً - وهي كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) - فشَبَّهَها سبحانه ﴿ كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ: أي شجرةٍ عظيمة، وهي النخلة التي ﴿ أَصْلُهَا ثَابِتٌ: أي جذورها مُتمكنة في الأرض، ﴿ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ أي: وأعلاها مرتفع نحو السماء ﴿ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ: أي تُعطِي ثمارها كل وقتٍ ﴿ بِإِذْنِ رَبِّهَا ومَشيئته (وكذلك شجرة الإيمان: أصلها ثابت في قلب المؤمن عِلمًا واعتقادًا، وفَرْعُها - من الأعمال الصالحة والأخلاق الحَسَنة - يُرفَعُ إلى اللهِ تعالى ويُنالُ ثوابه في كل وقت)، ﴿ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ أي لِيَتَّعظوا ويَعتبروا فيَجتهدوا في فِعل ما يَنفعهم.

الآية 26: ﴿ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ - وهي كلمة الكفر - ﴿ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ أي خبيثة الطعم، وهي شجرة الحَنظل المُرَّة، التي ﴿ اجْتُثَّتْ أي اقتُلِعت ﴿ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ؛ لأنّ جذورها قريبة من سطح الأرض، و﴿ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ أي ليس لها أصلٌ ثابت، ولا فرعٌ صاعد (وكذلك الكافر: لا ثباتَ له ولا خيرَ فيه، ولا يُرْفَع له عمل صالح إلى اللهِ تعالى).

الآية 27: ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا - وهم المؤمنون الصادقون العاملون - فهؤلاء وَعَدَهم اللهُ تعالى أن يُثَبّتهم ﴿ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ أي بالحق الراسخ (وهو شهادة ألاَّ إله إلا الله وأنّ محمدًا رسول الله)، فيُثَبّتهم اللهُ بها﴿ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَهما كانت الفِتَن والمِحَن، حتى يُوَفّقهم لنُطقها وهُم في سَكَرات الموت، ﴿ وَفِي الْآَخِرَةِ أي في القبر (إذ هو عَتَبة الدار الآخرة) وذلك عند سؤال المَلَكين، فيَهديهم سبحانه إلى الجواب الصحيح ﴿ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ عن الصواب في الدنيا والآخرة، ﴿ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ من توفيق أهل الإيمان وخِذْلان أهل الكفر والطُغيان.

الآية 28، والآية 29: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا - وهم كفار قريش الذين اختاروا الكفر على توحيد اللهِ تعالى، بدلاً من أن يشكروه على نعمة الأمن بالحرم وبعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم فيهم؟ - ﴿ وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ أي: وقد أنزلوا أتْباعهم دارَ الهلاك - حين أخرجوهم إلى "بدر" - فقُتِلوا وصارَ مَصيرهم إلى﴿ جَهَنَّمَ التي﴿ يَصْلَوْنَهَا أي يَدخلونها ويُقاسون حَرّها، ﴿ وَبِئْسَ الْقَرَارُ أي: وبئس المُستقَرّ جهنم.

الآية 30: ﴿ وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا أي: وجعل هؤلاء الكفار شركاءَ للهِ تعالى فعَبدوهم معه ﴿ لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ: أي ليُبْعدوا الناسَ عن دين الله،﴿ قُلْ لهم - أيها الرسول -: ﴿ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ: أي استمتِعوا في الحياة الدنيا فإنها سريعة الزوال، وإنّ مَصيركم بعدها إلى عذاب جهنم.

الآية 31: ﴿ قُلْ - أيها الرسول - ﴿ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ أي يُؤدّوا الصلاة في أوقاتها، بشروطها وأركانها (في خشوعٍ واطمئنان)، ﴿ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ - مِن أنواع المال - ﴿ سِرًّا وَعَلَانِيَةً أي في الخَفاء والعَلن ﴿ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ وهو يوم القيامة، الذي ﴿ لَا بَيْعٌ فِيهِ أي ليس فيه بيعٌ ولا ربحٌ ولامالٌ تفتدونَ به مِن عذاب اللهِ تعالى، ﴿ وَلَا خِلَالٌ أي ولا صداقة صديق تنفعكم في ذلك اليوم (إلا مِن بعد أن يَأذَن اللهُ - بالشفاعةِ - لمن يَشاءُ ويَرضى).

الآية 32، والآية 33، والآية 34: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ من العدم، وعلى غير مثالٍ سابق، ﴿ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فأحيا به الأرض بعد موتها، ﴿ فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ من جميع أنواع الفاكهة والخضروات والحُبوب، ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ أي: وذلَّل لكم السُفن﴿ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ أي بتدبيره سبحانه، وبأمْرِهِ للبحر أن يَحملها رغم ثِقَلها (وذلك لقضاء مَصالحكم)، ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ لسُقياكم وسُقيا مَواشيكم وزروعكم وغير ذلك من منافعكم، ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ أي مُستمِرّان في حركتهما لا يَتعبان، حتى تتحقق المصالح بهما، ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ لتسكنوا فيه وتستريحوا، ﴿ وَالنَّهَارَ لِتسعَوْا فيه في طلب رِزقكم ﴿ وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ أي: وأعطاكم سبحانه من كل ما طلبتموه، وكذلك أعطاكم مِمّا لم تطلبوه، فإنّ هناك أشياء لم يَطلبها الإنسان، وأعطاه اللهُ تعالى إيّاها.

﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا أي: وإن تعُدُّوا نِعَم اللهِ عليكم لا تستطيعوا حَصْرَها ولا القيام بشُكرها; وذلك لكثرتها وتنوُّعها (لِذا فتذكَّروا نِعَمه سبحانه، واشكروه عليها، مع استشعاركم - أثناء الشكر - بعَجْزكم عن القيام بشُكره تعالى كما يَجب)، واستخدموا نِعَمه في طاعته، ولا تُشرِكوا به شيئاً، ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ - الذي حُرِمَ الهداية - ﴿ لَظَلُومٌ أي كثير الظلم لنفسه لمُقابلته لِنِعَم اللهِ تعالى بالمعاصي، ﴿ كَفَّارٌ أي كثير الجُحود لِنِعَم ربه.


[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير.
واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #104  
قديم 16-10-2021, 03:51 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,887
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟[1]

رامي حنفي محمود




تفسير الربع الأخير من سورة إبراهيم



الآية 35، والآية 36: ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ أي: واذكر أيها الرسول حين قال إبراهيمُ - داعيًا ربه، بعد أن أسْكَنَ ابنه وزوجته وادي "مكة" -: ﴿ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ - أي مكة - ﴿ آمِنًا مِن كل خوف، ﴿ وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أي: وأبعِدني وأبنائي عن﴿ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴿ رَبِّ إِنَّهُنَّ - أي الأصنام - قد﴿ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ : أي تسبَّبتْ في إبعاد كثير من الناس عن طريق الحق ﴿ فَمَنْ تَبِعَنِي أي اقتدى بي في التوحيد:﴿ فَإِنَّهُ مِنِّي أي فهو على ديني ﴿ وَمَنْ عَصَانِي أي ومَن خالفني في شيءٍ أقل من الشرك: فإنْ تُعذبه فهو عبدك، وإن تغفر له ﴿ فَإِنَّكَ غَفُورٌ لذنوب المذنبين - بفضلك - ﴿ رَحِيمٌ تعفو عمَّن تشاءُ منهم.


الآية 37: ﴿ رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي أي مِن بعض ذريتي - وهو "إسماعيل" وأمّه "هاجَر" - ﴿ بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ أي: وادي ليس فيه زرعٌ ولا ماء﴿ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ ﴿ رَبَّنَا إنني فعلتُ ذلك بأمْرك ﴿ لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ في مكة (وقد خَصّ الصلاة بالذِكر لأنها العبادة التي تشتمل على الذِكر والشُكر) ﴿ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ : أي فاجعل قلوب بعض خَلقك تَحِنّ إليهم وتَميل (رغبةً في الحج والعمرة) ﴿ وَارْزُقْهُمْ في هذا المكان ﴿ مِنَ الثَّمَرَاتِ ﴿ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ أي لكي يَشكروا نِعَمَك العظيمة عليهم (فاستجاب اللهُ دعاءه).


الآية 38، والآية 39: ﴿ رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ أي تَعلم سبحانك كل ما نُخفيه وما نُظهره (ومِن ذلك عِلمك بحزني على ترْك إسماعيل وأُمّه في هذا المكان، فاحفظهم)، ﴿ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ .

ثم أثْنَى إبراهيم على اللهِ تعالى، فقال: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ أي رَزقني - رغم كِبَر سِنِّي - وَلديَّ﴿ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ بعد أن دعوتُهُ أن يَهَب لي من الصالحين ﴿ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ مِمَّن دعاه، وقد دعوتُهُ ولم يُخيِّب رجائي.


الآية 40: ﴿ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ : أي اجعلني مُداوِمًا على أداء الصلاة على أتمّ وجوهها، ﴿ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي أي: واجعل مِن نَسلي مَن يُحافظ عليها، ﴿ رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ : أي استجب دعائي وتقبَّل عبادتي.


الآية 41: ﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لِي ما وقع مِنّي مِمَّا لا يَسلم منه البشر ﴿ وَلِوَالِدَيَّ أي: واغفر لوالديَّ - وهذا قبل أن يَعرف أنّ والده سوف يموت على الشِرك -، فلمَّا تبيَّنَ له أنه عدوٌ للهِ تبرَّأَ منه (كما جاء في سورة التوبة)، ﴿ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ أي: واغفر للمؤمنين يوم يقوم الناس للحساب والجزاء، (واعلم أنّ استخدام لفظ "يقوم" مع "الحساب" هو كقول العرب: (قامت الحرب على ساق)، يقصدون بذلك: اشتداد الأمر، وصعوبة الحال).


الآية 42، والآية 43: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ - أيها الرسول - أنّ ﴿ اللَّهَ تعالى ﴿ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ مِن تكذيبك وإيذاء المؤمنين، وغير ذلك من المعاصي، بل هو عليمٌ بأفعالهم، و﴿ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ أي يؤخِّرُ عقابهم ﴿ لِيَوْمٍ شديد - وهو يوم القيامة - الذي ﴿ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ أي تتفتح فيه العيون على آخرها (وذلك مِن هَول ما تراه)، وتراهم يقومون مِن قبورهم ﴿ مُهْطِعِينَ أي مُسرعين لإجابة الداعي (الذي دعاهم للقاء اللهِ تعالى للحساب)، ﴿ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ : أي رافعي رؤوسهم ﴿ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ : أي لا تستطيع عيونهم الإغماض ولو لحظة، ﴿ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ أي: وقلوبهم خالية (لا تستطيع التفكير في شيء)، وذلك من شدة الخوف والفزع.


الآية 44، والآية 45: ﴿ وَأَنْذِرِ النَّاسَ عذابَ يوم القيامة ﴿ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا : ﴿ رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ أي أَمْهِلْنا إلى وقتٍ قريب: ﴿ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ ، فيُقالُ لهم توبيخًا: ﴿ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ في حياتكم أنكم﴿ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ أي لا زوالَ ولا ارتحالَ لكم من الدنيا إلى الآخرة، ولم تصدِّقوا بهذا البعث؟ ﴿ وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وهم الكافرون السابقون لكم، ﴿ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ من الهلاك ﴿ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ في القرآن فلم تعتبروا؟


واعلم أنّ المقصود بالسَكَن - في قوله تعالى: ﴿ وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ﴾- هو النزول في أماكن الظالمين لوقتٍ يكفي للاتّعاظ والاعتبار)، وقد كان كفار قريش يَمُرُّونَ على ديار ثمود أثناء رحلتهم إلى الشام، وكانوا يَنزلون على ديار قوم عاد (للاستراحة) أثناء رحلتهم إلى اليمن.


الآية 46: ﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ أي: وقد دَبَّرَ المشركون الشرَّ للرسول صلى الله عليه وسلم، ﴿ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ لأنه سبحانه مُحيطٌ بما يقولونَ ويفعلون، ولذلك أعادَ مَكْرَهم عليهم، ﴿ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ أي: وما كانَ مَكْرُهم بالذي تزول منه الجبال ولا غيرها، فإنه تافهٌ لا قيمةَ له، فلا تهتم بمَكْرِهم أيها الرسول ولا تلتفت إليه.


الآية 47، والآية 48: ﴿ فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ : أي لا تحسبْ أنّ اللهَ تعالى يُخلِف رُسُله ما وَعَدَهم به (مِن النصر وإهلاك المُكذبين)، ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ لا يَمنعه شيءٌ مِن فِعل ما يريد، ﴿ ذُو انْتِقَامٍ : أي صاحب انتقام شديد مِمّن عَصاه وعَصى رُسُلَه وحارَبَ أولياءه.


واذكر أيها الرسول للناس يوم القيامة ﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ فتُصبِح ﴿ غَيْرَ الْأَرْضِ التي يَعيشون عليها ﴿ وَالسَّمَوَاتُ أي: وكذلك تُبَدَّلُ السماوات بغيرها، ﴿ وَبَرَزُوا لِلَّهِ : أي وخرجتْ الخلائق يومئذٍ من قبورها للقاء اللهِ ﴿ الْوَاحِدِ - في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله - ﴿ الْقَهَّارِ لكل شيء.


واعلم أنّه قد ثبت في صحيح مسلم أنّ رجلاً يهودياً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: (أين يكون الناس يوم تُبَدَّلُ الأرض غير الأرض والسماوات؟)، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (في الظُلمة دونَ الجِسر) - أي في الظلام على الصراط الممدود فوق جهنم، وهو الطريق الذي سَيَعبُر عليه الناس - فقال اليهودي: (فمَن أول الناس إجازة؟) - أي مروراً على الصراط - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فقراء المهاجرين)، فقال اليهودي: (فما تُحفتهم - أي أول ضيافتهم - حين يدخلون الجنة؟)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (زيادة كبد النون) - والنون هو الحوت، وزيادة كبد الحوت: هي القطعة المنفردة المتعلقة بالكبد، وهي أطيَبها وألَذَّها - فقال اليهودي: (فما غذاؤهم على إثرِه؟) - أي بعد أن يأكلوا زيادة كبد الحوت - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يُنحَر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها)، فقال اليهودي: (فما شرابهم عليه؟) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مِن عينٍ فيها تُسَمَّى سلسبيلاً) فقال له اليهودي: (صدقتَ).


الآية 49، والآية 50، والآية 51: ﴿ وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ - أي يوم القيامة -﴿ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ : أي مُقيَّدينَ بالقيود، ﴿ سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ أي: ثيابهم مِن قَطِران (وهي مادة سوداء شديدة الحرارة، سريعة الاشتعال)، ﴿ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ أي تحيط النار بوجوههم فتَشويها وتُلهِبها من كل جانب، وليس هذا ظلماً مِن اللهِ لهم، وإنما هو جزاءً لِمَا قدموه في الدنيا، ولهذا قال تعالى:﴿ لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ مِن الخير والشر ﴿ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ لا يُعجزُهُ إحصاءُ أعمالِهم، ومُحاسبتهم عليها.


الآية 52: ﴿ هَذَا القرآن الذي أنزلناه إليك - أيها الرسول - هو ﴿ بَلَاغٌ لِلنَّاسِ يعني أمَرَكَ اللهُ بتبليغه للناس لهدايتهم ﴿ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ أي: ولِيُخَوِّفهم من عذاب اللهِ تعالى ﴿ وَلِيَعْلَمُوا - بما فيه من الدلائل والبراهين - ﴿ أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وهو اللهُ الواحد الأحد، فيَعبدوه وحده ولا يُشركوا به ﴿ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ أي: وليَتَّعظ به أصحاب العقول السليمة، فيَعملوا على إنجاء أنفسهم من غضب اللهِ وعذابه، ولِيَفوزوا برحمته ورضوانه.


[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير.
واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #105  
قديم 16-10-2021, 03:58 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,887
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟[1]

رامي حنفي محمود

الربع الاول من سورة الحِجر

• الآية 1: الر: سَبَقَ الكلام عن الحروف المُقطَّعة في أول سورة البقرة، (واعلم أنَّ هذه الحروف تُقرأ هكذا: ألِف لام را).
تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآَنٍ مُبِين أي: هذه هي آيات الكتاب المُنَزَّل على محمد صلى الله عليه وسلم، وهي آياتُ قرآنٍ مُوَضِّح للحقائق والأحكام.


♦ واعلم أنّ الواو التي بين كلمة (الْكِتَاب)، وبين كلمة (قُرْآَن)، تُسَمَّى (عَطْف بَيان)، يعني عَطْف توضيح، لِتُبَيِّن أنّ القرآن هو نفسه الكتاب، وليس معناها أنّ (الْكِتَاب) شيئٌ، وأنّ (القرآن) شيئٌ آخر، فكأنّ المعنى: (تلك آيات الكتاب الذي هو هذا القرآن المُبين)، وهذا مِثل قوله تعالى: الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ أي (الكتاب الذي يُفرِّق بين الحق والباطل)، ومِثل قوله تعالى:قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ أي (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ، وهو هذا الكتاب المُبين).



• الآية 2: رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا أي: سيَتمنى الكفار - حينَ يَرون خروج عُصاة المُوَحِّدين من النار - أنْ ï´؟ لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ مِثلهم ليَخرجوا من النار كما خرجوا.


• الآية 3، والآية 4، والآية 5: ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا : أي اترك - أيها الرسول - هؤلاء الكفار يأكلوا وَيَتَمَتَّعُوا بدُنياهم الزائلة ï´؟ وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ ï´¾ أي: ويُشغلهم طول العُمر - وبلوغ الشهوات الرخيصة العاجلة - عن طاعة ربهم، وعن التفكير في عاقبة أمْرهم، ï´؟ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ï´¾ أنهم هم الخاسرون في الدنيا والآخرة.


♦ وإذا طلبوا إنزال العذاب بهم (تكذيبًا لك أيها الرسول)، فأخبِرهم أننا ï´؟ وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ ï´¾: يعني إننا لا نُهْلِكُ قريةً ظالمة إلا عندما يَبلغوا أجَلَهم المُقدَّر (مِثل مَن سَبَقهم)، فإذا حانَ وقت العقوبة: فـï´؟ مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا ï´¾: أي لا تتجاوزُ أُمَّةٌ أجَلَها فتزيد عليه ï´؟ وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ ï´¾: أي ولا يَتأخرون عن ذلك الوقت لحظة.


• الآية 6، والآية 7، والآية 8: ï´؟ وَقَالُوا أي وقال المُكَذِّبونَ لمحمد صلى الله عليه وسلم: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ - أي القرآن - إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ أي ذاهب العقل، وهم يَعلمونَ أنهم كاذبونَ في ذلك، فقد كانوا يَشهدونَ له بالصدق والأمانة، ورَضوا بحُكمه عندما أرادوا إعادة بناء الكعبة (وذلك قبل بعْثَتِهِ صلى الله عليه وسلم)، فكيف إذاً يَقبلونَ حُكمَه ثم يَتهمونه - كَذِباً - بالجُنون؟!، فعُلِمَ مِن ذلك أنهم يقولون ذلك على سبيل العِناد، وحتى يَصُدّوا الناسَ عن دِينه.


♦ ثم قالوا له: ï´؟ لَوْ مَا تَأْتِينَا ï´¾ أي هَلاَّ جِئتَنا ï´؟ بِالْمَلَائِكَةِ ï´¾ لِتَشهد لك بأنّ اللهَ قد أرسلك إلينا ï´؟ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ï´¾، فرَدَّ اللهُ عليهم بقوله: ï´؟ مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ ï´¾ يعني إلا بالعذاب على المُكذبين، لأنه - عند نزول الملائكة بالعذاب - سيُصبح الأمْرُ يَقينِيَّاً، وليس قضية إيمان بالغيب، وهذا ما لا يُريده اللهُ لهم، ï´؟ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ ï´¾ أي: وحينئذٍ لن يُمهَلوا ليتوبوا أو يعتذروا.


الآية 9:ï´؟ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ ï´¾ أي القرآن ï´؟ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ï´¾: أي نتعهد بحِفظه مِن أن يُزادَ فيه، أو يُنْقَصَ منه، أو يَضِيعَ منه شيء، لأنه حُجَّتنا على خَلْقنا إلى يوم القيامة.


♦ فسُبحانَ اللهِ العظيم، مَن يَجرؤ مِن البشر أن يقول هذا الكلام، ثم يَفِي بما وَعَدَ - بالحرف الواحد - غير المَلِك القدير جَلَّ وَعَلا؟، هل هناك أحَدٌ مِن الخَلق يَضمن ماذا سيحدث له بعد ساعة مِن الآن؟! إنَّ الذي يستطيع أن يقول هذا الكلام بهذا اليقين هو الذي يَملِكُ القدرة سبحانه وتعالى، إننا نقول - وبمنتهى البَسَاطة -: (إنَّ الذي قالَهُ هو الذي حَفظَه).


♦ واعلم أنّ اللهَ تعالى قد حَفظ السُنَّة الصحيحة كما حَفظ القرآن، لأنّ لفظ (الذِكر) يَشمل جميع الشريعة: (القرآن والسُنَّة)، كما قال تعالى: ï´؟وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْï´¾، وقال تعالى: ï´؟وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَï´¾ أي القرآن والسُنَّة، والدليل على أنَّ الحِكمة هي السُنَّة: هو قولُ اللهِ تعالى لنساء النبي صلى الله عليه وسلم: ï´؟وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِï´¾، وإلاَّ، فماذا كانَ يُتلَى في بيوت النبي صلى الله عليه وسلم غير القرآن والسُنَّة؟!


♦ ولقد رأينا كيف قيَّضَ اللهُ للسُنَّةِ رِجالاً، وسَخَّرَ لها علماءً، ليَتَتبَّعوا الأسانيد، وليُظهِروا للناس الأحاديث الصحيحة مِن غيرها، أليس هذا التوفيقُ دليلاً على أنّ اللهَ تعالى قد حَفظ السُنَّة الصحيحة كما حَفظ القرآن؟


الآية 10، والآية 11: ï´؟ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ ï´¾ - أيها الرسول - رُسُلاً ï´؟ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ ï´¾ أي في فِرَق السابقين وأُمَمِهم، ï´؟ وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ï´¾ أي كانوا يَسخرونَ منه ومِن دَعْوته (وفي هذا تصبير للرسول صلى الله عليه وسلم، إذ كما فَعَل مُشرِكوا قومه به، فكذلك فَعَلَ الذين مِن قبلهم برُسُلهم، حتى أَهْلَكهم اللهُ تعالى).


الآية 12، والآية 13: ï´؟ كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ ï´¾ يعني: كما أدْخَلنا الكفر في قلوب الأمم السابقة (عقوبةً لهم على استهزاءهم برسلهم)، فكذلك نَفعل بمُشرِكي قومك، بسبب استهزائهم بك وتكذيبهم بالقرآن، إذ هم ï´؟ لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ ï´¾: أي لا يُصَدِّقون بالقرآن (رغم وضوح حُجَّته وقوة بَيانه) ï´؟ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ ï´¾ أي: وقد مَضت طريقةُ اللهِ في الأوَّلين، وهي إهلاكُ الظالمين إذا استمروا على تكذيبهم وعِنادهم، كما حدث مع عادٍ وثمود (وفي هذا تهديدٌ عظيمٌ لهم).


الآية 14، والآية 15:ï´؟ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ ï´¾ أي على كفار "مكة" ï´؟ بَابًا مِنَ ï´¾ أبواب ï´؟ السَّمَاءِ ï´¾ ï´؟ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ ï´¾ أي فاستمَرّوا صاعدينَ فيه حتى يُشاهدوا ما في السماء مِن عجائب مَلَكُوتِ اللهِ تعالى، لَمَا صَدَّقوا، وï´؟ لَقَالُوا ï´¾ تكَبُّراً وعِناداً: ï´؟ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا ï´¾ أي مُنِعَتْ أبصارُنا من النظر الحقيقي فلم نُشاهد الملائكة، ï´؟ بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ ï´¾ لأننا أصبحنا نرى أشياء لا حقيقيةَ لها، وهذه الآية كَقَوله تعالى: ï´؟وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًاï´¾ أي مِن السماء ï´؟فِي قِرْطَاسٍï´¾ أي في أوراقٍ ï´؟فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْï´¾ وتَيَقنوا أنه حق: ï´؟لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌï´¾.


الآية 16، والآية 17، والآية 18: ï´؟ وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا ï´¾ أي مَنازل تسير فيها الكواكب والنجوم والشمس والقمر، لِيُستَدَلّ بها على الطُرُقات والأوقات، وغير ذلك مِن مَصالح العباد، ï´؟ وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ ï´¾ أي زَيَّنَّا السماءَ بالنجوم لمن يَنظرون إليها، ليَتأملوا في قدرة اللهِ ويَعتبروا، ï´؟ وَحَفِظْنَاهَا ï´¾ أي السماء ï´؟ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ ï´¾ أي مَطرودٌ مِن رحمة اللهِ تعالى، مَرجومٌ بالشُهُب، حتى لا يَسمع كلامَ الملائكة في المَلأ الأعلى ï´؟ إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ ï´¾: يعني إلا مَن استطاعَ أن يَختلس السمع من كلام الملائكة ï´؟ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ ï´¾: أي فهذا يَلحقه شهابٌ مُضيئ يَحرقه، (واعلم أنّ الشيطان قد يُلْقي إلى الساحر بعضَ ما سَمِعَه قبل أن يَحرقه الشهاب).


• الآية 19، والآية 20:ï´؟ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا ï´¾: أي جعلناها مُمتدة مُتسعة، وبَسَطناها لتستطيعوا العَيش فوقها ï´؟ وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ ï´¾ أي وَضَعْنا في الأرض جبالاً راسيةً لتُثَبِّتها، ï´؟ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ ï´¾ يعني: وأَنْبَتنا في الأرض من أنواع النباتات والمعادن ما هو مُقدَّرٌ بمقدارٍ معلوم (بحسب حاجة العباد وما يُصلحهم)، ï´؟ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ ï´¾ أي: وجعلنا لكم في الأرض ما تعيشونَ به من المَطاعم والمَشارب والملابس والمراكب (وغير ذلك من أنواع الرزق)، ï´؟ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ ï´¾ أي: وخَلَقنا لكم من الأولاد والخَدَم والبَهائم ما تَنتفعونَ به، وليس رِزقهم عليكم، وإنما هو على اللهِ رب العالمين.


• الآية 21: ï´؟ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ ï´¾ يعني: وما مِن شيئٍ مِن مَنافع العباد ï´؟ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ ï´¾ من جميع الأصناف، وقد كانَ النبي صلى الله عليه وسلم يقولُ في دعائه: (اللهم إني أسألك مِن كل خيرٍ خزائنه بِيَدك، وأعوذُ بك مِن كل شَرٍّ خزائنه بِيَدك)، ï´؟ وَمَا نُنَزِّلُهُ ï´¾ أي هذا الشيئ ï´؟ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ï´¾ يعني إلا بمِقدار مُحَدَّد كما نَشاء، في الوقت الذي نُريد، بحسب حاجة العباد، وهذا كقوله تعالى: ï´؟ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ ï´¾، (فخزائنُ الأشياء كلها بِيَد اللهِ تعالى وحده، يُعطي منها مَن يشاء، ويَمنعها عَمَّن يَشاء، وذلك بحسب حِكمته البالغة ورحمته الواسعة، وهذا يَجعل القلب لا يَتعلق إلا به سبحانه، لأنّ كل شيئٍ بِيَده).


الآية 22: ï´؟ وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ ï´¾ أي سَخَّرْنا الرياحَ لتُلَقِّح السحاب فيَمتلىء بالماء، (مِثلما يَحدث عندما تُنقَل مادة اللقاح مِن ذَكَر الشجر إلى أُنثاه)، ï´؟ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ï´¾ أَعْدَدناهُ ليكونَ صالحاً للشُرب، كما قال تعالى: ï´؟ لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا ï´¾ أي مالحاً ï´؟ فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ ï´¾؟، ï´؟ فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ ï´¾: أي فأسقيناكم هذا الماء العذب (أنتم ومَواشيكم وأرضكم)، ï´؟ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ ï´¾ أي: وما أنتم بقادرينَ على تخزين هذا الماء وادِّخاره، ولا بمُنشئينَ له عندما تريدونه، ولكننا نُنشِئه لكم، ونُخَزِّنه لكم (في يَنابيع الأرض وغيرها)، رحمةً بكم وإحسانًا، (ومِن رحمته أيضاً بكم أنْ جَعَلَ خزائن الماء بِيَدِهِ وحده، إذ لو كان الأمْرُ بأيديكم، لأَعطيتموه لمن شِئتم، ولَمَنعتموه عَمَّن شِئتم بحسب أهوائكم، فللهِ الحمدُ والمِنَّة).


♦ فكُلّ هذه المنافع الضرورية لِلخَلق تدلّ على عناية اللهِ تعالى بمَصالح خلقه، وأنّه الإلهُ الحق الذي يَجب أن يُعبَد ولا يُعبَد غيره.


الآية 23: ï´؟ وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي ï´¾ مَن كانَ مَيّتاً (وذلك بخَلقه من العدم)، ï´؟ وَنُمِيتُ ï´¾ مَن كانَ حَيّاً (بعد انقضاء أَجَله)، ï´؟ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ ï´¾ للأرض وما عليها.


الآية 24، والآية 25: ï´؟ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ ï´¾ (وهُم جميع مَن ماتَ مِن البشر منذ آدم عليه السلام)، ï´؟ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ ï´¾ (وهُم الأحياء الآن، وكذلك الذين سيأتون إلى يوم القيامة)، ï´؟ وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ ï´¾ جميعاً للحساب والجزاء، ï´؟ إِنَّهُ ï´¾ سبحانه ï´؟ حَكِيمٌ ï´¾ في تدبيره وقضاءه (ومِن حِكمته أن يأمر عباده ويَنهاهم، ثم يُحاسبهم ويُجازيهم)، ï´؟ عَلِيمٌ ï´¾ لا يَخفى عليه شيئٌ من أعمالهم.


الآية 26، والآية 27: ï´؟ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ ï´¾ - والمقصود به هنا: آدم عليه السلام (أبو البشر) - إذ خَلَقه اللهُ تعالى ï´؟ مِنْ صَلْصَالٍ ï´¾ أي مِن طين يابس (إذا نُقِرَ عليه: سُمِعَ له صوت)، وهذا الطين اليابس خَلَقه اللهُ ï´؟ مِنْ حَمَإٍ ï´¾ أي مِن طين أسود ï´؟ مَسْنُونٍ ï´¾: أي مُتغيرٌ لونه ورائحته بسبب مرور السنين عليه.


♦ وعلى هذا فإنّ الطِينة التي خُلِقَ منها آدم عليه السلام يكونُ ترتيبها كالآتي: (تراب - كما قال تعالى -: ï´؟ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ï´¾ - ثم وُضِعَ على هذا الترابِ ماء فأصبح طِيناً، ثمّ تُرِكَ هذا الطين حتى تَغيّرَ لونه ورائحته فأصبح (حمأ)، ثمّ تيَبَّسَ فأصبح صلصالاً)، ï´؟ وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ ï´¾ - أي مِن قَبْل خَلْق آدم - ï´؟ مِنْ نَارِ السَّمُومِ ï´¾ أي مِن نارٍ شديدة الحرارة لا دخانَ لها.


الآية 28، والآية 29: ï´؟ وَإِذْ ï´¾ أي: واذكُر - أيها النبي - حينَ ï´؟ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ ï´¾: ï´؟ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ï´¾ ï´؟ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ ï´¾ أي أَكْمَلتُ صورته ï´؟ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ï´¾ فأصبح حَيّاً: ï´؟ فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ï´¾ أي فخِرُّوا له ساجدين (سجود تحيةٍ وتكريم، وليس سجود عبادةٍ وخضوع).


الآية 30، والآية 31: ï´؟ فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ï´¾ كما أمَرهم ربهم، فلم يَمتنع منهم أحد ï´؟ إِلَّا إِبْلِيسَ ï´¾ الذي كانَ يَعبد اللهَ معهم ï´؟ أَبَى ï´¾ أي امتنع ï´؟ أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ ï´¾، حَسَدًا لآدم على هذا التكريم العظيم.


• الآية 32: ï´؟ قَالَ ï´¾ اللهُ تعالى - مُنكِرًا على إبليس تَرْكَ السجود -: ï´؟ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ ï´¾؟


• الآية 33:ï´؟ قَالَ ï´¾ إبليس مُظهرًا كِبْره وحسده: ï´؟لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ ï´¾: أي لا يَليقُ بي أن أسجد لإنسانٍ ï´؟ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ ï´¾ أي مِن طين يابس، وهذا الطين اليابس خلقته ï´؟ مِنْ حَمَإٍ ï´¾ أي مِن طين أسود ï´؟ مَسْنُونٍ ï´¾: أي متغيرٌ لونه ورائحته بسبب مرور السنين عليه.


الآية 34، والآية 35: ï´؟ قَالَ ï´¾ اللهُ تعالى له: ï´؟ فَاخْرُجْ مِنْهَا ï´¾ أي اخرج من الجنة ï´؟ فَإِنَّكَ رَجِيمٌ ï´¾ أي مَطرودٌ من كل خير، ï´؟ وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ ï´¾ أي البُعد مِن رحمتي ï´؟ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ï´¾: يعني إلى يوم الجزاء، كما قال تعالى: ï´؟ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ ï´¾ أي جزاءهم الحق.


• الآية 36، والآية 37، والآية 38:ï´؟ قَالَ ï´¾ إبليس: ï´؟ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ï´¾ أي أخِّرني في الدنيا إلى اليوم الذي تَبْعَث فيه عبادك (وهو يوم القيامة)، فـ ï´؟ قَالَ ï´¾ اللهُ له: ï´؟ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ ï´¾ أي فإنك مِمَّن أخَّرْتُ هَلاكهم ï´؟ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ï´¾ وهو اليوم الذي يموت فيه جميع الخَلق بعد النفخة الأولى - لا إلى يوم البعث -، (وقد أجابَ اللهُ طلبه اختباراً لعباده).


• الآية 39، والآية 40:ï´؟ قَالَ ï´¾ إبليس: ï´؟ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي ï´¾ أي بسبب إضلالك لي: ï´؟ لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ ï´¾: أي سوف أُحَسِّنُ لذرية آدم مَعاصيك في الأرض ï´؟ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ï´¾ أي: وسوف أُضِلُّهم جميعاً عن طريق الهُدى (انتقامًا لنفسي مِن آدم) ï´؟ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ ï´¾ أي مِن بني آدم، ثم خَصَّهم بقوله: ï´؟ الْمُخْلَصِينَ ï´¾: يعني إلا عبادك الذين أخلصوا لك العبادة، فخَلَّصتَهم من السُوء والفَحشاء، فهؤلاء لن أستطيع إضلالهم.


يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #106  
قديم 16-10-2021, 03:59 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,887
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله



• من الآية 41 إلى الآية 44: ï´؟ قَالَ ï´¾ اللهُ تعالى لإبليس: ï´؟ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ ï´¾ أي: هذا طريقٌ مستقيم مُوَصِّل إلى جنَّتي، وعَليَّ الوفاءُ به، وهو:ï´؟ إِنَّ عِبَادِي ï´¾ الذين أخلصوا عبادتهم لي ï´؟ لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ï´¾: أي ليس لك تَحَكُّم وتَسَلُّط على قلوبهم (لِتُضِلُّهم عن الطريق المستقيم) ï´؟ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ï´¾ يعني: لكنّ تسلُّطَك سيكون على الذين اتَبعوك مِن الضالينَ المشركين (الذين رضوا بطاعتك بدلاً من طاعتي) ï´؟ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ ï´¾ ï´؟ لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ ï´¾ أي لها سبع طبقات (لكل طبقةٍ منهم باب)، وï´؟ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ ï´¾ أي: لِكُلّ بابٍ مِن أبواب جهنم: فريقٌ من أتْباع إبليس يَدخلون منه، ولِكُلّ طبقة من طبقات جهنم: قِسمٌ ونصيبٌ من العذاب (وذلك بحسب أعمال العباد) (نسألُ اللهَ أن يُحَرِّم أجسادنا على النار).


• من الآية 45 إلى الآية 48: ï´؟ إِنَّ الْمُتَّقِينَ ï´¾ الذين خافوا عذابَ ربهم - فامتثلوا أمْره واجتنبوا نهيه - أولئك ï´؟ فِي جَنَّاتٍ ï´¾ أي في بساتين عجيبة المَنظر، ï´؟ وَعُيُونٍ ï´¾ أي أنهارٌ جارية.


♦ وتقول لهم الملائكة: ï´؟ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ï´¾ أي ادخلوا هذه الجنات سالمينَ مِن كل سُوء، ï´؟ آَمِنِينَ ï´¾ مِن كل خوف، ï´؟ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ ï´¾: أي لم يُبقِ اللهُ في صدور أهل الجنة ما يُنَغِّصُ نعيمهم، أو يُكَدِّرُ صَفْوَهم وسعادتهم (كحِقدٍ أو حسدٍ أو عداوةٍ أو غضب)، فهم يَعيشونَ في الجنة ï´؟ إِخْوَانًا ï´¾ مُتحابِّين، يَجلسونَ ï´؟ عَلَى سُرُرٍ ï´¾ عظيمة (والسُرُر جمع سرير) ï´؟ مُتَقَابِلِينَ ï´¾: أي تتقابل وجوههم في حُبّ، يَجمعهم مَجلس واحد يَتسامرونَ فيه على السُرُر، فإذا أرادوا الانصراف: تدورُ بهم السُرُر إلى قصورهم (اللهم إنا نسألك الجنة يارب)، وهُم ï´؟ لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ ï´¾: أي لا يُصيبهم فيها تعبٌ ولا إعياء (وهذا هو نعيم الراحة الأبدية في الجنة)، ï´؟ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ ï´¾ أي: وهُم باقونَ في هذا النعيم لا يَخرجون منه أبدًا.


[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي" ، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير.
• واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.

سلسلة كيف نفهم القرآن؟[1]

رامي حنفي محمود




2. الربع الثاني من سورة الحِجر



الآية 49، والآية 50: ﴿نَبِّئْ عِبَادِي: أي أخبِر عبادي- أيها الرسول - ﴿أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُللمؤمنين التائبين، ﴿وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ لغير التائبين.


الآية 51، والآية 52: ﴿وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ: أي وأخبِرهم عن ضيوف إبراهيم من الملائكة (الذين جاؤوا له على هيئة بَشَر) ﴿إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا له:﴿سَلَامًا، فرَدَّ عليهم السلام، ثم قدَّم لهم الطعامَ فلم يأكلوا منه، فـ ﴿قَالَ لهم:﴿إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ: يعني إنَّا منكم خائفون (وذلك لأنه ظنَّ أنهم أرادوا به شراً عندما لم يأكلوا).


الآية 53: ﴿قَالُوا أي قالت الملائكة له: ﴿لَا تَوْجَلْ: أي لا تخف﴿إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ: يعني إنَّا جئنا نُبَشِّرك بوَلَدٍ كثير العلم بالدين (وهو إسحاق عليه السلام).


الآية 54: ﴿قَالَ إبراهيمُ مُتعجبًا: ﴿أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ: يعني أبَشَّرتموني بالولد، وأنا كبيرٌ في السن، وزوجتي كذلك؟! ﴿فَبِمَ تُبَشِّرُونَ:يعني فبأيّ أُعجوبةٍ تُبَشِّرونني؟!


الآية 55: ﴿قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ الذي أَعْلَمَنا اللهُ به ﴿فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ: أي فلا تكن من اليائسينَ مِن أن تُرزَق بولد.


الآية 56، والآية 57: ﴿قَالَ إبراهيم - نافياً القنوط عن نفسه -:﴿وَمَنْ يَقْنَطُ يعني إنه لا يَيْئَسُ ﴿مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ عن طريق الحق، الذين لا عِلمَ لهم برَبِّهم، وكمال قدرته وسعة رحمته، ثم ﴿قَالَ لهم: ﴿فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ يعني: فما الأمر الخطير الذي جئتم مِن أجْله أيها المُرسَلونَ مِن عند الله؟


الآية 58، والآية 59، والآية 60: ﴿قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ: يعني إنّ اللهَ أرْسَلَنا لإهلاك قوم لوط المجرمين، ﴿إِلَّا آَلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ: يعني إلا لوطًا وأهله المؤمنين به فلن نُهلكهم، بل سَنُنَجِّيهم جميعاً ﴿إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ يعني: إلا زوجته الكافرة، فقد قضينا - بأمْر اللهِ لنا - بإهلاكها مع الباقينَ في العذاب.


من الآية 61 إلى الآية 66: ﴿فَلَمَّا جَاءَ آَلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ: أي فلمّا وصل الملائكة المُرسَلونَ إلى دار لوطٍ عليه السلام: ﴿قَالَ لهم: ﴿إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ: يعني إنكم قوم غير معروفين، (وكأنه خافَ منهم، وظنّ أنهم أرادوا به سُوءاً)، فـ﴿قَالُوا: ﴿بَلْ أي لا تَخَفْ، فقد ﴿جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ: أي جئنا نُخبرك بالعذاب الذي كان يَشُكُّ فيه قومك (حينَ كنتَ َتَعِدُهم به)، ثم قالوا له - ليَزيدوا مِن اطمئنانه -: ﴿وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ: أي وجئناك بالحق مِن عند اللهِ تعالى ﴿وَإِنَّا لَصَادِقُونَ فيما أخبرناك به.


﴿فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ: أي فاخرج مِن قريتك أنت وأهلك المؤمنون ﴿بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ: أي بعد مرور جُزء من الليل (يعني قبل الفجر بكثير)، لتتمكنوا مِن البُعد عن قريتكم، ﴿وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ أي: امشِ أنت وراءهم، حتى لا يَتخلف منهم أحد ﴿وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وراءه، حتى لا يرى العذاب فيُصيبه ﴿وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ أي:وأسرِعوا إلى حيثُ أمَركم الله (وقد قيل إنهم أُمِرُوا بالذهاب إلى الشام، وقيل إنه كان معهم دليلٌ يَدُلُّهم إلى أين يَتوجهون، واللهُ أعلم).


♦ ثم قال تعالى: ﴿وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ: يعني: وأوحى اللهُ إلى لوطٍ ﴿ذَلِكَ الْأَمْرَ وهو: ﴿أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌيعني: إنّ قومك مُهلَكونَ جميعاً ﴿مُصْبِحِينَ أي عند طلوع الصبح، (واعلم أنّ دابر القوم: آخِرَهم، لأنه إذا هَلَكَ آخرُ القوم، فقد هَلَكَ أوَّلهم).


الآية 67: ﴿وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ إلى لوط - حين عَلِموا بمن عنده من الضيوف - وهم ﴿يَسْتَبْشِرُونَ أي فَرِحُونَ بضيوفه، ليَفعلوا بهم الفاحشة.


الآية 68، والآية 69: ﴿قَالَ لهم لوط: ﴿إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي وهُم في حمايتي ﴿فَلَا تَفْضَحُونِ: أي فلا تفضحوني أمام أهل القرية ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ أي خافوا عقابه ولا تتعرضوا لهم، ﴿وَلَا تُخْزُونِ: أي ولا تهينوني وتذلوني بإيذائكم لضيوفي (لأنهم كانوا يَعتبرون أنّ إهانة الضيّف هي مَذَلَّة وعار في حق مُضِيفه).


الآية 70: ﴿قَالُوا أي قال له قومه: ﴿أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَيعني ألم نَنْهَكَ عن استضافة أحد من الرجال أو حمايتهم مِنّا، لأنَّنا نريد بهم الفاحشة؟


الآية 71: ﴿قَالَ لهم لوط: ﴿هَؤُلَاءِ - أي بنات القرية جميعاً - ﴿بَنَاتِي فتزوَّجوهنّ ﴿إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ يعني إن كنتم تريدون قضاء شهوتكم، (وسَمَّاهُنّ بناته، لأنّ نَبِيّ الأُمّة بمَنزلة الأب لهم، ويدل على ذلك قراءة عبد الله ابن مسعود - رضي اللهُ عنه - في سورة الأحزاب: (وأزواجه أُمَّهاتهم وهو أبٌ لهم)).


الآية 72، والآية 73، والآية 74: ﴿لَعَمْرُكَ (هذا قَسَمٌ مِن اللهِ تعالى بحياة محمد صلى الله عليه وسلم تشريفًا له)، فكأنه تعالى يقول له: وحَياتك يا محمد ﴿إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ: يعني إنّ قوم لوط لَفي ضلالٍ أزالَ عقولهم ورُشدهم، فهم يَترددون كالسُكارَى لا يريدون إلا الفاحشة، (واعلم أنّ الخالق سبحانه يُقسم بمَن يشاء وبما يشاء، أمّا المخلوق فلا يجوز له القَسَم إلا بالله)، ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ: أي فصاحَ بهم مَلَكٌ من الملائكة (قيل إنه جبريل عليه السلام)، ﴿مُشْرِقِينَ أي (وقت شروق الشمس)، ثم أخبَرَ تعالى بما حدث لهم بعد صيحة المَلَك، فقال: ﴿فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا أي قلَبْنا قريتهم التي كانوا يَعيشون فيها ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ وهي حجارة صَلبة شديدة الحرارة.


الآية 75، والآية 76، والآية 77: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ يعني إنّ في قصة إبراهيم ولوط عليهما السلام (مِن إنجاب إبراهيم للولد رغم كِبَر سِنِّه وعُقم امرأته، ومِن إهلاك قوم لوط وإنجاء المؤمنين) ﴿لَآَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ: أي لَعِظاتٍ للمُتأمِّلين المُعتبِرين، ﴿وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ يعني: وإنّ قريتهم لَفي طريقٍ ثابت يراها المسافرون المارُّونَ بها، (وكانت قريش تَمُرّ بها أثناء رحلتها إلى الشام)، ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ أي كَوْن قرية لوط واضحةٌ للمسافرين وفيها آثار الهلاك ﴿لَآَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ حتى لا يَتجرأوا على مَعصية رب العالمين.


♦ واعلم أنّ المُتوسِّمين هم الناظرون نظر تفكُّر وتأمُّل لمعرفة الأشياء بسِماتها وعلاماتها، ولَعَلَّ اللهَ سبحانه قد خَتَمَ الآيات بلفظ "المؤمنين" للتنبيه على أنّ المتوسّمين هم المؤمنون، واللهُ أعلم.


الآية 78، والآية 79: ﴿وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أي: ولقد كان أصحابُ المدينةِ المُلتفَّةِ الشجر - وهم قوم شعيب - ﴿لَظَالِمِينَ لأنفسهم بالكفر والغش في الميزان ﴿فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ، ﴿وَإِنَّهُمَا: يعني: وإنّ مَساكن قوم لوط وقوم شعيب:﴿لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ أي في طريقٍ واضح يَمُرُّ بهما الناس في سَفَرهم فيَعتبروا بهم.


من الآية 80 إلى الآية 84: ﴿وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ أي: ولقد كذَّبَ سكان "وادي الحِجْر" - وهم ثمود - الذين كذبوا صالحًا عليه السلام، فكانوا بذلك مُكَذِّبينَ لجميع المُرسَلين (لأنّ مَن كَذَّبَ نبيًا من الأنبياءَ، فقد كذَّبَهم كلهم، إذ دَعْوتهم واحدة، وهي التوحيد)، ﴿وَآَتَيْنَاهُمْ آَيَاتِنَا أي: وأعطينا ثمود آياتنا الدالة على صحة ما جاءهم به صالح عليه السلام (ومِن ضِمنها الناقة)، (وقد يكون المقصود بالآيات هنا: أنها الآيات المُرتبطة بالناقة، لأنها خرجتْ من صخرة، ولأنها كانت تقف أمام كل بيت ليَحلب أهله منها ما شاءوا وغير ذلك، ويُحتمَل أن يكون هناك آيات أخرى أعطاها اللهُ لصالح غير الناقة، واللهُ أعلم)، ﴿فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ لا يَتفكرون فيها، ولا يَعتبرون بها، ﴿وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا يَسكنون فيها ﴿آَمِنِينَ مِن أن تَسقط عليهم أو تُخَرَّب، ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ: أي وقت الصباح مُبَكِّرين ﴿فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ: أي فلم تنفعهم أموالهم وحصونهم في الجبال، ولم تدفع عنهم مِن عذابَ اللهِ شيئاً حينَ نَزَلَ بهم.


الآية 85، والآية 86: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ أي لم يَخلقهما سبحانه عَبَثًا، بل خَلَقهما للاستدلال بهما على كمال قدرته، وعلى أنه وحده الخالق الرازق الذي لا تجب العبادة إلا له، وليُعلِمَ عباده أنّ الذي خلق السماوات والأرض قادرٌ على أن يُحيى الموتى، وأنّ ذلك أهْوَنُ عليه مِن خَلْق السماوات والأرض، ﴿وَإِنَّ السَّاعَةَ التي تقوم فيها القيامة ﴿لَآَتِيَةٌ لا مَحالة، لِتُوَفَّى كل نفسٍ بما عملتْ، ﴿فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ: أي فتجاوَز - أيها الرسول - عَمَّا يقوله المُشركون في حقك، واعفُ عنهم عفواً ليسَ بعده انتقام (عفواً لا يَترك بعده أثراً في القلب من الحقد والغيظ على مَن أساء إليك)، فـ﴿إِنَّ رَبَّكَ الذي أمَرَكَ بهذا الصفح ﴿هُوَ الْخَلَّاقُ لكل شيء، ﴿الْعَلِيمُ بأعمال خَلْقه، وسيُعيدُهم كما بدأهم، ليُحاسب المُكلَّفين منهم ويَجزيهم بما عملوا، ويَجزيك على عفوك بما تَقِرّ به عَيْنك، ويَسعَد به قلبك، فاصبر واحتسب الأجر عند ربك.


من الآية 87 إلى الآية 91: ﴿وَلَقَدْ آَتَيْنَاكَ أي: ولقد أعطيناك - أيها النبي - ﴿سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وهي الفاتحة (إذ هي سَبع آيات تُكَرَّر في كل ركعة)، ﴿وَالْقُرْآَنَ الْعَظِيمَ: أي: وأعطيناك القرآنَ العظيم (وإنما ذَكَرَ الفاتحة أولاً - مع أنها من القرآن العظيم - لإظهار فضلها وشرفها، إذ هي أعظم سورة في كتاب الله، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم) (انظر صحيح سنن أبي داوود ج: 2/71).


فالقرآن - الذي أعطاهُ اللهُ لك أيها النبي - هو خيرٌ لك مِمَّا هُم فيه من المال والجاه، ولذلك فـ ﴿لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ: أي لا تنظر بعينيك مُتطلِّعاً ﴿إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ: يعني إلى ما مَتَّعْنا به أصنافًا من كفار قريش مِن مُتَع الدنيا، فلا يَخدعْكَ ذلك، فإنَّ هذا كلُّه متاعٌ قليل، وسوف يَزولُ عنهم عن قريب، ثم يُعَذَّبونَ في جهنم وبئس المصير، ﴿وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ: أي لا تحزن على كُفرهم وتكذيبهم لك، ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَأي تواضَعْ للمؤمنين واعطِف عليهم ولو كانوا فقراء، فإنّ الخير فيهم وليس في أولئك الكَفرة الأغنياء، ﴿وَقُلْ لقومك ﴿إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ: يعني إني أنا المُنذِر المُوَضِّح لِمَا فيه هداية الناس أجمعين، ومُنذِرُكم - أيها المُعانِدون - أن يُنزِلَ اللهُ بكم العذابَ الأليم ﴿كَمَا أَنْزَلْنَا أي كما أنزلَ سبحانه العذابَ ﴿عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ وهم طائفةٌ من اليهود والنصارَى، قسَّموا التوراة والإنجيل، فآمَنوا ببعضها وكَفروا ببعضها، وأظهروا بعضها للناس، وأخفوا عنهم بعضها، فعاقبهم اللهُ تعالى، وهُم ﴿الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآَنَ عِضِينَ أي جعلوا القرآن أجزاءً، فآمَنوا ببعضه، وكفروا بما لا يُناسب أهوائهم منه، (وكذلك المشركين الذين قسَّموا القرآن، فقالوا إنه شِعر وسِحر وغير ذلك، وصَرَّفوه بحسب أهوائهم، ليَصُدُّوا الناسَ عن الهُدى).


الآية 92، والآية 93: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴿عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ أي سيَسألهم ربهم يوم القيامة عن تقسيمهم للقرآن بافتراءاتهم، وعن عبادتهم للأصنام، وغير ذلك من المعاصي والآثام..


الآية 94: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ أي: فاجهَر أيها النبي بدعوة الحق - التي أمَرك اللهُ بها - وأعلِنها للناس، ﴿وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ فلا تَهتم بعِنادهم، وامضِ في طريق دَعْوتك، فقد برَّأكَ اللهُ مِمَّا يقولون.


واعلم أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم قضى فترةً من الزمن مُستخفياً بدعوته هو وأصحابه في دار "الأَرْقَم ابن أبي الأَرْقَم" حتى نَزَلَ قول اللهِ تعالى: ﴿ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ ﴾، فخرج صلى الله عليه وسلم وأعْلَنَ الإسلامَ ودعا إليه.


الآية 95، والآية 96: ﴿إِنَّا كَفَيْنَاكَ أي حفظناك مِن شر ﴿الْمُسْتَهْزِئِينَ أي الساخرينَ من زعماء قريش، وهم ﴿الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ في عبادتهم (كالأصنام وغيرها)، ﴿فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ عاقبة عملهم في الدنيا والآخرة.


الآية 97، والآية 98، والآية 99: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ مِن الاستهزاء والسُخرية، ومِن المُبالغة في الكفر والعناد، ثم أرشده تعالى إلى ما يُخَفف عنه ذلك الألم النفسي، فقال له: ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ: أي فالجأ إلى ربك عند ضِيق صدرك، وسَبِّح بحمده (أي أكثِر مِن قول: سبحان الله وبحمده، (وهي تعادل في المعنى: (سبحان الله والحمد لله)، فأمّا كلمة (سبحان الله): فمَعناها أنك تَنفي عن اللهِ تعالى كل ما لا يَليقُ به، وأمَّا معنى (الحمد لله): أنك تشكرُ اللهَ تعالى على نِعَمه، وتُثنِي على جلاله وكماله)، ﴿وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ أي المُصَلِّين المُتذللين للهِ تعالى، فإنّ الصلاة الخاشعة تكفيك ما أهَمَّك وتوسع صدرك، ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ أي استمِرَّ في عبادة ربك حتى يأتيك اليقين (وهو الموت)، فإنّ القبر أول منازل الآخرة، وبمَوت الإنسان ودخوله في الدار الآخرة: يُصبح إيمانه يَقيناً خالصاً، (وقد امتثل رسول الله صلى الله عليه وسلم أمْرَ ربه، فاستمَرّ في عبادته تعالى حتى توفاه الله).


واعلم أنّ العبادة لها تعريفات كثيرة، ولكننا نَذكر منها أنها هي (أداء الطاعة بِذُلّ وحُبّ للهِ تعالى)، واعلم أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال - كما في صحيح البخاري -: (مَن قال سبحان الله وبحمده في يومٍ مائة مرة: غُفِرَتْ ذنوبه ولو كانت مِثل زَبَد البحر) (وزَبَد البحر هي الرَغوةً الطافية فوق سطح البحر).


[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي" ، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير.

واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #107  
قديم 05-11-2021, 08:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,887
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟[1]

رامي حنفي محمود




تفسير الربع الأول من سورة النحل




الآية 1، والآية 2: ﴿ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ : أي اقَترب أمْرُ اللهِ بعذابكم أيها المشركونَ ﴿ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ : أي فلا تستعجلوا العذابَ استهزاءً بوعيدِ اللهِ لكم ﴿ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ : أي تَنَزَّهَ اللهُ وتَقَدَّسَ عن شِرك المُشركين الذي جَرَّأهم على الاستهزاء بالعذاب، (واعلم أنه سبحانه لم يقل لهم - بضمير المُخاطَب -: (عما تُشركون)، بعد أن كانَ الخطاب مُوَجَّهاً إليهم في قوله: ﴿ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ﴾، وذلك تهميشاً لهم، واحتقاراً لأفعالهم التي لا يَرضى عنها العقلاء).


هذا، وقد أنزل اللهُ بهم بعضَ العذاب الذي استعجلوه، فقد قَتَلَ زعمائهم المُستهزئين في بدر، ثم أصابهم القحط سبع سنين، وعَذَابُ يوم القيامة قد اقترب لمن استعجله، ولذلك عَبَّرَ عنه سبحانه بصيغة الماضي - في قوله: ﴿ أَتَى ﴾ - وذلك لتأكيد وقوعه في عِلم اللهِ تعالى واقتراب مجيئه، فإنه آتٍ لا مَحالة، وكلُّ آتٍ قريب.


ولَمَّا بَرَّأَ اللهُ نفسه عَمَّا وَصَفه به أعداؤه، ذَكَرَ الوحي الذي يَجب اتِّباعه، فقال: ﴿ يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ أي بالوحي الذي به حياة الأرواح والقلوب، وهذا يُشبه قوله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا ﴾، (والمقصود بالملائكة هنا: "جبريل" عليه السلام ومَن معه مِن حَفَظَة الوحي)، إذ يَنزلون بالوحي ﴿ مِنْ أَمْرِهِ : أي بأمْر ربهم سبحانه ﴿ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ المُرسَلين، بـ ﴿ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا أي خَوِّفوا الناس مِن عاقبة الشِرك، لأنه لا معبودَ بحقٍ إلا أنا ﴿ فَاتَّقُونِ : أي فاتقوني أيها الناس بأداء فرائضي وإفرادي وحدي بالعبادة.


واعلم أنّ اللهَ تعالى قال: ﴿ يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ ﴾، ولم يقل (بأمْره)، وذلك لأنّ الوحي من الأمور التي اختَصَّ اللهُ بها نفسه، وهذا كقوله تعالى: ﴿ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ﴾، واللهُ أعلم.


الآية 3: ﴿ خَلَقَ سبحانه ﴿ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ أي ليَستدِل بهما العباد على عَظَمة خالقهما وقدرته على إحياء الموتى (لأنّ ذلك أهْوَنُ عليه سبحانه مِن خَلْق السماوات والأرض)، وبأنه وحده الخالق القادر المستحق للعبادة، ﴿ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ : أي تنزَّه - سبحانه - وتعاظَمَ عن شِركهم وافترائهم.


الآية 4: ﴿ خَلَقَ سبحانه ﴿ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أي مِن ماءٍ حقير مُستَقذَر، ثم أخرجه تعالى مِن بطن أُمِّهِ لا يَعلم شيئاً، حتى إذا رَبَّاهُ وأصبح رَجُلاً: ﴿ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ :أي فإذا به يَقْوى ويَغترُّ، ويُصبح شديد الجدال لربه في إنكار البعث وغير ذلك، كقوله: "مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ؟"، ونَسِيَ قدرة ربه الذي خَلَقَه من العدم.


الآية 5، والآية 6، والآية 7: ﴿ وَالْأَنْعَامَ - مِن الإبل والبقر والغنم - ﴿ خَلَقَهَا سبحانه ﴿ لَكُمْ - أيها الناس -﴿ فِيهَا دِفْءٌ : أي جعل في أصوافها وأوبارها الدفء، ﴿ وَمَنَافِعُ أُخرى في جلودها وألبانها وما يَنتج من اللبن (كالزُبد والسَمن والجُبن) وكذلك تنتفعون بأولادها، ﴿ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ أنواعاً مختلفة من اللحوم، ﴿ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ أي: ولكم فيها زينة تُدْخل السرور عليكم، وذلك ﴿ حِينَ تُرِيحُونَ :أي عندما تَرُدُّونها إلى البيوت في المساء،﴿ وَحِينَ تَسْرَحُونَ : أي عندما تُخْرجونها للمَرعى في الصباح، ﴿ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ أي تحمل ما ثَقُلَ مِن أمتعتكم وأحمالكم﴿ إِلَى بَلَدٍ بعيدٍ ﴿ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ : أي لن تستطيعوا الوصول إليه إلا بجهدٍ شديد ومَشَقَّة عظيمة، ﴿ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ حيثُ سَخَّرَ لكم كل ما تحتاجون إليه، إذاً فاعبدوه وحده ولا تُشركوا به.


الآية 8: ﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ خَلَقَها سبحانه لكم ﴿ لِتَرْكَبُوهَا ﴿ وَزِينَةً أي: ولتكون جمَالاً لكم ومَنظرًا حسنًاً، ﴿ وَيَخْلُقُ سبحانه ﴿ مَا لَا تَعْلَمُونَ مِن وسائل الركوب وغيرها (ويَدخل في ذلك: السيارات والقطارات والطائرات والغواصات، إذ هو سبحانه الذي خَلَقَ مَصدر صُنعها، وهو الحديد، ثم عَلَّمَ الإنسانَ كيف يَصنعها)، وذلك لتزدادوا إيمانًاً به وشُكراً له.


واعلم أنّ هناك خلافٌ بين العلماء في جواز أكْل لحوم الخيل، والراجح: جواز أكْلها (وهو رأي الجمهور)، لحديث أسماء رضي الله عنها - كما في صحيح مسلم - أنها قالت: (فجَزَرنا - أي ذَبَحنا - فرَسَاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بالمدينة وأكلناه ).


الآية 9: ﴿ وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ أي: وعلى اللهِ إيضاحُ الطريق المستقيم لِهدايتكم، وهو الإسلام، ﴿ وَمِنْهَا جَائِرٌ أي: ومن الطرق ما هو مائل لا يُوصل إلى الهداية (وهو كل ما خالَفَ الإسلام)، ﴿ وَلَوْ شَاءَ سبحانه﴿ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ للإسلام، ولكنه لم يَشأ ذلك لحكمةٍ يَعلمها، ولذلك هَدَى سبحانه مَن رَغَبَ في الهداية واتَّبع أسبابها، وأضَلَّ مَن رغب في الضَلال واتَّبع أسبابه.


الآية 10، والآية 11: ﴿ هُوَ سبحانه ﴿ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ﴿ لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ أي ماءٌ تشربونه وتتطهرون به، ﴿ وَمِنْهُ شَجَرٌ : أي وأخرج لكم بهذا الماء شجرًا (والمقصود بالشجر هنا: جميع النباتات، حيثُ يَتوقف وجودها على الماء)، ﴿ فِيهِ تُسِيمُونَ : أي تَرْعَوْن مَوَاشيكم في هذا النبات، ﴿ يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ أي بهذا الماء الواحد: ﴿ الزَّرْعَ أي الزروع المختلفة ﴿ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ أنواع﴿ الثَّمَرَاتِ ، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ الإنبات ﴿ لَآَيَةً أي دلالة واضحة على قدرته تعالى، وقد جعل سبحانه هذه الدلالة ﴿ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ أي يَتأملون، فيَعلموا أنه سبحانه الخالق الرازق المستحق وحده للعبادة.


ورغم أنّ الزيتون والتمر والعنب مِن ضِمن الثمرات، إلا إنه سبحانه قد ذَكَرها منفصلة، لإظهار فوائدها ومنافعها (وهذا مِن باب ذِكر العام على الخاص لإظهار فضل الشيئ وشَرَفه)، واللهُ أعلم.


الآية 12: ﴿ وَسَخَّرَ سبحانه ﴿ لَكُمُ اللَّيْلَ لراحتكم، ﴿ وَالنَّهَارَ لمعاشكم، (والمقصود مِن تسخيرهما: كَونهما مَوجودين باستمرار لا يَفترقان أبداً إلى أن يَأذن اللهُ بانتهائهما)، ﴿ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ سَخّرَهما سبحانه لكم لمعرفة الأيام والشهور، وإضاءة الأرض، وغير ذلك من المنافع، ﴿ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ أي مُذلَّلاتٌ لكم بأمْر اللهِ وقدرته، وذلك لمعرفة الأوقات، ونُضج الثمرات، والاهتداء بها في الظلمات، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ التسخير ﴿ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ أي يَعقلون عن اللهِ أدلته وبراهينه، إذ إنه لا يُعقَلُ أبدًا أن يَخلُقَ سبحانه ويُعبَد غيرُه، وأن يَرزُقَ ويُشكَر غيرُه!


واعلم أنّ الواو التي قبل كلمة (النجوم) تُسمَّى: (واو الابتداء)، يعني كأنها تبدأ جُملة جديدة، فلذلك جاءت كلمة (النجوم) مرفوعة (لأنها مبتدأ)، ولم تأت مَنصوبة مِثل مَن قبلها (لأنها لم تُعطَف عليهم).


الآية 13: ﴿ وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ أي: وَسَخَّرَ لكم ما خَلَقَه في الأرض - من المَواشي والثمار والمعادن - وغير ذلك مما تختلف ألوانه ومنافعه، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ الخَلق واختلاف الألوان والمنافع ﴿ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ أي لَعِبرةً لقوم يَتعظون، ويَعلمون أنَّ في تسخير هذه الأشياء علاماتٍ على وحدانية اللهِ وقدرته، فيَعبدوه وحده ولا يُشرِكوا به.


الآية 14: ﴿ وَهُوَ سبحانه ﴿ الَّذِي سَخَّرَ لكم ﴿ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا من الأسماك وغيرها ﴿ وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً أي زينةً ﴿ تَلْبَسُونَهَا أي تلبسها نساؤكم (كاللؤلؤ وغيره)، (واعلم أنّ المقصود مِن تسخير البحر: هو تمكين البشر من التصرف فيه، وتذليله لهم بالركوب، وتيسير الغوص - لاستخراج اللآلئ - وصيد الأسماك وغير ذلك، فهي نعمة عظيمة، وإلاّ، فلو شاءَ سبحانه لَسَلّطَ البحر عليهم فأغرقهم)، ﴿ وَتَرَى الْفُلْكَ أي ترى السفن العظيمة - رغم ثِقَلها - ﴿ مَوَاخِرَ فِيهِ : أي تَشُقّ الماء ذهاباً ومَجيئاً، لتحملكم وتحمل أثقالكم ﴿ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ أي: وتركبونها لتطلبوا رِزقَ اللهِ بالتجارة والربح فيها (وذلك بنقل البضائع والسِلَع من بلدٍ إلى آخر) ﴿ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ربكم على هذه النعم العظيمة، ولا تعبدون معه غيره.


الآية 15، والآية 16: ﴿ وَأَلْقَى أي وَوَضَعَ سبحانه﴿ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أي جبالاً راسية لتُثَبِّت الأرض﴿ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ : أي حتى لا تميل بكم وتتحرك (إذ لو تَحَرَّكَتْ بكم: ما استقامَ العيشُ عليها، ولَتَهَدَّمَ ما عليها وتَساقط)، ﴿ وَأَنْهَارًا أي: وجعل في الأرض أنهارًا لسُقياكم وسُقيا دَوَابِّكم وزروعكم وغير ذلك مِن منافعكم، ﴿ وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ أي:وجعل في الأرض طُرُقًاً لتهتدوا بها في الوصول إلى الأماكن التي تقصدونها، ﴿ وَعَلَامَاتٍ : أي وجعل في الأرض علاماتٍ تَستدلُّون بها على الطُرُق نهارًا (كالهِضاب والأوْدية والأشجار وغير ذلك)، ﴿ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ أي: كما جعل النجوم ليَهتدي بها المسافرون ليلاً، (فرُكَّاب البحر لا يَعرفون اتجاه سَيْرهم في الليل إلا بالنجوم، وكذلك المسافرون في الصحارى، وذلك قبل وجود آلة (البوصلة) والتي لم توجد إلا على ضوء النجم وهدايته).


الآية 17: ﴿ أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ : يعني أتجعلون اللهَ تعالى - الذي يَخلق هذه الأشياء وغيرها - كالآلهة المزعومة التي لا تخلق شيئًا، وتعبدونها معه؟! ﴿ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ : يعني أفلا تتذكرون عَظَمَة اللهِ تعالى، فتتوبوا إليه وتُسلِموا له؟!


الآية 18: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا : يعني: وإن تعُدُّوا نِعَم اللهِ عليكم لا تستطيعوا حَصْرَها ولا القيام بشُكرها; وذلك لكثرتها وتنوُّعها (لِذا فتذكَّروا نِعَمَهُ سبحانه، واشكروه عليها، مع استشعاركم - أثناء الشكر - بعَجْزكم عن القيام بشُكره كما يَجب)، واستخدِموا نِعَمَهُ في طاعته ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ إذ يَتجاوز عن تقصيركم في أداء شُكر النعم، ولا يَقطعها عنكم لتفريطكم، ولا يُعاجلكم بالعقوبة.


الآية 19: ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ أي يَعلم سبحانه ما تتحدثون به سِرَّاً وما تُخفونه في نفوسكم ﴿ وَمَا تُعْلِنُونَ أي: ويَعلم سبحانه ما تُظهِرونه لغيركم، (ومِن ذلك أنّ اللهَ عليمٌ بما يُدَبِّرُه المشركون مِن الشر والأذى لرسوله صلى الله عليه وسلم، فالآية تَحمل أيضاً تهديداً ووعيداً لكفار مكة).


الآية 20، والآية 21: ﴿ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا يعني: والآلهة المزعومة التي يَعبدها المشركون لا تَخلق شيئًا (وإنْ صَغُر)، ﴿ وَهُمْ يُخْلَقُونَ يعني: بل هي مخلوقات صَنَعَها الكفار بأيديهم، فكيف إذاً يَعبدونهم وهم يَعلمون أنهم ﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ أي جمادات لا حياةَ فيها؟! ﴿ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ أي: ولا تَشعر هذه الأصنام بالوقت الذي يَبعثها اللهُ فيه هي وعابديها، ليُلقَى بهم جميعاً في النار يوم القيامة.


الآية 22، والآية 23: ﴿ إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ يعني: إلهكم المستحق وحده للعبادة هو اللهُ الواحد الأحد، (والعبادُ قسمان: قِسمٌ مؤمن بهذه الوحدانية، وقِسمٌ جاحد بها رغم وضوح الأدلة وقوَّتها) ﴿ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ هم الذين﴿ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ لهذه الوحدانية، ﴿ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ أي يَتكبرون عن قبول الحق، وعبادة اللهِ وحده، و﴿ لَا جَرَمَ أي حَقًا ولا شك ﴿ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ أي يَعلم ما يُخفونه مِن عقائد وأقوال وأفعال وما يُظهرونه منها، وسيُجازيهم على ذلك كله ﴿ إِنَّهُ سبحانه ﴿ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ .


واعلم أنّ اللهَ تعالى قد خَصَّ الذين لا يؤمنون بالآخرة بأنهم هم المُنكِرون للوحدانية - عندما قال:﴿ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ ﴾ - وذلك لعدم خوفهم من العقاب في الآخرة، إذ لو آمنوا باليوم الآخر (الذي هو يوم الجزاء على أعمالهم)، ولو تَخَلَّوا عن أهوائهم وشهواتهم، وخافوا عقابَ اللهِ تعالى: لاَستقاموا على الحق والخير.


الآية 24، والآية 25: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ يعني: وإذا جاءَ أُناسٌ من بلادٍ أخرى ليَسألوا عن الإسلام، فقابلوا هؤلاء المشركين وسألوهم عن القرآن: ﴿ قَالُوا لهم: إنه ﴿ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ أي قصص السابقين وأباطيلهم، (وهذا مِن جَهلهم وعِنادهم، وإلاَّ، فكيف يكون هذا الكتاب المُشتمل على الحق والعدل التام، أساطيرَ الأولين؟!)، فكانوا بذلك يَصرفون الناس عن الإسلام ﴿ لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ : أي لتكون عاقبة افترائهم أن يَحملوا ذنوبهم كاملةً يوم القيامة - لا يُغْفَرُ لهم منها شيء - ﴿ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ أي: وكذلك سيَحملون مِن ذنوب الذين كَذَبوا عليهم وأضَلُّوهم، ليُبعدوهم عن الإسلام ﴿ بِغَيْرِ عِلْمٍ أي: وهم لا يَعلمون أنّ مَن دَعا إلى ضَلالة، كان عليه ذنب مَن عَمِلَ بها إلي يوم القيامة،﴿ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ : أي قَبُحَ ما يَحملونه من الذنوب، لأنها ستقودهم إلى نار جهنم ليُعَذَّبوا فيها.


واعلم أنّ اللام التي في قوله تعالى: ﴿ لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ ﴾ تسمى: (لام العاقبة)، أي: لتكون عاقبتهم أن يَحملوا ذنوبهم، وهذا مِثل قوله تعالى: ﴿ فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ﴾.


الآية 26: ﴿ قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أي: لقد دَبَّرَ الكفار السابقين المَكايد لرُسُلهم ﴿ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ : أي فهَدَمَ اللهُ تعالى بُنيانهم مِن أُسُسِه وقواعده، (وهذا كقول العرب: (أتَى عليه الدهر) أى: أهلكه وأفناه، وكما تقول أيضاً: (لقد أُتِيَ فلانٌ مِن مَأمنه) أى نَزَلَ به الهلاك)، أمّا إتيانُ اللهِ تعالى يوم القيامة فيكونُ إتيَانًا حقيقيًّا بذاتِهِ على الوَجْهِ اللائق بهِ سُبحانه، ففي صحيح مُسلم أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال - وهو يتحدث عن يوم القيامة -: (حتى إذا لم يَبْقَ إلاَّ مَن كان يَعْبُدُ اللَّهَ تعالى مِن بَرٍّ وفاجر: أتاهم رَبُّ العالمين سبحانه وتعالى في أدنَى صورةٍ مِن التي رأوهُ فيها).


﴿ فَخَرَّ أي فسقط﴿ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ ﴿ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ أي: وبذلك قد جاءهم الهلاك - وهم في مَأمنهم - مِن حيثُ لا يتوقعون، وذهب باطلهم وزالَ مَكْرُهم (أفلا يَتعظ كفار قريش بهذا فيَنتهوا عن تدبير السُوءَ لنَبِيِّهم بالقتل أو النفي أو الحبس؟).


الآية 27، والآية 28، والآية 29: ﴿ ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ أي يُذِلُّهم اللهُ بالعذاب يوم القيامة ﴿ وَيَقُولُ لهم - توبيخاً -:﴿ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الذين عبدتموهم مِن دُوني، و﴿ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ : أي كنتم تحاربون الأنبياء والمؤمنين مِن أجْلهم، فأين هم الآن ليَدفعوا عنكم العذاب؟، وحينئذٍ ﴿ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أي قال الأنبياء والعالمون: ﴿ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ : يعني إن الذل في هذا اليوم والعذاب سيَكونُ على الكافرين ﴿ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ أي تقبض الملائكة أرواحهم وهم ﴿ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ بالكفر والمعاصي، ﴿ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ : أي فاستسْلَموا لأمْر اللهِ حينَ رأوا الموت، وأنكَروا ما كانوا يَعبدونَ مِن دون الله، فقالوا: ﴿ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ : أي ما كنا نعمل شيئًا من الشِرك والمعاصي، فيُقال لهم: ﴿ بَلَى أي كَذَبْتم، فـ ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ، وسيُجازيكم على أعمالكم، ﴿ فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ﴿ فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ يعني:فإنّ جهنم هي بئس المُستقَرّ للذين تكبَّروا عن عبادة اللهِ وحده.


[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير.
واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #108  
قديم 05-11-2021, 08:08 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,887
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*]

رامي حنفي محمود


تفسير الربع الثاني من سورة النحل




الآية 30، والآية 31، والآية 32:ï´؟ وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ï´¾ يعني: وإذا سُئِلَ المؤمنون المُتَّقون: ï´؟ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ ï´¾ على محمد صلى الله عليه وسلم؟ ï´؟ قَالُوا ï´¾: ï´؟ خَيْرًا ï´¾ أي أنزَل عليه الخير والهدى، ï´؟ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا ï´¾: يعني إنَّ للمحسنين - الذين اتقوا ربهم وعبدوه بما شَرَع، ودَعوا الناس إلى توحيده -، هؤلاء لهم في الدنيا (حَسَنَةٌ) أي حياةً طيبة في الدنيا، ï´؟ وَلَدَارُ الْآَخِرَةِ ï´¾ أي: ولَنعيم الدار الآخرة ï´؟ خَيْرٌ ï´¾ لهم وأعظم من الدنيا وما فيها، ï´؟ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ ï´¾ في الآخرة، وهي ï´؟ جَنَّاتُ عَدْنٍ ï´¾ أي جناتالخلود، التي ï´؟ يَدْخُلُونَهَا ï´¾ فلا يَخرجون منها أبدًا، ï´؟ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ï´¾: أي تجري الأنهار مِن تحت أشجارها وقصورها، ï´؟ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ ï´¾ أي يَطلبونَ فيها كل ما تشتهيه أنفسهم، مِمَّا لَذَّ وطابَ من المطاعم والمشارب والملابس والمراكب وغير ذلك، مِمَّا لم يَخطر على قلب بَشَر من النعيم، (وهذا هو مُنتهَى الإكرام، إذ كَون العبد يَجد كل ما يَشتهي ويَطلب هو نعيمٌ ليس بعده نعيم) ï´؟ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ ï´¾ وهم ï´؟ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ ï´¾: أي تقبض الملائكة أرواحهم وقلوبُهم طاهرة من الكفر والشِرك، ï´؟ يَقُولُونَ ï´¾ أي تقول لهم الملائكة: ï´؟ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ï´¾ مِن كل خوف وحزن وتعب ï´؟ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ï´¾ من الإيمان والعمل الصالح والتوبة (لأنّ المتقين كانوا إذا وقعوا في ذنبٍ: سارَعوا بالتوبة، كما قال تعالى: ï´؟ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ ï´¾، فلذلك ماتوا وهم مغفورٌ لهم، (واعلم أنه تعالى وَصَفَ الجنة بأنها: (دار المتقين)، باعتبار أنهم أهلها والجديرون بها).


الآية 33، والآية 34: ï´؟ هَلْ يَنْظُرُونَ ï´¾: يعني هل يَنتظر هؤلاء المشركون ï´؟ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ ï´¾ لتقبض أرواحهم وهم على الكفر، ï´؟ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ ï´¾ بعذابٍ عاجل يُهلكهم - أو بقيام الساعة - وساعتها سيُؤمنون؟!، ï´؟ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ï´¾: يعني كما كَذَّبَ هؤلاء المشركون مِن قومك، فكذلك كَذَّبَ الكفار مِن قبلهم، فنزل بهم العذاب، ï´؟ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ ï´¾ بإهلاكهم ï´؟ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ï´¾ بالكفر والمعاصي، فبذلك استحقوا العذاب، ï´؟ فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا ï´¾: أي فنزلتْ بهم عقوبة ذنوبهم التي عملوها ï´؟ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ï´¾ أي: وأحاط بهم العذاب الذي كانوا يَسخرون منه، فلم يستطيعوا الفرار.


♦ واعلم أنّ مناسبة هذه الآية لِمَا قبلها: أنّه تعالى لَمَّا أخبر عن العذاب الذي نَزَلَ بالمُكَذِّبين السابقين، وأخبر عن حال تَوَفِّي الملائكة لهم وللمؤمنين، قال - مُنكِراً على كفار مكة عدم مُسارعتهم إلى الإيمان -: ï´؟ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ ï´¾.


الآية 35: ï´؟ وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا ï´¾: ï´؟ لَوْ شَاءَ اللَّهُ ï´¾ ألاَّ نُشرك به، وألاَّ نُحَرِّم شيئاً مِن عند أنفسنا: ï´؟ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ ï´¾ (وهذا جهلٌ منهم بحكمة ربهم وبسُنَّتِهِ في كَوْنِه، مِن هداية مَن اتَّبع أسباب الهدى وإضلال مَن اتَّبع أسباب الضلال).


♦ وقد رَدَّ سبحانه عليهم - في آيةٍ أخرى - بقوله: ï´؟ قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا ï´¾؟ يعني هل عندكم عِلمٌ صحيح - فيما حَرَّمتم من الأنعام والزروع، وفيما زعمتم مِن أنّ اللهَ قد شاءَ لكم الشِرك ورَضِيَهُ منكم - فتُظهِروهُ لنا؟! ï´؟ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ï´¾: أي: ما أنتم إلا تَكذبون في هذا الظنّ، الناتج عن التخمين واتّباع الآباء بغير دليل.


ï´؟ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ï´¾ أي: كذلك احتَجَّ الكفار السابقون بمِثل هذا الاحتجاج الباطل - وهم يَعلمون أنهم كاذبون - فإنّ الله تعالى قد أمَرَهم ونهاهم، ومَكَّنَهم من القيام بما كَلَّفهم به، وجعل لهم قوة ومَشيئة تصدر عنها أفعالهم، فلذلك بَطلَ احتجاجهم بالقضاء والقدر مِن بعد إنذار الرُسُل لهم ï´؟ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ï´¾؟ (والاستفهام للنفي) أي ليس على الرُسُل إلا التبليغ الواضح لِمَا كَلَّفهم اللهُ به.


الآية 36: ï´؟ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا ï´¾ آمِرًا لهم ï´؟ أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ ï´¾ وحده ï´؟ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ï´¾: أي اتركوا عبادة غير اللهِ تعالى (مِن الشياطين والأصنام والأموات وغير ذلك)، ï´؟ فَمِنْهُمْ ï´¾ أي مِن هذه الأمم ï´؟ مَنْ هَدَى اللَّهُ ï´¾ أي هداهُ اللهُ تعالى فاتَّبَعَ المُرسَلين، ï´؟ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ï´¾ أي: ومنهم المُعاند الذي اتَّبع طريق الضَلال، فوجبتْ عليه الضَلالة، فلم يُوَفِّقه الله، فإن كنتم أيها المشركون في شَكٍّ مِن ذلك: ï´؟ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ ï´¾ ï´؟ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ï´¾ أي كيف كانت نهايتهم، لتَعتبروا.


♦ واعلم أنّ الطاغوت هو كل ما يَعبُدُه الناس مِن دون اللهِ تعالى، بشرط أن يكون هذا الطاغوت راضياً عن عبادة الناس له، لأنّ عيسى عليه السلام لم يكن راضياً عن عبادة النصارى له.


الآية 37: ï´؟ إِنْ تَحْرِصْ ï´¾ - أيها الرسول - ï´؟ عَلَى هُدَاهُمْ ï´¾ أي على هداية هؤلاء المشركين ï´؟ فَإِنَّ اللَّهَ ï´¾ أي فاعلم أنّ اللهَ ï´؟ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ ï´¾ فلا يَقدر أحَدٌ أن يَهدي مَن أضله الله، لأنّ إضلال اللهِ تعالى يكونُ على سُنَن ثابتة، لا تَقبل التبديل والتغيير، (ومِن هذه السنن: تفضيلهم الدنيا على الآخرة، والضلال على الهدى، والانقياد للشهوات على الانقياد للحق)، ï´؟ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ï´¾ يَمنعون عنهم عذابَ اللهِ تعالى (إذاً فلا تُهلِكْ نفسك حُزناً عليهم، فما عليك إلا البلاغ).


الآية 38، والآية 39، والآية 40: ï´؟ وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ ï´¾ أي: وأقسم هؤلاء المشركون باللهِ تعالى - بأغلظ الأيمان - أنّ اللهَ لن يَبعث مَن يَموت بعدما صارَ تراباً، فرَدَّ سبحانه عليهم بقوله: ï´؟ بَلَى ï´¾ أي سيَبعثهم اللهُ تعالى، وبهذا وَعَدَ ربكم ï´؟ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا ï´¾ الوفاء به، ï´؟ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ï´¾ أي لا يَعلمون قدرة اللهِ على إحياء مَن بدأ خَلْقهم أول مرة.


♦ واعلم أنّ المشركين كانوا يَحلفون بآلهتهم وآبائهم في الأمور التافهة، وأما إذا كان الأمر عظيماً: أقسَموا باللهِ تعالى.


♦ وسوف يَبعث اللهُ جميع العباد يوم القيامة ï´؟ لِيُبَيِّنَ لَهُمُ ï´¾ حقيقة البعثِ ï´؟ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ ï´¾ ï´؟ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ ï´¾ حينما حَلفوا أنه لا بَعْثَ ولا جزاء، بل، إنّ أمْرَ البَعث يَسيرٌ علينا، فـ ï´؟ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ï´¾ أي فإذا هو كائنٌ موجود.


الآية 41، والآية 42: ï´؟ وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ ï´¾ أي والذين هاجروا في سبيل اللهِ طَلَباً لرضاه، وتركوا ديارهم وأموالهم مِن أجْله تعالى ï´؟ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا ï´¾ وعُذَّبوا: ï´؟ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ï´¾: أي لَنُسكِننَّهم في الدنيا دارًا حسنة (والمقصود بها هنا: المدينة المنورة)، وكذلك فإنّ كل مَن هاجر في سبيل الله، فإنّ اللهَ تعالى يُوفي له بهذا الوعد، كما قال تعالى: ï´؟ وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً ï´¾ أي سعةً في العيش والرزق، ï´؟ وَلَأَجْرُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ ï´¾ - لأنّ ثوابهم فيها هو الجنة - ï´؟ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ï´¾: (هذه الجُملة لتشجيع المُتباطئين عن الهجرة) أي لو كان المتخلفون عن الهجرة يَعلمون - يَقيناً - ما أعَدَّهُ اللهُ في الجنة للمهاجرين في سبيله، ما تخلَّفَ أحدٌ منهم.


♦ ومِن صفات هؤلاء المهاجرين أنهم هم ï´؟ الَّذِينَ صَبَرُوا ï´¾ على أوامر اللهِ تعالى - وإن كانت مُخالِفةً لِهَواهم - ï´؟ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ï´¾ أي: وعلى ربهم وحده يَعتمدون، فبذلك استحقوا هذه المَنزلة العظيمة.


الآية 43، والآية 44: ï´؟ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ ï´¾) - أيها الرسول - ï´؟ إِلَّا رِجَالًا ï´¾ أي رُسُلاً من الرجال (لا من الملائكة)، وكنا ï´؟ نُوحِي إِلَيْهِمْ ï´¾ لِيُبَلِّغوا رسالات ربهم للناس، وإن كنتم - يا مشركي قريش - لا تُصَدِّقونَ بذلك ï´؟ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ ï´¾: أي اسألوا أهل الكتب السابقة، ليُخبروكم أنّ الأنبياء كانوا بَشَرًا وليسوا ملائكة ï´؟ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ï´¾.


♦ واعلم أنّ هذه الآية عامة في كل مسألة من مسائل الدين - إذا لم يكن عند الإنسان عِلمٌ منها - أن يَسأل مَن يَعلمها مِن العلماء المُتمكنين في العلم.


♦ ولقد أَرْسَلْنا الرُسُل السابقينَ ï´؟ بِالْبَيِّنَاتِ ï´¾ أي بالدلائل الواضحة على وجوب عبادة اللهِ وحده، ï´؟ وَالزُّبُرِ ï´¾ أي: وأرسلناهم بالكتب السماوية لهداية الناس، ï´؟ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ï´¾: أي وأنزلنا إليك القرآنَ أيها الرسول، لتُوَضِّح للناس ما خَفِيَ مِن مَعانيه وأحكامه، (ويُحتمَل أن يكون المقصود بالذِّكر هنا: السُنّة، لأنها هي المُوَضِّحة لمعاني القرآن)، ولِذا فالراجح أنَّ المقصود بالذِكر هنا: (جميع الشريعة) أي القرآن والسُنَّة، لأنّ القرآن لن يتم إيضاح مَعانيه إلا بالسُنَّة، ï´؟ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ï´¾ أي: ولِكَي يَتدبروا القرآن - بعد أن بَيَّنتَ لهم مَعانيه - فيَهتدوا به.


الآية 45، والآية 46، والآية 47: ï´؟ أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ ï´¾: يعني هل أَمِنَ الذين مَكَروا المَكرات السيئات (فالسيئات وَصْف للأفعال الماكرة التي مَكَروها، مِن محاولة قتل النبي صلى الله عليه وسلم، ومِن الشرك والتكذيب وتعذيب المؤمنين)، (واعلم أنّ هذا يَشمل أيضاً كل مَن يُصِرّ على المعاصي ولا يتوب منها)، أفأمِنَ هؤلاء ï´؟ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ ï´¾ كما فعل بقارون؟، ï´؟ أَوْ ï´¾ هل أَمِنوا أن ï´؟ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ ï´¾ أي مِن مكانٍ لا يتوقعونه؟، ï´؟ أَوْ ï´¾ هل أَمِنوا أن ï´؟ يَأْخُذَهُمْ ï´¾ العذاب ï´؟ فِي تَقَلُّبِهِمْ ï´¾ أي: وهم يَتقلبون في أسفارهم وأشغالهم؟، ï´؟ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ ï´¾: أي فلن يُعجِزوا اللهَ تعالى إذا أرادَ أخْذَهم وإهلاكهم، ï´؟ أَوْ يَأْخُذَهُمْ ï´¾ يعني: وهل أَمِنوا أن يأخذهم اللهُ ï´؟ عَلَى تَخَوُّفٍ ï´¾ أي في حال خوفهم مِن أخْذِهِ لهم (وذلك في حال توقعهم بنزول العذاب لوجود علاماته)، ويُحتمَل أن يكون المعنى: (أن يُهلكهم واحداً بعد الآخر أو جماعة بعد أخرى (يعني يأخذ القرية فتخاف القرية الأخرى وهكذا، حتى لا يَبقى منهم أحد)، ï´؟ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ï´¾ إذ لولا رأفته ورحمته: لأَذاقهم عذابه دونَ أن يُمهلهم للتوبة.


♦ واعلم أنّ التقلب: هو الحركة (ذهاباً وعودة) مِن أجل السعي في شئون الحياة (مِن تجارةٍ وعمل وسفر وغير ذلك).


الآية 48: ï´؟ أَوَلَمْ يَرَوْا ï´¾: يعني ألم يَنظر هؤلاء الكفار ï´؟ إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ ï´¾ له ظِلّ - كالشَجَر وغيره - إذ ï´؟ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ ï´¾: أي تميلُ ظلالها يَمينًاً وشمالاً (تبعًا لحركة الشمس نهارًا والقمر ليلاً)، فتكون ï´؟ سُجَّدًا لِلَّهِ ï´¾ بظلالها، ï´؟ وَهُمْ دَاخِرُونَ ï´¾ أي: وهي تحت تسخيره وتدبيره وقهره.


الآية 49، والآية 50: ï´؟ وَلِلَّهِ ï´¾ وحده ï´؟ يَسْجُدُ ï´¾ كُلُّ ï´؟ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ ï´¾ تدبّ على وجه الأرض(حتى الكافر، فإنه - وإن لم يَسجد للهِ تعالى عبادةً - فإنه يَسجد له بخضوعه لأحكامه الجارية عليه - مِن غِنىً وفقر، وصحةٍ ومرض وغير ذلك - ولا يقدر أن يَرُدّها).


ï´؟ وَالْمَلَائِكَةُ ï´¾ يَسجدون للهِ تعالى ï´؟ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ï´¾ عن عبادته (وقد خَصَّ سبحانه الملائكة بالذِّكر - من بين مخلوقاته - لشَرَفهم وكثرة عبادتهم)، فهُم ï´؟ يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ï´¾ أي يَخافون ربهم الذي هو فوقهم بالذات والقهر وكمال الصفات ï´؟ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ï´¾ فلا يَستطيعونَ أن يَعصوا ربهم، (وفي الآية إثبات صفة العُلُوّ والفوقية للهِ تعالى على جميع خلقه، كما يَليقُ بجلاله وكماله، إذ هو تعالى فوق كل شيء، ذاتاً وسُلطاناً وقهراً).

[*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير.
- واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #109  
قديم 05-11-2021, 08:08 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,887
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*]

رامي حنفي محمود


تفسير الربع الثالث من سورة النحل





الآية 51: ﴿وَقَالَ اللَّهُ لعباده: ﴿لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ أي لا تعبدوا مَعبودَيْن اثنين، فـ ﴿إِنَّمَا مَعبودكم الحق ﴿هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وهو اللهُ الخالق الرازق المالك، ﴿فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ: أي فخافوني وحدي ولا تخافوا غيري، لأنني الإله الحق، والأمر كله بيَدِي.

الآية 52: ﴿وَلَهُ سبحانه جميع ﴿مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ خَلقًا ومُلكًا وتصرفاً وإحاطة، (إذاً فكل ما تعبدونه مع الله: هو مِلكٌ لله، ولم يَأذن بعبادته)، ﴿وَلَهُ سبحانه ﴿الدِّينُ أي له وحده العبادة والطاعة والإخلاص ﴿وَاصِبًا أي دائمًا، ﴿أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ: يعني أتخافونَ مِن غير اللهِ تعالى، واللهُ هو الذي بيَدِهِ كل شيئٍ؟!

الآية 53، والآية 54، والآية 55، والآية 56:﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ - سواء كانت هداية، أو صحة، أو مال أو ولد، أو غير ذلك -: ﴿فَمِنَ اللَّهِ وحده، إذ هو سبحانه القادر على إعطاء النعم وسَلْبِها، ودَلَّلَ سبحانه على ذلك بشعورهم الفِطري، فقال: ﴿ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ: يعني إذا أصابكم بلاءٌ وشدة:﴿فَإِلَيْهِ وحده﴿تَجْأَرُونَ أي ترفعون أصواتكم بالدعاء والاستغاثة، طالبينَ منه كَشْف الضر، ﴿ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ يعني إذا جماعة منكم يُشركون بربهم المُنْعِم عليهم بالنجاة، فيَعبدونَ معه غيره، ﴿لِيَكْفُرُوا بِمَا آَتَيْنَاهُمْ: أي لتكون عاقبتهم أن يَجحدوا بما آتاهم اللهُ مِن نِعَم (ومنها كَشْف البلاء عنهم) فيَستحقوا العذاب، ولذلك قال بعدها: ﴿فَتَمَتَّعُوا: أي استمتِعوا أيها المشركون بدُنياكم الزائلة ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ عاقبة كُفركم وعِصيانكم.

﴿وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ: أي يَجعلون للأصنام - التي لا تعلم شيئًا - جُزءًا مِن أموالهم التي رَزَقهم اللهُ بها (ليتقربوا بها إليهم)، فتوَعَّدَهم سبحانه على ذلك بقوله:﴿تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ أي يوم القيامة﴿عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ مِن الكذب على اللهِ تعالى في جَعْلكم معه شركاء في العبادة، وسيُعاقبكم على ذلك بأشد العقاب.

الآية 57، والآية 58، والآية 59: ﴿وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ وذلك حين قالوا - كذباً وافتراءً -: (الملائكة بنات الله)، ﴿سُبْحَانَهُ أي تَنَزَّهَ اللهُ تعالى وتبرَّأَ مِن أن يكون له ولد (ذكراً كان أو أنثى) لأنه رَبُّ كل شيء ومَالكُه، فما الحاجةُ إذاً إلى الولد؟! ﴿وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ أي: وفي نفس الوقت الذي يَنسبون فيه البنات إلى اللهِ تعالى، يَجعلون لأنفسهم ما يُحبون من البنين ويَكرهون البنات!،﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى: يعني وإذا جاء مَن يُخبِرَ أحدهم بأنه قد وُلِدَ له بنت: ﴿ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا أي مُتغيِّراً بالسَواد مِن هذه البُشرَى ﴿وَهُوَ كَظِيمٌ أي مُمتلىء بالحزن والغم، وتَجِده ﴿يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ: أي يَتَخَفَّي مِن قومه حتى لا يَلقاهم بالذل والعار؛ وذلك ﴿مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ: أي بسبب البنت التي وُلِدت له، وتَجِده مُتحيِّرًا في أمْر هذا المولود: ﴿أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ: يعني أيُبقيهِ حَيّاً على ذلٍّ وفضيحة، ﴿أَمْ يَدُسُّهُ يعني أم يَدفنه حَيّاً ﴿فِي التُّرَابِ؟ - وهو ما كانَ يُعرَف بـ (وأد البنات) -، فقال تعالى مُنكِراً عليهم هذا الإجرام الفظيع: ﴿أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ: يعني قَبُحَ الحُكم الذي حَكَموه مِن قتل البنات وإذلالهنّ (هذا مِن جهة)، ومِن جهةٍ أخرى: (أنهم يَنسبونَ البنات للهِ تعالى ويُبَرِّئون أنفسهم منها).

الآية 60: ﴿لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ أي الصفة القبيحة من الجهل وظُلمة النفوس (لأنّ عدم إيمانهم بالحساب والجزاء جَعَلهم لا يَتركون شراً ولا يَعملون خيراً)، ﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى أي: وللهِ تعالى الصفات العُليا من الكمال والاستغناء عن جميع خَلقه، فلا يَحتاجُ سبحانه إلى زوجةٍ أو ولد، ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الذي قهر جميع المخلوقات، ﴿الْحَكِيمُ في تدبيره وقضاءه.

الآية 61، والآية 62: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ أي بكُفرهم وافترائهم وعِصيانهم:﴿مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ: أي لأَهلَكَهم جميعاً، وما تَرَكَ على الأرض مِن أحدٍ يَتحرَّك، ﴿وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ سبحانه ﴿إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى يعني إلى وقتٍ مُحَدّد (وهو نهاية آجالهم) ﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ عنه ﴿سَاعَةًليعتذروا ويتوبوا، ﴿وَلَا يَسْتَقْدِمُونَأي: ولا يَتقدم أجَلُهم عن الوقت المعلوم (ثم يُجازيهم ربهم على أعمالهم السيئة).

﴿وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ أي يَجعلون للهِ ما يَكرهونه لأنفسهم من البنات والشركاء، ومع هذا: ﴿وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى أي وتقول ألسنتهم كذبًا: إنّ لهم حُسن العاقبة، كما قال بعضهم: ﴿وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى﴾، فرَدَّ تعالى على هذا الافتراء بقوله: ﴿لَا جَرَمَ أي حقًا ولا شك ﴿أَنَّ لَهُمُ النَّارَ ﴿وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ أي مَتْروكون في النار لا يُنقِذهم أحد.

الآية 63: ﴿تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً ﴿إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ - أيها الرسول - ﴿فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ: أي فحسَََّنَ لهم الشيطان ما عملوه من الشِرك والتكذيب ﴿فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ أي: فهو مُتَوَلٍّ لإضلالهم في الدنيا ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ في الآخرة.

الآية 64: ﴿وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ - أيها الرسول - ﴿إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ: يعني إلا لتوضح للناس ما اختلفوا فيه من التوحيد والشِرك والهدى والضلال (لتقوم عليهم الحُجّة ببَيَانك)،﴿وَهُدًى أي: وأنزلنا القرآن رشدًا لمن اتَّبعه من الخلق، فيُنَجِّيهِ من الهلاك، ﴿وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ أي وجَعَله سبحانه رحمةً للمؤمنين (وخَصَّهم بذلك لأنهم المُنتفعون به، العاملونَ بهُداه)، وأما الكافرون فلا يَزيدهم القرآن إلا هَلاكاً وخُسراناً، لأنه قد أقام الحُجَّة عليهم.

الآية 65: ﴿وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا أي فأخرج به النبات من الأرض، بعد أن كانت يابسة لا خيرَ فيها، ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ يعني إنّ في إنزال المطر وإنبات النبات ﴿لَآَيَةً على قدرة اللهِ تعالى على البعث ﴿لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ أي يَسمعون هذه الآيات، سَمَاعَ تدَبُّر وانتفاع.

الآية 66: ﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ - وهي الإبل والبقر والغنم - ﴿لَعِبْرَةً أي لكم فيها عِبرة عظيمة على قدرة اللهِ تعالى، فقد شاهدتم كيف ﴿نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ أي مِمّا يَخرج مِن ضُروعها (وهو مكان الإرضاع)، فـ ﴿مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ: أي مِن بين الرَّوث (وهي القاذورات الموجودة في الكِرْش)، ومِن بين الدم: يُخرِجُ اللهُ تعالى ﴿لَبَنًا خَالِصًا من كل الشوائب (ليس فيه شيء من الفرْث أو الدم، لا في لونه ولا رائحته ولا طعمه)، ﴿سَائِغًا أي لذيذًاً ﴿لِلشَّارِبِينَ.


وهنا قد يقول قائل: لماذا ذَكَرَ اللهُ تعالى كلمة: (بطونه) في هذه الآية (بصيغة المُذكَّر)، على الرغم من أنه سبحانه قد ذَكَرَ نفس الكلمة بصيغة المؤنث في سورة "المؤمنون" حين قال: ﴿ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ ﴾؟
والجواب: أنّ العلماء قد اختلفوا في ذلك، فمنهم مَن قال بأنّ كلمة: (الأنعام) يَجوز تذكيرها كما يَجوز تأنيثها، ومنهم مَن قال بأنّ المقصود من قوله تعالى: ﴿ نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ ﴾أي نُسقيكم مِمَّا في بطون الذي له لبن (وهم الإناث)، فآية سورة "النحل" تتحدث - بصفة خاصة - عن إسقاء اللبن من بطون الأنعام مِن بين فرثٍ ودم، واللبن لا يَخرج من جميع الأنعام بل يخرج من الإناث فقط، وأما آية سورة "المؤمنون" فهي تتحدث عن منافع عامة لجميع الأنعام (ذكورها وإناثها)، ومنهم مَن قال بأنّ كلمة: (بطونه) جاءت بصيغة المُذكَّر للإشارة إلى أنّ اللبن يتكون بأمْر مِن هرمونات الذَكَر‏،‏ وذلك لأنّ الأنثى لا تُفرِز اللبن إلا إذا تَسَبَّب ماء الذكَر في إخصاب البويضة‏‏ وتكوّن الجنين‏،‏ مِمَّا يَتسبب في إفراز هرمونات خاصة تعمل على تنشيط الغُدَد اللبَنية حتى تكتمل قدرتها على إفراز اللبن بمجرد الولادة‏،‏ واللهُ أعلم‏‏.‏

الآية 67: ﴿وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ يعني: ومِن نِعَم الله عليكم أنه يُنبِت لكم من النخيل والأعناب ثَمَراً ﴿تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا: أي تجعلون بعضه خَمرًا مُسْكِرًا - وكانَ هذا قبل تحريم الخمر - ﴿وَرِزْقًا حَسَنًا: أي: وباقي الثمر يكونُ لكم طعامًا طيبًا، ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً على قدرة اللهِ تعالى واستحقاقه وحده للعبادة ﴿لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ أي يَعقلون البراهين فيَعتبروا بها.

الآية 68، والآية 69: ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ: أي ألْهَمَ ربك النحل بـ﴿أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ: أي اجعلي لكِ بيوتًا في الجبال، وفي الشجر، وفيما يَبني لكِ الناس من البيوت، ﴿ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ أي مِن كل ثمرةٍ تشتهينها، ﴿فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا: أي فاسلكي طُرُق ربك مُذللةً لكِ، سَهلة عليكِ (لا تَضِلِّينَ عنها)، وذلك لطلب الرزق في الجبال وخلال الشجر، ﴿يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ: أي يَخرج مِن بطون النحل عسلٌ مختلف الألوان (مِن بياضٍ وصُفرةٍ وحُمرة) ﴿فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ (إذا شَرِبوه بِنِيّة الشفاء، أو إذا ضَمُّوهُ إلى دواءٍ آخر)، ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ يعني إنّ فيما يَصنعه النحل ﴿لَآَيَةً أي لَدلالةً قوية على قدرة خالقها ﴿لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ فيَعتبروا.

الآية 70: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ من العدم، ﴿ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ في نهاية أعماركم، ﴿وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ أي: ومنكم مَن يَصيرُ إلى أردأ العُمر (وهو الهِرَم)، حيث يَفقد الإنسان ما كانَ له مِن قوةٍ وعقل ﴿لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا: أي حتى يَصير لا يَعلم شيئًا مِمَّا كانَ يَعلمه (كما كانَ في طفولته)، ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ إذ إنّه تعالى - كما رَدَّ الإنسان إلى هذه الحالة - فإنه أيضاً قادرٌ على أن يَبعثه بعد الموت.
واعلم أنّ اللهَ سبحانه قدَّمَ اسمه (العليم) قبل اسمه (القدير) لأنّ القدرة تتعلّق بالعِلم، وبمقدار سعة العلم يكون عِظَم القدرة، واعلم أيضاً أنّ اللام التي في قوله تعالى: ﴿ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ ﴾تُسَمَّى: (لام العاقبة) أي ليَصير الإنسان إلى هذه الحالة.

الآية 71: ﴿وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ (فمِنكم الغني ومنكم الفقير، ومنكم المالك ومنكم المملوك)، ﴿فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أي: فلا يُعقَل أن يُعطِي المالكونَ لمَملوكيهم المالَ الذي يَصيرونَ به شركاءَ لهم، مُتساوينَ معهم في الرزق! (فإذا لم يَرضوا بذلك لأنفسهم، فلماذا رضوا بأن يَجعلوا للهِ شُركاءَ مِن خَلقه وعبيده؟!) ﴿أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ؟! يعني إنّ هذا مِن أعظم الظلم والجحود لِنعم اللهِ عَزَّ وجَلّ (وذلك لأنهم جحدوا نعمة العقل أولاً، فلم يُفكروا بعقولهم، ثم جحدوا نعمة اللهِ عليهم في خَلقهم ورِزقهم فعبدوا معه أصناماً لا تملك شيئاً ولا تنفع ولا تضر).

الآية 72: ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًاأي خَلَقَ لكم - مِن نفس نوعكم - زوجاتٍ لتستريح نفوسكم معهنّ، (ويُحتمَل أن يكون المقصود مِن قوله تعالى: ﴿ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ﴾ أنّ حواء خُلِقتْ مِن ضِلع آدم، وباقي النساء خُلِقنَ مِن ماء الرجال)، ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً أي أبناءً وأحفاداً من أبنائكم، ﴿وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أي رَزَقكم مِن الأطعمة الطيبة (من الثمار والحبوب واللحوم وغير ذلك)،﴿أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ: يعني أفَبَعْد هذا كله، يؤمنون بآلهتهم الباطلة التي لم تخلق شيئاً ﴿وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ أي: ويَجحدون بنعم اللهِ التي لا تُحصَى، ولا يَشكرونه سبحانه بإفراده وحده بالعبادة؟!

الآية 73، والآية 74: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا أي: ويَعبد المشركون أصنامًا لا تملك أن تعطيهم شيئًا من السماء (كالمطر)، ولا من الأرض (كالزرع)، لأنهم لا يَملكون شيئًا ﴿وَلَا يَسْتَطِيعُونَ أن يَفعلوا شيئاً مِن ذلك لِعَجْزهم.

فإذا عَلِمتم أنّ الأصنام لا تنفع: ﴿فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ (وذلك بأن تُطلِقوا لفظ "إله" على صَنَمٍ أو غيره)، فبذلك تجعلون للهِ تعالى نُظَراء وشركاء في العبادة (لا يَملكون لأنفسهم ولا لعابدِيهم نفعاً ولا ضراً) ﴿إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أنه تعالى له المَثَل الأعلى وأنّ ما يَضربونه له باطل، ﴿وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَذلك، فلهذا نَهاكم سبحانه عن أن تَضربوا له مَثَلاً فيه نقصٌ أو تشبيهٌ بخلقه.

واعلم أنّ الأمثال جَمْع (مَثَل)، وهي هنا بمعنى (المُماثِل)، ومعنى أنهم يَضربونَ الأمثالَ للهِ تعالى: أنهم شَبَّهوا الأصنام بالخالق جَلَّ وعَلا (حيثُ عَبَدوها بالذبح والنَذر والدعاء، والحَلِف بها، والعكوف حولها، والاعتقاد بأنها تَشفع لهم عند اللهِ تعالى وأنها تُقَرِّبُهم إليه، وأنها واسطةٌ لهم بمَثابة الوزير للأمير)، (ومِن ذلك أيضاً مَن يَتوسطون بالأولياء والأنبياء فيَدعونهم ويَذبحون عندهم، زاعمينَ أنّ هؤلاء الأولياء مُقرَّبون إلى اللهِ تعالى، وأنه يَستجيب لهم ولا يَستجيب لغيرهم)!، فهؤلاء قد جعلوا اللهَ تعالى كَمُلوك الدنيا الذين يَحتاجون إلى واسِطةٍ بينهم وبين الناس ليقضوا مصالحهم، واللهُ تعالى لا يَحتاجُ إلى واسطةٍ بينه وبين خَلقه في العبادة، قال تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾.


[*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي" ، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير.
• واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #110  
قديم 05-11-2021, 08:10 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,887
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*]

رامي حنفي محمود





تفسير الربع الرابع من سورة النحل





الآية 75: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا بَيَّنَ فيه فساد عقيدة أهل الشِرك، وهو: ﴿عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ أي لا يَملك شيئًا من الدنيا، ﴿وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا أي: ورجلاً حُرّاً رَزَقَه اللهُ بمالٍ حلال، يَملك التصرف فيه ﴿فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا أي يُعطي منه في الخفاء والعَلَن، ﴿هَلْ يَسْتَوُونَ: يعني فهل يقول عاقل بالتساوي بين هذين الرجلين؟! (فكذلك اللهُ الخالق المالك المتصرف، لا يَتساوى مع خَلقه وعبيده، فكيف إذاً تُسَوُّون بينهما في العبادة؟!) ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ إذ هو المستحق وحده للحمد والثناء ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ أي لا يَعلمونَ أنّ اللهَ تعالى هو وحده المُنعِم الرازق المستحق للعبادة.



ويُلاحَظ أنه تعالى قال: ﴿ هَلْ يَسْتَوُونَ ﴾ولم يقل: (هل يستويان)، رغم أنّ المثل المضروب كانَ لرجلين فقط، وذلك لأنه تعالى قال في الرجل الآخَر: ﴿ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا ﴾، فكلمة: (مَنْ) تصلح للواحد وللجماعة، فلذلك قالها بالجمع: ﴿ يَسْتَوُونَ ﴾ لتشملهم جميعاً.



الآية 76: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا آخر لبُطلان الشِرك بـ ﴿رَجُلَيْنِ﴿أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ أي أخرس أصَمّ، لا يَفْهَم شيئاً ولا يُفْهَم منه شيئ، و﴿لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ: أي لا يَقدر على نَفْع نفسه أو غيره ﴿وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أي: وهو عِبءٌ ثقيل على مَن يتولى أمْره ويَعوله، فـ ﴿أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ: يعني إذا أرسله ليَقضي له أمْراً: لا يَنجح، ولا يعود عليه بخير، فـ ﴿هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ أي: فهل يَتساوى هذا الرجل الأخرس مع رجل آخر سليم الحَواس، يَنفع نفسه ويَنفع غيره، ويأمر الناس بالخير والمعروف؟!، فكيف إذاً تُسَوُّون بين الصنم الأخرس الأصمّ وبين اللهِ تعالى القادر، المُنعم بكل خير، الذي يأمر عباده بالتوحيد والاستقامة في كل شيء، القائم على مصالحهم وشئونهم، وهو على طريقٍ مستقيم يدعو الناسَ إلى سلوكه، ليَنجوا ويَسعدوا في الدنيا والآخرة؟!



الآية 77: ﴿وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أي: واللهُ تعالى يَعلمُ جميع ما خَفِيَ عن حَواس الناس في السماوات والأرض، ﴿وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ يعني: وما شأن القيامة في سُرعة مَجيئها - حين يأمر اللهُ تعالى الأرواح أن ترجع في الأجساد بكلمة "كُن" - ﴿إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ: يعني إلا كنظرة سريعة بالبصر ﴿أَوْ هُوَ أَقْرَبُ أي: بل هو أسرع من ذلك ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.




واعلم أنّ حرف: (أو) الذي في قوله تعالى: ﴿ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ ﴾، قد أتى هنا بمعنى (بل)، يعني (بل هو أقرب)، وهذا كقوله تعالى: ﴿ وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ﴾يعني: بل يَزيدون على مئة ألف.



الآية 78: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا أي لا تُدرِكونَ شيئًا مِمَّا حولكم، ﴿وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ: أي وجعل لكم وسائل الإدراك من السمع والبصر والقلوب ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ أي لتشكروا رَبَّكم على تلك النعم (فتَعترفوا بنِعَمِهِ عليكم، وتُفردوه وحده بالعبادة، وتُطيعوا أمْرَه وتجتنبوا نَهْيه)، كما قال تعالى: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾.



الآية 79: ﴿أَلَمْ يَرَوْا يعني ألم يَنظر هؤلاء المشركون ﴿إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ أي مُذلَّلاتٍ للطيران في الهواء بين السماء والأرض بأمْر اللهِ تعالى وقدرته؟ ﴿مَا يُمْسِكُهُنَّ عن الوقوع ﴿إِلَّا اللَّهُ سبحانه وتعالى (بما خَلَقه لها وأقدَرَها عليه)، ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ التذليل والإمساك ﴿لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ أي يؤمنونَ بما يَرونه من الأدلة على قدرة اللهِ تعالى، وعنايته بخَلقه، (واعلم أنّ التسخير هو التذليل للعمل).



الآية 80: ﴿وَاللَّهُ سبحانه ﴿جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا أي راحةً واستقرارًا مع أهلكم (هذا في حال إقامتكم في بلدكم)، ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ في سَفَركم ﴿مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا أي خِيامًا (تصنعونها من جلود الإبل والبقر والغنم)، فـ﴿تَسْتَخِفُّونَهَا أي يَخِفُّ عليكم حمْلها ﴿يَوْمَ ظَعْنِكُمْ أي وقت تَنَقُّلكم أثناء السفر، ﴿وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ: أي وكذلك يَخِفّ عليكم نَصْبُها وقت استراحتكم أثناء السفر، ﴿وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا: أي وجعل سبحانه لكم من أصواف الغنم، وأوبار الإبل، وأشعار المَعز: ﴿أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ: أي أثاثًا لكم (مِن فُرُش وأغطية وملابس وزينة) تتمتعون بها إلى أجلٍ معلوم (وهو الوقت الذي تتمزق فيه وتُرمَى).



الآية 81: ﴿وَاللَّهُ سبحانه ﴿جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا: أي جعل لكم ما تستظلُّون به من الأشجار وغيرها، ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا: أي جعل لكم في الجبال مغاراتٍ وكهوفاً تلجؤون إليها عند الحاجة، ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ: أي جعل لكم ثيابًا من القطن والصوف وغير ذلك، لتحفظكم من الحر والبرد (وإنما اكتفى سبحانه بذِكر الحر، لِيَدُلّ على البرد، وهذا من الحذف البَلاغي في لغة القرآن)، ﴿وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ: أي وجعل لكم من الحديد دروعاً تحميكم من الطعن والأذى في حروبكم، ﴿كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ يعني: كما أنعم اللهُ عليكم بهذه النعم، فكذلك يُتِمُّ نعمته عليكم ببَيَان الدين الحق ﴿لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ: أي لِتَستسلموا لأمْره، وتُسلِموا له قلوبكم ووجوهكم، فتعبدوه وحده ولا تشركوا به.



الآية 82، والآية 83: ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا: يعني فإن أعرَضوا عن دَعْوَتِك - أيها الرسول - بعدما رأوا الآيات فلا تحزن عليهم ﴿فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ: أي فما عليك إلا البلاغ الواضح لِمَا أُرْسِلْتَ به، وأمّا الهداية: فأمْرُها إلينا، وقد بَلَّغتَهم وبَيّنتَ لهم - بالحكمة والموعظة الحسنة - وليس عليك شيءٌ من المسئولية بعد البلاغ.



وهؤلاء المُعرِضون ﴿يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ عليهم (وهي التي ذَكَّرهم بها سبحانه في هذه السورة، ومنها إرسال محمد صلى الله عليه وسلم إليهم) ﴿ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وذلك بعبادتهم لغير المُنعم بها، وكذلك بجحودهم لنُبُوّة رسوله محمد (رغم مَعرفتهم بصِدقه) ﴿وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ أي: وأكثر قومه صلى الله عليه وسلم هم الجاحدون لنُبُوَّته، لا المُقِرّون بها.



ويُحتمَل أن يكون المقصود مِن قوله تعالى: ﴿ وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ ﴾أي رؤساء الكُفر الجاحدين المُعاندين، لأنّ هؤلاء مِن شأنهم التعقل والتأمل، ولكنهم بعد أن سَمِعوا دلائل القرآن، وعرفوا نعمة ربهم عليهم، وعرفوا صِدق النبي محمد، أصَرُّوا على الشِرك حِفاظاً على زعامتهم لباقي المشركين.



ويُحتمَل أيضاً أن يكون سبحانه قد ذكَرَ الأكثر وأرادَ الجميع، لأنّ أكثر الشيء يقوم أحياناً مَقام الكل، كقوله تعالى عن الكافرين: ﴿وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ﴾، واللهُ أعلم.



الآية 84: ﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا: أي اذكر لهم - أيها الرسول - ما يَحدث يوم القيامة، حينَ نَبعث من كل أُمّةٍ رسولها شاهدًا على إيمان مَن آمن منها، وكُفْر مَن كَفَر، (واعلم أنّ المقصود مِن بَعْث اللهِ تعالى لهذا الشاهد: هو إحضاره أمامَ اللهِ تعالى ليَشهد على أُمَّتِه)، ﴿ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا بالاعتذار عَمَّا وقع منهم ﴿وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ أي: ولا يُطْلب منهم إرضاءُ ربهم بالتوبة والعمل الصالح، فقد فاتَ أوانُ ذلك، (فاذكر هذا لقومك، لعلهم يتوبون فينجوا).



الآية 85: ﴿وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ أي عذاب جهنم بعد دخولهم فيها: ﴿فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ أي لا يُرفَع عنهم العذاب قليلاً ليستريحوا، ﴿وَلا هُمْ يُنظَرُونَ أي: ولا هم يُمهَلون بمَعذرةٍ يَعتذرون بها.




الآية 86، والآية 87: ﴿وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ: يعني وإذا رأى المشركونَ مَعبوديهم يوم القيامة: ﴿قَالُوا: ﴿رَبَّنَا هَؤُلَاءِ هم ﴿شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا أي الذين كنا نَعبدهم ﴿مِنْ دُونِكَ، ﴿فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ أي فنَطَقَ المَعبودون بتكذيب مَن عَبَدوهم، وفاجئوهم بقولهم: ﴿إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ حينَ جعلتمونا شركاء مع اللهِ في عبادته، فلم نأمركم بذلك، ولم نزعم أننا مُستحِقون للعبودية، ﴿وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ أي: وأظهر المشركون - في هذا اليوم - الاستسلام والخضوع للهِ تعالى ﴿وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ: أي ذهب وغاب عنهم ما كانوا يَزعمونه كَذِباً مِن شفاعة آلِهَتهم لهم.



الآية 88: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا بوحدانية اللهِ تعالى وبنُبُوّة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ﴿وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ: أي ومَنَعوا غيرهم عن الدخول في سبيل الله (وهو الإسلام)، أولئك ﴿زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ: أي زدناهم عذاباً فوق عذابهم (فالعذاب الأول على كُفرهم، والعذاب الثاني على صَدِّهم للناس عن اتّباع الحق)، وذلك ﴿بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ: أي بسبب تعمُّدهم للإفساد وإضلال العباد.



الآية 89: ﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ أي اذكر لهم يوم نَبعث ﴿فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وهو رسولهم الذي أرسله اللهُ إليهم مِن قومهم وبلسانهم، ﴿وَجِئْنَا بِكَ - أيها الرسول - ﴿شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ أي على مَن أُرسِلتَ إليهم (وهم جميع المُكَلَّفين من الإنس والجن منذ بعثة محمد صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة، (وإنما اقتصر سبحانه على ذِكر مُشركِي مكة حين قال: ﴿ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ ﴾لأنّ الكلام كانَ جارياً في تهديدهم وتحذيرهم، ولكثرة أذاهم للنبي صلى الله عليه وسلم، واللهُ أعلم)، (ولعل حرف الجر (في) المذكور في قوله تعالى: ﴿ وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ﴾معناه أنّ اللهَ يُرسل النبي ليَقف في قومه ليَشهد عليهم، واللهُ أعلم).



ثم قال تعالى - مُقَرِّراً لصِدق نُبُوّة رسوله محمد، ومُوَضّحاً أنه لا عُذرَ لأحد بعد إنزال القرآن -: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ أي: ولقد نَزَّلْنا عليك القرآن توضيحًا لكل أمْرٍ يَحتاج الناس إلى معرفته (كأحكام الحلال والحرام، وإظهار أدلة الحق، وإظهار فساد الباطل، وغير ذلك)، ﴿وَهُدًى أي: وليكون هِدايةً من الضلال، ﴿وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ: أي ورحمة خاصة لمَن صَدَّق به وعمل بهُداه، وبُشرَى طيبة - لمَن أسلموا وخضعوا للهِ رب العالمين - بحُسن مصيرهم يوم القيامة.





[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير.
• واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 363.07 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 357.23 كيلو بايت... تم توفير 5.85 كيلو بايت...بمعدل (1.61%)]