عبد الحميد الكاتب كاتب الدولة الأموية - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         الجوانب الأخلاقية في المعاملات التجارية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          حتّى يكون ابنك متميّزا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          كيف يستثمر الأبناء فراغ الصيف؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          غربة الدين في ممالك المادة والهوى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 46 )           »          أهمية الوقت والتخطيط في حياة الشاب المسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          الإسلام والغرب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          من أساليب تربية الأبناء: تعليمهم مراقبة الله تعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          همسة في أذن الآباء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 39 )           »          تعظيم خطاب الله عزوجل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          رسـائـل الإصـلاح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 43 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث > ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم

ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 02-10-2021, 10:50 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي عبد الحميد الكاتب كاتب الدولة الأموية

عبد الحميد الكاتب

كاتب الدولة الأموية



لقَّبه الجاحظ في كتابه المشهور "البيان والتبيين" بعبد الحميد الكاتب أو الأكبر...
ويقول النقاد العرب :
"بدئت الكتابة بعبد الحميد وخُتِمت بابن العميد".

أسدلت الخلافة العباسيَّة عليه سحبًا كثيفةً من الإهمال والنسيان باعتباره الكاتب السياسي الأوَّل لدولة بني أميَّة ..

هو عبد الحميد بن يحيى بن سعد، أبو يحيى الكاتب مولی العلاء بن وهب العامري الأنباري، ولِد في خلافة الوليد بن عبد الملك سنة 75هـ، بمدينة الأنبار الواقعة في أرض العراق.

ويقول القاضي ابن خلكان (1211 -1282 م) في كتابه الشهير “وفيات الأعيان”:
“إن عبد الحميد كان من أهل الأنبار وسَكَن الرقة”، فإن صحَّت روايته كان عراقيا غير شامي، وأطلق عليه الشاعر ابن عبد ربه (860-940 م) اسم عبد الحميد الأكبر ، وعدّه ممن نبُل بالكتابة، وقال: “إنه كتَبَ لعبد الملك بن مروان ولِيزيد، ثم لم يزل كاتبا لخلفاء بني أمية حتى انقضت دولتهم”.

يقول ابن عبد ربه صاحب -العقد الفريد- :
“أول من فتق أكمام البلاغة ، وسهَّل طرقها، وفك رقاب الشعر، فضربت الأمثال ببلاغته”

وقد أشار اليتري إلى ذلك في قصيدته إلى محمد بن عبد الملك قال :
وتفننـــــــــــت في البلاغــــــة حتـــــى ..
عطـــــــل الناس فـــن عبدالحميـــد

وقال ابن الرومي لأبي الصقر :

لـو أن عبد الحمـيد اليـــوم شاهـده ..
لكـــان بين يديــه مذعنا وسنــــا

وقال إبراهيم بن عباس الصّولي :
“كان والله الكلام معاناً له ، ماتمنيت كلام أحد من الكتاب قط أن يكون لي مثل كلامه”،

ولقد جاء عبد الحمید بطريقة جديدة في الكتابة العربية، شرعها لكل من يحمل القلم بعده، فنقل الإنشاء من طَور الى طَور، فلم يكد يتغير حتى عهد ابن العميد ، ولذلك يقال: ” اُفتتحت الكتابة عبد الحميد وخُتِمت بابن العميد” .
------------
مكانته الأدبية


▪︎ جَعَلَ من التَرسُّل فنَّاً له قواعده وأصوله.
▪︎ أول من أطال الرسائل واستعمل التحميدات في فصول الكتب، وعنه أخذ المترسلون ولطريقته لزموا.

▪︎ساهَمَ في تسهيل سُبُل البلاغة في الترسُّل.
▪︎ جَعَل الكِتابةَ صِناعة كباقي الصِّناعات.

▪︎زاوجَ بين الأسلوبين العربي والفارسي في الكتابة على شاكلة ما فعله ابن المقفَّع، لكنه زاد عن الأخير في أنه قَصَدَ إلى التصنيع، بينما لم يزِد ابن المقفَّع على أن تَرَكَ نفسه على سجيتها.
-------------------

نشأة عبد الحميد الكاتب


كان أبوه يُسمَّى يحيى من سلالة غير عربيَّة، من أهل الشام الذين دخلوا في الإسلام وتعلَّموا العربيَّة،..

والمرجَّح أنَّه وُلِد في خلافة الوليد بن عبد الملك (86-96هـ= 705-715م)، في دمشق أو قريبًا منها.

كان عبد الحميد في أول أمره معلم صبية في الكوفة، متنقلاً بين البلدان، ثم هجر التعليم وطلب الدخول في حكومة الأمويين، وقد استعد لذلك بعد اتصاله بصهر زوج أخته، سالم بن عبد الله، مولى هشام بن عبد الملك، والذي كان كاتباً لهشام، فتعلَّم عبد الحميد على يديه فن الكتابة وبرع فيه، ليقوم بعد ذلك بذات دور أستاذه لكن في الكوفة.

وبلغت الفترة التي مكث فيها عبد الحميد كاتباً لهشام بن عبد الملك قرابة عشرين عاماً ( 105-125 هجري).

كما استثمر عبد الحميد قدراته ليتصل بمروان بن محمد الذي كان والياً على أرمينية، وكَتَبَ له وأحسن خدمته، فلما أصبح مروان خليفةً؛ رافقه عبد الحميد إلى دمشق ليصبح الكاتب الأول في عاصمة الخلافة الأموية.

كانت الدولة آنذاك للأمويِّين وعاصمتهم السياسيَّة مدينة دمشق، التي بنوا فيها المساجد والمدارس والقصور، وأنشأوا فيها الحدائق والدواوين والحصون والقلاع، ..

و نتيجة لعناية الأمويِّين بها صارت به قبلة الناس من كلِّ صوبٍ وحدب، فاتَّسع عمرانها، وصُبِغت بصبغةٍ حضاريَّةٍ واضحة المعالم، ...

وصارت موطنًا رفيعًا من مواطن الثقافة والأدب في العالم الإسلامي، ووفد إليها الناس في مختلف شئونهم، وأضحت تُعدُّ من أعظم مدن العالم وأجملها،..

ونَعِمَ سكَّانُها بالعدل والأمن والثراء، ونَعِمَت كلُّ العناصر الأجنبيَّة فيها بالحرِّيَّة، وعاملهم المسلمون بالتَّسامح، حتى رضوا بسلطان العرب، وطرحوا المسيحيَّة ودخلوا الإسلام .

يقول غوستاف لوبون في كتابه "حضارة العرب":
"وكانت الشام أحد الأقاليم الكبرى في الإمبراطوريَّة الإسلاميَّة آنذاك، وتشمل: فلسطين، والأردن، ودمشق، وحمص، وقنسرين. وتتَّصل بإقليم العراق وبإقليم الجزيرة وأرمينيَّة بصلاتٍ وثيقة".

وفي ظلِّ الأمويين اتَّصل الفكر العربي بالثقافة والآداب الإغريقيَّة والرومانيَّة في الشام ومصر، وكان الأدب الروماني السائد فيهما قُبيل الفتح العربي تطويرًا جديدًا للآداب اليونانيَّة في عصرها الإسكندري الروماني؛..

ذلك العصر الذي يبدأ بدخول أثينا في حكم الرومان في القرن الأوَّل قبل الميلاد، وينتهي بالفتح الإسلامي لهذه البلاد في النصف الأوَّل من القرن السابع الميلادي، كما اتَّصل العقل العربي كذلك في مدن العراق بالثقافة الفارسيَّة القديمة خاصَّةً في مدينة البصرة المشهورة...

وكان ملوك إيران وخاصَّةً سابور بن أردشير في أواسط القرن الثالث الميلادي، وكسرى أنوشروان (531-578م) قد بذلوا كثيرًا من الجهد في نقل الثقافة الإغريقيَّة إلى ثقافة بلادهم، وقام التراجمة السريانيُّون بذلك العبء ..

حيث نقلوها أوَّلًا إلى الفارسيَّة، ثم نقلوها إلى لسانهم السرياني، ونقلوها أخيرًا إلى اللغة العربيَّة في ظلال العصر الإسلامي وفي عهد الأمويِّين والعبَّاسيِّين.
-----------------
ثقافة عبد الحميد الكاتب


تعلَّم عبد الحميد الكاتب اللغة العربيَّة وبلاغة العرب وتفوَّق فيهما، فسلس لسانه، وجادت لغته، وظهرت مواهبه في الأدب والبلاغة والبيان والخطابة والكتابة، وعمل في أوَّل أمره معلِّمًا، وتنقَّل في البلدان، ...

وكانت ثقافة الأدب في أيَّامه مزيجًا من الثقافة العربيَّة الإسلاميَّة، ومن التاريخ والأنساب والقصص والسير ومعرفة أيَّام العرب وتاريخ العجم، وأحيانًا يُضاف إلى ذلك ثقافة أجنبيَّة؛ كالثقافة الفارسيَّة، أوالإغريقيَّة، أوالرومانيَّة، أوالمصريَّة القديمة، أوالهنديَّة.

وفي رسائل عبد الحميد إلى الكتَّاب ما يُوضِّح لنا أصول الثقافة الأدبيَّة قي عصره.

وقد تتلمذ عبد الحميد في الكتابة على أبي العلاء سالم الكاتب السياسي لـ هشام بن عبد الملك (105–125هـ= 72-743م)،

ويروي ابن النديم في "الفهرست" أنَّ أبا العلاء سالم نقل إلى العربيَّة رسائل أرسطو إلى الإسكندر وذلك يدلُّ على تضلُّعه في الثقافة والأدب واللغة اليونانيَّة،..

وكان أبو العلاء من الواضعين لنظام الرسائل الأدبيَّة ولتقاليد الكتابة الفنِّيَّة، وله رسائل كثيرة كما يذكر ابن النديم، وكان صهرًا لعبد الحميد؛ إذ كان زوج أخته.

وكان جبلة بن سالم يتولَّى الكتابة السياسيَّة في ديوان الرسائل لهشام -أيضًا- وصديقًا حميمًا لعبد الحميد الكاتب، وكان جبلة يعرف الفارسيَّة، وهو أحد المترجمين منها إلى العربيَّة،...

كما كان صديقًا حميمًا لعبد الحميد ابن المقفع (106-142هـ= 715-760م)، وابن المقفع فارسي الأصل وأحد المترجمين من اللغة الفارسيَّة إلى اللسان العربي كذلك، وذلك كله يدعنا نُرجِّح أنَّ عبد الحميد إلى جانب ثقافته العربيَّة كان يعرف اليونانيَّة والفارسيَّة.

و ذكر زكي مبارك في كتابه "النثر الفني" :
" يُرجِّح أنَّ عبد الحميد كان يُجيد الفارسيَّة ويعرف آدابها وينقل منها إلى العربيَّة، ..

ويُؤيِّد ذلك قول أبي هلال العسكري (ت 395هـ=1005م) في كتابيه "الصناعتين" و"ديوان المعاني": إنَّ أبا هلال استخرج أمثلة الكتابة التي رسمها من اللسان الفارسي فحوَّلها إلى اللسان العربي. "

ويقول زكي مبارك :
" إنَّ عبد الحميد أوَّل من نقل تقاليد الفرس إلى الكتابة العربيَّة". ويُؤيِّد الدكتور طه حسين في كتابه "من حديث الشعر والنثر" أنَّ عبد الحميد كان شديد الاتِّصال بثقافة اليونان، متأثِّرًا بها أشدَّ التأثير في فصوله الأدبيَّة."
-----------------‐--------
الكاتب السياسي لمروان بن محمد


وذاعت شهرة عبد الحميد الكاتب وعرفت مواهبه الأدبيَّة وثقافته الكثيرة، فقرَّبه إليه الأمير الأموي مروان بن محمد حاكم إقليم الجزيرة(الفراتية) وأرمينيَّة، هذا الإقليم الغني الممتدُّ الأطراف الذي كان يشمل بلاد الموصل وأذربيجان وولايات أرمينيَّة، ...

وكان مروان قد تولَّى الإمارة على الإقليم بعد وفاة والده محمد مروان الأموي، ولم يلبث الأمير مروان أن قاد جيشًا كثيفًا من أبناء الجزيرة وأرمينيَّة وزحف على الشام فاستولى على أكثر مدنه، ثم زحف على دمشق ودخلها وتولَّى أمور الخلافة الأمويَّة عام (126هـ=744م).

كان عبد الحميد يتولَّى شئون ديوان الرسائل للأمير مروان بن محمد أثناء ولايته للجزيرة وأرمينيَّة، وصار وثيق الصلة به، وازدادت مكانته عنده، ومنحه الأمير ثقته الكبيرة التي كان عبد الحميد جديرًا بها، .وصدرت عنه رسائل سياسيَّة كثيرة في ذلك العهد،..

ولمـَّا أُخِذَت البيعة لمروان ( مروان بن محمد ) في جميع مدن الشام بخلافة المسلمين سجد مروان شكرًا لله، وسجد أصحابه إلَّا عبد الحميد، فقال له مروان: لِمَ لا تسجد؟!

فقال عبد الحميد : أعلى إن كنت معنا فطرت عنَّا ؟
قال مروان : إِذَنْ تطير معنا،

قال : الآن طاب لي السجود وسجد، وصار عبد الحميد الكاتب بعد أن تولَّى مروان الخلافة رئيسًا لديوان الرسائل في دمشق والكاتب الأوَّل للخليفة الجديد وصدرت عنه رسائل أدبيَّة وسياسيَّة نالت شهرةً فنِّيَّةً كبيرة.
---------------------
عبد الحميد الكاتب والزحف العباسي


شاهد عبد الحميد كلَّ الأحداث السياسيَّة التي مرَّت بالعرش الأموي في أثناء حكم مروان بن محمد (126-132هـ= 744-750م)، ...

ورأى أنَّ الزحف العباسي الكبير الذي بدأ من خراسان واستمرَّ حتى نهر الزاب الذي بلغته قوَّات العبَّاسيِّين في جمادى الآخرة عام 132هـ، وبلغته أنباء المعركة الكبرى التي دارت على نهر الزاب بين جيوش الخليفة مروان وجيش الموت من العباسيِّين، ..

بل شاهد غمارها بنفسه، وقد انتهى بهزيمة مروان وجيشه في أوائل رجب عام 132هـ، وهرب مروان إلى الشام فحصر، وهرب كاتبه وصديقه عبد الحميد إلى البحرين،

ودخل العبَّاسيُّون دمشق واستولوا على قصور الأمويِّين وكنوزهم، وجدُّوا في تشريد الأمويِّين والقضاء عليهم في كلِّ مكانٍ وعلى أنصارهم في جميع مدن الشام، ..

وكذلك جدُّوا في البحث عن مروان بن محمد حتى قبضوا عليه في بلدة بوصير من أعمال الجيزة وقتلوه، لليلتين بقيتا من ذي الحجة عام (132هـ=750م)،..

وكان مروان قد أمر خادمًا له أن يدفن في الصحراء خاتم النبي صلوات الله عليه وبردته وعصاه، وكان يعتزُّ بها خلفاء بني أميَّة، وذلك حين فاجأته جيوش العباسيِّين،

وقبضوا على الخادم وقُدِّم للقتل، فطلب إليهم أن يضمنوا حياته ليكشف لهم عن مكان هذا الكنز الإسلامي الكبير، وفعلوا، فأرشدهم إلى مكانه، فأخذوه وبعثوا به إلى أبي العباس السفَّاح الخليفة العباسي في العراق، الذي أُطلق عليه لقب السفاح لكثرة من قتل من الأمويِّين وأنصارهم.

وأمَّا بنات مروان وجواريه فقد أُخِذْن بعد قتل أبيهنَّ إلى صالح بن علي، فتكلَّمت أمامه بنته الكبرى (أم مروان) تسأله العفو وأن يلحقهن بحراَّن -مدينة مروان المفضلة في حياته- ففعل، فأخذن يبكين مروان عند دخولهنَّ إليها بكاءً مريرًا، كما يروي المسعودي في الجزء الثاني من تاريخه "مروج الذهب"،

وأمَّا أولاد مروان : عبد الله ولي عهده وقائده في أكثر الوقائع، وعبيد الله وغيرهما، فقد هربوا إلى النوبة فالحبشة في جماعةٍ من الأمويِّين، وقتل عبد الله هناك ونجا عبيد الله كما يذكر الطبري في الجزء التاسع من تاريخه،

ويذكر ابن الأثير أنَّ المقتول هو عبيد الله، وأمَّا مزنة امرأة مروان فتظهر في بغداد عام 160هـ في قصر الخليفة المهدي أمام الخيزران في ثوبٍ مرقَّعٍ تستر به جزءًا من جسدها إلَّا انكشف جزءٌ آخر مع الجمال والعظمة وسوء المظهر وشقاء الحال، كما يذكر التنُّوخي في كتابه "الفرج بعد الشِّدَّة".
------------------
رسالة من عبد الحميد الكاتب إلى أسرته


بعد معركة الزاب وهزيمة مروان، ومعه عبد الحميد بن يحيى الكاتب، كتب هذا العبقري العظيم إلى أسرته رسالةً مؤثِّرةً يقول فيها:

"أمَّا بعد، فإنَّ الله تعالى جعل الدنيا محفوفةً بالمكاره والشرور، فمن ساعده الحظُّ فيها سكن إليها، ومن عضَّته بنابها ذمَّها ساخطًا عليها، وشكاها متزايدًا لها، ..

وقد كانت أذاقتنا أفاويق استحليناها، ثم جمحت بنا نافرةً ورمحتنا مولية، فملح عذبها وخشن لينها، فأبعدتنا عن الأوطان وفرَّقتنا عن الإخوان، ...

فالدار نازحة، والطير بارحة، وقد كتبت والأيام تزيدنا منكم بعدًا وإليكم وجدًا، فإن تتمَّ ليلةٌ إلى آخر مدَّتها بكن آخر العهد بكم وبنا، ...

وإن يلحقنا ظفر جارح من أظفار من يليكم نرجع إليكم بذلِّ الإسار، والذلُّ شرُّ جار، نسأل الله الذي يُعِزُّ من يشاء ويُذِلُّ من يشاء أن يَهِبَ لنا ولكم ألفةً جامعةً في دارٍ آمنة، تجمع سلامة الأبدان والأديان، فإنَّه رب العالمين وأرحم الراحمين".

رسالة كلُّها بكاء ودموع وحيرة، ولا يرى فيها عبد الحميد من خلال الأحداث إلا القتل أو الأسر، وهو يُودع أسرته فيها وداعًا مؤثِّرًا،


ولا نعلم من أمر أسرته شيئًا لأنَّ التاريخ لم يعنِ بها ولا يربها منذ يوم الهزيمة المروِّعة، هزيمة القائد في المعركة التي خسر فيها كلَّ شيءٍ حتى حياته، ..

وألحَّ مروان على صديقه عبد الحميد أن يهرب فقد ينجو من القتل، أو أن ينضمَّ إلى أعدائه من العباسيِّين، فقد يستطيع أن يُقدِّم خدمةً للخليفة المهزوم، ..
وقال له مروان : إنَّ إعجابهم بك يدعوهم إلى حسن الظنِّ فيك، فاستأمن إليهم وأظهر العذر بي، فبذلك تنفعني في حياتي أو بعد مماتي. قال عبد الحيمد:

أُسِرُّ وَفَاءً ثُمَّ أُظْهِرُ غَدْرَةً ؟!
فَمَنْ لِي بِعُذْرٍ يُوِسِعُ النَّاسَ ظَاهِرُهُ

يا أمير المؤمنين: إنَّ الذي أمرتني به أنفع الأمرين لك وأقبحهما بي، ولكنِّي سأصبر حتى يفتح الله عليك أو أُقتل معك. ولمـَّا ضاق بهما الأمر دعاه مروان إلى الهرب وأصرَّ مروان على رأيه، فاختفى عبد الحميد هاربًا واختفى عند صديقه ابن المقفَّع.
----------------------------------
عبد الحميد الكاتب وابن المقفع ومقتلهما


كان صديقه عبد الله بن المقفَّع في العراق يكتب لداود بن هبيرة حاكم العراق من قِبَل مروان، وكان ابن المقفَّع يزور دمشق وعبد الحميد الكاتب أحيانًا إذا سار إلى عاصمة الأمويِّين مع أميره العظيم.

ولمـَّا اكتسحت جيوش العباسيِّين العراق قتلوا داود وأهله فيمن قتلوهم، ونجا ابن المقفَّع في البحرين، ولجأ إليه هناك صديقه عبد الحميد الكاتب وأقام عنده في داره،

ولكنَّ عيون العباسيين عرفت مكانه، ففاجأه الطلب وهو في دار المقفَّع،

وهنا تظهر عظمة الرجلين المفكِّرين الكبيرين الذين ظلَّا على الأجيال حتى اليوم فخرًا للفكر العربي،:


قال الجند وهم شاكو السلاح : أيُّكما عبد الحميد؟
فقال كلٌّ منهما : أنا. ؛ إشفاقًا على صديقه.

وأوشك الجند أن يفتكوا بابن المقفع، لولا أن صاح بهم عبد الحميد قائلًا :
ترفَّقوا بنا فإنَّ لكلٍّ منَّا علامات، فوكِّلوا بنا بعضكم وليمضِ البعض الآخر إلى من وجَّهكم ليذكر له تلك العلامات، فلم يجد الجند مناصًا من ذلك، وفعلوا وعادوا بأوصاف عبد الحميد كاملة، فقبضوا عليه، وقُتل عام (132هـ=750م).

وهكذا خسر الفكر والأدب العربي أعظم رجاله وأروع شخصيَّة يعتزُّ بها تراثنا العقلي على مدِّ العصور، وكذلك كان حظُّ ابن المقفَّع فقد استمهله القدر عشرة أعوام، قُتِل عام (142هـ=760م) في عهد الخليفة المنصور العباسي.
-‐--------------------
نماذج من كتابات عبد الحميد الكاتب ورسائله


كان لعبد الحميد عبقريَّة كبيرة وذهنًا لمـَّاحًا، وذكاءً خصبًا، وأدبًا جمًّا، ونبلًا موفورًا،

ويُروَى عنه أنَّه حين ظهرت الدَّعوة إلى العباسيِّين في خراسان بقيادة أبى مسلم الخراسانى الفارسي زعيم الدعاة، كتب عبد الحميد إليه على لسان الخليفة الأموي مروان بن محمد كتابًا يستميله فيه إلى جانب الأمويِّين، ..

وحمل الكتاب على جملٍ لكبر حجمه، وقال عبد الحميد للخليفة: "لقد كتبت كتابًا متى قرأه بطل تدبيره، فإنَّ به ذلك، وإلَّا فالهلاك".

فلمَّا وصل الكتاب إلى أبي مسلم أمر بإحراقه قبل أن يقرأه وكتب على جذاذة منه:

"مَحَا السَّيْفُ أَسْطَارَ الْبَلَاغَةِ وَانْتَحَى
عَلَيْكَ لِيُوثُ الْغَابِ مِنْ كُلِّ جَانِبِ".

وهذا يدلُّنا على عظمة كتابات عبد الحميد السياسيَّة التي كانت بمثابة مقالات الصحف اليوميَّة السياسيَّة الذائعة الصيت،

وكان عبد الحميد يقدر على تصوير المعنى تصويرًا بارعًا لا يقدر عليه أحدٌ من الكتاب،

أهدى والٍ من ولاة مروان إلى الخليفة عبدًا أسودًا، فطلب مروان من عبد الحميد أن يكتب إليه متهكِّما، فبعث إليه عبد الحميد برسالةٍ موجزةٍ أشدَّ الإيجاز يقول فيها:

"لو وجدت لونًا شرًّا من السواد وعددًا أقلَّ من الواحد، لأهديته".

وبراعته أو قدرته على الإيجاز مشهورة،
كتب يُوصِي بشخصٍ:
"حقُّ مُوصِلِ كتابي إليك عليك، كحقِّه عليَّ؛ إذ جعلك موضعًا لأمله، ورآني أهلًا لحاجته، وقد أنجزت حاجته فصدِّقه أمله".
-------‐--------------
أثر عبد الحميد الكاتب في الكتابة الأدبية


إنَّ عبد الحميد بلا ريب كان ذا أثرٍ كبيرٍ في الكتابة الأدبية في عصره؛ فهو الذي سهَّل سبيل البلاغة في الترسل، وعنه أخذ المترسلون ...

وهو أحد الذين كتبوا الفصول الأدبية كما كان يفهمها علماء البيان من اليونانية كما يقول الدكتور طه، وهو أوَّل من فتق أكمام البلاغة وسهَّل طرقها وفكَّ رقاب الشعر،..

وآلت إليه زعامة الكتابة، فمهد سبلها ووضع معالمها ورسم رسومًا خاصَّةً في بدئها وختامها والإطناب فيها مرَّة وإيجاز أخرى، فكان شيخ الكتابة، وبحقِّ ما قيل: "بدئت الكتابة بعد الحميد".

وقد ساعد عبد الحميد على إحداث هذا التأثير الأدبي الكبير الذي ظهر في صورة مذهب فني جديد في الكتابة ما يلي:

1- نضج الثقافة العربية الإسلامية من علوم الدين واللغة والأدب، وإقبال الكتاب عليها وتمثلهم لها واحتذاؤها حذوهم.

2- رواية أصول الأدب العربي شعرا ونثرا وخطابة ووصاية وحكما وأمثالا وسجعا وقصصا وإخبارا وأنسابا، والعكوف على استظهارها كذلك، ومحاكتها وعلى استظهار الشعر الجاهلي والأسمى كذلك، وخطب الرسول ووصاياه وخطب الخلفاء والصحابة وبلاغات البلغاء وحكمهم ومأثور كلامهم، حتى عصر عبد الحميد، وبخاصة خطب علي بن أبي طالب رضي الله عنه وحكمه.

3- أثر القرآن الكريم والحديث النبوي في تهذيب الألسنة وترقيق الطباع ووضوح الملكات.

4- اتصال العقل العربي بالآداب الأجنبية وتأثره بثقافات الفرس واليونان والرومان والهند وغيرهم.

5- الغاية بكتابة الرسائل، وجعلها صناعة فنية عتيدة إلى جانب اتساع أعمال الدولة، وديوان الرسائل الذي كان يتزعمه كبار الأدباء والكتاب ممن أنشأوا الرسائل البليغة على ألسنة الخلفاء والأمراء.

وقد استطاع عبد الحميد أن يتصرَّف في نثره الفني تصرُّفًا ذكيًّا يجمع بين طرفي الإيجاز والإطناب ويُراعي شتَّى الأحوال والمقامات،

وقد أكثر عبد الحميد من الرسائل الإخوانية التي ينشئها الكتاب البلغاء فتحمل ما في قلوبهم من مودة وإخاء، وتصور ما تجيش به مشاعرهم من مختلف العواطف والنزعات، وتعبر عما يتردد في نفوسهم من آراء وأفكار في أسلوب رائق ولفظ جميل وتصوير مؤثر ..
--------------------
خصائص أسلوبه


☆ 1- إطالة التحميدات، حمدُ الله تعالى وآلائه، وقد أطال في ذلك خصوصاً في مطالع رسائله، ..
حيث يقول: ” الحمد لله العلي مكانه، المنير برهانه، العزيز سلطانه، الثَّابتةِ كلماته، الشافية آياتهِ…”

☆ 2- الإسهاب في التعبير، فكان من عاداته أن يعبِّر عن المعنى الواحد بتراكيب مختلفة، إمَّا لزيادة التبيان، وإمَّا لأمرٍ تقتضيه البلاغة من موازنة،..
من قبيل ذلك قوله : " فإذا أفضيتَ نحوَ عدوَّك، واعتزمتَ على لقائهم، وأخذتَ أُهبَةَ قتالهم؛ فاجعل دعامتك التي تلجأ إليها، وثقتك التي تأمل النجاة بها، وركنك الذي ترتجي به..”

☆3 - انتقاء الألفاظ والعبارات، وأسلوبه أبعد عن أن يكون جارياً على السَّجية، إنما كان صناعة حاذقة ونمطٌ متخيِّر،

ويقول: “أمَّا بعد، فإنَّ أميرَ المؤمنينَ عندما اعتزم عليه من توجيهك إلى عدو الله الجلف الجافي، الأعرابي المتسكِّع في حيرة الجهالة، وطُلَم الفِتنة، ومهاوي الهلكة، ورِعاعهُ الذين عاثوا في الأرض فساداً، وانتهكوا حُرَمَهِ استخفافاً، وبدَّلوا نِعَمَ اللهِ كُفراً، واستحلوا دماء أهل سِلمهِ جهلاً..”.

☆4 - الابتعاد عن البديع: إذ لم يتكلَّفه من جناس وطِباق ولا يتطلبه إلا بالحد الأدنى.

☆5 - الموازنة والسَّجع: والموازنة بحيث يأتي بجُمَلٍ متتالية على نَسقٍ مخصوص تلتزم في كل جملة منها عدداً معيناً من الكلمات،..
كقوله: “واعلم أن الظفر ظَفران، أحدهما أعم منفعة، وأبلغ في حُسن الذكر مقالة، وأحوط سلامة، وأتمه عاقبة، وأحسَن في الأمور مورِداً، وأصحِه في الرواية حزماً، وأسهله عند العامَّة مصدراً…”.

أما في حالة السجع، والذي يعتبر من خصائص اللغة العربية منذ القِدم؛ فقد حَرِص عبد الحميد على عدم التكلُّف فيه، حيث أخذ منه بقدر، حيث تزيد في تحميداته مقارنة برسائله.
-----------------------
كتاب رسائل عبد الحميد الكاتب


ولبعد الحميد رسائل بليغة ذكر ابن النديم أنها تجتمع في ألف ورقة لم يصل إلينا منها إلا القليل. وفي دار الكتب المصرية رسالة تنسب إليه، وقد جمع محمد كرد علي في كتابه رسائل البلغاء كثيرا من الفصول الأدبية التي تروى لعبد الحميد، وقد ذاعت طريقة عبد الحميد وابن المقفع في توخي السهولة وسلامة التعبير مع العناية بإجادة المعنى بين الكتاب في عصرهما وفي العصور الأدبية كلها.

وهكذا مات العبقري الكبير، وذهب الزمان بجل آثاره الأدبية والفكرية والسياسية، وخسر الأدب العربي بذلك خسارة فادحة.
__________________________________________
المصادر:
- مجلة دعوة الحق المغربية، السنة العاشرة، العدد (118)، 1412هـ / 1991م.
- صلاح الدين الصفدي، 2000: الوافي بالوفيات، تحقيق أحمد الأرنأوط، دار إحياء التراث العربي.
- مجلة المجمع العلمي العربي، آب 1929: عبد الحميد الكاتب، الجزء 9، المجلد9.
- عبد الحميد الكاتب، بديع الزمان، الحريري – عمر فروخ.
سرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون.
- هارون الرشيد، الخليفة العالم والفارس المجاهد، محمد رجب البيومي.
- جواهر الأدب في أدبيات وإنشاء لغة العرب، تأليف السيد أحمد الهاشمي، القاهرة 1969م.
☆ موقع قصة الإسلام
☆ موقع تاريخ .كوم
منقول

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 03-10-2021, 02:40 PM
أبو مالك المعتز أبو مالك المعتز غير متصل
عضو نشيط
 
تاريخ التسجيل: Nov 2014
مكان الإقامة: الصالحية الجديدة، مصر
الجنس :
المشاركات: 205
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عبد الحميد الكاتب كاتب الدولة الأموية

جزاك الله خيرا،،،

ذكرتني بوالدي رحمه الله ،،،

نال درجة الدكتوراه في الأدب والبلاغة،،،

وكان موضوع رسالة الدكتوراه: عبد الحميد بن يحيى الكاتب وأثره في ؟؟؟؟ ولا أذكر بقية العنوان الآن


اللهم ارحم موتانا وموتى المسلمين،،،
__________________
بارك الله لنا ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الذكر الحكيم،،،
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 83.08 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 80.73 كيلو بايت... تم توفير 2.35 كيلو بايت...بمعدل (2.82%)]