وقفات فقهية - الصفحة 3 - ملتقى الشفاء الإسلامي
 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 858685 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 393096 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12535 - عددالزوار : 215552 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 58 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          اضطراباتي النفسية دمرتني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 51 )           »          زوجي مصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #21  
قديم 21-02-2024, 09:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وقفات فقهية

وقفات فقهية (21)

التعريف بحكم الاحتفال بإقامة الموالد وغيرها


يقول الله تعالى: {قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون} (الأعراف: 203)، وهنا وقفات لابد من النظر فيها:
- أولا: كل عبادة يجب تأديتها على الوجه الذي شرعه الله تعالى ورسوله [، وبغير ذلك تكون العبادة باطلة. فهل إقامة المولد عبادة يتقرب بها إلى الله؟! ومن يستطيع أن يقول لنا: إن الواجب في الموالد كذا أو السنة فيه كذا؟! وكيف لم يُذكر الاحتفال بالمولد لا في القرآن ولا في السنة ولا في سلوك الصحابة رضي الله عنهم، ولا التابعين الأوائل؟! وكما نتبعه [ في العمل يجب أن نتبعه في ترك ما ترك ولاسيما في العبادات، وليسعنا ما وسع رسول الله [ وصحابته رضي الله عنهم، يقول الله تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا} (الأحزاب: 21)، وإقامة الموالد مخالفة لقوله [ في الصحيحين: «الخديعة في النار ومن عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» (اللفظ للبخاري ورواه مسلم 1718)، فالمحتفل بالمولد يتقرب إلى الله سبحانه بغير ما شرعه الله، وذلك هو الضلال المبين.
- ثانيا: مولده [ كان قبل بعثته فعلم به الرسول [ وصحابته ولم يحتفلوا به، فلم يكن أمرا مستحدثا فنجتهد فيه، والله تعالى يقول: {فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون} (الأعراف: 157). فلقد أكمل الله الدين ورضيه لعباده وأتم نعمته بقوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} (المائدة: 3)، وروى الإمام أحمد (4/164) وغيره عن عرباض بن سارية قال: صلى بنا رسول الله [ الفجر ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت لها الأعين ووجلت منها القلوب، قلنا، أو قالوا: يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع فأوصنا، قال: «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وان كان عبدا حبشيا؛ فإنه من يعش منكم ير بعدي اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وإن كل بدعة ضلالة».
- ثالثا: لم يحتفل أحد بمولده صلى الله عليه وسلم إلا بعد مضي قرون عديدة من البعثة، ومع ذلك فبعض المحتفلين بالمولد يرمون من ترك الاحتفال بالمولد بعدم محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا تكفير لمن لم يحتفل بالمولد اتباعا واقتداء بالرسول [ وأصحابه حيث لم يحتفلوا بالمولد، فمن المحب للرسول [: المتبع أم المبتدع؟ ولقد انتهج فرعون تلك السياسة واتهم موسى عليه السلام، يقول الله تعالى: {وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد} (غافر: 26)، فالأولى للجميع العودة لقول الله تعالى: {يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما} (الأحزاب: 70-71).
- رابعا: لقد اختلف في تاريخ مولده صلى الله عليه وسلم فمثلا قال القرطبي وغيره في تفسيره (20/194): وقد قيل إنه عليه السلام حملت به أمه آمنة في يوم عاشوراء من المحرم، وولد يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر رمضان، وقيل: إنه ولد يوم عاشوراء من شهر المحرم، حكاه ابن شاهين أبوحفص، في فضائل يوم عاشوراء له. انتهى. أما ما ليس فيه اختلاف فهو يوم وفاته صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول؛ فإن كان الأمر كذلك، فعلينا أن نحزن، ونحدّ في ذلك اليوم، لو كان الحداد عليه أمرا مشروعا، ولا نحتفل.
- خامسا: وفي هذه الموالد يدعي بعضهم حضور النبي صلى الله عليه وسلم وهذا افتراء لا دليل عليه، وغالبا ما يترنمون ويتجاوزون الحد بالغلو بالمدائح النبوية ومنها بردة البوصيري التي يقول فيها:
1- يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به
سواك عند حدوث الحادث العمم
ولا شك أنه صلى الله عليه وسلم من أكرم الخلق، ولكن قوله «مالي من ألوذ به سواك» ذلك حق لله وحده لا شريك له، فلا ملاذ للعباد إلا الله، قال تعالى: {وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون} (النحل: 53) فلا أحد سواه يكون كذلك، لا ملكا مقربا، ولا نبيا مرسلا، فضلا عمن سواهما، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه الله: «لا ملجأ منك إلا إليك».
2- وقوله:
إن لم تكن آخذا يوم المعاد يدي
صفحا وإلا فقل يا زلة القدم
ويزعم بعضهم أن مراده طلب الشفاعة؛ وقالوا: لو صح ذلك فالمحذور أن طلب الشفاعة من الأموات شرك بدليل قوله تعالى: {ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون} (يونس: 18) فالشفاعة لا تطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم ، وإنما تطلب من الله، يقول جل وعلا: {أم اتخذوا من دون الله شفعاء} (الزمر: 43) ويقول: {قل لله الشفاعة جميعا له ملك السموات والأرض ثم إليه ترجعون} (الزمر: 44).
3- وقوله:
فإن من جودك الدنيا وضرتها
ومن علومك علم اللوح والقلم
وهذا تكذيب للقرآن، قال الله: {الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور}، وقال تعالى: {وإن لنا للآخرة والأولى} (الليل: 13). فالدنيا والآخرة لله ومن خلقه، وليست من وجود الرسول [ أو غيره. ولا يعلم ما في اللوح المحفوظ إلا الله وحده، فهذه الأوصاف يختص بها الله عز وجل فكيف يكون الملاذ لغير الله، وكيف تكون الدنيا والآخرة من جود النبي [ وكيف يكون علم اللوح والقلم من علم النبي [؟! وماذا أبقى هذا الشاعر لله تعالى؟! وهذا مما يُغضب الله ورسوله ولا شك بأنه من الشرك الأكبر وقد انتقده كثير من علماء المسلمين، ولو وجه الشاعر شعره أو ردد المعجبون به نداءهم للخالق وقالوا:
يا خالق الخلق ما لي من ألوذ به
سواك عند حدوث الحادث العمم
وهكذا، لكان ذلك من قمم شعر توحيد الله تعالى، علما أنه قد نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إطرائه؛ ففي البخاري وغيره قال: «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم؛ فإنما أنا عبد فقولوا عبدالله ورسوله»، ولعل فيه تنبيها لعدم الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم كما أطرت واحتفلت النصارى بمولد عيسى ابن مريم عليهما السلام.
- سادسا: يقول الله تعالى: {ورفعنا لك ذكرك}، ففي تفسير الشيخ السعدي رحمه الله: أي أعلينا قدرك، وجعلنا لك الثناء الحسن العالي، الذي لم يصل إليه أحد من الخلق، فلا يذكر الله إلا ذكر معه رسوله صلى الله عليه وسلم ، كما في الدخول في الإسلام، وفي الأذان، والإقامة، والخطب، وغير ذلك من الأمور التي أعلى بها ذكر رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، وله في قلوب أمته من المحبة والإجلال والتعظيم ما ليس لأحد غيره، بعد الله تعالى، فجزاه الله عن أمته أفضل ما جزى نبيا عن أمته، انتهى. فالمسلمون يحتفلون بذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم مرات عدة في اليوم والليلة في الأذان والإقامة على رؤوس الأشهاد اتباعا وليس ابتداعا، ولمسلم وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم : «إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو؛ فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة». فالجزاء من جنس العمل فلما دعوا للنبي [ استحقوا أن يدعو لهم، وكذا الأحاديث المشهورة عن أنس بن مالك عن النبي [ قال: «من ذكرت عنده فليصل علي»، وقال: «من ذكرني فليصل علي» وقال: «أتاني جبريل عليه السلام فقال: رغم أنف من ذكرت عنده فلم يصل عليك، فقلت: آمين» وقال: «أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة». وفي السنن: قال رجل: يا رسول الله، أرأيت إن جعلت صلاتي كلها عليك؟ قال: «إذن يكفيَك الله ما أهمك من دنياك وآخرتك» وفي رواية: «ويغفر لك ذنبك» وهذا كثير في الصحاح والسنن، ولم يأمرنا صلى الله عليه وسلم بالاحتفال بمولده؛ فمن كان له أطوع وأتبع كان أولى الناس به في الدنيا والآخرة و: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} (الأحزاب: 6). اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا.
- سابعا: تكرار الاحتفال بالمولد يجعله عيدا، وأصل العيد العود؛ لأنه مشتق من: عاد يعود عودا وهو الرجوع، وسمي عيدا لكثرة عوائده، وقيل: لأنهم يعودون إليه مرة بعد أخرى، قاله العيني، ولم يشرع لنا في الإسلام سوى عيدين وهما عبادة لله، فعن أنس قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال: «لقد أبدلكم الله خيرا منهما: عيد الفطر وعيد الأضحى» رواه أبوداود والنسائي، ولم يذكر سواهما ولا الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم ، فالأعياد في الإسلام هما يومان يفرح فيهما المسلمون بإتمام عبادتين عظيمتين: الصيام ويأتي بعده عيد الفطر، والحج ويأتي بعده عيد الأضحى، وللعيدين آداب وصلوات وأذكار بينها الشرع، فعلى المسلم تقوى الله في ذلك.
- ثامنا: الاحتفال بالموالد من سنن أهل الكتاب، فهم يسمون سنيهم بالميلادية، أي مولد المسيح عليه السلام، بينما اتفق الصحابة رضوان الله عليهم على تسمية أعوامنا بالهجرية ارتباطا بأفضل الأعمال وهو الهجرة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام، أو هجر المعاصي، وقد جاء في البخاري: «والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه» فلنهجر البدع إلى السنن.
- تاسعا: وكذا حكم الاحتفال بليلة الإسراء، ففي كتاب «حراسة التوحيد» لفضيلة الشيخ عبدالعزيز ابن باز رحمه الله، قوله: لم يأت في الأحاديث الصحيحية تعيينها لا في رجب ولا في غيره، وكل ما ورد في تعيينها فهو غير ثابت عنه صلى الله عليه وسلم ، ولله الحكمة البالغة في إنساء الناس لها، ولو ثبت تعيينها لم يجز للمسلمين أن يخصوها بشيء من العبادات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، لم يحتفلوا بها ولم يخصوها بشيء، ولو كان مشروعا لنبيه صلى الله عليه وسلم ، لعرف واشتهر ولنقله الصحابة رضي الله عنهم إلينا. اهـ. وفي البخاري عن أبي سعيد ] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه، قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟» وهذا إخبار وتحذير.


اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #22  
قديم 23-02-2024, 12:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وقفات فقهية

وقفات فقهية (22)

التعريف بحكم تتبع الآثـار



يقول الله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} (المائدة:3)، وهنا وقفات لابد من بيانها:
- أولاً: تتبع الآثار التي يأمر الله بها بقصد العبادة والتقديس أو التبرك من أخطر الأمور على الدين، وقد ينتهي بالمسلم إلى ما لا تحمد عقباه والعياذ بالله، فهذا السامري من قوم موسى عليه السلام تتبع الآثار التي لم يأمر الله بتتبعها (آثار جبريل عليه السلام) فكان فتنة لبني إسرائيل، يقول الله تعالى لموسى: {فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري}، بتتبعه للآثار وما ترتب عليها، سواء كانت آثار الملائكة أم الرسل أم الصالحين التي لم يأمر الله ولا رسوله بتتبعها وتمام الآية :{فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري} (طه: 86-87)، وبيّن الله لنا سبب ذلك الضلال، يقول الله تعالى: {قال فما خطبك يا سامري قال بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي} (طه:95-96)، أقر ببطلان عمله، ونتيجة لذلك الأثر المبتدع هلك السامري، وضل القوم.
يقول الله تعالى: {قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس وإن لك موعدا لن تخلفه}، إلى قوله: {إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما} (طه:98)، فلا يجوز تتبع الآثار لجعلها موطنا للعبادة، فقد كادت تهلك بنو إسرائيل بسببها لولا أن الله رحمهم بإرشاد نبيهم موسى عليه السلام. وهذا القرآن بين أيدينا، وتمام الآيات، يقول الله تعالى: {كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد آتيناك من لدنا ذكرا} (طه:99)، ويقول تعالى: {ولقد تركناها آية فهل من مدكر} (القمر: 15).
- ثانيا: انظر إلى أصحاب موسى عليه الصلاة والسلام وما فعلوه، فهم لم يستجيبوا لدعوة هارون عليه السلام: {ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني واطيعوا أمري قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى} (طه: 89-90)، وانظر إلى أصحاب محمد [ كيف تأثروا بالقرآن حتى ليحدثنا التاريخ والسنن عنهم أنهم قطعوا شجرة الرضوان وهي تلك الشجرة التاريخية المباركة التي ورد ذكرها في القرآن، (وتم تحتها بيعة الرضوان)، وما هذا إلا لأن الناس تبركوا بها فخاف عمر ] إن طال الزمان بالناس أن يعودوا إلى وثنيتهم ويعبدوها فأمر بقطعها، وأجمع الصحابة رضي الله عنهم على موافقة عمر على ذلك.. بل قد ثبت عن عمر بن الخطاب ] أنه كان في سفر فرأى قوما ينتابون مكانا يصلون فيه فقال ما هذا؟ قالوا: هذا مكان صلى فيه رسول الله [، فقال: ومكان صلى فيه رسول الله [؟! أتريدون ان تتخذوا آثار أنبيائكم مساجد؟! إنما هلك من كان قبلكم بهذا، من أدركته الصلاة فيه فليصل وإلا فليمض.
- ثالثا: إنما الآثار للعبرة والاعتبار، وليست للتقديس أو التبرك، فللعبرة يقول الله تعالى: {فانظر إلى أثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحي الموتى وهو على كل شيء قدير} (الروم:50)، وللاعتبار يقول الله تعالى: {أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وءاثارا في الأرض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق} (غافر:21).
- رابعاً: من الآثار المشروعة التي أمر الله بها، المسجد الأقصى؛ لقوله [: «لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا» فهو أول القبلتين، وثاني البيتين، وثالث المقدسات، فمن منا شد الرحال له؟ أو حدث نفسه به؟ أو حض عليه، أو أعان أهله على البقاء فيه؟
- خامسا: غالبا إذا ما ساوى قوم بين الحق والباطل إلا أذهب الله عنهم بركة الحق، وأبقى لهم سوء الباطل؛ يقول الله تعالى: {فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون} (يونس:33)، ويقول تعالى: {قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين} (الأعراف:29)، ولم يقل: عند كل مشهد، أو أثر. والمتتبع لما جاء في كتب الصحاح والسنن والسير عن حجة الوداع للنبي [ وحج خلفائه الراشدين من بعده لا يجد دليلا لمتتبع لآثار لم يؤمر بها، وهذا رسول الله [ سيد المتبعين للحق، يقول الله تعالى: {قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي هذا بصآئر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون} (الأعراف: 203).
- سادسا: وللعلم بأن أول من غيّر دين الله وما كان عليه إسماعيل عليه السلام (داخل مكة) فنصب فيها الأوثان وسيّب السائبة هو: لحيِ بن حارثة بن عمرو بن عامر الأزدي.. قاتل جرهما بني إسماعيل، فظفر بهم وأجلاهم عن الكعبة، ونفاهم من مكة، وتولى حجابة البيت بعدهم، ثم إنه مرض مرضا شديدا، فقيل له: إن بالبلقاء من الشام حمة (عين ماء) إن أتيتها برأت، فأتاها فاستحم بها فبرأ، ووجد أهلها يعبدون الأصنام «لعلها آثار ما كان يعبده قوم نوح عليه السلام، فأعجبته تلك الآثار» فقال: ما هذه؟ فقالوا نستسقي بها المطر ونستنصر بها على العدو، فسألهم أن يعطوه منها، ففعلوا فقدم بها مكة ونصبها حول الكعبة.. ففي صحيح مسلم (5096) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله [: «رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف أبا بني كعب هؤلاء يجر قصبه في النار».
وأما ما غير دين الله «خارج مكة» فكما مر بنا: أن إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام لما سكن مكة وولد له بها أولاد كثيرن حتى ملئوا مكة ونفوا من كان بها من العماليق، ضاقت عليهم مكة ووقعت بينهم الحروب، فأخرج بعضهم بعضا فتفسحوا في البلاد.. وكان الذي أدى بهم إلى عبادة الأوثان والحجارة أنه كان لا يخرج من مكة ظاعن إلا احتمل معه أثرا من الآثار حجرا من حجار الحرم؛ تعظيما للحرم ومحبة شديدة بمكة فحيثما حلوا وضعوه وطافوا به كطوافهم بالكعبة تيمنا منهم بها وصبابة بالحرم وحبا بها وهم بعد يعظمون الكعبة ومكة ويحجون ويعتمرون على إرث إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، ثم سلخ ذلك بهم إلى أن عبدوا ما استحبوا ونسوا ما كانوا عليه من التوحيد واستبدلوا بدين إبراهيم وإسماعيل غيره، فعبدوا الأوثان وصاروا إلى ما كانت عليه الأمم من قبلهم وانتجثوا (استخرجوا) ما كان يعبد قوم نوح عليه السلام منها، على إرث ما بقي فيهم من ذكرها، وفيهم على ذلك بقايا من عهد إبراهيم وإسماعيل يتنسكون بها من تعظيم البيت والطواف به والحج والعمرة والوقوف على عرفة ومزدلفة وإهداء البدن.. مع إدخالهم فيه ما ليس منه. انتهى. (انظر كتاب الأصنام للكلبي). وهذه نتائج تتابع الآثار التي لم يأمر الله بها.. وتعظم تلك الأمور بعظم الزمان والمكان، أشهر الحج الحرم، وحرمة مكة شرفها الله، ومكانة المسلمين عند الله: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} (آل عمران: 110)، والله أعلم.



اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #23  
قديم 23-02-2024, 12:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وقفات فقهية

وقفات فقهية (23)

التعريف بالولي وعلاقته بالدعاء والوسيلة والشفاعة



يقول الله تعالى: {وما أنتم بمعجزين في الأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير} (الشورى: 31).
- أولاً: كلمة (الولي) مثل كلمة المولى تعني السيد والمسود؛ فإذا أطلقت كلمة الولي: فهو الله الخالق الحي القيوم؛ فالولاية لله وحده، يقول الله تعالى: {أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي وهو يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير} (الشورى: 9)، ويقول الله تعالى: {إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون} (الأعراف: 196 - 197)، ويقول الله تعالى: {وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع لعلهم يتقون} (الأنعام: 51).
- ثانياً: أما إذا أضيفت كلمة (الولي) إلى الله (ولي الله) أو جمعت (أولياء): فهي تعني المخلوق، وولي الله هو: من يأتي بالاعتقاد الصحيح المبني على الدليل وبالأعمال الصالحة وفق ما وردت به الشريعة، يقول الله تعالى: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم} (يونس: 62 - 64)، فهؤلاء هم أولياء الله فلنكن أولياء لله مثلهم بالإيمان والتقوى؛ لكي نأمن ولا نخاف ولا نحزن ولنتلقى البشرى من الله، ليس بعبادة الأولياء أو دعائهم أو التبرك بأضرحتهم أو الطواف حولها، فالله لم يأمرنا بذلك، فهم عباد أمثالنا فلندع الله لنا ولهم، ولا ندعوهم {ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان} (الحشر: 10).
- ثالثاً: أولياء الله قد يكون لبعضهم كرامة من الله ولاشك في ذلك، فلنسأل الله أن يكرمنا كما أكرمهم وذلك بتوحيد الله والاستقامة على طاعته، ولا نتخذ من دونه وليا: {قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السموات والأرض وهو يطعم ولا يطعم قل إني أُمرت أن أكون أول من أسلم ولا تكونن من المشركين} (الأنعام: 14)، بل أمرنا أن نسأله من فضله، يقول الله: {واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما} (النساء: 32)، فلم الإصرار على دعاء الموتى العاجزين، وترك دعاء الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم؟!
- رابعاً: علاقة الولي بالدعاء والوسيلة والشفاعة والاتباع:
1 - الدعاء: لله وحده؛ لقوله تعالى: {وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا} (الجن: 18)، وقوله تعالى: {ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون} (الأحقاف: 5)، فلا علاقة للولي بالدعاء!
2 - أما الوسيلة: فنبتغيها إلى الله وحده؛ لقوله تعالى: {يأيها الذين آمنوا أتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون} (المائدة: 35)، ولقد امتدح الله الأولياء والصالحين بذلك: {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا} (الإسراء: 57) ولقد مر بنا بيان الوسيلة، وخلاصتها: قول الله تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا} (النساء: 36)، فلا علاقة للولي بالوسيلة!
3 - أما الشفاعة: فلله وحده، يقول الله تعالى: {قل لله الشفاعة جميعا له ملك السموات والأرض ثم إليه ترجعون} (الزمر: 44)، وبإذنه لقوله تعالى: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم}، {ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع لعلهم يتقون} (الأنعام: 51)، أي نسأل الله وحده أن يشفع فينا من يقبل الله شفاعته لنا ولا نسأل غير الله، قال الله تعالى: {ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون} (الزخرف: 86)، أي شهد بتوحيد الله، فما علاقة الولي بالشفاعة؟!
4 - وأما الاتباع: فلكتاب الله وليس للأولياء، يقول الله تعالى: {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون} (الأعراف: 3)، ويقول الله تعالى: {قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمّن لا يهدِّي إلا أن يُهدَى فما لكم كيف تحكمون} (يونس: 35)، فاتخاذ الأولياء من دون الله مجرد وهم، يلقيه الشيطان، والله تعالى يقول: {أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا} (الكهف: 102)، والخلاصة علينا أن نقول: {قل أفغير الله تأمرونّي أعبد أيها الجاهلون} (الزمر: 64)؛ لتحقيق قول الله تعالى: {هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا} (الكهف: 44).
التعريف بالضريح والصنم والوثن والجامع بينها
يقول الله تعالى: {وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام} (إبراهيم: 35)، وهذا دعاء يجب أن يدعو به كل مؤمن، وللبيان:
أولاً: يقصد بالضريح هنا: قبر الميت الذي يقصده (بعضهم) للشفاعة أو لطلب قضاء الحاجة أو للتبرك به، روى الإمام مالك في «الموطأ: أن رسول الله [ قال: «اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»، وفي صحيح مسلم وغيره عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: «ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله[ ألا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرا مشرقا إلا سويته»(2)، وفي الصحيحين أن عائشة وعبدالله بن عباس - رضي الله عنهم - قالا: «لما نُزل برسول الله [ طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك: «لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذر ما صنعوا».
ثانياً: الصنم هو: الصورة المجسمة الذي يقصده (الوثني) لعبادته أو لشفاعته، أو لقضاء حاجاته أو التبرك به، أو لدفع الضرر عنه، بزعمهم، وهو ما طلبه بنو إسرائيل من نبيهم موسى \ لجهلهم، يقول الله تعالى: {وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون قال أغير الله أبغيكم إلها وهو فضلكم على العالمين} (الأعراف: 138 - 140)، وما الاعتكاف على الأضرحة ببعيد من طلب بني إسرائيل، فهؤلاء طلبوا وهؤلاء نفذوا!
ثالثاً: التماثيل هي أيضا الأصنام، وهي صور يراد بها مماثلة مجسم لأموات يعتقد بولايتهم يقصدها المشرك لقضاء حاجاته بزعمه أو التبرك بها وغير ذلك، يقول الله تعالى عن إبراهيم - عليه السلام: {إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين} (الأنبياء: 54 - 56).
رابعاً: الوثن وهو: كل ما يدعى أو يعبد من دون الله من ضريح أو صنم أو تمثال أو حجر أو شجر أو أثر في موقع لم يشرع فيه عبادة لله، يقول الله تعالى: {إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه وأشكروا له إليه ترجعون} (العنكبوت: 17)، فالضريح بهذه الصورة إذا قصد للدعاء والبركة فهو وثن يعبد من دون الله.
خامساً: عجز تلك الأوثان في عمومها، يقول الله تعالى: {ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها قل ادعوا شركاءكم ثم كيدونِ فلا تُنظرونِ} (الأعراف: 195)، وهذا كله ينطبق أيضا على الأموات (في أضرحتهم)؛ لفقدهم تلك الحواس والأعضاء بعد وفاتهم وإن كانوا من عباد الله الصالحين.
سادساً: الموحد يعبد الله إلها واحدا، وغيره له أرباب متفرقة وطرق مختلفة (هذا الولي فلان وهذا السيد فلان...) والله تعالى يقول: {...أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون} (يوسف: 39 - 40).


اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #24  
قديم 23-02-2024, 12:13 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وقفات فقهية

وقفات فقهية (24)

التعريف بالاستنباط السَّيِّئ



يقول الله تعالى: {ولقد صدّق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين} (سبأ: 20) ويقول تعالى: {وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا} (النجم: 28).
في (البحر المحيط): الاستنباط هو الاستخراج، والنبط: الماء يخرج من البئر أول ما تحفر، والإنباط والاستنباط: إخراجه» اهـ. ومن المعلوم أن استنباط دلالة القواعد الأساسية والمسائل الفرعية هو من الكتاب والسنة، ويليه الإجماع ثم القياس من خلال الاجتهاد.
وكنموذج للاستنباط السَّيِّئ:
- أولا: يأتي بعض الغلاة بأمر أو نهي في الدين، ويكون مرجعه في ذلك الرؤيا في المنام أو يدعي الرؤية الحقيقية، فيقول: إني رأيت الولي فلانا يأمر بكذا أو ينهى عن كذا، وهذا غير حق بعد قول الله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا} (المائدة: 3)، وعن أبي هريرة ] قال: قال رسول الله [: «إني قد خلّفت فيكم ما لن تضلوا بعدهما ما أخذتم بهما أو عملتم بهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض».
- ثانيا: كثيرا ما ينسبون رؤياهم للخضر عليه السلام ويدعون أن الخضر ولي فقط وليس نبيا؛ ليؤيدوا ما ذهبوا إليه من أن بعض الأولياء أفضل من الأنبياء، ويدعون أنه لا يزال حيا، وهذا كله فيه نظر.
- ثالثا: لبيان نبوة الخضر عليه السلام قوله تعالى عنه: {فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما} (الكهف: 65). فغالبا لا يُذكر لفظ «عبد» مفردا في القرآن للثناء إلا قصد به النبي، وقوله تعالى: {قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا}؛ لأنه علم أن أمر الخضر كان وحيا والله أمره بطاعته ،وإلا فلا يتبع نبي من هو أقل منه منزلة، ووعده: {ولا أعصي لك أمرا} وقول الخضر: {قال إنك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا} (الكهف: 67-68)، ومن أحاط الخضر به خبرا؟ وكيف علم أن موسى لن يستطيع معه صبرا، وأنه لم يحط به خبرا؟ لولا أن الله أوحى إليه. وكيف علم الخضر بالملك الظالم ولم يعلم به قومه أصحاب السفينة؟ ولماذا قتل الغلام في طفولته والظاهر براءته؟ وكيف علم بالكنز في قرية كان غريبا عنها. هل يعلم الغيب؟ والله تعالى يقول: {قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيبَ إلا الله} (النمل: 65) ولقد بين ذلك الخضر، يقول الله تعالى: {وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا} (الكهف: 82) أي عن أمر الله.. فما أوحي للخضر خاص به لحكمة لا نعلمها.
- رابعا: لبيان وفاة الخضر عليه السلام، قول الله تعالى: {وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون} (الأنبياء: 34). ولم يشك أحد في بشرية الخضر عليه السلام، وقوله تعالى: {وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين} (الأنبياء: 7-8)، وكذا الأنبياء والأولياء وغيرهم ما كانوا خالدين، ولو قيل بحياة الخضر في عهد رسول الله [ فما جاء في الصحيحين عن عبدالله بن عمر قال: صلى بنا النبي [ العشاء في آخر حياته، فلما سلم قام فقال: «أرأيتكم ليلتكم هذه، فإن رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد» متفق عليه، فيدخل الخضر عليه السلام فيه، والله أعلم.
- خامسا: قال الخضر لموسى عليهما السلام وموسى سيد أهل الأرض في زمانه: {هذا فراق بيني وبينك} (الكهف: 78)، فهل يحرص الخضر على مقابلة من هم دون موسى في آخر الزمان لو كان حيا؟!
- التعريف بالسحر وأنواعه والكهانة والنشرة والتطير والتنجيم
يقول الله تعالى: {يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر} (البقرة: 103).
- أولا: السحر هو: كل ما لطف مأخذه وخفي سببه مما له تأثير على أعين الناس أو نفوسهم أو أبدانهم، وهو ما يفرق به بين المرء وأخيه، وأمه وأبيه، وصاحبته وبنيه، وفصيلته التي تؤويه، بل بينه وبين عقله وماله وسلوكه، ودينه وحياته، وقيل: هو التخيلات والأخذ بالعيون، وقالوا: الكهانة: ادعاء علم الغيب، وهي مختصة بالأمور المستقبلية، أما العرافة فمختصة بالأمور الماضية.
- ثانيا: السحر كفر، يقول الله تعالى: {يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر} إلى قوله: {وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون} (البقرة: 102)، ومر بنا قوله[: «اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق... » الحديث، متفق عليه.
- ثالثا: عدم فلاح الساحر فكيف من يلجأ إليه؟! يقول الله تعالى: {إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى} (طه: 6). وهو عمل المفسدين المجرمين، يقول الله تعالى: {قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون} (يونس: 81 - 82).
- رابعا: بيان كيف يحصل الساحر على معلوماته؟ يقول الله تعالى: {وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا} (الجن: 9-10)، وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة يبلغ به النبي [ قال: إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كالسلسلة على صفوان ينفذهم ذلك، فإذا {فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا} للذي قال: {الحق وهو العلي الكبير} (سبأ: 23)، فيسمعها مسترقو السمع، ومسترقو السمع هكذا واحد فوق آخر، ووصف سفيان بيده وفرج بين أصابع يده اليمنى نصبها بعضها فوق بعض، فربما أدرك الشهاب المستمع قبل أن يرمي بها إلى صاحبه فيحرقه وربما لم يدركه حتى يرمي بها إلى الذي يليه إلى الذي هو أسفل منه حتى يلقوها إلى الأرض، وربما قال سفيان: حتى تنتهي إلى الأرض، فتلقى على فم الساحر فيكذب معها مائة كذبة فيصدق فيقولون ألم يخبرنا يوم كذا وكذا يكون كذا وكذا فوجدناه حقا؟! للكلمة التي سمعت من السماء» الحديث.
- خامسا: بيان معاني بعض الكلمات التي تتعلق بالتعريف بالسحرة وأمثالهم، قال البغوي رحمه الله: العراف الذي يدعي معرفة الأمور بمقدمات يستدل بها على المسروق ومكان الضالة، ونحو ذلك، وقيل: هو الكاهن، والكاهن هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل، وقيل: هو الذي يخبر عما في الضمير بزعمهم، وقال ابن تيمية رحمه الله: العراف: اسم للكاهن والمنجم والرمال ونحوهم ممن يتكلم في معرفة الأمور بهذه الطرق، وقال ابن عباس رضي الله عنهما في قوم يكتبون أبا جاد (حروف وطلاسم) وينظرون في النجوم: «ما أرى من فعل ذلك له عند الله من خلاق»، وقال عوف: القيافة زجر الطير، والطرق: الخط يُخط بالأرض، وفي قول الله تعالى: {يؤمنون بالجبت والطاغوت} (النساء: 51) قال عمر]: الجبت: السحر، والطاغوت: الشيطان. وعن ابن عباس قال: قال رسول الله [: «من اقتبس شُعبة (علما) من النجوم اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد» «ومن تعلق شيئا وكل إليه، بل هي علامات يهتدي بها» اهـ.
فقول الله تعالى: {وعلامات وبالنجم هم يهتدون} (النحل: 15) لمعرفة الوقت وللزراعة والاتجاه ونحوها، والله أعلم، ومن المعلوم أن السحرة إذا أرادوا عمل السحر عقدوا الخيوط ثم نفثوا فيها، قال الله تعالى: {ومن شر النفاثات في العقد} أي: السواحر اللواتي يفعلن ذلك، والنفث هو النفخ مع الريق دون التفل. ولله در الشاعر لقوله:
لعمرك ما تدرى الطوارق بالحصى
ولا زاجرات الطير ما الله صانع
والقائل:
قضى الله ألا يعلم الغيب غيره
ففي أي أمر الله يمتريان
- سادسا: حكم من أتى عرافا، روى مسلم وغيره عن النبي [ أنه قال: «من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة» (ولعل ذلك لمن تاب ولم يصدقه)، فعن عمران بن حصين ] مرفوعا: «ليس منا من تَطير أو تُطير له، أو تكهن أو تُكهن له، أو سَحر أو سُحر له، ومن أتى كاهنا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أُنزل على محمد [» وفي الصحيح قال قتادة: «خلق الله هذه النجوم لثلاث: جعلها زينة للسماء، ورجوما للشياطين، وعلامات يهتدى بها؛ فمن تأول فيها بغير ذلك أخطأ وأضاع نصيبه وتكلف ما لا علم له به» وعن أبي موسى أن النبي [ قال «ثلاثة لا يدخلون الجنة مدمن خمر، وقاطع رحم، ومصدق بالسحر، الحديث.
- سابعا النشرة، وهي معالجة السحر، فإن كان بسحر مثله، فعن جابر بن عبدالله ] قال: سُئل[ عن النشرة؟ فقال: هي من عمل الشيطان» قال ابن القيم: النشرة حل السحر عن المسحور، وهي نوعان: أحدهما حل بسحر مثله، وهو الذي من عمل الشيطان، يتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يُحب، فيبطل عمله عن المسحور. انتهى، والمباح حل السحر بالرقية الشرعية.
- ثامنا: وهنا ما لا يقل إثما عن السحر، كالطيرة (التشاؤم)، يقول الله تعالى: {ألا إنما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون} (الأعراف: 31)، وفي الصحيحين عن أبي هريرة ]: أن رسول الله [ قال: «لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر» زاد مسلم. «ولا نوء، ولا غول» ولهما عن أنس] قال: قار رسول الله[: «لا عدوى ولا طيرة ويعجبني الفأل الكلمة الحسنة الكلمة الطيبة» واللفظ لمسلم وعن عبدالله بن مسعود عن رسول الله[ قال: الطيرة شرك (ثلاثا) وقال ابن مسعود: وما منا إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل». رواه الترمذي (1539) وصححه وجعل آخره من قول ابن مسعود، وأبو داود (2411).
- تاسعاً: ومن الطيرة المبالغة بإخفاء (عقد النكاح) خشية العين أو السحر، ولم أطلع على نص شرعي يأمر بذلك، بينما لا نرى مثل ذلك في معظم البلاد الإسلامية وغيرها، بل يبالغون في العلانية وجمع الآخرين لحضوره، فعلى المسلم أن يكون على ثقة بالله لقوله تعالى: {قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنين} (التوبة: 51)، وكذا الأمر فيما يبالغون فيه بنسبة الأمراض والحوادث وزوال النعم إلى العين أو الحسد أو السحر وإن كان بعض ذلك يحدث بقضاء الله وقدره، وبأسباب تفريطهم في بعض الأمور أو إسرافهم فيها، والله تعالى يقول: {وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم} (يونس: 107)، فالعين حق، ولكن شدة الخوف منها ليس بحق، وإنما الحق هو الخوف من الله وحده والمحافظة على ذكره عز وجل، أما ترك الأكل والشرب، والأخذ والإعطاء والبيع والشراء بهذا، فهذا باطل ولا يجوز، وكثير من الناس يعيشون وهم العين والسحر وهذا هو المرض النفسي، والله أعلم.
- عاشراً: عقوبة الساحر، قال جندب]: «حد الساحر ضربة بالسيف». رواه الترمذي (برقم 1460)، وقال: الصحيح أنه موقوف، والحاكم (4/360). وعن حالة لن عبدة قال: «كتب عمر بن الخطاب: أن اقتلوا كل ساحر وساحرة قال: فقتلنا ثلاث سواحر». رواه أحمد (1/190)، والبخاري رواه مختصراً (18415)، في فرض الخمس باب الجزية، وروى نحوه الترمذي (رقم 1586). وصح عن حفصة - رضي الله عنها - أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها، فقتلت».


اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #25  
قديم 23-02-2024, 07:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وقفات فقهية

وقفات فقهية (25)

الركون إلى الذين ظلموا والحذر من مكرهم (1-2)



يقول تعالى: {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون} (هود: 113)، وهم أهل الكتاب وغيرهم، والإعجاب ببدعهم، وضلالهم وتفضيلهم على المسلمين وكيفية التعامل معهم. فالركون من الركن: وهو الناحية من البيت، أو الجبل، وما يعتمد عليه، وركن إلى فلان: انضوى إليه، أو اعتمد عليه، ومنه قوله تعالى: {أو آوي إلى ركن شديد} قال [: «رحم الله أخي لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد» يعني: إلى الله تعالى. فالنهي هنا عن الميل والاعتماد بالمداهنة أو الملاحقة بالظلم، والدنو من الظلمة، وتعظيم ذكرهم، وصحبتهم من غير تذكيرهم ووعظهم، والاطمئنان إليهم والسكون إلى أقوالهم، بمودة، أو الرضا بشكرهم فتكونون أمثالهم، وللبيان:
- أولا: يقول الله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون} (آل عمران: 118)، فقوله {من دونكم} يشمل المشركين والمنافقين وأهل الكتاب وغيرهم. وقوله {ودوا ما عنتم} أي في كل زمان ومكان وقوله {قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر} بدت قولا وعملا فهم أعداء بكل حال، وعلى هذا تكون الآية إعلان المقارنة بين المؤمنين ومن دونهم، ببيان الآية التي بعدها: {هأنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور} (آل عمران: 119).
ثانيا: ولإيضاح سماحة الإسلام، وحرصه على السلام، في أمور كثيرة يقول الله تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين} (الممتحنة: 8)، ويقول الله تعالى: {إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين} (التوبة: 4)، ويقول الله تعالى: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون} (العنكبوت: 46)، حتى في حال خيانتهم: {وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين} (الأنفال: 58)، أي أعلمهم بما عزمت عليه. ويقول تعالى: {اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم} (المائدة: 5) فذلك لإبعاد الحرج عن المسلمين فيما يأكلون {وطعامكم حل لهم} فهم لا ينتظرون الإباحة من الإسلام فيما يأكلون وإنما هو أيضا لرفع الحرج عن المسلمين لتقديم طعامهم لتأليف قلوبهم، ولو حرم الله طعامنا عليهم لما قدمه المسلمون لهم، وقوله: {والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهم محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان} (المائدة: 5) للزواج لإيمان المسلمين بديانة أهل الكتاب فلا ضرر منهم عليهن. وتحريم زواج المؤمنات على أهل الكتاب وغيرهم لكفرهم بالإسلام وخشية الضرر عليهن، وذلك من عدالة الإسلام لا للإيثار، ودليله حرم الله على المسلمين نكاح المشركات من أهل الملل الأخرى لعدم الإيمان بدينهن، ولمضرة المشركات على أبنائهن من المسلمين: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنّ ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون} (البقرة: 221).
ثالثا: ومن الجوانب الإيجابية لديهم، قول الله تعالى: {ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون يؤمنون بالله واليوم الآخر} (آل عمران: 113 - 114). وللأسف هم الأقل، يقول الله تعالى: {منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون} (المائدة: 66). ويقول الله تعالى: {ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون} (آل عمران: 75)، ولم يقرهم الله على مقولتهم فكذبهم وأمرنا الله بالوفاء بدليل الآية التي تليها: {بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين} (آل عمران: 76).
رابعا: فيجب ألا نركن للذين كفروا ولا لمن والاهم، خاصة في الأمور الأساس كالنصرة وجلب السلاح والطعام والثقافة المخالفة لشرع الله لأهمية ذلك وقوة تأثيره، وألا نفضلهم على المؤمنين، يقول تعالى: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا} (النساء: 51-52) وهذا كثيرا ما نسمعه ونجده من البعض لشدة إعجابهم بغير المسلمين.
خامسا: الحذر من التشبه بهم أو تقليدهم في مخالفة الشرع، روى مسلم وغيره عن ثوبان ]: أن رسول الله [ قال: «وإن ربي قال: يا محمد، إذا قضيتُ قضاء فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك ألا أهلكهم بسنة عامة، وألا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيتسبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها، حتى يكون بعضهم يهلك بعضا، ويسبي بعضهم بعضا» وهذا ما نعاني منه اليوم من انتصار الأعداء بتعاون البعض معهم، والله المستعان. وروى الإمام أحمد وأبوداود عنه [ قال: «وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم».
سادساً: يقول الله تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون} (الأنفال: 60)، والإرهاب هنا للإخافة وليس لقتالهم مباشرة بل هو الإعداد بالعلم لإقناعهم بالحق، وبالقوة لفرض الهيبة، والسلامة من التهديد، وكسب الاحترام، منهم {وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم} مع الشعور بقوله تعالى: {لأنتم أشد رهبة في صدورهم} ولا تكون الرهبة إلا من القوي المتعلم، ثم إذا اقتضى الأمر قتالهم بالقوة بعد إعدادها واعتدائهم فليكن ذلك، والله المستعان.
سابعاً: أما الحذر من مكرهم فخلاصة تعريف المكر: فهو صرف الآخر عما يريد إلى غيره بالحيلة والخداع وزخرف القول، يدبر تدبيرا فاسدا ليضره ويؤذيه في خفية، دون أن يشعر، يقول الله تعالى: {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك} (الأنفال: 30)، ويقول الله تعالى: {ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين} (الأنفال: 30).
ثامناً: فمن مكرهم في الماضي حال ضعفهم، قول الله تعالى: {وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون} (آل عمران: 72)، وقوله تعالى: {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون} (البقرة: 14) وإرضاؤهم مستحيل، يقول الله تعالى: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير} (البقرة: 120).
تاسعاً: ومن مكرهم المعاصر: ما جاءا وبه من مقولة العولمة، يريدون بها إسقاط تطبيق الحدود الشرعية لتكثر الجرائم، وتهبط الأخلاق الفاضلة. ولقد لاحت بعض البوادر، فتبدلت الأخلاق، وفشت المخدرات، وأرهب الطالب أستاذه، وعق الولد والده، فكادت الأجيال تضيع فلا علم ولا أخلاق، وهيمن الأعداء على الاقتصاد ليعم الفقر، وتسود الرذيلة، مع العلم أن الإسلام هو دين العولمة لنشر الفضيلة، فالله أرسل نبيه [ للناس كافة، قال تعالى: {وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون} (سبأ: 27)، وأرسله رحمة للعالمين: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} (الأنبياء: 107) وهذه هي العولمة الحقة، رسالته كافة للناس بشيرا بالخير ونذيرا عن الشر، ورحمة للعالمين ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
ولقد استضعف كثير منا، وشطن كثير منهم فغزوا البلاد ودمروا الديار وقُتل الأبرياء؛ لجهلنا بديننا وبمقدارنا عند ربنا والله تعالى يقول: {لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون} (الحشر: 43)، والواقع يشهد على ذلك فبناؤهم الجدر في فلسطين المحتلة ومحاولتهم ذلك في العراق وغيره مع انتهاء عصر الأسوار، تصديق لقول الله تعالى: {لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر} (الحشر: 14). فهل أدركنا ذلك؟ والله تعالى يقول: {وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم} (محمد: 38).


اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #26  
قديم 23-02-2024, 07:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وقفات فقهية

وقفات فقهية (26)

الركون إلى الذين ظلموا والحذر من مكرهم (2-2)



تحدثنا في الحلقة السابقة عن عدم الركون إلى الذين ظلموا والحذر منهم، وذكرنا أنهم أهل الكتاب وقد نهى الإسلام عن الإعجاب ببدعهم وضلالهم، وذكرنا أيضاً سماحة الإسلام وحرصه على السلام، وكذلك الحذر من التشبه بهم وتقليدهم ، والحذر من مكرهم، ونستكمل في هذه الحلقة ماتبقى من معاني الركون إلى الذين ظلموا.

حادي عشر: زعموا أنهم يراعون حقوق الإنسان، وكان الإسلام خالياً من الإنسانية وحقوقها، والله تعالى يقول: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين} (الأنبياء: 47)، فلا تظلم نفس مؤمن أو كافر، وقوله: {وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا} (البقرة: 83). وكلمة «للناس» تشمل المسلم وغيره، وهو ما يوضحه قوله[: «من سره أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويأتي إلى الناس ما يُحب أن يؤتى إليه»، وأخرج أحمد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان: عن عائشة، عن رسول الله [: قال: «الدواوين يوم القيامة ثلاثة: ديوان لا يغفره الله، وديوان لا يعبأ الله به شيئا، وديوان لا يدعه الله لشيء، فأما الديوان الذي لا يغفره فإن الله لا يغفر أن يشرك به، وقال: {إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار}، وأما الديوان الذي لا يعبأ الله به شيئا فظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه من صوم يوم تركه، أو صلاة تركها، فإن الله عزوجل يغفر ذلك ويتجاوز إن شاء، وأما الديوان الذي لا يترك الله منه شيئا، فظلم العباد بعضهم بعضا، القصاص لا محالة».
حتى الحيوان نال حقه في الإسلام، ففي الحديث: «بينما رجل يمشي بطريق إذ اشتد عليه العطش، فوجد بئرا فنزل فيها فشرب، فخرج فإذا كلب يلهث، يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه، ثم أمسكه بفيه حتى رقي فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له، فقالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم أجرا؟ فقال: في كل كبد رطبة أجر» قال أبوعمر في «التمهيد»: وكذا في الإساءة إلى الحيوان إثم، وقد روى مالك، عن نافع، عن ابن عمر؛ أن النبي [ قال: «دخلت امرأة النار في هرة ربطتها، فلا هي أطعمتها، ولا هي أطلقتها تأكل من خشاش الأرض»، فماذا بعد هذا من حقوق للخلق في الإسلام! أما حقوق الإنسان لديهم فتوزن بأكثر من مكيال، فلهم الحق في غزو وقتل وسجن من شاؤوا، ومتى شاؤوا وأينما شاؤوا دون محاكمة أو مسوّغات شرعية دولية أقروها، وديموقراطية ابتدعوها لمن والاهم، لا لمن خالفهم، ويملكون من السلاح أشده فتكا مع حق الاستعمال وليس ذلك لغيرهم: {استكبارا في الأرض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله} (فاطر: 43). فهم من: {الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يُخْسِرون} (المطففين: 3). فمن ظن من المسلمين أن هؤلاء حماة لحقوق الإنسان فهو ظالم لنفسه، مفسد لأمره، مسيء لدينه.
ثاني عشر: ومن مكرهم اختيارهم أمورا يظنون أنها ضعف في المسلمين، منها محاربة التزام المرأة المسلمة بدينها، فالمرأة المؤمنة أعظم وأكرم أن تنتهك محارم الإسلام من خلالها بإذن الله، فعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله [ قال: «يا سعيد، من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد [ رسولا ونبيا وجبت له الجنة» قال: فعجب لها أبوسعيد فقال: أعدها علي يا رسول الله، ففعل...» رواه مسلم. فالمرأة المسلمة ممن رضي بالله ربا.. ولم تكن المرأة المسلمة في غفلة من مرادهم، بل كثيرا ما يشكو المستغربون في وسائل الإعلام من شدة معارضتها لفسادهم، ولقوة تأثيرها فقد ضرب الله بها مثلا، للذين كفروا وللذين آمنوا، يقول الله تعالى: {ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين} (التحريم: 10-12) وأن هدفهم: {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير} (البقرة: 109)، ولنعلم بقول الله تعالى: {أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض} (آل عمران: 195).
ثالث عشر: ومن مكرهم سعيهم في التركيز على الخلاف المذهبي بين المسلمين لإحداث الفرقة، كما هو حادث في العراق، علما أن الاختلاف سنة الله في خلقه: {ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك} (هود: 118-119)، مع علمنا بقوله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا} (آل عمران: 103) وبقوله: {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون} (الأنعام: 159)، وبقوله: {وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين} (الأنفال: 46) علما بأنهم أشد منا خلافا واختلافا وفرقة، إلا في محاربتهم الإسلام لخوفهم من هيمنته عليهم والله تعالى يقول: {بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون} (الحشر: 14).
رابع عشر: ومن مكرهم بذر الشقاق بين المسلمين ومواطنيهم من أهل الكتاب كما حدث ويحدث في مصر ولبنان والعراق، وجنوب السودان وكانت النتائج مخيبة لآمالهم، فهاجر الكثير من أقباط مصر، وموارنة لبنان، وكلدانيي العراق، وأسلم من أسلم منهم، والحمد لله: {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون} (يونس: 58)، أما السودان فيعلم الله آثار سياستهم فيه: {والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون} (يوسف: 21).
خامس عشر: ومن مكرهم سعيهم لبذر الشقاق بين المسلمين أنفسهم من حيث اللغة، وهو ما نشاهده في شمال أفريقيا بين العرب والبربر، وفي السودان بين العرب والأفارقة (دارفور)، وشمال العراق عرب وأكراد، واللوم علينا، فالقرآن كان ولا يزال يمثل شرعة المسلمين ومنهج حياتهم، جعله الله مع اللغة العربية أداتين فاعلتين من أدوات العالم المجتهد، وليزيلا معا الفوارق بين البشر، فما كانت العربية يوما حكرا على العرب، وما كان الدين الإسلامي يوما مما اختص به العرب، فالعربية لسان من تكلم بها فهو عربي، ففي الأثر: أيها الناس، إن الرب واحد، والأب واحد، وليست العربية بأحدكم من أب أو أم، وإنما هي اللسان؛ فمن تكلم العربية فهو عربي، والعربية وعاء الإسلام المختار والله تعالى يقول: {الله أعلم حيث يجعل رسالته} (الأنعام: 124)؛ فجعل رسالته في العربية، وليس من عجب أن ترى دهاقنة العربية وأساطين علوم الدين من غير العرب، وذلك دلالة عظمى على شمولية الإسلام وعالمية لغته، التي كانت في زمان لغة الحضارة والفكر ولا تزال بإذن الله، وسيعود ما غاب من مجدها {... ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون} (الأنفال: 7 - 8).
وقد امتدح الله العربية، فلا تخالفوه، فهي لسان العقل {إنا أنزلناه قراءنا عربيا لعلكم تعقلون} (يوسف: 2)، وهي لسان الأحكام {وكذلك أنزلناه حكما عربياً} (الرعد: 37)، وهي لسان العلم {كتاب فصلت آياته قراءنا عربيا لقوم يعلمون} (فصلت: 3).. إلخ.
إن الحفاظ على اللغة العربية من مستلزمات الحفاظ على الذكر (القرآن) وقد تكفل الله بذلك في قوله تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} (الحجر: 9)، فهل يكون لنا الشرف بأن نكون أدوات في ذلك؟ أما من عادى العربية من المسلمين فقد عادى الإسلام، وأما الأعداء ومن نحا نحوهم: {فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم} (البقرة: 137)، فقد جمعوا للمسلمين والله تعالى يقول: {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل} (آل عمران: 173).


اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #27  
قديم 23-02-2024, 07:59 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وقفات فقهية

وقفات فقهية (27)

التعريف بإنكار نعمة الله بعد معرفتها



يقول الله تعالى: {يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون} (النحل: 82) وهنا وقفات لابد لنا منها:
- أولا: النعمة هي الخير والفضل، وأصل النعيم كل حال ناعمة من النعومة والليونة ضد الخشونة واليبوسة والشدائد، وهي الحالة التي يستلذ بها الإنسان، والأصل فيها عموم رحمة الله، وهي ما آتاهم الله من الصحة، والأمن، والكفاية. ووصف الله عباده الصالحين بإنعامه عليهم: {صراط الذين أنعمت عليهم} (الفاتحة: 7)، ووصف جناته بالنعيم: {ولأدخلناهم جنات النعيم} (المائدة: 65).
- ثانيا: وإنكار النعمة هو ترك القيام بما وجب عليهم من العلم بمعرفتها، يقول الله تعالى: {واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور} (المائدة: 7). قال ابن قتيبة: يقولون: هذا بشفاعة آلهتنا، اهـ. وحينما أنعم الله على قارون أنكر نعمة الله عليه: {قال إنما أوتيته على علم عندي} (القصص: 78). وقال قتادة: على علم مني بوجوه المكاسب اهـ. فمن أعلمه بوجوه المكاسب؟ وقول الله تعالى: {ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة} (فصلت: 50). قال مجاهد: هذا بعملي وأنا محقوق به، وقال آخرون: على علم من الله أني له أهل. وقال عون ابن عبدالله: يقولون: لولا فلان لم يكن كذا.
- ثالثا: قول الله تعالى: {وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون} (الواقعة: 82) ففي الصحيحين عن زيد بن خالد الجهني قال: صلى لنا رسول الله [ صلاة الصبح بالحديبية على أثر سماء كانت من الليلة، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: «هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال إصبح من عبادي مؤمن وكافر فأما من قال: مُطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي وكافر بالكوكب، وأما من قال: مُطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي ومؤمن بالكوكب» وإنما أضافوا نزول المطر إلى نوء كذا وكذا، فمن وقت لنزوله وأنزله؟ ولو شاء الله لمنعه! فهذا كفر بالنعمة التي يجب أن تضاف إلى المنعم بشكره، وفي الحديث القدسي: «إني والجن والإنس في نبأ عظيم، أخلق ويُعبد غيري، وأرزق ويشكر غيري».
- رابعا: أما المؤمن فمتمثل لقوله تعالى: {وأما بنعمة ربك فحدث}، لقوله تعالى: {وما بكم من نعمة فمن الله} (النحل: 53). وقوله تعالى: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار} (إبراهيم: 34)؛ رجاء لقوله تعالى: {وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم} وخوفا من تمام الآية: {ولئن كفرتم إن عذابي لشديد} (إبراهيم: 7) والله أعلم.
عدم القول في الدين ما ليس لنا به علم
يقول الله تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا} (الإسراء: 36) وذلك بسوء التأويل والاستنتاج الخاطئ.
ومثاله عندما سُئل أحد الغلاة عند ترويجه لدعاء الأموات مع الله ما هو دليله؟ قال: لقاء نبينا محمد بموسى صلى الله عليهما وسلم، مشيرا إلى حديث المعراج، يقول الله تعالى: {ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أولئك يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين} (هود: 18). تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا. ولبيان ذلك نقول وبالله التوفيق:
- أولا: لم يذهب رسول الله [ إلى ضريح موسى عليهما السلام، بل عُرج به إلى ربه ومعبوده الحي القيوم تشريفا له، وكرامة لأمته ولفرض أعظم أركان التوحيد بعد الشهادتين، ألا وهو الصلاة.
- ثانيا: وقف رسول الله [ بين يدي الله تعالى، وليس في حاجة لأحد من خلق الله.
- ثالثا: لقاء النبي [ لم يكن خاصا بموسى \ بل مر في طريقه بجمع من الأنبياء كما ورد في الحديث، من آدم إلى عيسى عليهم أفضل الصلاة والسلام.
- رابعا: لم يطلب نبينا محمد [ من موسى \ الشفاعة ولم يقصده للبركة، ولم يعده موسى بذلك. بل موسى \ بادره بسؤاله فقال: «ماذا فرض ربك على أمتك»؟ قال [: «قلت: فرض عليهم خمسين صلاة». فكان موقف موسى \ موقف الموحد لربه، فذكره بما يجب على كل مؤمن موحد أن يعمله قال له: «فراجع ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك» ولم يقل ارجع إلى سواه، كما سنرى في الحديث.
- خامسا: انظر كيف يجعلون قمة التوحيدة قاعدة للشرك، وصدق الله حيث يقول: {إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون} (الأعراف: 27-29)، ولم يقل عند كل ضريح أو ولي.
ويستحسن بنا استعراض الحديث المشار إليه:
ففي الصحيحين وغيرهما عن أنس بن مالك قال: كان أبوذر يحدث أن رسول الله [ قال: «فرج سقف بيتي وأنا بمكة فنزل جبريل [ ففرج صدري ثم غسله من ماء زمزم ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا فأفرغها في صدري ثم أطبقه، ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء فلما جئنا السماء الدنيا قال جبريل \ لخازن السماء الدنيا افتح، قال: من هذا؟ قال هذا جبريل، قال: هل معك أحد؟ قال نعم معي محمد [، قال: فأُرسل إليه؟ قال: نعم. ففتح قال فلما علونا السماء الدنيا فإذا رجل عن يمينه أسودة، وعن يساره أسودة قال فإذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى، قال فقال: مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح قال قلت: يا جبريل من هذا؟ قال هذا آدم [ وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه، فأهل اليمين أهل الجنة والأسودة التي عن شماله أهل النار؛ فإذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى، قال: ثم عرج بي جبريل حتى أتى السماء الثانية فقال لخازنها افتح قال فقال له خازنها، مثل ما قال: خازن السماء الدنيا ففتح. فقال أنس بن مالك: فذكر أنه وجد في السماوات آدم وإدريس وعيسى وموسى وإبراهيم صلوات الله عليهم أجمعين ولم يثبت كيف منازلهم غير أنه ذكر أنه قد وجد آدم \ في السماء الدنيا وإبراهيم في السماء السادسة، قال: فلما مر جبريل ورسول الله [ بإدريس صلوات الله عليه قال مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح قال فقلت من هذا؟ فقال هذا إدريس قال ثمر مررت بموسى \ فقا لمرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح قال قلت من هذا؟ قال هذا موسى قال ثم مررت بعيسى فقال: مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح قلت: من هذا قال هذا عيسى ابن مريم قال ثم مررت بإبراهيم \ فقال مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح، قال: قلت من هذا قال هذا إبراهيم. قال ابن شهاب وأخبرني بن حزم أن بن عباس وأبا حبة الأنصار يكانا يقولان قال رسول الله [: ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام، قال بن حزم وأنس بن مالك قال رسول الله [: ففرض الله على أمتي خمسين صلاة قال فرجعت بذلك حتى أمر بموسى فقال موسى \: ماذا فرض ربك على أمتك؟ قال: قلت فرض عليهم خمسين صلاة قال لي موسى \: فراجع ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك قال فراجعت ربي فوضع شطرها، قال فرجعت إلى موسى \ فأخبرته قال: راجع ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك قال: فراجعت ربي فقال: هي خمس وهي خمسون لا يبدل القول لدي قال فرجعت إلى موسى فقال: راجع ربك، فقلت: قد استحييت من ربي، قال: ثم انطلق بي جبريل حتى نأتي سدرة المنتهى فغشيها ألوان لا أدري ما هي، قال: ثم أدخلت الجنة فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ وإذا ترابها المسك»، انتهى.
1- فهذا خازن السماء \ ملك عظيم كلف بأمر عظيم لم يعلم أن جبريل هو الذي يطلب منه الفتح ولم يعلم أن معه أحدا ولم يعلم أن محمدا [ أُرسل إليه. حتى سأل جبريل فأجابه.. وكذا خازن السماء الثانية لم يعلم حتى سأل.
2- وهذا نبينا محمد [ لم يعلم أن هذا آدم \ ولا هذا موسى ولا هؤلاء الأنبياء حتى أخبره جبريل، والنبي [ مر بموسى ولم يكن يقصده.
3- وهذا موسى \ لم يعلم ما فرض الله على أمة محمد [ حتى سأله فأخبره، ولم يشفع موسى لنبينا عليهما الصلاة والسلام في أمر الصلاة ولا غيرها، بل أمره أن يرجع إلى ربه ولم يسأله نبينا الوساطة أو الشفاعة وهذا هو التوحيد؛ ولهذا بعث الله الرسل لعباده.
4- فهؤلاء عظماء خلق الله لا يعلمون الغيب فمن دونهم أولى بعدم علم الغيب، فالأموات لا يسمعون دعاء الداعين ولا ينفعونهم، وصدق الله حيث يقول: {قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا} (الإسراء: 56).
- الخلاصة: قول الله تعالى: {والذين يدعون من دونه ما يملكون من قطمير إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير} (فاطر: 13 - 14) وقال الله تعالى: {قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى آلله خير أما يشركون} (النمل: 59).

اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #28  
قديم 23-02-2024, 08:02 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وقفات فقهية

وقفات فقهية (الحلقة الأخيرة) التعريف بنصرة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم


يقول الله تعالى: {يأيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم} (محمد: 7).
- أولا: النصرة هنا هي الموالاة لله ولرسوله ودينه، ولمن والى ذلك، بمعرفة الحق والإيمان به وقوله والعمل بمقتضاه، يقول الله تعالى: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسوله بالغيب إن الله قوي عزيز} (الحديد: 25) ويقول الله تعالى: {ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز} (الحج: 40) أي إنما المراد من نصرة الله نصرة دينه، وعن أبي داود، قال رسول الله [: «وما من امرئ ينصر مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا نصره الله في موضع يحب فيه نصرته».
- ثانيا: النصرة لها ثمن عظيم، يقول الله تعالى: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون} (النور: 55) وهذا وعد الله شرطه النصرة: {يعبدونني لا يشركون بي شيئا}.
- ثالثا: يتساءل كثير من المسلمين عن تفوق كثير من الأمم علينا، وتأخر النصر عنا، أنى هذا الهوان والخذلان ونحن مسلمون؟ يقول الله تعالى: {أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير} (آل عمران: 165) هو من عند أنفسنا ففي الأثر: «اللهم إنه لم ينزل بلاء من السماء إلا بذنب ولم ينكشف إلا بتوبة»، ومر بنا في الصحيحين عن ابن مسعود ] قال: قلت: يا رسول الله أي الذنب أعظم؟ قال: «أن تجعل لله ندا وهو خلقك، قلت: إن ذلك لعظيم». وتلك مصيبة العالم الإسلامي، فهذه الأضرحة التي انتشرت في ديار المسلمين بل في كثير من مساجدهم هي الذنب العظيم الذي لا يغفره الله إلا بالتوبة منه والكف عنه، ومما يؤسف له أن عدد زوار تلك الأضرحة قد يفوق عدد حجاج بيت الله الحرام، والسؤال هنا: ما الفرق بين من يدعو أصحاب الأضرحة، وبين من يرجو الصليب أو المسيح عليه السلام، أو راما معبود الهندوس، أو بوذا معبود البوذية فالكل يدعو غير الله {أم لهم إله غير الله سبحان الله عما يشركون} (الطور: 43). ونصر الله مشروط بنصرتنا لله، يقول الله تعالى: {يأيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم} (محمد: 7) بتوحيده {يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون} (النور: 55).
- رابعا: من أراد النصرة والتمكين لا بد له أن يعود لما كان عليه السلف الصالح: {ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم} (الأنفال: 53) فلابد للتغيير من تغيّر فقد كانت الدنيا للمسلمين فأين الأندلس، وما حال المسجد الأقصى، وما مصير الصومال وجنوب السودان والعراق وأفغانستان وأين ما نُزع من بلاد المسلمين، وما الذي أسقط الخلافة الإسلامية؟ أليس منه كثرة القباب فوق الأضرحة، وتعدد الطرق ومشايخها، والهرولة خلف الدراويش والمجذوبين؟ فكيف يُجمع لنا بين ذلك، وبين النصر على الأعداء والعزة والتمكين في العالمين؟ فيا أصحاب الأضرحة اتقوا الله في توحيد الله فلا معبود بحق إلا الله تعالى: {وأن المساجد لله؛ فلا تدعوا مع الله أحدا} (الجن: 18)؛ ويا أصحاب الطرق اتقوا الله فلا طريقة إلا طريقة محمد رسول الله [ وما عداها هو الضلال المبين، يقول الله تعالى: {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون} (الأنعام: 153) فهل أنتم منتهون؟
- خامسا: لا ينبغي لمؤمن أو مؤمنة أن يحقر نفسه، في نصرة الله ولو لم ينصره الناس؛ فلإن الله معه وله نصيب من قوله تعالى: {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم} (التوبة: 40)، فنصرة الرسول [ هي نصرة لدينه الذي جاء به، فإذا قام بذلك المؤمن كما أمر الله فالله مع ما جاء به، الرسول ومع ذلك القائم به. وفي نصرة الرسول [ يقول الله تعالى: {من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ} (الحج: 15).
- الخلاصة: لعلنا ندرك أن من وصية الله تعالى لنبيه وحبيبه محمد [ حقيقة النصرة، يقول الله تعالى: {وأن أقم وجهك للدين حنيفا ولا تكونن من المشركين ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم قل يأيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل واتبع ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين} (يونس 105-109) فهل نحن ملتزمون؟ يقول الله تعالى: {تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون} (الجاثية: 6)، والله أعلم.

التعريف بالفرار إلى الله تعالى
يقول الله تعالى: {ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين} (الذاريات: 51) في البخاري «ففروا إلى الله، أي: من الله إليه» انتهى. ويكون ذلك بالتوبة: من الكفر إلى الإيمان، ومن المعصية إلى الطاعة، ومن الغفلة إلى الذكر، ومن الإسراف إلى الزهد بمجاهدة النفس، وأعظمها من الشرك إلى التوحيد؛ فالتوبة هي الرجوع من الباطل إلى الحق، وللتوضيح:
- أولا: إن الله يغفر الذنوب جميعا: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم} (الزمر: 53).
ويقول تعالى: {ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما} (النساء: 110) ويأمر الله بالاستغفار ويدعو إليه، يقول الله تعالى: {وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير} (هود: 3). وما من نبي إلا دعا ربه بالاستغفار والتوبة إليه، فآدم وزوجه عليهما السلام{قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين} (الأعراف: 23)، ونوح عليه السلام قال: {رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات} (نوح: 28)؛ ولهذا كان سيد ولد آدم وإمام المتقين محمد [ يستغفر في جميع الأحوال ففي البخاري (5948): «والله إني لأستغفر الله وأتوب في اليوم أكثر من سبعين مرة».
- ثانيا: وللتوبة والاستغفار فوائد عظيمة في الدنيا والآخرة، يغفر الله بها الذنوب، وللكفار كفرهم: {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين} (الأنفال: 38)، وبالتوبة يغفر الله الشرك وعظائم الذنوب بل يبدل الله السيئات حسنات: {إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما} (الفرقان: 70) ولابن ماجه وغيره «التائب من الذنب كمن لا ذنب له» ومنها قول الله تعالى: {فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا} (نوح: 10-12) وقوله تعالى: {ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين} (هود: 52).
- ثالثا: وللتوبة شروط، قال العلماء رحمهم الله: التوبة واجبة من الذنوب، بالإخلاص لله عز وجل، ووقتها، قبل الغرغرة، فما كان بين العبد وربه تعالى فشروطها ثلاثة: 1- الإقلاع عنها 2- والندم عليها 3- والعزم ألا يعود إليها أبدا، فإن فقد أحدها لم تصح توبته. وإن كانت تتعلق بحق آدمي، فمع هذه الثلاثة، رابعة وهي: أن يبرأ من حق صاحبها، فالمال أو نحوه يرده إليه، وحد القذف ونحوه يمكنه منه، أو يطلب عفوه، والغيبة يستحله منها، فترد المظالم وتتدارك في عالم الدنيا ما أمكن، يقول الله تعالى: {وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى} (طه: 82) والله أعلم.


اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 154.96 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 150.04 كيلو بايت... تم توفير 4.92 كيلو بايت...بمعدل (3.18%)]