وقفات فقهية - الصفحة 2 - ملتقى الشفاء الإسلامي

اخر عشرة مواضيع :         انشودة يا أهل غزة كبروا لفريق الوعد (اخر مشاركة : أبـو آيـــه - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 858973 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 393336 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12535 - عددالزوار : 215669 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 66 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 52 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 51 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 55 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 51 )           »          اضطراباتي النفسية دمرتني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 52 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 11-10-2023, 09:48 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وقفات فقهية

وقفات فقهية (11)

هل يجتمع الإيمان والشرك في سلوك المؤمن؟



يقول الله تعالى: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} (يوسف: 106). أولا: هل يجتمع الإيمان والشرك؟ يظن بعضهم أن الإيمان والشرك لا يجتمعان خاصة عند بحث بعض الأمور الشركية معهم، وهذا خلاف لقوله تعالى: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} (يوسف 106)، فيستمرون بمخالفة الحق زعما أن ذلك مجرد وجهة نظر لا حرج فيها.
- ثانيا: لابد من العلم بحقيقة الإيمان والعمل بمقتضاه، يقول الله تعالى: {ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه} (الأنعام: 102). وترك ما يخالف ذلك: {ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير} (فاطر: 13) فاجتنبوهم.
- ثالثا: لقد آمن المشركون بربوبية الله، يقول الله تعالى: {قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل أفلا تذكّرون... بل أتيناهم بالحق وإنهم لكاذبون} (المؤمنون: 84-90). قوله: {وإنهم لكاذبون} ليس بحقيقة ما أقروا به من ربوبية الله ولكن لم يؤدوا ما ترتب على ذلك من حق بتوحيد الله في عبادته، فأشركوا فانطبق عليهم قول الله تعالى: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} (يوسف: 106) آمنوا بالله ربا وأشركوا في عبادته إلها؟
- رابعا: وفي تفسير ابن كثير للآية قال: دخل حذيفة ] على مريض فرأى في عضده سيرا فقطعه أو انتزعه ثم قال: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} وفي مسند الإمام أحمد عن عيسى بن عبدالرحمن قال: دخلت على عبدالله بن حكيم وهو مريض نعوده فقيل له: لو تعلقت شيئا، فقال: أتعلق شيئا وقد قال رسول الله [: «مَن تعلق شيئا وكل إليه»؟! ولأحمد من حديث عقبة بن عامر قال: قال رسول الله [: «من علق تميمة فقد أشرك» وفي رواية «من تعلق تميمة فلا أتم الله له» وفي رواية: «ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له» رواه أحمد والنسائي وغيرهما.
- خامسا: الإقرار بالحق وحده لا يكفي في الدخول في دين الإسلام إلا بالعمل به وذلك بتحقيق معنى: «لا إله إلا الله» نفيا وإثباتا، ولقد تعجب كثير من المشركين الأوائل من الدعوة لإفراد الله بالعبادة، مع إيمانهم بما مر بنا فقالوا: {أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب} إلى قوله تعالى: {إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب} (ص: 14). ولقد ضرب لنا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مثلا في ذلك (ولله المثل الأعلى) قال: ومثل ذلك كمثل رجلين عليهما حق لرجل فسأل أحدهما حقه فقال: ليس لك عندي حق فأنكر وجحد فلم يبق له منزلة يحقق بها ما قال إذا جحد وأنكر (قلت: وهذا هو الكافر) وسأل الآخر حقه فقال: نعم لك عليّ كذا وكذا (ولم يؤده) فليس إقراره بالذي يصل إليه بذلك حقه دون أن يوفيه؛ فهو منتظر له أن يحقق ما قال بالأداء ويصدق إقراره بالوفاء، ولو أقر ثم لم يؤد إليه حقه كان كمن جحده في المعنى إذ استويا في الترك للأداء (وهذا هو المشرك) فتحقيق ما قال أن يؤدي إليه حقه، انتهى (مجموع الفتاوى 7/323). أي بتوحيد الله ولا يشرك معه أحدا في حقه. فالإيمان الحقيقي بالله وأداء حقه فيه مرتبطان بالتوحيد الذي بعث الله به رسله وأنزل به كتبه وهو عبادة الله وحده لا شريك له وهو توحيد الألوهية، وأما مجرد الإيمان بتوحيد الربوبية (أي الإيمان بأن الله هو الخالق) فهذا التوحيد كان في المشركين، يقول الله تعالى: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} (يوسف: 106) فهم ما أن يوحدوا الله بمعرفة حقه، إلا جعلوا معه شريكا من خلقه.
التعريف بالولاء والبراء
الولاء والبراءة من أعظم أصول الإسلام وهو علامة التمسك بالعروة الوثقى، وهي شهادة أن لا إله إلا الله والعمل بمقتضاها. وحدودهما واضحة وهي:
- أولا: التعريف بالولاء: وهو الموالاة بعقيدة وتنظيم للعمل، وهو المحبة، والاتباع بإحسان، وهو النصرة، والتناصر بالحق بين فريقين.. وعليه فالولاء في الإسلام لله ورسوله وللمؤمنين، يقول الله تعالى: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون} (المائدة: 55-56). ويقول الله تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم} (التوبة: 71). وفي صحيح البخاري، عن أنس عن النبي [ قال: «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار» وفي مصنف ابن أبي شيبة والمعجم الأوسط وغيرهما: قال [: «أوثق عرى الإيمان الحب في الله، والبغض في الله...» الحديث وفي رواية: «أوثق عرى الإسلام» رواه البخاري.
- ثانيا: فإذا تقرر أن الولاء في الإسلام لله ورسوله وللمؤمنين فلابد من تركه مع من خالفهم وهم:
1- الكفار: يقول الله تعالى: {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء} (آل عمران: 28). ويقول الله تعالى: {الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا} (النساء: 139).
2- وأهل الكتاب، يقول الله تعالى: {يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين} (المائدة: 51).
3- أقرب الأقرباء إذا ضلوا: يقول الله تعالى: {يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون} (التوبة: 23).
4- عصاة المسلمين: يقول الله تعالى: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين} (التوبة: 11). وإن لم يتوبوا فلا مولاة لهم، يقول الله تعالى: {والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا} (الأنفال: 72). المقصود هنا الهجرة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام، ولعله يشمل أيضا من يُصر على ارتكاب المعاصي عموما ويجاهر بها ولم يهجرها، لقوله [ في صحيح البخاري وغيره: «والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه».
- ثالثا: يستثنى (بمودة وبدون ولاء) الوالدان الداعيان للشرك، يُحسن معاملتهما؛ لقوله تعالى: {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون} (لقمان: 15). فقوله (واتبع سبيل من أناب) أي الولاء للمؤمنين. وكذا من كف أذاه عن المسلمين؛ لقوله تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين} (الممتحنة: 8). أي تبروهم وتقسطوا إليهم، ولا موالاة لهم.
- رابعا: عاقبة من خالف ذلك، يقول الله تعالى: {ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون} (المائدة: 80) والله أعلم.
- خامسا: التعريف بالبراء: هو خلاف الولاء، وهو التباعد والخلاص، وانقضاء العهد وانقطاعه، وعدم الصلة، يقال: برئت منه، أي انقطعت بيننا الصلة، ومنه برئت من الدين (القرض).. وعليه فالبراءة هي:
1- براءة الله ورسوله من المشركين، يقول الله تعالى: {وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله} (التوبة: 3).
2- وبراءة الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام من الشرك، فإبراهيم قال {يا قوم إني بريء مما تشركون} (الأنعام: 78). وهود قال {أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون} (هود: 54). ويأمر الله نبيه أن يقول: {وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد قل إنما هو إله واحد وإنني بريء مما تشركون} (الأنعام: 19).
3- براءة الملائكة، يقول الله تعالى: {ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون} (سبأ: 40-41).
4- براءة من اتخذوهم شركاء مع الله من الأنبياء أو أهل البيت أو الأولياء وغيرهم، يقول الله تعالى: {وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعو من دونك فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون} (النحل: 86). وكذا سادتهم ومُضلوهم وسدنة الأضرحة، يقول الله تعالى: {ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون قال الذين حق عليهم القول ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا تبرأنا إليكم ما كانوا إيانا يعبدون} (القصص: 62-63).
5- براءة المشركين من شركهم، يقول الله تعالى: {ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون} (الأنعام: 22-24). ودعاؤهم على من أضلهم، يقول الله تعالى: {وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا} (الأحزاب: 68). وبراءة الطرفين من بعضهما بندامة لسوء سلوكهما، يقول الله تعالى: {قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلاق في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون} (سبأ: 33).
6- ومن العجب براءة الشيطان منهم: {كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين} (الحشر: 16).
الخلاصة: لا بد من البراءة من المشركين وشركهم، يقول تعالى: {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا بُرءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده} (الممتحنة: 4)، علما أن المسلم إذا فعل خطيئة في الشرع يُتبرأ من فعلته، أما الكافر فيتبرأ منه ومن فعلته لقوله تعالى: {إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله} (الممتحنة: 4)، أما المسلم فقوله تعالى: {فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما} (الحجرات: 9) فالبراءة من الذنب. {حتى تفيء}.


اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 11-10-2023, 09:50 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وقفات فقهية

وقفات فقهية (12)

التعريف بمكانة أهل البيت وصحابة رسول الله [ وشدة ارتباطه بالولاء والبراء



يقول الله تعالى: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} (يوسف: 106). أولا: هل يجتمع الإيمان والشرك؟ يظن بعضهم أن الإيمان والشرك لا يجتمعان ولاسيما عند بحث بعض الأمور الشركية معهم، وهذا خلاف لقوله تعالى: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} (يوسف 106)، فيستمرون بمخالفة الحق زعما أن ذلك مجرد وجهة نظر لا حرج فيها.
فالذين معه [ هم أصحابه وأهل بيته كانوا رحماء بينهم بخلاف اعتقاد أهل الباطل وذمهم لصاحبته أو لأهل بيته [ وأذيتهم، يقول الله تعالى: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا} (الأحزاب: 58).
- ثانيا: لقد وصفهم الله بأعظم الصفات، فوصف المهاجرين (ومنهم أهل البيت) بأنهم ينصرون الله ورسوله، وأنهم هم الصادقون، يقول الله تعالى: {للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون} (الحشر: 8).
كما وصف الله الأنصار بأنهم يحبون من هاجر إليهم وأنهم هم المفلحون، يقول الله تعالى: {والذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} (الحشر: 9)، ولقد رضي عنهم ورضوا عنه ومن اتبعهم بإحسان، يقول الله تعالى: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبوعهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم} (التوبة: 100) فهؤلاء هم أصحاب رسول الله وأهل بيته [ وفي مقدمتهم الخلفاء الراشدون، فمن أحبهم فبحب الله أحبهم. بخلاف من يحملون في قلوبهم غلا للذين آمنوا ولمن رضي الله عنهم من المهاجرين والأنصار وأهل البيت والذين اتبوعهم بإحسان.
- ثالثا: يقول الله تعالى: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم} (الأحزاب: 6). كلهن أمهات المؤمنين، فمن أبى ذلك أو طعن بأعراضهن، فذلك طعن بالنبي [، يقول الله تعالى: {وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما} (الأحزاب: 53)، فحرم الله أن تنكح أزواجه من بعده أبدا، وهو أمر مشروع بين المسلمين، فكيف بالطعن بأزواجه من بعده؟!
- رابعا: فلا طعن ولا غلو في أهل البيت ولا في الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، يقول الله تعالى: {قل يأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل} (المائدة: 77). وعن عمر ] قال: قال رسول الله [: «إياكم والغلو؛ فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو» رواه أحمد، وفي حديث حذيفة ] قال: قال رسول الله [: «للساعة أشراط، قيل: وما أشراطها؟ قال: غلو أهل الفسق في المساجد، وظهور أهل المنكر على أهل المعروف».
وقد ظهر مصداق هذه الأحاديث في زماننا ظهورا جليا، ولعل فيه إشارة لمن أقاموا الأضرحة في المساجد وغيرها، لأهل البيت وغيرهم، مع علمهم بقوله تعالى: {وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا} (الجن: 18).
فعلينا الحرص على محبتهم: فعن أبي موسى قال: جاء رجل إلى النبي [ فقال يا رسول الله، الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم؟ قال: «المرء مع من أحب»، فبمحبتهم والترضي عليهم والكف عن سبابهم نكون معهم، فلنكن خير خلف لخير سلف، وعلينا أن نكف عما اجتهدوا فيه رضي الله عنهم ولا نذكر عنهم إلا خيرا؛ لقوله تعالى: {تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون} (البقرة: 134).
- خامسا: هنا بعض الأمور يجب التذكير بها للسلامة من الضلال وهي:
1- لا عصمة لأحد بعد رسول الله [ لقوله تعالى: {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} (النجم: 3-4). ويقول [: «فإنه من يعش منكم فسيرى بعدي اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليه بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة وإن كل بدعة ضلالة». وفي ذلك بيان واضح بأن سنة الخلفاء الراشدين هي المتابعة لرسول الله [ بخلاف ما يدعيه بعض الغلاة في عصمة غيرهم.
2- يقول الله تعالى: {قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون} (النمل: 65) ويأمر الله نبينا محمدا [: {قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون} (الأعراف: 188) بخلاف ما يدعيه بعض الغلاة لأهل البيت عليهم السلام، وللأولياء وغيرهم، بأنهم يملكون النفع والضر، والبركة، ويعلمون الغيب.
3- أهل البيت يتبادلون المحبة والتقدير مع صحابة رسول الله وأزواجه [، فهم رحماء بينهم، وأزواجه [ أمهاتهم، وهم أولى المؤمنين بمحبتهن: {وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين} (الأحزاب: 6). فلو علموا عنهن سوءا لطبقوا شرع الله فيهن، بل لطبقه قبلهم رسول الله [، والله أعظم من ذلك فقد برأهم من قبل، يقول الله تعالى: {إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم} (النور: 11). والإفك هو الكذب، وذلك لسوء الظن بالمؤمنين، يقول الله تعالى: {لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين} (النور: 12) ولكن سنة اليهود من قبل، يقول الله تعالى عنهم: {وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما} (النساء: 156)، يقول الله تعالى: {إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم} (النور: 15). ولقد أكرم أمير المؤمنين علي وأبناؤه رضي الله عنهم أمهات المؤمنين وفي مقدمتهم عائشة رضي الله عنهن وأرضاهن، وهناك من يخالف ذلك، طعنا والعياذ بالله في الدين وفي عرض رسول الله [ وأهل بيته وآله، يقول الله تعالى: {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون} (النور: 19) ويقول الله تعالى: {إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم} (النور: 23) فهم يدعون آل البيت من دون الله ويخالفون سننهم في محبة الصحابة رضي الله عنهم.
4- يبتدعون ويجددون الحداد على الحسين ] كل عام لإثارة الحقد والكراهية بين المسلمين، ويعذبون أنفسهم، مع أن والده أمير المؤمنين عليا ] قُتل قبله غيلة وهو أحق بذلك الحداد. بل لو كان الأمر مشروعا في الإسلام لكان موت رسول الله [ أحق بالحداد وتكراره؛ لقول رسول الله [: «إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصيبته بي فإنها من أعظم المصائب» وقولهم بأن أهل البيت عليهم السلام لا يموتون إلا برغبتهم! إذاً فموت الحسين ] رغبة منه حسب اعتقادهم فلم الحداد عليه ولم تكراره؟! والله تعالى يقول: {هو الذي يحيي ويميت فإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون} (غافر: 68)، فليس لغير الله الخيرة في حياة أحد أو موته، علما أن كثيرا منهم رضي الله عنهم وأرضاهم قتلوا غيلة أو في معركة دون علمهم أو رغبة منهم؟ وهو دليل على عدم علمهم بالغيب، ولا خيرة لهم، فلو كان يعلم الغيب لما عرض نفسه وأسرته لشر قتلة.
5- عن سعد بن أبي وقاص قال: قلت: يا رسول الله أي الناس أشد بلاء؟ قال: «الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل, يبتلى الرجل على حسب دينه...» الحديث.
ولا شك أن صحابة رسول الله [ وأهل بيته هم الأمثل بعد الأنبياء، لما أصابهم من بلاء، فعلمنا أن ذلك كان لهم ابتلاء؛ فوجب علينا محبتهم دون استثناء، وعلمنا أنهم لم يستطيعوا دفع البلاء عن أنفسهم في حياتهم، فكيف يدفعونه عن غيرهم بعد مماتهم؟! والله يأمر نبيه [: {قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا} (الجن: 20-22) فوجب علينا محبتهم، ووجب علينا توحيد الله وحده لعلمنا بحقيقة قوله تعالى: {وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير} (الأنعام: 17).


اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 13-10-2023, 09:37 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وقفات فقهية

وقفات فقهية (13)



تعريف الظلم



في قوله تعالى: {وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} (البقرة: 57). أولا: الظلم هو وضع الشيء في غير محله.. وهناك من يظن أن الكافر أو المشرك أو العاصي بسوء عمله يظلم الله، والله أعظم من ذلك، يقول الله تعالى: {وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} (البقرة: 57). فالكافر والمشرك والعاصي لا يظلم إلا نفسه، فهو يحرم نفسه من رحمة الله الواسعة ويعرضها لعذابه، ويقول الله تعالى فيهم: {إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى لن يضروا الله شيئا وسيحبط أعمالهم} (محمد: 32)، فمن أعظم الظلم الشرك: {يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم} (لقمان: 13).
والمشركون لا يُغني عنهم شركهم شيئا، يقول الله تعالى: {وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب} (هود: 101). فالظلم هو المثل السيئ للمكذبين فكل مكذب بآيات الله ظالم لنفسه، يقول الله تعالى: {ساء مثلا القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون} (الأعراف: 177).
ثانيا: لقد حرم الله الظلم على نفسه بفضله ورحمته، يقول الله تعالى: {إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما} (النساء: 40). ولمسلم (برقم 2577) عن النبي [ فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى أنه قال: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا...» الحديث.
ثالثا: الإقرار بظلم النفس والتوبة منه من أصدق أنواع التوبة، يقول الله تعالى عن آدم وزوجه: {قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين} (الأعراف: 23)، وعن موسى: {قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم} (القصص: 16) وفي يونس: {وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين} (الأنبياء: 87-88). فوعد الله حق: {وكذلك ننجي المؤمنين}.
التعريف بمنهج القرآن في سلوك المسلم
يقول الله تعالى: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا} (الإسراء: 9). فقد أدرك السلف الصالح رحمهم الله أن من فقه العبادة تعلم أربع مسائل والتفقه فيها والعمل بموجبها وهي: العلم، والعمل به، والدعوة إليه، والصبر على الأذى فيه، ذلك منهج القرآن، يقول الله تعالى: {والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} قال الإمام الشافعي -رحمه الله-: لو تدبر الناس هذه السورة لكفتهم، وهذه المسائل هي:
المسألة الأولى: العلم: يقول الله تعالى: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب} (الزمر: 9). ويقول الله تعالى: {إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ إن الله عزيز غفور} (فاطر: 28). وترجم الإمام البخاري- رحمه الله تعالى-: باب العلم قبل القول والعمل لقوله تعالى: {فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم} (محمد: 19). فبدأ بالعلم قبل القول والعمل» وفي السنن: «ومن سلك طريقا يطلب به علما سهل الله له طريقا إلى الجنة»، وأعظم العلم وأهمه ما يلي:
أولا: العلم بحق الله سبحانه: فهناك من يخلط بين حق الله وحق العباد. فالله تعالى هو المعبود المسؤول المستعان به الذي يُخَافُ ويُحب ويُرْجَى ويُتوكل عليه ويُفرد بالعبادة. وقد أخذ الله علينا هذا العهد قبل الوجود: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين} (الأعراف: 172-173). وألزمنا الإقرار بهذا العهد نكرره في كل صلاة بفاتحة الكتاب: {إياك نعبد وإياك نستعين} والله المختص بعلم الغيب: {قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله} (النمل: 65)، ولم يكن ذلك لغيره والله يأمر نبيه: {قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إلي} (الأنعام: 50)، وجعل الطاعة له ولرسوله، قال تعالى: {وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون} (آل عمران: 132) وأما الخشية والتقوى فلله وحده لا شريك له، قال تعالى: {ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون} (النور: 52). وأضاف الإيتاء إلى الله والرسول، قال تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} (الحشر: 7). فليس لأحد أن يأخذ إلا ما أباحه الرسول، أما العطاء فإنه لله يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء؛ ولهذا كان [ يقول في الاعتدال من الركوع وبعد السلام: «اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد» متفق عليه، أي من آتيته جدا وهو (البخت والمال والملك) فإنه لا ينجيه منك إلا الإيمان والتقوى والإخلاص، وقال: {إنا إلى ربنا راغبون} (القلم: 32). ولم يقولوا هنا: ورسوله، وهو نظير قوله: {فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب} (الشرح: 7-8) وبيّن أن الملك والأمر كله لله: {ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء والله على كل شيء قدير} (المائدة: 40). وليس لغيره شيء، فعندما دعا رسول الله [ على بعضهم أنزل الله تعالى: {ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون} (آل عمران: 128) وقول الله تعالى: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين} (القصص: 56). وأما التوكل فعلى الله وحده، قال تعالى: {ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير} (الممتحنة: 4)، وقال تعالى: {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل} (آل عمران: 173). وقال تعالى: {يأيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين} (الأنفال: 64)، أي الله وحده حسبك وحسب المؤمنين الذين اتبعوك، فالله وحده هو حسب كل مؤمن به. والحسب: الكافي، كما قال تعالى: {أليس الله بكاف عبده} (الزمر: 36). ولله تعالى حق لا يشركه فيه مخلوق، فالدعاء والعبادات والإخلاص والتوكل والخوف والرجاء والحج والصلاة والزكاة والصيام والصدقة، والإنابة والمحبة، والاستعانة، والاستعاذة، والاستغاثة، والنذر، والتضرع، والذبح والنسك واستقبال الكعبة والطواف بها، لا بغيرها، وغير ذلك من أنواع العبادة التي أمر الله بها تُصرف كلها لله تعالى وحده فهي حق لله وحده. وقد تفضل الله وجعل لعباده حقا عليه، ففي الصحيحين عن معاذ بن جبل ] قال: «كنت رديف النبي [ على حمار، فقال لي: «يا معاذ، أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله»؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: «حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله: ألا يعذب من لا يشرك به شيئا». قلت: يا رسول الله، أفلا أبشر الناس؟ قال: «لا تبشرهم فيتكلوا» متفق عليه.
ثانيا: العلم بحق الرسول [: فأعظمه الإيمان به وطاعته: {وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله} (النساء: 64). واتباع سنته وموالاة من يواليه ومعاداة من يعاديه وتقديمه في المحبة على الأهل والمال والنفس كما قال تعالى: {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين} (التوبة: 24)، وفي الصحيحين أنه [ قال: «فو الذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين» متفق عليه، وحقه: مرضاته، قال تعالى: {والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين} (التوبة: 62) وعلى المؤمنين الاقتداء به بالبلاغ حسب العلم والاستطاعة، والمسؤولية. والصلاة والسلام على النبي [ مشروعة قال تعالى: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} (الأحزاب: 56)، وفي الصحيح عن جابر بن عبدالله أن رسول الله [ «قال: من قال حين يسمع النداء: «اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة» وفيه: «من صلى عليّ مرة صلى الله عليه بها عشرا». ورفع الصوت في المساجد منهي عنه وفي مسجده [ أشد. والمشروع عند السلام عليه: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. وفي تفسير ابن كثير (3/516) وغيره: عن الحسن بن الحسن بن علي شيخ الحسنيين في زمنه، أنه رأى قوما عند القبر فنهاهم وقال إن النبي [ قال: «لا تتخذوا قبري عيدا ولا تجعلوا بيوتكم قبورا وحيثما كنتم فصلوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني» رواه أحمد، وروي أنه رأى رجلا ينتاب القبر فقال: يا هذا ما أنت ورجل بالأندلس منه إلا سواء.ك ولهذا كان السلف يكثرون الصلاة والسلام عليه في معظم الأماكن والأزمنة. ولم يكونوا يجتمعون عند قبره [ ولا غيره، لا لقراءة ختمة ولا إنشاد قصائد ولا نحو ذلك، بل هذا كله من البدع، بل كان الصحابة والتابعون يفعلون في مسجده ما هو المشروع في سائر المساجد من الصلاة والذكر والدعاء لله والاعتكاف وتعلم القرآن والعلم وتعليمه ونحو ذلك، وقد علموا أن النبي [ له مثل أجر كل عمل صالح تعمله أمته؛ فمن كان له أطوع وأتبع كان أولى الناس به في الدنيا والآخرة: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} (الأحزاب: 6). فقد بلغ أمر الله ونهيه ووعده ووعيده، فدين الله ما أمر به والحلال ما حلله والحرام ما حرمه والدين ما شرعه، وقد أمر الله بمتابعته فقال: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} (آل عمران: 79) وقوله حق: {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} (النجم: 3-4)، وبعثه الله للناس كافة: {قل يأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا}ـ (الأعراف: 158) وهو رحمة للعالمين: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} (الأنبياء: 107). والرسول [ توفي ودينه باق، لا خير إلا دل الأمة عليه، ولا شر إلا حذرها منه، فأعظم خير هو توحيد الله، وأعظم شر هو الشرك بالله: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم} (التوبة: 128). وهو رسول بشر كسائر الرسل: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين} (آل عمران: 144)، وهو خاتم النبيين: {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما} (الأحزاب: 40)، أكمل الله به الدين فلا يقبل من غيره بعد موته [ زيادة ولا نقصا لقوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم} (المائدة: 3).
- ثالثا: العلم بحق الإسلام والإيمان والإحسان:
1- فحق الإسلام واضح من التعريف بالإسلام وهو الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله، وهو دين الله ودين الرسل ولن يقبل من أحد سواه: {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} (آل عمران: 85)، والإيمان بأن الله أكمله، وأتم به نعمته ورضيه لعباده دينا، يقول الله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} (المائدة: 3).
2- وأما حق الإيمان: فالدين اسم واقع على الإسلام والإيمان والشرائع كلها، فالعمل بالصالحات هو ما شرعه الله، وشرط قبوله الإيمان: {ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما} (طه: 112). والناس ليسوا سواء في الإيمان بل يتفاوتون فيه، فهو يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية؛ قال الله عز وجل: {فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا} (التوبة: 124). والإيمان يقرب ويبعد بالقول والمعتقد: {هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون} (آل عمران: 167).
3- وأما حق الإحسان: فهو «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك» ونتائجه عظيمة، منها قوله تعالى: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} (يونس: 26)، ووصية الله: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين} (البقرة: 195).
- المسألة الثانية: العمل بما علم به وهو المراد بقوله: {وعملوا الصالحات} وهنا أمور عدة:
1- أن الإيمان مرتبط بالعمل بالإسلام، يقول الله عز وجل: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون} (الأحقاف: 13) أي علموا فأمنوا فعملوا.
2- لا قبول لعمل إلا بنية ومحلها القلب بالقصد والإرادة، يقول الله تعالى: {من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحوا ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا} (الإسراء: 18-19). وفي الصحيحين عنه [: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى...» الحديث.
3- أن يكون العمل على علم وبصيرة فالدين مبني على أصلين: الإخلاص في عبادة الله وحده لا شريك له، ولا يعبد إلا بما شرع لا بالبدع قال تعالى: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا} (الكهف: 110)، ومن دعاء عمر ]: اللهم اجعل عملي كله صالحا واجعله لوجهك خالصا ولا تجعل فيه لأحد شيئا. وقال الفضيل بن عياض في قوله تعالى: {ليبلوكم أيكم أحسن عملا} (الملك: 2) إن العمل.. لن يقبل حتى يكون خالصا لله صوابا على السنة، وفق ما شرع الله.
- المسألة الثالثة: الدعوة إلى ما علمه من الحق وعمل به: «وهو التواصي بالحق، ويقول الله تعالى: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين} (يوسف: 108). ويقول الله تعالي: {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين} (فصلت: 33).
- المسألة الرابعة: الصبر على الأذى فيه وهو التواصي بالصبر، يقول الله تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين} (آل عمران: 142) ويقول الله تعالى: {ولقد كُذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كُذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين} (الأنعام: 34). ومن أقوال الإمام أحمد رحمه الله: الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى. فما أحسن أثرهم على الناس، وأقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين الذين عقدوا ألوية البدعة وأطلقوا عنان الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، مجموعون على مفارقة الكتاب، يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبّهون عليهم، فنعوذ بالله من فتن المضلين. انتهى.


اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 13-10-2023, 09:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وقفات فقهية

وقفات فقهية (14)

التعريف بالدروس المهمة لنشر فقه العبادة بين أفراد الأمة (1)



يقول الله تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم} (التوبة: 71)، فمن أعظم المعروف تعليم الجاهلِ الحقَّ كي يعمل به لحماية نفسه من الهلاك، ومن أشر المنكرات إبقاؤه على جهله وتعرضه للهلاك، فلابد من تعليم كل من يمكن تعليمه الحد الأدنى من العلم في دينه، قال أبو الدرداء رضي الله عنه: «إن العالم والمتعلم في الأجر سواء.. لا خير في سائر الناس، مالي أراكم تحرصون على ما كُفِل لكم به وتتباطؤون عما أمرتم به؟!» ا هـ.وقد اهتم بذلك كثير من العلماء رحمهم الله وجعلوه على هيئة دروس(1) إيضاحها كما يلي:
- الدرس الأول: تعليم سورة الفاتحة وما أمكن من القرآن من سورة الزلزلة إلى سورة الناس، تلقينا وتصحيحا للقراءة، وتحفيظا وشرح ما يجب فهمه، والأربعين النووية من الحديث أو ما تيسر منها أو مثلها حفظا وفهما.
- الدرس الثاني: تعليم أركان الإسلام الخمسة، وأركان الإيمان الستة والإحسان وركنه.
- الدرس الثالث: أركان التوحيد: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.
- الدرس الرابع: أقسام الشرك: الشرك الأكبر، والشرك الأصغر، والشرك الخفي والتحذير منه.
- الدرس الخامس: ضرورة الالتزام بتقوى الله، فهي وصية الله لعباده:
{ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله} (النساء: 131).
وهي الشرف بمعية الله بالتأييد والنصرة: {واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين} (البقرة: 194)، والتقوى وسيلة للقبول: {إنما يتقبل الله من المتقين} (المائدة: 27)، وهي المخرج من كل ضيق والمجلبة للرزق والوعد باليسر: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب...}، {ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا} (الطلاق: 2 - 4)، {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} (البقرة: 197).
- الدرس السادس: التحذير من كبائر المعاصي، يقول الله تعالى: {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا} (الفرقان: 68 - 69)، ويقول الله تعالى: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما} (النساء: 31).
وفي الصحيحين قال رسول الله [: «اجتنبوا السبع الموبقات». قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: «الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات»(2) اهـ. ومنها: عقوق الوالدين، وقطيعة الرحم، وشهادة الزور، وإيذاء الجار، وظلم الناس في الدماء والأموال والأعراض، والمسكرات، والقمار (الميسر) والغيبة والنميمة، والنياحة، والتشبه بالجنس الآخر أو بغير المؤمنين، وإسبال الثياب للرجال وكل ما نهى الله عنه ورسوله.
- الدرس السابع: النية الصالحة فلا؛ قبول لعمل إلا بنية خالصة للتعبد لقوله [: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى...» الحديث. ومحلها القلب بالقصد والإرادة، ويجهر بالحج والعمرة لجهره [ بهما، مع العلم بشروط العبادة.
ومنه الإخلاص في العمل في حق الله ثم في حق الآخرين لوجه الله لا لانتظار المعاملة بالمثل أو استعجال الأجر؛ اتباعا لقول الله تعالى: {إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا} (الإنسان: 9 - 10)، ليتم وعد الله {فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا} (الإنسان: 11).
فكل عمل يجب أن يكون خالصا لله، فإن حصل الجزاء والشكر دون الطلب والانتظار، فهو فضل من الله وبشرى للمؤمن، ومن يعمل للجزاء من غير الله؛ فسوف يقطع البر إذا لم يتم له الجزاء والشكر. والله اعلم.
- الدرس الثامن: في الطهارة للعبادة: بدءا بالغسل: وهو عند الدخول في الإسلام لحديث قيس بن عاصم أنه أسلم فأمره النبي[ أن يغتسل بماء وسدر(3) وكذا من الجنابة، يقول الله تعالى: {ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا}، ومن الحيض: {فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن} (البقرة: 222)، وفي المسند لأحمد وغيره «كان[ يغتسل يوم الجمعة، ويوم عرفة، ويوم الفطر، ويوم النحر...» الحديث. ويبدأ الغسل بالوضوء، ثم يعمم الجسم بالماء.
ومنه الوضوء وشروطه: وهي عشرة: الإسلام، والعقل، والتمييز، والنية وعدم قطعها حتى تتم الطهارة، وانقطاع موجب الوضوء، والاستنجاء أو الاستجمار بطاهر، وطهورة الماء وإباحته وإزالة ما يمنع من وصوله إلى البشرة، ودخول وقت الصلاة في حق من حدثه دائم.
ومنه فروض الوضوء: وهي ستة: غسل الوجه، ومنه المضمضة، والاستنشاق، وغسل اليدين مع المرفقين، ومسح جميع الرأس ومعه الأذنان، وغسل الرجلين مع الكعبين والترتيب والموالاة، وفي الحديث: «ويل للأعقاب من النار، أسبغوا الوضوء»(4).
ومنه نواقض الوضوء: وهي ستة: الخارج من السبيلين، الخارج الفاحش (الكثير) النجس من الجسد (الدم) وزوال العقل بنوم وغيره، ومس الفرج باليد قبلا أو دبرا من غير حائل، وأكل لحم الإبل، والردة عن الإسلام، أعاذ الله الجميع منها، أما قول الله تعالى: {أو لامستم النساء} فالمراد به النكاح؛ لأن النبي [ قبّل بعض نسائه فصلى ولم يتوضأ(5). وورد في القرآن بمعنى الجماع، قال تعالى: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن} (البقرة: 37).
ومنه التيمم: إذا حل محل الوضوء والغسل، يقول الله تعالى: {وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا} (النساء: 83)، وينقض التيمم ما ينقض الوضوء ورؤية الماء، إذا قدر على استعماله ويصلي بتيممه ما شاء فرضا ونفلا.
- الدرس التاسع: في الصلاة: يقول الله تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة} (البينة: 5).
ومنه شروط الصلاة: وهي تسعة: الإسلام، والعقل، والتمييز، ورفع الحدث، وإزالة النجاسة، وستر العورة، ودخول الوقت، واستقبال القبلة، والنية ومحلها القلب. وفي الصحيحين عن النبي [ قال: «من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك» {وأقم الصلاة لذكري} (طه: 14).
ومنه أركان الصلاة: وهي أربعة عشر: القيام مع القدرة، وتكبيرة الإحرام، وقراءة الفاتحة، والركوع، والاعتدال بعده، والسجود على الأعضاء السبعة، والرفع من السجود، والجلوس بين السجدتين، والطمأنينة في جميع الأفعال، والترتيب بين الأركان، والتشهد الأخير، والجلوس له، والصلاة على النبي [ والتسليم. وتبطل صلاة المتعمد بترك ركن، وتعاد الركعة التي لم يأت بركن منها نسياناً.
ومنه واجبات الصلاة: وهي ثمانية: جميع التكبيرات غير تكبيرة الإحرام، وقول «سمع الله لمن حمده» للإمام والفرد، وقول «ربنا ولك الحمد» للكل، وقول «سبحان ربي العظيم» في الركوع، وقول «سبحان ربي الأعلى» في السجود، وقول «رب اغفر لي» بين السجدتين، والتشهد الأول، والجلوس له، وتبطل صلاة المتعمد بتركه، ويجبره سجود السهو للناسي للإمام والفرد.
أما قول الله تعالى: {واركعوا مع الراكعين} (البقرة: 43)، أي في جماعتهم، وفي الصحيحين عنه[ قال: «صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة» اللفظ للبخاري.
ومنه سنن الصلاة وهي كثيرة، منها دعاء الاستفتاح، وما زاد عن الفاتحة، والجهر بالقراءة في صلاة الفجر والركعتين الأوليين من المغرب والعشاء، والجمعة، والعيدين، والاستسقاء، والإسرار في الظهر والعصر والأخيرة من المغرب والأخيرتين من العشاء، جعل كف اليمنى على كف اليسرى فوق الصدر في القيام قبل الركوع وبعده، رفع اليدين مضمومتي الأصابع حذو المنكبين عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، والرفع منه، وعند القيام من التشهد الأول وما زاد عن واحدة في تسبيح الركوع والسجود وما زاد عن «ربنا ولك الحمد» بعد الركوع، وما زاد عن مرة «ربي اغفر لي» بين السجدتين ومساواة الرأس بالظهر في الركوع، ووضع اليدين على الركبتين مفرجتي الأصابع في الركوع ومضمومتي الأصابع في السجود، ومجافاة (إبعاد) العضدين عن الجنبين، والبطن عن الفخذين، والفخذين عن الساقين في السجود، والجلوس على الرجل اليسرى مفروشة ونصب اليمنى في التشهد الأول بين السجدتين، والتورك (الجلوس على مقعدته ونصب اليمنى وجعل اليسرى تحتها) في التشهد الثاني، والإشارة بالسبابة في التشهدين إلى النهاية وتحريكها عند الدعاء، والتبريك على محمد وآله وإبراهيم وآله بعد الصلاة والسلام عليهما في التشهد الأخير، ولمسلم عنه [: «إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع: يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال» مع مراعاة بقية ما ورد من السنن.
ومنه: مبطلات الصلاة: وهي ثمانية: الكلام إلا للناسي والجاهل، فلا تبطل، والضحك، والأكل والشرب، وانكشاف العورة، والانحراف الكثير عن القبلة، العبث الكثير المتوالي، وانتقاض الطهارة، ويعيد الإمام وحده إذا كان محدثاً، وبذلك مضت سنة الخلفاء الراشدين؛ فإنهم صلوا بالناس ثم رأوا الجنابة بعد الصلاة فأعادوا ولم يأمروا الناس بالإعادة. والله أعلم(6).
الهوامش:
1 - انظر آداب المشي إلى الصلاة للإمام المجدد، وزاد المستقنع للعلامة المقدسي، والدروس المهمة للشيخ عبدالعزيز بن باز رحمهم الله.
2 - رواه البخاري رقم (2615) في الوصايا وفي المحاربين، ومسلم رقم (89)، وغيرهما.
3 - رواه الخمسة إلا ابن ماجه، وحسنه الترمذي وغيرهم، انظر شرح الزركشي (1/76).
4 - باب وجوب غسل الرجلين، مسلم رقم (566)، كتاب الطهارة.
5 - رواه أبو داود (179)، وابن ماجه (502)، والترمذي (86).
6 - انظر مجموع الفتاوى لابن تيمية رحمه الله: (23/369).


اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 13-10-2023, 09:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وقفات فقهية

وقفات فقهية (15)

التعريف بالدروس المهمة لنشر فقه العبادة (2)



الدرس العاشر: في الزكاة، يقول الله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصلِّ عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم} (التوبة: 103). وأما بيان مقدارها فهو مختلف بين أصول الأموال، وعروض التجارة، والسائمة، والزراعة. وأصحاب الزكاة هم: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم} (التوبة: 60).
ثم الصدقة: {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما} (النساء: 114). ومن آدابها: {يأيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر} (البقرة: 264).
الدرس الحادي عشر: في الصيام، قول الله تعالى: {يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} (البقرة: 183). ومن أحكامه: {فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} (البقرة: 184) ومنها: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم}... إلى قوله تعالى: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل} (البقرة: 187). والاعتكاف سنة ويستحب في مساجد الجمعة، وتكراره حسن ومن أحكامه: {ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها} (البقرة: 187).
الدرس الثاني عشر: في الحج: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} (آل عمران: 97). وزمانه {الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله} (البقرة: 197). ومن الحكمة فيه: {ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق} (الحج: 28-29). والعمرة لها حكم الحج، ويجب إتمامها لله، يقول الله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله} إلى قوله تعالى: {واعلموا أن الله شديد العقاب} (البقرة: 196).
الدرس الثالث عشر: طاعة أولي الأمر بالمعروف، بعد طاعة الله ورسوله [: {يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا} (النساء: 59). وعن عبادة بن الصامت ] قال: «بايعنا رسول الله [ على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكروه والأثرة علينا، وألا ننازع الأمر أهله، وأن نقول الحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم».
ومنه: ما رواه مسلم وغيره عن تميم الداري قال: قال رسول الله [: «الدين النصيحة، الدين النصيحة الدين النصيحة، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» وفي مجموع الفتاوى: النصيحة لله ولكتابه ولرسوله تدخل في حق الله وعبادته وحده لا شريك له، والنصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم هي مناصحة ولاة الأمر ولزوم جماعتهم وأما النصيحة الخاصة لكل واحد.. فهذه يمكن بعضها ويتعذر استيعابها على سبيل التعيين.
ومنه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حسب العلم والاستطاعة والمسؤولية: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} (آل عمران: 109). وبيانه: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين} (النحل: 125).
الدرس الرابع عشر: حقوق الآخرين، يقول الله تعالى: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} (الحشر: 9) بأن تؤثر الخلق ما أمكن على نفسك فيما لا يحرم عليك دينا ولا يقطع عليك طريقا ولا يفسد عليك وقتا، بدءا بالوالدين وبمن تعول ثم الأقرب فالأقرب، ثم خلق الله أجمع، وسداد الدين، ومحاربة الربا، يقول الله تعالى: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقّاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم} (فصلت: 34-35).
ومنه التحلي بالأخلاق المشروعة، العفاف والحياء، الشجاعة والكرم، الوفاء، والنزاهة عن كل حرام، وحسن الجوار، ومساعدة ذوي الحاجة بالاستطاعة، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وترك الخيانة، وخفض الجناح، ولين الكلام ورحمة اليتيم، والتفقه في الدين والجزع من الحساب وحب الآخرة، وعدم الاعتداء والإفساد في الأرض، وعدم الشتم، ولا يُصدقُ كاذبا ولا يُكذبُ صادقا ولا يعصي إماما عادلا، والوصية بذكر الله، ولكل ذنب توبة السر بالسر والعلانية بالعلانية والله أعلم.
ومنه التأدب بالآداب الإسلامية: إفشاء السلام والبشاشة والأكل والشرب باليمين، والتسمية بالله في ابتداء الأمور كلها والحمد عند الانتهاء وللنعمة وبعد العطس، وتشميت العاطس إذا حمد الله، وعيادة المريض واتباع الجنائز للصلاة والدفن، وآداب دخول المساجد والمنازل وغيرها والخروج منها وحسن الرفقة في السفر والإقامة للناس والشركاء في العمل والعلم، والتهنئة بالأفراح والتعزية في المصائب.
ومنه إطعام الطعام؛ لقول الله تعالى: {ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا} (الإنسان: 8) والحَضُّ عليه مخافة من قوله تعالى: {إنه كان لا يؤمن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين} (الحاقة: 34). وما أكثر الجوعى في العالم، ومنه قِرى الأضياف.
الدرس الخامس عشر: حسن اختيار العشير والخليل وفي المقدمة الزوجان: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} (الروم: 21)، وللصاحب التقي، يقول الله تعالى: {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين} (الزخرف: 67)، وللوقاية يقول الله تعالى: {يأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة} (التحريم: 6)، فبحسن اختيار الأخلاء لشدة تأثيرهم على المرء وأهله، تحسن الوقاية.
الدرس السادس عشر: تجهيز الميت والصلاة عليه ودفنه: كما ورد بالسنن، فيبدأ بتلقينه للشهادة عند احتضاره، ولمسلم، قوله: «[ لقنوا موتاكم شهادة أن لا إله إلا الله، فمن قالها عند موته وجبت له الجنة» وإغماض عينيه وغسله إلا الشهيد في المعركة ويدفن في ثيابه لأنه [ لم يغسل شهداء أحد ولم يصل عليهم.
صفة الغسل: وهو فرض كفاية، وغسله والصلاة عليه ودفنه لوصية ثم الأقرب والمرأة وصيتها ثم الأم والجدة، وللزوجين أن يغسل أحدها الآخر، فتستر العورة، يرفع قليلا ويعصر بطنه برفق، ويلف الغاسل يده بخرقة أو نحوها فينجيه بها ثم يوضأ وضوء الصلاة، غسل رأسه ولحيته بماء وسدر ونحوه، ثم شقه الأيمن فالأيسر، ثم يغسله كذلك ثانية وثالثة يمر على بطنه خرج منه شيء سده بقطن أو نحوه وأعاد غسله، ثم ينشفه ويقص أظافره وشاربه فقط، ويجعل الطيب في مغابنه ومواضع سجوده أو جسده كله، ويبخر كفنه ولا يختنه لعدم الدليل ويضفر شعر المرأة ثلاثا ويسدل من ورائها، ولا يجوز إفشاء عيب في جسم الميت.
صفة التكفين: الرجل إن أمكن في ثلاثة أثواب بيض لا قميص ولا عمامة يدرج فيها، والمرأة في خمسة أثواب: درع وخمار وإزار ولفافتين، والصبي ثوب إلى ثلاثة والصغيرة في قميص ولفافتي، وأقل الواجب للجميع ثوب واحد يستره جميعا، والمحرم يغسل بماء وسدر ويكفن في إزاره وردائه لا يُغطى رأسه ولا وجهه ولا يُطيب يبعثه الله ملبيا، إذ والمحرمة كغيرها كما تقدم يغطى وجهها ورأسها بالكفن.
صفة الصلاة على الميت: فالسنة أن يكبر أربعا: يقرأ في التكبيرة الأولى الفاتحة، وفي الثانية يُصلي على النبي [ كصلاته في التشهد، وفي الثالثة يدعو للميت والأموات والأحياء بالمأثور، ويسلم بعد الرابعة تسليمة واحدة عن اليمين، ويستحب رفع يديه مع كل تكبيرة، ويقف الإمام حذاء رأس الرجل والصبي ووسط المرأة والطفلة ويكون الرجل مما يلي الإمام وإن كان معهم أطفال قدم الصبي على المرأة والطفلة بعدها، والمصلون خلف الإمام، ومن لم يجد مكانا فعن يمينه.
صفة الدفن: يدفن في مقابر المسلمين، لا في غيرها، في مكان محترم، لا في مسجد ولا مكان للتميز سدا للذرائع، ويعمق القبر إلى وسط الرجل، ويكون فيه لحد من جهة القبلة، يوضع فيه الميت على جنبه الأيمن، وتحل عقدة الكفن، ولا تنزع ولا يكشف الوجه، وينصب عليه اللبن ويطيّن إن وجد، أو الحجارة أو الخشب ليقيه التراب، ثم يهال عليه التراب، ويقال: باسم الله وعلى ملة رسول الله [، ويرفع القبر قدر شبر ويوضع عليه حصباء إن تيسر ويرش بالماء، ويدعى للميت بالثبات، ويصلي عليه من لم يصل في حدود الشهر، وتشرع زيارة الرجال للقبور للدعاء لهم وللاعتبار، أما النساء فلا، ولا يتبعن الجنازة أما الصلاة عليه في المسجد أو المصلى فللجميع، ولا يصنع أهل الميت الطعام للناس، وإن صُنع لهم ولضيوفهم فذلك سنة.
الحداد على الميت: لا تحد امرأة على ميت إلا ثلاثة أيام، إلا على زوجها أربعة أشهر وعشرا، والحامل حتى تضع، أما الرجل فلا، والله أعلم.


اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #16  
قديم 13-10-2023, 09:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وقفات فقهية

وقفات فقهية

(16) التعريف بأحكام زيارة القبور



يقول الله تعالى: {ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون} (التكاثر: 1-4)، وفيه وقفات لابد من ذكرها:
- أولا: كانت زيارة القبور في صدر الإسلام منهيا عنها، ولعله سدا للذرائع، لسلامة العقيدة لقرب العهد من الجاهلية، فلما تمكن التوحيد في قلوب المسلمين أُذن لهم بزيارة القبور، فلمسلم وغيره، عن رسول الله [: «نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها لتذكركم زيارتها خيرا...» الحديث، وفي رواية لأحمد: «نهيتكم عن زيارة القبور ثم بدا لي أنها تُرِقّ القلوب وتدمع العين فزوروها ولا تقولوا هجرا» وللحاكم «فإن فيها عبرة» وفي رواية: «فزوروها فإنها تذكركم بالموت».
- ثانيا: عدم إباحة السفر من أجل زيارة القبور لما ورد في الصحيحين: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، ومسجد الحرام، ومسجد الأقصى» فالقبور أولى ألا تشد لها الرحال، ولأن السفر للعبادة قصد، والقصد حج، ولم يأمر الله بالحج إلا لبيته، ولم يأمر به النبي [ ولم يفعله الصحابة ولا التابعون، وهو من عادات الجاهلية، ففي كتاب: «حجة الله البالغة للأحناف»: «كان أهل الجاهلية يقصدون مواضع معظمة بزعمهم يزورونها ويتبركون بها وفيه من التحريف والفساد ما لا يخفى، فسد النبي [ الفساد لئلا يلتحق غير الشعائر بالشعائر ولئلا يصير ذريعة لعبادة غير الله».
- ثالثا: ولا يُزار قبر غير المسلم لقوله تعالى: {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون} (التوبة: 84)، ويستثنى ذوي القربى لما روى الحاكم (1385) وغيره: «ألا فزوروها فقد أذن الله تعالى لنبيه [ في زيارة قبر أمه» ولا يُمنع كافر من زيارة قبر المسلم للاعتبار ورجاء الهداية، ولعدم النهي عنه.
- رابعا: لا يُعلم حقيقة بقبر نبي من الأنبياء إلا بقبره[، أما أهل بيته رضي الله عنهم فعلي] قيل إنه في النجف، وقيل إنه نقل إلى مزار شريف بأفغانستان، والمعروف لدى أهل العلم أنه دفن بقصر الإمارة بالكوفة خوفا أن يُنبش قبره. وكذا الحسين ] فقد دفنه من معه في مكان مجهول خوفا عليه من مقاتليه، وكذا ما يقال في رأس الحسين المزعوم أنه في القاهرة فقد ذُهب به إلى المدينة ودفن بجوار أخيه الحسن، ولا مسوغ لدفنه بالقاهرة. وكذا ما ينسب في الشام إلى أم كلثوم ورقية رضي الله عنهما والصحيح أنهما توفيتا بالمدينة في حياته، وكذا قبر علي بن الحسين المذكور بمصر والصحيح أنه توفي بالمدينة. ولعل الجهل بقبورهم تطهير لأهل البيت من أن يكونوا أوثانا لمشرك يدعوهم من دون الله؛ لقوله تعالى: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} (الأحزاب: 33)، وقوله تعالى: {أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا} (الكهف: 102).
- خامسا: في آداب الزيارة روى مسلم: «كان رسول الله [ يعلمهم إذا دخلوا المقابر فكان قائلهم يقول: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، إنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية». وفي سنن النسائي الكبرى وغيره قال: «سلام عليكم دار قوم مؤمنين وأنتم لنا فرط، وإنا بكم لاحقون، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم».
- سادسا: لقد ورد النهي للنساء عن زيارة القبور، ففي المستدرك وسنن الترمذي وابن ماجة والبيهقي ومصنف عبدالرزاق وغيرها: «لعن رسول الله [ زورات القبور والمتخذين عليها مساجد والسرج» رواه الإمام أحمد والخمسة وصححه الترمذي. واللعن هو الطرد من رحمة الله والعياذ بالله، والنهي إذا قُرن باللعن فهو من الكبائر، ولا أعلم بإباحة ما لُعن، وأما ما ورد في المسند وصحيح مسلم وغيرهما في حديث طويل عن عائشة رضي الله عنها قال لها [: «إن ربك جل وعز يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفري لهم، قالت: فكيف أقول يا رسول الله؟ فقال: قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين, ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون» الحديث، فلعله في فترة الإباحة أو خاص بأم المؤمنين رضي الله عنها لقوله [ «إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع» والله تعالى يقول: {يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن} (الأحزاب: 32) والله سبحانه يختص من يشاء بما يشاء، والله أعلم.
- سابعا: أحكام زيارة القبور وهي بين المشروع وغير المشروع بل المحرم، وهي ثلاثة أقسام:
القسم الأول: زيارة من يدعو للأموات، أي من أراد فيها الاتباع والعبرة، لا الابتداع، والسلام على أهل القبور والدعاء لهم بما ورد في الكتاب والسنة، فهذه زيارة مشروعة مأجورة.
القسم الثاني: زيارة من يدعو بالأموات، أي يتوسلون بهم ويتخذونهم شفعاء وقد بين الله أمرهم: {ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون} (يونس: 18). وهذه زيارة شركية محرمة غير مشروعة.
القسم الثالث: زيارة من يدعو الأموات، أي يطلبون من الموتى بذاتهم ما يجب أن يطلبوه من الله تعالى ويستغيثون بأسمائهم، والله تعالى يقول: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون} (الأعراف: 180). فكفروا بتوحيد الأسماء والصفات لدعائهم بأسماء الأموات، كما كفروا بتوحيد الألوهية لدعائهم غير الله، وكفروا بتوحيد الربوبية لاعتقادهم بأن غير الله يخلق ما يطلبون ويمدهم بما يُريدون، فهم يطلبون المدد والشفاء والرزق والبركة والولد وغير ذلك، خلافا لقوله تعالى: {إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون} (العنكبوت: 17)، وتلك زيارة شركية محرمة غير مشروعة، والله أعلم.


اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #17  
قديم 21-02-2024, 09:08 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وقفات فقهية

وقفات فقهية (17)

التعريف بفقه العبادة في أداء الحج



يقول الله تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} (آل عمران: 97)، هنا وقفات لابد من مراعاتها:
- أولا: شعائر الحج فيها بيانٌ لفقه العبادة، لجمعه معظم أنواع الطاعات: البدنية، والمالية، والقلبية، يقول [: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» متفق عليه وقوله [: «الغازي في سبيل الله والحاج والمعتمر وفد الله، دعاهم فأجابوه وسألوه فأعطاهم» ابن ماجة.
- ثانيا: يقول الله تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا} (الأحزاب: 21) فالاتباع قاعدة في جميع مراتب الدين، ففي الصلاة قوله [: «صلوا كما رأيتموني أصلي» رواه البخاري. وفي الحج قوله [: «لتأخذوا مني مناسككم فإنني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه» رواه مسلم. والحذر من المخالفة، يقول الله تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} (النور: 64).
- ثالثا: يقول الله تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} (التوبة: 31)، فلا للشرك في العبادة يقول تعالى: {إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار} (المائدة: 72) ولا رياء (لرؤيا الناس) لقوله تعالى: {يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا} (النساء: 142)، ولا سمعة (لإسماعهم)، وفي الرياء والسمعة يقول [: «من يسمّع يسمّع الله به، ومن يراءِ يراءِ الله به» متفق عليه، وقوله [: «اللهم اجعلها حجة غير رئاء ولا هباء ولا سمعة».
- رابعا: يقول الله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله} (البقرة: 196). وللحج خمس شرائط: الإسلام، والعقل، والبلوغ، والحرية، والاستطاعة، وفي الاستطاعة عن ابن عمر قال: جاء رجل إلى النبي [ فقال: يا رسول الله ما يوجب الحج؟ قال: «الزاد والراحلة» وتزداد المرأة بالمحرم؛ لقوله [: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم» متفق عليه.
- خامسا: ومن صور البلاء ما يلاحظ من تعليق الرقى والتمائم ونحوها التي عمت بلاد المسلمين وتجاوزت الإنسان إلى السكن والبهائم والمركبات لجهل الكثير بحقيقة التوحيد، ولاسيما أن هذا يُلاحظ من بعض الحجاج في مشاعر الله الحرام لدفع الضرر وجلب النفع، فعن عبدالله بن مسعود ] قال: سمعت رسول الله [ يقول: «إن الرقى والتمائم والتولة شرك». وقال عبدالله: إنما ذلك عمل الشيطان وقال: كان رسول الله [ يقول: «أذهب البأس رب الناس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما» أما التمائم فصدق الشاعر:
وإذا ما المنية أنشبت أظفارها
ألفيت كل تميمة لا تنفع
والمقصود بالرقية هنا الشركية: أي القراءة للمريض إذا كانت بغير كتابه تعالى وسنة نبيه [، والتميمة: يقال إنها خرزة أو لفافة كانوا يتعلقونها يرون أنها تدفع عنهم الآفات، ويُقال قلادة تعلق فيها العوذات، والتولة - بكسر التاء-: ما تُحبب به المرأة لزوجها، أو ما يفرق بينهما.
- سادسا: وأعظم من ذلك دعاء بعض الحجاج واستغاثتهم بغير الله، واعتمادهم على أوردة شركية، والله تعالى يقول: {ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك، فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين} (يونس: 106)، {ولا تدع من دون الله} كائنا من كان من الملائكة والأنبياء وأهل البيت والصحابة والأئمة والصالحين، وهذا غير ما جاء في الصحيحين وغيرهما «أن تلبية رسول الله [ لبيك اللهم لبيك: لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، فهذا شعار التوحيد في الحج وغيره. فلنكتف بما سنه رسول الله [ ومثاله ما جاء في الدر المنثور (1/255) قال: أخرج الشافعي في الأم عن ابن جريج، وأخرج ابن أبي شيبة والأزرقي عن مكحول «أن النبي [ لما رأى البيت حين دخل مكة رفع يديه، وقال: اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة، وزد من شرفه وكرمه ممن حجه واعتمره تشريفا وتعظيما وتكريما وبرا».
كما يجب أن يكون كل عمل اتباعا للسنة، لا لذاته ولا ابتداعا. ففي الصحيحين: «قبل عمر بن الخطاب الحجر ثم قال: أما والله لقد علمت أنك حجر ولولا أني رأيت رسول الله [ يقبلك ما قبلتك» قال النووي رحمه الله: قال عمر ] ليسمع الناس هذا الكلام ويشيع بينهم. خوفا أن يغتر بعضهم بذلك والله أعلم، انتهى وكذا لا يجوز التبرك ومسح وتقبيل مقام إبراهيم وإنما اتخاذه مصلى ما أمكن لقوله تعالى: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} (البقرة: 125) ما لم يخش الإيذاء لشدة الزحام خاصة في عصرنا هذا؛ لقوله [: «يا عمر إنك رجل قوي لا تزاحم على الحجر فتؤذي الضعيف، إن وجدت خلوة فاستلمه وإلا فاستقبله فهلل وكبر» ولا مسح للركنين الشاميين (بجوار حجر إسماعيل)، ولا التمسح بأستار الكعبة المشرفة أو أحجارها، وكذا زيارة غاري حراء وثور وتكلف صعودهما وصعود جبل عرفة أو التبرك بأشجار مكة وأحجارها أو السفر بها، كل ذلك لم يفعله ولم يأمر به [ ولا أصحابه «وإنما يفعل ذلك من فعله بدعوى جلب النفع والشفاء من الأمراض والتوسعة في الرزق ودفع الضرر وكشف الكرب وطلبا للبركة، وإنما البركة فيما وافق الشرع». يقول الكلبي في كتابه الأصنام (ص6): إن إسماعيل بن إبراهيم صلى الله عليهما لما سكن مكة ووُلد له بها أولاد كثير حتى ملؤوا مكة ونفوا من كان بها من العماليق ضاقت عليهم مكة ووقعت بينهم الحروب والعداوات وأخرج بعضهم بعضا فتفسحوا في البلاد، وكان الذي سلخ (أدى) بهم إلى عبادة الأوثان والحجارة أنه كان لا يظعن (يخرج) من مكة ظاعن إلا احتمل معه (أثرا من الآثار) حجرا من حجارة الحرم؛ تعظيما للحرم وصبابة (محبة شديدة) بمكة، فحيثما حلوا وضعوه وطافوا به كطوافهم بالكعبة تيمنا منهم بها وصبابة بالحرم وحبا بها، وهم بعدُ يعظمون الكعبة ومكة ويحجون ويعتمرون على إرث إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، ثم سلخ ذلك بهم إلى أن عبدوا ما استحبوا ونسوا ما كانوا عليه (من التوحيد واستبدلوا بدين إبراهيم وإسماعيل غيره فعبدوا الأوثان وصاروا إلى ما كانت عليه الأمم من قبلهم وانتجثوا (استخرجوا) ما كان يعبد قوم نوح عليه السلام منها على إرث ما بقي فيهم من ذكرها، وفيهم على ذلك بقايا من عهد إبراهيم وإسماعيل يتنسكون بها من تعظيم البيت والطواف به والحج والعمرة مع إدخالهم فيه ما ليس منه. انتهى.
ولا شك أن تلك الأمور تعظم بعظم الزمان والمكان، أشهر الحج الحرم، وحرمة مكة التي شرفها الله.
- سابعا: زيارة المسجد النبوي مشروعة ومستحبة ففي الصحيحين عن أبي هريرة يبلغ به النبي [: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا ومسجد الحرام ومسجد الأقصى» وليست ركنا من أركان الحج، إنما حث عليها العلماء بعد الحج رغبة ألا يعود الحاج إلى بلاده إلا بعد أداء عبادة مندوبة ومتيسرة له بتكلفة أقل للمسجد النبوي. فإذا دخله زار قبر النبي [ وصاحبيه أبي بكر وعمر ] موافقة للنصوص الشرعية وكلام المحققين من العلماء، بخلاف من خالفهم ممن يرى شد الرحال لزيارة القبر؛ لتضعيف العلماء أدلتهم، وعدم رواية كتب الصحاح والسنن شيئا منها، مع الحرص على آداب السلام، كان عبدالله بن عمر ] إذا دخل المسجد يقول: السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا أبا بكر السلام عليك يا أبت، ثم ينصرف.
- ثامنا: زيارة الأماكن الأثرية في كل من مكة والمدينة وما بينهما من طريق (بقصد العبادة) التي لم يرد فيها نص شرعي صحيح يأمر بزيارتها، يقول الله تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة} (البينة: 5)، ويقول الله تعالى: {قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين} (الأعراف: 29) بل قد ثبت عن عمر بن الخطاب ] أنه كان في سفر فرأى قوما ينتابون مكانا يصلون فيه فقال ما هذا؟ قالوا: هذا مكان صلى فيه رسول الله [ فقال: ومكان صلى فيه رسول الله [ أتريدون أن تتخذوا آثار أنبيائكم مساجد؟ إنما هلك من كان قبلكم بهذا، من أدركته الصلاة فيه فليصل وإلا فليمض. والمتتبع لما جاء في كتب الصحاح والسنن والسير عن حجة الوداع للنبي [ وحج خلفائه الراشدين لا يجد دليلا لمبتدع في ذلك، وهذا رسول الله [ سيد المتبعين للحق، يقول الله تعالى: {قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون} (الأعراف: 203).
- تاسعا: الأمور المالية في الحج وغيره، يقول الله تعالى: {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا} (الإسراء: 29) فقد تفضل الله على عباده وجعل: حج البيت لمن استطاع إليه سبيلا، قال العلماء: ينبغي أن يكثر من النفقة ومتاع السفر احتياطا للحاجة و: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} (البقرة: 86). بخلاف من يخلط بين التوكل على الله والتواكل، فحقيقة التوكل القيام بالأسباب التي شرعها الله مع الاعتماد على الله. وقد أمر الله تعالى بالتوكل في كل عزم: {فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين} (آل عمران: 159). وقال الله تعالى في الحج وغيره: {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب} (البقرة: 197). قال ابن جرير: نزلت الآية في قوم يحجون بغير زاد، قال الإمام أحمد: على جراب الناس توكلوا، انتهى. والحج جهاد وفي سبيل الله بل حياة المؤمن كلها لله وفي سبيله، وذم الله من لم يعد للخروج في قوله: {ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة} (التوبة: 46) والتوكل: هو قطع النظر عن الأسباب بعد تهيئة الأسباب كما جاء في الأثر: «اعقلها وتوكل».
- عاشرا: الحذر من المال الحرام في نفقة الحج وغيره، ولمسلم وغيره، عن أبي هريرة ] قال: قال رسول الله [: «ياأيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: {يأيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم} (المؤمنون: 51). وقال: {يأيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون} (البقرة: 172). ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يده إلى السماء: يا رب يا رب! مطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له؟!» ومما أخرج أحمد وابن خزيمة والطبراني في الأوسط والحاكم والبيهقي وفي إتحاف الخيرة المهرة، عن جابر أن رسول الله [ قال: «أفضل الإيمان عند الله عز وجل إيمان بالله وجهاد في سبيل الله، وحج مبرور»، قلنا: يا رسول الله، وما بر الحج؟ قال: «إطعام الطعام وطيب الكلام» والله أعلم.


اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #18  
قديم 21-02-2024, 09:09 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وقفات فقهية

وقفات فقهية (18)

التعريف بالتكفير وحكمه



يقول الله تعالى: {وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها} (الكهف: 29). والتكفير: هو نسبة أحد من أهل القبلة إلى الكفر. وهنا نتساءل: هل يجوز أن يكفر المؤمن غيره ممن ينتسب إلى الإسلام؟ وهنا وقفات لابد من إيضاحها:
- أولا: يقول الله تعالى: {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون} (الأنعام: 159)، وقال [: «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة. قيل: ومن تلك الواحدة؟ قال: ما أنا وأصحابي عليه» أخرجه أصحاب السنن إلا النسائي، والمقصود هنا بـ (الفرقة) ما يعرف بالمذاهب العقائدية، لا المذاهب الفقهية، وليس هناك دليل على أن أعداد تلك الفرق متساوية، بل المرجو بأن أغلبهم من الفرقة الناجية بفضل الله؛ لما ثبت في الصحيحين، عنه [: «ما من نبي من الأنبياء إلا قد أعطي من الآيات ما آمن على مثله البشر وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة» لفظ مسلم.
- ثانيا: أما وضع الفرق المخالفة، فهي تضم أعدادا من الأشخاص لديهم معتقدات، ويقولون أقوالا، ويعملون أعمالا، يخالفون في كثير منها ما كان النبي [ وأصحابه عليه. فالشخص المعتقد بهذا لا نعلم بحقيقة ما ينسب إليه واعتقاده، فقد يشمله قول الله تعالى: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} (يوسف: 106)، وقد لا يشمله، وكذا قوله قد لا يخرج عن قول الله تعالى: {ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا} (الأنفال: 74). وكذا قد يكون ما يعملونه ليس ببعيد عن قوله تعالى: {وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون} (الأعراف: 28-29). وكثير منهم قد لا يصل إلى هذا الحد في أموره كلها، علما أن من تلك الفرق من تجرأ على تكفير المؤمنين، وتبعهم من كفّر التابعين إلى يومنا هذا واتهموهم بالإرهاب والتكفير، فأباحوا لأنفسهم ما رأوه محرما على غيرهم.
- ثالثا: قال العلماء: التكفير حكم شرعي من أحكام الدين له أسبابه وضوابطه وشروطه وموانعه وآثاره، شأنه في ذلك شأن سائر الأحكام الشرعية، وإنما يثبت بالأدلة الشرعية، قال شيخ الإسلام رحمه الله في رده على البكري (1/381): فلهذا كان أهل العلم والسنة لا يكفرون من خالفهم وإن كان ذلك المخالف يكفرهم؛ لأن الكفر حكم شرعي فليس للإنسان أن يعاقب بمثله كمن كذب عليك وزُنيَ.. ليس لك أن تكذب عليه وتزني بأهله لأن الكذب والزنا حرام لحق الله. وكذلك التكفير حق لله فلا يكفر إلا من كفره الله ورسوله وأيضا فإن تكفير الشخص المعين موقوف على أن تبلغه الحجة النبوية التي يكفر من خالفها، وإلا فليس كل من جهل شيئا من الدين يكفر. انتهى. وقال في الفتاوى (12/487): إن التكفير له شروط وموانع قد تنتفي في حق المعين، وإن تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين، ا هـ. ويُستنتج من هذه القاعدة عدة نتائج:
1- الكافر هو من كفره الله ورسوله، فلابد من تعلم أحكامه والتفقه فيه؛ فله أهمية كبيرة لارتباطه بكثير من الأحكام الشرعية، مثاله: النكاح فلكي نقبل بالرجل زوجا لابد أن يكون مسلما؛ فلا يحكم في التكفير إلا العالم بالأدلة الشرعية.
2- لا يجوز مجاوزة الحد الشرعي فيه، لا بإفراط ولا بتفريط، وهناك فرق بين التحذير من التكفير وبين التحذير من الغلو فيه، فالنصوص تحذر من الغلو فيه؛ منها ما رواه البخاري في صحيحه (5698) عن النبي [ يقول: «لا يرمي رجل رجلا بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك» وفي إحكام الأحكام لابن دقيق العيد (4/76): «وهذا وعيد عظيم لمن كفر أحدا من المسلمين وليس كذلك، وقع فيه خلق كثير لما اختلفوا في العقائد، فغلظوا على مخالفيهم وحكموا بكفرهم. وهذا لاحق بهم إذا لم يكن خصومهم كذلك» انتهى. وفي «السيل الجرار» للشوكاني (4/578): اعلم أن الحكم على الرجل المسلم.. بدخوله في الكفر لا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقدم عليه إلا ببرهان أوضح من شمس النهار، وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة: «إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما» متفق عليه، ففي هذه، أعظم زاجر وأكبر واعظ عن التسرع في التكفير.
- رابعا: ولعدم الإطالة نختصر جانبا من أقوال العلماء، فالسؤال هنا: بم يكون التكفير؟
أ- التكفير بالاعتقاد: اتفق الفقهاء على تكفير من اعتقد الكفر باطنا، إلا أنه لا تجري عليه أحكام المرتد إلا إذا صرح به.
ب- التكفير بالقول: اتفق العلماء على تكفير من صدر منه قول مكفر، سواء أقاله استهزاء، أم عنادا، أم اعتقادا؛ لقوله تعالى: {قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم} (التوبة: 65-66). وهذه الألفاظ المكفرة قد تكون صريحة كقوله: أُشرك أو أَكفُرُ بالله، أو غير صريحة كقوله: عيسى ابن الله، أو جحد حكما أجمعت عليه الأمة وعُلم من الدين بالضرورة، كوجوب الصلاة أو الزكاة وحرمة الزنى بلا خلاف بينهم.
أما من سبق لسانه إلى الكفر من غير قصد لشدة فرح أو دهش أو غير ذلك، كما جاء في صحيح مسلم عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله [ لله أشد فرحا بتوبة عبده، حين يتوب إليه، من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه، وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، قد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذا هو بها قا>مة عنده، فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح»، أو أكره عليه (على الكفر)، فإنه لا يكفر؛ لقوله تعالى: {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان} (النحل: 106) ولقول النبي [: «إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه».
واتفق العلماء: على تكفير من سب الذات المقدسة العليَّة أو استخف بها أو استهزأ؛ لقوله تعالى: {قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم} (التوبة: 66).
وذهب الفقهاء، إلى تكفير من سب نبيا من الأنبياء، أو استخف بحقه، أو تنقصه، أو نسب إليه ما لا يجوز عليه، كعدم الصدق والتبليغ، وسب الملائكة كسب الأنبياء.
واتفق الفقهاء، على أن من كفّر الصحابة فإنه يكفر، لأنه أنكر معلوما من الدين بالضرورة وكذب الله ورسوله. واتفقوا: على أن من قذف السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها بما برأها الله منه، أو أنكر صحبة الصديق كفر؛ لأنه مكذب لنص الكتاب.
ج- التكفير بالعمل: نص الفقهاء على أفعال لو فعلها المكلف فإنه يكفر بها، وهي كل ما تعمده استهزاء صريحا بالدين أو جحودا له، كالسجود لغير الله، لصنم أو شمس أو قمر أو قبر؛ فإن هذه الأفعال تدل على عدم التصديق، وكإلقاء المصحف في قاذورة، فإنه يكفر وإن كان مصدقا؛ لأن ذلك في حكم التكذيب، ولأنه صريح في الاستخفاف بكلام الله تعالى، والاستخفاف بالكلام استخفاف بالمتكلم. وقد ألحق المالكية والشافعية إلقاء كتب الحديث به.
وأما مرتكب الكبيرة فمذهب أهل السنة والجماعة عدم تكفير مرتكب الكبيرة، وعدم تخليده في النار إذا مات على التوحيد، وإن لم يتب؛ لقول النبي [: «يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان»، فلو كان مرتكب الكبيرة يكفر بكبيرته لما سماه الله ورسوله مؤمنا.
تكفير الساحر: اتفق الفقهاء على تكفير من اعتقد إباحة السحر {وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر} (البقرة: 102)، انتهى.
- خامسا: وفي الواقع العملي انقسموا في التكفير إلى ثلاثة، بين مجاوزة الحد الشرعي فيه، بإفراط أو تفريط، ومنهم من التزم بالوسطية:
1) فمنهم من بادر بالتكفير، وقد يكون ذلك خلافا لقوله تعالى: {يأيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا} (النساء: 94)؛ لأن المخالفين ليسوا في مرتبة واحدة من المخالفة أي لابد من {فتبينوا}.
2) ومنهم من لم ير بأسا بما هم عليه من مخالفات صريحة في معتقدهم وقولهم وعملهم، بل يبحث لهم عن الأعذار بالتأويل ويراه اجتهادا منهم وربما يصل الأمر إلى موالاتهم خلافا لقوله تعالى: {ولو كانوا يؤمنون بالله وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون} (المائدة: 81)، وقد يكون ذلك تشجيعا لهم على الاستمرار فيما هم عليه من المخالفة، أو لتقليدهم.
3) ومنهم من اتخذ الوسطية، فترك تكفير الأشخاص بذواتهم لعدم العلم بحقيقة أمرهم أو بما يختم الله لهم، والالتزام بقوله تعالى: {فتبينوا} وذلك بعلم مؤكد موقوف على تبلغهم الحجة التي يكفر من خالفها، مع وجوب إيضاح وبيان أن ما يعتقدونه من اعتقاد، أو يقولونه من أقوال، أو يعملونه من أعمال من مخالفة للدين هي باطلة وداخلة في قوله تعالى: {ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء} (آل عمران: 28) للزجر عنه؛ وذلك استجابة لقوله تعالى: {وإذا قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون} (الأعراف: 164)، وللسلامة من أن يقتدي بهم الآخرون وامتثالا لقوله تعالى: {وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا اعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها} (الكهف: 29) ولعل ذلك هو الأرجح، والله أعلم.


اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #19  
قديم 21-02-2024, 09:10 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وقفات فقهية

وقفات فقهية (19)

التعريف بمخالفة أمر الله



يقول الله تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} (النور: 62)، وقوله تعالى: {ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا} (النساء: 66)؛ فالاختلاف والمخالفة افتعال من الخلف وهو أن يجيء شيء عوضا عن شيء آخر يخلفه في مكانه، ولعلها من إدارة الخلف (الظهر) للأمر والاتجاه لغيره، وإظهار المخالفة، ويجوز أن يسمى به كل عاص، والتحذير منه يدل على وجوب الامتثال المطلق لأمر الله تعالى ورسول الله [، وهنا وقفات لابد من ذكرها:
- أولاً: مخالفة كتاب الله والسنة منهج المنافقين؛ يقول الله تعالى: {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا} (النساء: 60 - 61).
- ثانياً: التحذير من مخالفة شرع الله، يقول الله تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} (النور: 63)، قال الإمام أحمد: أتدري ما الفتنة؟ الفتنة: الشرك، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك، ويقول الله تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} (النساء: 65).
- ثالثاً: ولقد شمل التحذير أهل الكتاب من قبلنا، ففي اليهود يقول الله تعالى: {إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} (المائدة: 44) فخالفوا عن أمره فأبطل الله دينهم، وفي النصارى يقول الله تعالى: {وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون} (المائدة: 47)، فخالفوا عن أمره، فأبطل الله دينهم، فهل أدركنا ذلك؟ والله تعالى يقول: {وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم} (محمد: 38).
بيان نظرة البشر للبشر بين الغلو والكفر
يقول الله تعالى: {وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله الله أعلم حيث يجعل رسالته سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون} (الأنعام: 124)، فنظرة البشر للبشر هي بين الغلو والكفر والاعتدال ولابد من وقفات في ذلك:
- أولاً: لقد كرم الله بني آدم، حيث يقول الله تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا} (الإسراء: 70) ومن إكرام الله للإنسان أسجد له ملائكته، يقول تعالى: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين} (البقرة: 34).
- ثانياً: بين الله العدو الحقيقي للإنسان؛ يقول الله تعالى: {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير} (فاطر: 6)، ولكن من المؤلم أنه هو المطاع عند الكثير وعليه فقد اختلفت نظرة البشر للبشر إلى ثلاث فرق:
1 - الفرقة الأولى: قدست الإنسان حتى العبادة، يقول الله تعالى: {وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون} (التوبة: 30)، يضاهئون من قبلهم، فقوم نوح: {قالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا وقد أضلوا كثيرا ولا تزد الظالمين إلا ضلالا} (نوح: 23 - 24)، يقول الله تعالى: {ثم أرسلنا رسلنا تترا كلما جاء أمةً رسولُها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا وجعلناهم أحاديث فبعدا لقوم لا يؤمنون} (المؤمنون: 44)، فكانت الوثنية والبوذية والهندوسية وغيرهما، بنوا في كل معبد تمثالا لبشر، ودعوا لعبادته واستمر الضلال حتى شمل بعض طوائف المسلمين فبنوا في مساجدهم أضرحة لأمواتهم، ولم يختلفوا عن غيرهم من الأمم السابقة إلا بكثرة أسماء أوليائهم وكثرة طرقهم وتعددها، مع علمهم بقول الله تعالى: {وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا} (الجن: 18).
2 - أما الطائفة الثانية: فاحتقرت الإنسان حتى بلغ احتقارهم أنبياء الله ورسله، فأما قوم نوح: {فقالوا أبشرا منا واحدا نتبعه إنا إذًا لفي ضلال وسعر} (القمر: 24)، وقوم فرعون: {فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون فكذبوهما فكانوا من المهلكين} (المؤمنين: 47 - 48)، وقال الله تعالى: {كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون أتواصوا به بل هم قوم طاغون} (الذريات: 52 - 53)، وقول الله تعالى: {وما منع الناس أن يؤمنوا إذا جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا} (الإسراء: 94).
3 - أما الطائفة الثالثة: فآمنت بقول الله تعالى: {الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصير} (الحج: 75)، وعلمت بقول الله تعالى: {كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه} (البقرة: 213)، فاستجابت لأمر الله وقالوا: {ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد} (آل عمران: 193 - 194)، آمنوا بالأنبياء والرسل واتبعوهم، ولم يغلوا فيهم ولم يعبدوهم وأنزلوهم المنزلة التي ارتضى الله لهم، وقد مر بنا ما في الصحيح وغيره عن عمر أن رسول الله [ قال: «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم؛ فإنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله» فغير الرسول [ من باب أولى.
- سادسا: ومن المعلوم أن أعظم البشر وأكرمهم عند الله هم الأنبياء والرسل {الله أعلم حيث يجعل رسالته} فإن لم نكن منهم فلنكن معهم بالطاعة؛ يقول الله تعالى: {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما} (النساء: 69 - 70).


اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #20  
قديم 21-02-2024, 09:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وقفات فقهية

وقفات فقهية (20)

التعريف بالغلو في الصالحين


يقول الله تعالى: {يأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق} (النساء: 171)، الغلو هو: مجاوزة الحد في كل أمر.
أولاً: نهى الله عن اتباع الهوى بالغلو في الدين، يقول الله عز وجل: {قل يأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل} (المائدة: 77)، وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله[: «...إياكم والغلو في الدين فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين»(1).
- ثانياً: الأنبياء والرسل بشر أمثالنا فلا ينبغي مجاوزة الحد في الغلو فيهم وعلينا طاعتهم ومحبتهم واتباعهم، يقول الله تعالى: {وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله} (النساء: 64)، ويقول تعالى: {من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا} (النساء: 80)، فالنجاة بالعمل الصالح كما شرع الله تعالى وسنه رسوله [، وحسن الاقتداء بالأنبياء: {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده} (الأنعام: 90)، وكذا الأولياء والصالحون عباد أمثالنا، يقول الله تعالى: {إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين} (الأعراف: 194).
- ثالثاً: الأنبياء والرسل والأولياء والصالحون لا يدعون أحدا لعبادتهم، بل يتبرؤون من ذلك، يقول الله تعالى: {ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلّمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون} (آل عمران: 79 - 80)، ويقول تعالى: {وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم} (المائدة: 116 - 117)، ويقول الله تعالى: {ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين} (الأنبياء: 29).
- رابعاً: الغلو في الصالحين هو بداية الشرك، ففي قوم نوح - عليه السلام - وهو أول الرسل، يقول الله تعالى: {وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا} (نوح: 23)، روى البخاري في تفسيرها عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: «أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا وسموها بأسمائهم، ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتنسّخ العلم (نسي) عُبدت» قال ابن القيم: قال غير واحد من السلف لما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم، ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم، فمعرفة أول شرك وقع في الأرض بشبهة محبة الصالحين والغلو فيهم، وشدة الحاجة (للعلم بها) مع الغفلة عنها رفعل أناس شيئاً ظنوا به خيرا (لم يأمر الله به، بنصبهم أنصابا، ولو حسن قصدهم ظن من بعدهم أنهم أرادوا به غيره، فيه شاهد لما نقل عن السلف أن البدع بريد الكفر؛ فالتصريح بأنها لم تعبد حتى نسي العلم، فيه بيان قدر العلم وفضله، ومضرة الجهل وشره، فالقاعدة الكلية هي: النهي عن كل الغلو ومعرفة ما يؤول إليه. اهـ(2).
وهذا تكرر لدى مشركي العرب، فقد ذكر ابن جرير بسنده عن مجاهد في قوله تعالى: {أفرأيتم اللات والعزى} (النجم: 19).
قال: «كان يلتّ لهم (للحُجاج) السويق فمات فعكفوا على قبره.
- خامساً: في قوله تعالى: {وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها إذ يتنازعون بينهم أمرهم فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا} (الكهف: 21)، قال ابن كثير في تفسيره: والظاهر أن الذين قالوا ذلك هم أصحاب الكلمة والنفوذ، ولكن هل هم محمودون أم لا؟ فيه نظر لأن النبي [ قال: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد» يحذّر ما فعلوا، وقد روينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه لما وجد قبر دانيال في زمانه بالعراق أمر أن يخفى عن الناس. اهـ.
ومما قاله القرطبي في تفسير الآية: قال علماؤنا: وهذا يحرم على المسلمين أن يتخذوا قبور الأنبياء والعلماء مساجد وروى الأئمة عن أبي مرثد الغنوي قال سمعت رسول الله[ يقول: «لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها» واللفظ لمسلم، أي: لا تتخذوها ذلك قبلة فتصلوا عليها أو إليها كما فعل اليهود والنصارى فيؤدي إلى عبادة من فيها، كما كان السبب في عبادة الأصنام، فحذر النبي[ عن ذلك وسد الذرائع المؤدية إليه، فقال: «اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»اهـ.
أما قوله تعالى: {فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم} فهذا قول من حسن إيمانه بتفويض أمرهم إلى الله.
- سادساً: حرص الأنبياء والمرسلين عليهم أفضل الصلاة والسلام على هداية أممهم وإبعادهم عن الغلو ولاسيما بنبينا [، يقول الله تعالى: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم} (التوبة: 128)، فعن علي ابن الحسين - رضي الله عنه - قال: ألا أحدثكم حديثا سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله[ قال: «لا تتخذوا قبري عيدا»، في سنن أبي داود عن عبدالله بن الشخير قال: انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله [ فقلنا: أنت سيدنا، فقال: «السيد الله تبارك وتعالى» قلنا: وأفضلنا فضلا وأعظمنا طولا، فقال: «قولوا بقولكم أو بعض قولكم ولا يستجرينكم الشيطان» وعند النسائي: «أنا محمد عبدالله ورسوله، ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل» ولأحمد (1/435) وغيره بسند جيد عن ابن مسعود - رضي الله عنه - مرفوعا: «إن من شرار الناس من تدركه الساعة وهم أحياء ومن يتخذ القبور مساجد» سدا للذرائع. والله أعلم.
الهوامش
1 - رواه أحمد (1/215)، والنسائي (5/268)، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، ووافقه الذهبي.
2 - وانظر كتاب التوحيد للإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - ومنها باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم، هو الغلو في الصالحين.





اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 185.07 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 179.19 كيلو بايت... تم توفير 5.88 كيلو بايت...بمعدل (3.18%)]