وقفات فقهية - ملتقى الشفاء الإسلامي

اخر عشرة مواضيع :         انشودة يا أهل غزة كبروا لفريق الوعد (اخر مشاركة : أبـو آيـــه - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 858970 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 393336 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12535 - عددالزوار : 215669 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 66 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 52 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 51 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 55 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 51 )           »          اضطراباتي النفسية دمرتني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 52 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 02-10-2023, 11:52 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي وقفات فقهية

وقفات فقهية (2)

- تعريف الإعراض عن القرآن وعن تدبره


يقول الله تعالى: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب} (ص: 29)، ويقول الله تعالى: {ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا} (الجن: 17). وهنا وقفات لابد من مراعاتها:
أولاً- الإعراض: مشتق من العرض بالضم، وهو الجانب؛ لأن المعرض عن الشيء يوليه بجانب عنقه صادّا عنه، يقول الله تعالى: {وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه} (الإسراء: 83). أما التدبر فقيل: هو التأمل في أدبار الأمور والنظر فيها وما تؤول إليه في عاقبتها، ومعرفة ما جاء من الحق من أدلة العقيدة والتعبد والتذكر، فمن ترك التدبر في المعاني فقد حرم نفسه ثمار معرفة الحق وذلك عين الخسران، قال علي - رضي الله عنه -: لا خير في عبادة لا فقه فيها، ولا خير في قراءة لا تدبر فيها. وقال الشاعر:
إذا لم يكن للمرء عين صحيحة
فلا غرو أن يرتاب والصبح مسفر
فالتدبر غالبا يفضي إلى العمل، ومما يذكر أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وجد لوحا فيه سورة طه عند أخته فأخذ يقرأ ويتدبر حتى آمن.
ثانياً - الإعراض عن دين الله تعالى أي: لا يتعلمه ولا يعمل به، يقول الله تعالى: {ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون} (السجدة: 22). وفي الصحيح عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - أن رسول الله[ قال: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه»، وفي قوله: {يتلونه حق تلاوته} أي يقرؤونه كما يجب من التدبر له والعمل به، فيتبعونه حق اتباعه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وقد شكت الرسل إلى ربها: {وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا} (الفرقان: 30).
ثالثاً - يقول الله تعالى: {خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا} أي: واسمعوا ما تؤمرون به سماع طاعة وتفهم مع تدبر واستجابة للأمر، وليس مجرد السماع للقول فقط، فعاند من عاند من الأولين: {قالوا سمعنا وعصينا} فهل جواب بعض المتأخرين بلسان حالهم أنهم سمعوا فخالفوا؟! ويقول تعالى: {ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات ومثلا من الذين خلوا من قبلكم وموعظة للمتقين} (النور: 34)، لتمييز الحق من الباطل لاتباعه، ويقول الله تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها} (محمد: 24)، دعوة صريحة إلى التدبر والتعقل، فقوله تعالى: {وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا} (الجن: 18)، يخالف وضع الأضرحة في المساجد، أو بالقرب منها ووضع القباب لتعظيمها ومنافستها لمساجد الله وجعلها أماكن مقدسة واللجوء إليها بالدعاء والقرابين مع قوله تعالى: {فلا تدعوا مع الله أحدا}، فإصرارهم على الضلال مع قوله تعالى: {إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم} مع تبرير غير معقول: {ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون} (يونس: 18)، إنه لعجب؛ بل وإن تعجب فعجب عملهم، فإبليس أقسم بعزة الله: {قال فبعزتك لأغوينهم} (ص: 82)، والذين كفروا أقسموا بالله: {وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت} (النحل: 38)، بينما يقسم بعضهم بغير الله (بالنبي، والحياة، والأمانة) وقد ورد النهي عن ذلك، فعن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله[ يقول: «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك» وكذا فقد سمى الله بيوت عبادته بالمساجد: {إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر} (التوبة: 18)، فخالفوا ذلك وعددوا الأسماء من حسينيات، أو مزارات شريف - إلى - ضريح فلان، أو مشهد السيد، أو مقام السيدة، وقد سماهم الله بالمسلمين: {ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل} (الحج: 78)، فتسموا بأسماء شيوخ الطرق - فهذا تيجاني وهذا نقشبندي.. إلخ - أي تابع للطريقة تلك، وأتوا بما لم يأذن به الله فأين التدبر مع ذلك السلوك؟!
رابعاً: كتاب الله هو البيان، يقول الله تعالى: {وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون إن الله بكل شيء عليم} (التوبة: 115)، فلو أخذنا بعض آيات الله للتأمل والتدبر والحفظ ما أمكن مثلا من سورة النمل ابتداء من قول الله تعالى: {قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى آلله خير أما يشركون} (النمل: 59).. إلى قوله تعالى: {قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون} (النمل: 59 - 65)، فنكون من: {الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون} (البقرة: 121).
خامساً: هذا الإعراض وعدم التدبر لكتاب الله تعالى وسنة رسوله[، واعتقاد الاستغناء عنهما بتلك الطرق المبتدعة التي عمت كثيرا ممن في المعمورة من أعظم المآسي والمصائب، التي دهمت المسلمين من قرون عديدة، ولا ريب أن النتائج الوخيمة الناشئة عنه قد فصلتهم عن دينهم، وما أضافه الغزو الفكري عن طريق الثقافة وإدخال الشبه والشكوك في دين الإسلام، لم يكن لو كان المسلمون يتعلمون كتاب الله وسنة رسوله[ ويعملون بما فيهما ولكان ذلك حصنا منيعا لهم من تأثيره في عقائدهم ودينهم ودنياهم. والله أعلم.

اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 02-10-2023, 11:54 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وقفات فقهية

وقفات فقهية (3)

- تعريف العبادة


يقول الله تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} (الأنبياء: 25) وهنا وقفات لابد لنا من مراعاتها:
- أولا: العبادة لغة هي التذلل، ومنه: طريق معبد، أي مذلل، وشرعا هي اسم جامع لما يحبه الله ويرضاه من قول وعمل ظاهر وباطن، شرعه الله لعباده من أمر ونهي، وجعل الله فعله أو تركه قربة له، ويتضح ذلك كله في إخلاص الدعاء لله وحده بمحبة وخوف ورجاء.
يقول الله تعالى: {وادعوه مخلصين له الدين} (الأعراف: 29)، وقوله: {ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين} (الأعراف: 55)، وقد بيّن لنا رسول الله [ أن: «الدعاء هو العبادة»، فعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي [ قال: «الدعاء هو العبادة»، وقرأ: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} (غافر: 60)، وادعوني هنا بمعنى اعبدوني لقوله بعدها: {إن الذين يستكبرون عن عبادتي} فمن لم يدع الله لم يعبده، ومن دعا معه غيره فقد أشرك به.
- ثانيا: الله قريب مجيب، يقول تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون} (البقرة: 186) ويقول تعالى: {أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون} (النمل: 62) فالدعاء هو العبادة، فلا عذر لمشرك يدعو مع الله غيره.
- ثالثا: فمن يدع أحدا من دون الله فهو ظالم لنفسه، يقول الله تعالى: {ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين} (يونس: 106)، وهو ضال، يقول تعالى: {ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين} (الأحقاف: 5-6). فقوله: {يدعو من دون الله} أي يعبد من دونه؛ لقوله في ختام الآية {وكانوا بعبادتهم كافرين}، ولا مخرج له: {حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله قالوا ضلوا عنا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين} (الأعراف: 37)، وهذا موقف من جهل معنى العبادة وأن الدعاء هو العبادة، فيدعو مع الله غيره. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف رسول الله [ يوما فقال: «يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف».
- رابعا: ضعف الداعي والمدعو من دون الله، يقول الله تعالى: {إلهكم إله واحد فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون} (النحل: 22)، وعبادة الأولياء، لا تقرب إلى الله زلفى، يقول تعالى: {ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار} (الزمر: 3) كذبهم الله بختام هذه الآية، ولا تحقق لهم شفاعة، ولا تجلب رزقا، يقول الله تعالى: {إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون} (العنكبوت: 17).
- خامسا: فطر الله الناس حنفاء، ففي صحيح مسلم: «وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين، فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا»، فهم يدعون الله في الشدائد مخلصين له الدين؛ استجابة للحق واتباعا للفطرة، ولكنهم في الرخاء يشركون به، يقول تعالى: {فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون} (العنكبوت: 65) وقوله تعالى: {وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون} (يونس: 12).
- سادسا: أحب الدعاء إلى الله هو التضرع، قال الله تعالى: {واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين} (الأعراف: 205)، فالتضرع إلى الله هو: شدة الخضوع والتذلل لله مع قوة الرجاء والمحبة له، وهو دعاء الطامع المحب الخائف المخلص الوجل، وهو وسيلة للنجاة والقبول، يقول الله تعالى: {فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون} (الأنعام: 43) فلو تضرعوا لنجوا.
فمما مر بنا من النصوص تبين لنا أن الدعاء هو العبادة، فالإسلام، والإيمان، والإحسان، والخوف، والرجاء، والتوكل، والرغبة، والرهبة، والخشوع، والخشية، والإنابة، والمحبة، والاستعانة، والاستعاذة، والاستغاثة، والذبح، والنذر، والتضرع، وغير ذلك من أنواع العبادة التي أمر الله بها كلها تصرف لله تعالى وحده، وكل ذلك دعاء أو وسيلة للدعاء أو شفاعة بالدعاء أو مقدمة للدعاء، ليقبل الله العبادة ويستجيب للدعاء {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير} (الحج: 62).
- سابعا: وللعبادة أركان وشروط: فأما ركناها فهما: الإخلاص لله تعالى واتباع الرسول [، وأما شروطها فهي:
1- أن تكون موافقة للشريعة في سببها بدليل من الكتاب والسنة.
2- أن تكون شرعية في جنسها، فلا تقبل الأضحية بفرس.
3- أن تكون شرعية في قدرها، فلا زيادة في ركعات الصلاة ولا غيرها.
4- أن تكون شرعية في كيفيتها، فلا صلاة بلا طهارة صحيحة.
5- أن تكون شرعية في زمانها، فلا يصام رمضان في غيره.
6- أن تكون شرعية في مكانها، فالوقوف بعرفة لا بغيرها.
وإن لم تتوفر تلك الشروط فالعبادة بين الرد، والفساد.
- ثامنا: ومن المخالفين إذا تتلى عليهم آيات التوحيد كقوله تعالى: {فلا تدعوا مع الله أحدا} (الجن: 18)، وقوله تعالى: {ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون} (الأحقاف: 5)، وقوله تعالى: {... والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير} (فاطر: 13، 14).. إلخ، فمنهم من يوافقك من باب التقية، أو يدعي أن لها تفسيرا لا يعلمه، مع وضوح تلك الآيات، ومنهم من يأتي بتأويل عجيب، أو زعم غريب، بأن تلك الآيات نزلت في مشركي قريش وليس لهم علاقة بعموم هذه الآيات! علما أن من تلك الآيات ما وجه إلى النبي [ وهو أبعد الخلق عن كل ذنب كقوله تعالى: {فلا تدع مع الله إلها آخر فتكون من المعذبين} (الشعراء: 213)، وقوله تعالى: {ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين} (يونس: 106) بل النهي عن الشرك خوطب به جميع الأنبياء والرسل دون استثناء، كقوله تعالى: {ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين بل الله فاعبد وكن من الشاكرين} (الزمر: 65، 66). للتحذير من الشرك، وغالبا أن من لديهم أمور باطنية لا يستطيعون التعبير عنها أو لا يرغبون ذلك {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا} فأي عقيدة لا تُظهر للعامة ما يُبطنه خواصها فهي عقيدة تخشى النور وتحتمي بالظلام. ومهما اختلفت فرق الباطنية في أصولها ومعتقداتها وأهدافها فإن حجتهم في التكتم والسرية هي حجة واحدة، تتلخص في أن هناك علما للعامة وآخر للخاصة وهناك علم لخاصة الخاصة، فالجامع الذي يجمعهم هو إما ضعف الحجة، وإما فساد المعتقد، مع قصر الإدراك وبلادة التفكير أو ذلك كله مجتمعا، فسلاحهم الفعال هو جهل الناس؛ لذا فهم يبذلون جهدهم للحفاظ على إدامة الجهل في مجتمعاتهم وتنميته، بالإصرار على منهجهم وتأليب الناس على المخالفة وشغلهم بالتفاهات والسخافات، فما عبدوا الله حق عبادته إذ أشركوا به والله تعالى يقول: {قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاما} (الفرقان: 77).
خلاصة القول: قول الله تعالى: {له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال} (الرعد: 14) فلنحذر جميعا من دعاء الأموات، مهما كانوا أو الاستعانة بهم أو الاستغاثة بهم عند قبورهم وأضرحتهم أو في البعد عنها؛ فإن دعاءهم عبادة لهم وشرك بالله، يقول الله تعالى: {ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون} (المؤمنون: 117).


اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 02-10-2023, 11:55 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وقفات فقهية

وقفات فقهية (4)

تعريف الوسيلة


يقول الله تعالى: {يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون} (المائدة: 35)، وفيه وقفات:
أولاً: الوسيلة هي: الطريق التي تقرب إلى الشيء وتوصل إليه؛ ففي الدر المنثور: أخرج الترمذي وابن مردويه واللفظ له عن أبي هريرة ] قال قال رسول الله [: «سَلُوا الله الوسيلة» قالوا: «يا رسول الله وما الوسيلة؟ قال: القرب من الله ثم قرأ: {يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته} (الإسراء: 57)، وكذا قال ابن عباس وكثير من التابعين.
وقال قتادة أي تقربوا إليه بطاعته واعملوا بما يرضيه. وهي في الشرع، العمل الصالح بإجماع العلماء. وجمهور العلماء هي: القربة إلى الله بطاعته وطاعة رسوله، فهي الطريقة الموصلة إلى رضى الله تعالى ونيل ما عنده من خير والنجاة من العقاب، يقول الله تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب} (الحشر: 7)، فهذا هو التوسل الوحيد ولا غير وهو أصل الدين، وهذا لا ينكره أحد من المسلمين، أما غير ذلك، فيقول الله تعالى: {قل ادعوا الذين زعمتهم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا} (الإسراء: 56).
كما أن الوسيلة هي سلوك الصالحين من عباد الله: {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا} (الإسراء: 57). روى مسلم (3030) عن عبدالله بن مسعود ] قال: «نزلت في نفر من العرب كانوا يعبدون نفرا من الجن، فأسلم الجنيون، والإنس الذين كانوا يعبدونهم لا يشعرون، فنزلت الآية».
- ثانيًا: لم يأمر الله بعبادة إلا بينها، فالوسيلة التي أمر الله بها واضحة ومحددة في كتاب الله وسنة رسوله، يقول الله تعالى: {وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون إن الله بكل شيء عليم} (التوبة: 115)، ويقول الله تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} (النحل: 44).
- ثالثًا: حصر التوسل بثلاث وسائل لا غير: بأسماء الله الحسنى، وبعمل مشروع صالح خالص لله، وبطلب دعاء رجل صالح في حياته.
1) التوسل بأسماء الله الحسنى أو بصفة من صفاته: يقول الله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون} (الأعراف: 180).
2) التوسل بالعمل الصالح الخالص المشروع: ومثاله قوله تعالى: {الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار} (آل عمران: 16)، آمنوا وتوسلوا بإيمانهم وطلبوا المغفرة، وفي الصحيحين: «انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار، فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم..» الحديث (فهم رجال مؤمنون اشتدت بهم الكربة بانحدار صخرة سدت عليهم الغار، فلجؤوا إلى الله وحده بالدعاء متوسلين إليه بأعمال لهم صالحة خالصة لله، توسل الأول ببره بوالديه، والثاني بتركه الزنى وهو قادر عليه، والثالث بحفظه حق أجيره المؤتمن عليه. وكلهم كان يقول: «اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فاستجاب الله لهم، فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون». كما أن تقوى الله عمل صالح ووسيلة لقبول العمل الخالص: {إنما يتقبل الله من المتقين} (المائدة: 27).
3) التوسل بطلب دعاء رجل صالح وذلك في حياته: يقول الله تعالى: {وما يستوي الأحياء ولا الأموات إن الله يُسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور} (فاطر: 22). ومثاله طلب إخوة يوسف ذلك من أبيهم في حياته: {قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين} (يوسف: 97)، ووعدهم {قال سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم} (يوسف: 98)، وطلبوا إلى أخيرهم يوسف عفوه ودعاءه: {قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين} فعفا عنهم: {قال لا تثريب عليكم اليوم} ودعا لهم: {يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين} (يوسف: 91- 92). وفي البخاري وغيره، عن أنس أن عمر بن الخطاب ] كان إذا قُحطوا استسقى بالعباس بن عبدالمطلب ] فقال: «اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا (أي بدعائه في حياته [)، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا»، قال: فيسقون، أي إنهم يتوسلون بدعائه لا بذاته ولهذا عدلوا عن التوسل به [ إلى التوسل بعمه العباس، فلما عدلوا عُلم أن ما كان يفعله في حياته [ قد تعذر بموته دائما، وفحواه أن حياته [ بعد وفاته مخالفة لحياته قبل الوفاة؛ ذلك أن الحياة البرزخية غيب لا يعلمه ولا يدرك كنهه إلا الله سبحانه، بخلاف التوسل بالإيمان به وبطاعته [ فانه مشروع، بل هو فرض لا يتم الإيمان إلا به.
وأما العباس ] فقام لله بالدعاء وقال: «اللهم إنه لا ينزل بلاء إلا بذنب ولم يكشف إلا بتوبة، وقد توجه بي القوم إليك لمكاني من نبيك وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث، فأرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض».
- رابعًا: أما وسيلة المؤمن بعد مماته: فعن أبي هريرة ] أن رسول الله [ قال: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاث إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له». فالصدقة الجارية أمرها عظيم: {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة} (النساء: 114)، والعلم ميراث الأنبياء إذا تم تبليغه: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب} (الزمر: 9) ودعاء الولد الصالح يكون بتقوى الله في حسن تربية من نعول، وندعو الله: {ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما} (الفرقان: 74)، ودعاء الولد الصالح قد يشمل كل من أحسنت إليه بمال أو علم أو خلق حسن ممن عرفك، أو سمع بذلك عنك، والله يقول: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون} (يونس: 26).
- خامسًا: تأتي الوسيلة المشروعة في الكتاب والسنة بعدة صيغ (أساليب) منها:
1- بالأمر: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون} (النور: 56).
2- وبالبيان كقوله تعالى: {هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكّر أولو الألباب} (إبراهيم: 52)، أي اعلموا أنما هو إله واحد فوحدوه.
3- وبالتحريم والنهي: {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون} (الأنعام: 151). وقوله تعالى: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} (الأعراف: 33).
4- وبالجمع بين البيان والأمر والنهي، قال تعالى: {يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن، فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض، وقلن قولا معروفا، وقرن في بيوتكن، ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى، وأقمن الصلاة، وآتين الزكاة، وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} (الأحزاب: 33) ونساء النبي [ قدوة صالحة للمؤمنات.
5- وبالمدح والإقرار، يقول تعالى عن الأنبياء: {إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين} (الأنبياء: 90)، وكذلك: {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده} (الأنعام: 90).
6- وبالذم والإنكار للترك، كقوله تعالى: {يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد يدعوا لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير} (الحج: 12-13) أي اجتنبوا ذلك كله.
- سادسًا: ومن أفضل الوسائل المشروعة بعد توحيد الله الدعوة إلى الله على بصيرة وعلم، يقول الله تعالى: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين} (يوسف: 108)، وصح عنه [ قوله: «فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا، خير لك من حمر النعم» متفق عليه. فالدعوة إلى الله عمل صالح ووسيلة مشروعة ينفع الله بها المؤمن في حياته وبعد مماته فله مثل أجورهم لا ينقص من أجر من عمل بدعوته شيئا إلى يوم القيامة، ولا يناله من ذنوبهم شيء وما سبق أن قيل في الدعاء يقال في التوسل؛ لأن الدعاء كله وسيلة وتوسل للتقرب إلى الله تعالى والله أعلم.
- سابعًا: نختصر قول الإمام ابن تيمية رحمه الله في قوله تعالى: {وابتغوا إليه الوسيلة}، إذ يقول: لفظ التوسل يُراد به ثلاثة معان:
أحدها: التوسل بطاعته [: {من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا} (النساء: 80)، فهذا فرض لا يتم الإيمان إلا به.
ثانيها: التوسل بدعائه وشفاعته [ وهذا كان في حياته.. ويكون يوم القيامة بشفاعته بعد أن يأذن الله له.
ثالثها: التوسل به بمعنى الإقسام على الله بذاته (أي الرسول) والسؤال بذاته فهذا لم تكن الصحابة يفعلونه في الاستسقاء ونحوه لا في حياته ولا بعد مماته، لاعند قبره ولا غير قبره، ولا يعرف هذا في شيء من الأدعية المشهورة بينهم، قال أبوحنيفة وأصحابه: إنه لا يجوز، ونهوا عنه حيث قالوا: لا يسأل بمخلوق ولا يقول أحد: أسألك بحق أنبيائك، وفي شرح الكرخي باب الكراهة قال: وقد ذكر هذا غير واحد من أصحاب أبي حنيفة. قال بشر بن الوليد: حدثنا أبو يوسف، قال أبو حنيفة: لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به - أي إلا بالله - وأكره أن يقول بحق فلان أو بحق أنبيائك ورسلك وبحق البيت الحرام والمشعر الحرام. قال القدوري: المسألة بخَلْقه لا تجوز، لأنه لا حق لخلق على الخالق فلا تجوز وفاقا. انتهى. {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير} (الحج: 62).

اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 02-10-2023, 11:56 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وقفات فقهية

وقفات فقهية (5)

تعريف الشفاعة


يقول الله عز وجل: {قل لله الشفاعة جميعا له ملك السموات والأرض ثم إليه ترجعون} (الزمر: 44).
أولاً: الشفاعة من الشفع: المقابل للوتر، وهما (الشافع والمشفوع له)، وهي دعاء الشافع للمشفوع له لقضاء حاجته، وقالوا هي: طلب الخير للغير، أو طلب دفع الشر عنه.
ثانياً: الشفاعة نوعان: شفاعة بين البشر بعضهم لبعضهم، وشفاعة بين الخالق وعباده.
1 - فالشفاعة بين البشر حث عليها الإسلام، ففي الصحيحين عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله[ إذا جاءه السائل أو طلبت إليه حاجة، قال: «اشفعوا تؤجروا»، ويقضي الله على لسان نبيه[ ما شاء، وحيث إن المشفوع إليه هنا بشر لا يعلم حقيقة الأمر، فقد قال الله تعالى: {من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن لها كفل منها وكان الله على كل شيء مقيتا} (النساء: 85)، فعلى الشافع تحري الحق والصدق وعدم ظلم الغير وألا تكون في حرام، لتكون شفاعته حسنة.
2 - أما الشفاعة بين الله تعالى وعباده، فهي: الدعاء لله من الشافع للمشفوع له لقضاء حاجته، فعلى الراغب فيها أن يدعو الله: اللهم شفع في عبدك فلانا، فإن كانا أهلا للشفاعة (الشافع والمشفوع له) فحري أن يستجيب الله لهما بفضله، وإلا نجا من الإثم لكونه دعا ربه ولم يدعُ الشافع، وأفضلها أللهم ربنا شفع فينا نبيك محمداً[ وعبادك الصالحين، وإن تشفّع بدعائه الله لنفسه مباشرة فحسن، لقوله تعالى: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم} والله أعلم.
ثالثاً: الشفاعة تنقسم إلى قسمين:
1 - شفاعة غير شرعية، منفية: وهي التي تطلب من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، أو تطلب من ميت أو لمن أو ممن ليس أهلا لها، نفاها القرآن وهي: ما كان فيها شرك أو لمشرك، يقول الله تعالى: {ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاءُ لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون} (الأنعام: 94).
2 - شفاعة شرعية مثبتة، وهي: التي تطلب من الله، وهذه لا تكون إلا لأهل التوحيد.
رابعاً: الشفاعة الشرعية كرامة من الله: إما للشافع، أو للمشفوع له.
وهي لا تطلب من الشافع إلا في حياته.
فالكرامة للشافع: ما ثبت للنبي[ من الشفاعة العظمى، وهي المقام المحمود، وغيرها من الشفاعات، ومنها ما يشاركه فيها غيره من الأنبياء والصالحين ومن شاء الله؛ فالشفاعة العظمى كما في الصحيحين أن النبي[ أخبر: «أنه يأتي فيسجد لربه ويحمده» (لا يبدأ بالشفاعة حتى يأذن الله له) «ثم يقال له: ارفع رأسك، وقل يسمع، وسل تعط، واشفع تشفع» الحديث(1).
وأما الكرامة للمشفوع له فأبرزهم من مات لا يشرك بالله شيئا، ففي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله[: «إن لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي» وزاد أحمد: «فهي نائلة إن شاء الله من مات لا يشرك بالله شيئا»(2)، وقال أبو هريرة للنبي[: «من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه»(3)، فتلك الشفاعة لأهل الإخلاص بإذن الله.
فلا شفاعة لمن أشرك بالله، فلم يقبل الله شفاعة نوح - عليه السلام - لابنه، يقول الله تعالى: {ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين، قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين} (هود: 45 - 46)، فابنه لم يكن أهلا للشفاعة، وكذا شفاعة إبراهيم - عليه السلام - لأبيه: {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم} (التوبة: 114)، وقد نهى الله عن الاستغفار والشفاعة للمشركين بقوله تعالى: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم} (التوبة: 113)، وفي الصحيحين وغيرهما واللفظ للبخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قام رسول الله[ حين أنزل الله عز وجل: {وأنذر عشيرتك الأقربين} (الشعراء: 214) قال: «يا معشر قريش، أو كلمة نحوها، اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئا، يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئا، يا عباس بن عبدالمطلب لا أغني عنك من الله شيئا، ويا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا، ويا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئا» وأنه[ لا يقول إلا حقا: {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير} (الحج: 62).
وللشفاعة شرطان:
1 - إذن الله للشافع أن يشفع.
2 - ورضاه عن المشفوع له.
يقول الله تعالى: {وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى} (النجم: 26)، والله لا يرضى لمشرك، قال الله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} (النساء: 48).
خامساً: الشفاعة لله جميعا: قال الله تعالى: {قل لله الشفاعة جميعا له ملك السموات والأرض ثم إليه ترجعون، وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون} (الزمر: 44 - 45) {اشمأزت قلوبهم} يريدون لأوليائهم الأموات شأنا في الشفاعة.
الهوامش
1 - البخاري تفسير سورة النمل، باب قوله تعالى: {ذرية من حملنا مع نوح}، ومسلم رقم 194.
2 - رواه البخاري، باب لكل نبي دعوة مستجابة ومسلم رقم 199، ورواه الإمام أحمد 2/275، وغيرهم.
3 - رواه البخاري في العلم، باب عظة الإمام رقم 6201.


اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 04-10-2023, 05:13 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وقفات فقهية

وقفات فقهية (6)

- تعريف أخذ العزة بالإثم



يقول الله تعالى: {وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد} (البقرة: 206)، والوقفات هنا هي:
أولا: أخذته العزة بالإثم: أي حمله على الباطل اعتزازه بالباطل، فالتزمهُ، فلم يقبل سواه، فالكبر، وحمية الجاهلية والجهل يحمله على مزيد من الآثام التي يُنهى عنها، معتزا بها: فكان إثمه سببا لأخذ العزة له؛ وغالبا ما يكون أخذ العزة بالإثم من بعد ما يتبين الحق والعلم به.
يقول الله تعالى: {يجادلونك في الحق بعدما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون} (الأنفال: 6). ويكون ذلك تعنصرا لجنس، أو استكبارا وحسدا وهما مرتبطان، أو اتباعا لموروث باطل يقول الشاعر:
أخذتـــــه عــــزة مــــن جهــــله
فتولى مغضبا فعل الضجر
- ثانيا: كثيرا ما يكون أخذ العزة بالإثم كرها لمن أتى بالحق، أو احتقارا له، أو لموطنه، يقول الله تعالى: {وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم، أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون} (الزخرف: 31، 32) ومنه، قول الله تعالى: {قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون} (الشعراء: 111). أو تسفيها لهم {وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم} (الأحقاف: 11).
- ثالثا: وعن العنصرية: يقول الله تعالى: {بل الذين كفروا في عزة وشقاق} (ص:2). تعنصروا لكفرهم وكانت العقابة: {كم أهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا ولات حين مناص} (ص: 3). وفي إبليس {قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين، قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين} (ص: 70 - 76). تعنصر لأصله، والعاقبة: {قال فاخرج منها فإنك رجيم، وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين} (ص: 77 - 78) وقال آل فرعون {أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون} (المؤمنون: 47)، تعنصروا لسيادتهم، والعاقبة: {فكذبوهما فكانوا من المهلكين} (المؤمنون: 48). وقوم نوح {قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون} (الشعراء: 111)، والعاقبة {فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون، ثم أغرقنا بعد الباقين، إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين} (الشعراء 119-121).
- رابعا: أما الاستكبار، فيقول الله تعالى في الكفار: {استكبارا في الأرض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله} (فاطر: 43). وفي استكبار ومكر إبليس، يقول الله تعالى: {فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين} (البقرة: 34). وفي آل فرعون قال: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين} (النمل: 14).
- خامسا: وأما عن الحسد، فيقول الله تعالى: {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما} (النساء: 54). فهم حسدوا الرسل: قال تعالى: {أءلقي الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر} (القمر: 25) وكذا المؤمنين: {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق} (البقرة: 109). والحسد فتنة، يقول الله تعالى: {وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء منّ الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين} (الأنعام: 53).
- سادسا: أما اتباع الموروث الباطل، بادعاء اتباع الآباء، لمحبتهم ولو كانوا على ضلال يقول الله تعالى: {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون} (البقرة: 170) وقول الله تعالى: {وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون، قال أو لو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون، فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين} (الزخرف: 23-25) ظنا منهم أن مشاركتهم لآبائهم أو سادتهم عذاب الله، برا لهم، يقول الله تعالى: {ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون} (الزخرف: 39).
- سابعا: ومن الأخذ بالعزة بالإثم الإصرار على الشرك بالله، والدعوة إليه، وهذا ما عانى منه الأنبياء والرسل والدعاة إلى الله، يقول الله تعالى: {تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار، لا جرم أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة وأن مردنا إلى الله وأن المسرفين هم أصحاب النار، فستدذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد} (غافر: 41-44).
وفي الدر المنثور (1/479): أخرج وكيع وابن المنذر والطبراني والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود ] قال: إن من أكبر الذنب عند الله أن يقول الرجل لأخيه: اتق الله، فيقول: عليك بنفسك، أنت تأمرني؟! وأخرج أحمد في الزهد. أن رجلا قال لعمر ]: اتق الله.. فقال عمر: وما فينا خير إن لم يقل لنا، وما فيهم خير إن لم يقولوها لنا.
فلندع أخذ العزة بالإثم: ومنها تلك الطرق التي أحدثت بعد رسول الله [ وفرقت هذه الأمة والله تعالى يقول: {وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون} (المؤمنون: 52) وفي صحيح مسلم عن النبي [: «فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة» الحديث، فالدين كمل فلا حاجة للزيادة فيه أو النقص منه بابتداع طرق لم ينزل الله بها من سلطان، يقول الله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} (المائدة: 3) فلا نجاة لنا إلا بالاتباع، لقوله تعالى: {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون} (الأعراف: 3) ولا ابتداع ولا عزة بإثم بل: {واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور} (المائدة: 7).
الخلاصة: فبعد معرفة أعظم أسباب الضلال في الدين، لتجنبها وهي كما مر بنا، أمور خمسة:
1- الإعراض عن القرآن وتدبره.
2- عدم العلم بمعنى العبادة.
3- عدم الإحاطة بالمراد بالتوسل.
4- الجهل بحقيقة الشفاعة.
5- الأخذ بالعزة بالإثم من بعد ما تبين الحق..
إلا أن كثيرا من الغلاة (هدى الله الجميع للحق) على إصرارهم، بالرغم مما حبا الله الكثير منهم من ذكاء، وثقافة، فغالبا إذا قيل لهم اتقوا الله أخذتهم العزة بالإثم، فهم يدعون الأموات خوفا وطمعا، رجاء ورغبة، رهبة وتضرعا، يتوسلون ويستعينون ويستغيثون بهم ويطوفون حول أضرحتهم، ويتقربون بالذبح والنذر لهم، وإقامة الموالد، ودفع الأموال لسدنتها، يقول الله تعالى: {ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا مما رزقناهم تالله لتسئلن عما كنتم تفترون} (النحل 56)، ويقول تعالى: {فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون} (الأنفال: 36). يطلبون بها الشفاعة والله تعالى يقول: {ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون} (يونس: 18)، يريدونها زلفى إلى الله، والله تعالى يقول: {والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كذاب كفار} (الزمر: 3).
يطلبون منهم المدد والرزق، والله تعالى يقول: {إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون} (العنكبوت: 17). فإن لم يكن ما يفعلونه عبادة للأولياء فما هي العبادة؟ فليعرفوا لنا العبادة! وإن لم يكن ذلك شركا فما هو الشرك؟ فليعرفوا لنا الشرك؟! فعلى المؤمن حقا الالتزام بما يعاهد الله عليه في كل صلاة: {إياك نعبد وإياك نستعين}، {ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما} (الفتح: 10).


اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 04-10-2023, 05:15 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وقفات فقهية

وقفات فقهية (7)

تعريف التوحيد وأركانه(1)


يقول الله تعالى: {هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين} (غافر: 65).
فأعظم ما أمر الله به التوحيد، وهو توحيد الله وحده بعبادته ودعائه، لا شريك له، قولا وعملا واعتقادا {قل هو الله أحد} ويصمد إليه في جميع أمره {الله الصمد}, فهو {لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد}، ويكون ذلك بما أحبه الله ورضيه، وأمر به، شرعه لرسله.
فالتوحيد هو رأس كل حكمة وملاكها، وأعظم ما نهى الله عنه الشرك، هو أن يتخذ مع الله معبودا أو دعوة غير الله معه، ومن أجل ذلك خلق الله الخلق: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} (الذاريات: 56)، فمن صرف شيئا من العبادة لغير الله فهو مشرك كافر، ولهذا بعث الله الرسل: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} (النحل: 36)، فالشرك ذنب عظيم، لا يغفره الله إلا بالتوبة منه، يقول الله تعالى: {إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما} (الفرقان: 70)، فالتوحيد أمره عظيم، فقد أقام رسول الله[ في مكة ثلاثة عشر عاما من أعوام الرسالة يدعو الناس إلى التوحيد ويعلمهم إياه، وعشرة أعوام في المدينة لتثبيت التوحيد من خلال فرضية بقية الشريعة لعظم مكانة التوحيد.
تنبيه: كثيرا ما يرد في الكتب قولهم أقسام التوحيد، ويبدو لي لو قيل أركان التوحيد، لكان أقرب للمراد؛ لأن الأقسام تختار منها المناسب وتدع الأخرى مثال اختيار الماء الطهور للوضوء من أقسام المياه، أما الأركان فيجب أن تأخذ بها جميعا ليكمل الدين ويتم، مثل أركان الإسلام وأركان الإيمان، كذا أركان التوحيد. والله أعلم.
فأركان التوحيد ثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، وتوحيد الألوهية.
الركن الأول: توحيد الربوبية وهو توحيد الله بأفعاله:
- أولاً: توحيد الربوبية هو الإيمان بأن الله خالق كل شيء: {ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء: فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل} (الأنعام: 102)، وله الأمر: {ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين} (الأعراف: 54)، وله الملك: {ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير} (فاطر: 13)، وهو الرزاق: {يا أيها الناس أذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون} (فاطر: 3).
- ثانياً: توحيد الربوبية فطرة، فطر الله الخلق عليها، أقر ذلك المشركون ولم يعارضوا رسول الله[ فيه، يقول الله تعالى: {ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون} (الزمر: 38).
وفي الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي[: «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه»، الحديث فمن الفطرة الإيمان بالخالق، أما الشرك فهو أمر طارئ.
- ثالثاً: لم ينكر توحيد الربوبية أحد إلا من كابر من المعاندين وأشهرهم فرعون {فقال أنا ربكم الأعلى} (النازعات: 24)، ولم يكن مقتنعا بقوله، فأخبره موسى بقول الله تعالى: {قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبورا} (الإسراء: 102)، وقال الله تعالى عن آل فرعون: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين} (النمل: 14)، وممن أنكر ذلك الدهريون الملاحدة وفي حقيقة الأمر سموا الله بغير اسمه مخالفة لفطرهم، فقالوا بحكمة الطبيعة وأنها تخلق.. إلخ، ويشهد لهذا ما ثبت في صحيح مسلم قال رسول الله[ عن ربه: «وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا»(1)، وكذا يقول كثير من مثقفي الهندوس والبوذية وغيرهم من الوثنيين فيما يعبدون من دون الله بأنهم لا يعتقدون أن تلك المعبودات تخلق أو ترزق بدليل ما ينسب عن نهرو زعيم الهند قوله: لقد بدأنا نستورد آلهتنا من اليابان، وهذا ما يعانيه كثير من الدعاة إلى الله مع المخالفين بقولهم إنهم لا يعتقدون أن الأولياء وأصحاب الأضرحة يخلقون أو يرزقون، فلم يدعونهم؟ وصدق الله: {كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون} (البقرة: 113)، فهم فريقان:
1 - فريق اتبع الآباء عن جهل، وقد سأل أمثالهم نبي الله إبراهيم عليه السلام: {إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون} (الأنبياء: 52)، وكانت صورا للصالحين فأجابوه: {قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين}، فأعلمهم: {قال لقد كنتم أنتم وآباءكم في ضلال مبين}، فاستفسروا منه: {قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين}، فأكد لهم: {قال بل ربكم رب السموات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلك من الشاهدين} (52 - 56).
2 - وفريق زعم جلب المنفعة ومنع الضرر، فالكل جانب الصواب، والكل نسي الله، يقول الله تعالى: {قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون} (الزمر: 38)، والله تعالى يقول: {قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون} (الأنعام: 40 - 41).
- رابعاً: توحيد الربوبية لا يكفي وحده في دين الإسلام إلا بتحقيق معنى لا إله إلا الله نفيا وإثباتا، يقول الله تعالى: {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون، وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون} (الزخرف: 87 - 88)، رغم إقرارهم بأن الله خلقهم لم يقبل منهم بدليل: {وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون} (الزخرف: 88)، لعدم توحيدهم لله، فالإيمان هو ما وافق قوله تعالى: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} (الأنعام: 82)، وفسر رسول الله[ الظلم هنا بالشرك لقوله تعالى: {وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم} (لقمان: 13).
- الركن الثاني: توحيد الأسماء والصفات
- أولاً: توحيد الأسماء والصفات هو توحيد الله بالإيمان بأسمائه وصفاته ودعائه بها، يقول الله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون} (الأعراف: 18).
- ثانياً: تنزيه الله جل وعلا عن أن يشبه صفاته شيء من صفات خلقه، يقول الله تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} (الشورى: 11)، ويقول الله تعالى: {ولم يكن له كفوا أحد}.
- ثالثاً: قطع الطمع في إدراك كيفية صفات الله لقوله تعالى: {ولا يحيطون به علما} (طه: 110).
- رابعاً: وجوب الإيمان بما وصف الله تعالى به نفسه، فلا أحد أعلم بالله من الله، يقول الله تعالى: {قل أأنتم أعلم أم الله} (البقرة: 140)، وكذا بما وصفه به رسول الله[، فلا يصف الله بعد الله أحد أعلم من رسول الله[، يقول الله تعالى: {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} (النجم: 3 - 4).
- خامساً: أنزل الله كتابه: {قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون} (الزمر: 28)، وكتابه: {كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون} (فصلت: 3)، فهذا القرآن أنزله الله (عربيا) و(عربي مبين) و(غير ذي عوج) من أجل {لعلهم يتقون}.


اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 04-10-2023, 05:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وقفات فقهية

وقفات فقهية (7)

– تعريف التوحيد وأركانه(2)



سادسا: النبي [ بلغ ما أوحي إليه من ربه مما فيه صلاح العباد في معادهم ومعاشهم ولم يكتم منه شيئا، يقول الله تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} (النحل: 44). وقد حملت لنا الصحاح والسنن والمسانيد إشهاده [ بتبليغه حتى آخر حياته، ومنها حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كشف رسول الله [ الستر ورأسه معصوب في مرضه الذي مات فيه فقال: «اللهم هل بلغت ثلاث مرات ». الحديث واللفظ لمسلم (برقم: 479) وفيما صح من سنن النبي [.
وما ذهب إليه أئمة السلف الصالح الإعراض عن التأويل وإجراء الظواهر على مواردها وتفويض كيفية الصفات إلى الله سبحانه بعد الإيمان بها.. فهذا أسلم ما يُتعبد الله به، فالأولى الاتباع وترك الابتداع، كما إن إجماع الأمة حجة متبعة وهو مستند للشريعة.. وقد درج أصحاب الرسول [ على ترك التعرض لكيفيتها مع اعتقاد معانيها، وهم صفوة الأمة والمشتغلون بأعباء الشريعة وكانوا لا يألون جهدا في ضبط قواعد الملة والتواصي بحفظها وتعليم الناس ما يحتاجون إليه منها.. فلو كان تأويل هذه الظواهر مسوغاً أو محتوما لكان اهتمامهم بها فوق اهتمامهم بفروع الشريعة.. فإذا انصرم عصر الصحابة رضي الله عنهم، وعصر التابعين على الإضراب عنه، كان ذلك قاطعا بأنه هو الوجه المتبع بحق.. فعلى المسلم إثبات ما أثبته الله تعالى من الصفات لذاته من غير تمثيل، ولا تحريف، ولا تعطيل، ولاتكييف، ولا يخوض في تأويل المشكلات ويكل كيفيتها إلى الله، مع اعتقاد معانيها، والإيمان بها، قال الإمام أبوحنيفة - رحمه الله - في الفقه الأكبر: فما ذكره الله في القرآن من ذكر الوجه واليد والنفس فهو له صفات بلا كيف (نعلمه)، ولا يقال إن يده قدرته أو نعمته لأن فيه إبطال الصفة، وهو قول أهل القدر، والاعتزال ولكن يده صفة بلا كيف، وغضبه ورضاه صفتان من صفات الله تعالى بلا كيف، ومما استُحسن من الإمام مالك بن أنس - رحمه الله - حين سُئل عن قوله تعالى: {الرحمن على العرش استوى} قال: «الاستواء معلوم والكيفية مجهولة والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة» فلتجر آية الاستواء والمجيء وقوله: {لما خلقت بيدي} (ص: 75). وقوله: {ويبقى وجه ربك} الرحمن، وقوله: {تجري بأعيننا} (القمر: 14). وما صح عن الرسول [ كخبر النزول وغيره على ماذكرناه فهذا بيان ما يجب لله تعالى، انتهى. وفي كتاب الإتقان في علوم القرآن: أخرج أبوالقاسم اللالكائي في كتاب السنة من طريق الحسن البصري عن أمه، عن أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: «الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإقرار به إيمان والجحود به كفر».
الخلاصة: وجوب الإيمان بأسماء الرب وصفاته جملة وتفصيلا، لإثباتها بذواتها بلا تبديل ولا تحريف، وإثبات معانيها بلا تأويل، وإثبات مدلولاتها بلا تعطيل، والتفويض لكيفيتها لرب العالمين، وابتغاء التوسل بها للخالق العظيم والله أعلم.
الركن الثالث: توحيد الألوهية (العبادة) وهو توحيد الله بأفعال العباد:
أولا: يتحقق توحيد الألوهية بمعرفة معنى لا إله إلا الله، أي لا معبود بحق إلا الله وحده لا شريك له، والعمل بإفراده بالعبادة لاستحقاقه لذلك، ونفي ما سواه لأنه باطل وغير مستحق للعبادة. وهذا التوحيد هو موضع الصراع بين الحق والباطل، وهو توحيد الفطرة إذا علمت وعقلت أو وقعت في الشدائد، يقول الله تعالى: {فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون} (الروم: 30) فأكثرهم لا يعلمون، فهم لا يدعون الله وحده مخلصين اتباعا للفطرة، إلا في الشدائد ولكنهم في الرخاء يغلب عليهم الجهل وبُعد العقل وعدم السلامة من تأثير الغير. ويقول الله تعالى: {وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون} (يونس: 12).
ثانيا: وحدانية الله واستحقاقه للعبادة حق لا مراء فيه، يقول الله تعالى: {وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم} (البقرة: 63)، ويقول الله تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} (الأنبياء: 25).
ثالثا: ولتأكيد ذلك، يقول تعالى: {ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل} (الأنعام: 102) وقوله تعالى: {ولو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون} (الأنبياء: 22) ويقول الله تعالى: {قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا، سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا} (الإسراء 42-43) وقوله تعالى: {وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون} (المؤمنون: 90-91). فالشرك محبط للعمل، يقول الله تعالى: {ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون} (الأنعام: 88).
رابعا: توحيد الألوهية بعث الله به الرسل، وانزل به الكتب، أن يعبد الله وحده لا شريك له، وهو العمل بمستلزم توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، فشعار الإيمان أن تشهد أن لا إله إلا الله، كما مر بنا حديث وفد عبدالقيس قال: «وهل تدرون ما الإيمان بالله؟ شهادة ألا إله إلا الله..» وهو شعار الإسلام أيضا فحديث جبريل: قال رسول الله [ له: «الإسلام أن تشهد أنه لا إله إلا الله..» والعمل به: {ذلك بأن الله هو الحق وأنما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير} (الحج: 62) وأما مجرد توحيد الربوبية (أي الإيمان بأن الله خالق كل شيء) دون توحيده بالعبادة، فهذا التوحيد كان في المشركين كما قال تعالى: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} (يوسف: 106)، أي ما يوحدون الله بمعرفة حقه، إلا جعلوا معه شريكا من خلقه.
خامسا: وللتذكير بمعنى لا إله إلا الله، يقول الله تعالى: {فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم} (محمد: 19) فالإله: هو الذي يطاع فلا يعصى هيبة وإجلالا، خوفا، ومحبة، رجاء وطمعا، توكلا عليه، وسؤلا منه ودعاء له وحده، لا يُشرك به، وأن ما سواه باطل وغير مستحق للعبادة. ولهذا فكثيرا ما يرد الأمر بعبادة الله مقرونا بنفي عبادة ما سواه. يقول تعالى: {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير} (لقمان: 30). وعلى هذا أجمع الرسل بأمر الله: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} (النحل: 36). ولما قال النبي [ لكفار قريش: قولوا لا إله إلا الله قالوا: {أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب} (ص: 5) ففهموا منها أنها تبطل عبادة الأصنام (والأموات) وتحصر العبادة لله وحده، بخلاف المخالفين، المتأخرين فهم لم يفهموا ذلك أو تجاهلوه، والله تعالى يقول: {فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون كذلك حقت كلمة ربك على الذين فسقوا أنهم لا يؤمنون} (يونس: 33).


اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 04-10-2023, 05:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وقفات فقهية

وقفات فقهية (8)

أركان (لا إله إلا الله) وشروطها



أركان (لا إله إلا الله) وشروطها: فلها ركنان:
أحدهما: النفي والمراد به نفي الأُلوهية عما سوى الله تعالى من سائر المخلوقات. والآخر: الإثبات والمراد به إثبات الإلوهية لله وحده سبحانه فهو إله الحق. وأما: شروط (لا إله إلا الله) فهي سبعة قال في معارج القبول:

وبشروط سبعةٍ قد قُيدت
وفي نصوص الوحيّ حقا وردتْ
فإنه لا ينتفع قائلها
بالنطق إلا حيث يستكملها
بالعلم واليقين والقبول
والانقياد فاعلم ما أقول
والصدق والإخلاص والمحبة
وفقك الله لما يحبه
وتفصيلها كما يلي:
- أولها: العلم بمعناها، قال الله عز وجل: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب} (الزمر: 9)، لا يستون.
- ثانيها: اليقين المنافي للشك قال الله عز وجل: {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا} (الحجرات: 15)، ثم لم يرتابوا.
- ثالثها: القبول لما اقتضته، يقول الله تعالى: {إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون} (الصافات 35-37)، يستكبرون فلم يقبلوها.
- رابعها: الانقياد لما دلت عليه قال الله عز وجل: {ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الأمور} (لقمان: 22) من يسلم وجهه إلى الله (بالانقياد).
- خامسها: الصدق المنافي للكذب، قال الله عز وجل: {ليسأل الصادقين عن صدقهم وأعد للكافرين عذابا أليما} (الأحزاب: 8)، مسؤولون عن صدقهم.
- سادسها: الإخلاص المنافي للشرك، قال تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء} (البينة: 5)، مخلصين له الدين.
- سابعها: المحبة لها (لا إله إلا الله) ولما اقتضته ودلت عليه ولأهلها العاملين بها. وبغض ما ناقض ذلك، قال الله عز وجل: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله} (البقرة: 165). والذين آمنوا أشد حبا لله؛ لأنهم لا يشركون في محبته أحدا. قال الحسن البصري وغيره من السلف: ادعى قوم محبة الله عز وجل فابتلاهم الله بهذه الآية: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم} (آل عمران: 31).
التعريف بالشرك وأقسامه
يقول الله تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا} (النساء: 36).
ويقول تعالى: {قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى آلله خير أما يشركون} (النمل: 59).
ما يقابل التوحيد هو الشرك بالله: والشرك: هو أن يشرك العابد مع الله غيره في عبادته أي يتخذ مع الله معبودا آخر. يدعو، ويعبد ويصرف ما هو حق لله ومن اختصاصه وحده لغيره.
ينقسم الشرك إلى ثلاثة أقسام: الشرك الأكبر، والشرك الأصغر، والشرك الخفي. (انظر فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عدد 471-77)
فالشرك الأكبر هو:
- أولا: أن يُجعل لله ندا في عباداته بأن يدعو أو يضرع إلى غير الله تعالى من شمس أو قمر أو نبي أو ملك أو ولي أو أثر لم يشرع مثلا، بقربة من القرب، كصلاة له أو استغاثة به في شدة أو مكروه أو استعانة به في جلب مصلحة أو دعاء ميت أوغائب لتفريج كربة أو نحو ذلك مماهو من اختصاص الله سبحانه: {يدعوا من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد، يدعوا لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير} (الحج: 12-13). وفي الصحيحين عن ابن مسعود ] قال: سألت النبي [ أي الذنب أعظم عند الله قال: «أن تجعل لله ندا وهو خلقك» قلت إن ذلك لعظيم رواه (البخاري رقم 4207 ومسلم (/86).
- ثانيا: أن يجعل لله ندا في أسمائه أو في صفاته، فيسميه بأسماء الله أو يصفه بصفاته وهو من الإلحاد في أسماء الله، قال الله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون} (الأعراف: 180).
- ثالثا: ومنه الذبح والنحر لغير الله، يقول الله تعالى: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين} (الأنعام: 162-163) ويقول الله تعالى: {فصل لربك وانحر}. وهو شرك أكبر وأكله محرم، يقول الله تعالى: {إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله} (البقرة: 173) يحرم بذكر اسم غير الله عليه، وكذا: {وما ذبح على النصب} (المائدة: 3) من أجل ضريح أو وثن، أو غيره.
- رابعا: والنذر لغير الله شرك أكبر ففي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت قال النبي [: «من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه»، وحديث عمر ]: «سمعت رسول الله [ يقول: «ولا نذر في معصية الرب وفي قطيعة الرحم وفيما لا تملك» رواه أبوداود وغيره.. ومن شروط النذر لله تعالى أن يكون طاعة لله، وأن يكون مما يطيقه العبد، وأن يكون فيما يملك، وألا يكون في موضع كان يُعبد فيه غير الله تعالى، أو ذريعة لشرك. ولا يعتقد الناذر تأثير النذر في حصول مراده. والنذر عموما غير مستحب لقوله [: «لا تنذروا فإن النذر لا يغني من القدر شيئا وإنما يستخرج به من البخيل» والوفاء بنذر الطاعة واجب، يقول الله تعالى: {يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا} (الإنسان: 7).
- خامسا: ومن الشرك من جعل لله ندا في تشريع: بأن يتخذ له مشرعا سوى الله، يرتضي حكمه ويدين به في التحليل والتحريم عبادة وتقربا وقضاء وفصلا في الخصومات أو يستحل ذلك، وللترمذي وغيره في تفسير قوله تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} (التوبة: 31) عن عدي بن حاتم ] أنه قال لرسول الله [: قلت أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم، «قال: أجل، ولكن كانوا إذا أحلوا لهم الحرام استحلوه وإذا حرموا عليهم الحلال حرموه فتلك عبادتهم».
تنبيه وقد يكون منه تسمية (السلطة التشريعية): ولو سميت (السلطة التنظيمية) لكان أقرب للتقوى والصدق في المعنى، يقول الله تعالى: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم} (الشورى: 21)، فالتشريع لله وحده، يقول الله تعالى: {وأن أحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون} (المائدة: 49-50)، بخلاف التنظيم بين العباد إذا فقهوا، يقول الله تعالى: {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا} (النساء: 83) وكذلك الشورى، يقول الله تعالى: {والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون} (الشورى: 38) فكل مستحدث يجب أن يرد للذين يستنبطونه وللشورى بينهم والله أعلم.
الشرك الأصغر:
- أولا: هو كل ما نهى عنه الشرع مما هو ذريعة إلى الشرك الأكبر، وجاء في النصوص تسميته شركا. كالحلف بغير الله فعن عمر ] قال: «فإني سمعت رسول الله [ يقول من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك». وقال ابن مسعود ]: «لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغيره وأنا صادق» رواه ابن أبي حاتم وغيره. فالحلف بغير الله فيه غلو في تعظيم المخلوق وقد ينتهي إلى الشرك الأكبر.
- ثانيا: في قول الله تعالى: {فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون} (البقرة: 22). نقل ابن كثير عن ابن عباس رضي الله عنهما: «الأنداد في الآية هو الشرك أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء. وهو أن تقول: والله وحياتك يا فلان، وحياتي - إلى قوله - وقول الرجل: لولا الله وفلان، لا تجعل فيها فلانا؛ هذا كله به شرك». وعن حذيفة ] عن النبي [ قال: لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا: ما شاء الله ثم شاء فلان» رواه أبوداود بسند صحيح وعنه: أن رجلا قال للنبي [ ما شاء الله وشئت فقال له النبي [: «أجعلتني والله عدلا (أي: ندا)؟ بل ما شاء الله وحده». وذلك سدا لذريعة الشرك الأكبر وقال رسول الله [ قال «إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر قالوا وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال الرياء».
الشرك الخفي:
- أولا: عن أبي سعيد ] مرفوعا قال: «الشرك الخفي يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته، لما يرى من نظر رجل» أي الرياء اليسير كإطالة الصلاة ليراه الناس، أو ر فع الصوت في القرآن ليسمعه الناس. ولمسلم عن أبي هريرة ] عن النبي [: قال: «قال الله تبارك وتعالى أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه.
- ثانيا: يقول الله تعالى: {من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموا مدحورا} (الإسراء: 18). وفي البخاري وغيره، عن أبي هريرة ] قال: قال رسول الله [: «طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث رأسه، مغبرة قدماه إن كان في الحراسة كان في الحراسة وإن كان في الساقة كان في الساقة إن استأذن لم يؤذن له وإن شفع لم يشفع» أي لا يرائي بعمله.
- ثالثا: وللوقاية من الشرك الخفي الذي لا يكاد أحد يسلم منه إلا من عصمه الله تعالى، قال أبوموسى الأشعري ]: «خطبنا رسول الله [ ذات يوم فقال: «أيها الناس اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل» فقال له من شاء الله أن يقول وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله، قال: «قولوا اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئا نعلمه ونستغفرك لما لا نعلم».
- رابعا: قسم بعض العلماء الشرك إلى أقسام أخرى: شرك في أركان التوحيد، شرك اعتقادي، وشرك عملي، شرك قولي، وشرك المحبة وشرك الخوف والخشية، وشرك القصد والإرادة، وشرك الطاعة. إلخ واستدلوا لذلك بأدلة من الكتاب والسنة، وجميع تلك الأقسام صحيحة ولكن لا تخرج عن الأقسام الثلاثة السابقة أي الشرك الأكبر المخرج من الملة، والشرك الأصغر الخفي المحبط للعمل المقترن بهما، أعاذ الله الجميع.
وللبيان: يقول الله تعالى: {قل يأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون} (آل عمران: 64). والمقصود هنا بأهل الكتاب اليهود والنصارى لانتحرافهم عن الحق وشركهم بالله، فاليهود اتخذوا العجل إلها من دون الله، يقول الله تعالى: {وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين} (البقرة: 93). والنصارى {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} (التوبة: 31) لذا أمرنا الله بأن نقول لهم: {تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا، ومن المؤلم أن بعضا من المسلمين سلك سلوك أهل الكتاب بكثرة المذاهب المختلفة، وانتشار الطرق المبتدعة، والغلو في الأموات، فمنهم من غلا في أهل البيت رضي الله عنهم أجمعين، ومنهم من غلا في الأولياء وسدنة الطرق، ففي البخاري (رقم 3456) قوله [: «لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه، قلنا يا رسول الله اليهود والنصاري قال فمن؟» وهذا للإخبار والتحذير. فالمسلمون أيضا أهل كتاب فلا بد من أن يقول بعضنا لبعض: {تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله} ومن يتولى: {فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون} (آل عمران: 64). ومن عجائب الأمور: أن يظن بعض الناس أنه أكبر من أن يحذر من الشرك، بينما الله سبحانه حذر منه أنبياءه، يقول الله تعالى: {ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين} (الزمر: 65). ويأمر الله تعالي نبيه: {وأن أقم وجهك للدين حنيفا ولا تكونن من المشركين، ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين} (يونس: 105-106).

اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 11-10-2023, 09:45 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وقفات فقهية

وقفات فقهية (9)

خلاصة الشرك ونتائجه



يقول الله تعالى: {فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون} (يونس: 32).
- أولاً: يقول الله تعالى: {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلي الكبير} (لقمان: 30)، فلا مستند لمن يدعو غير الله، يقول الله تعالى: {قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السموات ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين} (الأحقاف: 4)، ويقول الله تعالى: {أم أنزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون} (الروم: 35).
- ثانيا: حقيقة ما يدعون من دون الله، قول الله تعالى: {إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا، لعنه الله وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا} (النساء: 118 - 119)، وقول الله تعالى: {يأيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب} (الحج: 73)، فما قول دعاة الأولياء في قوله تعالى: {قل من رب السموات والأرض قل الله قل أفاتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار} (الرعد: 16).
- ثالثا: عدم استجابة من يدعونهم من دون الله، يقول الله تعالى: {إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين} (الأعراف: 194). وفي المقابل يقول الله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون} (الأعراف: 180). ولم يرد في الكتاب والسنة أن لله عبادا صالحين (أولياء) فادعوهم، بل أوصى الله عباده بقوله: {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون} (الأنعام: 153).
- رابعا: قد يتحقق لبعض المخالفين شيء من الوهم فيما يريدونه، وقد مر بكثير من الناس شيء من ذلك، بسبب الخوف أو الرجاء أو الجهل، أو إيهام الغير لهم، أو وسوسة الشياطين، يقول الله تعالى: {قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا قل إن هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم لرب العالمين} (الأنعام: 71).
فمنها: ما يفعله شياطين الإنس، من سدنة الأضرحة، وأصحاب الهوى وأتباعهم، أكبر من ذلك، باختلاقهم قصص الكذب وترويجهم لها والتمثيل، بأن يأتي المعافى صحيح البدن محمولا لذلك الضريح ثم يقوم نشطا بدعوى أن الولي هو الذي شفاه. والله يقول: {ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح الظالمون} (الأنعام: 21) {وإذا مرضت فهو يشفين}.
ومنها: أن يكون الأمر امتحانا من الله وابتلاء، يقول الله تعالى: {الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين} (العنكبوت: 1-3).
- خامسا: هنا فروق بين المستقدمين من المشركين والمتسأخرين منهم منها:
1- علم المستقدمون بمعنى العبادة فأقروا بشركهم وبرروه، يقول الله تعالى: {والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار} (الزمر: 3)، وجهل المستأخرون معنى العبادة فأنكروا شركهم وبرروا عملهم يقول الله تعالى: {ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون} (يونس: 18).
2- جهل المستقدمون قبور الأولياء فأقاموا لهم الأصنام في كل مكان، وعلم المستأخرون بقبور الأولياء فأقاموا لهم الأضرحة في المساجد وبالقرب منها وبالغوا في ذلك فجعلوا لبعض الأولياء أكثر من ضريح كما هو مشاهد في العراق والشام ومصر.
3- وفي قول الله تعالى: {فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون} (العنكبوت: 65) يقول شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله: إن مشركي زماننا أغلظ شركا من الأولين، لأن الأولين يشركون في الرخاء ويخلصون في الشدة، ومشركو زماننا شركهم دائم؛ في الرخاء والشدة.
النتيجة: سيقسم المشركون أنهم كانوا لفي ضلال مبين، يقول الله تعالى: {قالوا وهم فيها يختصمون تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين وما أضلنا إلا المجرمون فما لنا من شافعين ولا صديق حميم فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم} (الشعراء: 96-104).
تعريف الكفر
يقول الله تعالى: {إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم} (محمد: 34).
- أولا: الكفر ضد الإيمان. وفي التفاسير الكفر مأخوذ من الكفر وهو الستر والتغطية، تقول: كفرت الشيء إذا غطيته ومنه سمي الزارع كافرا؛ لأنه يستر الحب بالتراب، ويسمى الكافر كافرا؛ لأنه يستر نعم الله تعالى وحقوقه بكفره ويصير في غطاء من دلائل الإسلام وبراهينه، وما دام الكفر سترا، فالكفر أمر طارئ، وهو عدم القيام بشرائع الإسلام، ومخالفة الدين كله أو بعضه، وهو أنواع:
1- عدم الدخول في دين الله ظاهرا وباطنا ابتداء، وهو الكفر الأصلي.
2- الخروج من الدين كله ظاهرا وباطنا، وهو الردة.
3- الخروج من الدين كله باطنا فقط، وهو النفاق.
4- مخالفة الدين في بعض أصوله، وهو المعصية وقد تصل بصاحبها إلى الكفر.
5- الزيادة في الدين وهو البدعة، وقد تصل بصاحبها إلى الكفر.
والكفر نوعان كفر أكبر مخرج من الملة، وكفر أصغر لا يخرج من الملة:
- أولا: الكفر الأكبر المخرج من الملة ينقسم لعدة أقسام:
1- كفر الكذب على الله أو التكذيب، يقول الله تعالى: {ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه أليس في جنهم مثوى للكافرين} (العنكبوت: 68).
2- كفر الشرك في عبادة الله تعالى: {إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار} (المائدة: 72) أو يجعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم أو يسألهم الشفاعة قال الله تعالى: {أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون} (الزمر: 43).
3- كفر الإباء والاستكبار ولو مع التصديق، يقول الله تعالى: {فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين} (البقرة: 34).
4- كفر الشك، يقول الله تعالى: {ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وما أظن الساعة} (فصلت: 50).
5- كفر الإعراض لقوله تعالى: {ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا} (الكهف: 57).
6- كفر الاستهزاء، بشيء من ثواب الله أو عقابه أو رسوله [ أو دينه لقوله تعالى: {قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون، لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم} (التوبة: 66) أو اعتقد أن غير هدى النبي [ أكمل من هديه {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم}.
7- كفر من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم، أو ظاهرهم بموالاتهم ومعاونتهم على المسلمين، يقول تعالى: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين} (المائدة: 51).
- ثانيا: الكفر الأصغر غير المخرج من الملة وهو الكفر العملي وهو كل ذنب ورد في الكتاب والسنة تسميته كفرا وهو لا يصل إلى حد الكفر الأكبر، قال عنه العلماء: بأن المراد به كفر دون كفر وليس المخرج من ملة الإسلام، واحتجوا لهذا بأحاديث كثيرة يصرح فيها النبي [ بالكفر وليس مراده الخروج من ملة الإسلام، روى ابن أبي حاتم والحاكم، عن ابن عباس أنه قال: ليس الكفر الذي تذهبون إليه. وقال المجد في المنتقى: وقد حملوا أحاديث التكفير على كفر النعمة.. فمثل قوله [: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» متفق عليه، ومع ذلك سمى المتقاتلة إخوة: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما} إلى قوله تعالى: {إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم} (الحجرات: 10). وعن أبي ذر أنه سمع رسول الله [ يقول: «ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر..» متفق عليه.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله [: «اثنتان في الناس هما بهم كفر، الطعن في النسب والنياحة على الميت» رواه أحمد ومسلم.. فتبين أن مراده غير الكفر المخرج عن ملة الإسلام، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وبهذا تبين أن الشارع ينفي اسم الإيمان عن الشخص؛ لانتفاء كماله الواجب وإن كان معه بعض أجزائه كما في الصحيح «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم وهو مؤمن» ومنه قوله: «من غشنا فليس منا ومن حمل علينا السلاح فليس منا» انتهى. وأمثاله في السنة كثير، ومع ذلك فعلينا الحذر فقد ينتهي الكفر الأصغر بصاحبه إلى الكفر الأكبر، يقول الله تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} (النور: 63).
- ثالثا: الفرق بين الكفر الأكبر والكفر الأصغر يتلخص فيما يلي:
1- الكفر الأكبر مخرج من الملة ومحبط للأعمال، ويخلد صاحبه في النار، ويوجب العداوة الخالصة لصاحبه، وعدم موالاته ومحبته ولو كان أقرب قريب.
2- بخلاف الكفر الأصغر في تلك الأمور، وإنما يبغض بما فيه من المعاصي.
- ختاما: وللخلاص من الكفر كله، يقول الله تعالى: {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين} (الأنفال: 38).


اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 11-10-2023, 09:46 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وقفات فقهية

وقفات فقهية (10)

تعـريف النفــاق



يقول الله تعالى: {إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا} (النساء: 140). النفاق مأخوذ من نفق اليربوع فإذا دخله وطُلب منه خرج من نفق آخر. والنفق هو السرب يتستر به صاحبه بإظهار الإسلام والخير، وإبطان الكفر والشر؛ فصاحبه يدخل الإسلام من نفق، ويخرج من نفق آخر، والنفاق نوعان: نفاق أكبر مخرج من الملة ونفاق أصغر لا يخرج من الملة:
- أولا: النفاق الأكبر: هو النفاق الاعتقادي المخرج من الملة وهو الذي يظهر صاحبه الإسلام ويبطن الكفر، قال ابن القيم: وصفهم الله بصفات الشر كلها من الكفر وعدم الإيمان، والشرك وعدم التوحيد والاستهزاء بالدين وأهله والسخرية منهم، والميل إلى أعدائهم، وهم موجودون في كل زمان ولا سيما عند قوة المسلمين للكيد لهم سرا ليأمنوا على أنفسهم، انتهى. يقول الله تعالى: {ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون} (المنافقون: 2-4)، وللنفاق الأكبر عدة علامات منها:
1- بغض الرسول [، أو بغض ما جاء به، أو بغض بعضه.
2- تكذيب الرسول [، أو تكذيب ما جاء به، أو تكذيب بعضه.
3- السرور بانخفاض دين الإسلام وأهله. أو الكراهية لانتصار دين الإسلام وأهله. وقد جعلهم الله شرا من الكافرين، يقول الله تعالى: {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا} (النساء: 145) لخداعهم، يقول الله تعالى: {يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون} (البقرة: 9) بإظهارهم الإسلام، سعيا للقضاء على دين الله.
- ثانيا: النفاق الأصغر: هو النفاق العملي، وهو كل ذنب ورد في الكتاب والسنة تسميته نفاقا وهو لا يصل إلى حد النفاق الأكبر قال عنه العلماء: إنه نفاق دون نفاق، وليس المراد النفاق المخرج عن الملة، فعن عبدالله ابن عمرو أن النبي [ قال: «أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا ائتمن خان، وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر»، واستنبط من هذه العلامات صفة المنافق فبقوله: إذا حدث كذب نبه على فساد القول. وبقوله: إذا اؤتمن خان نبه على فساد العمل. وبقوله: وإذا عاهد غدر نبه على فساد النية. وبقوله: وإذا خاصم فجر نبه على فساد المعاملة وسوء الخلق. فخلف الوعد لا يقدح إلا إذا عزم عليه مقترنا بوعده، أما إذا كان عازما على الوفاء ثم عرض له مانع فهذا لم توجد فيه صفة النفاق ويشهد لذلك ما رواه الطبراني بإسناد لا بأس به في حديث طويل قوله: «إذا وعد وهو يحدث نفسه أنه يخلف». فلم يكن المنافقون نوعا واحدا، بل فيهم المنافق المحض وفيهم من فيه إيمان ونفاق وفيهم من إيمانه غالب وفيه شعبة من النفاق، وتكثر ذنوبهم وتقل بحسب ظهور الإيمان قوة وضعفا.
- ثالثا: الفرق بين النفاق الأكبر والنفاق الأصغر يتلخص فيما يلي:
1- النفاق الأكبر مخرج من الملة ومحبط للأعمال، يخلد صاحبه في النار. بخلاف النفاق الأصغر إلا أنه ينقص الأعمال بحسب المعصية ويعرض صاحبه للوعيد.
2- النفاق الأكبر اختلاف السر والعلانية في الاعتقاد والعمل، أما النفاق الأصغر فهو اختلاف السر والعلانية، فقط في الأعمال.
3- النفاق الأكبر، لا يكون من مؤمن، أما النفاق الأصغر قد يكون من مؤمن.
4- النفاق الأكبر يُوجب العداوة من المؤمنين لصاحبه وعدم موالاته ومحبته إذا عُلم صاحبه، بخلاف النفاق الأصغر يكتفي بالهجر بمقدار المعصية بغرض الإصلاح.
5- النفاق الأكبر قلما يتوب صاحبه في الغالب، بخلاف النفاق الأصغر فإن صاحبه قد يتوب فيتوب الله عليه.
وللخلاص من شر النفاق كله التوبة منه، يقول الله تعالى: {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا، إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما} (النساء: 145-146) وفي الدعاء للطبراني (1/410) عن أبي هريرة كان رسول الله [ يدعو يقول: «اللهم إني أعوذ بك من النفاق والشقاق ومن سيئ الأخلاق»، والله أعلم.
تعريف البدعة
يقول الله تعالى: {وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون} (الحديد: 27).
- أولا: تعريف البدعة: مأخوذ من البدع
وهو الاختراع على غير مثال سابق، ومنه، قول الله تعالى: {بديع السموات والأرض} (البقرة: 117). وشرعا: قال في القاموس المحيط (1/906) البدعة بالكسر الحدث في الدين بعد الإكمال، أو ما استحدث بعد النبي [ من الأهواء والأعمال، وفي الاستقامة (1/5): البدعة هي الدين الذي لم يأمر الله به ورسوله فمن دان دينا لم يأمر الله ورسوله به فهو مبتدع بذلك، وهذا معنى قوله تعالى: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} (الشورى: 21) وفي عون المعبود (12/243): هي الفعلة المخالفة للسنة انتهى.
- ثانيا: البدعة قسمان: قسم مباح، وقسم محرم.
1- فالقسم المباح هو: ما لم يكن في الدين، وهو كل المخترعات الحديثة واستعمالها دون ترف وإسراف، لأن الأصل في العادات الإباحة، ما لم تخالف شرعا، بل مأمور بالكثير مما فيه القوة للمسلمين، يقول الله تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون} (الأنفال: 60) وهذا أمر من الله، أي اصنعوا وابتدعوا ما استطعتم من قوة وسلاح، للاستغناء وعدم الركون أو الحاجة للأعداء الذين جبلوا على عدواتكم، وكذا الأمر مباح في الزينة ومتاع الحياة الدنيا المباحة، دون إسراف، يقول الله تعالى: {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفص الآيات لقوم يعلمون} (الأعراف: 32) وكذا فيما استجد من أمور الحياة مما لا يخالف شرع الله، يقول الله تعالى: {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا} (النساء: 83). للتمييز بين الحلال والحرام، وللخروج منه بأحسن حال ففي سنن ابن ماجه «الحكمة ضالة المؤمن حيثما وجدها فهو أحق بها».
2- القسم المحرم من البدعة: وهو الابتداع في الدين، وهي عدة أنواع، منها:
أ- بدع قولية اعتقادية: كمقالات المخالفين من سائر الفرق الضالة واعتقاداتهم.
ب- بدع العبادات: التي لم يشرعها الله وأمثالها:
1- إحداث عبادة كصلاة وصيام أو زيارة دينية أو أعياد تعبدية غير مشروعة أصلا، أو زيادة في عبادة كركعة في صلاة.
2- أو في صفة أداء العبادة بما لم يشرع كأداء الأذكار المشروعة بأصوات جماعية مطربة، مع الرقص، التشديد على النفس في العبادة إلى حد الخروج عن السنة.
3- تخصيص وقت لعبادة مشروعة لم يخصصه الشرع، كإفراد النصف من شعبان بقيام ليلته وصيام نهاره، وإقامة الموالد والاحتفال بالإسراء وغيره فالقيام والصيام والعيد مشروع ولكن البدعة في تخصيص الأوقات.
- ثالثا: ورد في القرآن كلمة {ورهبانية ابتدعوها}، وفي الأثر كلمة (نعمت البدعة) قول لعمر ] ولعل فهمها البعض بغير المقصود منهما:
فأما ما جاء في الكتاب، قول الله تعالى: {وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم} (الحديد: 27). فعن ابن مسعود ] قال: قال لي رسول الله [ «يا ابن مسعود» قلت لبيك يا رسول الله قال «هل علمت أن بني إسرائيل افترقوا على اثنتين وسبعين فرقة؟ لم ينج منها إلا ثلاث فرق قامت بين الملوك والجبابرة بعد عيسى ابن مريم \ فدعت إلى دين الله ودين عيسى ابن مريم فقاتلت الجبابرة فقتلت فصبرت ونجت، ثم قامت طائفة أخرى لم تكن لها قوة بالقتال فقامت بين الملوك والجبابرة فدعوا إلى دين الله ودين عيسى ابن مريم فقتلت وقطعت بالمناشير وحرقت بالنيران فصبرت ونجت، ثم قامت طائفة أخرى لم يكن لها قوة بالقتال ولم تطق القيام بالقسط فلحقت بالجبال فتعبدت وترهبت وهم الذين ذكر الله تعالى {ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم}، انتهى الحديث، فقوله تعالى: {ابتدعوها} أي ما فرضناها عليهم رأسا ولكنهم ابتدعوها حينما عجزوا ولم يكن لهم قوة بالقتال فلحقت بالجبال فتعبدت وترهبت، فحكمها حكم النذر ابتغاء رضوان الله فذمهم حينئذ بقوله تعالى: {فما رعوها حق رعايتها}.
1- من حيث أن النذر عهد مع الله لا يحل نكثه لا سيما إذا قصد به مرضاته تعالى.
2- وكونهم ابتدعوا هذه الرهبانية فما رعوها حق رعايتها بل ضموا إليها التثليث والاتحاد.
3- وقيل هذا ذم لهم من وجهين:
- أحدهما: الابتداع في الدين بما لم يأمر به الله، ولو كانا نذرا فالرهبانية طبع فظيع يطبع الله على قلوب الذين لا يطلبون العلم ولا يتحرون الحق بل يصرون على خرافات اعتقدوها وترهات ابتدعوها منها مخالفة التوحيد فشاع الشرك، وخالفوا الغرائز، فشاع الشذوذ، فالجهل المركب يمنع إدراك الحق ويوجب تكذيب المحق.
- والآخر: في عدم قيامهم بما التزموا به مما زعموا أنه قربة تقربهم إلى الله عز وجل على ما يُرضي الله. فختام الآية {فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون} (الحديد: 27) فالأجر لمن التزم بشرع الله، أما غيرهم فقال الله عنهم: {وكثير منهم فاسقون}.
وأما ما جاء في الأثر: كان عمر ] يقول في جمعه الناس على جماعة واحدة (قيام الليل لرمضان) نعمت البدعة هي، وإنما سماها بدعة باعتبار صورتها فإن هذا الاجتماع محدث بعده [ وأما باعتبار الحقيقة فليست بدعة لأن النبي [ صلى بهم في البداية وإنما أمرهم بصلاتها في بيوتهم خشية أن تفرض عليهم وقد زال ذلك بموته [ ولم يأمر بها أبوبكر ولا عمر في أوائل خلافته - رضي الله عنهما - لانشغالهما، ومن ثم قال النووي: الصحيح باتفاق أصحابنا أن الجماعة فيها (قيام الليل) أفضل، بل ادعى بعضهم الإجماع فيه أي إجماع الصحابة على ما قاله بعض الأئمة، انتهى. أي كما ذُكر في صحيح مسلم: البدعة على قسمين تارة تكون بدعة في الشريعة كقوله «فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة» وتارة تكون بدعة لغوية كقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ] عن جمعه إياهم على صلاة التراويح واستمرارهم: نعمت البدعة هذه والله أعلم.
رابعا: حكم البدعة: في الدين محرمة ففي الصحيحين: «الخديعة في النار ومن عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» ولمسلم «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد». وفي الكتاب العزيز: {ليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} (النور: 63). وله شاهد في الصحيح «ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من اتبعه إلى يوم القيامة لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا» رواه مسلم.
- خامسا: غالبا ما يدعي المبتدع محبة الله في بدعته، والله تعالى يقول: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم, قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين} (آل عمران: 31-32).


اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 183.28 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 177.39 كيلو بايت... تم توفير 5.89 كيلو بايت...بمعدل (3.21%)]