زاد العقول شرح سلم الوصول - الصفحة 3 - ملتقى الشفاء الإسلامي
 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 858592 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 393033 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12535 - عددالزوار : 215522 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 53 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          اضطراباتي النفسية دمرتني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          زوجي مصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #21  
قديم 09-02-2020, 03:29 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: زاد العقول شرح سلم الوصول

زاد العقول شرح سلم الوصول (4/ 17)
أبي أسامة الأثري جمال بن نصر عبدالسلام




(4/ 17)





مبحث الأمر
26- حَقِيقَةُ الْأَمْرِ اقْتِضَاءُ الْفِعْلِ
مِمَّنْ يَكُونُ دُونَهُ بِالْقَوْلِ


معاني المفردات:
حقيقة: الحقيقة هي الشيء الثابت المتيقَّن.
اقتِضاء: طلب.
دونه: تحته.

الشرح الإجمالي:
عرَّف الناظم الأمرَ بأنَّه: طلَب الفِعل بالقَوْل ممَّن دُونَه على سبيل الوُجوب.

المباحث التي يشتَمِل عليها البيت:
المبحث الأوَّل: تعريف الأمر:
عرَّف الناظم الأمرَ بأنَّه طلَب الفعل بالقول من الأعلى للأدنى على سبيل الوجوب.
فوافَق تعريف صاحب الأصل.
قلت: قد وقَع اختِلافٌ في تعريف الأمر عند الأصوليِّين في جزئيَّة الآمِر به.
ذهَب الرازي، والآمدي، والباجي، وابن الحاجب، والشنقيطي إلى اشتِراط الاستِعلاء فيه.
وذهَب المعتزلة، وأبو إسحاق الشيرازي، وابن الصباغ، والسمعاني، إلى أنَّ شرطه العلو فقط.
وذهَب القشيري، والقاضي عبدالوهَّاب أنَّه يُشتَرَط فيه العلوُّ والاستعلاء معًا.
والاستِعلاء: كونُ الأمر على سبيل الغِلظَة.
والعلوُّ: شرَف الآمِر، وعلوُّ مَنزِلته في نفس الأمر.
وقيل: لا يُشتَرط فيه علوٌّ ولا استِعلاء، وهذا مَذهَب المتكلِّمين، واختارَه غيرُ واحدٍ من مُتأخِّري الأصوليِّين.
قلتُ: والصواب أنْ يُشتَرط فيه الاستِعلاء.

تتمَّات البحث:
التتمَّة الأولى:
طلَب الفعل إنْ كان من الأدنى للأعلى يُسمَّى دعاء.
وإنْ كان من النِّدِّ لمثلِه يُسمَّى الْتِماسًا.
وإنْ كان من الأعلى للأدنى يُسمَّى أمرًا.

قال الأخضري:
أَمْرٌ مَعَ اسْتِعْلاَ وَعَكْسُهُ دُعَا
وَفِي التَّسَاوِي فَالْتِمَاسٌ وَقَعَا



التتمَّة الثانية:
في اشتِراط القول في الأمر:
قال العلاَّمة: محمد بن صالح العُثَيمين - رحمه الله - في "شرح نظم الورقات" ص 64: "(بالقول) خرَج به الإشارةُ والكتابةُ، فلو أشرت إلى الشخص؛ يعنى: "اجلس" كما فعَل النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - حين صلَّى قاعدًا فصلَّوا قيامًا خلفه، فأشار إليهم أن اجلِسُوا، هذا ليس أمرًا؛ لأنَّه ليس بقول.

وكذلك الكتابة؛ كتبت إلى رجلٍ آمُره أنْ يذهب إلى مكانٍ ما، خاصَّة إذا كان عندي جماعةٌ لا أحبُّ أنْ يسمعوا كلامي "فكتبت" إليه: اذهب إلى كذا وكذا.
هذا لا يُسمَّى أمرًا؛ لأنَّه استدعاء فعلٍ بالكتابة، وليس بالقول.
وفي هذا نظر؛ في مسألة الكتابة نظر؛ وذلك لأنَّ الكتابة لا تحتَمِل سِوَى المكتوب بخلاف الإشارة.
ويدلُّ لهذا أنَّ التوراة نزَلتْ مكتوبةً: ï´؟ وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ï´¾ [الأعراف: 145]، وكتَب الله - عزَّ وجلَّ - التوراةَ بيَدِه، فهل نقول: إنَّ الأوامر في التوراة ليسَتْ أمرًا؟ لا، لا نقول: إنها ليست أمرًا، بل نقول: هي أمر، فما كان بالكتابة فهو أمر"؛ ا.هـ.

قال الناظم:
27- وَيَقْتَضِي الْوُجُوبَ حَيْثُ أُطْلِقَا
لاَ الْفَوْرَ وَالتَّكْرَارَ فِيمَا حُقِّقَا

28- إِلاَّ لِصَارِفٍ وَلِلْإِبَاحَهْ
وَغَيْرِهَا لَقَدْ أَتَى صَرَاحَهْ



معاني المفردات:
الوجوب: الإلزام.
حققا: أُحكما.
لصارف: دليل قاضٍ بعدم الوجوب.

المباحث التي تشتَمِل عليها الأبيات:
1- أنَّ الأمر لا يقتَضِي الفوريَّة.
2- أنَّ الأمر لا يقتَضِي التكرار إلاَّ إذا دَلَّ على ذلك دليلٌ.

المبحث الأول: الأمر لا يقتَضِي الفوريَّة:
قلت: وهذا فيه تفصيل:
فالأمرُ لا يكون إلاَّ لتحصيل خير.
قال - تعالى -: ï´؟ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ï´¾ [البقرة: 148].
وقال - تعالى -: ï´؟ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ï´¾ [آل عمران: 133].
ومع أنَّ إثم التَّرك لا يقَع إلاَّ بخروج الوقت، إلاَّ أنَّ الثَّواب يزيد في أوَّل الوقت وينقص في آخره.

المبحث الثاني: الأمر لا يقتضي التكرار إلا إذا دل على ذلك دليل:
يعنى: ما دلَّ الدليل على قصْد التكرار كلَّما حلَّت العلامة الوضعيَّة الخاصَّة به؛ كما هو الحال في الصَّلوات الخمس، وصوم رمضان، والزكاة.

وقد اختَلَف أهل الأصول في ذلك على أربعة أقوال:
1- أنَّه لا يقتَضِي التكرار.
2- أنَّه يقتضيه.
3- إنْ عُلِّق على شرطٍ اقتَضاه، وإلاَّ فلا.
4- إنْ كُرِّر لفظ الصِّيغة اقتَضَى التكرار، وإلاَّ فلا.

قلت: والصواب أنَّ الأمر لا يفيد التكرار إلاَّ إذا عُلِّق بشرط.
كما في قول الله - تعالى -: ï´؟ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ï´¾ [البقرة: 185].
وكقول القائل: كلَّما جاءَك زيد فأعطِه درهمًا.

قال الناظم:
29- فَالْأَمْرُ لِلْمَشْرُوطِ لِلشَّرْطِ اقْتَضَى
كَالطُّهْرِ وَالصَّلاَةِ فَادْرِ الِاقْتِضَا



معاني المفردات:
اقتضى: لزم.
فادرِ: فاعلم.

المعنى الإجمالي:
قال الناظم: والأمر بإيجاد الفعل أمرٌ به وبما به يتمُّ؛ كالأمر بالصلاة فإنَّه أمرٌ بالطهارة المُشتَرَطة لها.




يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #22  
قديم 09-02-2020, 03:35 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: زاد العقول شرح سلم الوصول

زاد العقول شرح سلم الوصول (4/ 17)
أبي أسامة الأثري جمال بن نصر عبدالسلام



المباحث التي يشتمل عليها البيت:
المبحث الأول: الوسائل لها أحكام المقاصد:
قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي - رحمه الله - في "المنظومة في القواعد الفقهية":
وَسَائِلُ الأُمُورِ كَالمَقَاصِدِ
وَاحْكُمْ بِهَذَا الْحُكْمِ لِلزَّوَائِدِ



ومثالها: الطهر للصلاة:
عن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه قال: ((لا تُقبَل صلاةٌ بغَيْر طهور، ولا صدَقةٌ من غلول))؛ أخرجه مسلم[1].

تتمَّات البحث:
التتمَّة الأولى:
فاتَ الناظم أنْ يَذكُر صِيَغ الأمر؛ حيث ذكَرَها المصنِّف - رحمه الله - في أصله، فقال في "الورقات" ص 10: "وصيغته: افعل، وهي عند الإطلاق والتجرُّد عن القرينة تحمل عليه، إلاَّ ما دلَّ الدليل على أنَّ المراد الندب أو الإباحة"؛ ا.هـ.
قلت: وللأمر صِيَغٌ كثيرةٌ أغفَلَها الجُوَيني - رحمه الله - واكتَفَى منها بذِكر الصِّيغة الأصليَّة فقط.
لذا قال العلاَّمة محمد بن صالح العُثَيمين في "شرح نظم الورقات" ص 65: "فقول المؤلف - رحمه الله -: "بصيغة افعَلْ" ليس قيدًا ولا شرطًا، بل هو بيانٌ للأكثر والأغلب أنْ يكون بصيغة (افعل)"؛ ا.هـ.

وصِيَغُ الأمر كثيرةٌ؛ منها:
فعل الأمر؛ قال - تعالى -: ï´؟ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ï´¾ [طه: 14].
اسم فعل الأمر؛ كما في قول المؤذِّن: حيَّ على الصَّلاة.
المصدر النائب عن فعل الأمر؛ قال - تعالى -: ï´؟ فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ ï´¾ [محمد: 4].
الفعل المضارع المقترن بلام الأمر؛ قال - تعالى -: ï´؟ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ï´¾ [البقرة: 185].
فهذه الأربع الصِّيَغُ صَرِيحة في الأمر، وقد يُستَفاد طلبُ الفعل من صِيَغ غير صِيَغ الأمر الصَّريحة.
قال العلاَّمة محمد بن صالح العُثَيمين في "الأصول من علم الأصول" ص 29: "وقد يُستَفاد طلبُ الفِعل من غير صِيغة الأمر؛ مثل: أنْ يُوصَف بأنَّه: فرض، أو واجب، أو مندوب، أو طاعة، أو يُمدَح فاعله، أو يُذَم تاركه، أو يترتَّب على فعله ثَواب، أو على تَركِه عقاب"؛ ا.هـ.

التتمَّة الثانية:
الأمر المجرَّد يقتضي الوجوب ما لم يأتِ صارِفٌ عن ذلك:
قال - تعالى -: ï´؟ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ï´¾ [النور: 63].
فالتحذير من الفتنة والعذاب الأليم دليلٌ على وجوب الأمر؛ لترتُّب العِقاب عليه - كما أشار العلاَّمة محمد بن صالح العُثَيمين - رحمه الله - آنفًا.
قال - تعالى -: ï´؟ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ï´¾ [الأحزاب: 36].
وقال - تعالى -: ï´؟ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ï´¾ [المرسلات: 48 - 49].
وقال - تعالى -: ï´؟ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ï´¾ [الأعراف: 12].

التتمَّة الثالثة:
الأمر قد يأتي ويُراد به غير الوجوب، كما نصَّ على ذلك المصنِّف - رحمه الله - حيث قال في "الورقات" ص 10: "وهو عند التجرُّد عن القرينة تُحمَل عليه، إلاَّ ما دلَّ الدليل على أنَّ المراد منه الندب أو الإباحة"؛ ا.هـ.
وهذا ممَّا فات الناظم.

وقد نظمه الشرف العمريطي في "نظم الورقات" حيث قال:
بِصِيغَةِ افْعَلْ فَالوُجُوبُ حُقِّقَا
حَيْثُ القَرِينَةُ انْتَفَتْ وَأُطْلِقَا

لاَ مَعْ دَلِيلٍ دَلَّنَا شَرْعًا عَلَى
إِبَاحَةٍ فِي الفِعْلِ أَوْ نَدْبٍ فَلاَ

بَلْ صَرْفُهُ عَنِ الوُجُوبِ حُتِّمَا
بِحَمْلِهِ عَلَى المُرَادِ مِنْهُمَا



وصِيَغُ الأمر قد تأتي ويُراد بها غيرُ الوجوب؛ لقرينةٍ احتفَّ بها الكلام، ومن هذا:
1- قد تأتي ويُراد بها الندب:
قال - تعالى -: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ï´¾ [البقرة: 282].
فالأمر بالكتابة صُرِفَ إلى الندب بدليلٍ آخَر؛ قال - تعالى -: ï´؟ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُï´¾ [البقرة: 283].

2- قد تأتي ويُراد بها الإباحة:
قال - تعالى -: ï´؟ وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا ï´¾ [البقرة: 35]، فالأمر بالأكل من خَيْرات الجنَّة ليس على سبيل الوجوب، وإنما المراد منه الإباحة.

3- وقد تأتي ويُستفاد منها التهديد:
قال - تعالى -: ï´؟ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ï´¾ [فصلت: 40].
فمن غير المعقول شَرعًا ولا عقلاً أنْ يُترَك الإنسان سدًى من غير تكليف؛ قال - تعالى -: ï´؟ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ï´¾ [الذاريات: 56].

4- وقد تأتي ويُراد بها الإرشاد:
قال عمر بن أبي سلمة: كنت غُلامًا في حِجرِ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يا غلام، سمِّ الله، وكُلْ بيمينك، وكُلْ ممَّا يَلِيك))[2].

5- وقد تأتي ويُستفاد منها التعجيز:
قال - تعالى -: ï´؟ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ï´¾ [البقرة: 23].

6- وقد تأتي ويُستفاد منها الدعاء:
قال - تعالى -: ï´؟ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ï´¾ [البقرة: 286].

التتمَّة الرابعة:
فاتَ الناظم أنْ ينظم مسألة: "الأمر بالشيء نهي عن ضده".
وسيأتي مزيدُ بيانٍ لها في تتمَّات مبحث "النهي"، التتمَّة الرابعة - إن شاء الله.

التتمَّة الخامسة:
الأمر بعد الحظْر يُعِيد الأمرَ إلى ما كان عليه قبلَ الحظر:
قال - تعالى -: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ ï´¾ [المائدة: 1].
فهذه الآية أفادَتْ منْع الصَّيد للمُحْرِم.
ثم قال - تعالى -: ï´؟ وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ï´¾ [المائدة: 2].
ففعل الأمر في "اصطادوا" لا يدلُّ على الوجوب؛ لأنَّه جاء بعد حظْر، والأمر بعد الحظْر يعود معه الحكم إلى ما كان عليه قبلَ الحظر، والصيد قبل الحظْر مُباحٌ؛ إذًا الأمر هنا يُحمَل على الإباحة، فمَن شاء اصطَادَ ومَن شاء ترَك.

التتمَّة السادسة:
فعل الأمر هل يقتَضِي الإثابة والإجزاء؟
قال محمد بن حسين الجيزاني في "معالم أصول الفقه" ص 411: "الجواب على ذلك أنَّ الإجزاء والإثابة يجتَمِعان ويفترقان.
فالإجزاء: براءة الذمَّة من عهدة الأمر، والسلامة من ذمِّ الرب وعقابه.
والإثابة: الجزاء على الطاعة.
مثال الإجزاء مع عدم الإثابة: إذا اشتَمَل الصيام مثلاً على قول الزور، والعمل به، فتَبرَأ الذمَّة، ويقع الحرمان من الأجر لأجل المعصية.
ومثال الإثابة مع عدم الإجزاء: إذا فعل المأمورَ به ناقصَ الشروط والأركان، فيُثاب على ما فعَل، ولا تَبرَأ الذمَّة إلاَّ بفعله كاملاً بالنسبة للقادر العالم.
ومثال اجتِماع الإجزاء والإثابة: إذا فعَل المأمور على الوجْه الكامل ولم يقتَرِن به معصيةٌ تخلُّ بالمقصود.
فعلم بذلك أنَّ امتِثال الأمر على الوَجْه المطلوب يقتَضِي الإجزاءَ دون الثواب.

قال ابن تيميَّة بعد أنْ ذكَر التفصيل السابق:
"وهذا تحريرٌ جيِّد: أنَّ فعْل المأمور يُوجِب البراءة، فإنْ قارَنَه معصيةٌ بقدره تخلُّ بالمقصود قابل الثواب، وإنْ نقص المأمور به أُثِيب ولم تحصل البَراءة التامَّة، فإمَّا أنْ يعاد، وإمَّا أنْ يجبر، وإمَّا أنْ يأثم"؛ ا.هـ.

التتمَّة السابعة:
كان الأَوْلَى أنْ يقول الناظم في هذا البيت رقم (29):
29- فَالْأَمْرُ لِلْمَشْرُوطِ لِلشَّرْطِ اقْتَضَى
كَالطُّهْرِ وَالصَّلاَةِ فَادْرِ الاقْتِضَا



بدلاً من قوله:
.....................
كَالطُّهْرِ لِلصَّلاَةِ فَادْرِ الِاقْتِضَا





[1] أخرجه في "صحيحه" (كتاب الطهارة/ باب: وجوب الطهارة للصلاة/ ح1).

[2] متفق عليه، أخرجه البخاري في غير موضعٍ من "صحيحه" منها: (كتاب الأطعمة/ باب التسمية على الطعام/ ح5376)، ومسلم في "صحيحه": (كتاب الأشربة/ باب: آداب الطعام والشراب/ ح 108، 109).







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #23  
قديم 10-02-2020, 03:07 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: زاد العقول شرح سلم الوصول


زاد العقول شرح سلم الوصول (5/ 17)
أبي أسامة الأثري جمال بن نصر عبدالسلام





مبحث النهي

30- وَالنَّهْيُ فَهْوُ طَلَبُ الْكَفِّ انْتَهِ ♦♦♦ وَيَقْتَضِي فَسَادَ مَا عَنْهُ نُهِي

معاني المفردات:

الكف: الامتناع.

يقتضي: يلزم منه.



المعنى الإجمالي:

عرَّف الناظم النهي بأنَّه طلَب الكفِّ عن الفعل.

ومثَّل له باللفظ "انتهِ"؛ يعنى: كُفَّ عن الفعل.

وهذا النهي يدلُّ على الفساد.



المباحث التي يشتمل عليها البيت:

المبحث الأول: تعريف النهي:

هو طلَب الكفِّ عن الفعل بالقَوْل ممَّن هو دُونَه على وجْه الاستِعلاء.



المبحث الثاني: هل النهي يقتَضِي الفساد؟

اختُلِف في هذه المسألة على أقوال، والراجح منها أنَّ النهي يقتضي الفساد.

عن عائشة - رضي الله عنها - أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن عمل عمَلاً ليس عليه أمرُنا، فهو رَدٌّ))؛ متفق عليه[1].

كما استدلَّ الصحابة على فَساد العقود المنهيِّ عنها، استدلُّوا على فَساد عقود الربا بقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تَبِيعُوا الذهب بالذهب إلاَّ مثلاً بمثل)).

واحتَجَّ عمر - رضي الله عنه - بقوله - تعالى -: ﴿ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ ﴾ [البقرة: 221]، على فَساد النكاح المحرَّم بالنَّهي.



قال الشوكاني - رحمه الله - في "إرشاد الفحول" ص 97: "والحق أنَّ كلَّ نهيٍ - من غير فرقٍ بين العِبادات والمعاملات - يقتَضِي تحريمَ المنهي عنه وفساده المرادف للبطلان، اقتِضاءً شرعيًّا، ولا يَخرُج عن ذلك إلاَّ ما قام الدليلُ على عدم اقتِضائه.

وممَّا يستدلُّ به قولُه - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كلُّ أمرٍ ليس عليه أمرُنا، فهو رَدٌّ)).

وما كان مَردُودًا فهو باطلٌ، وهذا هو المراد بكون النهي مُقتَضِيًا للفَساد"؛ ا.هـ.



تتمَّات البحث:

التتمَّة الأولى:

فاتَ المصنِّف وتَبِعَه الناظِم ذِكْرُ صيغ النَّهي كما فعَل في مبحث الأمر.



وللنهي صِيَغٌ معيَّنة تدلُّ على التحريم من غير حاجةٍ لقرينة؛ منها:

1- الفعل المضارع المسبوق بـ(لا) الناهية:

قال - تعالى - على لسان خليله إبراهيم: ﴿ يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا ﴾ [مريم: 44].

وقال - تعالى -: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [الأنعام: 152].

قال العلامة محمد بن صالح العثيمين في "شرح الأصول من علم الأصول" ص 175: "أمَّا إذا قرن المضارع بـ"لا" النافية، فلا يُفِيد النهي؛ مثل: قوله - تعالى -: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ﴾ [يونس: 69].



2- اسم الفعل بمعنى النهي:

مثل: مه؛ بمعنى: لا تفعَل.

ومثل: صه؛ بمعنى: لا تتكلَّم.

عن أنس بن مالكٍ - رضي الله عنه - قال: بينما نحنُ في المسجد مع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذ جاءَ أعرابي، فقام يَبُول في المسجد، فقال أصحاب رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: مه مه، قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تُزرِموه، دَعُوه))، فتركوه حتى بالَ، ثم إنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - دَعاه، فقال له: ((إنَّ هذه المساجد لا تَصلُح لشيءٍ من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذِكرِ الله - عزَّ وجلَّ - والصلاة وقِراءة القُرآن))؛ متفق عليه[2].



3- لفظ النهي الصريح:

عن أنسٍ - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - نهى عن الشُّرب قائمًا؛ أخرجه مسلم[3].



4- لفظ "التحريم":

قال - تعالى -: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ ﴾ [النساء: 23].



5- الذم على الفعل:

عن أنسٍ - رضي الله عنه - أنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - زجَر عن الشُّرب قائمًا؛ أخرجه مسلم[4].

عن الصَّمَّاء بنت بسر - رضي الله عنها - أنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((لا تصوموا يوم السبت إلاَّ فيما افتُرِض عليكم، وإنْ لم يجد أحدُكم إلاَّ لحاء عنبة أو عود شجرة، فليمضغه))؛ أخرجه أبو داود[5].



6- ترتُّب العِقاب على التَّرك:

قال - تعالى -: ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء: 115].

وهنالك صِيَغٌ يُطلَب بها الكَفُّ عن الفِعل مثل: ذَرْ، اجتَنِب، دَعْ، فقد اختُلِف في دلالتها على النَّهي أصالةً.

قال العلامة محمد بن صالح العثيمين في "شرح الأصول من علم الأصول" ص 174: "قولنا: - يعني في تعريف النهي -: بصيغة مخصوصة هي المضارع، خرَج بها ما أفاد طلب الكفِّ على وجْه الاستِعلاء بغير هذه الصِّيغة؛ مثل: دع، وذر، واترك، وكف، واجتنب، وما أشبَهَها.



قال - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [البقرة: 278]؛ يعني: لا تَأخُذوا، فمع كونها أفادَت النهي إلاَّ أنها ليست بنهي.

وكذلك "دع": ومثاله: عن أبي الحوراء السعدي قال: قلتُ للحسن بن عليٍّ ما حفظت من رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم؟ قال: حفظت من رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((دَعْ ما يَرِيبُك إلى ما لا يَرِيبُك))[6].

فهذا أيضًا أمرٌ، وليس بنهيٍ.

"كف": أخَذ النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بلسانه، وقال: ((كُفَّ عليك هذا))[7].

فهذه ليسَتْ نهيًا؛ لأنَّها بصيغة الأمر، ولكنَّها أمر"؛ ا.هـ.



قلت: وفي هذا ردٌّ على قول الناظم:

30- وَالنَّهْيُ فَهْوُ طَلَبُ الْكَفِّ انْتَهِ ♦♦♦ وَيَقْتَضِي فَسَادَ مَا عَنْهُ نُهِي



التتمَّة الثانية:

كلُّ مسألةٍ في الأمر يُقابِلها مثلها في النهي:

فإنْ كان الأمر يقتَضِي الوجوب، فالنهي يقتضي التحريم.

وإنْ كانت صيغة الأمر هي: افعل، فصيغة النهي: لا تفعل... وهكذا.



إلاَّ في بعض الأمور كالفورية:

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا أمرتُكم بشيءٍ فأتوا منه ما استَطعتُم، وإذا نهيتُكم عن شيءٍ فدَعُوه))؛ متفق عليه[8].



التتمَّة الثالثة:

صِيَغُ الأمر قد تَرِدُ ويُراد بها غير الحظْر، وذلك إذا قُيِّدتْ بقرينة، وإلاَّ فالأصل فيها الحظر.



قال الجويني - رحمه الله - في "البرهان" 1/ 110: "وأمَّا صِيغة النهي إذا تقيَّدت فإنها تَرِدُ على وُجوه مُناقضة الأمر، لا يعسر على الباحث طلبها، ومُطلَقها للحظر، والمُقيَّد منها يَرِدُ على وُجوه:

التنزيه.

الوعيد.

الدعاء؛ كما في قوله - تعالى -: ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا ﴾ [آل عمران: 8].

ومنها: الإرشاد؛ كقوله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ﴾ [المائدة: 101].

بَيان العاقبة؛ كما في قوله - تعالى -: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾ [آل عمران: 169].

وترد بمعنى التقليل والتحقير؛ كما في قوله - تعالى -: ﴿ لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ ﴾ [الحجر: 88].

وترد بمعنى إثبات اليأس؛ كما في قوله - تعالى -: ﴿ لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ ﴾ [التحريم: 7]"؛ ا.هـ.



التتمَّة الرابعة:

فاتَ الناظم أنْ ينظم قول صاحب الأصل في "الورقات" ص 11: "والأمر بالشيء نهيٌ عن ضدِّه، والنهي عن الشيء أمرٌ بضدِّه"؛ ا.هـ.



وقد نظَمَه العمريطي في "نظم الورقات" فقال:

وَأَمْرُنَا بِالشَّيْءِ نَهْيٌ مَانِعُ ♦♦♦ عَنْ ضِدِّهِ وَالعَكْسُ أَيْضًا وَاقِعُ



والقول بأنَّ الأمر بالشيء هو ذاته النهي عن ضدِّه قولٌ فاسد وباطل؛ لذا حَسُنَ بالناظم أنْ لم يورد هذا الطرف من الكلام.



قال العلامة محمد بن صالح العثيمين في "شرح الورقات" ص 75: "يعني: أنَّ الأمر بالشيء نهيٌ عن ضدِّه، والنَّهي عن الشيء أمرٌ بضدِّه.

هكذا قال المؤلف - رحمه الله تعالى - وهذه المسألة فيها نِزاعٌ بين العُلَماء.

الأوَّل: الأمر بالشيء هل هو نهي عن ضدِّه؟

الجواب: لا، ليس الأمر بالشيء نهيًا عن ضدِّه، إلاَّ أنْ يكون ضده مفهومًا من الأمر، فإذا قِيل: "افعل كذا فهل هو نهيٌ عن تركه؟

على كلام المؤلف يقتضي أنْ يكون نهيًا عن تركه، وليس كذلك؛ هذه لا يُوافِق عليها المؤلف، حتى الفُقَهاءُ - رحمهم الله - لم يُوافِقوا على ذلك؛ فمثلاً: لو أنَّ الرجل ترَك السواك عند الصَّلاة، هل نقول: إنَّه وقَع في محظور؟

نقول: إنَّه ترك مُستَحبًّا، ولكنَّه لم يقع في محظور.

فقوله: إنَّ الأمر بالشيء نهي عن ضدِّه، فيه نظرٌ؛ فليس ترْك المأمور به نهيًا عن ضدِّه، لو قيل: ارفَع يديك عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع منه، وعند الرفع من التشهد الأوَّل، فهل إذا لم أرفع أكون واقعًا في النهي؟ لا.



المؤلف يرى أنَّك واقعٌ في النهي، وهذا ليس بصحيح، بل يُقال: الأمر بالشيء يعني: الحث على فعله، إمَّا وجوبًا أو استحبابًا، والله أعلم"؛ ا.هـ.

قلت: والذي أراه أنَّ الناظم خالَف صاحب الأصل في هذه المسألة، فلم يُورِدها في النظم.

والحقُّ أنَّ الصواب مع القائلين بخلاف ذلك، فالأمر بشيء ليس هو عين النهي عن ضدِّه، والنهي عن الشيء ليس هو عين الأمر بضدِّه، وإنما هو لازمه.

قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله - في "مجموع الفتاوى" 2/ 118: "والتحقيق أنَّه منهيٌّ عنه بطريق اللازم"؛ ا.هـ.



لأنَّ القول بأنَّ الأمر هو عين النهي، أو أنَّ النَّهي هو عينُ الأمر - لا يتحقَّق إلاَّ إذا جرد الأمر والنهي من صيغتيهما، واعتبارهما حديث نفس، وهذا الكلام خطَرُه عظيم؛ لأسباب، منها:

1- تجريد الأمر والنهي من صيغتَيْهما مُخالِفٌ للكتاب والسنَّة ولسان العرب.

2- اعتِبار الأمر والنهي حديث نفسٍ واعتبارهما معنى قائمًا بالنفس، وهو أصل كلام المعتزلة في نفي صفة الكلام عن الباري، والقول بخلْق القُرآن.

قال العلاَّمة محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله - في "المذكرة" ص32: "والذي يَظهَر - والله أعلم - أنَّ قول المتكلِّمين ومَن وافَقَهم من الأصوليِّين: إنَّ الأمر بالشيء هو عينُ النهي عن ضدِّه - مبنيٌّ على زَعْمِهم الفاسِد أنَّ الأمر قسمان: نفسي، ولفظي، وأنَّ الأمر النفسي هو المعنى القائم بالذات، المجرَّد عن الصِّيغة، وبقَطعِهم النظر عن الصيغة واعتبارهم الكلام النفسي، زعَمُوا أنَّ الأمر هو عين النَّهي عن الضدِّ، مع أنَّ متعلق الأمر طلبٌ، ومتعلق النهي ترك، والطَّلَب استِدعاء أمرٍ موجود، والنهيُ استِدعاء ترك، فليس استِدعاء شيءٍ موجود، وبهذا يَظهَر أنَّ المراد ليس عين النَّهي عن الضدِّ، وأنَّه لا يُمكِن القول بذلك إلاَّ على زعْم أنَّ الأمر هو الخطاب النَّفسي القائم بالذات، المجرَّد عن الصِّيغة"؛ ا.هـ.

قلتُ: وزعم أنَّ الأمر هو الخِطاب النفسي القائم بالذات المجرَّد عن الصيغة - يُفضِي إلى مَفاسِد ومَهالِك في الاعتقاد والفقه.



أمَّا أثَره في الاعتقاد، فتجرُّد الخطاب عن الصِّيغة يُفرِّغ الخطاب من صِيغَته، ويجعَلُه حديثَ نفسٍ، فالأمرُ هو النهي، والنهي هو الأمر؛ ممَّا يُفضِي إلى القول بنفْي صفة الكلام عن الله - عزَّ وجلَّ - فيَصِير كلامُ الله حديثَ نفسٍ بلا صوتٍ وحرفٍ - تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا.

أمَّا أثره في الفقه، فإذا قال رجلٌ لامرأته: إنْ خالَفتِ نهيي فأنتِ طالقٌ، ثم قال لها: قُومِي، فقعدَتْ، فعلى قول مَن يقول: إنَّ الأمر بالشيء هو عينُ النهي عن ضدِّه، فهي طالق؛ وذلك لأنَّه أمَرَها بالقِيام، وفي نفس الوقت نَهاها عن القُعود، وهي قعَدتْ، فهي طالق.

أمَّا على قوْل مَن قال: إنَّ لازم الأمر بالشيء هو النهي عن ضدِّه، فإنَّ زوجته غيرُ طالق منه.



التتمَّة الخامسة:

قدَّم الناظم مبحث: "النهي" على مبحث: "مَن يدخل في الخطاب ومن لا يدخل"، وهذا ممَّا يُحسَب له أيضًا؛ حيث إنَّ الأليَقَ أنْ يكون محله بعد مبحثي الأمر والنهي، وليس بينهما؛ لتعلُّقه بهما جميعًا.






[1] متفق عليه، أخرجه البخاري في "صحيحه": (كتاب الصلح/ باب: إذا اصطلحوا على صُلح جورٍ فالصُّلح مردود/ ح 2697).

ومسلم في "صحيحه": (كتاب الأقضية/ باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور/ ح 17، 18).




[2] متفق عليه من حديث أنس بن مالك.

أخرجه البخاري في "صحيحه": (كتاب الوضوء/ باب: ترك النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - والناس الأعرابي حتى فرغ من بوله في المسجد/ ح 219، 221).

وأخرجه مسلم في "صحيحه: (كتاب الطهارة/ باب وجوب غسل البول وغيره من النجاسات إذا حصلت في المسجد/ ح98، 99، 100).




[3] في "صحيحه": (كتاب الأشربة/ باب: كراهية الشرب قائمًا/ ح 113).

وزاد: قال قتادة: فقُلنا: فالأكل؟ قال: ((ذاك أشر وأخبث)).

وله عند مسلم لفظ: أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - زجَر عن الشرب قائمًا، (ح112).




[4] سبق تخريجه.




[5] أخرجه في "سننه": (كتاب الصوم/ باب: النهي عن أن يخصَّ يوم السبت بصوم/ ح 2421).

وصحَّحه العلامة الألباني - رحمه الله - في "صحيح الجامع" برقم 73 58.




[6] صحيح.

أخرجه النسائي في "سننه": (كتاب الأشربة/ باب: الحث على ترك الشبهات/ 8/ 326).

والترمذي في "سننه": (كتاب القيامة/ باب: 60/ ح 2518).

وقال: وهذا حديث حسن صحيح.




[7] هذا مقطعٌ من حديث طويل أخرجه الترمذي في "سننه": (كتاب الإيمان/ باب: ما جاء في حرمة الصلاة/ ح 2616).


وأخرجه ابن ماجه في "سننه": (كتاب الفتن/ باب: كف اللسان في الفتنة/ ح 3973).

وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.




[8] أخرجه البخاري في "صحيحه": (كتاب الاعتصام/ باب: الاقتداء بسنن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -/ ح 7288).

وأخرجه مسلم في "صحيحه" (كتاب الحج/ باب: فرض الحج مرة في العمر/ ح 412).









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #24  
قديم 11-02-2020, 01:28 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: زاد العقول شرح سلم الوصول


زاد العقول شرح سلم الوصول (6/ 17)
أبي أسامة الأثري جمال بن نصر عبدالسلام




الذي يدخل في خطاب الله وما لا يدخل
31- وَيَشْمَلُ الْخِطَابُ كُلَّ الْمُؤْمِنِينْ
لاَ ذِي الْجُنُونِ وَالصِّبَا وَالْغَافِلِينْ

معاني المفردات:
يشمل: يَعُمُّ.
ذو: صاحب.
المعنى الإجمالي:
قال الناظم: إن خطاب الله - عزَّ وجلَّ - يعم كل المؤمنين، إلا من كان منهم مجنونًا، أو صغيرًا لم يبلغ سن التكليف بعد، أو ساهيًا، أو ناسيًا، فإنه يخرج منه.
المباحث التي يشتمل عليها البيت:
المبحث الأول:
من يدخل في خطاب الله، ومن لا يدخل:
خطاب الله - عزَّ وجلَّ - يدخل فيه كلُّ المؤمنين، ولا يخرج منه إلاَّ:
1- المجنون.
2- الصبيُّ الذي لم يَحْتلم.
3- الساهي أو الناسي.
عن علي - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((رُفِعَ القلَمُ عن ثلاثة؛ عن: الصبيِّ حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المعتوه حتى يَبْرأ))؛ أخرجه أبو داود[1].
عن ثوبان - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إنَّ الله تجاوز عن أُمَّتي ثلاثة: الخطأ، والنسيان، وما أكرهوا عليه))؛ أخرجه الطبراني في "الكبير"[2].
إلا أنَّ المجنون والصبي إن كان لهم مالٌ، فلا بدَّ أن يؤدِّي وليُّهم زكاته، أمَّا الناسي فإنه يَقْضي ما مضى في حال غياب عَقْلِه، أو نسيانه.
قال الناظم:
32- وَالْكَافِرُونَ بِالْفُرُوعِ خُوطِبُوا
وَشَرْطِهَا مِنْ أَجْلِ ذَاكَ عُوقِبُوا

معاني المفردات:
خُوطبوا: وُجِّهَ إليهم الخطاب.
وشرطها: الإسلام.
عوقبوا: على ترك العمل بها.
المعنى الإجمالي:
قال الناظم: والكافرون أيضًا يدخلون في الخطاب، فهم مخاطَبون بفروع الشريعة من صلاة، وزكاة، ونحوهما، وكذا بشرط قبول هذه الأعمال، وهو الإسلام؛ لذلك جاءت نصوص الشريعة بعقابهم على الترك.
المباحث التي يشتمل عليها البيت:
المبحث الأول:
هل يدخل الكفار في خطاب الله؟
الكُفَّار يَدْخلون في خطاب الله، ولكن الكافر لا تصحُّ منه عبادةٌ حالَ كفره ما لم يأت بشرط قبولها، وهو الإسلام.
قال تعالى: ﴿ وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ ﴾ [التوبة: 54]، ولا يُؤْمَر الكافر بقضاء ما فاته من أوامر وتكاليف بعد إسلامه.
قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لعمرو بن العاص - رضي الله عنه -: ((أمَا عَلِمْتَ أن الإسلام يَهْدم ما كان قبْلَه))؛ أخرجه مسلم[3].
أما أدلة تكليف الكُفَّار بأداء الأوامر، فهي كثيرة، منها:
قال تعالى: ﴿ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ ﴾ [المدثر: 42 - 45].
وقال تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ﴾ [آل عمران: 97].
تَتِمَّات البحث:
التتمَّة الأولى:
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ﴾ [الطلاق: 1].
قال صاحب "المراقي":
وَمَا يَعُمُّ يَشْمَلُ الرَّسُولاَ ♦♦♦ وَقِيلَ: لاَ، وَلْتَذْكُرِ التَّفْصِيلاَ
قال العلاَّمة الشنقيطيُّ - رحمه الله - في "المذكرة" ص 239:
"والتفصيل في البيت هو أنَّ الرسول داخلٌ أو غير داخل، ويكون غيرَ داخل إن كان صُدِّر بـ"قُلْ"، ويكون داخلاً إن كان مُصدَّرًا بغير "قل"؛ اهـ.
قلتُ: ويدخل النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الخطاب وإن كان مصدَّرًا بـ"قل".
قال تعالى: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ﴾ [البقرة: 222].
والنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - داخل في الأمر باعتزال النساء بما ثبت عنه في السنة.
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كانت إحْدانا إذا كانت حائضًا، فأراد رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن يباشرها، أمرَها أن تَتَّزِر في فَوْر حيضتها؛ ثم يُباشرها[4].

[1] في "سُنَنه": (كتاب الحدود، باب: في المجنون يسرق أو يصيب حدًّا، ح 4400، 4401، 4402، 4403).
وصحَّحه العلاَّمة الألباني - رحمه الله - في "صحيح الجامع"، برقم: 3512، 3513، 3514.

[2] 2/ 97، ح 1430.
وصحَّحه العلاَّمة الألبانيُّ - رحمه الله – في "صحيح الجامع" برقم 3515.

[3] هذا جزء من حديث طويل، أخرجه مسلم بتمامه في "صحيحه"، (كتاب الإيمان، باب: كون الإسلام يهدم ما قبله، وكذا الهجرة والحج، ح 192).

[4] متفق عليه، أخرجه البخاري في "صحيحه"، (كتاب الحيض، باب: مباشرة الحائض، ح 300، 301، 302).
وأخرجه مسلم في "صحيحه"، (كتاب الحيض، باب: مباشرة الحائض فوق الإزار، ح 1، 2).








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #25  
قديم 11-02-2020, 01:31 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: زاد العقول شرح سلم الوصول

زاد العقول شرح سلم الوصول (7/ 17)
أبي أسامة الأثري جمال بن نصر عبدالسلام





العام وألفاظ العموم
33- مَا عَمَّ شَيْئَيْنِ فَصَاعِدًا فَعَامْ
أَلْفَاظُهُ أَرْبَعَةٌ عَلَى الدَّوَامْ
34- مَنْفِيُّ "لاَ" وَالْمُبْهَمَاتُ تُورَدُ
كَذَا الْمُحَلَّى جَمْعُهُ وَالْمُفْرَدُ


معاني المفردات:
ما عمَّ: ما شَمِل.
منفي "لا"؛ أي: ما وقع عليه النَّفي بـ: "لا".
المبهمات: جمع المبهم، وهو الغامض الذي لم يتحدَّد المقصود منه.
المحلَّى: يعني المسبوق بـ"أل".

المعنى الإجمالي:
قال الناظم: العامُّ ما شمل شيئين فأكثر.
وألفاظه أربعة:
النَّكرة في سياق النهي.
النكرة في سياق النَّفي.
والأسماء المُبْهَمة.
والجمع والمُفْرَد المُحَلَّيان بـ: "أل".


المباحث التي تشتمل عليها الأبيات:
1- تعريف العام.
2- ألفاظ العموم.

المبحث الأول:
تعريف العام:
قال الجويني في "الورقات" ص 12:
"تعريف العام:
العامُّ هو ما عمَّ شيئين فصاعدًا، من قوله: عَممْت زيدًا وعَمرًا بالعطاء، وعممْت جميع الناس بالعطاء"؛ اهـ.

قلت: وفاتَه في التعريف ما يلي:
1- أنَّه عرف العام بأنه "ما عم"، والأَولى أن يأتي في التعريف بشيء من غير جِنْس المُعَرَّف به؛ حتى يُزيل الإبهام، فقوله: "العام ما عمَّ"، لا يبيِّن معنى العام، فكان لا بُدَّ أن يفسِّر معنى ما عم.
2- أنه فاته ثلاثةُ قيود في التعريف تميِّزه عن غيره:
فالتعريف الأمثل:
أنه ما شمل شيئين فصاعدًا، بِحَسَب وَضْعٍ واحد، دَفْعة، بلا حَصْر.
فلفظ "زوج"، و"شفع" مثلاً تدلُّ على الاثنين، وليسا من ألفاظ العموم.
ولفظ "رجل" نَكِرة في سياق الإثبات، فهو مُسْتغرق، ولكن استغراقه بدلي، لا دفعة واحدة.
ولفظ "عشر" وإن كان يعمُّ أكثر من شيئين فصاعدًا، إلا أنه لا يصحُّ أن يعتبر عامًّا؛ لأنَّه محصور باللفظ.
ولفظ "العين" لا يُعدُّ عامًّا رغم شموله: الماء الجاري، الباصرة، والجاسوس؛ لأنَّه لم يوضع وضعًا واحدًا لهم، بل وُضِعَ لكل واحد منهم على حِدَة، فيُسمَّى: "مشتركًا".

المبحث الثاني:
ألفاظ العموم:
ذكَر الناظم تبعًا لصاحب الأصل أنَّ ألفاظ العموم أربعة:
1- منفي "لا":
قلتُ: يعني من النَّكِرات، كما قال الجويني - رحمه الله - في "الورقات" ص 12: "و"لا" في النكرات"؛ اهـ.
قلت: وفيها فوائد على صاحب الأصل، وعلى النَّاظم:
أ- قال العلاَّمة محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - في "شرح نظم الورقات" ص 89:
"قوله: "لفظ لا للنكرات" أتى بالمِثال؛ لأنَّ "لا" للنفي، والنكرات هو المنفي.
وعلى هذا: فكلُّ نكرة دخَلَها النَّفي فهي للعموم.
ولهذا قال العلماء: النَّكرة بعد النفي للعموم، كلُّ نكرة في سياق النفي فهي للعموم"؛ اهـ.

ب- عمَّمَ الناظم ذلك، فقال: "منفيُّ لا"، وليس كلُّ منفي لـ: "لا" يعمُّ، وإنما يعمُّ إذا كان المنفيُّ نكرة كما سيأتي في التتمَّات - إن شاء الله.
جـ- عبَّر المصنِّفُ والنَّاظم بـ"لا" على سبيل المثال، وإلاَّ فكلُّ حرف يصحُّ النفي به يدخل نفس المدخل، كـ"لن"، و"ليس"... ونحو ذلك.
عن عائشة - رضي الله عنها - أنها كانت تقول: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لن يُدْخِل الجنَّةَ أحدًا عمَلُه))، قالوا: ولا أنتَ يا رسول الله؟ قال: ((ولا أنا، إلاَّ أن يتغمَّدني الله منه برحمة))؛ متفق عليه[1].
فلمَّا أطلق رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لفظ: "أحد" في سياق النفي بـ: "لن" فهمت عائشة - رضي الله عنها - أنَّ لفظ "أحد" يعمُّ الكُلَّ، بما فيهم رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم.

ومثال المنفي من النكرات بـ: "لا":
عن أبي موسى - رضي الله عنه - أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((لا نِكَاح إلا بولي))؛ أخرجه أبو داود[2].

2- مبهمات الأسماء:
أجمَلَها الناظم، ومثَّل الجويني لبعضها، فقال في: "الورقات" ص 12:
"والأسماء المبهمة: كـ "مَن" فيمن يَعْقِل، و"ما" فيما لا يعقل، و"أي" في الجميع، و"أين" في المكان، و"متى" في الزمان، و"ما" في الاستفهام والجزاء وغيره"؛ اهـ.

قلتُ: وإليك أمثلة على ما ذكَر صاحب الأصل:
مثال "مَن" في العاقل:
قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾ [الطلاق: 2].

ومثال: "ما" في غير العاقل:
قال تعالى: ﴿ مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ ﴾ [النحل: 96].

ومثال: "أي" في السؤال عن الجميع:
وقد تكون: شرطية، أو استفهامية، أو موصولة.
قال تعالى: ﴿ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا ﴾ [التوبة: 124].
وإذا اتصلت "أي" بـ"ما" كانت تأكيدًا لها.
عن جرير - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أَيُّما عبْدٍ أبَقَ فقد بَرِئت منه الذِّمَّة))؛ أخرجه مسلم[3].
ومثال "أين" في المكان: قال تعالى: ﴿ فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ ﴾ [التكوير: 26].
ومثال "متى" في السؤال عن الزمان: قال تعالى: ﴿ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 214].
ومثال "ما" في الجزاء: قال تعالى: ﴿ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ﴾ [البقرة: 197].

3- المفرد المحلى بـ"أل":
قال تعالى: ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾ [العصر: 1 - 2].

4- الجمع المحلي بـ"أل":
قال تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [المؤمنون: 1].

تتمَّات البحث:
التتمَّة الأولى:
يُؤْخَذ على الناظم أنه قال: "منفيُّ لا" ولم يُخصِّصها بالنَّكِرات، بما يُشْعِر أن كل منفي لـ"لا" يعم.

التتمة الثانية:
أنه خصص من النفي "المنفي بلا" بالعموم.
فإنْ قيل: إنَّه تبع صاحب الأصل في ذلك، قلتُ: صاحب الأصل مثَّلَ بها، أما المغربي فحصَرَها في ذلك لَمَّا قال:
أَلْفَاظُهُ أَرْبَعَةٌ عَلَى الدَّوَامْ
وقد سبق أن بينَّا أن النكرة في سياق النفي تعم أيًّا مَاكان هذا النفي.

التتمة الثالثة:
فات النَّاظمَ ذِكْرُ اشتقاق العام.
قال الجويني - رحمه الله - في "الورقات" ص 12: "من قوله: عَممت زيدًا بالعطاء وعممت جميع الناس بالعطاء"؛ اهـ.
وقد نظَمَه العمريطي في "نظم الورقات" فقال:
مِنْ قَوْلِهِمْ عَمَمْتُهُمْ بِمَا مَعِي
وَلْتَنْحَصِرْ أَلْفَاظُهُ فِي أَرْبَعِ


الرابعة:
فات الناظم أن يفصل مُبْهَمات الأسماء كما فعل صاحب الأصل.

وقد نظمها العمريطي في "نظم الورقات" فقال:
وَكُلُّ مُبْهَمٍ مِنَ الأَسْمَاءِ
مِنْ ذَاكَ مَا لِلشَّرْطِ مِنْ جَزَاءِ
وَلَفْظُ مَنْ فِي عَاقِلٍ وَلَفْظُ مَا
فِي غَيْرِهِ وَلَفْظُ أَيٍّ فِيهِمَا
وَلَفْظُ أَيْنَ وَهْوَ لِلْمَكَانِ
كَذَا مَتَى الْمَوْضُوعُ لِلزَّمَانِ


التتمَّة الخامسة:
فات الناظم أن يذكر أن الأفعال لا عموم لها.
وكان الجوينيُّ - رحمه الله - قد ذكر ذلك في "الورقات" ص 12:
"والعموم من صفات النُّطق، ولا تجوز دعوى العموم في غيره من الفعل وما يجري مجراه"؛ اهـ.

وقد نظم العمريطي ذلك في "نظم الورقات" فقال:
ثُمَّ العُمُومُ أُبْطِلَتْ دَعْوَاهُ
فِي الفِعْلِ بَلْ وَمَا جَرَى مُجْرَاهُ



يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #26  
قديم 11-02-2020, 01:32 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: زاد العقول شرح سلم الوصول

زاد العقول شرح سلم الوصول (7/ 17)
أبي أسامة الأثري جمال بن نصر عبدالسلام





التتمة السادسة:
اكتَفى المصنِّفُ بذِكْر أربع صِيَغ من صيغ العموم، وفاته الكثيرُ منها، وقد أخطأ الناظمُ حين حصر ألفاظ العموم في أربع فقط، حيث قال:
أَلْفَاظُهُ أَرْبَعَةٌ عَلَى الدَّوَامْ
وكذا أخطأ العمريطيُّ أيضًا حينما حصَرَها في أربع أيضًا، فقال:
وَلْتَنْحَصِرْ أَلْفَاظُهُ فِي أَرْبَعِ

وإليك بعض ما فاتهما من ألفاظ العموم:
1- ما أضيف إلى معرفة:
قال تعالى: ï´؟ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ï´¾ [إبراهيم: 34].

2- الألفاظ الدالَّة على العموم أصالة، ومنها:
"كل":
قال تعالى: ï´؟ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ï´¾ [الرعد: 16].
قال تعالى: ï´؟ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ï´¾ [آل عمران: 185].

"جميع":
قال تعالى ï´؟ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ï´¾ [البقرة: 29].

"كافَّة":
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((فُضِّلتُ على الأنبياء بسِتٍّ: أُعطيت جوامع الكلم، ونُصِرتُ بالرُّعب، وأُحِلَّت لي الغنائم، وجُعِلت لي الأرض طَهورًا ومسجدًا، وأُرْسِلت إلى الخلق كافَّة، وخُتِم بي النبيُّون))؛ أخرجه مسلم[4].
ومنها: "عامة"، "قاطبة" ونحو ذلك.

3- النَّكِرات:
ذكر منها الجويني "النكرات في سياق النفي"، وفاته:
النكرة في سياق الإثبات:
وقد اختُلِف في دلالتها على العموم، والصواب أنها تدلُّ على العموم بمجرَّد دلالة السِّياق.
قال تعالى: ï´؟ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ ï´¾ [التكوير: 14].
وقال تعالى: ï´؟ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ ï´¾ [الانفطار: 5].

النكرة في سياق الامتنان:
قال تعالى: ï´؟ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا ï´¾ [الفرقان: 48].

النكرة في سياق النَّهي:
قال تعالى: ï´؟ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ï´¾ [النساء: 36].

النكرة في سياق الشرط:
قال تعالى: ï´؟ إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ï´¾ [الأحزاب: 54].

النكرة في سياق الاستفهام الاستِنْكاري:
قال تعالى: ï´؟ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ ï´¾ [القصص: 71].

4- الأسماء الموصولة:
كـ: الذي، والذين، والتي، واللاتي، واللائي، واللوائي، من، ما الموصولة، وأل الموصولة.
قال تعالى: ï´؟ وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ï´¾ [الزمر: 33].
قال تعالى: ï´؟ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ï´¾ [العنكبوت: 69].
وقال تعالى: ï´؟ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ï´¾ [آل عمران: 109].

التتمة السابعة:
أقسام العام:
ينقسم العامُّ إلى ثلاثة أقسام:
1- العامُّ الباقي على عمومه:
يعني الذي لم يَدْخله التخصيص، قال تعالى: ï´؟ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ï´¾ [الرعد: 16].
فـ"كلّ" من ألفاظ العموم، ولم يخصَّص، فيَشمل كلَّ مخلوق.
قال تعالى: ï´؟ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ï´¾ [البقرة: 195]، ولفظ "المحسنين" جمع مُحَلًّى بـ"أل" الاستغراقية، فيفيد العموم، فيشمل كلَّ محسن، ولا يخرج منه أيُّ محسن.
قال العلاَّمة محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - في "الشرح المُمْتِع على زاد المستقنع"، 1/ 105:
"العامُّ يجب إبقاؤه على عمومه، إلاَّ أن يَرِدَ مخصِّص"؛ اهـ.

2- العام المخصوص:
يعني العام الذي دخله الخصوص، قال تعالى: ï´؟ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ï´¾ [العصر: 1 - 3].

3- العامُّ الذي يراد به الخصوص:
قال الله تعالى: ï´؟ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا ï´¾ [آل عمران: 173].
فلَفْظ "الناس" يستحيل أن يُحْمَل على عمومه رغم دلالته على ذلك؛ لأنَّ لفظ: "الناس" محلًّى بـ: "الألف واللام"، والجمع المحلَّى بهما يستغرق الأجناس التي تدخل تحته.
فيكون معنى الكلام على هذا الفهم أنَّ كل الناس قالوا لبعض الناس: إنَّ كُلَّ الناس قد جمَعوا لهم، وهذا من غير شكٍّ غير مراد؛ لأنَّه مستحيل؛ لِخُروج القائلين، والمَقُولِ لهم، ومَن لا شأن لهم بالقضيَّة من الكلام، فيكون المعنى أن بعض الناس قد كلَّم بعض الناس أنَّ بعض الناس قد جمَع لهم.

التتمة الثامنة:
الأصل أنَّ العام يبقى على عمومه، ما لم يدلَّ دليلٌ على تخصيصه:
قال تعالى: ï´؟ وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ * قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ ï´¾ [العنكبوت: 31 - 32].
عن عائشة - رضي الله عنها - أنها كانت تقول: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لَنْ يُدخِل الجنَّةَ أحدًا عمَلُه))، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ((ولا أنا، إلاَّ أن يتغمَّدني الله منه برحمة))؛ أخرجه مسلم[5].
وما أرْوَع فهْمَ الصحابة لهذه المسألة!

عن جابر - رضي الله عنه - قال: "بعثَنا رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأمَّر علينا أبا عُبَيدة نتلقى عيرًا لقريش، وزوَّدنا جرابًا من تَمْر لم يجد لنا غيره، فكان أبو عُبَيدة يُعْطينا تَمْرة تمرة"، قال: "فقلتُ: كيف كنتم تَصْنعون بها؟ قال: نمَصُّها كما يمَصُّ الصَّبي؛ ثم نشرب عليها من الماء، فتكفينا يومَنا إلى الليل، وكنا نَضْرب بعِصِيِّنا الخبَطَ؛ ثم نَبُلُّه بالماء فنأكله، قال: وانطلقنا على ساحل البحر، فرُفِع لنا على ساحل البحر كهيئة الكثيب الضَّخم، فأتيناه فإذا هي دابَّة تُدْعى العنبر، قال: قال أبو عبيدة: ميتة؛ ثم قال: لا، بل نحن رسُلُ رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وفي سبيل الله، وقد اضْطُرِرتم، فكُلوا"... الحديثَ؛ أخرجه مسلم[6].

التتمة التاسعة:
العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السَّبب:
عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - طرَقَه وفاطِمَةَ بنت النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ليلة، فقال: ((ألا تُصلِّيان))، فقلتُ: يا رسول الله، أنفسنا بِيَدِ الله، فإذا شاء أن يبعثَنا بعثَنا، فانصرف حين قلنا ذلك، ولم يرجع إليَّ شيئًا؛ ثم سمعتُه وهو مُوَلٍّ يَضْرب فَخذَه وهو يقول: ï´؟ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً ï´¾ [الكهف: 5]؛ متَّفَق عليه[7].
عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن رجلاً أصاب مِن امرأة قُبْلة، فأتى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فأخبره، فأنزل الله: ï´؟ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ï´¾ [هود: 11]، فقال الرجل: يا رسول الله، ألِي هذا؟ قال: ((لِجَميع أُمَّتي كلهم))؛ متفق عليه[8].

[1] أخرجه البخاري في "صحيحه"، (كتاب المرضى، باب: تمَنِّي المريضِ الموتَ، ح 5673).
وأخرجه مسلم في "صحيحه"، (كتاب صفات المنافقين، باب: لن يدخل أحد الجنة بعمله، بل برحمة الله تعالى، ح 71، 72، 73، 74، 75، 76).

[2] في "السُّنن" (كتاب النكاح، باب: في الولي، ح 2085).
وصحَّحه العلامة الألباني في "صحيح الجامع" برقم 7555.

[3] في صحيحه (كتاب الإيمان، باب: تسمية العبد الآبق كافرًا، ح 123).
وأخرجه بلفظ: ((أَيُّما عبْدٍ أبقَ من مواليه، فقد كفَر حتى يرجع إليهم))، (الباب السابق، ح 122).
وأخرجه بلفظ: ((إذا أبَق العبد لم تُقْبَل له صلاة))؛ (الباب السابق، ح 124).

[4] في "صحيحه"، (كتاب المساجد ومواضع الصلاة، ح 5، 6، 7، 8).

[5] سبق تخريجه.

[6] بهذا اللفظ، (كتاب الصيد والذبائح، باب: إباحة ميتات البحر، ح 17)، وأخرجه البخاري بغير الشاهد الذي سُقْتُه من أجله، إذًا اتَّفق الشيخان على الأصل، وانفرد مُسْلم بقول أبي عبيدة: ميتة، لا تقربوها، ثم قال: لا، بل جيش رسول الله، وفي سبيل الله.
وقد أخرج البخاري هذا الحديث بغير هذا الشاهد في "صحيحه"، (كتاب المغازي، باب: غزوة سيف البحر، ح 4360، 4361، 4362).

[7] أخرجه البخاري في غير موضع من "صحيحه"، منها: (كتاب الصلاة، باب: تحريض النبي - صلى الله عليه وسلم - على صلاة الليل والنوافل من غير إيجاب، ح 1127).
وأخرجه مسلمٌ في "صحيحه"، (كتاب صلاة المسافرين، باب: ما روي فيمن نام الليل أجمع حتى أصبح، ح 206).

[8] أخرجه البخاريُّ في "صحيحه"، (كتاب مواقيت الصلاة، باب: الصلاة كفارة، ح 526).
وأخرجه مسلم في "صحيحه"، (كتاب التوبة، باب: قوله تعالى: إن الحسنات يذهبن السيئات، ح 39، 40، 41، 42، 43).







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #27  
قديم 11-02-2020, 01:34 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: زاد العقول شرح سلم الوصول


زاد العقول شرح سلم الوصول (8/ 17)
أبي أسامة الأثري جمال بن نصر عبدالسلام



بحث التخصيص


36- تَمْيِيزُ بَعْضِ الْجُمْلَةِ التَّخْصِيصُ ثُمّْ
لِذِي اتِّصَالٍ وانْفِصَالٍ يَنْقَسِمْ
37- فَأَوَّلٌ شَرْطٌ وَوَصْفُ اسْتِثْنَا
وَشَرْطُهُ الْإِبْقَاءُ مِمَّا اسْتَثْنَى
38- مَعَ اتِّصَالِهِ وَالْمُطْلَقَ احْمِلِ
عَلَى الْمُقَيَّدِ تَرَ الْحَقَّ جَلِي



معاني المفردات:
♦ تمييز: فَصْل.
♦ الجملة: جماعة كل شيء.
♦ جليّ: واضح.

المعنى الإجمالي:
قال الناظم: التخصيص هو تمييز بَعْضِ الجملة.
وينقسم إلى: متَّصل، ومُنْفصِل.
فالمُتَّصل يكون التمييز فيه بـ: "الاستثناء"، و"الشرط"، و"الصِّفة".
وشرط الاستثناء أن يَبْقي من المُسْتَثني منه شيءٌ، وأن يكون متَّصِلاً بالمستثنى منه.
والمقيَّد بالصِّفة يُحْمَل عليه المُطْلَق.

المباحث التي تشتمل عليها الأبيات:
1 - تعريف التخصيص.
2 - أقسام الخاص.

المبحث الأول:
تعريف التخصيص:
عَرَّف النَّاظمُ التخصيص بأنه: تَمْييز بعض الجملة.
وفاتَه تعريفُ الخاصِّ نفسه.
وربَّما حمَله على هذا أنَّ الجويني لم يُعرِّفه صراحة، وإنما عرَّفه بالضِّد.
وكان قد عرَّف العامَّ بأنه: "ما عَمَّ شيئين فأكثر"؛ اهـ.
إذًا الخاصُّ عنده: ما لا يتناول شيئين فصاعدًا.
نحو: رجل، رجلين، ثلاثة رجال.

فإن قيل: إنَّ ثلاثة رجال عمَّ أكثر من شيئين، قلنا: ولكن مع حَصْر، وشرط العامِّ - كما قدَّمْنا في تعريفه - أن يكون من غير حصر.

قال العلاَّمة محمد بن صالح العثيمين في "شرح نظم الورقات" ص 91:
"إذًا الخاصُّ ضد العامِّ، هو الذي لا يعمُّ أكثر من واحد، أو يعمُّ أكثر مع الحَصْر، فالأعلام خاصَّة أو عامَّة؟ خاصة؛ زيد، بكر، خالد: خاص؛ لأنَّه لا يعم أكثر من واحد، أو مع حصر يعني أكثر من واحد، لكن مع الحصر، مثل أن تقول: أكرم عشرين رجلاً، هذا خاصٌّ أم عامّ؟ هذا خاص، إذًا الخاص ما دلَّ على شيء محصور؛ إمَّا بعينه، وإما بِعَدده"؛ اهـ.


المبحث الثاني:
أقسام الخاص:
ينقسم الخاصُّ إلى قسمين:
1 - مُخصِّص متصل.
2 - مخصص منفصل.

أوَّلاً - المخصِّص المتصل:
وهو الذي يُذْكَر مع دليله في نصٍّ واحد.

ويأتي على صُور، منها:
1 - الاستثناء:
والاستثناء: إخراج البعض مِن حُكْم الكلِّ الذي ذُكِر قبله.
ويكون ذلك باستخدام أداة استثناء بين الحكمين.

وأركانه ثلاثة:
♦ المستثنى: وهو الحُكْم المذكور بعد أداة الاستثناء، ويُراد إخراجه من الحكم العامِّ الذي سبقه.
♦ المستثنى منه: وهو الحكم العامُّ المذكور قبل أداة الاستثناء غالبًا، وهو الذي يخرج منه المستثنى.
♦ أداة الاستثناء: وهي: إلا، أو إحدى أخواتها.

مثال:
عن الصماء بنت بسر رضي الله عنها أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((لا تصوموا يوم السبت إلاَّ فيما افْتُرِض عليكم، وإن لم يجد أحدكم إلاَّ لحاء عنبة أو عود شجرة فليمضغه))؛ أخرجه أبو داود[1].

♦ المستثنى "الخاص": ((في فريضة)).
♦ المستثنى منه "العام": ((لا تصوموا يوم السبت)).
♦ أداة الاستثناء: ((إلا)).
ويصح الاستثناء بشرط أن يبقى من المستثنى منه شيء، وأن يكون مُتَّصلاً بالكلام، ويصح أن يَسْبق المستثنى المستثنى منه.

قال الشاعر:
وَمَا لِيَ إِلاَّ آلَ أَحْمَدَ شِيعَةٌ ♦♦♦ وَمَا لِيَ إِلاَّ مَذْهَبَ الْحَقِّ مَذْهَبُ

يعني: وما لي شيعةٌ إلاَّ آل أحمد، وما لي مذهب إلاَّ مذهب الحق.
ويجوز الاستثناء من الجنس، ويسمَّى: استثناء تامًّا، نَحْو: "جاء القوم إلاَّ محمَّد"، فمحمد من القوم.

ويجوز الاستثناء من غير الجنس - يعني: جنس المستثنَى منه - بشرط أن يكون له تعلُّق به، نحو: "جاء القومُ إلاَّ الأمتعة"، فالأمتعةُ ليست من جنس القوم، ومع ذلك يصحُّ الاستثناء؛ لأنَّ الأمتعة لها تعلُّق بالقوم.

2- المقيَّد بالصِّفة:
وهو ما أشعر بمعنًى يختصُّ به بعض أفراد العامِّ؛ من نعتٍ، أو بدلٍ، أو حالٍ، أو غايةٍ، أو شرط.
♦ ومثال النعت: قال تعالى: ï´؟ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ المُؤْمِنَاتِ ï´¾ [النساء: 25].
♦ ومثال البدَل: قال تعالى: ï´؟ وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ï´¾ [آل عمران: 97].

قال صاحب "المراقي":
وَبَدَلُ البَعْضِ مِنَ الكُلِّ يَفِي ♦♦♦ مُخَصِّصًا لَدَى أُنَاسٍ فَاعْرِفِ

♦ ومثال الحال: قال تعالى: ï´؟ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا ï´¾ [النساء: 93].
♦ ومثال المقيَّد بالغاية: قال تعالى: ï´؟ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ï´¾ [البقرة: 222].

♦ ومثال الشرط: قال تعالى: ï´؟ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ ï´¾ [النساء: 11]، وقال تعالى: ï´؟ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ï´¾ [النور: 33].

ثانيًا: المخصِّص المنفصِل:
وهو الذي يرد في دليل آخر مستقلٍّ عن الدَّليل العامِّ.

وهو يأتي على ثماني صور:
1- الحِسُّ:
قال تعالى: ï´؟ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ï´¾ [النمل: 23]، فلَفْظ "كل" من ألفاظ العموم، وهذه الآية وردَتْ في "بلقيس" مَلِكة سبأ.
وكما في قوله تعالى: ï´؟ أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا ï´¾ [القصص: 57].

فالحِسُّ قاضٍ بالْمُشاهدة: أنَّ بشرًا لا يُمكن أن يُؤْتَى من كلِّ ما يُسمَّى شيئًا، وإنَّما يُؤتى كلُّ أحد ما قدَّره الله له.
فالمُتَتبِّع - أيْ: بالْحِسِّ - يجد أشياءً كثيرة لا تُجْبَى إليهم في الحرم.

2- العقل:
قال تعالى: ï´؟ قُلِ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ï´¾ [الرعد: 16].

فالعقل يُخرِج ذات الله - عزَّ وجل - لأنَّها غيْرُ مخلوقة، مع أنَّ لفظ "شيء" يتناوله، قال تعالى: ï´؟ قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللهُ ï´¾ [الأنعام: 19].

فائدة:
مِن العلماء مَن قال: إنَّ ما خُصَّ بالحسِّ والعقل ليس من باب العموم المخصوص، وإنما هو من باب: "العامِّ الذي أُريد به الخصوص"؛ إذِ المخصوص لم يكن مُرادًا عند المتكلِّم، ولا المخاطب من أول الأمر، وهذا حقيقة العامِّ الذي يراد به الخصوص.

3 - الإجماع:
كما في قوله تعالى: ï´؟ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ï´¾ [المؤمنون: 6] في ذِكْر مَن يُباح نكاحهم، فهذا خُصِّص بأنَّ الأخت من الرضاع لا تَحِلُّ بإجماع المسلمين بمِلْك اليمين.

ومن المعلوم أنَّ لكلِّ إجماع مُسْتندًا قد يُعرف أو لا يعرف، ومستند الإجماع هنا هو قوله تعالى: ï´؟ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ ï´¾ [النساء: 23].

4 - القياس:
قال تعالى: ï´؟ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ï´¾ [النور: 2]، فإنَّ عموم الزَّانية خُصَّ بالنص، قال تعالى: ï´؟ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ ï´¾ [النساء: 25].

فقيس العبد - الذي لم يَرِد فيه نَصٌّ - عليها بجامع الرِّقِّ، فيلزم جَلْد العبد إذا أتى بفاحشة خمسين جلدة قياسًا على الأَمَة.

5 - المفهوم:
والمفهوم على قسمين:
أ - مفهوم موافقة:
ومثاله: عن عمرو بن الشَّريد، عن أبيه، عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((ليُّ الواجد يُحلُّ عرضه وعقوبته))؛ أخرجه أصحاب السُّنن عدا التِّرمذي[2].

يخصص هذا بمفهوم الموافقة في قول الله تعالى: ï´؟ فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ ï´¾ [الإسراء: 23]، فإنه يمنع حبس الوالد في دَيْن ابنه.

ب - مفهوم المُخالَفة:
ومثاله: عن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ((في أربعين شاةً شاةٌ))؛ أخرجه ابن ماجه[3].
((وفي سائمة الغنَم إذا كانت أربعين ففيها شاة))[4].
فمفهوم المخالفة في "السائمة" أن المعلوفة تخرج من عموم النصِّ الذي سبَق عن أبي بكر آنفًا.

6 - الشرع:
قال تعالى: ï´؟ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ ï´¾ [المائدة: 3]، فلفظ "أل" في الميتة يفيد معها العموم، يعني كل ميتة، وخُصَّ هذا النَّص بالسُّنة، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال في البحر: ((هو الطَّهُور ماؤُه، الحلال ميتته))؛ أخرجه أبو داود[5].

تتمَّات البحث:
التتمة الأولى:
فات النَّاظِمَ ذِكْرُ أقسام الاستثناء:
قال الجوينيُّ رحمه الله في "الورقات" ص 13:
"وإنما يصح بشرط أن يَبْقى مِن المستثنى منه شيءٌ، ومِن شرطه أن يكون متَّصلاً بالكلام، ويجوز تقديم الاستثناء على المستثنى منه، ويجوز الاستثناء من الجِنْس وغيره"؛ اهـ.



يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #28  
قديم 11-02-2020, 01:36 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: زاد العقول شرح سلم الوصول


زاد العقول شرح سلم الوصول (8/ 17)
أبي أسامة الأثري جمال بن نصر عبدالسلام



وقد نظم الشَّرَف العمريطي هذا، فقال في "نظم الورقات":
وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مُسْتَثْنَاهُ
مِنْ جِنْسِهِ وَجَازَ مِنْ سِوَاهُ
وَجَازَ أَنْ يُقَدَّمَ الْمُسْتَثْنَى
وَالشَّرْطُ أَيْضًا لِظُهُورِ الْمَعْنَى


قال الناظم:
39- وَخَصِّصِ النُّطْقَ بِنُطْقٍ وَاقْتَبِسْ
أَقْسَامُهُ أَرْبَعَةٌ لاَ تَلْتَبِسْ
40- فَسُنَّةٌ بِسُنَّةٍ كَذَا كِتَابْ
وَذَا بِذِي وَعَكْسُهُ بِلاَ ارْتِيَابْ



معاني المفردات:
♦ النُّطق: آيات الكتاب، وأحاديث السُّنة.
♦ اقتبس: استفد.
♦ لا تلتبِسْ: لا تُشْكِل عليك.
♦ ارتياب: شك.

المعنى الإجمالي:
قال الناظم: ويجوز تخصيص النَّصِّ بالنَّص، وهو يجري على أربعة أقسام:
♦ تخصيص الكتاب بالكتاب.
♦ تخصيص السُّنة بالسنة.
♦ تخصيص الكتاب بالسُّنة.
♦ تخصيص السُّنة بالكتاب.

المباحث التي تشتمل عليها الأبيات:
المبحث الأول:
المُخَصص المتصل يأتي في موضع واحد مع العامِّ الذي يُستثنَى منه، فلا إشكال؛ حيث إنَّهما يَجمَعُهما دليلٌ واحد من الكتاب أو السُّنة.

أما المُخَصص المنفصل فيكون في دليل آخَر غير الدليل الذي فيه العامُّ؛ لذا وقع فيه خلافٌ بين العلماء؛ حيث يَحتمل أن يكون العامُّ في دليل من الكتاب، والخاصُّ في دليل من السُّنة أو العكس، وأهل العلم على خلاف في تعامُلِ السُّنَّة الآحاديَّة مع الكتاب، وهم في ذلك على قولين:
أ - من قال منهم بِجَواز تعامُلِهما معًا متى صحَّ الحديث.

ب - من قال بعدم تعامل السُّنة مع الكتاب؛ لأن الكتاب قَطْعيُّ الثُّبوت، والسنة الآحاديَّة ظنِّية الثُّبوت، ولا يُسَلَّم بأن الظَّني يَقْضي على القطعي؛ لأنَّ الأدنى لا يَقْضي على الأقوى.

وسيأتي في التتمَّة الأولى من تتمَّات هذا المبحث بيانُ ذلك، وكذلك سيأتي في مبحث السُّنة الرَّدُّ على ذلك، وبيان جواز تعامل السُّنة مع الكتاب.

والمُخَصص المنفصل يأتي على أربع صور:
1 - تخصيص الكتاب بالكتاب:
قال تعالى: ï´؟ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ ï´¾ [البقرة: 221]، خُصِّص بقوله تعالى: ï´؟ الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ï´¾ [المائدة: 5].

♦ مثال ثانٍ:
قال تعالى: ï´؟ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ï´¾ [البقرة: 228]، خُصِّص بقوله تعالى: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ï´¾ [الأحزاب: 49].

خصِّص أيضًا بقوله تعالى: ï´؟ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ï´¾ [الطلاق: 4].
ولا خلاف بين أهل العلم - القائلين بجواز النَّسخ - في جوازه.

2 - تخصيص الكتاب بالسنة:
قال الله تعالى: ï´؟ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ï´¾ [النساء: 11].

خصِّص بالحديث الآتي:
عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((لا يَرِثُ المسلمُ الكافِرَ، ولا الكافرُ المسلمَ))؛ متفق عليه[6].

مثال آخر:
قال تعالى: ï´؟ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ï´¾ [النساء: 23].

خصِّص بالحديث الآتي:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لا تُنْكَح المرأة على عَمَّتِها، ولا على خالتها))؛ متفق عليه[7].
وهذه الصُّورة محَلُّ نزاع بين أهل العلم، والراجح - كما سيأتي في التتمَّات - أنها جائزة.

3 - تخصيص السنة بالكتاب:
عن أبي واقِدٍ رضي الله عنه قال: قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ما قُطِع من البهيمة وهى حَيَّة فهي ميتة))؛ أخرجه أبو داود[8].
خصِّص بقوله تعالى: ï´؟ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ ï´¾ [النحل: 80].

مثال آخر:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((أُمِرتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أنْ لا إله إلا الله، وأن محمَّدًا رسول الله، ويقيموا الصَّلاة، ويؤتوا الزَّكاة؛ فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله))؛ متفق عليه[9].
خصِّص بقوله تعالى: ï´؟ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ِ ï´¾ [التوبة: 29].

مثالٌ آخَر:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((لا يَقْبل الله صلاة أحَدِكم إذا أحْدَث حتىَّ يتوضَّأ))؛ أخرجه البخاري[10].

خُصِّص بقوله تعالى: ï´؟ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا ï´¾ [المائدة: 6].
وهذه الصُّورة جائزة عند أهل العلم - القائلين بوقوع النَّسخ - ولا خلاف بينهم فيها.

4 - تخصيص السُّنة بالسنَّة:
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((فيما سقَتْ السَّماء والعُيون العُشْر))؛ أخرجه البخاري[11].

خُصِّص بالحديث الآتي: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((ليس فيما دون خَمْسة أوْسُق صدَقة))؛ متَّفق عليه[12].

الوَسقُ: مِكْيال مقداره سِتَّون صاعًا.
فما لم يَبْلغ خمسة أوْسُق لا صدقة فيه، وما بلغ خمسة أوسق فما فوق مِن أرض سُقِيَت بالمطر وجَب فيها العشر.
وقد اختلفوا في نَسْخ السنة الآحاديَّة للمتواتر، والراجح أنَّها تنسخه كما سيأتي في التَّتمَّات.

تتمات البحث:
التتمة الأولى:
هل يجوز تخصيص عموم الكتاب بالسنة الآحادية؟
ظاهر كلام الجُوينيِّ رحمه الله أنه يجوز تخصيص السُّنة الآحادية لعموم الكتاب؛ حيث قال في "الورقات" ص 13: "ويجوز تخصيص الكتاب بالكتاب، وتخصيص الكتاب بالسُّنة، وتخصيص السنة بالكتاب، وتخصيص السنة بالسنة، وتخصيص النُّطق بالقياس"؛ اهـ.

ولكنَّه نصَّ على ذلك صراحة في "البرهان"1/156، فقال: "والذي نَخْتاره: القطع بتخصيص الكتاب بِخَبر الواحد"؛ اهـ.

وقال العلاَّمة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع على زاد المستقنع" 2/174: "معلومٌ أنَّ تخصيص قول بفعل أضْعَف من تخصيص قولٍ بقول؛ لاحتمال الخصوصية، ولاحْتمال العُذْر بخلاف القول، وأيضًا تخصيص القرآن بالسُّنة أضعف من تخصيص القرآن بقرآن، ولكن نقول: إنَّ السُّنة تَقعُ من الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم بأمر الله الصريح، أو بأمره الحُكْميِّ الذي يُقرُّ - سبحانه وتعالى - فيه نبيَّه.

قال تعالى: ï´؟ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ï´¾ [التوبة: 43].
وقال تعالى: ï´؟ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ï´¾ [التحريم: 1].

وقال تعالى: ï´؟ وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ï´¾ [الأحزاب: 37]"؛ اهـ.

قلتُ: وهذا هو المذهب الحقُّ، وأدلة ذلك:
قال تعالى: ï´؟ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ï´¾ [النحل: 44].
قال تعالى: ï´؟ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ï´¾ [الحشر: 7].

التتمة الثانية:
فات الناظِمَ ذكْرُ تخصيص النطق بالقياس.
قال الجويني رحمه الله في "الورقات" ص 14: "وتخصيص النطق بالقياس"؛ اهـ

ونظَم الشَّرَف العمريطيُّ ذلك في "نَظْم الورقات"، فقال:
وَالذِّكْرُ بِالإِجْمَاعِ مَخْصُوصٌ كَمَا ♦♦♦ قَدْ خُصَّ بِالقِيَاسِ كُلٌّ مِنْهُمَا

وقد سبَق ذِكْرُ الأمثلة على ذلك في مبحث: "المخصِّص المنفصل".

التتمة الثالثة:
يجوز تخصيص الكتاب والسُّنة بِفِعْل النبي صلَّى الله عليه وسلَّم.

قال تعالى: ï´؟ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ï´¾ [البقرة: 222].

خُصِّص بما ثبت في السُّنة عن ميمونة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يُباشِر نساءه فوق الإزار، وهن حُيَّض"؛ متفق عليه[13].

التتمة الرابعة:
ومن المخصِّصات أيضًا قول الصحابي، وفِعْله، بشرط أن يكون له حكم الرَّفع.

عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ((أحْفُوا الشَّوارب وأعفوا اللِّحى))؛ متفق عليه[14].
ويُخصَّص بما أخرجه البخاري عن ابن عمر أيضًا أنه كان يأخذ من لحيته ما زاد عن القَبْضة حين يتحَلَّل من الإحرام[15].

قلتُ: وهذا على مَرْأى من الصحابة وغيرِهم في موسم الحج، ولم يعارِضْه أحدٌ من هذا الجَمْع الوافر، وهو راوي حديث الإعفاء كما مرَّ آنِفًا.

ولا تَعارُض بينه وبين مُطْلَق الإعفاء، حيث يمكن الجمع بينهما بأنَّ الأول عامٌّ، والثاني خاص.

ومما لا شكَّ فيه أنَّ إعمال الدليلَيْن أولى من إعمال واحد، وإهمال الآخَر، فإذا ضُمَّ إلى ذلك ما أخرجه البيهقي في "شُعَب الإيمان" بِسَنَد صحيح، صحَّحه العلاَّمة الألبانيُّ عن أبي هريرة أنه كان يأخذ من لحيته ما زاد على القبضة؛ لِذا نقَلَ البيهقيُّ عن الحليمي مِثْلَ هذا.

قال البيهقي في "شُعَب الإيمان" 5 / 219: "قال الحليمي رحمه الله: فقد يَحْتمل أن يكون لِعَفو اللِّحى حدٌّ، وهو ما جاء عن الصَّحابة في ذلك، فرُوِي عن ابن عمر أنه كان يَقْبض على لحيته، فما فضَلَ عن كَفِّه أمر بِأَخْذِه، وكان الذي يحلق رأسه يفعل ذلك بِأَمْره، ويأخذ من عارِضَيْه، ويسوِّي أطراف لحيته، وكان أبو هريرة يأخذ بلحيته، ثم يأخذ ما يجاوز القبضة"؛ اهـ.

التتمة الخامسة:
قال العلاَّمة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع على زاد المستقنع" 2/174: "معلومٌ أنَّ تخصيص قول بفعل أضعفُ من تخصيص قولٍ بقول؛ لاحْتِمال الخصوصية، ولاحتمال العُذْر، بخلاف القول، وأيضًا تخصيص القرآن بالسُّنة أضعف من تخصيص القرآن بقرآن"؛ اهـ.

[1] سبق تخريجه.

[2] أخرجه أبو داود في "سُنَنه" (كتاب الأقضية، باب: في الحبس في الدَّين، ح 3628)، والنسائي في "السُّنَن" (كتاب البيوع، باب: مطل الغني، 7 - 316)، وابن ماجه في "السُّنن" (كتاب الصَّدَقات، باب الحبس في الدَّين والملازمة، ح2427)، وحسَّنَه العلامة الألباني رحمه الله في "صحيح الجامع"، برقم: 5487.

[3] أخرجه في "السُّنن": (كتاب الزكاة، باب: صدقة الغنم، ح 1807).
وصحَّحه الألباني في "إرواء الغليل" 3، 266.

[4] أخرجه في "السُّنن": (كتاب الزكاة، باب: في زكاة السائمة، ح 1567).
وصحَّحه العلامة الألباني رحمه الله في "إرواء الغليل" 3، 264 ح 792، من حديث أبي بكر الصِّدِّيق.

[5] أخرجه أبو داود في "السُّنن": (كتاب الطهارة، باب: الوضوء بماء البحر، ح 83).
وصحَّحه العلاَّمة الألبانيُّ رحمه الله في: "صحيح الجامع" برقم 7048.

[6] أخرجه البخاري في "صحيحه"، (كتاب المغازي، باب: أين رَكَز النبيُّ - صلى الله عليه وسلَّم - الرايةَ يوم الفتح، ح 4283).
وأخرجه مسلم في "صحيحه"، (كتاب الفرائض، ح 1).

[7] أخرجه البخاري في "صحيحه"، (كتاب النِّكاح، باب: لا تُنْكَح المرأة على عمتها، ح 5109، 5110، 5111).
وأخرجه مسلم في "صحيحه"، (كتاب النِّكاح، باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في النكاح،ح 34، 35، 36، 37، 38، 39، 40).

[8] أخرجه في "السُّنن": (كتاب الصيد، باب: في صيد قطع منه قطعة، ح 2858).
وصححه العلامة الألبانيُّ رحمه الله في "صحيح الجامع" برقم 5652.

[9] أخرجه البخاري في مواضِعَ عديدة في "صحيحه"، منها: (كتاب الزكاة، باب: وجوب الزكاة، ح 1399، 1400).
وأخرجه مسلم في "صحيحه"، (كتاب الإيمان، باب: الأمر بقتال الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، ح 32، 33، 34).

[10] أخرجه البخاري في "صحيحه"، (كتاب الطهارة، باب: لا تقبل صلاة بغير طهور، ح 135).

[11] أخرجه البخاري في "صحيحه"، (كتاب الزكاة، باب: العشر فيما يسقى من ماء السماء وبالماء الجاري، ح 1483).

[12] أخرجه البخاريُّ في "صحيحه"، (كتاب الزكاة، باب: ليس فيما دون خمسة أوْسُق صدقةٌ، ح 1484).
وأخرجه مسلم في "صحيحه"، (كتاب الزكاة، ح 1، 2، 3، 4، 5).

[13] أخرجه البخاري في "صحيحه"، (كتاب الحيض، باب: مُباشرة الحائض، ح 303).
وأخرجه مسلم في "صحيحه"، (كتاب الحيض، باب: مباشرة الحائض فوق الإزار، ح 3).

[14] أخرجه البخاري في مواضع متعدِّدة من "صحيحه"، (كتاب اللِّباس، باب: تقليم الأظفار، ح 5892).
أخرجه مسلم في "صحيحه"، (كتاب الطهارة، باب: خصال الفطرة، ح 52، 53، 54).

[15] أخرجه في صحيحه (كتاب اللباس، باب: تقليم الأظفار، ح 5892).
عقب ذكر حديث ابن عمر الذي مرَّ بنا آنِفًا بتوفير اللِّحى، زاد: "وكان ابن عمر إذا حجَّ أو اعتمر قبض على لحيته، فما فضل أخَذَه".
تبيَّن أنه مذْهب معمولٌ به.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #29  
قديم 12-02-2020, 02:29 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: زاد العقول شرح سلم الوصول

زاد العقول شرح سلم الوصول (9/ 17)
أبي أسامة الأثري جمال بن نصر عبدالسلام







المجمل وما يتصل به
41- الْمُجْمَلُ الْمُحْتَاجُ لِلْبَيَانِ
يَكُونُ فِي السُّنَّةِ وَالْقُرْآنِ
42- بَيَانُهُ الْإِخْرَاجُ لِلْجَلاَءِ
مِنْ حَيِّزِ الْإِشْكَالِ وَالْخَفَاءِ



المُجْمَل: المجموع.
المحتاج: المفتَقِر.
الجلاء: الوضوح.
حيِّز: موضع.

المعنى الإجمالي:
قال النَّاظم: المُجْمَل هو المُفْتَقِر إلى غيره لبيان المعنى المقصود منه؛ لاحْتِماله أكثرَ من معنى، وبيانه أن يعْلَم المقصود منه.

المباحث التي تشتمل عليها الأبيات:
1- تعريف المجمَل.
2- تعريف المبَيّن.

المبحث الأول: تعريف المجمل:
المُجمل هو: ما احتمَل أمرين، لا مزيَّة لأحدهما على الآخر، كالألفاظ المشتركة.
ومثاله:
لفظ "القُرْء": فإنه يُطْلَق على الطُّهر، وعلى الحيض.
لفظ: "الشَّفَق": فإنه يطلق على الحُمْرة، وعلى البياض.
لفظ: "العين": فإنه يطلق على "الباصرة"، وعلى "الماء"، وعلى "الجاسوس".
ولفظ: "عسْعَس": فإنه يُطْلَق على الإقبال، والإدبار.

المبحث الثاني: تعريف المُبَيَّن:
اكتفى المصنِّف، وتبعه النَّاظم بتعريف البيان فقط، ولم يعرِّفا المُبَيَّن، وإنما عرَّفا البيان بأنه: إخْراج المُجْمَل من حَيِّز الإشكال، إلى حيِّز الوُضوح والجلاء.
وقيل: ما دلَّ على المراد بما لا يستقلُّ بنفسه في الدلالة على المراد.
وقيل: هو إيضاحٌ بَعْدَ خفاء.
وأغلب الأصوليِّين على أنَّ البيان هو تَصْيير المُشْكِل واضِحًا.

تتمَّات البحث:
التتمَّة الأولى: تعريف المبيَّن:
المبين هو: ما أفاد معناه؛ إمَّا بالوضع أو بعد ضميمَةٍ تبيِّنه.
قال العلاَّمة محمد بن صالح العثيمين في "الأصول من علم الأصول" ص36: "مِثالُ ما يُفْهَم المُراد مِنه بأَصْل الوَضْع، لفظ: سَماء، أرض، جبَل، عَدْل، ظُلْم، صِدْق، فهذه الكلمات ونَحْوها مفهومةٌ بأصل الوَضْع، ولا تحتاج إلى غيرها في بيان معناها.
ومثال ما يُفهم المراد منه بعد التَّبيين، قوله - تعالى -: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ﴾ [البقرة: 43]، فإنَّ الإقامة والإيتاء كل منهما مُجْمَل، ولكن الشارع بيَّنهما، فصار لفظهما بيِّنًا بعد التبيين"؛ اهـ.

التتمة الثانية: أسباب الإجمال:
1- أن يكون اللفظ من المُشْترَك: الذي لا توجد معه قرائِنُ تُعين على معرفة المعنى المطلوب منه.
كلفظ "القُرْء" كما مرَّ بنا آنفًا؛ فإنَّه يَحتمل الحيضَ والطُّهر على التساوي.

2- أن يكون اللَّفظ غريبًا:
قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا ﴾ [المعارج: 19].
فلفظ: "هلوع" لفظ غريب، لولا أنَّ الله - تعالى - بيَّنَه في الآية التالية ما عُرِف معناه.
قال تعالى: ﴿ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا ﴾ [المعارج: 20 - 21].
إذًا: "الهَلُوع" هو من إذا مسَّه الشر صار جزوعًا.

3- نقل المعنى من حده اللغوي، لمعنى شرعي جديد:
كلفظ "الصلاة".
فهو في اللُّغة مُطْلَق الدعاء.
وفي الشرع: أفعالٌ مخصوصة، بأقوال مخصوصة، في أوقات مخصوصة، بكيفيَّة مخصوصة، تبدأ بالتكبير، وتُخْتَم بالتَّسليم.

التتمة الثالثة:
الطُّرق التي يعرف بها زوال الإشكال:
1- الكلام:
كبَيانِ قوله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى ﴾ [المائدة: 1].
بقوله - تعالى -: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ ﴾ [المائدة: 5].
2- الكتابة:
كَكِتابة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لِعُمَّاله على الصدقات بمقاديرها.
3- الإشارة:
كقول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الشهر هكذا وهكذا))، وأشار بأصْبعه إلى كونه ثلاثين، ومرة تسعة وعشرون؛ متَّفق عليه[1].
4- الفعل:
عن مالك بن الحويرث - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((صَلُّوا كما رأيتموني أصلِّي))؛ مُتَّفق عليه[2].
((خذوا عنِّي مناسككم))؛ أخرجه مسلم[3].
5- الإقرار:
بأن يفعل البيان في حضوره فلا يَرُده.
لذا قال صاحب "المراقي":
تَصْيِيرُ مُشْكِلٍ مِنَ الْجَلِيِّ
وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى النَّبِيِّ

إِذَا أُرِيدَ فَهْمُهُ وَهْوَ بِمَا
مِنَ الدَّلِيلِ مُطْلَقًا يَجْلُو العَمَى



التتمة الثالثة:
تأخير البيان عن وقت الحاجة:
اختُلِف؛ هل تأخير البيان عن وقت الحاجة يجوز أم لا؟
جمهور الأصوليِّين على أنَّه لا يجوز تأخير البيان عن وقْتِ الحاجة.

وقد عارض بعضُ الأصوليِّين ذلك، واستدلُّوا على ذلك بأن جبريل - عليه السَّلام - أخَّر بيان صلاة الصُّبح من ليلة الإسراء.
وأُجيب عن ذلك بأنَّ أوَّل صلاة كان يجب أداؤها صلاة الظُّهر من اليوم الذي بعد ليلة الإسراء، ولو كانت صلاة الصُّبح من ذلك اليوم واجبةَ الأداء لبيَّنها جبريل - عليه السَّلام.

[النَّص]
43- وَالنَّصُّ مَا لَمْ يَلْتَبِسْ مَدْلُولُهُ
وَقِيلَ: مَا تَأْوِيلُهُ تَنْزِيلُهُ
44- آخُذُ مِنْ مِنَصَّةِ الْعَرُوسِ
كُرْسِيِّهَا الْمُعَدِّ لِلْجُلُوسِ



معاني المفردات:
يلتبس: يختلط ويُشْكل.
تأويله: تَفْسيره.
تَنْزيله: يعني النَّص الذي نزل فيه.
منصَّة: كرسي، أو منبر للخطيب، أو العروس لتظهر وتتميز عن الحضور.

المعنى الإجمالي:
قال الناظم: النص: ما لا لبس في معناه.
وقيل: ما تفسيره ما نزل به.
وأُخِذ من منصَّة العروس، وهو الكرسي الذي تجلس عليه ليلة عرسها؛ لتتمَيَّز وتظهر بين الناس.

المباحث التي تشتمل عليها الأبيات:
المبحث الأول:
معنى النص:
عرفه النَّاظم تبعًا للمصنِّف - رحمه الله - حيث قال في "الورقات" ص 14:
"والنص ما لا يحتمل إلاَّ معنى واحدًا، وقيل: ما تأويله تَنْزيله، وهو مشتق من منصة العروس، وهو الكرسي"؛ اهـ.
قلتُ: وأشمل من ذلك أن يُقال:
"هو ما دلَّ لفظُه وصيغته على المعنى دون توقُّف على أمر خارجي".
ثم ذكر أنَّه في اللغة مأخوذٌ من منصَّة العروس، وهو الكرسي الذي تجلس عليه العروس في ليلة عرسها، ويكون مرتفعًا؛ لِتَظهر وتتميَّز عن غيرها من الحضور.

ومثاله:
قال تعالى: ﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ﴾ [البقرة: 275].
فالآية نص في التفريق بين البيع والربا.


[الظاهر]
45- وَظَاهِرٌ مُحْتَمِلٌ ألأَظْهَرَا
وَغَيْرُهُ مِنْ مَعْنَيَيْنِ شُهِرَا



معاني المفردات:
محتمِل الأظهرا: أقرب إليه.
الأظهر: الأرجح.
وشُهِرا: عُرِف.

المعنى الإجمالي:
قال الناظم: والظاهر هو الذي يَحْتمِل معنيين؛ أحدهما أرجح من الآخَر.

المباحث التي اشتمل عليها البيت:
المبحث الأول: تعريف الظاهر:
عرَّفه صاحب الأصل في "الورقات" ص 14 فقال: "والظاهر ما احتمل أمرين، أحدهما أظهر من الآخر"؛ اهـ.

ومثاله:
لفظ "الأسد" في قولك: مررت اليوم بأسد.
فإنه ظاهر في الحيوان المفترس.
محتمل للرجل الشجاع.

مثال ثانٍ:
إذا قلت: رأيت اليوم أسدًا على المنبر، فإنه ظاهر في الرجل الشجاع البليغ.
محتمل للحيوان المفترس.
قال الشوكاني - رحمه الله - في "إرشاد الفحول" ص 155: "وقد أجمع الصحابة على العمل بظواهر الألفاظ"؛ اهـ.

أمثلة على الظاهر:
لفظ "الصلاة": من الألفاظ المشتركة التي تحتمل معنيين:
معنى شرعيًّا: ويخصُّ العبادة المَخْصوصة التي تُفتتح بالتكبير، وتختتم بالتسليم.
ويَحتمل معنى لُغويًّا، وهو مطلق الدُّعاء.
فإذا نظرنا في قوله - تعالى -: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ﴾ [البقرة: 43]، وجدناه ظاهرًا في العبادة المخصوصة، مرجوحًا في الدُّعاء.
فإذا نظرنا في قوله - تعالى -: ﴿ وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ﴾ [التوبة: 103]، وجدناه ظاهرًا في الدعاء، مرجوحًا في العبادة.
وضابط ذلك التَّرجيح أن يَدُلَّ الدليل على رُجْحان معنى من المعاني المتبادرة.
قال الجويني - رحمه الله - في "الورقات" - ص 14:
"ويُؤوَّل الظاهر بالدليل، ويسمى الظاهر بالدليل"؛ ا هـ.
لفظ "الوضوء":
عن جابر بن سَمُرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((توضَّأْ من لحوم الإبل))؛ أخرجه مسلم[4].
الظاهر فيه الوضوء المعروف وصْفُه في الشرع، والمُحتَمل أن يكون المراد هو النظافة بمعنى: غَسْل اليدين.

تتمات البحث:
التتمة الأولى:
فات الناظمَ ذِكْرُ ما يؤوَّل الظاهر به.
قال الجُويني - رحمه الله - في "الورقات" ص 114:
"ويؤول الظاهر بالدليل، ويسمى الظاهر بالدليل"؛ اهـ.

ويُراد بالدليل هنا معنيان:
النصُّ الشرعي.
قرينة في السياق.

وقد نظم الشرف العمريطي ذلك في "نظم الورقات" فقال:
وَالظَّاهِرُ الْمَذْكُورُ حَيْثُ أَشْكَلاَ
مَفْهُومُهُ فَبِالدَّلِيلِ أُوِّلاَ

وَصَارَ بَعْدَ ذَلِكَ التَّأْوِيلِ
مُقَيَّدًا فِي الاِسْمِ بِالدَّلِيلِ



[1] أخرجاه من حديث ابن عمر - رضي الله عنه؛ أخرجه البخاري في غير موضع من "صحيحه"، منها: (كتاب الصوم، باب: الصوم لمن خاف على نفسه العزبة، ح1908).
وأخرجه مسلم في غير موضع من "صحيحه"، منها: (كتاب الصوم، باب وجوب صوم شهر رمضان لرؤية الهلال، ح 4، 5).

[2] أخرجاه من حديث: مالك بن الحويرث - رضي الله عنه - أخرجه البخاري في غير موضع من "صحيحه"، منها: (كتاب أخبار الآحاد، باب: ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق، ح 7246).
وأخرجه مسلم في "صحيحه"، (كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: من أحق بالإمامة، ح 292).

[3] جزء من حديث أخرجه مسلم من طريق جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - ولفظه: رأيتُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يرمي الجمرة وهو على بعيره، وهو يقول: ((يا أيُّها الناس، خُذوا عنِّي مناسِكَكم، فإنِّي لا أدري لعلِّي لا أحجُّ بعد عامي هذا))؛ أخرجه مسلم في "صحيحه" (كتاب الحج، باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبًا، ح 310).

[4] في "صحيحه"، (كتاب الحيض، باب الوضوء من لحوم الإبل، ح 97).
ولفظ الحديث عند مسلم أطول من ذلك، فروَيْتُه بالمعنى.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #30  
قديم 12-02-2020, 02:31 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: زاد العقول شرح سلم الوصول








زاد العقول شرح سلم الوصول (10/ 17)
أبي أسامة الأثري جمال بن نصر عبدالسلام

















الأفعـال






46- وَقُرْبَةٌ يَفْعَلُهَا الرَّسُولُ

تَعُمُّ إِلاَّ مَا أَتَى الدَّلِيلُ


47- عَلَى اخْتِصَاصِهِ فَيَخْتَصُّ بِهِ

عَلَيْهِ أَزْكَى صَلَوَاتِ رَبِّهِ














معاني المفردات:



قُربَة: ما يُقدَّم إلى الله - عزَّ وجلَّ - من أعمال البرِّ والطاعة؛ لنَوَال رِضاه.



تعمُّ: تشمَل.



أزكَى: الزكاة: النَّماء والطَّهارة.







المعنى الإجمالي:



قال الناظم: كلُّ أفعال الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - التي أمَرَه بها ربُّه تعمُّ الأمَّة، إلاَّ ما أتى الدليل على اختِصاصه بفعْل، وإلاَّ فلا.







المباحث التي تشتمل عليها الأبيات:



المبحث الأول: أفعال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -:



الأصل فيها ما أشار إليه المصنِّف وتَبِعَه عليه الناظم، من أنَّ حُكمَ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وحكمَ أمَّته واحدٌ، حتى يأتي دليلٌ يخصُّه من عموم الأمَّة.



قال - تعالى -: ï´؟ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ï´¾ [الأحزاب: 21].



قال الشوكاني - رحمه الله - في "نيل الأوطار" 1/ 34: "والأصلُ أنَّ حكمه وحكم أمَّته واحدٌ، إلاَّ أنْ يقوم الدليلُ بالاختِصاص"، ا.هـ.







تتمَّات البحث:



التتمَّة الأولى:



أفعال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - على سبْع مَراتِب:



1- خصوصيَّة، وفعلُها من غيرِه محرَّم:



ومثالها: الزواج من أكثر من أربعة؛ أنَّ كلَّ امرأةٍ تزوَّجَها النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لا تحلُّ لأحدٍ من بعده.



وهذه لا بُدَّ فيها من دليلٍ يدلُّ على اختِصاصه بها دون غيرِه.



أمَّا دليلُ المسألة الأولى فقوله - تعالى -: ï´؟ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ï´¾ [النساء: 3]، فقصَر زَواج المسلمين على أربعةٍ، ومع ذلك تزوَّج النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بأكثر من ذلك.



أمَّا دليل المسألة الثانية فقوله - تعالى -: ï´؟ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا ï´¾ [الأحزاب: 53].



2- أفعالٌ كانَتْ واجبةً في أوَّل الأمر، ثم ثبتَتْ على الوجوب في حَقِّ النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وخُفِّفت في حقِّ أمَّته؛ كقيام الليل، فإنَّه كان واجبًا في حقِّ الأمَّة كلِّها في أوَّل الأمر، ثم خُفِّف في حقِّ الأمَّة، وبقي واجبًا في حقِّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم.



وهذه الأفعال يَجُوز التزامُها مع عدم اعتِقاد وجوبها.



3- أفعال واجبة في حقِّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وبقيَّة الأمَّة؛ كالصلوات الخمس، وصوم رمضان.



4- أفعال مندوبة في حقِّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - وفي حقِّ أمَّته؛ كصلاة الوتر، وصيام يومي الاثنين والخميس، والسِّواك.



5- السنن الرواتب: وهى ما كان يُواظِب عليها النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في أغلَبِ حالِه، ويترُكها المرَّة والمرَّتين لبيان عدم وجوبها.



6- سنن غير مؤكدة: وهي ما كان النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يفعَلُها حينًا ويتركها حينًا.



7- أفعال جبليَّة: كهدي النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الطعام، والشراب، والنوم، والمشي، إلاَّ ما قام الدليل على انتِقال الحكم فيه إلى رتبةٍ من رُتَب الأحكام الشرعيَّة المختلفة.







التتمَّة الثانية:



فاتَ الناظم أنْ ينقل كلام المصنِّف - رحمه الله - في حكم فعل النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم.



قال الجويني - رحمه الله - في "الورقات" ص 15: "فعلُ صاحِب الشريعة، لا يَخلُو إمَّا أنْ يكون على وجْه القُربَة والطاعة، أو غير ذلك؛ فإنْ دلَّ دليلٌ على الاختِصاص به يُحمَل على الاختِصاص، وإنْ لم يدلَّ لا يخصص به؛ لأنَّ الله - تعالى - يقول: ï´؟ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ï´¾ [الأحزاب: 21].



فيُحمَل على الوُجوبِ عند بعض أصْحابنا، ومِن أصْحابنا مَن قال: يُحمَل على الندب، ومنهم مَن قال: يُتوقَّف عنه؛ فإنْ كان على وجه غير القربة والطاعة فيُحمَل على الإباحة في حقِّه وحقنا"، ا.هـ.







وقد نظَم الشرف العمريطي ذلك في "نظم الورقات" فقال:






وَحَيْثُ لَمْ يَقُمْ دَلِيلُهَا وَجَبْ

وَقِيلَ مَوْقُوفٌ وَقِيلَ مُسْتَحَبّْ


فِي حَقِّهِ وَحَقِّنَا وَأَمَّا

مَا لَمْ يَكُنْ بِقُرْبَةٍ يُسَمَّى


فَإِنَّهُ فِي حَقِّهِ مُبَاحُ

وَفِعلُهُ أَيْضًا لَنَا يُبَاحُ










التتمَّة الثالثة:



فاتَ المصنف - رحمه الله - أنْ يَذكُر حُكم أفعال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم.



قال العلاَّمة محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - في "الشرح الممتع على زاد المستقنع" 1/ 96: "الراجح عند أهل العلم أنَّ مجرَّد الفعل لا يقتَضِي الوجوب، إلاَّ إذا كان بَيانًا لمجملٍ من القول يدلُّ على الوجوب، بِناءً على النص المبين، أمَّا مجرَّد الفعل فالصحيح أنَّه دالٌّ على الاستِحباب"، ا.هـ.







التتمَّة الرابعة:



حكم أمر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بشيءٍ وفعله لخلافه:



قال العلامة محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - في "الشرح الممتع على زاد المستقنع" 1/ 207: "النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا أمَر بأمرٍ وفعل خلافَه، دلَّ فعلُه على أنَّ الأمر ليس للوجوب، ومال الشوكاني إلى أنَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا أمَر بأمرٍ وفعَل خلافه صار الفعل خاصًّا به، وبقي الأمر بالنسبة لكلامه على مدلوله للوجوب.



وهذا ضعيف؛ لأنَّ سنَّة النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - تَشمَل قولَه وفعلَه، فإذا عارَض قوله فعلَه، فإذا أمكَنَ الجمعُ فلا خصوصية؛ لأنَّنا مأمورون بالاقتِداء به قولاً وفعلاً، ولا يجوز أنْ نحمِلَه على الخصوصية مع إمكان الجمع؛ لأنَّ معنى ذلك ترْك العمل بشطر السنَّة وهو السنَّة الفعليَّة"، ا.هـ.







قال الناظم:






48- وَمَا أَقَرَّهُ مِنَ الْأَفْعَالِ

كَفِعْلِهِ كَذَاكَ فِي الْأَقْوَالِ














معاني المفردات:



أقرَّه: أمضاه، ولم يمنعه.







المعنى الإجمالي:



قال الناظم: إقرارُ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - القولَ الصادِرَ من أحد هو كقوله، وإقرارُه الفعلَ الصادر من أحدٍ هو كفعله.







المباحث التي يشتمل عليها البيت:



معنى الإقرار.



حالات الإقرار وقوَّتها عند الاستِدلال.







المبحث الأول: معنى الإقرار:



سنَّة النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - إمَّا قوليَّة، وإمَّا فعليَّة، وإمَّا تقريريَّة.



ومثال السنَّة القوليَّة: عن أبي هريرة - رضِي الله عنه - أنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((أُمِرتُ أنْ أُقاتِل الناسَ حتى يَشهَدوا أن لا إله إلاَّ الله، وأنَّ محمدًا رسولُ الله، ويُقِيموا الصلاة، ويُؤتوا الزكاة؛ ثم قد حرَّم عليَّ دماءَهم وأموالهم، وحسابهم على الله - عزَّ وجلَّ))؛ متفق عليه[1].



ومثال السنة الفعليَّة: عن عائشة - رضي الله عنها - أنَّها قيل لها: بأيِّ شيءٍ كان يَبدَأ النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا دخَل عليك بيتك؟ قالت: كان يبدأ بالسِّواك؛ أخرجه مسلم[2].



ومثال السنَّة التقريريَّة: عن عائشة - رضي الله عنها - أنَّها قالت: كنت أَفرك المنيَّ من ثَوْبِ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيُصلِّي فيه؛ أخرجه مسلم[3].



أمَّا معنى الإقرار فهو: سُكُوت النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - على قولٍ، أو فعلٍ فُعِلَ بحضرته أو في زمانه ولم يعتَرِض عليه.







المبحث الثاني: حالات الإقرار وقوَّتها:



الإقرار يأتي على ثلاث مراتب:



1- ما قِيل أو فُعِل في حضرة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وسكَت عنه.



2- ما فُعِل في زمَن النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وعَلِمَ به.



3- ما فُعِل في زمن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولم يُعرَف أنَّه اطَّلَع عليه أو لا.



أعلاها ما فُعِل في حضْرة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وسكَت عنه، ثم ما فُعِل في زمانه وعَلِم به، وهو لا يَسكُت على باطل، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، ثم ما فُعِل بزمان النبوَّة ولم يُعرَف اطِّلاع النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم.



وهى كلُّها يُحتَجُّ بها إذا ما خَلَتْ من مُعارِض؛ لأنَّها إمَّا وقعَتْ بعلم النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو لا يَسكُت على باطِلٍ - كما أشرنا آنفًا - وكذا تأخير البَيان عن وقت الحاجة لا يَجُوز، وإمَّا وقَعتْ في زمان الوحي، فلو كان فيها شيءٌ لنَزَل الوحيُ مُنبِّهًا كما حدَث في عشرات الحوادث.







تتمَّات البحث:



التتمَّة الأولى:



فاتَ الناظم نظم ما فُعِل في زمن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في غير مجلسه، ثم اطَّلع عليه.



قال الجويني - رحمه الله - في "الورقات" ص 15: "وما فُعِل في وقتِه في غير مجلسه وعَلِم به ولم يُنكِره، فحكمه حكمُ ما فُعِل في مجلسه"، ا.هـ.



وقد نظَم الشرف العمريطي ذلك في "نظم الورقات" فقال:



وَمَا جَرَى فِي عَصْرِهِ ثُمَّ اطَّلَعْ ♦♦♦ عَلَيْهِ إِنْ أَقَرَّهُ فَلْيُتَّبَعْ



التتمَّة الثانية:



فات الجويني والناظم ذِكر ما فُعِل في زمن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولم يُنقَل أنَّه اطَّلع عليه، وقد فصَّلنا ذلك في مَراتِب الإقرار.







[1] سبق تخريجُه.




[2] في "صحيحه": (كتاب الطهارة / باب: السواك / ح 43، 44).




[3] في "صحيحه": (كتاب الطهارة / باب: حكم المني / ح 108).














__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 277.91 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 272.07 كيلو بايت... تم توفير 5.84 كيلو بايت...بمعدل (2.10%)]