مناسك الحج - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         فتاوى رمضانية ***متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 564 - عددالزوار : 92681 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11935 - عددالزوار : 190855 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 114 - عددالزوار : 56888 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 78 - عددالزوار : 26179 )           »          شرح كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم للمنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 33 - عددالزوار : 726 )           »          الدين والحياة الدكتور أحمد النقيب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 16 - عددالزوار : 59 )           »          فبهداهم اقتده الشيخ مصطفى العدوي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 16 - عددالزوار : 57 )           »          يسن لمن شتم قوله: إني صائم وتأخير سحور وتعجيل فطر على رطب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 27 )           »          رمضان مدرسة الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          أمور قد تخفى على بعض الناس في الصيام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > ملتقى الحج والعمرة

ملتقى الحج والعمرة ملتقى يختص بمناسك واحكام الحج والعمرة , من آداب وأدعية وزيارة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 07-11-2021, 06:08 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,601
الدولة : Egypt
افتراضي مناسك الحج

مناسك الحج (الحلقة الأولى)
الشيخ عبد القادر شيبة الحمد



(الحلقة الأولى) [1]


بسم الله الرحمن الرحيم



أيها الإخوة المؤمنون، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



أما بعد:

فقد ذكر الله تبارك وتعالى كثيرًا من حكم الحج وأحكامه في كتابه الكريم حيث يقول: ﴿ وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ * ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ * ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ* حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ * ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ * لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ * وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الحج: 25، 37].



وكما قال الله عز وجل: ﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ * لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ * ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ* أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ * وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾[البقرة: 195، 203]، وكما قال عز وجل: ﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 158].



وقد جعل الله تبارك وتعالى الحج أحد أركان الإسلام الخمسة وهي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت الحرام لمن استطاع إليه سبيلًا. وقد اشتملت هذه الأركان الخمسة على الدرجة العليا من أصول أسباب سعادة الفرد والمجتمع في شئون المعاش والمعاد، إذ في كل تشريع إلهي منافع جليلة، ومصالح جزيلة، تبني الفرد الصالح والمجتمع الصالح وتهدي الأمة إلى سبيل الرشاد، وتدلها على ما يسمو بها إلى عز الدنيا وسعادة الآخرة، لقد أغنت الشريعة الإسلامية بكل تشريعاتها الإنسانية بكل ألوانها وبيئاتها وأجناسها وأوطانها. فلم يختص الله تعالى بجليل تشريعاتها قومًا دون قوم ولا جيلًا دون جيل ولا قبيلًا دون قبيل، وقد دلت التجارب على أن من استمسك بشريعة الإسلام ذاق حلاوة الأمن في نفسه وماله وعرضه ودينه، واستشعر الاستقرار وراحة البال في جميع شئونه المالية والنفسية والأخلاقية والاجتماعية. لا يحتاج المستمسك بها إلى غيرها إذ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخرج من الدنيا إلا وقد رسم للناس سبيل سعادتهم وطريق راحتهم وأمنهم ولم يترك صغيرًا أو كبيرًا من الخير إلا دل الإنسانية عليه وأمرها به ولم يترك صغيرة أو كبيرة من الشر إلا حذر الإنسانية منه ونهاها عنه وكما أخبر بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمهم كل شيء يحتاجون إليه في مسيرتهم الدنيوية والأخروية. لقد علمهم كيف يأكلون وماذا يأكلون وماذا يمتنعون عنه من المآكل، وعلمهم كيف يشربون وماذا يشربون وماذا يمتنعون عنه من المشارب. وعلم الإنسان كل حق عليه ليؤدي لكل ذي حق حقه. علم الإنسان كيف ينام وماذا يقول عند النوم وماذا يفعل أو يقول عندما يستيقظ من النوم وكيف يركب دابته أو ركوبته وماذا يقول عند ركوبها، وكيف يمشي في الطريق وماذا عليه من حق الطريق وماذا يقول إذا لقي إنسانًا، كما علمه حق الله تبارك وتعالى عليه وحق أنبيائه ورسله وحق والديه وحق نفسه وحق ذوي رحمه وحق جيرانه من أي لون ومن أي جنس ومن أي مذهب، وحق أصدقائه، وحق أمواله، وحق مماليكه وحق مواشيه وبهائمه، وحق جميع من يعول، لقد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم الإنسانية كل شيء حتى كيف يدخل الإنسان محل غائطه أو بوله وكيف يجلس عند قضاء حاجته من البول أو الغائط وأين يكون اتجاهه عند ذلك، يطبق رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك كتاب الله، ويبين للناس ما أنزل إليهم من عند الله، إما بنص صريح، أو بقاعدة كلية تندرج تحتها من الجزئيات ما يجدّ للناس في كل زمان أو مكان فتشريع الإسلام يغني عما سواه، لأنه تنزيل من الخالق العليم الخبير الحكيم، الذي يعلم ما يصلح عباده وينفع خلقه، ولذلك كانت الأنظمة والقوانين التي يضعها الناس لأنفسهم لا تغنيهم وكانت دائمًا محتاجة للتعديل أو التبديل بقطع النظر عن ألوان واضعيها وثقافتهم إذ أن الإنسان خاضع لبيئته وثقافته رغم أنفه، ولذلك لم يترك الله تبارك وتعالى الناس يضعون لأنفسهم شرائع بل أنزل كتبه وأرسل رسله وبعث أنبياءه وفرض على أهل العلم ألا يكتموه وألزمهم ببيانه وشرحه ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة، وإن الله سميع عليم، وإن شرعة الحج قد اشتملت على منافع عظيمة وفوائد جليلة في نواح شتى: اقتصادية واجتماعية وأخلاقية وتعبدية وعلمية وصحية، مما لا يحصيه إلا الله، ولذلك أجمل الرب تبارك وتعالى هذه المنافع حيث قال: ﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ﴾ [الحج: 26، 27]


والسلام وعليكم ورحمة الله وبركاته





[1] المدينة المنورة في 14 /11/ 1395












__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 14-11-2021, 09:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,601
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مناسك الحج

مناسك الحج (الحلقة الثانى)
الشيخ عبد القادر شيبة الحمد



(الحلقة الثانية)


أيها الإخوة المؤمنون، السلام عليكم ورحمه الله وبركاته.
أما بعد:
فإن الله تبارك وتعالى قد لفت انتباه الناس في ثنايا ذكره لحِكَمِ الحج وأحكامه إلى أن إخلاص العبادة لله، وإقامة سوق ذكره وشكره، هي من أهمِّ مقاصد الحج، وفي ذلك يقول: ﴿ وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا ﴾ [الحج: 26]، ثم يقول في نفس المقام بعد أن ذكر بعض مقاصد الحج وأحكامه: ﴿ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ * حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ﴾ [الحج: 30، 31]، ثم يصف خطورة الشرك، والعاقبة السيئة التي يؤول إليها المشرك، والحالة البشعة التي يتمثَّلها، حيث يقول: ﴿ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ﴾ [الحج: 31]، ثم يثني على المخلصين له، المعظِّمين لأمره، القائمين بحدوده، فيقول: ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج: 32].

ثم يختم ما ذكره عن الحج في سورة الحج ببيان أن منافع العبادة تعود على العباد؛ لأن الله غنيٌّ عن العالمين، فيقول: ﴿ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الحج: 37]؛ أي إن الله تبارك وتعالى أمركم بهذه الشرائع، ومنها ذبح الهدي، ولن يرتفع إلى الله شيءٌ من لحومها ودمائها، فهو الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد؛ وإنما ترتفع إليه أعمالُكم الصالحة فيجزيكم عليها أحسن الجزاء وأعظم الأجر.

ولذلك كذلك كان الإهلال بالتوحيد عند الدخول في النُّسك هو أبرز مظاهر الحج في هذا المقام، حيث يلبي فيقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.


ففي هذه التلبية إعلان الاستجابة لله، وإظهار طاعته وامتثال أمره تعالى بما هو أهله من الحمد والشكر المستوجب لأنْ يخص بالتوحيد، ويُفرد بالألوهية والربوبية والأسماء الحسنى والصفات العلى؛ ولذلك لا يجوز لمن يقول: لبيك اللهم لبيك، أن يذلَّ إلا لله، فليس له أن يضرع إلا لربِّه، وأن يستغيث إلا به، وأن يلجأ إلا إليه، فتكون صلاته لله، وحجه لله، ونسكه كله لله؛ لأنه سيده ومالكه، ومصلح شأنه، ومدبر أمره، فالذي يأوي إليه يأوي إلى ركن شديد.


ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: يا حي يا قيوم، يا بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، برحمتك أستغيث، فأصلح لي شأني كله ولا تَكِلْني إلى نفسي أو إلى أحد من خلقك طرفةَ عين، إنك إنْ وكَلتَني إلى نفسي أو إلى أحد من خلقك، وكَلتَني إلى عجز وضعف وفاقة.

ولذلك يجب على الحاج أن يحذر جميع صور الشرك؛ فلا يحلف إلا بالله؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع عمر رضي الله عنه في رهط وهو يحلف بأبيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تحلفوا بآبائكم ولا بالطواغيت، من كان حالفًا فليحلف بالله أو لِيَذَرْ))، وفي رواية: ((من حلف بغير الله فقد أشرك))، قال عمر رضي الله عنه: فما حلَفتُ بشيء من ذلك بعد ذلك لا ذاكرًا ولا آثرًا؛ أي: لا أحلف بغير الله ولا أنقل عن غيري أنه حلف بغير الله.

كما لا يجوز للحاج أن يتمسح بجدران بعض الأماكن والمساجد، إلا ما أذن فيه الإسلام من لمس الحجر الأسود وتقبيله، ولمس الركن اليماني من غير تقبيل، أما ما عدا ذلك من الأبواب وجدران المساجد أو بعض القبور أو البيوت، فلا يحل لأحد أن يقبِّلَها؛ ولذلك لما قبَّل عمرُ رضي الله عنه الحجرَ الأسود قال: والله إني أعلم أنك حجرٌ لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبِّلك ما قبَّلتك.

كما لا يجوز أن يذبح المسلم قربانًا لغير الله، فلا يذبح لنبيٍّ ولا لولي ولا للملائكة ولا للجن؛ لأن الله تبارك وتعالى حرَّم الذبح لغيره، حيث يقول: ﴿ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴾ [الكوثر: 2]، وكما قال عز وجل لخير خلقه وسيد أنبيائه ورسله محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ * قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: 162 - 164].

وقد أخبر الله تبارك وتعالى أنه لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصًا لوجهه الكريم؛ ولذلك يقول: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ﴾ [الملك: 1، 2]، قال أهل العلم: أحسن العمل أن يكون خالصًا صوابًا، والخالص: ما كان لوجه الله، والصواب: ما كان على منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم.

كما بيَّن الرب تبارك وتعالى أنه يحبط جميع الأعمال المشوبة بالشرك حيث يقول: ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ﴾ [الفرقان: 23]، وأشار إلى خطورة هذا الأمر حيث خاطب المعصوم من الشرك، المحفوظ من الخطايا والسيئات؛ إمام المرسلين صلى الله عليه وسلم: ﴿ قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ * وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ * وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [الزمر: 64 - 67].

لذلك يجب على الحاج أن يحذر أشَّد الحذر من كل ألوان الشرك؛ حتى يَسلَمَ له عملُه الصالح، فيرجع مغفورَ الذنب، مشكورَ السعي، مرفوعَ الدرجات.

كما يجب عليه كذلك أن يصون جسمَه من أكل الحرام، ولسانَه من أعراض الناس، ويدَه من إيذاء أحد من خلق الله؛ فإن من غُذِيَ بالحرام لا يستجاب دعاؤه، وإذا قال: لبيك، قيل له: لا لبيك ولا سعديك، وحجُّك مردود عليك، وكما أخبَر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، ومطعمه حرام، وملبسه حرام، يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، أنَّى يُستجاب لذلك؟

فطِيبُ المطعم من أهمِّ أسباب سلامة القلب، وسعادة النفس، واستجابة الدعاء؛ ولذلك أُثِر أن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعاء، فقال له صلى الله عليه وسلم: ((أطب مطعمك تستجب دعوتك)).

وينبغي للحاج أن يستفيد من هذا التجمعِ الإسلامي العظيم بسؤال أهل العلم منهم عما يجهل، وبذل المعروف فيما يقدر، وتبادل الآراء فيما يعود على الأمة الإسلامية بالخير، وفيما يدفع عنها من الشر، وفيما يربط بين قلوبهم من الود.


إن المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد؛ إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، وليعلم المسلم أن من دلَّ على خير فله أجر مثل فاعله، ومن سنَّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها لا ينقُصُ من أجورهم شيءٌ.

وفي حلقات قادمة إن شاء الله نتحدث عن مناسك الحج، وأفعال تلك المناسك كما تلقَّاها المسلمون جيلًا بعد جيل عن حبيب الله ورسوله وإمام أنبيائه صلى الله عليه وسلم، الذي قال: ((لتأخذوا عني مناسككم))، وأسأل الله تبارك وتعالى لنا ولكم التوفيق والهداية إلى أحسن طريق، والتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع الأحوال والأفعال والأقوال. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 14-11-2021, 09:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,601
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مناسك الحج

مناسك الحج (الحلقة الثالثة)
الشيخ عبد القادر شيبة الحمد



(الحلقة الثالثة)




أيها الإخوة المؤمنون، السلام عليكم ورحمه الله وبركاته.

أما بعد:
فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، أي مسجد وُضع أولُ؟ قال: ((المسجد الحرام))، قلت: ثم أي؟ قال: ((المسجد الأقصى))، قلت: كم بينهما؟ قال: ((أربعون سنة))، ثم قال: ((حيث أدركتك الصلاة فصلِّ، فكلها مسجد)).

أيها المستمعون الكرام: لا تعرف الإنسانية مكانًا في الأرض سوى الكعبة البيت الحرام أكبره الله تبارك وتعالى في قلوب عباده، وأوقع في نفوسهم هيبته، وعظم بينهم حرمته، وجعله قيامًا للناس، وسببًا من أعظم أسباب صلاح معاشهم ومعادهم، ودنياهم وآخرتهم، على اختلاف ألسنتهم وألوانهم وأجناسهم، واختاره منطقة أمان للإنسان والطير والحيوان، وفرض عليهم حجَّه، وربطه بإبراهيم خليل الرحمن وأبي الأنبياء، وأبقى أثره فيه، تهوي إليه أفئدة الناس، تلتمس بمسعاها إليه علوَّ الدرجات، وتكفير الخطيئات وزيادة الكرامات، وإلى ذلك كله يشير رب العالمين حيث يقول: ﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 96، 97]، وكما قال عز وجل: ﴿ جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ ﴾ [المائدة: 97]، وكما قال عز وجل: ﴿ وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا ﴾ [البقرة: 125].

ولعظم حرمة هذا البيتِ العتيق جعل الله تبارك وتعالى لمن حجه ميقاتًا زمنيًّا لا يصح الإحرام إلا فيه، وهو شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة، كما أحاطه الرب تبارك وتعالى بمنطقة شاسعة حدَّد فيها أماكن حرَّم على من يريد الحج أو العمرة أن يتجاوزها دون أن يكون مُحْرِمًا، وهي لجميع من يمر عليها من أهل الدنيا، سواء كان قريب الدار من هذه المواقيت، أو كان بعيدًا عنها ويمر بها، فقد روى البخاري ومسلم صحيحيهما من حديث حبر الأمة وترجمان القرآن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: وقَّت رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفةَ، ولأهل نجد قرنَ المنازل، ولأهل اليمن يلملم، فهنَّ لهنَّ، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد الحج والعمرة، فمن كان دونهن فمهلُّه من أهله، وكذاك حتى أهل مكة يهلون منها.

وقد وقَّت عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذات عِرق لأهل العراق؛ فقد روى البخاري في صحيحه من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: لما فُتح هذان المصرانِ (يعني البصرة والكوفة) أتوا عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه فقالوا: يا أمير المؤمنين، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدَّ لأهل نجد قرنًا، وإنه جور عن طريقنا، وإن أردنا أن نأتي قرنًا شقَّ علينا، قال عمر رضي الله عنه: فانظروا حذوها من طريقكم، قال: فحدَّ لهم ذات عِرق.

وبهذا تبين أنه لا يلزم من كان طريقه على غير طريق هذه المواقيت أن يأتيَها ليُحرِمَ منها، بل يكفيه أن يحرم من مكان يقابلها من طريقه، ولا يتجاوز ذلك بأية حال من غير إحرام ما دام يريد الحج والعمرة، ولا فرق في ذلك كذلك بين أن يكون طريقه بحريًّا أو بريًّا أو جويًّا، وأن من كان في المدينة المنورة مثلًا وأراد الحج والعمرة لا يجوز له أن يتجاوز ذا الحليفة - وهي آبار علي - بدون إحرام، سواء كان مدنيًّا أو شاميًّا أو مصريًّا أو مغربيًّا أو أوربيًّا أو أمريكيًّا أو يابانيًّا أو هنديًّا أو إفريقيًّا.

وكذلك من أتى من طريق نجد وكان مروره على ميقات نجد وهو قرن، أو مر على طريق يلملم، أو جاء من البحر عن طريق الجحفة ومكانها الذي اختير هو رابغ، من جاء من الحجاج أو العمار من أي طريق من هذه الطرق، كانت مواقيتها هي ميقاته، بقطع النظر عن جنسه أو البلد الذي قدم في الأصل منه؛ لما روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه المواقيت: ((هن لهن، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج أو العمرة)).

وإذا كان طريقه يمر بميقاتين؛ كمن يتوجه من المدينة عن طريق آبار علي ورابغ، فلا يحل له أن يتجاوز الأول منهما بدون إحرام؛ لأن ميقاته صار هو الأول لمروره عليه، فإذا تجاوز الميقات بدون إحرام رجع وأحرم من الميقات.

أما إذا لم يتمكن من الرجوع إلى الميقات ليحرم منه، فإنه يلزمه دمٌ عند أكثر علماء الإسلام.

أما من كان مسكن أهله ومنزله داخل هذه المواقيت؛ أي: أقرب إلى مكة منها، فميقاته من حيث عزم على الحج أو العمرة؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ومن كان دون المواقيت، فميقاته من حيث أهلَّ، حتى أهل مكة من مكة)).

والإنسان مخيَّر عند الإحرام بين الأنساك الثلاثة، وهي: إفراد الحج أو التمتع أو القران، فإن شاء أحرم بالحج مفردًا، وإن شاء تمتَّع بالعمرة إلى الحج، وإن شاء قرَنَ بين الحج والعمرة، وهذه الأنساك الثلاثة هي التي عرفها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يحجِّروا على أحد في اختيار نوع منها، وقد فعلوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم.

فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث الصديقة بنت الصديق حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوادع، فمنا من أهلَّ بعمرة، ومنا من أهلَّ بحج وعمرة، ومنا من أهلَّ بالحج، وأهلَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج، فأما من أهل بعمرة فحلَّ، وأما من أهل بالحج أو جمع الحج والعمرة فلم يحُّلوا حتى كان يوم النحر.

فالذي يهل بالحج وحده يسمى مفرِدًا، والذي يهل بالعمرة في أشهر الحج ثم بعد الانتهاء من أعمالها يتحلل ويقيم بمكة حلالًا حتى يحج من سنته هذه يسمى متمتعًا. أما القارن فهو الذي يجمع في نيته بين الحج والعمرة.

ولا فرق في العمل بين المفرد والقارن، فإن أداء النسك للمفرد كأدائه للقارن تمامًا لا يختلفان في شيء إلا أن المفرد عند التلبية يقول: لبيك اللهم حجًّا، والقارن يقول: لبيك اللهم حجًّا وعمرة. وكذلك فإن المفرد لا يجب عليه هديٌ، بخلاف القارن فإنه يجب عليه الهدي. أما سائر الأعمال فإنه لا فرق فيها بين المفرد والقارن، فالذي يعمله المفرد من وقت إحرامه إلى وقت تحلُّله هو عين ما يفعله القارن من وقت إحرامه إلى وقت تحلُّله.


وإلى حديث قادم إن شاء الله تعالى.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 23-11-2021, 07:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,601
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مناسك الحج



مناسك الحج (الحلقة الرابع)
الشيخ عبد القادر شيبة الحمد




(الحلقة الرابعة)



أيها الإخوة المؤمنون، السلام عليكم ورحمه الله وبركاته.

أما بعد:
فقد أشرت في حديث سابق إلى أن المسلم إذا عزم على الحج كان مخيرًا بين أحد الأنساك الثلاثة وهي الإفراد أو القران أو التمتع، كما أشرت إلى أنه لا يجوز لمن أراد الحج أو العمرة أن يتجاوز الميقات بدون إحرام. ومن السنة الاغتسال للإحرام وهو غسل للنظافة لا للطهارة حتى الحائض والنفساء إذا أرادت الحج أو العمرة فإنها تغتسل عند إحرامها كذلك، فقد روى مسلم من حديث جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنهما في قصة حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فخرجنا حتى أتينا ذا الحليفة فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر رضي الله عنهما فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أصنع؟ قال: اغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي. وإذا كان يشق على الإنسان الاغتسال عند الميقات فلا بأس بأن يغتسل في منزله بالمدينة المنورة مثلًا أو في الباخرة قبل الوصول إلى الميقات أو في منزله قبل ركوب الطائرة متوجهًا إلى جدة وبعد الاغتسال يلبس ملابس الإحرام وهي إزار ورداء بالنسبة للرجل والأولاد الذكور أما النساء فليس لإحرامهن ثوب معين بل تلبس المرأة ما شاءت من الثياب مادام يسترها ولا يصف ولا يشف ما تحته.

وليس الإحرام هو مجرد لبس الإزار والرداء بل الإحرام هو نية الدخول في النسك. فلو لبس الإزار والرداء قبل الوصول إلى الميقات فلا بأس لكن لا ينوي الإحرام إلا من الميقات. وينبغي له أن يقلم أظافره ويزيل شعر إبطه وعانته، ولا بأس له أن يتطيب قبل الدخول في النسك بطيب لا يدوم بعد أن يحرم إذا كان به زعفران وينبغي أن يكون الإحرام بعد صلاة فإنه ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحرم بعد الصلاة؛ فقد روى البخاري ومسلم في صحيحهما واللفظ لمسلم من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركع بذي الحليفة ركعتين ثم إذا استوت به الناقة قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهلّ بهؤلاء الكلمات ويقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك وسعديك، والخير في يديك والرغباء إليك والعمل. فلو لم يتمكن من الصلاة عند الإحرام فلا شيء عليه.


ولا يجوز أن يلبس المحرم شيئًا مخيطا أو محيطًا؛ فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقال: لا تلبسوا القمص ولا العمائم، ولا السراويلات، ولا البرانس، ولا الخفاف إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس خفين وليقطعهما أسفل من الكعبين، ولا تلبسوا من الثياب شيئًا مسه زعفران ولا ورس. زاد البخاري في رواية: ولا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين.

كما روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث يعلى بن أمية رضي الله عنه قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة إذا جاءه رجل أعرابي عليه جبة وهو متضمخ بالخلوق فقال: يا رسول الله! إني أحرمت بالعمرة، وهذه علي! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات وأما الجبة فانزعها ثم اصنع في عمرتك ما تصنع في حجك.

فالتجرد من الثياب والملابس المخيطة أو المحيطة واستبدالها بإزار ورداء مظهر من مظاهر المساواة التامة بين جميع المسلمين بقطع النظر عن أجناسهم وبيئاتهم ولغاتهم ومنازلهم كما أن الحج رحلة كبرى يقطعها المؤمن في مسيرته لله عز وجل ولذلك جعل الإسلام ملابس الحجاج أشبه ما تكون بالأكفان الذي يندرج الناس فيها عند الانتقال إلى الدار الآخرة.

ولما كان أمر النساء مبنيًا على الستر والابتعاد عن كل أسباب الافتتان أباح الشرع للمرأة أن تلبس المخيط أو المحيط الذي حرمه على المحرمين من الرجال، فلها أن تلبس الثياب والقمص والسراويل والخفين والجوارب، ولم تفرض الشريعة عليها في إحرامها لونًا معينًا من الثياب غير ما يستر عورتها ولا يشف شيئًا من بدنها، ونهاها عن أن تنتقب أو تلبس مخيطًا لوجهها، وحرم عليها في إحرامها أن تلبس القفازين في يديها؛ فقد روى البخاري في صحيحه من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ولا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين.

ويجوز أن تسدل جلبابها من رأسها على وجهها إذا كانت عند رجال أجانب عنها ليسوا من محارمها؛ فقد روى أبو داود واللفظ له وابن ماجه بسند جيد من حديث الصديقة بنت الصديق حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات فإذا جاوزوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها. فإذا جاوزونا كشفناه.

كما نهى الإسلام المرأة أن تلبس شيئًا يثير الفتنة؛ فقد روى أبو داود من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب وما مس الورس والزعفران من الثياب. ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب معصفر أو خز أو حلي أو سراويل أو قمص أو خف.

كما يجوز للمحرم من الرجال أو النساء أن يستظل بما شاء من مظلة ما دام لا يغطي الرجل رأسه؛ فقد روى مسلم في صحيحه من حديث أم الحصين رضي الله عنها قالت: رأيت أسامة وبلالًا رضي الله عنهما وأحدهما آخذ بخطام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة.

وأباح الإسلام كذلك للمحرم أن يغير ملابس إحرامه متى شاء بملابس إحرام أخرى أو يغسلها إذا اتسخت، أو يلبس أكثر من إزار ورداء من البرد ونحوه وله كذلك أن يغتسل متى شاء؛ فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغسل رأسه وهو محرم. وفي رواية لمسلم من طريق عبدالله بن حنين أن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما والمسور بن مخرمة رضي الله عنه اختلفا بالأبواء فقال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: يغسل المحرم رأسه، وقال المسور بن مخرمة رضي الله عنه: لا يغسل المحرم رأسه، فأرسلني ابن عباس رضي الله عنهما إلى أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أسأله عن ذلك فوجدته يغتسل بين القرنين (يعني بين الخشبتين القائمتين على رأس البئر) وهو يستتر بثوب، قال: فسلمت عليه فقال: من هذا؟ فقلت: أنا عبدالله بن حنين أرسلني إليك عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أسألك كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم غسل رأسه وهو محرم. فوضع أبو أيوب رضي الله عنه يده على الثوب فطأطأه حتى بدا لي رأسه ثم قال لإنسان يصب: اصبب فصب على رأسه ثم حرك رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر ثم قال: هكذا رأيته صلى الله عليه وسلم يفعل.









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 24-11-2021, 06:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,601
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مناسك الحج

مناسك الحج (الحلقة الخامسة)











الشيخ عبد القادر شيبة الحمد




أيها الإخوة المؤمنون السلام عليكم ورحمه الله وبركاته.



أما بعد:



فقد تحدثت في حديث سابق عما يفعله الإنسان إذا أراد الإحرام وأشرت إلى أن الإنسان يصير محرمًا بنية الدخول في النسك الذي يريد ويتأكد ذلك بالتلبية من الميقات فإذا أراد الحج وحده أي مفردًا قال:



اللهم إني أريد الحج فيسره لي وتقبله مني، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. وإذا أراد الحج والعمرة جميعًا ليصير قارنًا قال: اللهم إني أريد الحج والعمرة فيسرهما لي وتقلبهما مني. لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. وإذا أراد أن يكون متمتعًا قال: اللهم إني أريد العمرة متمتعًا بها إلى الحج فيسرها لي وتقبلها مني، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. وله أن يقول: اللهم إني أريد العمرة فيسرها لي وتقبلها مني، ثم يلبي دون أن يقول متمتعًا بها إلى الحج. وبمجرد الإتيان بهذه النية والتلبية يصير الإنسان محرمًا، وإذا كان يخاف على نفسه من عائق يحول بينه وبين تمام النسك فليشترط عند الإحرام ويقول: اللهم إني أريد الحج إن كان مفردًا أو أريد الحج والعمرة إن كان قارنًا أو أريد العمرة متمتعًا بها إلى الحج إن كان متمتعًا فيسره لي وتقبله مني وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني. وفائدة هذا الاشتراط أنه إذا حبسه حابس في الطريق حل ولا شيء عليه، فإذا صار الإنسان محرمًا تأكد في حقه الامتناع عن كل رفث وفسوق وعصيان وجدال مما ينقص من حجه أو يذهب بأجره ولذلك يقول الرب تبارك وتعالى: (فمن فرض فيهم الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) والرفث هو غشيان النساء ودواعيه من المباشرة أو التقبيل أو نحو ذلك. والفسوق هو عصيان الله عز وجل بأي صورة من صور المعاصي، ولما كان الحج يكتنفه ضرورة مخالطة الناس ومزاحمتهم في الأسفار والمشاعر والمنازل والموارد فقد طلب الإسلام من المسلم الذي أحرم بالحج أو العمرة أن يبتعد عن المخاصمة والمنازعة والمجادلة مع أي أحد من الناس، وقد بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم من ترك مجادلة الناس ومُمَارَاتَهُم وإن كان محقًا ببيت في ربض الجنة، فقد روى أبو داود واللفظ له وابن ماجه والترمذي وحسنه من حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًا. فعلى الحاج أن يتجنب كل ما يؤذي أحدًا من المسلمين وأن يصون لسانه إلا من الخير، وأن يحفظ سمعه فلا يستمع إلا ما يرضي الله عز وجل، وأن يحفظ بصره فلا تتبع به العورات، وأن يحفظ يده فلا تبطش في ضرر أحد، وأن يصون رجله فلا تخطو في أذية أحد، وأن يجعل في فكره دائما قول الله عز وجل: (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرًا عظيمًا).








وقد نبهت إلى أن أعمال الحاج المفرد وأعمال القارن لا تختلف فهما متفقان في كل شيء إلا أن القارن عليه هدي والمفرد لا يجب عليه الهدي فإذا أحرم المفرد أو القارن من الميقات أكثر من التلبية كلما علا مرتفعًا من الأرض أو هبط واديًا أو لقي ركبًا أو نزل منزلًا وليكثر من ذكر الله تبارك وتعالى وليرفع صوته بالتلبية بالقدر الذي لا يضره حتى يصل إلى مكة، ويستحب له الاغتسال قبل دخولها إذا لم يشق عليه ذلك فإذا وصل المسجد الحرام بدأ فطاف بالبيت طواف القدوم سبعة أشواط يرمل في الثلاثة الأول منها ويمشي في الأربعة الباقية ويبتدئ كل شوط بالحجر الأسود ويختم به وكلما صار مقابلًا للحجر الأسود استقبله واستلمه بيمينه ويقبله إن تيسر له ذلك ويقول عند استلامه: بسم الله، والله أكبر، فإذا لم يتيسر له تقبيله استلمه بيده أو بعصاه وقبّل ما استلمه به، فإن شق عليه استلامه أشار إليه وكبر، ولا يقبل ما يشير به، ويستحب له قبل البدء في طواف القدوم أن يضطبع ردائه حتى يطوف جميع أشواط هذه الطواف وهو مضطبع بردائه والاضطباع أن يجعل الرداء تحت إبطه الأيمن وطرفي الرداء على عاتقه الأيسر ليكون عاتقه الأيمن مكشوفًا. ولا يستحب هذا الاضطباع إلا في أول طواف للقادم بالحج أو العمرة فلا يضطبع في غير طواف القدوم أو طواف العمرة فإذا فرغ المفرد أو القارن من طواف القدوم جعل الرداء على عاتقيه جميعًا ثم يصلي ركعتي الطواف أمام مقام إبراهيم إن تيسر له ذلك لقوله تبارك وتعالى: (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) فإن كان المكان مزدحمًا ولم يتيسر له صلاة الركعتين عند مقام إبراهيم صلاهما في أي مكان من المسجد الحرام ويسن أن يقرأ في الركعة الأولى منهما بعد فاتحة الكتاب بسورة قل يا أيها الكافرون وفي الركعة الثانية بعد الفاتحة بسورة قل هو الله أحد فإذا فرغ من ركعتي الطواف قصد الحجر الأسود فاستلمه ثم يخرج إلى الصفا من باب الصفا إن تيسر له ذلك فإن لم يتيسر له الخروج من باب الصفا خرج من أي باب حتى يصعد على جبل الصفا ويستقبل ويقول: لا إله إلا الله والله أكبر لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم يدعو بما شاء ويكرر ذلك الدعاء ثلاث مرات ثم يبتدئ السعي فينزل إلى جهة المروة، ويسرع بين العلمين الأخضرين، فإذا وصل المروة صعد عليها ويكرر الذكر الذي ذكره على الصفا فوق المروة ثلاث مرات مستقبلًا القبلة ثم يعود إلى الصفا ثم يرجع إلى المروة حتى يختم السعي سبعة أشواط من الصفا إلى المروة شوط ومن المروة إلى الصفا شوط فيكون السابع منتهيًا عند المروة. ويستحب أن يكثر من الدعاء والذكر في طوافه وسعيه. فإذا فرغ المفرد أو القارن من السعي أقام بمكة محرمًا حتى يخرج بهذا الإحرام إلى منى في اليوم الثامن من ذي الحجة وهو يوم التروية فيصلي بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر كل صلاة في وقتها لكنه يصلي الظهر ركعتين والعصر ركعتين والعشاء ركعتين ثم بعد طلوع الشمس من يوم عرفة يتوجه إلى عرفة، ويصلي فيها الظهر والعصر في وقت الظهر كل صلاة منها يصليها ركعتين قصرًا، ويؤذن للصلاتين هاتين أذانًا واحدًا ويقيم لكل منهما إقامة. ثم يقف بعرفة. وأما الذي أحرم بالعمرة متمتعًا بها إلى الحج فإنه عندما يصل إلى مكة يطوف طواف العمرة سبعة أشواط على نفس الصورة التي يعملها المفرد أو القارن في طواف القدوم ويسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط على نفس الصورة التي سعى بها المفرد والقارن إلا أن هذا الطواف والسعي بالنسبة للمتمتع يسمى طواف العمرة وسعي العمرة وليس على المتمتع طواف القدوم.







وطواف العمرة وسعيها فرض لازم بالنسبة للمتمتع أما طواف القدوم بالنسبة للمفرد والقارن فهو سنة فإذا طاف المتمتع طواف العمرة وسعى لها بين الصفا والمروة قص شعره وتحلل من الإحرام ولبس ملابس الحل وأقام بمكة حلالا يباح له كل ما كان محرمًا عليه بالإحرام من مس الطيب ومباشرة أهله وغير ذلك من الحلال الذي كان محرمًا عليه بالإحرام. فإذا كان يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذي الحجة أحرم بالحج من منزله من المسجد الحرام أو من أي مكان تيسر له ثم يخرج إلى منى فيصلي فيها الظهر والعصر والمغرب والعشاء وفجر يوم عرفة على نفس الصورة التي يفعلها المفرد والقارن ثم بعد طلوع الشمس يوم عرفة يتوجه كالفرد والقارن إلى عرفة فيصلي فيها بعد زوال الشمس الظهر والعصر قصرًا وجمعًا في وقت الظهر بأذان واحد وإقامتين أي إقامة للظهر وإقامة للعصر. ثم يقف الجميع: المتمتع والمفرد والقارن بعرفة. وعرفة كلها موقف، ويدفع عن بطن عرنة. وإلى حديث قادم إن شاء الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.








المدينة المنورة في 17/11/1395هـ.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 04-12-2021, 04:16 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,601
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مناسك الحج

مناسك الحج (الحلقة السادسة)










الشيخ عبد القادر شيبة الحمد




أيها الإخوة المؤمنون، السلام عليكم ورحمه الله وبركاته.

أما بعد:

فقد ذكرت في الحديث السابق أن المفرد والقارن والمتمتع يصلون الظهر والعصر في وقت الظهر بعرفة قصرًا وجمعًا ثم يقفون بعرفات وعرفات كلها موقف إلا بطن عرنة وليس معنى الوقوف بعرفة أن يقف الإنسان قائمًا بل المراد الوجود بعرفات سواء كان واقفًا أو قاعدًا أو مضطجعًا، ويستحب له استقبال القبلة وجبل الرحمة إن تيسر له ذلك فإن لم يتمكن من استقبال القبلة وجبل الرحمة جميعًا استقبل القبلة وأكثر من الذكر والدعاء والتلبية، وصان نفسه من كل إثم وأبعدها عن كل معصية لأنه في موقف يباهي الله تبارك وتعالى به ملائكته. وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير) ويستحب له أن يكرر الدعاء والتضرع وأن يكثر من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يلح في الدعاء ويطلب من ربه تبارك وتعالى خيري الدنيا والآخرة، وينبغي أن يكون مخبتًا منيبًا ساكنًا قانتًا ذليلًا لله عز وجل مبتعدًا عن اللهو والرفث وسائر أنواع الفسوق والجدال منكسرًا بين يدي ربه يرجو رحمته ويخشى عذابه، فإذا غربت الشمس انصرف إلى مزدلفة بسكينة ووقار، وأكثر من التلبية، فإذا وصل إلى مزدلفة صلى بها المغرب ثلاث ركعات والعشاء ركعتين في وقت واحد بأذان واحد وإقامتين: إقامة لصلاة المغرب وإقامة لصلاة العشاء، والسنة أن يصلي المغرب قبل أن يحط رحله ثم يحط رحله ثم يصلي العشاء ثم يقيم بمزدلفة إلى الفجر فإذا صلى الصبح بمزدلفة في أول وقته وقف عند المشعر الحرام وذكر الله عز وجل مستقبلًا القبلة لقوله تعالى: ﴿ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ۖ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ ﴾ [البقرة: 198] وإذا لم يتيسر له الوقوف عند المشعر الحرام فليقف في أي مكان من مزدلفة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: وقفت ههنا وجمع (أي مزدلفة) كلها موقف. وليستمر في دعائه إلى الإسفار الجيد ويلتقط من مزدلفة سبع حصيات فقط وهي التي يرمي بها جمرة العقبة يوم العيد أما باقي الحصى الذي يرمي به في أيام التشريق فليلتقطه من منى. ويجوز للضعفة من النساء والصبيان ومن في حكمهم أن يدفعوا من مزدلفة إلى منى آخر الليل فإذا أسفر الحاج جدًا انصرف من مزدلفة إلى منى وأكثر من التلبية في سيره، وإذا وصل وداي محسر أسرع قليلًا. فإذا وصل إلى جمرة العقبة من منى قطع التلبية ورمى هذه الجمرة بسبع حصيات يرفع يده عند رمي كل حصاة ويكبر ويستحب أن يكون رميها من بطن الوادي وتكون الكعبة عن يساره ومنى عن يمينه، ثم بعد الرمي ينحر هديه إن كان قارنًا أو متمتعًا أما المفرد بالحج فلا يجب عليه الهدي. فإذا ذبح هديه حلق رأسه أو قصر كل شعر رأسه. وبرمي جمرة العقبة والحلق أو التقصير يحل الحاج التحلل الأول وهو الذي يبيح الملابس والطيب وتقليم الأظافر وكل ما كان محرمًا عليه بالإحرام إلا النساء فإنه لا يحل له قربان زوجته إلا بعد التحلل التام. والأعمال التي يحصل بها التحلل ثلاثة وهي رمي جمرة العقبة والحلق أو التقصير والطواف بالبيت مع السعي لمن عليه سعي. فمن عمل اثنين منها حل التحلل الأول الذي يبيح له كل شيء إلا النساء فإن عمل الثالث حل له كل شيء حتى زوجته ولا حرج عليه في تقديم أو تأخير بعض هذه الثلاثة عن بعض فلو قدم الطواف بالبيت على رمي جمرة العقبة أو قدم الحلق أو التقصير على رمي جمرة العقبة أو قدم الطواف على الحلق أو التقصير فلا حرج عليه فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سئل عن شيء من هذه الثلاثة قدم أو أخر إلا قال: (افعل ولا حرج) والمهم هو أنه إذا فعل اثنين منها أي اثنين حل له أن يلبس ملابسه وحل له كل شيء إلا النساء فإذا فعل الثالث حل له النساء فلو طاف وحلق قبل أن يرمي الجمرة جاز له أن يرمي الجمرة بملابس الحل المعتادة من المخيط أو المحيط وإذا طاف مثلًا ورمى الجمرة جاز له أن يحلق رأسه هو لابس ثيابه المعتادة ولو رمى الجمرة وحلق رأسه فله أن يطوف بالبيت وهو لابس ثيابه المعتادة. فاثنان من هذه الثلاثة تحله التحلل الأول، والثالث يحله التحلل الأكبر التام. والطواف بعد النزول من عرفات ومزدلفة ركن من أركان الحج وهو المقصود من قوله تبارك وتعالى: ﴿ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ﴾ [الحج: 29] ويسمى طواف الإفاضة وطواف الحج ولا يصح الحج دونه كالوقوف بعرفة. والمفرد أو القارن إذا كان سعى بين الصفا والمروة بعد طواف القدوم فلا يجب عليه السعي بعد طواف الإفاضة إذ هو مخير في السعي بين أن يجعله بعد طواف القدوم أو بعد طواف الإفاضة أما المتمتع فإنه يسعى بعد طواف الإفاضة ولا بد من هذا السعي بالنسبة للمتمتع؛ لأن سعيه الأول الذي كان بعد الطواف الذي طافه عند وصوله إلى مكة هو سعي العمرة كما أن طوافه ذاك كان طواف العمرة. أما طواف الإفاضة فلا بد أن يسعى بعده المتمتع فالمتمتع عليه طوافان وسعيان، طواف وسعي للعمرة عند قدومه إلى مكة، وطواف وسعي للحج بعد نزوله من عرفة ومزدلفة أما المفرد أو القارن فإن طوافه عند وصوله إلى مكة سنة ويسمى طواف القدوم فإن سعى بعده أغناه عن السعي بعد طواف الإفاضة وإن لم يسع بعد طواف القدوم لزمه السعي بعد طواف الإفاضة. والطواف بالبيت العتيق صورة من أعظم صور العبودية لله عز وجل ومظهر من أبرز مظاهر الضراعة للحي القيوم ومثال من أروع أمثلة الطاعة والانقياد لله عز وجل ولم يشرع الله تبارك وتعالى الطواف حول مكان في الأرض سوى بيته المحرم الذي جعله الله تبارك وتعالى مثابة للناس وأمنًا، وأقامه موئلًا للتوحيد وإخلاص العبادة لله تبارك وتعالى، واختاره قبلة لجميع المسلمين. فلا يحل لمسلم أن يطوف حول قبر مهما كان صاحب القبر ولا حول مكان مهما كان هذا المكان سوى الكعبة المشرفة التي جعل الله الطواف خاصا بها، ومن أعظم ما يعبد الله عز وجل به حولها ولذلك قال عز من قائل: ﴿ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ﴾ [الحج: 26] وكما قال الله عز وجل: ﴿ وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ﴾ [البقرة : 125] . وإلى حديث قادم إن شاء الله تعالى، والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته.




المدينة المنورة في 18/11/1395هـ.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 04-12-2021, 04:18 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,601
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مناسك الحج

مناسك الحج (الحلقة السابعة)










الشيخ عبد القادر شيبة الحمد





أيها الإخوة المؤمنون. السلام عليكم ورحمه الله وبركاته.

أما بعد:

فقد أوضحت في حديث سابق أن الأعمال التي يتحلل بها الحاج بعد نزوله من مزدلفة ثلاثة، من عمل اثنين منها حل التحلل الأول الذي يبيح له لبس الملابس المخيطة أو المحيطة والطيب وغيره من الأمور التي كانت محرمة عليه بالإحرام إلا النساء فإذا عمل الثالث حل له كل شيء حتى النساء وهذه الأفعال الثلاثة هي رمي جمرة العقبة والحلق أو التقصير والطواف بالبيت العتيق ثم السعي لمن عليه سعي. أما نحر الهدي ممن عليه هدي فلا دخل له بالتحلل.



والسنة ترتيب الأفعال الأربعة يوم العيد وهي رمي جمرة العقبة ونحر الهدي والحلق أو التقصير والطواف بالبيت ثم السعي لمن عليه سعي فيبدأ الحاج برمي جمرة العقبة ثم يذبح هديه إن كان متمتعًا أو قارنًا ثم يحلق رأسه أو يقصره ثم يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة إن كان متمتعًا أو كان قارنًا أو مفردًا ولم يسع بعد طواف القدوم، فلو قدم الحاج واحدًا من هذه الأربعة على الآخر ولم يعملها على هذا الترتيب فلا حرج؛ لما روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف في حجة الوداع بمنى للناس يسألونه فجاءه رجل فقال: لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح، فقال صلى الله عليه وسلم: اذبح ولا حرج، فجاء آخر فقال: لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي فقال: ارم ولا حرج، فما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: افعل ولا حرج.



وفي لفظ لمسلم: أتاه رجل فقال: حلقت قبل أن أرمي قال صلى الله عليه وسلم: ارم ولا حرج. فقال: أفضت إلى البيت قل أن أرمي فقال: ارم ولا حرج.



كما روى البخاري من حديث حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل يوم النحر بمنى فيقول: لا حرج، فسأله رجل فقال: رميت بعد ما أمسيت فقال: لا حرج.



كما روى الترمذي من حديث علي رضي الله عنه أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني أفضيت قبل أن أحلق؟ قال: احلق أو قصر ولا حرج. وجاء آخر فقال: ذبحت قبل أن أرمي؟ قال: ارم ولا حرج.



وقد أوضح رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الحلق أفضل من التقصير يعني بالنسبة للرجال فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع: اللهم ارحم المحلقين. قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال: اللهم ارحم المحلقين. قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال: والمقصرين.



وفي لفظ لمسلم من طريق يحيى بن الحصين عن جدته رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع دعا للمحلقين ثلاثًا وللمقصرين مرة واحدة.



ولا يكتفي في التقصير بتقصير بعض الرأس بل لابد من تقصير جميع شعر رأسه، أما المرأة فإنها تقصر من كل ضفيرة وليس عليها حلق شعر رأسها في الحج أو غيره؛ لما روى الترمذي من حديث علي وعائشة أم المؤمنين رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تحلق المرأة رأسها.



كما روى أبو داود من حديث عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس على النساء الحلق إنما على النساء التقصير.



وينبغي للحاج أن ينحر هديه بنفسه إن كان قادرًا على ذلك لما روى مسلم في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في صفة حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثًا وستين بدنة بيده ثم أعطى عليًا رضي عنه فنحر ما غبر - أي ما بقي - وأشركه في هديه ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها.



والتقرب إلى الله تبارك وتعالى بالهدايا والذبائح هو دين جميع النبيين والمرسلين وإلى ذلك يشير الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم حيث يقول: ﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [الحج: 34، 35].



كما أشار الله تبارك وتعالى إلى أن الهدي إنما يكون من بهيمة الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم في قوله عز وجل: ﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ﴾ [الحج: 34]، كما أخبر الرب تبارك وتعالى أن البدن من شعائر الله فليس لأحد أن يدفع مكان الهدي قيمته؛ ولذلك لم يؤثر عن واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أتباعهم بإحسان أن أفتى بجواز دفع قيمة الهدي وترك الذبح مهما كان؛ لما فهموا عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أن إراقة دم الهدي مقصود شرعي لا تسد مسده النقود مهما كانت أو بلغت، وإلى ذلك يشير الرب تبارك وتعالى حيث يقول: ﴿ وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الحج: 36، 37].



وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن البدنة تكفي عن سبعة وأن البقرة تكفي عن سبعة كذلك فقد روى مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة. وفي لفظ لجابر رضي الله عنه في البخاري ومسلم قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة منا في بدنة.



وقد أوضحت الشريعة الإسلامية أن الهدي إنما يجب على المتمتع أو القارن فإن الله تبارك وتعالى يقول: ﴿ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [البقرة: 196]، كما ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر هديه وكان قارنًا.

كما أشار الله تبارك وتعالى إلى زمان ومكان نحو الهدي حيث يقول: ﴿ لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ﴾ [الحج: 33]، وقد بيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم زمان ومكان نحر الهدي الذي أشارت إليه الآية الكريمة فيما رواه مسلم وأحمد وأبو داود من حديث جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((نحرت ههنا ومنى كلها منحر فانحروا في رحالكم))، كما رواه ابن ماجه أيضًا وفيه: ((وفجاج مكة طريق ومنحر)).



قال القرطبي رحمه الله في تفسير قوله عز وجل: ﴿ وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ ﴾ الآية [الحج: 36]، قال: ولا يجوز النحر قبل الفجر من يوم النحر بالإجماع وكذلك الأضحية لا تجوز قبل الفجر. اهـ.



ويستمر النحر إلى ثلاثة أيام من يوم النحر، وينبغي لصاحب الهدي أن يأكل منه وقد حض الله تبارك وتعالى على ذلك في غير موضع من كتابه الكريم فهو يقول: ﴿ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ﴾ [الحج: 28]، ويقول: ﴿ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ﴾ [الحج: 36]، والبائس الفقير هو المضطر المحتاج. والقانع هو الفقير أو السائل والمعتر هو الزائر أو المتعرض لآكل اللحم.




وفي ذلك توسعة على المسلمين ومخالفة لما كان عليه أهل الجاهلية من تحريم الأكل من الهدايا؛ ولذلك حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأكل من هديه وهدي أزواجه رضي الله عنهن، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قارنًا وكانت أزواجه رضي الله عنهن متمتعات.



وإلى حديث قادم إن شاء الله تعالى والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته. المدينة المنورة في 18/11/1395هـ.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 04-12-2021, 04:21 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,601
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مناسك الحج

مناسك الحج (الحلقة الثامنة)










الشيخ عبد القادر شيبة الحمد







أيها الإخوة المؤمنون، السلام عليكم ورحمه الله وبركاته.



أما بعد:

فقد ذكرت في حديث سابق حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأكل من هديه وهدي أزواجه أمهات المؤمنين رضي الله عنهن وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قارنًا وكانت أزواجه رضي الله عنهن متمتعات فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث الصديقة بنت الصديق حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس بقين من ذي القعدة ولا نرى إلا الحج فلما دنونا من مكة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يكن معه هدي إذا طاف وسعى بين الصفا والمروة أن يحل. قالت: فدخل علينا يوم النحر بلحم بقر فقلت: ما هذا؟ فقيل: نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أزواجه. ووسعت الشريعة الإسلامية على المسلمين فأذنت لهم في الادخار من لحوم الهدايا فوق ثلاثة أيام، وأجاز لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزودوا منها لأسفارهم فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كنا لا نأكل من لحوم بدننا فوق ثلاث فرخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كلوا وتزودوا. فأكلنا وتزودنا. وكما أذن الله تبارك وتعالى في الأكل من الهدايا فقد أذن كذلك في الانتفاع بها قبل نحرها وفي ذلك يقول الرب تبارك وتعالى: (لكم فيها منافع إلى أجل مسمى) أي إلى وقت نحرها. وقد بيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض هذه المنافع وأن منها الإذن لصاحبها بركوبها فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا يسوق بدنة، فقال: اركبها فقال: إنها بدنة، قال: اركبها قال: إنها بدنة، قال: اركبها، ثلاثًا. وفي رواية لأحمد والنسائي من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يسوق بدنة قد أجهده المشي فقال: اركبها قال: إنها بدنة، قال: اركبها وإن كانت بدنة. كما روى مسلم وأحمد والنسائي وأبو داود من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما أنه سئل عن ركوب الهدي فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اركبها بالمعروف إذا أجئت إليها حتى تجد ظهرًا. وقد رغب الله تبارك وتعالى في تسمين البدن وسائر أنواع الهدايا حيث يقول في كتابه الكريم: (ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) على أن المراد بالشعائر هنا الهدايا، وإنما سميت شعائر لإشعارها بما يعرف به أنها هدي كطعن حديدة بسنامها وتقليدها. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أهدى هديًا قلده فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث الصديقة بنت الصديق عائشة أم المؤمنين رضي الله عنهما قالت: أهدى النبي صلى الله عليه وسلم مرة إلى البيت غنمًا فقلدها. كما روى مسلم في صحيحه من حديث حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بذي الحليفة ثم دعا بناقته فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن وسلت الدم عنها، وقلدها نعلين. كما روى البخاري ومسلم من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قال: فتلت قلائد بدن النبي صلى الله عليه وسلم بيدي ثم قلدها وأشعرها. وحرم الإسلام على من اشترى هديًا أن يبدله مهما أعطي فيه من ثمن فقد روى البخاري في تاريخه وأحمد وأبو داود من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أهدى عمر نجيبًا فأعطي بها ثلاثمائة دينار فأتي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني أهديت نجيبًا فأعطيت بها ثلاثمائة دينار أفأبيعها وأشتري بثمنها بدنًا؟ قال: لا، انحرها إياها. وقد يسر الله تبارك وتعالى على المتمتع والقارن إذا لم يتيسر له الهدي أن يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله. ولم تتجاوز الشريعة الإسلامية ذلك إلى القيمة مما يدل دلالة واضحة على أنه لا يجوز لأحد أن يدفع قيمة الهدي لسبب من الأسباب مهما كان ولذلك لم يؤثر عن واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا التابعين لهم بإحسان أن أفتى بجواز ترك ذبح الهدي لمن عليه هدي ودفع قيمته بل يجب عليه نحر الهدي فإن لم يتيسر انتقل إلى صيام ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، وهو مخير في صيام الثلاثة الأيام إن شاء صامها قبل يوم النحر وإن شاء صامها في أيام التشريق ولم يرخص الإسلام في صيام أيام التشريق إلا لمن لم يجد الهدي. فقد روى البخاري في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها وابن عمر رضي الله عنهما قالا: لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي. ويجوز صيام هذه الأيام الثلاثة متتابعة ومتفرقة، وكذلك يجوز صيام الأيام السبعة متتابعة ومتفرقة وهو مخير في صيام هذه الأيام السبعة كذلك إن شاء صامها بمكة بعد فراغه من أعمال الحج وإن شاء صامها بعد رجوعه إلى أهله. وصيامها بعد رجوعه إلى أهله أفضل لقوله تبارك وتعالى: (وسبعة إذا رجعتم) ولأنه أرفق به وأيسر له. وعلى الحاج أن يبيت بمنى ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر إن كان متعجلًا وله أن يبيت ليلة الثالث عشر كذلك إن لم يكن متعجلًا لقول الله تبارك وتعالى: ((واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون) ولم يرخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في ترك المبيت بمنى إلا للسقاة والرعاة وقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: استأذن العباس بن عبد المطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له. كما روى مالك والترمذي والنسائي وقال الترمذي حديث صحيح من طريق أبي البداح بن عاصم بن عدي عن أبيه رضي الله عنه قال: رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لرعاء الإبل في البيتوتة. وقد خص الله تبارك وتعالى أيام التشريق وهي الأيام الثلاثة التي تلي يوم النحر بالأمر بذكره حيث قال: (واذكروا الله في أيام معدودات) قال ابن عباس رضي الله عنهما: الأيام المعدودات هي أيام التشريق. وإلى حديث قادم إن شاء الله.




والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته.

المدينة المنورة في 20/11/1395هـ.








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 15-12-2021, 12:44 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,601
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مناسك الحج

مناسك الحج










الشيخ عبد القادر شيبة الحمد




(الحلقة التاسعة)


أيها الإخوة المؤمنون، السلام عليكم ورحمه الله وبركاته.
أما بعد:
فقد أشرت في حديث سابق إلى أن الله تبارك وتعالى خص أيام التشريق وهي الأيام الثلاثة التي تلي يوم النحر بذكره وشكره، وإن كان سوق الحج كله إنما قام لذكر الله تعالى وشكره كذلك، وفي ذلك يقول الله تبارك وتعالى: ﴿ وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ ﴾ [البقرة: 203]؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما: الأيام المعدودات هي أيام التشريق.

وسميت أيام التشريق لأن العرب كانوا يشرقون فيها لحوم الهدايا والأضاحي أي يقددونها أو لأن الهدي لا ينحر حتى تشرق الشمس وقد روى مسلم في صحيحه من حديث نبيشة الهذلي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله».

وقد أشار الله تبارك وتعالى إلى أن أيام التشريق أيام ذكر لله تبارك تعالى في مواضع من كتابه الكريم كقوله: ﴿ وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ ﴾، وكقوله عز وجل: ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ﴾ [البقرة: 200]، وكما قال الله عز وجل: (ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام)، وكما قال الله عز وجل: (ولكل أمة جعلنا منسكًا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فإلهكم إله واحد فله أسلموا وبشر المخبتين. الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون. والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون).

وذكر الله تبارك وتعالى في هذه الأيام يتمثل في رمي الجمار الثلاث التي جعلتها الشريعة الإسلامية من مناسك الحج وواجباته فإنها أوجبت على الحاج أن يبيت بمنى ليلتين بعد العيد إن تعجل وثلاث ليال إن تأخر وأوجبت عليه أن يرمي الجمار الثلاث بعد الزوال كل يوم من اليومين الأولين من أيام التشريق إن تعجل وفي الثالث كذلك إن تأخر وإنما كان رمي الجمار ذكرًا لله عز وجل لأن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمي الجمار أنه كان يذكر الله عز وجل عند كل حصاة فقد روي البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه انتهى إلى الجمرة الكبرى فجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه ورمى بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ثم قال: هكذا رمى الذي أنزلت عليه سورة البقرة يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم.

كما أوضح رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رمي الجمار إنما جعل لإقامة ذكر الله عز وجل فقد روى الترمذي - وقال: حديث حسن صحيح - من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنما جعل رمي الجمار والسعي بين الصفا والمروة لإقامة ذكر الله.

كما روى مالك في الموطأ من طريق نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يقف عند الجمرتين الأوليين وقوفًا طويلًا يكبر الله ويسبحه ويحمده ويدعو الله ولا يقف عند جمرة العقبة.

كما روى البخاري من طريق سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات يكبر على إثر كل حصاة ثم يتقدم حتى يسهل فيقوم مستقبل القبلة طويلًا ويدعو ويرفع يديه ثم يرمي الوسطى بسبع حصيات يكبر كلما رمى بحصاة ثم يأخذ بذات الشمال فيسهل ويقوم مستقبل القبلة ثم يدعو ويرفع يديه طويلًا ثم يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي بسبع حصيات يكبر عند كل حصاة ولا يقف عندها.

وقد أوضح الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم أن رمي الجمار الثلاث يكون في ثلاثة أيام وهي التي تلي يوم النحر وأما من تعجل ورمى في يومين فقط فلا حرج عليه، حيث يقول: (فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى) وصرح بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد روى أحمد في مسنده وأصحاب السنن من حديث عبد الرحمن بن يعمر الديلي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أيام منى ثلاثة فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه.

كما روى أحمد من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يوم عرفة ويوم النحر وأيتم التشريق عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب وذكر الله.

وقد حدد رسول الله صلى الله عليه وسلم الوقت الذي ترمى فيه الجمار من أيام منى بعد يوم النحر وأنها لا ترمى إلا بعد زوال الشمس فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما قال: رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمرة يوم النحر ضحى وأما بعد ذلك فإذا زالت الشمس.

كما روى البخاري من طريق وبرة رحمه الله قال: سألت ابن عمر رضي الله عنهما متى أرمي الجمار؟ قال: إذا رمى إمامك! فأعدت عليه المسألة فقال رضي الله عنه: كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا. وقد أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن كان معه طفل صغير محرم بالحج أن يرمي عند الجمار بعد أن يرمي عن نفسه فقد روى ابن ماجه من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما قال: حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا النساء والصبيان فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم.

وأما من عجز عن الرمي لمرض أو كبر سن أو أن تكون المرأة حبلى وتخاف على نفسها أو جنينها فإنه يجوز لكل واحد من هؤلاء أن يوكل من يرمي عنه الجمرات على أن يقوم الوكيل بالرمي عن نفسه ثم يرمي عن موكله.

ولا حرج على الوكيل أن يرمي عن موكله بعد أن يرمي عن نفسه وهو في نفس مكانه فيرمي عن نفسه الجمرة الأولى التي تلي مسجد الخيف بسبع حصيات ثم يرميها عن موكله بسبع حصيات كذلك وهو في محله ولا حرج عليه في ذلك ثم إذا رمى الجمرة الوسطى عن نفسه رمى عن موكله كذلك ثم إذا رمى جمرة العقبة عن نفسه رمى عن موكله.

وجوز للوكيل أن يرمي عن أكثر من شخص ما دام الذي وكله عاجزًا عن الرمي بنفسه.

ولا يشرع رمي الجمار بحصى كبار أو رميها بنعل ونحوه لأن ذلك لم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه رضي الله عنهم أجمعين ولأنه قد يسقط على أحد الحجاج فيؤذيه كما أنه لم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه رضي الله عنهم أنهم كانوا يلعنون الجمرة عند رميها.


وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرميها بمثل حصى الخذف وهي حصى صغار أكبر من الحمصة قليلًا. فقد روى مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة بمثل حصى الخذف. وإلى حديث قادم إن شاء الله تعالى.


والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته.
المدينة المنورة في 20/11/1395هـ





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 15-12-2021, 12:46 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,601
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مناسك الحج

مناسك الحج










الشيخ عبد القادر شيبة الحمد




(الحلقة العاشرة)


أيها الإخوة المؤمنون، السلام عليكم ورحمه الله وبركاته.
أما بعد:
فقد بينت في الحديث السابق أن المبيت بمنى ليالي التشريق من واجبات الحج، وأن من تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى. وأشير هنا إلى أنه ينبغي لمن أراد التعجل في يومين أن يخرج من منى قبل غروب شمس اليوم الثاني من أيام التشريق، فإذا غابت الشمس قبل ارتحاله من منى وجب عليه المبيت والرمي في اليوم الثالث بعد الزوال أيضًا.

والتعجل في يومين رخصة رخص فيها الله تبارك وتعالى.

والبقاء إلى اليوم الثالث بمنى عزيمة، وقد رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس في التعجيل وبقي هو صلى الله عليه وسلمفي منى لم يتعجل حتى رمى الجمرات الثلاث في اليوم الثالث من أيام التشريق بعد زوال الشمس كاليومين السابقين ثم ارتحل صلى الله عليه وسلم من منى قبل أن يصلي الظهر.

ومما ينبغي لفت الانتباه إليه أن المبيت واجب في منى يكفي فيه الوجود بمنى أكثر الليل سواء كان من أول الليل أو من آخره أو من وسطه ولا يلزم الحاج أن يكون موجودًا بمنى من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، فله أن ينزل إلى مكة بالليل لقضاء حاجة من طواف أو غيره ما دامت راحته واستقراره بمنى أكثر الليل.


وعلى الحاج أن يحافظ على الصلوات الخمس، وتصلى كل صلاة في وقتها، ويقصر الرباعية فيصلي الظهر ركعتين في وقت الظهر والعصر ركعتين في وقت العصر والمغرب ثلاث ركعات في وقت المغرب والعشاء ركعتين في وقت العشاء، فالصلاة الرباعية تصلى قصرًا بلا جمع في أيام منى. ويحرص الحاج على تكبير التشريق بعد الصلوات المكتوبات.

واليوم الأول من أيام التشريق يسمى يوم القر واليوم الثاني من أيام التشريق يسمى يوم الرؤوس وقد أشار صلى الله عليه وسلم إلى أن اليوم الأول من أيام التشريق هو أعظم الأيام عند الله بعد يوم النحر.

فقد روى أبو داود من حديث عبد الله بن قُرط رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أعظم الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القر. ويوم القر هو ثاني أيام العيد وأول أيام التشريق. كما روى أبو داود بسند وصف رواته بأنهم ثقات من حديث سراء بنت نبهان رضي الله عنها قالت: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الرؤوس فقال: « أي يوم هذا؟» قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: « أليس أوسط أيام التشريق؟ »، وقد كانت خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوسط أيام التشريق للقضاء على التمييز العنصري وأنه لا فضل لأحد على أحد بسبب العرق أو الجنس أو اللون أو اللغة أو الأرض أو المركز الاجتماعي، وإنما يكون الفضل بتقوى الله عز وجل باتباع أوامره واجتناب نواهيه ونفع عباده وتقديم الخير لبني الإنسان ودفع الأذى عن عباد الله، على حد قوله تبارك وتعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13]، فقد روى أحمد رحمه الله بسند رجاله رجال الصحيح من طريق أبي نضرة رحمه الله قال: حدثني من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب في أوسط أيام التشريق فقال: « يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى، أبلغت؟ »، قالوا: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد كان صلى الله عليه وسلم قد خطب يوم النحر لتأكيد تقرير حماية أعراض الناس ودمائهم وأموالهم وسائر حقوقهم؛ فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي بكرة رضي الله عنه قال: خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر فقال: « إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعة حرم، ثلاث متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان. وقال: أي شهر هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: أليس ذي الحجة؟ قلنا: بلى. قال: أي بلد هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال: أليس البلدة؟ قلنا: بلى. قال: فأي يوم هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: أليس اليوم يوم النحر؟ قلنا: بلى، قال: « فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، ألا فلا ترجعوا بعدي ضلالًا يضرب بعضكم رقاب بعض. ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم، قال: اللهم اشهد، فليبلغ الشاهد الغائب فرب مبلغ أوعى من سامع». وقرر كذلك صلى الله عليه وسلم تحديد المسئولية وأنه لا تزر وازرة وزر أخرى فقد روى ابن ماجه والترمذي وصححه من حديث عمرو بن الأحوص رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في حجة الوداع: أي يوم هذا؟ قالوا: يوم الحج الأكبر، قال: « فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا لا يجني جان إلا على نفسه ولا يجني والد على ولده ولا مولود على والده، ألا إن الشيطان قد يئس أن يعبد في بلدكم هذا أبدًا ولكن سيكون له طاعة في بعض ما تحتقرون من أعمالكم فيرضى بها. ألا وكل دم من دماء الجاهلية موضوع. ألا وإن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع لكم رؤوس أموالكم فلا تظلمون ولا تظلمون ».


وإلى حديث قادم إن شاء الله تعالى. والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته.

المدينة المنورة في 21/11/1395هـ.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 170.44 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 164.37 كيلو بايت... تم توفير 6.07 كيلو بايت...بمعدل (3.56%)]