علماء العربية القدامى وعلم الأصوات

[ابوالوليد المسلم]

علماء العربية القدامى وعلم الأصوات
محمود حسن عمر




يقول الدكتور خالد عباس حسين السياب: "لقد درس علماء العربية من النحاة والقراء علمَ الأصوات، ولكن النحاة قد سبقوا في هذا المجال، بمعنى أن علم الأصوات كان في بدايته من اهتمام واختصاص النحاة، ثم أصبح فيما بعد من اختصاص المشتغلين بالقراءات القرآنية، وآيةُ ذلك كتاب سيبويه ت 180هـ، فقد جاءت الدراسة الصوتية مبثوثة في ثناياه، بل إن الناظر يجد سيبويه يخصِّص الجزء الرابع من مُؤلَّفه للحديث عن موضوعات علم الأصوات، ويظن أن النحاة الأوائل - مثل عبدالله بن أبي إسحاق ت 127هـ، وأبي عمرو بن العلاء ت 149هـ - هم أول مَن عرَض لهذا الدراسة، فوضعوا ملاحظات واصطلاحات أعانت الخليل ت 175هـ فيما بعد على النهوض بأعباء هذه الدراسة الفنية، فكانت نَواة علم الأصوات الذي بناه وثبَّت دعائمه الخليل، بما وَرِثه وما زادَه هو بفضل ذكائه وفِطنته، كل ذلك جعل الدراسين المحدثين يَعدُّونه رائدَ الدراسة الصوتية عند العرب والواضع الأول لأصولها"[1].

ويقول الدكتور مهدي المخزومي: "أما علماء اللغة العرب، فقد بدأت محاولاتهم بعمل الخليل بن أحمد، فلم أجد نحويًّا من النحاة أحسَّ بضرورة الدراسة الصوتية لفَهْم أسرار العربية غير الخليل، وأقواله فيما أملاه على سيبويه، وما أملاه عليه الليث بن المظفَّر، وما نقَله اللغويون عنه؛ كالأزهري ت 370هـ في تهذيب اللغة، وابن دريد ت 321 هـ في الجمهرة - تدل على أنه له فكرة تحمل الخطوط الكبرى لهذه الدراسة، ولكن لم يُهيَّأْ لها من عملٍ على إتمامها أو السير في ضوئها، اللهم إلا ما جاء في كلام ابن جني ت 392هـ في الخصائص، وسر صناعة الإعراب، وفي كلام السكاكي ت 626 هـ وغيرهما، من محاولات تهدف إلى توسيع العمل الذي بدأه الخليل"[2].

أهمية علم الأصوات:
يشهد العالم اليوم تطورًا ملحوظًا في مختلف صنوف المعرفة، ولا سيما علم الأصوات، وأضحت قنوات الاتصال بين الشعوب يسيرة جدًّا؛ يقول الدكتور مهدي المخزومي: "ودراسة الأصوات هي أول ما يُعنى به دارس اللغة إذا أراد أن يَدرُسَ لغة ما دراسة علمية صحيحة، ودراسة الأصوات تُتيح للدارس أن يقفَ على طبائع هذه الأصوات وخصائصها، حين تتمازج في صورة كلمات، ولن يُستغنى عنها؛ لأنها تُفسِّر كثيرًا من الظواهر اللغوية التي لولا هذه الدراسة، لكان الكلام فيها نوعًا من الافتراض، لا يقف طويلاً أمام البحث العلمي، فالدارس الذي يحاول أن يقفَ على أسرار اللغة العربية ونُظُمها وظواهرها، ستكون محاولاته باطلة إذا هو اقتصر في دراسته على ما وصل إليه من مفردات، فلا بد أن يرجع بالبحث إلى الوراء؛ ليَدرُسَ الأصول التي تتكون منها الكلمات، ويتعرَّف خصائصها، وما ينبني عليها من ظواهر، وليست تلك التي تتألف منها الكلمات إلا الأصوات اللغوية التي يُعبَّر عنها بحروف الهجاء"[3].

مصطلحات مهمة:
هناك بعض المصطلحات التي لا بد للباحث أن يذكرها لأهميتها في دراسة الأصوات، ومن هذه المصطلحات: مصطلحات اللغة والصوت والحرف.

اللغة:
قال ابن جني: "أصوات يعبِّر بها كل قوم عن أغراضهم"[4].

الصوت:
قال الجاحظ ت 255هـ: "هو آلة اللفظ، والجوهرُ الذي يقوم به التقطيع، وبه يوجد التأليف، ولن تكون حركات اللسان لفظًا ولا كلامًا موزونًا ولا منثورًا، إلا بظهور الصوت، ولا تكون الحروف كلامًا إلا بالتقطيع والتأليف"[5].

الحرف:
اهتمَّ المحدثون بقضية الصوت والحرف، وفرَّقوا بينهما، واستعملوا كل مصطلح في مكانه؛ يقول الدكتور تمام حسان ت 2011م: "الفرق بين الصوت والحرف هو فرق ما بين العمل والنظر، أو بين المثال والباب، أو بين أحد المفردات والقسم الذي يقع فيه، فالصوت عملية نطقية تدخل في تجارب الحواس، وعلى الأخص حاسَّتا السمع والبصر، يُؤديه الجهاز النطقي حركةً وتَسمعه الأذن، وترى العين بعض حركات الجهاز النطقي حين أدائه، أما الحرف فهو عنوان مجموعة من الأصوات يجمعها نسبٌ معينٌ، فهو فكرة عقلية لا عملية عضلية، وإذا كان الصوت مما يُوجده المتكلم، فإن الحرف مما يُوجده الباحث"[6].

فالدكتور تمام حسان يجعل الفرق والعلاقة بين الصوت والحرف كعلاقة الجزء بكُلِّه، فالحرف الكل، والصوت الجزء، والحرف الباب، والصوت ما يندرج تحت هذا الباب؛ أي: إن الصوت فرع من شجرة الحرف.


[1] علم الأصوات وتعليل مسائل النحو؛ للدكتور خالد عباس حسين السياب، ص 3.

[2] مدرسة الكوفة ومنهجها في دراسة اللغة والنحو؛ للدكتور مهدي المخزومي، ص 168.

[3] السابق نفسه، ص 166- 167.

[4] الخصائص؛ لابن جني، ج1، ص 33.

[5] البيان والتبيين؛ للجاحظ، ج1، ص 79.

[6] اللغة بين المعيارية والوصفية؛ للدكتور تمام حسان، ص 130.