تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ - الصفحة 56 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         الدور الحضاري للوقف الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          آفاق التنمية والتطوير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 16 - عددالزوار : 3892 )           »          تحت العشرين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 61 - عددالزوار : 6965 )           »          المرأة والأسرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 61 - عددالزوار : 6433 )           »          الأخ الكبير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          فوائد متنوعة منتقاة من بعض الكتب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 202 )           »          الحفاظ على النفس والصحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          شرح النووي لحديث: أنت مني بمنزلة هارون من موسى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          نظرية التأخر الحضاري في البلاد المسلمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          الاستعلائية في الشخصية اليهودية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #551  
قديم 08-05-2023, 11:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,915
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الثامن
الحلقة (549)
سُورَةُ الْجُمُعَةِ
صـ 147 إلى صـ 154




وعند الحنابلة قال في المغني : فصل ، ولا يستحب الزيادة على مؤذنين لحديث [ ص: 147 ] بلال وابن أم مكتوم أيضا ، ثم قال : إلا أن تدعو الحاجة إلى الزيادة عليهما فيجوز .

فقد روي عن عثمان - رضي الله عنه - أنه كان له أربعة مؤذنين ، وإن دعت الحاجة إلى أكثر منهم كان مشروعا ، وإذا كان أكثر من واحد وكان الواحد يسمع الناس ، فالمستعجب أن يؤذن واحد بعد واحد ; لأن مؤذني النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أحدهما يؤذن بعد الآخر ، وإن كان الإعلام لا يحصل بواحد أذنوا على حسب ما يحتاج إليه ، إما أن يؤذن كل واحد في منارة أو ناحية أو دفعة واحدة في موضع واحد .

قال أحمد : إن أذن عدة في منارة فلا بأس ، وإن خافوا من تأذين واحد بعد واحد فوات أول الوقت ، أذنوا جميعا دفعة واحدة .

وعند الأحناف : جاء في فتح القدير شرح الهداية في سياق إجابة المؤذن وحكاية الأذان ما نصه : إذا كان في المسجد أكثر من مؤذن أذنوا واحدا بعد واحد ، فالحرمة للأول إلى أن قال : فإذا فرض أن سمعوه من غير مسجده تحقق في حقه السبب ، فيصير كتعددهم في المسجد الواحد ، فإن سمعهم معا أجاب معتبرا كون جوابه لمؤذن مسجده .

هذه نصوص الأئمة - رحمهم الله - في جواز تعدد المؤذنين والأذان في المسجد الواحد للصلاة الواحدة متفرقين أو مجتمعين .

وقال ابن حزم : ولا يجوز أن يؤذن اثنان فصاعدا معا ، فإن كان ذلك فالمؤذن هو المبتدئ إلى أن قال :

وجائز أن يؤذن جماعة واحدا بعد واحد للمغرب وغيرها سواء في كل ذلك ، فلم يمنع تعدد الأذان من عدة مؤذنين في المسجد الواحد أحد من سلف الأمة .
الحكمة في الأذان

أما الحكمة في الأذان فإن أعظمها أن من خصائص هذه الأمة كما تقدم في أصل مشروعيته ، وقد اشتمل على أصول عقائد التوحيد تعلن على الملأ ، تملأ الأسماع حتى صار شعار المسلمين .

ونقل عن القاضي عياض رحمه الله قوله :

[ ص: 148 ] اعلم أن الأذان كلام جامع لعقيدة الإيمان مشتمل على نوعه من العقليات والسمعيات ، فأوله : إثبات الذات وما تستحقه من الكمالات والتنزيه عن أضدادها وذلك بقوله : الله أكبر وهذه اللفظة مع اختصار لفظها دالة على ما ذكرناه .

ثم يصرح بإثبات الوحدانية ونفي ضدها من الشركة المستحيلة في حقه سبحانه وتعالى ، وهذه عمدة الإيمان والتوحيد المقدمة على كل وظائف الدين ، ثم يصرح بإثبات النبوة والشهادة بالرسالة لنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وهي قاعدة عظيمة بعد الشهادة بالوحدانية ، وموضعها بعد التوحيد ; لأنها من باب الأفعال الجائزة الوقوع ، وتلك المقدمات من باب الواجبات وبعد هذه القواعد كلمات العقائد العقليات ، فدعا إلى الصلاة وجعلها عقب إثبات النبوة ، لأن معرفة وجوبها من جهة النبي - صلى الله عليه وسلم - لا من جهة العقل .

ثم دعا إلى الفلاح وهو الفوز والبقاء في النعيم المقيم ، وفيه إشعار بأمور الآخرة من البعث والجزاء وهي آخر تراجم عقائد الإسلام . إلخ .

ومراده بالعقليات في العقائد أي إثبات وجود الله وأنه واحد لا شريك له ، وهو المعروف عندهم بقانون الإلزام ، الذي يقال فيه : إن الموجود إما جائز الوجود أو واجبه ، فجائز الوجود جائز العدم قبل وجوده واستوى الوجود والبقاء في العدم قبل أن يوجد ، فترجح وجوده على بقائه في العدم ، وهذا الترجيح لا بد له من مرجح وهو الله تعالى . وواجب الوجود لم يحتج إلى موجد ، ولم يجز في صفة عدم وإلا لاحتاج موجده إلى موجد ، ومرجح وجوده على موجود .

وهكذا فاقتضى الإلزام العقلي وجوب وجود موجد واجب الوجود ، وهذا من حيث الوجود فقط ، وقد أدخل العقل في بعض الصفات التي يستلزمها الوجود ، والحق أن العقل لا دخل له في العقائد من حيث الإثبات أو النفي ; لأنها سمعية ولا تؤخذ إلا عن الشارع الحكيم ، لأن العقل يقصر عن ذلك ، ومرادنا التنبيه على إدخال العقليات هنا فقط .

وقد سقنا كلام القاضي عياض هذا في حكمة الأذان لوجاهته ، ولتعلم من خصوصية الأذان في هذه الأمة وغيرها به أنه ليس بصلصلة ناقوس أجوف ، ولا أصوات بوق أهوج ، ولا دقات طبل أرعن ، كما هو الحال عند الآخرين ، بل هو كلمات ونداء يوقظ القلوب من سباتها ، وتفيق النفوس من غفلتها ، وتكف الأذهان عن تشاغلها ، وتهيئ المسلم إلى هذه [ ص: 149 ] الفريضة العظمى ، ثانية أركان الإسلام وعموده .

فإذا ما سمع الله أكبر الله أكبر مرتين ، عظم الله في نفسه ، واستحضر جلاله وقدسه واستصغر كل شيء بعد الله ، فلا يشغله شيء عن ذكر الله ; لأن الله أكبر من كل شيء ، فلا يشغل نفسه عنه أي شيء .

فإذا سمع أشهد أن لا إله إلا الله ، علم أن من حقه عليه طاعة الله وعبادته .

وإذا سمع : أشهد أن محمدا رسول الله ، علم أنه يلزمه استجابة داعي الله .

وإذا سمع حي على الصلاة حي على الفلاح ، علم أن فلاحه في صلاته في وقتها لا فيما يشغله عنها .

وهكذا فكان ممشاه إليها تخشعا ، وخطاه إلى المسجد تطوعا مع حضور القلب واستجماع الشعور .

ومن هنا أيضا ندرك السر في طلب السامع محاكاة الأذان تبعا للمؤذن ليرتبط معه في إعلانه وعقيدته وشعوره ، كما جاء في أثر عمرو بن العاص - رضي الله عنه - أن رجلا قال : يا رسول الله إن المؤذنين يفضلوننا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قل مثل ما يقولون ، فإذا انتهيت فاسأل تعطه " . رواه أبو داود .

وقد قدمنا هذا الموضوع هنا ، وإن كان ليس من منهج الكتاب ، ولكن لموجب اقتضاء ، ولمناسبة مبحث الأذان .

أما الموجب فهو أني سمعت منذ أيام أثناء الكتابة في مباحث الأذان ، وسمعت من إذاعة لبلد عربي مسلم أن كاتبا استنكر الأذان في الصبح خاصة ، وفي بقية الأوقات بواسطة المكبر للصوت ، وقال : إنه يرهق الأعصاب وخاصة عند أداء الناس لأعمالهم أو عند الفراغ منها والعودة لراحتهم ، ولا سيما في الفجر عند نومهم ، فكان وقعه أليما أن يصدر ذلك وينشر ، ولكن أجاب عليه أحد خطباء الجمع في خطبة وافية ، وأفهمه أن الإرهاق والاضطراب إنما هو من عدم الاستجابة لهذا النداء ، وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أخبر أن الشيطان يبول في أذن النائم ، وأنه يعقد عليه ثلاث عقد ، فإذا ما استيقظ وذكر الله انحلت عقدة ، وإذا توضأ انحلت عقدة أخرى ، فإذا صلى انحلت العقدة الثالثة ، وأصبح نشيطا إلى غير ذلك من الرد الكافي .

[ ص: 150 ] ولا شك أن مثل تلك الكتابة لا تصدر إلا ممن لا يعي معنى الأذان .

هذا ما استوجب عرض الحكمة من الأذان ، وإن كانت مجانبة لمنهج الكتاب ، ولكن بمناسبة مباحث الأذان يغتفر ذلك ، وبالله التوفيق .
محاكاة المؤذن

تعتبر محاكاة المؤذن ربطا لسامع الأذان ، وتنبيها له لموضوعه ، جاء الحديث : " إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول " رواه البخاري .

وفي رواية عنده عن معاوية - رضي الله عنه - أنه قال أي معاوية : وهو على المنبر مثل قول المؤذن إلى قوله : أشهد أن محمدا رسول الله ، ولما قال المؤذن : حي على الصلاة ، قال معاوية : لا حول ولا قوة إلا بالله ، وكذلك : حي على الفلاح ، ثم قال : هكذا سمعنا نبيكم صلى الله عليه وسلم .

وعند النسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه : كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فقام بلال ينادي ، فلما سكت قال صلى الله عليه وسلم : " من قال مثل هذا يقينا دخل الجنة " .

كيفية المحاكاة ، في الحديث الأول : " فقولوا مثلما يقول " وهكذا يشعر بتتبعه جملة جملة ، وفي الحديث الثاني : فلما سكت قال صلى الله عليه وسلم : " من قال مثل هذا " وبعد السكوت تنطبق المثلية بمجئ الأذان بعد فراغ المؤذن ، فوقع الاحتمال .

وقد جاء عند مسلم وأبي داود ما يؤيد الأول ، فعن عمر - رضي الله عنه - أنه - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا قال المؤذن : الله أكبر الله أكبر ، فقال أحدكم : الله أكبر الله أكبر ، ثم قال أشهد ألا إله إلا الله ، قال : أشهد ألا إله إلا الله ، ثم قال : أشهد أن محمدا رسول الله ، قال : أشهد أن محمدا رسول الله ، ثم قال : حي على الصلاة قال : لا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم قال : حي على الفلاح ، قال : لا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم قال : الله أكبر الله أكبر ، قال : الله أكبر الله أكبر ، ثم قال : لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة " .

فهذا نص صريح في أن محاكي المؤذن يتابعه جملة جملة إلى آخره ما عدا الحيعلتين ، فإنه يأتي بدلا منهما بالحوقلة ، وقالوا : إن الحيعلتين نداء للإقبال على المنادي ، وهذا يصدق في حق المؤذن ، أما الذي يحكي الأذان فلم يرفع صوته ولا يصدق [ ص: 151 ] عليه أن ينادي غيره فلا أجر له في نطقه بهما ، فيأتي بلا حول ولا قوة إلا بالله لأمرين الأول : أنه ذكر يثاب عليه سرا وعلانية ، والثاني : استشعار بأنه لا حول له عن معصية ولا قوة له على طاعة إلا بالله العلي العظيم ، وفيه استعانة بالله وحوله وقوته على إجابة هذا النداء ، وأداء الصلاة مع الجماعة .

وقد أخذ الجمهور بحديث عمر عند مسلم بمحاكاة المؤذن في جميع الأذان على النحو المقدم ، وعند مالك يكتفي إلى الحوقلة لحديث معاوية . ونص كتب المالكية أنه هو المشهور في المذهب وغير المشهور أي مقابل المشهور طلب حكاية الأذان جميعه ، ذكره الزمخشري على خليل .
بعض الزيادات على ألفاظ الأذان

تقدم ذكر الحوقلة عند الحيعلة في بعض روايات مسلم وغيره ، عند الشهادتين يقول زيادة : " وأنا أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله رضيت بالله ربا ، وبمحمد رسولا ، وبالإسلام دينا غفرت له ذنوبه " .
الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وسؤال الله له الوسيلة .

وفي صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه : أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول ، ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ، ثم سلوا الله لي الوسيلة ; فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله ، وأرجو أن أكون أنا هو ، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة " وهذا عام للأذان في الصلوات الخمس إلا أنه جاء في المغرب والفجر بعض الزيادات ، ففي المغرب حكى النووي : أنه له أن يقول بعد النداء : " اللهم هذا إقبال ليلك ، وإدبار نهارك وأصوات دعائك اغفر لي " ، ويدعو بين الأذان والإقامة ، ذكره صاحب المهذب وعزاه لحديث أم سلمة ، وأقره النووي في المجموع .

أما في سماع أذان الفجر فيقول عند ( الصلاة خير من النوم ) : صدقت وبررت ، حكاه النووي في المجموع .

وعن الرافعي يقول : صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلاة خير من النوم .

وإذا سمع المؤذن وهو في الصلاة ، نص العلماء على أنه لا يحكيه ; لأن في الصلاة [ ص: 152 ] لشغلا ، وإذا سمعه وهو في المسجد جالس نص أحمد أنه لا يقوم حالا للصلاة حتى يفرغ المؤذن أو يقرب .

وإذا دخل المسجد وهو يؤذن استحب له انتظاره ليفرغ ويقول مثل ما يقول جمعا بين الفضيلتين ، وإن لم يقل كقوله وافتتح الصلاة فلا بأس ، ذكره صاحب المغني عن أحمد رحمه الله .
إجابة أكثر من مؤذن

وللعلماء مبحث فيما لو سمع أكثر من مؤذن ، قال النووي : لم أر فيه شيئا لأصحابنا ، وفيه خلاف للسلف ، وقال حكاه القاضي عياض في شرح مسلم ، والمسألة محتملة ، ثم قال : والمختار أن يقال : المتابعة سنة متأكدة يكره تركها لتصريح الأحاديث الصحيحة بالأمر ، وهذا يختص بالأول ; لأن الأمر لا يقتضي التكرار .

وذكره صاحب الفتح وقال : وقال ابن عبد السلام : يجيب كل واحد بإجابة لتعدد السبب . اهـ .

وعند الأحناف الحق للأول .

وأصل هذه المسألة في مبحث الأصول ، هل الأمر المطلق يقتضي تكرار المأمور به أم لا ؟

وقد بحث هذا الموضوع فضيلة شيخنا - رحمة الله تعالى عليه - في مذكرة الأصول وحاصله : إن الأمر إما مقيد بما يقتضي التكرار أو مطلق عنه ، ثم قال : والحق أن الأمر المطلق لا يقتضي التكرار بل يخرج من عهدته بمرة ، ثم فصل - رحمة الله تعالى عليه - القول فيما اتفق عليه وما اختلف فيه ، ومنه تعدد حكاية المؤذن وبحثها بأوسع في الأضواء عن تعدد الفدية في الحج ، والواقع أن سبب الخلاف فيما اختلف فيه إنما هو من باب تحقيق المناط هل السبب المذكور مما يقتضي التعدد ، أم لا ؟

والأسباب في هذا الباب ثلاثة أقسام قسم يقتضي التكرار قطعا ، وقسم لا يقتضيه قطعا ، وقسم هو محل الخلاف .

فمن الأسباب المقتضية التكرار قطعا : ما لو ولد له توأمان فإن عليه عقيقتين ، [ ص: 153 ] ومنها : لو ضرب حاملا فأجهضت جنينين لوجبت عليه غرتان .

ومن الأسباب التي لا تقتضي التكرار ما لو أحدث عدة أحداث من نواقض الوضوء فأراد أن يتوضأ فإنه لا يكرر الوضوء بعدد الأحداث ، ويكفي وضوء واحد ، وكذلك موجبات الغسل لو تعددت قبل أن يغتسل فإنه يكفيه غسل واحد عن الجميع .

ومما اختلف فيه ما كان دائرا بين هذا وذاك ، كما لو ظاهر من عدة زوجات هل عليه كفارة واحدة نظرا لما أوقع من ظهارأم عليه عدة كفارات نظرا لعدد ظاهر منهن ؟ وكذلك إذا ولغ عدة كلاب في إناء هل يعفر الإناء مرة واحدة ، أم يتعدد التعفير لتعدد الولوغ من عدة كلاب ؟

ومن ذلك ما قالوه في إجابة المؤذن إذا تعدد المؤذنون تعددت الأسباب ، فهل تتعدد الإجابة أم يكتفي بإجابة واحدة ؟ تقدم قول النووي أنه لم يجد شيئا لأصحابه ، وكلام العز بن عبد السلام بتعدد الإجابة وبالنظر الأصولي ، نجد تعدد المؤذنين ليس كتعدد نواقض الوضوء ; لأن المتوضئ إذا أحدث ارتفع وضوءه وليس عليه أن يتوضأ لهذا الحدث ، فإذا أحدث مرة أخرى لم يقع هذا الحدث الثاني على طهر ولم يجد حدثا آخر .

وهكذا مهما تعددت الأحداث ، فإذا أراد الصلاة كان عليه أن يرفع حدثه فيكفي فيه وضوء واحد ، ولكن مستمع المؤذن حينما سمع المؤذن الأول فهو مطالب بمحاكاته ، فإن فرغ منه وسمع مؤذنا آخر ، فإن من حق هذا المؤذن الآخر أن يحاكيه ، ولا علاقة لأذان هذا بذاك ، فهو من باب تجدد السبب وتعدده أو هو إليه أقرب ، كما لو سمع أذان الظهر فأجابه ثم سمع أذان العصر فلا يكفي عنه إجابة أذان الظهر ، فإن قيل : قد اختلف الوقت وجاء أذان جديد ، فيقال : قد اختلف المؤذن فجاء أذان جديد .

وأقرب ما يكون لهذه المسألة مسألة الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - عند ذكره في حديث قوله صلى الله عليه وسلم : " آمين آمين " ثلاث مرات وهو يصعد المنبر ، ولما سئل عن ذلك قال : " أتاني جبريل فقال : يا محمد من ذكرت عنده ، ولم يصل عليك باعده الله في النار فقل : آمين ، فقلت : آمين " ، وذكر بقية المسائل فإن بهذا يتعين تكرار الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - عند كل ما يسمع ذكره صلوات الله وسلامه عليه ، وهنا عليه تكرار محاكاة المؤذن ، كما رجحه ابن عبد السلام ، والله تعالى أعلم .

[ ص: 154 ] تنبيه

وإذا سمع المؤذن وهو في صلاة فلا يقول مثل ما يقول المؤذن ، وإذا كان في قراءة ، أو دعاء ، أو ذكر خارج الصلاة ، فإنه يقطعه ويقول مثل قول المؤذن .

قاله ابن تيمية في الفتاوى وابن قدامة في المغني ، والنووي في المجموع .

تنبيه

ولا يجوز النداء للصلاة جمعة أو غيرها من الصلوات الخمس إلا بهذه الألفاظ المتقدم ذكرها ، وما عداها مما أدخله الناس لا أصل له ، كالتسبيح قبل الفجر ، والتسبيح والتحميد والتكبير يوم الجمعة بما يسمى بالتطليع ونحوه ، فكل هذا لا نص عليه ولا أصل له .

وقد نص في فتح الباري ردا على ابن المنير ، حيث جعل بعض الهيئات أو الأقوال من مكملات الإعلام ، فقال ابن حجر : وأغرب ابن المنير ولو كان ما قاله على إطلاقه لكان ما أحدث من التسبيح قبل الصبح وقبل الجمعة ، ومن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - من جملة الأذان ، وليس كذلك لا لغة ولا شرعا .

وفي الحاشية للشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز تعليق على كلام ابن المنير بقوله هذا فيه نظر . والصواب أن ما أحدثه الناس من رفع الصوت بالتسبيح قبل الأذان والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعده ، كما أشار إليه الشارع بدعة يجب على ولاة الأمر إنكارها حتى لا يدخل في الأذان ما ليس منه ، وفيما شرعه الله غنية وكفاية عن المحدثات ، فتنبه .

وقال في الفتح أيضا ما نصه : وما أحدث الناس قبل وقت الجمعة من الدعاء إليها بالذكر والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو في بعض البلاد دون بعض ، واتباع السلف الصالح أولى ، وقال ابن الحاج في المدخل مجلد 2 ص 452 ، وينهى المؤذنين عما أحدثوه من التسبيح بالليل ، وإن كان ذكر الله تعالى حسنا وعلنا لكن في المواضع التي تركها الشارع صلوات الله وسلامه عليه ، ولم يعين فيها شيئا معلوما .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #552  
قديم 08-05-2023, 11:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,915
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الثامن
الحلقة (550)
سُورَةُ الْجُمُعَةِ
صـ 155 إلى صـ 162




وقال بعده بقليل : وكذلك ينبغي أن ينهاهم عما أحدثوه من صفة الصلاة والتسليم على النبي - صلى الله عليه وسلم - عند طلوع الفجر ، وإن كانت الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - من أكبر العبادات [ ص: 155 ] وأجلها ، فينبغي أن يسلك بها مسلكها ، فلا توضع إلا في مواضعها التي جعلت لها .

وقال صاحب الإبداع في مضار الابتداع ، ما نصه : ومن البدع ما يسمى بالأولى والثانية ، أعني ما يقع قبل الزوال يوم الجمعة من الدعاء إليها بالذكر والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحو ذلك ، ولا خلاف في أن ذلك لم يكن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا عهد السلف الصالح ، وإنما النظر في ذمه واستحسانه . ا هـ .

وهذا النظر مفروغ منه في التنبيهات المتقدمة لابن حجر ، وابن الحاج ، وابن باز .

والقاعدة الأصولية الفقهية : أن العبادات مبناها على التوقيف ، وما لم يكن دينا ولا عبادة عند السلف الصالح فلا حاجة إليه اليوم ، كما قال مالك رحمه الله : لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها .

وقد ذكر صاحب الإبداع أيضا تاريخ إحداث رفع الصوت بالصلاة والتسليم على النبي - صلى الله عليه وسلم - عقب الأذان ، فقال : كان ابتداء ذلك في أيام السلطان الناصر صلاح الدين بن أيوب وبأمره في مصر وأعمالها ، لسبب مذكور في كتب التاريخ . ا هـ .

والسبب يتعلق ببدعة الفاطميين بسبب بعض الأشخاص على المنابر والمنائر ، فغير عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - ما كان على المنابر بقوله : إن الله يأمر بالعدل ، والإحسان ، وإيتاء ذي القربى ، وينهى عن الفحشاء والمنكر .

وكذلك غير صلاح الدين ما كان بعد الأذان بالصلاة والتسليم على النبي صلى الله عليه وسلم .

تنبيه

من أسباب تمسك بعض البلاد بهذين العملين هو ألا يؤذن قبل الجمعة ، فاعتاضوا عن الأذان بما يسمى التطليع أو بالأولى والثانية أي : التطليعة الأولى والتطليعة الثانية ، وكذلك لا يؤذنون للفجر قبل الوقت فاستعاضوا عنه بالتسبيح والتكبير وغيره .

أما الصلاة والسلام على النبي - صلى الله عليه وسلم - عقب كل أذان ، فقد قاسوا المؤذن على السامع في حديث : " إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ، ثم صلوا علي ; فإن من صلى علي مرة صلى الله عليه بها عشرا " .

فقالوا : والمؤذن أيضا يصلي ويسلم ، ثم زادوا في القياس خطة وجعلوا صلاة [ ص: 156 ] المؤذن وتسليمه على النبي - صلى الله عليه وسلم - بصوت مرتفع كالأذان ، وبهذا تعلم أنه ما أميتت سنة إلا ونشأت بدعة ، وأن قياس المؤذن على السامع ليس سليما .

وتقدم لك أن محاكاة المؤذن لربط السامع بالأذان ; ليتجاوب معه في معانيه ، ولو قيل : إن للمؤذن أن يصلي ويسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - سرا بعد الفراغ من الأذان ، وأن يسأل الله الوسيلة للرسول - صلى الله عليه وسلم - ليشارك في الأجرين : أجر الأذان ، وأجر سؤال الوسيلة لكان له أجر ، والعلم عند الله تعالى .
حي على خير العمل في الأذان

اتفق الأئمة - رحمهم الله - على أنها ليست من ألفاظ الأذان ، وحكاها الشوكاني عن العترة ، وناقش مقالتهم وآثارها بأسانيدها .

ومما جاء فيها عندهم أثر عن ابن عمر ، أنه كان يؤذن بها أحيانا .

ومنها عن علي بن الحسين أنه قال : هو الأذان الأول .

ثم قال : وأجاب الجمهور عن كل ذلك بأن أحاديث ألفاظ الأذان في الصحيحين وغيرهما لم يثبت فيهما شيء من ذلك .

قالوا : وإذا صح ما روي أنه الأذان الأول فهو منسوخ بأحاديث الأذان لعدم ذكره فيها .

وقد أورد البيهقي حديثا في نسخ ذلك ، ولكن من طريق لا يثبت النسخ بمثله . اهـ . ملخصا .

وقد ذكر صاحب جمع الفوائد حديثا عن بلال - رضي الله عنه - أنه كان يؤذن للصبح فيقول : حي على خير العمل ، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يجعل مكانها الصلاة خير من النوم ، وترك حي على خير العمل ، وقال : رواه الطبراني في الكبير بضعف . اهـ .

ولا يبعد أن يكون أثر بلال هذا هو الذي عناه علي بن الحسين ، وعلى كل فهذا الأثر وإن كان ضعيفا فإنه مرفوع ، وفيه التصريح بالمنع منها ، وعليه الأئمة الأربعة وغيرهم إلا ما عليه الشيعة فقط .

ومن جهة المعنى ، فإن معناها لا يستقيم مع بقية النصوص الصحيحة الصريحة ، [ ص: 157 ] وذلك أنه ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن خير العمل أمر نسبي ، وأن خير جميع الأعمال كلها هو أولا وقبل كل شيء الإيمان بالله ، وذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - سئل : أي الأعمال أفضل يا رسول الله ؟ قال : " إيمان بالله " ، قيل : ثم ماذا ؟ فقال مرة : " الجهاد في سبيل الله " ، وقال مرة : " الصلاة على أول وقتها " ، وقال مرة : " بر الوالدين " وفي كل مرة يقدم إيمانا بالله .

فعليه الإيمان بالله هو خير العمل ، وليست الصلاة ، ثم بعد الإيمان بالله فهو بحسب حال السائل وحالة كل شخص ، فمن كان قويا وليس عليه حق لوالديه ، فالجهاد أفضل الأعمال في حقه مع الحفاظ على الصلاة ، فإن كان ذا والدين ، فبرهما مقدم على كل عمل ، ولم لا ! فإن الصلاة على أول وقتها لغير هؤلاء ، فإطلاق القول بالصلاة خير العمل في حق جميع الناس لا يصح مع هذه الأحاديث ، ولهذا منع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالا أن يقولها ، وجعلها : خيرا من النوم ، وهذا لا نزاع فيه ولا بالنسبة لأي أحد من الناس ، والله تعالى أعلم .
الصلاة بين أذان عثمان رضي الله عنه والأذان الذي بين يدي الإمام

تعود الناس في جميع الأمصار صلاة ركعتين عند الأذان الأول ، والذي يقع الآن قبل الوقت وقبل جلوس الإمام على المنبر ، وهو المسمى عند الفقهاء بأذان عثمان ، وقد تساءل الناس عن هذه الصلاة ، أهي سنة أم لا ؟ ويتجدد هذا السؤال من حين إلى آخر ، وأجمع ما رأيت فيه هو كلام ابن تيمية في رسالة خاصة ، جوابا على سؤال وجه إليه هذا نصه :

هل الصلاة بعد الأذان الأول يوم الجمعة فعلها النبي - صلى الله عليه وسلم - أو أحد من أصحابه أو التابعين أو الأئمة ، أم لا ؟ وهل هو منصوص في مذهب من مذاهب الأئمة المتفق عليهم ، وقوله صلى الله عليه وسلم : بين كل أذانين صلاة ، هل هو مخصوص بيوم الجمعة ، أم هو عام في جميع الأوقات ؟ فأجاب بقوله :

أما النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه لم يكن يصلي قبل الجمعة بعد الأذان شيئا ، ولا نقل هذا عن أحد ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يؤذن على عهده إلا إذا قعد على المنبر ، ويؤذن بلال ثم يخطب النبي - صلى الله عليه وسلم - الخطبتين ، ثم يقيم بلال فيصلي بالناس ، فما كان يمكن أن يصلي بعد الأذان لا هو ولا أحد من المسلمين الذين يصلون معه - صلى الله عليه وسلم - ولا نقل عن أحد أنه صلى في بيته قبل الخروج يوم الجمعة ، ولا وقت بقوله : " صلاة مقدرة قبل الجمعة " بل ألفاظه فيها الترغيب [ ص: 158 ] في الصلاة إذا قدم الرجل المسجد يوم الجمعة من غير توقيت كقوله : " من بكر وابتكر ، ومشى ولم يركب ، وصلى ما كتب له " . . . الحديث .

وهذا المأثور عن الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا إذا أتوا المسجد يوم الجمعة يصلون من حين يدخلون ما تيسر ، منهم من يصلي ثماني ركعات ، ومنهم من يصلي أقل من ذلك ، ولهذا كان جمهور الأئمة متفقين على أنه ليس قبل الجمعة سنة مؤقتة بوقت مقدرة بعدد .

ثم قال : وهذا مذهب مالك ومذهب الشافعي وأكثر أصحابه ، وهو المشهور من مذهب أحمد .

وذهب طائفة من العلماء إلى أن قبلها سنة ، فمنهم من جعلها ركعتين ، ومنهم من جعلها أربعا تشبيها لها بسنة الظهر ، وقالوا : إن الجمعة ظهر مقصورة ، وهذا خطأ من وجهين وساقهما ، وخلاصة ما ساقه فيهما أن الجمعة لها خصائص لا توجد في الظهر فليست ظهرا مقصورة .

وكذلك أنه لم يكن - صلى الله عليه وسلم - يصلي في سفره سنة للظهر ، أي : وهي مقصورة في السفر فلا تمسك في ذلك .

أما عن حديث : " بين كل أذانين صلاة " فالصواب أنه لا يقال إن قيل الجمعة سنة راتبة مقدرة ، وأنه - صلى الله عليه وسلم - قال : " بين كل أذانين صلاة " مرتين ، وقال في الثالثة : " لمن شاء " .

وهذا يدل على أن الصلاة مشروعة قبل الأوقات الخمسة ، وأن ذلك ليس بسنة راتبة ، وقد احتج بعض الناس بهذا على الصلاة يوم الجمعة .

وعارض غيره قائلا : الأذان الذي على المنارة لم يكن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال : ويتوجه عليه أن يقال : هذا الأذان الثالث لما سنه عثمان - رضي الله عنه - واتفق عليه المسلمون صار أذانا شرعيا ، وحينئذ فتكون الصلاة بينه وبين الأذان الثاني جائزة حسنة ، وليست سنة راتبة كالصلاة قبل المغرب ، وحينئذ فمن فعل ذلك لم ينكر عليه ، ومن ترك ذلك لم ينكر عليه ، وهذا أعدل الأقوال .

وكلام أحمد يدل عليه ، وحينئذ فقد يكون تركها أفضل إذا كان الجهال يعتقدون أن هذه سنة راتبة أو واجبة ، لا سيما إذا داوم الناس عليها ، فينبغي تركها أحيانا ، كما ينبغي [ ص: 159 ] ترك قراءة السجدة يوم الجمعة أحيانا .

ثم قال : وإذا كان رجل مع قوم يصلونها ، فإن كان مطاعا إذا تركها وبين لهم السنة لم ينكروا عليه ، بل عرفوا السنة ، فتركها حسن ، وإن لم يكن مطاعا ورأى في صلاتها تأليفا لقلوبهم إلى ما هو أنفع ، أو دفعا للخصام والشر لعدم التمكن من بيان الحق لهم وقولهم له ونحو ذلك ، فهذا أيضا حسن .

فالعمل الواحد يكون مستحبا فعله تارة ، وتركه تارة ، باعتبار ما يترجح من مصلحة فعله وتركه بحسب الأدلة الشرعية .

كما ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - بناء البيت على قواعد إبراهيم إلى آخره . اهـ ملخصا .

فأنت تراه قد بين أولا أنها ليست من فعله - صلى الله عليه وسلم - لعدم وجود مكان لها في عهده ، ولا في عهد صاحبيه من بعده ، وأن فعلها بعد حديث عثمان - رضي الله عنه - يرجع إلى حال الشخص ، فإن كان عاميا التمس له مخرج من حديث : " بين كل أذانين صلاة " ، لا على أنها سنة راتبة .

أما العالم الذي يقتدى به فإن كان مطاعا فتركها أحسن .

وتعليم الناس متعين ، وإن كان غير مطاع ويرجو نفعهم أو يخشى خصومة عليهم تضيع عليهم منفعتهم منه ، ففعلها تأليفا لقلوبهم ، فهذا حسن . اهـ ملخصا .

وهذا منه من أدق مسالك سياسة الدعوة إلى الله ، حيث ينبغي للداعي أن يراعي حالة العامة ، وأن يكون بفعله مؤثرا كتأثيره بقوله مع مراعاة الأحوال ما هو أصلح لهم فيما فيه سعة من الأمر ، كما بين أنها ليست بسنة راتبة .

وقد ساق ضمنا كلام العلماء في حكم الصلاة قبل الجمعة مطلقا ، أي عند المجئ وقبل الأذان ، وهذا كله ما عدا الداخل للمسجد وقت الخطبة فيما يتعلق بتحية المسجد .

وقال النووي في المجموع بعد مناقشة كلام المذهب ، قال :

وأما السنة قبلها فالعمدة فيها حديث عبد الله بن معقل المذكور : " بين كل أذانين صلاة " ، والقياس على الظهر ، قال : وذكر أبو عيسى الترمذي أن عبد الله بن مسعود كان يصلي قبل الجمعة أربعا ، وإليه ذهب سفيان الثوري ، وابن المبارك ، وهذا منهم على أنها [ ص: 160 ] راتبة الظهر انتقلت إلى الجمعة ، ولا علاقة لها بالأذان ، بل من حين مجيئه إلى المسجد .
قوله تعالى : من يوم الجمعة .

قال الزمخشري ونقله عنه أبو حيان : من في قوله : من يوم الجمعة بيان لإذا وتفسير له . اهـ .

يعني : إذا نودي فهي بيان لإذا الظرفية وتفسير لها .

الجمعة بضم الجيم والميم قراءة الجمهور ، وبضم الجيم وتسكين الميم قراءة عبد الله بن الزبير والأعمش وغيرهما ، وهما لغتان وجمعهما جمع وجمعات .

قال الفراء : يقال الجمعة بإسكان الميم ، والجمعة بضمها والجمعة بفتح الميم ، فتكون صفة لليوم أي يجمع الناس .

وقال ابن عباس : نزل القرآن بالتثقيل والتفخيم فاقرؤها جمعة ، يعني : بضم الميم .

وقال الفراء وأبو عبيد : والتخفيف أقيس وأحسن ، مثل غرفة وغرف وطرفة وطرف وحجرة وحجر ، وفتح الميم لغة بني عقيل ، وقيل : إنها لغة النبي - صلى الله عليه وسلم - حكاه القرطبي وغيره .

وقال الزمخشري : قرئ بهن جميعا ، وقال غيره : والأول أصح لقول ابن عباس رضي الله عنهما .

وذكر في سبب تسمية هذا اليوم عدة أسباب لا تناقض بين شيء منها .

من ذلك ما قاله ابن كثير رحمه الله : إنها مشتقة من الجمع ، وأهل الإسلام يجتمعون فيه في كل أسبوع .

ومنها : أنه تم فيه خلق جميع الخلائق ، فإنه اليوم السادس من الستة التي خلق الله فيها السماوات والأرض ، وفيه خلق آدم يعني جمع خلقه ، وفيه الحديث عن سلمان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له : " يا سلمان ، ما يوم الجمعة " ؟ قلت : الله ورسوله أعلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يوم الجمعة يوم جمع الله فيه أبواكم - أو - أبوكم " ، قال ابن كثير : وقد روي عن أبي هريرة من كلامه نحو هذا ، فالله أعلم .

والذي يظهر والله تعالى أعلم : أن ما حكاه عن أبي هريرة له حكم الرفع ، كما جاء [ ص: 161 ] في الموطأ في فضل يوم الجمعة أنه : " خير يوم تطلع فيه الشمس ، فيه خلق آدم " إلى آخر الحديث ، وسيأتي إن شاء الله عند بيان فضلها .

وقد كان يقال له في الجاهلية يوم العروبة .

ونقل عن الزجاج والفراء وأبي عبيدة : أن العرب العاربة كانت تسمي الأيام هكذا : السبت شبار ، الأحد أول ، الاثنين أهون ، الثلاثاء جبار ، الأربعاء دبار ، الخميس مؤنس ، الجمعة العروبة . وأول من نقل العروبة إلى الجمعة كعب بن لؤي ، نقل من بذل المجهود شرح أبي داود .

وقيل : أول من سماه بالجمعة كعب بن لؤي ، وقد كان معروفا بهذا الاسم في أول البعثة ، كما جاء في سبب أول جمعة صليت بالمدينة .

قال القرطبي : وأول من سماها جمعة : الأنصار ، ونقل عن ابن سيرين قوله : جمع أهل المدينة من قبل أن يقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة ، وقبل أن تنزل الجمعة هم الذين سموها الجمعة ، وذلك أنهم قالوا : إن لليهود يوما يجتمعون فيه في كل سبعة أيام يوم ، وهو السبت ، وللنصارى يوم مثل ذلك وهو الأحد ، فتعالوا فلنجتمع حتى نجعل يوما ، لنتذاكر الله ، ونصلي فيه ونستذكر أو كما قالوا ، فقالوا : يوم السبت لليهود ، ويوم الأحد للنصارى فاجعلوه يوم العروبة ، فاجتمعوا إلى سعد بن زرارة وهو أبو أمامة رضي الله عنه ، فصلى بهم يومئذ ركعتين ، وذكرهم فسموه يوم الجمعة حتى اجتمعوا فذبح لهم سعد شاة فتعشوا وتغدوا منها لقلتهم .

فهذه أول جمعة في الإسلام .

أما أول جمعة أقامها النبي - صلى الله عليه وسلم - فهي التي أقامها مقدمه إلى المدينة حين نزل قباء يوم الاثنين ومكث الثلاثاء والأربعاء والخميس ، وفي صبيحة الجمعة نزل إلى المدينة فأدركته الصلاة في بني سالم بن عوف في بطن واد لهم ، قد اتخذ القوم في ذلك الموضع مسجدا فجمع بهم - صلى الله عليه وسلم - وخطب ، وهو موضع معروف إلى اليوم في بني النجار ، وقد ساق القرطبي خطبته - صلى الله عليه وسلم - في ذلك اليوم ، ثم كانت الجمعة التي تلتها في الإسلام في قرية جوانا بالأحساء اليوم .

وقد خص الله المسلمين بهذا اليوم وفضله ، كما قال ابن كثير وغيره لحديث أبي [ ص: 162 ] هريرة - رضي الله عنه - عند البخاري ومسلم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نحن الآخرون السابقون يوم القيامة ، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا ، ثم إن هذا يومهم الذي فرض الله عليهم فاختلفوا فيه ، فهدانا الله له فالناس لنا فيه تبع ، اليهود غدا والنصارى بعد غد " ، لفظ البخاري . وفي لفظ لمسلم " أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا ، فكان لليهود يوم السبت ، وكان للنصارى يوم الأحد ، فجاء الله بنا فهدانا الله ليوم الجمعة ، فجعل الجمعة والسبت والأحد ، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة ، نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة ، المقضي بينهم قبل الخلائق " ذكره ابن كثير ، من خصائص يوم الجمعة .

كما اختصت هذه الأمة بيوم الجمعة عن سائر الأيام ، فقد اختص يوم الجمعة نفسه بخصائص عن سائر الأيام ، أجمعها ما جاء في موطأ مالك عن أبي هريرة ، أنه قال : خرجت إلى الطور فلقيت كعب الأحبار فجلست معه ، فحدثني عن التوراة ، وحدثته عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان فيما حدثته أن قلت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم ، وفيه أهبط من الجنة ، وفيه تيب عليه وفيه مات ، وفيه تقوم الساعة وما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة من حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقا من الساعة إلا الجن والإنس ، وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه " .

قال كعب : ذلك في كل سنة ، قلت : بل في كل جمعة فقرأ كعب التوراة ، فقال : صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال أبو هريرة : فلقيت بصرة بن أبي بصرة الغفاري فقال : من أين أقبلت ؟ فقلت : من الطور فقال : لو أدركتك قبل أن تخرج إليه ما خرجت ، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد ، إلى المسجد الحرام ، وإلى مسجدي هذا ، وإلى مسجد إيلياء - أو - بيت المقدس " يشك .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #553  
قديم 08-05-2023, 11:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,915
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الثامن
الحلقة (551)
سُورَةُ الْجُمُعَةِ
صـ 163 إلى صـ 170




قال أبو هريرة ، ثم لقيت عبد الله بن سلام فحدثته بمجلسي مع كعب الأحبار ، وما حدثته به في يوم الجمعة فقلت : قال كعب : ذلك في كل سنة يوم ، قال : قال عبد الله بن سلام : كذب كعب ، فقلت : ثم قرأ التوراة ، فقال : بل هي في كل جمعة ، فقال عبد الله بن سلام : صدق كعب ، ثم قال عبد الله بن سلام : قد علمت أية ساعة هي ؟ قال أبو هريرة فقلت له : أخبرني بها ولا تضن علي ، فقال عبد الله بن سلام : هي آخر ساعة في يوم [ ص: 163 ] الجمعة ، قال أبو هريرة : فقلت وكيف تكون آخر ساعة في يوم الجمعة ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي " ، وتلك الساعة ساعة لا يصلى فيها ؟ فقال عبد الله بن سلام : ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من جلس مجلسا ينتظر الصلاة فهو في صلاة حتى يصلي " ، قال أبو هريرة : فقلت : بلى ، قال : فهو كذلك .

فهذا نص صريح في أنه خير يوم طلعت عليه الشمس ، ثم بيان أن الخيرية فيه لما وقع به من أحداث ، وإلا فجميع الأيام حركة فلكية لا مزية فيها إلا ما خصها الله دون غيرها من الوقائع .

وقد تعددت هنا في حق أبينا آدم - عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام - ولذا قيل : يوم الجمعة يوم آدم ، ويوم الاثنين يوم محمد - صلى الله عليه وسلم - أي لقوله - صلى الله عليه وسلم - لما سئل عن كثرة صيامه يوم الاثنين قال : " ذلك يوم ولدت فيه ، وعلي فيه أنزل " الحديث .

ولما كان يوم الجمعة هو يوم آدم فيه خلق ، وفيه أسكن الجنة ، وفيه أنزل إلى الأرض ، وفيه تاب الله عليه ، وفيه قيام الساعة ، فكان يوم العالم من بدء أبيهم إلى منتهى حياتهم ، فكأنه في الإسلام يوم تزودهم إلى ذلك المصير .

وروى البخاري ومسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ الم [ 32 \ 1 ] السجدة ، وهل أتى على الإنسان [ 76 \ 1 ] في فجر يوم الجمعة .

قال ابن تيمية : وذلك لما فيهما من ذكر خلق الله آدم وحياة الإنسان ومنتهاه ، كما في سورة " السجدة " في قوله تعالى : الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون [ 32 \ 4 - 9 ] .

وفي سورة : هل أتى على الإنسان ، قوله تعالى : هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا إنا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالا وسعيرا إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا [ 76 \ 1 - 5 ] .

[ ص: 164 ] ففي هذا بيان لخلق العالم كله جملة ثم خلق آدم ، ثم تناسل نسله ثم منتهاهم ومصيرهم ليتذكر بخلق أبيه آدم ، وما كان من أمره كيلا ينسى ولا يسهو عن نفسه .

وهكذا ذكر مثل هذا التوجيه في الجملة ابن حجر في الفتح ، وناقش حكم قراءتهما والمداومة عليهما أو تركهما ، وذلك في باب ما يقرأ في صلاة الجمعة .

وفي المنتقى عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ يوم الجمعة في صلاة الصبح : الم تنزيل [ 32 \ 1 - 2 ] ، وهل أتى على الإنسان ، وفي صلاة الجمعة بسورة " الجمعة " و " المنافقون " . رواه أحمد ، ومسلم ، وأبو داود ، والنسائي .

وناقش الشوكاني السجود فيها أي في فجر الجمعة أو في غيرها من الفريضة ، إذا قرأ ما فيه سجدة تلاوة .

وحكي السجود في فجر الجمعة عن عمر ، وعثمان ، وابن مسعود ، وابن عمر ، وابن الزبير وقال : هو مذهب الشافعي ، وقال : كرهه مالك وأبو حنيفة وبعض الحنابلة ، فراجعه .
الساعة التي في يوم الجمعة

فقد تقدم كلام أبي هريرة - رضي الله عنه - مع عبد الله بن سلام وهو قول الأكثر ، ويوجد عند مسلم : أنها ما بين أن يجلس الإمام إلى أن يفرغ من الصلاة ، وقد ناقش هذه المسألة جميع العلماء ، وحكى أقوالهم الزرقاني في شرح الموطأ ، وكلاهما بسند صحيح : إلا أن سند مالك لم يطعن فيه أحمد وسند مسلم قد نقل الزرقاني الكلام فيه ، ومن تكلم عليه ، والذي يلفت النظر ما يتعلق بقيام الساعة في يوم الجمعة من قوله صلى الله عليه وسلم : " وما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة من حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقا من الساعة إلا الجن والإنس " ففيه التصريح بأن الدواب عندها هذا الإدراك الذي تفرق به بين أيام الأسبوع ، وعندها هذا الإيمان بيوم القيامة والإشفاق منه ، وأخذ منه العلماء أن الساعة تكون في يوم الجمعة وفي أوله ، فإذا كان هذا أمرا غيب عنا فقد أخبرنا به - صلى الله عليه وسلم - فعلينا أن نعطي هذا اليوم حقه من الذكر والدعاء ، مما يليق من العبادات إشفاقا أو تزودا لهذا اليوم ، لا أن نجعله موضع النزهة واللعب والتفريط ، وقد يكون إخفاؤها مدعاة للاجتهاد كل اليوم كليلة القدر ، وقد نفهم من هذا كله المعنى الصحيح لحديث : " من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب [ ص: 165 ] بدنة " إلى آخره ، وأن الحق فيه ما ذهب إليه الجمهور على ما سيأتي إن شاء الله عند مناقشة وقت السعي إلى الجمعة .

قال النيسابوري في تفسيره : وكانت الطرقات في أيام السلف وقت السحر وبعد الفجر غاصة بالمبكرين إلى الجمعة يمشون بالسرج . وقيل : أول بدعة أحدثت في الإسلام ترك البكور إلى الجمعة ، إذ البكور إليها من شدة العناية بها .
قوله تعالى : فاسعوا إلى ذكر الله .

قرأ الجمهور : ( فاسعوا ) ، وقرأها عمر : ( فامضوا ) ، روى ابن جرير - رحمه الله - أنه قيل لعمر رضي الله عنه : إن أبيا يقرؤها ( فاسعوا ) ، قال : أما إنه أقرؤنا وأعلمنا بالمنسوخ ، وإنما هي ( فامضوا ) .

وروي أيضا عن سالم أنه قال : ما سمعت عمر قط يقرؤها إلا فامضوا .

وبوب له البخاري قال باب قوله : وآخرين منهم لما يلحقوا بهم [ 62 \ 3 ] ، وقرأ عمر : فامضوا ، وذكر القرطبي عن عبد الله بن مسعود أنه قرأه : فامضوا إلى ذكر الله ، وقال : لو كانت ( فاسعوا ) لسعيت حتى يسقط ردائي . اهـ .

وبالنظر فيما ذكره القرطبي نجد الصحيح قراءة الجمهور لأمرين ، الأول : لشهادة عمر نفسه - رضي الله عنه - أن أبيا أقرؤهم وأعلمهم بالمنسوخ ، وإذا كان كذلك فالقول قوله ; لأنه أعلمهم وأقرؤهم . أما قراءة ابن مسعود فقال القرطبي : إن سنده غير متصل ; لأنه عن إبراهيم النخعي عن ابن مسعود ، وإبراهيم لم يسمع من ابن مسعود شيئا . اهـ .

وقد اختلف في معنى السعي هنا ، وحاصل أقوال المفسرين فيه على ثلاثة أقوال لا يعارض بعضها بعضا :

الأول : العمل لها ، والتهيؤ من أجلها .

الثاني : القصد والنية على إتيانها .

الثالث : السعي على الأقدام دون الركوب .

واستدلوا لذلك بأن السعي يطلق في القرآن على العمل ، قاله الفخر الرازي . وقال : هو مذهب مالك والشافعي ، قال تعالى : وإذا تولى سعى في الأرض [ 2 \ 205 ] ، وقال : [ ص: 166 ] إن سعيكم لشتى [ 92 \ 4 ] ، أي العمل .

واستدلوا للثاني بقول الحسن : والله ما هو بسعي على الأقدام ، ولكن سعي القلوب والنية .

واستدلوا للثالث بما في البخاري عن أبي عبس بن جبر واسمه عبد الرحمن ، وكان من كبار الصحابة مشى إلى الجمعة راجلا ، وقال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار " . ذكره القرطبي ، ولم يذكره البخاري في التفسير .

وبالتأمل في هذه الأقوال الثلاثة نجدها متلازمة لأن العمل أعم من السعي ، والسعي أخص ، فلا تعارض بين أعم وأخص ، والنية شرط في العمل ، وأولى هذه الأقوال كلها ما جاء في قراءة عمر - رضي الله عنه - الصحيحة : ( فامضوا ) ، فهي بمنزلة التفسير للسعي .

وروي عن الفراء : أن المضي والسعي والذهاب في معنى واحد ، والصحيح أن السعي يتضمن معنى زائدا وهو الجد والحرص على التحصيل ، كما في قوله تعالى : والذين سعوا في آياتنا معاجزين [ 22 \ 51 ] ، بأنهم حريصون على ذلك : وهو أكثر استعمالات القرآن .

قال الراغب الأصفهاني : السعي المشي السريع ، وهو دون العدو ، ويستعمل للجد في الأمر خيرا كان أو شرا ، قال تعالى : وسعى في خرابها [ 2 \ 114 ] . وإذا تولى سعى في الأرض [ 2 \ 205 ] ، ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها [ 17 \ 19 ] ، وجمع الأمرين الخير والشر : وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى [ 53 \ 39 - 40 ] ، وهو ما تشهد له اللغة ، كما في قول زهير بن أبي سلمى :


سعى ساعيا غيظ ابن مرة بعدما تبزل ما بين العشيرة بالدم


وكقول الآخر :


إن أجز علقمة بن سعد سعيه لا أجزه ببلاء يوم واحد


[ ص: 167 ] تنبيه

من هذا كله يظهر أن السعي هو المضي مع مراعاة ما جاء في السنة من الحث على السكينة والوقار لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار ، ولا تسرعوا ، فما أدركتم فصلوا ، وما فاتكم فأتموا " .

وهذا أمر عام لكل آت إلى كل صلاة ولو كان الإمام في الصلاة لحديث أبي قتادة عند البخاري قال : بينما نحن نصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ سمع جلبة رجال فلما صلى قال : ما شأنكم ؟ قالوا : استعجلنا إلى الصلاة ، قال : " فلا تفعلوا إذا أتيتم الصلاة فامشوا وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا ، وما فاتكم فأتموا " . ا هـ .

وكذلك حديث أبي بكرة - رضي الله عنه - لما ركع خلف الصف ودب حتى دخل في الصف وهو راكع ، فقال له صلى الله عليه وسلم : " زادك الله حرصا ، ولا تعد " على رواية تعد من العود .
وهنا يأتي مبحث بم تدرك الجمعة ؟

الأقوال في القدر الذي به تدرك الجمعة ثلاثة ، وتعتبر طرفين وواسطة .

الطرف الأول : القول بأنها لا تدرك إلا بإدراك شيء من الخطبة ، هذا ما حكاه ابن حزم عن مجاهد ، وعطاء ، وطاوس ، وعمر ، ولم يذكر له دليلا .

والقول الآخر : تدرك ولو بالجلوس مع الإمام قبل أن يسلم ، وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله ، ومذهب ابن حزم ، بل عند أبي حنيفة رحمه الله : أنه لو أن الإمام سها وسجد ، وفي سجود السهو أدركه المأموم لأدرك الجمعة بإدراكه سجود السهو مع الإمام ; لأنه منها ، ولكن خالف الإمام أبا حنيفة صاحبه محمد على ما سيأتي .

والقول الوسط هو قول الجمهور : أنها تدرك بإدراك ركعة كاملة مع الإمام ، وذلك بإدراكه قبل أن يرفع رأسه من الركوع في الركعة الثانية ، فحينئذ يصلي مع الإمام ركعة ثم يضيف إليها أخرى وتتم جمعته بركعتين ، وإلا صلى ظهرا .

أما الراجح من ذلك فهو قول الجمهور للأدلة الآتية :

أولا : أن القول الأول لا دليل عليه أصلا ، ويمكن أن يلتمس لقائله شبهة من قوله [ ص: 168 ] تعالى : إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ، لحمل ذكر الله على خصوص الخطبة لقوله تعالى بعدها : فإذا قضيت الصلاة .

فسمى الصلاة في الأول بالنداء إليها ، وسمى الصلاة أخيرا بانقضائها ، وذكر الله جاء بينهما ولكن يرده استدلال الجمهور الآتي .

والقول الثاني : وهو قول أبي حنيفة رحمه الله ، وابن حزم استدل له بحديث " فما أدركتم فصلوا ، وما فاتكم فأتموا " .

والجمعة ركعتان فقط ، فإتمامها بتمام ركعتين ، واعتبروا إدراك أي جزء منها إدراكا لها ، وقد خالف أبا حنيفة في ذلك صاحبه محمد لأدلة الجمهور الآتية :

وأدلة الجمهور من جانبين :

الأول : خاص بالجمعة ، وهو حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أدرك من صلاة الجمعة ركعة فليضف إليها أخرى " أي فتتم له جمعة بركعتين ، وأخذوا من مفهوم إدراك ركعة ، أن من لم يدرك ركعة كاملة فلا يصح له أن يضيف لها أخرى ، وعليه أن يصلي ظهرا .

والجانب الثاني : عام في كل الصلوات ، وهو حديث الصحيحين : " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة " .

وقد رد الأحناف على الحديث الأول بأنه ضعيف ، واعتبروا الإدراك في الحديث الثاني ، يحصل بأي جزء .

ورد عليهم الجمهور بالآتي :

أولا : الحديث الخاص بمن أدرك ركعة من الجمعة فليضف إليها أخرى ، ذكره ابن حجر في بلوغ المرام .

وقال : رواه النسائي ، وابن ماجه ، والدارقطني واللفظ له ، وإسناده صحيح ، لكن قوى أبو حاتم إرساله ، وقال الصنعاني في الشرح : وقد أخرج الحديث من ثلاث عشرة طريقا عن أبي هريرة ، ومن ثلاث طرق عن ابن عمر ، وفي جميعها مقال إلى أن قال : ولكن كثرة طرقه يقوي بعضها بعضا ، مع أنه خرجه الحاكم من ثلاث طرق :

[ ص: 169 ] إحداها : من حديث أبي هريرة : وقال فيها على شرط الشيخين إلى آخره . اهـ .

وقال النووي في المجموع : ويغني عنه ما في الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة " فهذا نص صحيح ، وهو صريح في أن إدراك الصلاة إنما هو بإدراك ركعة ، وبالإجماع لا يكون إدراك الركعة بإدراك الجلوس قبل السلام ، لأن من دخل مع الإمام في إحدى الصلوات وهو جالس في التشهد لا يعتد بهذه الركعة إجماعا ، وعليه الصلاة كاملة .

والنص الخاص أن من أدرك ركعة من صلاة الجمعة فليضف إليها أخرى يجعل معنى الإدراك لركعة كاملة يعتد بها ، ومن لم يدرك ركعة كاملة لم يكن مدركا للجمعة .

وقد حكى النووي في المجموع أن الجمعة تدرك بركعة تامة لحديث الصحيحين المذكور ، وقال : احتج به مالك في الموطأ ، والشافعي في الأم وغيرهما .

وقال الشافعي معناه : لم تفته تلك الصلاة ، ومن لم تفته الجمعة صلاها ركعتين ، وقال : وهو قول أكثر العلماء ، حكاه ابن المنذر عن ابن مسعود ، وابن عمر ، وأنس بن مالك ، وسعيد بن المسيب ، والأسود ، وعلقمة ، والحسن البصري ، وعروة بن الزبير ، والنخعي ، والزهري ، ومالك ، والأوزاعي ، والثوري ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبي ثور ، وأبي يوسف .

وتقدم أن الذي وافق الجمهور من أصحاب أبي حنيفة ، إنما هو محمد لما في كتاب الهداية ما نصه :

وقال محمد رحمه الله : إن من أدرك أكثر الركعة بنى عليها الجمعة وإن أدرك أقلها بنى عليها الظهر .

وفي الشرح : أن أكثر الركعة هو بإدراك الركوع مع الإمام .

وبالنظر في الأدلة نجد رجحان أدلة الجمهور للآتي :

أولا : قوة استدلالهم بعموم : " من أدرك من الصلاة ركعة ، فقد أدرك الصلاة " ، وهذا عام في الجمعة وفي غيرها ، وهو من أحاديث الصحيحين .

ثم بخصوص : " من أدرك من الجمعة ركعة مع الإمام فليضف إليها أخرى " ، وتقدم [ ص: 170 ] الكلام على سنده وتقوية طرقه بعضها ببعض .

وقد أشرنا إلى معنى الإدراك وهو ما يمكن الاعتداد به في عدد الركعات ، وهي نقطة هامة لا ينبغي إغفالها ، وأن مفهوم من أدرك ركعة مع الإمام فليضف إليها أخرى ، أن من لم يدرك ركعة كاملة لا يتأتى له أن يضيف إليها أخرى ، بل عليه كما قال الجمهور أن يصلي أربعا .

ثانيا : ضعف استدلال المعارض ; لأن : " ما أدركتم فصلوا " على من أدرك من الجمعة ركعة خاص بها .

ثم إن معنى الإدراك ليس كما ذهب المستدل إليه ، بل لا بد أن يكون إدراكا لما يعتد به .

وأشرنا إلى أن الإجماع على أن من لم يدرك ركعة كاملة لا يعتد بها في عدد الركعات ، ويشير إلى هذا المعنى حديث أبي بكرة حيث ركع قبل أن يصل إلى الصف ; ليدرك الركعة قبل أن يرفع النبي - صلى الله عليه وسلم - رأسه ، ولو كان إدراك الركعة يتم بأي جزء منها لما فعل أبو بكرة هذه الصورة ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : " هذا زادك الله حرصا ولا تعد " .

ومعلوم أنه اعتد بتلك الركعة لإدراكه الركوع منها ، وبهذا تعلم أنه لا دليل لمن اشترط إدراك شيء من الخطبة ; لأن من أدرك ركعة فقد فاتته الخطبة كلها ، وفاتته الأولى من الركعتين ، وأدرك الجمعة بإدراك الثانية ، والعلم عند الله تعالى .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #554  
قديم 08-05-2023, 11:25 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,915
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الثامن
الحلقة (552)
سُورَةُ الْجُمُعَةِ
صـ 171 إلى صـ 178




حكم صلاة الجمعة عند الفقهاء

قوله تعالى : إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله .

فيه الأمر بالسعي إذا نودي إليها ، والأمر يقتضي الوجوب ما لم يوجد له صارف ، ولا صارف له هنا ، فكان يكفي حكاية الإجماع على وجوبها ، كما حكاه ابن المنذر وابن قدامة وغيرهما ، ونقله الشوكاني ، وهو قول الأئمة الأربعة رحمهم الله ، ولكن وجد من يقول : إن الجمعة ليست واجبة ، ولعله ظن أن في الآية صارفا للأمر عن الوجوب ، وهو ما جاء في آخر السياق في قوله تعالى : وذروا البيع ذلكم خير لكم فقالوا : إن الأمر لتحصيل الخير المذكور ، وقد نقل عن بعض أتباع بعض الأئمة - رحمهم الله - ما يوهم أنها ليست بفرض ، وهو مسطر في كتبهم ، مما قد يغتر به بعض البسطاء ولا سيما مع ضعف [ ص: 171 ] الوازع وكثرة الشاغل في هذه الآونة ، مما يستوجب إيراده وبيان رده من أقوال أصحابهم وأئمتهم رحمهم الله جميعا .

فعند المالكية حكاية ابن وهب عن مالك أن شهودها سنة .

وعند الشافعية قال الخطابي : فيها الخلاف هل هي من فروض الأعيان أو من فروض الكفاية ؟

وعند الأحناف قال في شرح الهداية : وقد نسب إلى مذهب أبي حنيفة أنها ليست بفرض .

وكلها أقوال مردودة في المذهب من أصحابهم وأئمة مذاهبهم ، فلزم التنبيه عليها ، وبيان الحق فيها من كتبهم ، ومن كلام أصحابهم ، وإليك بيان ذلك :

أما ما نسب لمالك - رحمه الله - فقد حكاه ابن العربي عن ابن وهب ورده بقوله : وحكى ابن وهب عن مالك أن شهودها سنة ، ورد عليه قوله بتأويلين : أحدهما أن مالكا يطلق السنة على الفرض ، والثاني : أنه أراد سنة على صفتها لا يشاركها فيها سائر الصلوات ، حسب ما شرعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفعله المسلمون ، وقد روى ابن وهب عن مالك : عزيمة الجمعة على كل من سمع النداء . ا هـ . نقلا من نيل الأوطار .

ومما يؤيد قول ابن العربي في الوجه الأول ما ذكره الشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - عن مالك وغيره في تحرزهم في الفتيا من قول حلال وحرام وواجب . . . إلخ ، في سياق ما وقع من خلاف والنهي عن التعصب ، وأن مالكا أشد تحفظا في ذلك ، ومما يؤيد الوجه الثاني أيضا رواية المدونة بما نصه ما قول مالك : إذا اجتمع الأضحى والجمعة أو الفطر فصلى رجل من أهل الحضر العيد مع الإمام ثم أراد ألا يشهد الجمعة هل يضع ذلك عنه شهود صلاة العيد ما وجب عليه من إتيان الجمعة ؟ قال لا ، كان مالك يقول : لا يضع ذلك عنه ما وجب عليه من إتيان الجمعة ، وقال مالك : ولم يبلغني أن أحدا أذن لأهل العوالي إلا عثمان ، ولم يكن مالك يرى الذي فعل عثمان ، وكان يرى أن من وجبت عليه الجمعة لا يضعها عنه إذن الإمام ، وإن شهد مع الإمام قبل ذلك من يومه ذلك عيدا . اهـ من المدونة ، فهذه نصوص صريحة عن مالك أن الجمعة واجبة لا يضعها عمن وجبت عليه إذن الإمام بصرف النظر عن فقه مسألة العيد والجمعة ، فإن فيها خلافا مشهورا ، ولكن يهمنا [ ص: 172 ] تنصيص مالك على خصوص الجمعة ، وفي مختصر خليل عند المالكية ، ما نصه : ولزمت المكلف الحر الذكر بلا عذر ، قال شارحه الخرشي : لزمت ووجب إثم تاركها وعقوبته ، فهذه أقوال المالكية وحقيقة مذهب مالك رحمه الله .

أما الشافعية فقال صاحب المهذب ، ما نصه : صلاة الجمعة واجبة لما روى جابر وساق حديثه ، وقال النووي في المجموع شرح المهذب : إنما تتعين على كل مكلف حر ذكر مقيم بلا مرض ونحوه ، إلى أن قال : أما حكم المسألة فالجمعة فرض عين على كل مكلف غير أصحاب الأعذار ، والنقص المذكور بين هذا هو المذهب ، وهو المنصوص للشافعي في كتبه ، وقطع به الأصحاب في جميع الطرق إلا ما حكاه القاضي أبو الطيب في تعليقه وصاحب الشامل وغيرهما من بعض الأصحاب أنه غلط ، فقال : هي فرض كفاية ، قالوا : وسبب غلطه أن الشافعي قال : من وجبت عليه الجمعة وجبت عليه صلاة العيدين ، وغلط من فهمه ; لأن مراد الشافعي من خوطب بالجمعة وجوبا خوطب بالعيدين متأكدا ، واتفق القاضي أبو الطيب وسائر من حكى هذا الوجه على غلط قائله ، قال القاضي أبو إسحاق المروزي : لا يحل أن يحكى هذا عن الشافعي ولا يختلف أن مذهب الشافعي : أن الجمعة فرض عين ، ونقل ابن المنذر في كتابيه كتاب الإجماع والإشراق : إجماع المسلمين على وجوب الجمعة . اهـ من المجموع للنووي ، وهذا الذي حكاه النووي وابن المنذر والمروزي عن الشافعي هو المنصوص عنه في كتاب الأم للشافعي نفسه ، قال مجلد ( 1 ) ص 881 تحت عنوان : إيجاب الجمعة بعدما ذكر الآية إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة ، قال : ودلت السنة من فرض الجمعة على ما دل عليه كتاب الله تبارك وتعالى وساق حديث : " نحن الآخرون السابقون يوم القيامة ، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا ، وأوتيناه من بعدهم ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم يعني الجمعة فاختلفوا فيه ، فهدانا الله له فالناس لنا فيه تبع " إلى أن قال : والتنزيل ثم السنة يدلان على إيجاب الجمعة ، وقال : ومن كان مقيما ببلد تجب فيه الجمعة من بالغ حر لا عذر له وجبت عليه الجمعة ، فهذه نصوص الشافعي عامة في الوجوب وخاصة في الأعيان ، وهذا بيان كاف لمذهب الشافعي - رحمه الله - من نص كتابه الأم . اهـ .

الحديث الذي استدل به الشافعي رحمه الله : " نحن الآخرون السابقون " هو عين الحديث الذي بوب عليه البخاري وجوب الجمعة ، ووجه الاستدلال منه قوله صلى الله عليه وسلم : " ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم " ففيه التنصيص على الفرضية .

[ ص: 173 ] أما الأحناف ، فقال في شرح الهداية ما نصه : وقد نسب إلى مذهب أبي حنيفة أنها ليست بفرض ، ثم قال : وهذا من جهلهم ، وسبب غلطهم قول القدوري : ومن صلى الظهر يوم الجمعة في منزله ولا عذر له كره له ذلك وجازت صلاته ، وإنما أراد حرم عليه وصحت الظهر بترك الفرض ، إلى آخره .

ثم قال : وقد صرح أصحابنا بأنها فرض آكد من الظهر ، وذكر أول الباب ، اعلم أن الجمعة فريضة محكمة بالكتاب والسنة والإجماع ، فحكي الإجماع على وجوبها وجهل من نسب إلى مذهبهم القول بعدم فرضيتها ، وهذه أيضا حقيقة مذهب أبي حنيفة - رحمه الله - وأنها عند أصحابه آكد من الظهر .

أما الحنابلة ، فقال في المغني ما نصه : الأصل في فرض الجمعة الكتاب والسنة والإجماع ، وساق الآية : إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة الآية ، وقال بعدها : فصل : وتجب الجمعة والسعي إليها سواء كان من يقيمها سنيا أو مبتدعا أو عدلا أو فاسقا ، نص عليه أحمد ، وهذا أعم وأشمل ، حتى مع الإمام غير العادل وغير السني .

فهذه نصوص المذاهب الأربعة في وجوب الجمعة وفرضها على الأعيان ، فلم يبق لأحد بعد ذلك أدنى شبهة يلتمسها من أي مذهب ، ولا تتبع شواذه للتهاون بفرض الجمعة لنيابة الظهر عنها .

ثم اعلم أن في الآية قرينة على هذا الوجوب ، وأنه لا صارف للأمر عن وجوب السعي إليها ، وذلك أن مع الأمر بالسعي إليها الأمر بترك البيع والنهي عنه ، وإذا كان ترك البيع واجبا من أجلها فما وجب هو من أجله كان وجوبه هو أولى ، قال في المغني : فأمر بالسعي ، ويقتضي الأمر الوجوب ولا يجب السعي إلا إلى الواجب ، ونهى عن البيع لئلا يشغل به عنها ، فلو لم تكن واجبة لما نهى عن البيع من أجلها ، وهو واضح كما ترى ، والأحاديث في الوعيد لتاركها بدون عذر مشهورة تؤكد هذا الوجوب .

من ذلك حديث أبي الجعد ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من ترك ثلاث جمع تهاونا بها طبع الله عليه قلبه " ، رواه أبو داود ، وسكت عنه .

وفي المنتقى ، قال : رواه الخمسة أي ما عدا البخاري ومسلما ، وفي المنتقى عن أبي هريرة وابن عمر - رضي الله عنهما - سمعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول على أعواد منبره : " لينتهين [ ص: 174 ] أقوام عن ودعهم الجمعات ، أو ليختمن الله على قلوبهم ، ثم ليكونن من الغافلين " ، رواه مسلم .

وعن ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لقوم يتخلفون عن الجمعة : " لقد هممت أن آمر رجلا يصلي بالناس ثم أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم " رواه أحمد ومسلم .

وقد فسر الطبع في حديث أبي الجعد بأنه طبع النفاق ، كما في قوله تعالى في سورة " المنافقون " : ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون [ 63 \ 3 ] ، وقيل : طبع ضلال ، كما في الحديث . ثم يكون أي : القلب كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ، ولا ينكر منكرا ، نسأل الله العافية والسلامة لنا ولجميع المسلمين والتوفيق لفضل هذا اليوم الذي خص الله به هذه الأمة .
مسألة

من المخاطب بالسعي هنا ؟ ، أي : من الذي تجب عليه الجمعة ؟ تستهل الآية الكريمة بقوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا ، وهو نداء عام لكل مؤمن ذكر ، وأنثى ، وحر ، وعبد صحيح ومريض ، فشمل كل مكلف على الإطلاق كقوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام .

وقوله تعالى : ( فاسعوا ) الواو فيه للجمع ، وإن كانت للمذكر إلا أنها عائدة إلى الموصول السابق وهو عام كما تقدم ، فيكون طلب السعي متوجها إلى كل مكلف إلا ما أخرجه الدليل .

وقد أخرج الدليل من هذا العموم أصنافا ، منها : المتفق عليه ، ومنها المختلف فيه .

فمن المتفق عليه : ما أخرج من عموم خطاب التكليف كالصغير والنائم والمجنون لحديث " رفع القلم عن ثلاثة " .

وما خرج من خصوص الجمعة ، كالمرأة إجماعا فلا جمعة على النساء ، وكالمريض فلا جمعة عليه اتفاقا كذلك .

وهو من يشق عليه أو يزيد مرضه ، ومن يمرضه تابع له ، وقد اختلف في المسافر [ ص: 175 ] والمملوك ، ومن في حكم المسافر وهم أهل البوادي .

قال القرطبي : قوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا خطاب للمكلفين بإجماع ويخرج منه المرضى ، والزمنى ، والعبيد ، والنساء بالدليل ، والعميان ، والشيخ الذي لا يمشي إلا بقائد عند أبي حنيفة .

روى أبو الزبير عن جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة يوم الجمعة إلا مريضا ، أو مسافرا ، أو امرأة ، أو صبيا ، أو مملوكا ، فمن استغنى بلهو ، أو تجارة ، استغنى الله عنه ، والله غني حميد " ، خرجه الدارقطني . اهـ .

ويشهد لما رواه القرطبي ما رواه ابن حجر في بلوغ المرام عن طارق بن شهاب - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة : مملوكا ، وامرأة ، وصبيا ، ومريضا " ، رواه أبو داود .

وقال : طارق لم يسمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكر أبو داود أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يسمع منه ، وأخرجه الحاكم من رواية طارق المذكور عن أبي موسى . اهـ .

قال الصنعاني : يريد المؤلف بهذا ، أي برواية عن أبي موسى أنه أصبح متصلا .

قال : وفي الباب عن تميم الداري ، وابن عمر ومولى لابن الزبير ، رواه البيهقي وناقش سنده .

وقال : وفيه أيضا من حديث أبي هريرة مرفوعا " خمسة لا جمعة عليهم : المرأة ، والمسافر ، والعبد ، والصبي ، وأهل البادية " . اهـ .

وقد ذكر صاحب المنتقى حديث طارق كما ساقه صاحب البلوغ ، وقال الشوكاني فيه : قال الحافظ : وصححه غير واحد .

وقال الخطابي : ليس إسناد هذا الحديث بذاك ، وذكر صحبة طارق ، ونقل قول العراقي ، فإذا ثبتت صحبته فالحديث صحيح ، وغايته أن يكون مرسل صحابي وهو حجة عند الجمهور ، إنما خالف فيه أبو إسحاق الاسفرائيني ، بل ادعى بعض الأحناف الإجماع على أن مرسل الصحابي حجة . اهـ .

[ ص: 176 ] وقال الشوكاني : على أنه قد اندفع الإعلال بالإرسال بما في رواية الحاكم من ذكر أبي موسى إلى آخره ، أي صار موصولا ، كما قال ابن حجر سابقا .

ووجه حجية مرسل الصحابي عندهم ، هو أن الصحابي إذا أرسل الحديث ولم يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فيكون بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - واسطة وتلك الواسطة هي صحابي آخر والصحابي ثقة ، فتكون الواسطة الساقطة ثقة ، فيصح الحديث ، ولذا ادعى بعض الأحناف أن مرسل الصحابي حجة لهذا السبب ، وعلى هذا مناقشة أهل الحديث والتفسير لهذه المسألة ، وبالتأمل في الآية الكريمة وعموم السياق يظهر من مجموعه شهادة القرآن ، إلى صحة ذلك لدلالة الإيماء .

أما عن النساء ففيه الإجماع كما تقدم ، ويشهد له أن الدعوة إلى السعي إلى الجمعة ، وترك البيع من أجلها ، ثم الانتشار بعدها في الأرض والابتغاء من فضل الله بالعمل والكسب يشعر بأن هذا كله للرجال ; لأن المرأة محلها في بيتها ، كما في قوله تعالى : وقرن في بيوتكن [ 33 \ 33 ] .

وتقدم لفضيلة والدنا الشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - مبحث مفصل استدل بدليل قرآني على سقوط الجمعة عن النساء ، وذلك عند قوله تعالى : في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال [ 24 \ 36 - 37 ] . وبين - رحمة الله تعالى علينا وعليه - مفهوم ( رجال ) هل هو مفهوم صفة أو مفهوم لقب ، وساق علاقة النساء بالمساجد في الجمعة وغيرها .

أما المملوك فمما يستأني له أيضا من السياق في قوله تعالى : وذروا البيع ، إذ البيع والشراء ابتداء ليس من حق العبيد إلا بإذن السيد . وقوله : فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله ، فإن المملوك لا ينتشر في الأرض إلا بإذن السيد أيضا ، وكذلك المسافر فليس مشتغلا ببيع ولا محل اشتغال به ، وهو منتشر في الأرض بسفره وسفره شاغل له ، وبسفره يقصر الصلاة ويجمعها .

وقد حكى الشوكاني الاتفاق بين الفقهاء على سقوط الجمعة عن المملوك إلا داود ، [ ص: 177 ] وكذلك المسافر إذا كان سائرا ، أما إذا كان نازلا ، فخالف فيه داود أيضا .

ومما استدل به الجمهور على سقوط الجمعة عن المسافر وقت نزوله ما وقع من فعله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع ، إذ كانت الوقفة يوم الجمعة ، وكان - صلى الله عليه وسلم - نازلا ولم يصل الجمعة ، بدليل أنه لم يجهر بالقراءة ، ونازع في ذلك ابن حزم وقال : غاية ما فيه ترك الجهر في الجهرية ، وهذا لا يبطلها ، ولكن يمكن أن يقال له : لقد قال صلى الله عليه وسلم : " خذوا عني مناسككم " .

والصلاة أثناء الحج مما يؤخذ عنه - صلى الله عليه وسلم - كالجمع تقديما في عرفة ، وتأخيرا في مزدلفة ، ولا يتأتى أن يترك الجهر في الجهرية وهو أقل ما فيه أنه خلاف الأولى ويأمرهم أن يأخذوه عنه .

ومن هذا كله صح ما ذهب إليه الجمهور من أنه لا جمعة على مملوك ولا مسافر ، كما لا جمعة على المرأة والمريض ، وبالله تعالى التوفيق .

قال ابن كثير : وإنما يؤمر بحضور الجمعة الرجال الأحرار دون العبيد والنساء والصبيان ، ويعذر المسافر ، والمريض ، ويتم المريض وما أشبه ذلك من الأعذار .

أما سقوطها عن أهل البوادي ومن في حكمهم ، فهو قول للجمهور مع اختلافهم في تحقيق المناط في ذلك بين المصر والقرية ، والبادية ، وبالرجوع إلى أقوال الأئمة نجد الخلاف الآتي أقوال الأئمة في مكان الجمعة .

أولا : عند أبي حنيفة - رحمه الله - قال في الهداية ما نصه : لا تصح الجمعة إلا في مصر جامع أو في مصلى المصر ، ولا تجوز في القرية لقوله صلى الله عليه وسلم : " لا جمعة ، ولا تشريق ، ولا فطر ، ولا أضحى إلا في مصر جامع " .

وفسر الشارح ابن الهمام المصر بقوله : والمصر الجامع كل موضع له أمير وقاض ينفذ الأحكام ويقيم الحدود ، وناقش الأثر الذي أورده المصنف قائلا : رواه ابن أبي شيبة موقوفا على علي رضي الله عنه : لا جمعة ، ولا تشريق ، ولا صلاة فطر ولا أضحى إلا في مصر جامع أو مدينة عظيمة ، صححه ابن حزم .

ورواه عبد الرزاق من حديث عبد الرحمن السلمي عن علي - رضي الله عنه - قال : لا تشريق ، ولا جمعة ، إلا في مصر جامع . اهـ .

[ ص: 178 ] وذكر هذا الأثر القرطبي موقوفا على علي رضي الله عنه .

وعند المالكية قال في متن خليل في فصل شروط الجمعة ما نصه : باستيطان بلد أو أخصاص لا خيم .

وفسر الشارح الاستيطان بالعزم على الإقامة على نية التأبيد ، ولا تكفي نية الإقامة ولو طالت ، وجاء في المتن بعدها قوله : ولزمت المكلف الحر الذكر بلا عذر المتوطن .

وقال الشارح على كلمة متوطنا : هو أيضا من شروط الوجوب ، يعني : أنه يشترط في وجوبها الاستيطان ببلد يتوطن فيه ويكون محلا للإقامة يمكن الشراء فيه ، وإن بعدت داره من المنارة سمع النداء أو لم يسمع ، ولو على خمسة أميال أو ستة إجماعا ، لا تجب على مسافر ، ولا مقيم ولو نوى إقامة زمنا طويلا إلا تبعا . اهـ . أي تبعا لغيره .

وعند الشافعي قال في المهذب ما نصه : ولا تصح الجمعة إلا في أبنية يستوطنها من تنعقد بهم الجمعة من بلد أو قرية ; لأنه لم تقم جمعة في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا في أيام الخلفاء إلا في بلد أو قرية ، ولم ينقل أنها أقيمت في بدو ، فإن خرج أهل البلد إلى خارج البلد فصلوا الجمعة لم يجز ; لأنه ليس بوطن فلم تصح فيه الجمعة كالبدو ، وإن انهدم البلد فأقام أهله على عمارته ، فحضرت الجمعة لزمهم إقامتها ; لأنهم في موضع الاستيطان .

قال النووي في الشرح ما نصه : قال أصحابنا : يشترط لصحة الجمعة أن تقام في أبنية مجتمعة يستوطنها شتاء وصيفا من تنعقد بهم الجمعة .

قال الشافعي والأصحاب : سواء كان البناء من أحجار ، أو أخشاب ، أو طين ، أو قصب ، أو سعف أو غيرها ، وسواء فيه البلاد الكبار ذوات الأسواق والقرى الصغار ، والأسراب المتخذة وطنا ، فإن كانت الأبنية متفرقة لم تصح الجمعة بلا خلاف ; لأنها لا تعد قرية ويرجع في الاجتماع والتفرق إلى العرف .

وأما أهل الخيام فإن كانوا ينتقلون من موضعهم شتاء وصيفا وهي مجتمعة بعضها إلى بعض فقولان ، ثم قال : أصحهما باتفاق الأصحاب لا تجب عليهم الجمعة ولا تصح منهم ، وبه قطع الأكثرون ، وبه قال مالك وأبو حنيفة ، ثم ذكر الدليل بقوله لحديث : " صلوا كما رأيتموني أصلي " ، ولم يصل هكذا .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #555  
قديم 08-05-2023, 11:28 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,915
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الثامن
الحلقة (553)
سُورَةُ الْجُمُعَةِ
صـ 179 إلى صـ 186


[ ص: 179 ] وعند الحنابلة قال في المغني ، ما نصه :

فصل : فأما الاستيطان فهو شرط في قول أكثر أهل العلم ، وهو الاستيطان في قرية على الأوصاف المذكورة لا يظعنون عنها صيفا ولا شتاء ، ولا تجب على مسافر ، ولا على مقيم في قرية يظعن أهلها عنها في الشتاء دون الصيف ، أو في بعض السنة .

فإن خربت القرية أو بعضها وأهلها مقيمون فيها عازمون على إصلاحها فحكمها باق في إقامة الجمعة بها وإن عزموا على النقلة عنها لم تجب عليهم لعدم الاستيطان .

هذه خلاصة أقوال أهل المذاهب الأربعة متفقة على اشتراط الوطن والاستيطان ، وإن اختلفت في صفة الوطن من مصر أو قرية أو نحوها مبنية بحجر أو طين ، أو أخشاب ، أو خيام ثابتة صيفا وشتاء على ما تقدم .

وقد انفرد أبو حنيفة ومعه صاحبه أبو يوسف باشتراط وجود الأمير والقاضي الذي يقيم الحدود احترازا من القاضي الذي لا يقيم الحدود ، كقاضي السوق ، أو إذا كان من يلي القضاء امرأة على مذهبه في ذلك وهي لا تقضي في الحدود لعدم جواز شهادتها فيها ، واكتفى الأئمة الثلاثة بمطلق الاستيطان ، ومعلوم أن الاستيطان يستلزم الإمارة شرعا وعقلا .

أما شرعا ، فلقوله صلى الله عليه وسلم : " ما من ثلاثة لا يؤمرون عليهم أميرا إلا استحوذ عليهم الشيطان " .

وعقلا ، فإن مستوطنين لا تسلم أحوالهم من خلافات ، ومشاحة فيما بينهم فلا بد من شخص يرجعون إليه ، وهو في معنى الأمير المطلوب ، كما أن الاستيطان يستلزم السوق لحوائجهم كما هو معلوم عرفا .

وقد استدل الجمهور بحديث ابن عباس رضي الله عنه : أن أول جمعة جمعت بعد جمعة في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقرية من قرى البحرين يقال لها جواثى ، وبحديث أبي أمامة أنه جمع بهم بالمدينة قبل مجئ النبي - صلى الله عليه وسلم - في هزم من حرة بني بياضة يقال له : نقيع الخضمات ، مما لا يستلزم المصر الذي اشترطه أبو حنيفة رحمه الله .

[ ص: 180 ] وأجاب الأحناف عن ذلك بعدم المعارضة بين حديث علي وحديث ابن عباس ، وفعل أبي أمامة ، وقالوا : إن قول علي لا يكون إلا عن سماع ، ولأن قوله تعالى : فاسعوا إلى ذكر الله ، ليس على إطلاقه بإنفاق الأمة ، إذ لا يجوز إقامتها في البراري إجماعا ، ولا في كل قرية عند ابن عباس ، بل يشترط ألا يظعن أهلها عنها صيفا ولا شتاء ، فكان خصوص المكان مرادا فيها إجماعا ، فقدر القرية من أخذ بحديث ابن عباس بأنها القرية الخاصة ، وقدر الأحناف المصر وقالوا : هو أولى لنص حديث علي : " إلا في مصر جامع " ، وقالوا : إن إقامتها في قرية جواثى غاية ما فيه تسمية جواثا قرية ، وهذه التسمية هي عرف الصدر الأول ، وهو لغة القرآن في قوله تعالى : وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم [ 43 \ 31 ] أي : مكة والطائف ، ومكة بلا شك مصر ، وفي الصحاح أن جواثا حصن بالبحرين ، فهي مصر إذ الحصن لا يخلو عن حاكم عليهم وعالم ، أما صلاة أبي أمامة فلم تكن عن علم ولا تقرير من النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا كانت شرعت الجمعة آنذاك ، فلا حجة فيه . والذي يقتضيه النظر بين هذه الأقوال والله تعالى أعلم : أن رأي الجمهور أرجح . ويتمشى مع قواعد مذهب أبي حنيفة في الجملة ; لأن الأحناف يتفقون مع الجمهور على تسمية المصر قرية كتسمية الطائف ومكة قرى .

وجاء في القرآن : مكة : أم القرى [ 6 \ 92 ] ، فالقرية أعم من المصر ، ومذهب أبي حنيفة تقديم العام على الخاص في كثير من الأمور ، كما في حديث : " فيما سقت السماء العشر " ، فقدمه على حديث : " ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة " ، ومن هذا كله يتضح أن الاستيطان مجمع عليه ، فلا تصح في غير وطن ، ولا تلزم غير مستوطن ، ومن قال بغير ذلك فقد خالف الأئمة ، وشذ عن الأمة ، وليس له سلف فيما ذهب إليه ، والذي قاله الجمهور يشهد له سياق القرآن الكريم بالإيماء والإشارة ; لأننا لو أخذنا بعين الاعتبار الأمر بالسعي إلى ذكر الله ، وترك البيع حتى لا يشغل عنها ، ثم الانتشار في الأرض بعد قضائها ; لتحصل عندنا من مجموع ذلك كله أن هناك جماعة نوديت وكلفت باستجابة النداء والسعي ، ثم الكف عن البيع الذي يشغل عن السعي ، ومثل هذا البيع الذي يكلفون بالكف عنه والذي يخشى منه شغل الناس عن السعي إلى الجمعة لا يكون عقدا بين اثنين فقط ، ولا يكون عملا فرديا بل يشعر بأنه عمل بين أفراد عديدين ومبايعات متعددة مما يشكل حالة السوق ، والسوق لا يكون في البوادي بل في القرى وللمستوطنين .

[ ص: 181 ] والعادة أن أهل البوادي ينزلون إلى القرى والأمصار ; للتزود من أسواقها ، وإذا وجد السوق ، ووجدت الجماعة ، اقتضى ذلك وجود الحاكم لاحتمال المشاحة والمنازعات ، كما تقدم استلزام ذلك شرعا وعقلا ، كما أن قوله تعالى : فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله ، يدل على الكثرة ; لأن مادة الانتشار لا تطلق على الواحد ولا الاثنين ، كما في حديث : " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا " ، ومنه انتشار الخبر لا يصدق على ما يكون بين اثنين ، أو أكثر ، إذا كانوا يتكتمون ، فإذا استفاض وكثر من يعرفه ، قيل له : انتشر الخبر .

قال صاحب معجم مقاييس اللغة في مادة نشر : النون والشين والراء أصل صحيح يدل على فتح شيء وتشعبه ، فقوله : وتشعبه يدل على الكثرة .

وقال يقال : اكتسى البازي ريشا نشرا ، أي : منتشرا واسعا طويلا ، ومعلوم أن ريش البازي كثير ، وهذا الوصف لا يتأتى من نفر قلائل في بادية ، بل لا يتأتى تحققه إلا من أهل القرى المستوطنين . ولعلنا في هذا قد أوضحنا هذه المسألة خاصة لهؤلاء الذين يقولون : إن الجمعة كالجماعة تصح من أي عدد في أي مكان على أية حالة كانوا ، وهو قول في الواقع لم يكن لهم فيه سلف ، وخالفوا به السلف والخلف ، مع ما في قولهم من هدم حكمة التشريع في إقامة الجمعة ، حيث إننا وجدنا حكمة الجماعة في العدد القليل ، ولأهل كل مسجد في كل ضاحية .

ثم نأت الجمعة لأهل القرية والمصر ، ومن في ضواحيها على بعد خمسة أو ستة أميال ، كما قال المالكية ، وكما كان السلف يأتون إلى المدينة زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما فيه من تجمع للمسلمين على نطاق أوسع من نطاق الجماعة .

ثم يأتي العيد وهو على نطاق أوسع فيشمل حتى النساء يحضرن ذلك اليوم ، ثم يأتي الحج يأتون إليه من كل فج عميق ، ولعل مما يشهد لهذا ويرد على من خالفه ، ما جاء في اجتماع العيد والجمعة ، إذ خيرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بين النزول إلى الجمعة ، و بين الاكتفاء بالعيد أي : أهل الضواحي .

ثم أخبرهم بأنه سيصلي الجمعة ، فلو أن الجمعة تصح منهم في منازلهم وضواحيهم ; لأرشدهم إلى ذلك وأعفاهم من النزول سواء في يوم العيد الذي يكون في يوم الجمعة ، أو [ ص: 182 ] في الجمعة من غير يوم العيد ، بل كانوا ينزلون من أطراف المدينة كما هو معلوم ، والعلم عند الله تعالى .
العدد في الجمعة

والواقع أن مسألة العدد في الجمعة قد كثر الخلاف فيها ، فمن قائل : تصح بواحد مع الإمام ، وعزاه ابن رشد للطبري ، ومن قائل باثنين مع الإمام وعزاه القرطبي للحسن ، ومن قائل بثلاثة مع الإمام وعزي لأبي حنيفة ، ومن قائل باثني عشر رجلا ، وعزاه القرطبي لربيعة ، ومن قائل بثلاثين ، ومن قائل بأربعين ، وهو قول الشافعي وأحمد . ومن قائل بكل عدد يتأتى في قرية مستوطنة ، وألا يكونوا ثلاثة ونحوها ، وهو قول مالك . قال في متن خليل : وبجماعة تتقرى بهم قرية بلا حد .

وقال في الشرح : أي جماعة يمكنهم الدفع عن أنفسهم في الأمور الكثيرة لا النادرة ، وذلك يختلف بحسب الجهات إلى أن قال : وأفهم كلام المؤلف أن الاثني عشر لا تتقرى بهم قرية ، فقوله : بلا حد أي بعد الاثني عشر . اهـ .

والواقع أن كل هذه الأقوال ليس عليها مستند يعول عليه في العدد ، بحيث لو نقص واحد بطلت ، ولكن الذي يشهد له الشرع من السماحة واليسر ، هو ما قاله مالك رحمه الله ، وما قدمنا من أن السياق يدل على وجود جماعة لها سوق ، ويتأتى منها الانتشار في الأرض بعد انقضاء الصلاة ، ولم نطل الكلام في هذه المسألة لعدم وجود نص صريح فيها ، وكل ما يستدل به فهو حكاية حال تحتمل الزيادة والنقص ولا يعمل بمفاهيمها ، والعلم عند الله تعالى .
قوله تعالى : فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض الآية .

تقدم للشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - التنبيه على ما فيها من مبحث أصولي ، وهو الأمر بعد الحظر وأصح ما فيه أنه يرد الأمر المحظور إلى ما كان عليه قبل ورود الحظر عليه .

مسألة

وقت السعي إلى الجمعة ظاهر قوله تعالى : إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ، أن السعي يكون بعد النداء ، وعند ترك البيع ، ومفهومه [ ص: 183 ] أن قبل النداء لا يلزم السعي ولا ترك البيع ، وهذا ظاهر من النص ، ولكن جاءت نصوص للحث على البكور إلى الجمعة ، منها قوله صلى الله عليه وسلم : " من بكر ، وابتكر ، ومشى ولم يركب ، وصلى ما تيسر له " . الحديث .

وحديث : " من راح في الساعة الأولى " إلى آخر الحديث ، فكان البكور مندوبا إليه ، وهذا أمر مسلم به ، ولكن وقع الخلاف بين مالك والجمهور في مبدأ البكور ، ومعنى الساعة الأولى أي ساعة لغوية أو زمنية ، وهل هي الأولى من النهار أو الأولى بعد الأذان ؟ ، فقال مالك : إن الساعة لغوية ، وهي الأولى بعد الأذان ، إذ لا يجب السعي إلا بعده وقبله لا تكليف به .

وحمل الجمهور الساعة على الساعة الزمنية ، وأن الأولى هي الأولى من النهار ، والراجح ما ذهب إليه الجمهور لعدة أمور :

أولا : في لفظ حديث البكور ; لأن لفظ البكور لا يكون إلا لأول النهار ، ولا يقال لما بعد الزوال بكور ، بل يسمى عشيا ، كما في قوله تعالى : بكرة وعشيا [ 19 \ 11 ] وتكرار بكر ، وابتكر ، يدل على أنه في بكرة النهار وأوائله ، وكذلك لفظة : " من راح " لأن الرواح لأول النهار .

ثانيا في الحديث : " وصلى ما تيسر " ، له دليل قاطع على أن هناك زمنا يتسع للصلاة بقدر ما تيسر له . أما على مذهب مالك ، فلا متسع لصلاة بعد النداء ، ولا سيما في زمنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن إلا أذان واحد ، وبعد النداء فلا متسع للصلاة .

ثالثا : ما جاء عن بعض السلف ، كما تقدم أنه كان يصلي أربعا وثماني واثنتي عشرة ركعة ، وهذا كله لا يكون مع الساعات اللغوية ، وما جاء عند النيسابوري من قوله في تفسيره : وكانت الطرقات في أيام السلف وقت السحر وبعد الفجر غاصة بالمبكرين إلى الجمعة يمشون بالسرج .

وقيل : أول بدعة أحدثت في الإسلام ترك البكور إلى الجمعة ، والذي يقتضيه النظر في هذه المسألة ، هو أن زمن السعي له جهتان :

جهة وجوب وإلزام ، وهذا لا شك أنه بعد النداء إلا من كان محله بعيدا ، بحيث لو انتظر حتى ينادى لها لا يدركها فيتعين عليه السعي إليها قبل النداء اتفاقا ; لأنه لا يتمكن من [ ص: 184 ] أداء ما وجب عليه من صلاة الجمعة إلا بذلك .

وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، وهذا مخصوص من ظاهر النص المتقدم .

الجهة الثانية : جهة ندب واستحباب ، وهذا لا يتقيد بزمن وإنما هو بحسب ظروف الشخص ، فمن تمكن من البكور ، ولم يتعطل ببكوره ما هو ألزم منه ، فيندب له البكور ، وبحسب ما يكون بكوره في الساعات الخمس المذكورة في الحديث يكون ما له من الأجر ، ويشهد لهذا المعنى أمران :

الأول : حديث الملائكة على أبواب المساجد يكتبون الأول فالأول ، فإذا حضر الإمام طوت الصحف وجلسوا يستمعون الذكر ، فكتابة الأول فالأول قبل خروج الإمام ، تدل على فضل الأولية قبل النداء كما تقدم .

الأمر الثاني : أننا وجدنا لكل واجب مندوبا والسعي إلى الجمعة عند النداء واجب ، فيكون له مندوب وهو السعي قبل النداء ، فكما للصلاة والصيام والزكاة واجب ومندوب ، فكذلك للسعي واجب ومندوب ، فواجبه بعد النداء ، ومندوبه قبله ، والله تعالى أعلم .
الغسل للجمعة

في قوله تعالى : إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله ترتيب السعي إلى ذكر الله على النداء ، ومعلوم أن هذا مقيد بسبق الطهر إجماعا ، وقد جاء في قوله تعالى : إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم [ 5 \ 6 ] ، فكانت الطهارة بالوضوء شرطا في صحة الصلاة .

وهنا في خصوص الجمعة لم يذكر شيء في خصوص الطهر لها بوضوء أو غسل .

وقد جاءت أحاديث في غسل الجمعة منها حديث أبي سعيد من قوله صلى الله عليه وسلم : " غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم " ، وفي لفظ : " طهر يوم الجمعة واجب على كل محتلم كطهر الجنابة " ، وهذا نص صريح في وجوب الغسل على كل من بلغ سن الحلم .

وجاء حديث آخر : " من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ، ومن اغتسل فالغسل أفضل " ، وهذا نص صريح في أفضلية الغسل على الوضوء ، وبالتالي صحة الجمعة بالوضوء وهذا مذهب الجمهور .

[ ص: 185 ] وقد جاء عند مالك في الموطأ : أن عثمان دخل يوم الجمعة ، وعمر يخطب فعاتبه على تأخره ، فأخبره أنه ما إن سمع النداء حتى توضأ ، وأتى إلى المسجد ، فقال له : والوضوء أيضا ، وذلك بمحضر من الصحابة ، فلم يأمره بالعودة إلى الغسل ، ولو كان واجبا لما تركه عثمان من نفسه ، ولا أقره عمر وتركه على وضوئه .

فقال الجمهور : إن الحديث الأول قد نسخ الوجوب فيه بحديث المفاضلة المذكور ، واستدلوا على ذلك بأمرين : الأول قصة عمر مع عثمان هذه .

والثاني : قول عائشة - رضي الله عنها - كانوا في أول الأمر هم فعلة أنفسهم فكانوا يأتون إلى المسجد ويشتد عرقهم فتظهر لهم روائح فعزم عليهم - صلى الله عليه وسلم - بالغسل ، ولما فتح الله عليهم وجاءتهم العلوج وكفوا مؤنة العمل ، رخص لهم في ذلك ، وهذا هو مذهب الجمهور ، كما قدمنا .

وعند الظاهرية وجوب الغسل ، ولكن لليوم لا للجمعة ; لنص الحديث : " غسل يوم الجمعة " ولم يقل الغسل لصلاة الجمعة ، واستدلوا لما ذهبوا إليه من النصوص في تعهد الشعور والأظافر والغسل بصيغة عامة كل يوم على الإطلاق ، وقيدوه في الغسل بخصوص الجمعة ، وعليه فإن من لم يغتسل عندهم قبل الصلاة فعليه أن يغتسل بعدها ، وأنه ليس شرطا عندهم لصحتها ، والذي يظهر هو صحة مذهب الجمهور لأمرين :

الأول : أن مناسبة الغسل في هذا اليوم أنسب ما تكون لهذا التجمع ، كما أشارت عائشة - رضي الله عنها - فإذا أهدرنا هذه المناسبة كان يوم الجمعة وغيره سواء .

الثاني : أن سياق الآية يشير إشارة خفية إلى عدم وجوب الغسل ; لأنه لم يذكر نوع طهارة عند السعي بعد الأذان ، ومعلوم أنه لا بد من طهر لها ، فيكون إحالة على الآية الثانية العامة في كل الصلوات : إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم الآية ، فيكتفى بالوضوء وتحصل الفضلية بالغسل ، والعلم عند الله تعالى .
قوله تعالى : وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما .

في عود الضمير على التجارة وحدها مغايرة لذكر اللهو معها .

وقال الزمخشري : حذف أحدهما لدلالة المذكور عليه ، وذكر قراءة أخرى ، انفضوا [ ص: 186 ] إليه يعود الضمير إلى اللهو ، وهذا توجيه قد يسوغ لغة كما في قول نابغة ذبيان :


وقد أراني ونعما لاهيين بها والدهر والعيش لم يهمم بإمرار


فذكر الدهر والعيش ، وأعاد عليهما ضميرا منفردا اكتفاء بأحدهما عن الآخر للعلم به ، وهو كما قال ابن مالك : وحذف ما يعلم جائز .

وقد ذكر الشيخ - رحمه الله - لهذا نظائر في غير عود الضمير ، كقوله تعالى : وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم [ 16 \ 81 ] ، فالتي تقي الحر ، تقي البرد ، فاكتفى بذكر أحدهما لدلالته على الآخر ، ولكن المقام هنا خلاف ذلك .

وقد قال الشيخ عن هذه الآية في دفع إيهام الاضطراب : لا يخفى أن أصل مرجع الضمير هو الأحد الدائر بين التجارة واللهو ، بدلالة لفظة أو على ذلك ، ولكن الضمير رجع إلى التجارة وحدها دون اللهو ، فبينه وبين مفسره بعض منافاة في الجملة ، والجواب : أن التجارة أهم من اللهو وأقوى سببا في الانفضاض عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنهم انفضوا من أجل العير ، واللهو كان من أجل قدومها ، مع أن اللغة يجوز فيها رجوع الضمير لأحد المذكورين قبله . أما في العطف بأو فواضح ، كقوله تعالى : ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا [ 4 \ 112 ] .

وأما الواو فهو فيها كثير كقوله : واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة [ 2 \ 45 ] وقوله : والله ورسوله أحق أن يرضوه [ 9 \ 62 ] ، وقوله : والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله [ 9 \ 34 ] . اهـ .

أي : أن هذه الأمثلة كلها يذكر فيها أمران ، ويعود الضمير على واحد منهما .

وبناء على جواب الشيخ - رحمة الله تعالى عليه - يمكن القول بأن عود الضمير على أحد المذكورين ، إما لتساويهما في الماصدق ، وإما لمعنى زائد فيما عاد عليه الضمير .

فمن المتساويين قوله تعالى : ومن يكسب خطيئة أو إثما لتساويهما في النهي والعصيان ، ومما له معنى زائد قوله تعالى : واستعينوا بالصبر والصلاة ، وإنها أي : الصلاة ; لأنها أخص من عموم الصبر ، ووجود الأخص يقتضي وجود الأعم دون العكس ، ولأن الصلاة وسيلة للصبر ، كما في الحديث : كان - صلى الله عليه وسلم - إذا حزبه أمر هم فزع إلى الصلاة .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #556  
قديم 08-05-2023, 11:31 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,915
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الثامن
الحلقة (554)
سُورَةُ الْمُنَافِقُونَ
صـ 187 إلى صـ 194



[ ص: 187 ] وكذلك قوله تعالى : والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها ، أي : الفضة ; لأن كنز الفضة أوفر ، وكانزوها أكثر فصورة الكنز حاصلة فيها بصفة أوسع ، ولدى كثير من الناس ، فكان توجيه الخطاب إليهم أولى ، ومن ناحية أخرى لما كانت الفضة من الناحية النقدية أقل قيمة ، والذهب أعظم ، كان في عود الضمير عليها تنبيه بالأدنى على الأعلى ، فكأنه أشمل وأعم ، وأشد تخويفا لمن يكنزون الذهب .

أما الآية هنا ، فإن التوجيه الذي وجهه الشيخ - رحمة الله تعالى عليه - لعود الضمير على التجارة ، فإنه في السياق ما يدل عليه ، وذلك في قوله تعالى بعدها : قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة [ 62 \ 11 ] ، فذكر السببين المتقدمين ; لانفضاضهم عنه - صلى الله عليه وسلم - ثم عقبه بقوله تعالى ، بالتذييل المشعر بأن التجارة هي الأصل بقوله : والله خير الرازقين [ 62 \ 11 ] ، والرزق ثمرة التجارة ، فكان هذا بيانا قرآنيا لعود الضمير هنا على التجارة دون اللهو ، والعلم عند الله تعالى .

تنبيه

قال أبو حيان عن ابن عطية : تأمل إن قدمت التجارة على اللهو في الرؤية ; لأنها أهم وأخرت مع التفضيل لتقع النفس أولا على الأبين . اهـ .

يريد بقوله : في الرؤية : ( وإذا رأوا ) ، وبقوله : مع التفضيل : قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة ، أي : لأن اللهو أبين في الظهور ، والذي يظهر والعلم عند الله تعالى ، أنه عند التفضيل ذكر اللهو للواقع فقط ; لأن اللهو لا خير فيه مطلقا فليس محلا للمفاضلة ، وآخر ذكر التجارة ; لتكون أقرب لذكر الرزق لارتباطهما معا ، فلو قدمت التجارة هنا أيضا لكان ذكر اللهو فاصلا بينها وبين قوله تعالى : والله خير الرازقين ، وهو لا يتناسق مع حقيقة المفاضلة .
[ ص: 188 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحِيمِ الرَّحِيمِ

سُورَةُ الْمُنَافِقُونَ

قَوْلُهُ تَعَالَى : إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ .

قَالَ الشَّيْخُ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - فِي مُذَكِّرَةِ الدِّرَاسَةِ : الْخِطَابُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُنَافِقُونَ : جَمْعُ مُنَافِقٍ ، وَهُوَ مَنْ يُظْهِرُ الْإِيمَانَ ، وَيُسِرُّ الْكُفْرَ .

( قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ) ، أَيْ : قَالُوا ذَلِكَ نِفَاقًا وَخَوْفًا ، وَلَمْ يَقُولُوهُ خَالِصًا مِنْ قُلُوبِهِمْ . وَلِذَا قَالَ اللَّهُ : وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ، وَإِنَّمَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ بِالْكَذِبِ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِمْ حَقٌّ ; لِأَنَّ بَوَاطِنَهُمْ تُكَذِّبُ ظَوَاهِرَهُمْ ، لِأَنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا كَسْرُ هَمْزَةِ إِنَّ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ ; لِأَنَّهَا بَعْدَ فِعْلٍ مُعَلَّقٍ بِاللَّامِ ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَفُتِحَتْ ، لِأَنَّهَا فِي مَحَلِّ الْمَصْدَرِ .

وَلِأَبِي حَيَّانَ قَوْلٌ حَسَنٌ فِي ذَلِكَ إِذْ قَالَ : إِنَّ قَوْلَهُمْ : ( نَشْهَدُ ) يَجْرِي مَجْرَى الْيَمِينِ ، وَلِذَلِكَ تُلُقِّيَ بِمَا يُتَلَقَّى بِهِ الْقَسَمُ ، وَكَذَا فِعْلُ الْيَقِينِ ، وَالْعَلَمُ يَجْرِي مَجْرَى الْقَسَمِ بِقَوْلِهِ : إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ، أَعْنِي : بِقَصْدِ التَّوْكِيدِ بِإِنَّ وَاللَّامِ ، ثُمَّ قَالَ : وَأَصْلُ الشَّهَادَةِ أَنْ يُوَاطِىءَ اللِّسَانُ الْقَلْبَ ، هَذَا بِالنُّطْقِ وَذَلِكَ بِالِاعْتِقَادِ فَأَكْذَبَهُمُ اللَّهُ ، وَفَضَحَهُمْ بِقَوْلِهِ : وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ .

أَيْ : لَمْ تُوَاطِئُ قُلُوبُهُمْ أَلْسِنَتَهُمْ عَلَى تَصْدِيقِكَ ، وَاعْتِقَادُهُمْ أَنَّكَ غَيْرُ رَسُولٍ ، فَهُمْ كَاذِبُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ مَنْ عَرَفَ حَالَهُمْ ، أَوْ كَاذِبُونَ عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ ، إِذْ أَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ قَوْلَهُمْ : إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ كَذِبٌ .

وَجَاءَ قَوْلُهُ تَعَالَى : وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ ، بَيْنَ شَهَادَتِهِمْ وَتَكْذِيبِهِمْ إِيذَانًا بِأَنَّ الْأَمْرَ كَمَا قَالُوا عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ تَعَالَى : وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ [ 48 \ 28 - 29 ] .

تَنْبِيهٌ

[ ص: 189 ] فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَبْحَثٌ بَلَاغِيٌّ فِي تَقْسِيمِ الْكَلَامِ إِلَى خَبَرٍ وَإِنْشَاءٍ فَقَالُوا : الْخَبَرُ مَا احْتَمَلَ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ لِذَاتِهِ ، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ يَنْحَصِرُ فِيهِمَا بِلَا وَاسِطَةٍ ، وَالْمُخْبِرُ إِمَّا صَادِقٌ وَإِمَّا كَاذِبٌ ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مُطَابَقَةِ الْخَبَرِ لِلْوَاقِعِ أَوْ عَدَمِ مُطَابَقَتِهِ ، وَلَا عَلَاقَةَ لَهُ بِالِاعْتِقَادِ .

قَالَ السَّعْدُ فِي التَّلْخِيصِ ، وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ : صِدْقُ الْخَبَرِ وَكَذِبُهُ مُطَابَقَتُهُ لِاعْتِقَادِ الْمُخْبِرِ ، لَا لِلْوَاقِعِ ، وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِأَنَّ عَدَمَ مُطَابَقَتِهِ لِلْوَاقِعِ يَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْخَطَأِ ، لَا مِنْ قَبِيلِ الْكَذِبِ .

وَلِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ : مَا كَذَبَ وَلَكِنَّهُ وَهِمَ ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْجَاحِظِ وَهُوَ صِدْقُ الْخَبَرِ مُطَابَقَتُهُ لِلْوَاقِعِ مَعَ اعْتِقَادِ الْمُخْبِرِ مُسْتَدِلًّا بِالْآيَةِ : وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ، مَعَ قَوْلِهِمْ : إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ، فَكَذَّبَهُمُ اللَّهُ مَعَ أَنَّ خَبَرَهُمْ مُطَابِقٌ لِلْوَاقِعِ ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَعْتَقِدُوا مَا قَالُوا فَكَذَّبَهُمُ اللَّهُ لِذَلِكَ .

وَمُقْتَضَى مَذْهَبِ الْجَاحِظِ الْقَوْلُ بِوُجُودِ وَاسِطَةٍ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ ، وَهِيَ عَدَمُ اعْتِقَادِ الْمُخْبِرِ لِمَا أَخْبَرَ بِهِ ، وَلَوْ طَابَقَ الْوَاقِعَ ، وَلَكِنْ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ كَلَامِ أَبِي حَيَّانَ يَرُدُّ هَذَا الْمَذْهَبَ وَيُبْطِلُ اسْتِدْلَالَ الْجَاحِظِ وَمَنْ وَافَقَهُ بِالْآيَةِ ; لِأَنَّ تَكْذِيبَ اللَّهِ إِيَّاهُمْ مُنْصَبٌّ عَلَى قَوْلِهِمْ قَالُوا نَشْهَدُ ، وَالشَّهَادَةُ أَخَصُّ مِنَ الْخَبَرِ ، وَلِأَنَّهُمْ ضَمَّنُوا شَهَادَتَهُمُ التَّأْكِيدَ الْمُشْعِرَ بِالْقَسَمِ وَالْمُوحِيَ بِمُطَابَقَةِ الْقَوْلِ لِمَا فِي الْقَلْبِ وَلَا سِيَّمَا فِي هَذَا الْمَقَامِ ، وَهُوَ مَقَامُ الْإِيمَانِ وَالتَّصْدِيقِ ، فَأَكْذَبَهُمُ اللَّهُ فِي كَوْنِ إِخْبَارِهِمْ بِصُورَةِ الشَّهَادَةِ وَالْحَالِ أَنَّهُمْ لَمْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا وَهُوَ عَدَمُ مُطَابَقَتِهَا لِاعْتِقَادِهِمْ .

وَالْقُرْآنُ يَنْفِي وُجُودَ وَاسِطَةٍ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ [ 10 \ 32 ] .

أَمَّا فِقْهُ الْيَمِينِ وَمَا تَنْعَقِدُ بِهِ وَأَحْكَامُهَا ، فَقَدْ تَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - هَذَا الْمَبْحَثُ مُسْتَوْفًى فِي سُورَةِ " الْمَائِدَةِ " عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى : لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ الْآيَةَ [ 5 \ 89 ] .

[ ص: 190 ] وَذُكِرَ فِي مَعْنَى لَغْوِ الْيَمِينِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ قَوْلَانِ :

الثَّانِي مِنْهُمَا : هُوَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى مَا يَعْتَقِدُهُ فَيُظْهِرُ خِلَافَهُ وَعَزَاهُ لِمَالِكٍ ، وَأَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ عَائِشَةَ ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ ، وَابْنِ عَبَّاسٍ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ ، وَسَاقَ أَسْمَاءَ كَثِيرِينَ ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ : يَنْبَغِي أَنْ نُفَرِّقَ بَيْنَ الْحَدِّ اللُّغَوِيِّ عِنْدَ الْبَلَاغِيِّينَ ، وَالْحَدِّ الشَّرْعِيِّ حَيْثُ يُقْبَلُ شَرْعًا مَا كَانَ مَبْنَاهُ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ ; لِأَنَّهُ حَدُّ عِلْمِهِ ، وَلِعَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ فِي الشَّرْعِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قوله تعالى : اتخذوا أيمانهم جنة .

قرئ ( أيمانهم ) بفتح الهمزة جمع يمين ، وقرئ بكسرها من الإيمان ضد الكفر ، أي : ما أظهروه من أمور الإسلام .

ومما تقدم أن من أنواع البيان إذا كان في الآية قراءتان ، وفيها ما يرجح إحداهما ، وتقدم كلام أبي حيان تخريجه على اليمين .

وللشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - في مذكرة التدريس قوله : الأيمان جمع يمين ، وهي الحلف والجنة الترس ، وهو المجن الذي تتقى به السيوف والنبال والسهام في الحرب ، والمعنى أن المنافقين إذا ظهر شيء من نفاقهم أو سمعت عنهم كلمة كفر ، حلفوا بالله أنهم ما قالوا ذلك وما فعلوه ، فيجعلون حلفهم ترسا يقيهم من مؤاخذة النبي - صلى الله عليه وسلم - بذنبهم . كما قال تعالى : يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر الآية [ 9 \ 74 ] . وقال : ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم الآية [ 9 \ 56 ] . وقال : يحلفون بالله لكم ليرضوكم الآية [ 9 \ 62 ] ، ونحو ذلك ، فهذه نصوص تدل على أنهم يحلفون أيمانا على أيمانهم .

ومن جهة المعنى : أن أيمانهم وحلفهم منصب على دعوى إيمانهم ، فلا انفكاك بين اليمين والإيمان ; لأنهم يحلفون أنهم مؤمنون ، واليمين أخص من الإيمان ، وحمله على الأخص يقتضي وجود الأعم ، فالحلف على الإيمان يستلزم دعوى الإيمان وزيادة ، ومجرد دعوى الإيمان لا يستلزم التأكيد بالإقسام والحلف .

قوله تعالى : فصدوا عن سبيل الله .

[ ص: 191 ] قال الشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - : أي بسبب اتخاذهم أيمانهم جنة وخفاء كفرهم الباطن ، تمكنوا من صد بعض الناس عن سبيل الله ، لأن المسلمين يظنونهم إخوانا وهم أعداء ، وشر الأعداء من تظن أنه صديق ولذا حذر الله نبيه منهم بقوله : هم العدو فاحذرهم [ 63 \ 4 ] ، وصدهم الناس عن سبيل الله كتعويقهم عن الجهاد ; كما بينه بقوله : قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا الآية [ 33 \ 18 ] . وبقوله : وقالوا لا تنفروا في الحر الآية [ 9 \ 81 ] . وقوله : الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا الآية [ 3 \ 168 ] .

قوله تعالى : إنهم ساء ما كانوا يعملون .

قال الشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - : ( ساء ) فعل جامد لإنشاء الذم بمعنى بئس . اهـ .

وقد بين تعالى تلك الإساءة من المنافقين في عدة جهات منها قوله تعالى : يخادعون الله والذين آمنوا [ 2 \ 9 ] . وقوله : إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم [ 4 \ 142 ] .

وكان خداعهم بالقول وبالفعل ، وخداعهم بالقول في قوله عنهم : يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم [ 48 \ 11 ] .

وخداعهم في الفعل في قوله عنهم : وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس [ 4 \ 142 ] .

وفي الجهاد قولهم : إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا [ 33 \ 13 ] .
قوله تعالى : ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم .

في هذه الآية نص على أن الطبع على قلوبهم نتيجة لكفرهم بعد إيمانهم ، ومثله قوله تعالى : بل طبع الله عليها بكفرهم [ 4 \ 155 ] . وكقوله : فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم [ 61 \ 5 ] .

[ ص: 192 ] وقال الشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - عن بعض العلماء : ذلك بأنهم آمنوا ، أي : بألسنتهم نفاقا ثم كفروا بقلوبهم في الحقيقة . اهـ .

وتقدم في أول سورة البقرة ختم الله على قلوبهم [ 2 \ 7 ] فهم لا يعقلون بعد هذا الطبع ، ومع هذا الختم كقوله تعالى : إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه [ 18 \ 57 ] .
قوله تعالى : هم العدو فاحذرهم .

فيه ما يشعر بحصر العداوة في المنافقين مع وجودها في المشركين واليهود ، ولكن إظهار المشركين شركهم ، وإعلان اليهود كفرهم مدعاة للحذر طبعا .

أما هؤلاء فادعاؤهم الإيمان وحلفهم عليه ، قد يوحي بالركون إليهم ولو رغبة في تأليفهم ، فكانوا أولى بالتحذير منهم لشدة عداوتهم ولقوة مداخلتهم مع المسلمين ، مما يمكنهم من الاطلاع على جميع شئونهم .

وقد جاء في آخر السورة كله كاشفا لحقيقتهم ومبينا شدة عداوتهم سواء في قولهم : لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا [ 63 \ 7 ] ، أو في تآمرهم على المسلمين في قولهم : لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل [ 63 \ 8 ] . وقوله : إن الله لا يهدي القوم الفاسقين [ 63 \ 6 ] .

( هم ) هنا المنافقون ; كقوله تعالى : إن المنافقين هم الفاسقون [ 9 \ 67 ] .
قوله تعالى : ولله خزائن السماوات والأرض .

تقدم بيانه للشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - عند قوله تعالى : له مقاليد السماوات والأرض [ 39 \ 63 ] .
قوله تعالى : يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله .

تقدم للشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - بيان ما فيها من القول بالموجب .
قوله تعالى : يأيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله .

[ ص: 193 ] تقدم للشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - الكلام عليه عند قوله تعالى : المال والبنون زينة الحياة الدنيا [ 18 \ 46 ] ، وقد بين سبب لهو المال والولد عن ذكر الله ، بأن العبد يفتن في ذلك في قوله تعالى الآتي في سورة " التغابن " : إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم [ 64 \ 15 ] .

أي : لمن سخر المال في طاعة الله ، وبالتأمل في آخر هذه السورة ، وآخر التي قبلها نجد اتحادا في الموضوع والتوجيه .

فهناك قوله تعالى : وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين [ 62 \ 11 ] .

وجاء عقبه مباشرة سورة : إذا جاءك المنافقون [ 63 \ 1 ] ، ولعله مما يشعر أن الذين بادروا بالخروج للعير هم المنافقون ، وتبعهم الآخرون لحاجتهم لما تحمل العير ، وهنا بعدما ركن المنافقون للمال جاء : لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا فكانت أموالهم فتنة لهم في مقالتهم تلك ، فحذر الله المؤمنين بقوله : لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ، سواء كان المراد بالأموال خصوص ذكر الخطبة والعير المتقدم ذكرهما ، أو عموم العبادات والمكتسبات .
قوله تعالى : وأنفقوا من ما رزقناكم .

فيه الإنفاق من بعض ما رزقهم ، وتقدم للشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - مبحث الاقتصاد في الإنفاق عند قوله في أول سورة " البقرة " : ومما رزقناهم ينفقون [ 2 \ 3 ] .
قوله تعالى : ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها .

وكذلك لا يقدمها عليه ; كما في قوله تعالى : لكل أمة أجل إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون [ 10 \ 49 ] .

وبين تعالى عدم تأخرهم مع أنهم وعدوا بأنهم يصدقون ويكونون من الصالحين ، مشيرا للسبب في قوله تعالى : والله خبير بما تعملون [ 64 \ 11 ] أي : لو أخركم ; لأن شيمتكم الكذب وخلف الوعد ، وأن هذا دأب أمثالهم كما بينه تعالى في قوله : وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال [ ص: 194 ] [ 14 \ 44 ] .

وقوله تعالى : حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها [ 23 \ 99 - 100 ] .

فقوله تعالى عنهم : كلا إنها كلمة هو قائلها ، تعادل في ماصدقها .

قوله تعالى : والله خبير بما تعملون .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #557  
قديم 08-05-2023, 11:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,915
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الثامن
الحلقة (555)
سُورَةُ التَّغَابُنِ
صـ 195 إلى صـ 202




أي : لو أخرهم لن يصدقوا ، ولن يكونوا من الصالحين ، والله تعالى محيط علمه بما سيكون ، كإحاطته بما قد كان ، والله تعالى أعلم .
[ ص: 195 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

سُورَةُ التَّغَابُنِ

قَوْلُهُ تَعَالَى : يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .

تَقَدَّمَ مَعْنَى التَّسْبِيحِ وَمَدْلُولِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ " الْحَشْرِ " وَ " الْحَدِيدِ " ، وَهَذِهِ السُّورَةُ آخِرُ السُّوَرِ الْمُفْتَتَحَةِ بِالتَّسْبِيحِ ، وَالْفِعْلُ هُنَا بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ الدَّالِّ عَلَى التَّجَدُّدِ وَالْحُدُوثِ ، وَالتَّذْيِيلُ هُنَا بِصِفَاتِ الْكَمَالِ لِلَّهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ : لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، لِلْإِشْعَارِ بِأَنَّ الْمُلْكَ لِلَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، نَافِذٌ فِيهِ أَمْرُهُ ، مَاضٍ فِيهِ حُكْمُهُ بِيَدِهِ أَزِمَّةُ أَمْرِهِ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [ 67 \ 1 ] .

وَكَقَوْلِهِ فِي سُورَةِ " يس " : إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [ 36 \ 82 - 83 ] .

وَمِنْ قُدْرَتِهِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ، وَتَصْرِيفِهِ لِأُمُورِ مُلْكِهِ كَيْفَ يَشَاءُ ، أَنْ جَعَلَ الْعَالَمَ كُلَّهُ يُسَبِّحُ لَهُ بِحَمْدِهِ تَنْفِيذًا لِحِكْمَةٍ فِيهِ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ : لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [ 28 \ 70 ] ، فَجَمَعَ الْحَمْدَ وَالْحُكْمَ مَعًا لِجَلَالَةِ قُدْرَتِهِ وَكَمَالِ صِفَاتِهِ .
قوله تعالى : هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير .

قال الشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - في مذكرة الدراسة : المعنى أن الله هو الذي خلقكم وقدر على قوم منكم الكفر ، وعلى قوم منكم الإيمان ، ثم بعد ذلك يهدي كلا لما قدره عليه كما قال : والذي قدر فهدى [ 87 \ 3 ] ، فيسر الكافر إلى العمل بالكفر ، ويسر المؤمن للعمل بالإيمان ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " اعملوا فكل ميسر لما خلق له " . اهـ .

ومن المعلوم أن هذا النص من مأزق القدرية والجبرية ، وأن أهل السنة يؤمنون أن كلا بقدر الله ومشيئته ، كما قال ابن تيمية في العقيدة الواسطية : وهم أهل السنة وسط بين [ ص: 196 ] قول : إن العبد مجبور على عمله لا اختيار له كالورقة في مهب الريح . وبين قول : إن العبد يخلق فعله بنفسه ، ويفعل ما يريد بمشيئته .

وأهل السنة يقولون بقوله تعالى : لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين [ 81 \ 29 ] .

وقد ذكر القرطبي أقوال الطائفتين من أهل العلم ، ولكل طائفة ما استدلت به ، الأولى عن ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " خلق الله فرعون في بطن أمه كافرا ، وخلق يحيى بن زكريا في بطن أمه مؤمنا " .

بما في الصحيح من قوله صلى الله عليه وسلم : " إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع أو باع ، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى لم يبق بينه وبينها إلا ذراع أو باع ، فيسبق عليه الكتاب ، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها " .

وقال : قال علماؤنا : تعلق العلم الأزلي بكل معلوم ، فيجري ما علم وأراد وحكم .

الثانية : ما جاء في قوله : وقال جماعة من أهل العلم : إن الله خلق الخلق ثم كفروا وآمنوا ، قالوا : وتمام الكلام : و هو الذي خلقكم ، ثم وصفهم فقال : فمنكم كافر ومنكم مؤمن .

وكقوله تعالى : والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه [ 24 \ 45 ] ، قالوا : فالله خلقهم والمشي فعلهم .

واختاره الحسين بن الفضل ، قال : لأنه لو خلقهم كافرين ومؤمنين لما وصفهم بفعلهم ، واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم : " كل مولود يولد على الفطرة " . الحديث . اهـ .

وبالنظر في هاتين المقالتين نجد الآتي :

أولا : التشبيه في المقالة الثانية لا يسلم ; لأن وصف الدواب في حالة المشي ليس وصفا فعليا ، وإنما هو من ضمن خلقه تعالى لها ولم يكن منها فعل في ذلك .

ثانيا : ما استدلت به كل طائفة من الحديثين لا تعارض بينهما ; لأن الحديث الأول : " إن أحدكم ليعمل " لبيان المصير والمنتهى ، وفق العلم الأزلي والإرادة القدرية .

[ ص: 197 ] والحديث الثاني لبيان مبدأ وجود الإنسان في الدنيا وأنه يولد على الفطرة حينما يولد ، أما مصيره فبحسب ما قدر الله عليه .

وقد نقل القرطبي كلاما للزجاج وقال عنه : هو أحسن الأقوال ونصه : إن الله خلق الكافر ، وكفره فعل له وكسب ، مع أن الله خالق الكفر ، وخلق المؤمن ، وإيمانه فعل له وكسب ، مع أن الله خالق الإيمان . والكافر يكفر ويختار الكفر بعد أن خلق الله إياه ; لأن الله تعالى قدر ذلك عليه وعلمه منه ، لأن وجود خلاف المقدر عجز ، ووجود خلاف المعلوم جهل .

قال القرطبي : وهذا أحسن الأقوال ، وهو الذي عليه جمهور الأمة . اهـ .

ولعل مما يشهد لقول الزجاج قوله تعالى : والله خلقكم وما تعملون [ 37 \ 96 ] .

هذا حاصل ما قاله علماء التفسير ، وهذا الموقف كما قدمنا من مأزق القدر والجبر ، وقد زلت فيه أقدام وضلت فيه أفهام ، وبتأمل النص وما يكتنفه من نصوص في السياق مما قبله وبعده ، نجد الجواب الصحيح والتوجيه السليم ، وذلك ابتداء من قوله تعالى : له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير .

فكون الملك له لا يقع في ملكه إلا ما يشاء ، وكونه على كل شيء قدير يفعل في ملكه ما يريد .

ثم قال : هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير .

ثم جاء بعدها
قوله تعالى : خلق السماوات والأرض بالحق وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير يعلم ما في السماوات والأرض ويعلم ما تسرون وما تعلنون والله عليم بذات الصدور .

فخلق السماوات والأرض وخلق الإنسان في أحسن صورة آيتان من آيات الدلالة على البعث ، كما قال تعالى في الأولى : لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس [ 40 \ 57 ] .

وقال في الثانية : قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم [ 36 \ 79 ] .

[ ص: 198 ] ولذا جاء عقبها قوله : وإليه المصير .

أي : بعد الموت والبعث ، فكأنه يقول لهم : هو الذي خلقكم وخلق لكم آيات قدرته على بعثكم ، من ذلك خلق السماوات والأرض ، ومن ذلك خلقكم وتصويركم في أحسن تقويم ، فكأن موجب ذلك الإيمان بقدرته تعالى على بعثكم بعد الموت ، وبالتالي إيمانكم بما بعد البعث ، من حساب وجزاء وجنة ونار ، ولكن فمنكم كافر ومنكم مؤمن .

وقد جاء بعد ذكر الأمم قبلهم وبيان أحوالهم جاء تفنيد زعم الكفار بالبعث والإقسام على وقوعه في قوله تعالى : زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير [ 64 \ 7 ] ; لأن خلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ، ويشهد لهذا التوجيه في قوله تعالى في سورة الإنسان : هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا [ 76 \ 1 - 3 ] .

فقوله تعالى : إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج كقوله تعالى : هو الذي خلقكم [ 64 \ 2 ] .

ثم قال : فجعلناه سميعا بصيرا ، وهما حاستا الإدراك والتأمل ، فقال : إنا هديناه السبيل مع استعداده للقبول والرفض .

وقوله : إما شاكرا وإما كفورا ، مثل قوله هنا : فمنكم كافر ومنكم مؤمن [ 64 \ 2 ] ، أي بعد التأمل والنظر وهداية السبيل بالوحي ، ولذا جاء في هذا السياق من هذه السورة : فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا [ 64 \ 8 ] .

وبكل ما تقدم في الجملة يظهر لنا أن الله خلق الإنسان من نطفة ثم جعل له سمعا وبصرا ونصب الأدلة على وجوده وقدرته على بعث الموتى ، ومن ثم مجازاتهم على أعمالهم وأرسل إليه رسله وهداه النجدين ، ثم هو بعد ذلك إما شاكرا وإما كفورا ولو احتج إنسان في الدنيا بالقدر لقيل له : هل عندك علم بما سبق في علم الله عليك ، أم أن الله أمرك ونهاك وبين لك الطريق .

[ ص: 199 ] وعلى كل ، فإن قضية القدر من أخطر القضايا وأغمضها ، كما قال علي رضي الله عنه : القدر سر الله في خلقه .

وقال صلى الله عليه وسلم : " إذا ذكر القضاء فأمسكوا " ، ولكن على المسلم النظر فيما أنزل الله من وحي وبعث من رسل .

وأهم ما في الأمر هو جري الأمور على مشيئة الله وقد جاء موقف عملي في قصة بدر ، يوضح حقيقة القدر ويظهر غاية العبر في قوله تعالى : إذ يريكهم الله في منامك قليلا ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ولكن الله سلم إنه عليم بذات الصدور [ 8 \ 43 ] .

فهو تعالى الذي سلم من موجبات التنازع والفشل بمقتضى علمه بذات الصدور .

ثم قال : وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمرا كان مفعولا وإلى الله ترجع الأمور [ 8 \ 44 ] ، فقد أجرى الأسباب على مقتضى إرادته فقلل كلا من الفريقين في أعين الآخر ; ليقضي الله أمرا كان في سابق علمه مفعولا ، ثم بين المنتهى ، : وإلى الله ترجع الأمور ، والعلم عند الله تعالى .
قوله تعالى : ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا فكفروا وتولوا واستغنى الله والله غني حميد .

فيه استنكار الكفار أن يكون من يهديهم بشرا لا ملكا ، كما قال تعالى : وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا [ 17 \ 94 ] ، وقوله تعالى : أبشرا منا واحدا نتبعه [ 54 \ 25 ] .

قال الشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - في مذكرة الدراسة : فشبهتهم هذه الباطلة ردها الله في آيات كثيرة كقوله تعالى : ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا [ 6 \ 9 ] ، وقوله : وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا [ 12 \ 109 ] أي : لا ملائكة وقوله : وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق الآية [ 25 \ 20 ] .

قوله تعالى : فكفروا وتولوا واستغنى الله والله غني حميد .

تقدم للشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - الكلام عليه عند قوله تعالى : ولله على الناس حج البيت [ ص: 200 ] إلى قوله : ومن كفر فإن الله غني عن العالمين [ 3 \ 97 ] .
قوله تعالى : زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير .

قال الشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - أي : أن الكفار ادعوا أنهم لا يبعثون قائلين : إن العظام الرميم لا تحيا ، قل لهم يا نبي الله : بلى وربي لتبعثن ، وبلى حرف يأتي لأحد معنيين الأول رد نفي ، كما هنا .

الثاني : جواب استفهام مقترن بنفي نحو قوله : ألست بربكم قالوا بلى [ 7 \ 172 ] ، وقوله : وربي قسم بالرب على البعث الذي هو الإحياء بعد الموت ، وقد أقسم به عليه في القرآن ثلاث مرات ، الأول هذا .

والثاني قوله : ويستنبئونك أحق هو قل إي وربي إنه لحق [ 10 \ 53 ] .

الثالث قوله : وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم [ 34 \ 3 ] . اهـ .

وقوله : ثم لتنبؤن بما عملتم ، بينه تعالى بقوله : وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا [ 17 \ 13 - 14 ] ، وقوله : وذلك على الله يسير اسم الإشارة راجع إلى البعث ويسره أمر مسلم ; لأن الإعادة أهون من البدء ، كما قال تعالى عن الكفار : وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة [ 36 \ 78 - 79 ] ، وقوله : ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة [ 31 \ 28 ] ، وقال وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه [ 30 \ 27 ] .
قوله تعالى : فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا .

النور هنا هو القرآن كما قال تعالى : ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم [ 42 \ 52 ] ، وهو القرآن ، وتقدم للشيخ - رحمة الله تعالى عليه - الكلام عليه عند قوله تعالى : هو الذي ينزل على عبده آيات بينات [ 57 \ 9 ] من سورة " الحديد " ، وفي المذكرة سماه نورا ; لأنه كاشف [ ص: 201 ] ظلمات الجهل ، والشك ، والشرك ، والنفاق .
قوله تعالى : يوم يجمعكم ليوم الجمع .

يوم الجمع هو يوم القيامة ، وقال الشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - : ظرف منصوب باذكر مقدرة أو بقوله : خبير [ 64 \ 8 ] .

فيكون المعنى : أنه يوم القيامة خبير بأعمالكم في الدنيا لم يخف عليه منها شيء فيجازيكم عليها ، سمي يوم الجمع ; لأنه يجمع فيه الأولون والآخرون في صعيد واحد ، يسمعهم الداعي وينفذهم البصر ، كما قال تعالى : قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم [ 56 \ 49 - 50 ] .

وتقدم للشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - الكلام عليه في عدة مواضع منها في الجزء الثالث عند قوله تعالى : ذلك يوم مجموع له الناس [ 11 \ 103 ] .

ومنها في الجزء السابع عند الآية المتقدمة : قل إن الأولين والآخرين لمجموعون [ 56 \ 49 - 50 ] .

ومن أصرح الأدلة فيه : آية " الشورى " : وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه ، ثم قال : فريق في الجنة وفريق في السعير [ 42 \ 7 ] .

قوله تعالى : ذلك يوم التغابن .

الغبن : الشعور بالنقص ومثله الخبن لاشتراكهما في حرفين من ثلاثة ، كما في فقه اللغة : فبينهما تقارب في المعنى كتقاربهم في الحرف المختلف ، وهو الغين والخاء ولخفاء الغين في الحلق وظهور الخاء عنها كان الغبن لما خفي ، والخبن لما ظهر .

وقد بين تعالى موجب الغبن للغابن والمغبون فقال : ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم [ 64 \ 9 ] ، وبين حال المغبون بقوله : والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير [ 64 \ 10 ] .

وقد بين العلماء حقيقة الغبن في هذا المقام بأن كل إنسان له مكان في الجنة ومكان في النار ، فإذا دخل أهل النار النار بقيت أماكنهم في الجنة ، وإذا دخل أهل الجنة الجنة [ ص: 202 ] بقيت أماكنهم في النار .

وهناك تكون منازل أهل الجنة في النار لأهل النار ، ومنازل أهل النار في الجنة لأهل الجنة يتوارثونها عنهم ، فيكون الغبن الأليم ، وهو استبدال مكان في النار بمكان في الجنة ورثوا أماكن الآخرين الذين ذهبوا إلى النار .
قوله تعالى : ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم .

في هذه الآية الكريمة نص صريح بأن ما يصيب أحدا مصيبة إلا بإذن الله .

ومعلوم أنه كذلك ما يصيب أحدا خير إلا بإذن الله على حد قوله : وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر [ 16 \ 81 ] أي : والبرد .

ولكن التنصيص على المصيبة هنا ; ليدل أن كل شيء ينال العبد إنما هو بإذن الله ; لأن الجبلة تأبى المصائب وتتوقاها ، ومع ذلك تصيبه ، وليس في مقدوره دفعها بخلاف الخير ، قد يدعي أنه حصله باجتهاد منه كما قال قارون : إنما أوتيته على علم عندي [ 28 \ 78 ] .

وقوله : ومن يؤمن بالله يهد قلبه ، قرئ ( يهدأ ) بالهمز من الهدوء ، و ( قلبه ) بالرفع ، وهي بمعنى يهدي قلبه ; لأنه يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، فيسترجع فيطمئن قلبه بهذا ولا يجزع ، وهذا من خصائص المؤمن .

كما قال صلى الله عليه وسلم : " عجبا لأمر المؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وإن أصابته ضراء صبر ، فكان خيرا له حتى الشوكة يشاكها في قدمه " .

ومثل هذا قوله تعالى : ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون [ 2 \ 155 - 157 ] .

أي : إلى ما يلزمهم من امتثال وصبر ولذا جاء بعدها : وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول [ 64 \ 12 ] .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 245.72 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 241.03 كيلو بايت... تم توفير 4.69 كيلو بايت...بمعدل (1.91%)]