|
|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#141
|
||||
|
||||
رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله
الحلقة (126) - تفسير البغوى الجزء الثالث سُورَةِ الْمَائِدَةِ الاية 72 إلى الاية81 ( لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يابني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار ( 72 ) لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم ( 73 ) أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم ( 74 ) ) ( ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون ( 75 ) قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا والله هو السميع العليم ( 76 ) ( لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم ) وهم الملكانية واليعقوبية منهم ، ( وقال المسيح يابني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار ) ( لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة ) يعني : المرقوسية ، وفيه إضمار معناه : ثالث ثلاثة آلهة ، لأنهم يقولون : الإلهية مشتركة بين الله تعالى ومريم وعيسى ، وكل واحد من هؤلاء إله فهم ثلاثة آلهة ، يبين هذا قوله - عز وجل - للمسيح : " أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله " ؟ ( المائدة ، 116 ) ، ومن قال : إن الله ثالث ثلاثة ولم يرد به الإلهية لا يكفر ، فإن الله يقول : " ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم " ( المجادلة ، 7 ) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه : " ما ظنك باثنين الله ثالثهما " . ثم قال ردا عليهم : ( وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن ) [ ليصيبن ] ( الذين كفروا منهم عذاب أليم ) خص الذين كفروا لعلمه أن بعضهم يؤمنون . ( أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه ) ؟ قال الفراء : هذا أمر بلفظ الاستفهام كقوله تعالى : فهل أنتم منتهون ( المائدة ، 91 ) ، أي : انتهوا ، والمعنى : أن الله [ يأمركم ] بالتوبة والاستغفار من هذا الذنب العظيم ، ( والله غفور رحيم ) قوله تعالى : ( ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت ) [ مضت ] ( من قبله الرسل ) أي : ليس هو بإله بل هو كالرسل الذين مضوا لم يكونوا آلهة ) ( وأمه صديقة ) أي : كثيرة الصدق . [ ص: 83 ] وقيل : سميت صديقة لأنها صدقت بآيات الله ، كما قال عز وجل في وصفها : " وصدقت بكلمات ربها " ( التحريم ، 12 ) ، ( كانا يأكلان الطعام ) أي : كانا يعيشان بالطعام والغذاء كسائر الآدميين ، فكيف يكون إلها من لا يقيمه إلا أكل الطعام؟ وقيل : هذا كناية عن الحدث ، وذلك أن من أكل وشرب لا بد له من البول والغائط ، ومن هذه صفته كيف يكون إلها؟ ثم قال : ( انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون ) أي يصرفون عن الحق . ( قل ياأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل ( 77 ) لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ( 78 ) ) ( قل ياأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ) أي : لا تتجاوزوا الحد ، والغلو والتقصير كل واحد منهما مذموم في الدين ، وقوله : ( غير الحق ) أي : في دينكم المخالف للحق ، وذلك أنهم خالفوا الحق في دينهم ، ثم غلوا فيه بالإصرار عليه ، ( ولا تتبعوا أهواء قوم ) والأهواء جمع الهوى وهو ما تدعو إليه شهوة النفس ( قد ضلوا من قبل ) يعني : رؤساء الضلالة من فريقي اليهود والنصارى ، والخطاب للذين في عصر النبي صلى الله عليه وسلم نهوا عن اتباع أسلافهم فيما ابتدعوه بأهوائهم ( وأضلوا كثيرا ) يعني : من اتبعهم [ على أهوائهم ] ( وضلوا عن سواء السبيل ) عن قصد الطريق ، أي : بالإضلال ، فالضلال الأول من الضلالة ، والثاني بإضلال من اتبعهم . قوله تعالى : ( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود ) يعني : أهل أيلة لما اعتدوا [ ص: 84 ] في السبت ، وقال داود عليه السلام : اللهم العنهم واجعلهم آية فمسخوا قردة ( وعيسى ابن مريم ) أي : على لسان عيسى عليه السلام ، يعني : كفار أصحاب المائدة ، لما لم يؤمنوا ، قال عيسى : اللهم العنهم واجعلهم آية فمسخوا خنازير ( ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ) ( كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه ) [ أي : لا ينهى بعضهم بعضا ] ( لبئس ما كانوا يفعلون ) أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أنا الحسن محمد بن الحسين أنا أحمد بن محمد بن إسحاق أنا أبو يعلى الموصلي أنا وهب بن بقية أنا خالد - يعني ابن عبد الله الواسطي عن العلاء بن المسيب عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل إذا عمل العامل منهم الخطيئة نهاه الناهي تعذيرا فإذا كان من الغد جالسه وآكله وشاربه كأنه لم يره على الخطيئة بالأمس ، فلما رأى الله تبارك وتعالى ذلك منهم ضرب قلوب بعضهم على بعض ، وجعل منهم القردة والخنازير ، ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم عليهما السلام ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ، والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ، ولتأخذن على يد السفيه ولتأطرنه على الحق أطرا أو ليضربن الله قلوب بعضكم على بعض ويلعنكم كما لعنهم " . ( كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ( 79 ) ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون ( 80 ) ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون ( 81 ) ) قوله تعالى : ( ترى كثيرا منهم ) قيل : من اليهود كعب بن الأشرف وأصحابه ، ( يتولون الذين كفروا ) [ ص: 85 ] مشركي مكة حين خرجوا إليهم يجيشون على النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال ابن عباس ومجاهد والحسن : منهم يعني من المنافقين يتولون اليهود ، ( لبئس ما قدمت لهم أنفسهم ) بئس ما قدموا من العمل لمعادهم في الآخرة ، ( أن سخط الله عليهم ) غضب الله عليهم ، ( وفي العذاب هم خالدون ) ( ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي ) محمد صلى الله عليه وسلم ، ( وما أنزل إليه ) يعني القرآن ، ( ما اتخذوهم ) يعني الكفار ، ( أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون ) أي خارجون عن أمر الله سبحانه وتعالى . قوله عز وجل : ( لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ) يعني : مشركي العرب ، ( ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ) لم يرد به جميع النصارى لأنهم في عداوتهم المسلمين كاليهود في قتلهم المسلمين وأسرهم وتخريب بلادهم وهدم مساجدهم وإحراق مصاحفهم ، لا ولاء ، ولا كرامة لهم ، بل الآية فيمن أسلم منهم مثل النجاشي وأصحابه ، [ وقيل : نزلت في جميع اليهود وجميع النصارى ، لأن اليهود أقسى قلبا والنصارى ألين قلبا منهم ، وكانوا أقل مظاهرة للمشركين من اليهود ] . قال أهل التفسير : ائتمرت قريش أن يفتنوا المؤمنين عن دينهم ، فوثبت كل قبيلة على من فيها من المسلمين يؤذونهم ويعذبونهم ، فافتتن من افتتن ، وعصم الله منهم من شاء ، ومنع الله تعالى رسوله بعمه أبي طالب ، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بأصحابه ولم يقدر على منعهم ولم يؤمر بعد بالجهاد ، أمرهم بالخروج إلى أرض الحبشة ، وقال : " إن بها ملكا صالحا لا يظلم ولا يظلم عنده أحد ، فاخرجوا إليه حتى يجعل الله للمسلمين فرجا " وأراد به النجاشي ، واسمه أصحمة وهو بالحبشة عطية ، وإنما النجاشي اسم الملك ، كقولهم قيصر وكسرى ، فخرج إليهم سرا أحد عشر رجلا وأربع نسوة ، وهم عثمان بن عفان وامرأته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والزبير بن العوام وعبد الله بن مسعود ، [ وعبد الرحمن بن عوف ] وأبو حذيفة بن عتبة وامرأته سهلة بنت سهيل بن عمرو ، ومصعب بن عمير وأبو سلمة بن عبد الأسد وامرأته أم سلمة بنت أبي أمية ، وعثمان بن مظعون وعامر بن ربيعة وامرأته [ ص: 86 ] ليلى بنت أبي [ حثمة ] وحاطب بن عمرو و [ سهل ] بن بيضاء رضي الله عنهم ، فخرجوا إلى البحر وأخذوا سفينة إلى أرض الحبشة بنصف دينار وذلك في رجب في السنة الخامسة من مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذه الهجرة الأولى ثم خرج جعفر بن أبي طالب ، وتتابع المسلمون إليها وكان جميع من هاجر إلى الحبشة من المسلمين اثنين وثمانين رجلا سوى النساء والصبيان . فلما علمت قريش بذلك وجهوا عمرو بن العاص وصاحبه بالهدايا إلى النجاشي وبطارقته ليردوهم إليهم ، فعصمه الله ، وذكرت القصة في سورة آل عمران . فلما انصرفا خائبين ، أقام المسلمون هناك بخير دار وأحسن جوار إلى أن هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلا أمره ، وذلك في سنة ستة من الهجرة كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي على يد عمرو بن أمية الضمري ليزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان - وكانت قد هاجرت إليه مع زوجها فمات زوجها ، - ويبعث إليه من عنده من المسلمين فأرسل النجاشي إلى أم حبيبة جارية يقال لها أبرهة تخبرها بخطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها ، فأعطتها أوضاحا لها سرورا بذلك ، فأذنت لخالد بن سعيد بن العاص حتى أنكحها على صداق أربعمائة دينار ، وكان الخاطب لرسول الله صلى الله عليه وسلم النجاشي رحمه الله فأنفذ إليها النجاشي أربعمائة دينار على يد أبرهة ، فلما جاءتها بها أعطتها خمسين دينارا فردته وقالت : أمرني الملك أن لا آخذ منك شيئا ، وقالت : أنا صاحبة دهن الملك وثيابه ، وقد صدقت محمدا صلى الله عليه وسلم وآمنت به ، وحاجتي منك أن تقرئيه مني السلام ، قالت نعم : وقد أمر الملك نساءه أن يبعثن إليك بما عندهن من عود وعنبر ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يراه عليها وعندها فلا ينكر . قالت أم حبيبة : فخرجنا إلى المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر ، فخرج من خرج إليه وأقمت بالمدينة حتى قدم النبي صلى الله عليه وسلم ، فدخلت عليه وكان يسألني عن النجاشي فقرأت عليه من أبرهة السلام فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهما السلام ، وأنزل الله عز وجل : " عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة " يعني : أبا سفيان مودة ، يعني : بتزويج أم حبيبة ، ولما جاء أبا سفيان تزويج أم حبيبة ، قال : ذلك الفحل لا يقرع أنفه . وبعث النجاشي بعد قدوم جعفر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ابنه أزهى بن أصحمة بن أبجر في ستين رجلا من الحبشة ، وكتب إليه : يا رسول الله أشهد أنك رسول الله صادقا مصدقا وقد بايعتك وبايعت [ ص: 87 ] ابن عمك وأسلمت لله رب العالمين ، وقد بعثت إليك ابني أزهى ، وإن شئت أن آتيك بنفسي فعلت والسلام عليك يا رسول الله ، فركبوا سفينة في أثر جعفر وأصحابه حتى إذا كانوا في وسط البحر غرقوا ، ووافى جعفر وأصحابه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعين رجلا عليهم ثياب الصوف ، منهم اثنان وستون من الحبشة وثمانية من [ أهل ] الشام ، فقرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة " يس " إلى آخرها ، فبكوا حين سمعوا القرآن وآمنوا ، وقال : آمنوا ، وقالوا : ما أشبه هذا بما كان ينزل على عيسى عليه السلام ، فأنزل الله سبحانه وتعالى هذه الآية ( ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ) يعني : وفد النجاشي الذين قدموا مع جعفر وهم السبعون ، وكانوا أصحاب الصوامع . وقال مقاتل والكلبي كانوا أربعين رجلا اثنان وثلاثون من الحبشة ، وثمانية روميين من أهل الشام . [ وقال عطاء : كانوا ثمانين رجلا ، أربعون من أهل نجران من بني الحرث بن كعب ، واثنان وثلاثون من الحبشة وثمانية روميين من أهل الشام ] . وقال قتادة : نزلت في ناس من أهل الكتاب كانوا على شريعة من الحق مما جاء به عيسى عليه السلام ، فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم صدقوه وآمنوا به فأثنى الله عز وجل بذلك عليهم . ( ذلك بأن منهم قسيسين ) أي علماء ، قال قطرب : القس والقسيس العالم بلغة الروم ، ) ( ورهبانا ) الرهبان العباد أصحاب الصوامع ، واحدهم راهب ، مثل فارس وفرسان ، وراكب وركبان ، وقد يكون واحدا وجمعه رهابين ، مثل قربان وقرابين ( وأنهم لا يستكبرون ) لا يتعظمون عن الإيمان والإذعان للحق .
__________________
|
#142
|
||||
|
||||
رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله
الحلقة (127) - تفسير البغوى الجزء الثالث سُورَةِ الْمَائِدَةِ الاية 82 إلى الاية89 ( لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون ( 82 ) ) ( وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين ( 83 ) ) ( وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين ( 84 ) فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين ( 85 ) والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم ( 86 ( وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ) محمد صلى الله عليه وسلم ، ( ترى أعينهم تفيض ) تسيل ، ( من الدمع مما عرفوا من الحق ) قال ابن عباس رضي الله عنهما في رواية عطاء : يريد النجاشي وأصحابه قرأ عليهم جعفر بالحبشة كهيعص ، فما زالوا يبكون حتى فرغ جعفر من القراءة . ( يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين ) [ ص: 88 ] يعني أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، دليله قوله تعالى : " لتكونوا شهداء على الناس " ( البقرة 143 ) . ( وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ) وذلك أن اليهود عيروهم وقالوا لهم : لم آمنتم؟ فأجابوهم بهذا ، ( ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين ) أي : في أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، بيانه ( أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) ( الأنبياء ، 105 ) . ( فأثابهم الله ) أعطاهم الله ، ( بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ) وإنما أنجح قولهم وعلق الثواب بالقول لاقترانه بالإخلاص ، بدليل قوله : ( وذلك جزاء المحسنين ) يعني : الموحدين المؤمنين ، وقوله من قبل : " ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق " يدل على أن الإخلاص والمعرفة بالقلب مع القول يكون إيمانا . ( ياأيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ( 87 ) ) ( وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون ( 88 ) ) قوله تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ) الآية قال أهل التفسير : ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الناس يوما ووصف القيامة ، فرق له الناس وبكوا ، فاجتمع عشرة من أصحابه في بيت عثمان بن مظعون الجمحي ، وهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر ، وأبو ذر الغفاري وسالم مولى أبي حذيفة ، والمقداد بن الأسود وسلمان الفارسي ، ومعقل بن مقرن رضي الله عنهم ، وتشاوروا واتفقوا على أن يترهبوا ويلبسوا المسوح ويجبوا مذاكيرهم ، ويصوموا الدهر ، ويقوموا الليل ولا يناموا على الفرش ، ولا يأكلوا اللحم والودك ، ولا يقربوا النساء والطيب ، ويسيحوا في الأرض ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى دار عثمان بن مظعون فلم يصادفه ، فقال لامرأته أم حكيم بنت أبي أمية ، واسمها الخولاء ، وكانت عطارة : أحق ما بلغني [ ص: 89 ] عن زوجك وأصحابه؟ فكرهت أن تكذب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكرهت أن تبدي على زوجها ، فقالت : يا رسول الله إن كان أخبرك عثمان بشيء فقد صدقك ، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما دخل عثمان أخبرته بذلك فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ألم أنبأ أنكم اتفقتم على كذا وكذا ) ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، وما أردنا إلا الخير ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( إني لم أؤمر بذلك ) ، ثم قال : ( إن لأنفسكم عليكم حقا فصوموا وأفطروا وقوموا وناموا ، فإني أقوم وأنام وأصوم وأفطر ، وآكل اللحم والدسم وآتي النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني ) ، ثم جمع الناس وخطبهم فقال : ( ما بال أقوام حرموا النساء والطعام والطيب والنوم وشهوات [ النساء ] ؟ أما إني لست آمركم أن تكونوا قسيسين ورهبانا فإنه ليس في ديني ترك اللحم والنساء ، ولا اتخاذ الصوامع ، وإن سياحة أمتي الصوم ورهبانيتهم الجهاد ، اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ، وحجوا واعتمروا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ، وصوموا رمضان واستقيموا يستقم لكم ، فإنما هلك من كان قبلكم بالتشديد ، شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم ، فأولئك بقاياهم في الديار والصوامع ) ، فأنزل الله عز وجل هذه الآية . أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة الكشميهني أنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث أنا أبو الحسن محمد بن يعقوب الكسائي أنا عبد الله بن محمود أنا إبراهيم بن عبد الله الخلال أنا عبد الله بن المبارك عن رشدين بن سعد حدثني ابن أنعم عن سعد بن مسعود أن عثمان بن مظعون رضي الله عنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ائذن لنا في الاختصاء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ليس منا من خصى ولا اختصى ، خصاء أمتي الصيام ) ، فقال : يا رسول الله ائذن لنا في السياحة ، فقال : ( إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله ) ، فقال : يا رسول الله ائذن لنا في الترهب ، فقال : ( إن ترهب أمتي الجلوس في المساجد وانتظار الصلاة ) . وروي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلا قال : يا رسول الله إني أصبت من اللحم فانتشرت وأخذتني شهوة ، فحرمت اللحم ، فأنزل الله تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ) [ ص: 90 ] يعني : اللذات التي تشتهيها النفوس ، مما أحل لكم من المطاعم الطيبة والمشارب اللذيذة ( ولا تعتدوا ) أي : ولا تجاوزوا الحلال إلى الحرام ، وقيل : هو جب المذاكير ( إن الله لا يحب المعتدين ) ( وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا ) قال عبد الله بن المبارك : الحلال ما أخذته من وجهه ، والطيب ما غذى وأنمى ، فأما الجوامد كالطين والتراب وما لا يغذي فمكروه إلا على وجه التداوي . ( واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون ) أخبرنا أبو محمد عبد الله بن عبد الصمد الجوزجاني أنا أبو القاسم علي بن أحمد الخزاعي أنا أبو سعيد الهيثم بن كليب أنا أبو عيسى الترمذي أخبرنا أحمد بن إبراهيم الدورقي وسلمة بن شبيب ومحمود بن غيلان قالوا : أخبرنا أبو أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الحلواء والعسل ) . ( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون ( 89 ) ) قوله عز وجل : ( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ) قال ابن عباس رضي الله عنهما : لما نزلت : ( لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ) ، قالوا : يا رسول الله كيف نصنع بأيماننا التي حلفنا عليها؟ وكانوا حلفوا على ما اتفقوا عليه ، فأنزل الله : ( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان ) قرأ حمزة والكسائي [ وأبو بكر ] ( عقدتم ) بالتخفيف ، وقرأ ابن عامر ( عاقدتم ) بالألف وقرأ الآخرون ( عقدتم ) بالتشديد ، أي : وكدتم ، والمراد من الآية قصدتم [ ص: 91 ] وتعمدتم ، ) ( فكفارته ) أي : كفارة ما عقدتم الأيمان إذا حنثتم ( إطعام عشرة مساكين ) واختلفوا في قدره : فذهب قوم إلى أنه يطعم كل مسكين مدا من الطعام بمد النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو رطل وثلث من غالب قوت البلد ، وكذلك في جميع الكفارات ، وهو قول زيد بن ثابت وابن عباس وابن عمر ، وبه قال سعيد بن المسيب والقاسم وسليمان بن اليسار وعطاء والحسن . وقال أهل العراق : عليه لكل مسكين مدان ، وهو نصف صاع ، يروى ذلك عن عمر وعلي رضي الله عنهما . وقال أبو حنيفة : إن أطعم من الحنطة فنصف صاع ، وإن أطعم من غيرها فصاع ، وهو قول الشعبي والنخعي وسعيد بن جبير ومجاهد والحكم . ولو غداهم وعشاهم لا يجوز ، وجوز أبو حنيفة ، ويروى ذلك عن علي رضي الله عنه . ولا تجوز الدراهم والدنانير ولا الخبز ولا الدقيق ، بل يجب إخراج الحب إليهم ، وجوز أبو حنيفة رضي الله عنه كل ذلك . ولو صرف الكل إلى مسكين واحد [ لا يجوز ] وجوز أبو حنيفة أن يصرف طعام عشرة إلى مسكين واحد في عشرة أيام ، ولا يجوز أن يصرف إلا إلى مسلم حر محتاج ، فإن صرف إلى ذمي أو عبد أو غني لا يجوز ، وجوز أبو حنيفة صرفها إلى أهل الذمة ، واتفقوا على أن صرف الزكاة إلى أهل الذمة لا يجوز . قوله تعالى : ( من أوسط ما تطعمون أهليكم ) أي : من خير قوت عيالكم ، وقال عبيدة السلماني : الأوسط الخبز والخل ، والأعلى الخبز واللحم ، والأدنى الخبز البحت والكل [ يجزئ ] . قوله تعالى : ) ( أو كسوتهم ) كل من لزمته كفارة اليمين فهو فيها مخير إن شاء أطعم عشرة من المساكين ، وإن شاء كساهم ، وإن شاء أعتق رقبة ، فإن اختار الكسوة ، فاختلفوا في قدرها : فذهب قوم إلى أنه يكسو كل مسكين ثوبا واحدا مما يقع عليه اسم الكسوة ، إزار أو رداء أو قميص أو سراويل أو عمامة أو كساء ونحوها ، وهو قول ابن عباس والحسن ومجاهد وعطاء وطاوس ، وإليه ذهب الشافعي رحمه الله تعالى . [ ص: 92 ] وقال مالك : يجب لكل إنسان ما تجوز فيه صلاته ، فيكسو الرجال ثوبا واحدا والنساء ثوبين درعا وخمارا . وقال سعيد بن المسيب لكل مسكين ثوبان . قوله عز وجل : ( أو تحرير رقبة ) وإذا اختار العتق يجب إعتاق رقبة مؤمنة ، وكذلك جميع الكفارات مثل كفارة القتل والظهار والجماع في نهار رمضان يجب فيها إعتاق رقبة مؤمنة ، وأجاز أبو حنيفة رضي الله عنه والثوري رضي الله عنه إعتاق الرقبة الكافرة في جميعها إلا في كفارة القتل ، لأن الله تعالى قيد الرقبة فيها بالإيمان ، قلنا : المطلق يحمل على المقيد [ كما أن الله تعالى قيد الشهادة بالعدالة في موضع فقال : " وأشهدوا ذوي عدل منكم " ، ( الطلاق 2 ) ، وأطلق في موضع ، فقال : " واستشهدوا شهيدين من رجالكم " ( البقرة 282 ) ، ثم العدالة شرط في جميعها حملا للمطلق على المقيد ] كذلك هاهنا ، ولا يجوز إعتاق المرتد بالاتفاق عن الكفارة . ويشترط أن يكون سليم الرق حتى لو أعتق عن كفارته مكاتبا أو أم ولد أو عبدا اشتراه بشرط العتق أو اشترى قريبه الذي يعتق عليه بنية الكفارة ، يعتق ولكن لا يجوز عن الكفارة ، وجوز أصحاب الرأي عتق المكاتب إذا لم يكن أدى شيئا من النجوم ، وعتق القريب عن الكفارة ويشترط أن تكون الرقبة سليمة من كل عيب يضر بالعمل ضررا بينا حتى لا يجوز مقطوع إحدى اليدين ، أو إحدى الرجلين ، ولا الأعمى ولا الزمن ولا المجنون المطبق ، ويجوز الأعور والأصم ومقطوع الأذنين والأنف لأن هذه العيوب لا تضر بالعمل ضررا بينا . وعند أبي حنيفة رضي الله عنه كل عيب يفوت جنسا من المنفعة [ على الكمال ] يمنع الجواز ، حتى جوز مقطوع إحدى اليدين ، ولم يجوز مقطوع الأذنين . قوله عز وجل : ( فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ) إذا عجز الذي لزمته كفارة اليمين عن الإطعام والكسوة وتحرير الرقبة ، يجب عليه صوم ثلاثة أيام ، والعجز أن لا يفضل من ماله عن قوته وقوت عياله وحاجته ما يطعم أو يكسو أو يعتق فإنه يصوم ثلاثة أيام . وقال بعضهم : إذا ملك ما يمكنه الإطعام وإن لم يفضل عن كفايته فليس له الصيام ، وهو قول الحسن وسعيد بن جبير . [ ص: 93 ] واختلفوا في وجوب التتابع في هذا الصوم : فذهب جماعة إلى أنه لا يجب فيه التتابع بل إن شاء تابع وإن شاء فرق ، والتتابع أفضل وهو أحد قولي الشافعي ، وذهب قوم إلى أنه يجب فيه التتابع قياسا على كفارة القتل والظهار ، وهو قول الثوري وأبي حنيفة ، ويدل عليه قراءة ابن مسعود رضي الله عنه فصيام ثلاثة أيام متتابعات ) ( ذلك ) أي : ذلك الذي ذكرت ( كفارة أيمانكم إذا حلفتم ) وحنثتم ، فإن الكفارة لا تجب إلا بعد الحنث . واختلفوا في تقديم الكفارة على الحنث : فذهب قوم إلى جوازه ، لما روينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه ، وليفعل الذي هو خير " . وهو قول عمر [ وابن عمر ] وابن عباس وعائشة وبه قال الحسن وابن سيرين ، وإليه ذهب مالك والأوزاعي والشافعي ، إلا أن الشافعي يقول : إن كفر بالصوم قبل الحنث لا يجوز لأنه بدني ، إنما يجوز بالإطعام أو الكسوة أو العتق كما يجوز تقديم الزكاة على الحول ، ولا يجوز تعجيل صوم رمضان قبل وقته ، وذهب قوم إلى أنه لا يجوز تقديم الكفارة على الحنث ، وبه قال أبو حنيفة رضي الله عنه . قوله عز وجل ( واحفظوا أيمانكم ) قيل : أراد به ترك الحلف ، أي : لا تحلفوا ، وقيل : وهو الأصح ، أراد به : إذا حلفتم فلا تحنثوا ، فالمراد منه حفظ اليمين عن الحنث هذا إذا لم تكن يمينه على ترك مندوب أو فعل مكروه ، فإن حلف على فعل مكروه أو ترك مندوب ، فالأفضل أن يحنث نفسه ويكفر ، لما أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا حجاج بن منهال أنا جرير بن حازم عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة ، فإنك إن أوتيتها عن مسألة وكلت إليها ، وإن أوتيتها من غير مسألة أعنت عليها ، وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فكفر عن يمينك وأت الذي هو خير " . قوله تعالى : ( كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون ) ( .
__________________
|
#143
|
||||
|
||||
رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله
الحلقة (128) - تفسير البغوى الجزء الثالث سُورَةِ الْمَائِدَةِ الاية 90 إلى الاية95 ( ياأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ( 90 ) إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون ( 91 ) ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين ( 92 ) قوله عز وجل : ( ياأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر ) أي : القمار ) ( والأنصاب ) يعني : الأوثان ، سميت بذلك لأنهم كانوا ينصبونها ، واحدها نصب بفتح النون وسكون الصاد ، ونصب بضم النون مخففا ومثقلا ) ( والأزلام ) يعني : الأقداح التي كانوا يستقسمون بها واحدها زلم ) ( رجس ) خبيث مستقذر ، ( من عمل الشيطان ) من تزيينه ، ) ( فاجتنبوه ) رد الكناية إلى الرجس ( لعلكم تفلحون ) ( إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ) أما العدواة في الخمر فإن الشاربين إذا سكروا عربدوا وتشاجروا ، كما فعل الأنصاري الذي شج سعد بن أبي وقاص بلحي الجمل أما العداوة في الميسر ، قال قتادة : كان الرجل يقامر على الأهل والمال ثم يبقى حزينا مسلوب الأهل والمال مغتاظا على حرفائه . ( ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة ) وذلك أن من اشتغل بشرب الخمر أو القمار ألهاه ذلك عن ذكر الله ، وشوش عليه صلاته كما فعل بأضياف عبد الرحمن بن عوف ، تقدم رجل ليصلي بهم صلاة المغرب بعدما شربوا فقرأ " قل ياأيها الكافرون " : أعبد ما تعبدون ، بحذف لا ( فهل أنتم منتهون ) أي : انتهوا ، استفهام ومعناه أمر ، كقوله تعالى : " فهل أنتم شاكرون " ؟ ( سورة الأنبياء 80 ) . ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا ) المحارم والمناهي ( فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين ) وفي وعيد شارب الخمر أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد الفوراني أنا أبو الحسن علي بن عبد الله الطيسفوني ثنا أبو الحسن محمد بن محمود المحمودي أنا أبو العباس الماسرجسي بنيسابور أخبرنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي أخبرنا صالح بن قدامة حدثنا أخي عبد الملك بن قدامة [ ص: 95 ] عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " كل مسكر حرام ، إن حتما على الله أن لا يشربه عبد في الدنيا إلا سقاه الله تعالى يوم القيامة من طينة الخبال ، هل تدرون ما طينة الخبال؟ " قال : " عرق أهل النار " . وأخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة " . وأخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أنا أحمد بن أبي أخبرنا أبو العباس الأصم أنا محمد بن إسحاق الصغاني حدثنا أبو نعيم حدثنا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي من أهل مصر عن عبد الله بن عمر أنه قال : أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول : " لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها " . ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين ( 93 ) ) قوله عز وجل : ( ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا ) سبب نزول هذه الآية أن الصحابة رضوان الله عليهم قالوا لما نزل تحريم الخمر : يا رسول الله كيف بإخواننا الذين [ ص: 96 ] ماتوا وهم يشربون الخمر [ ويأكلون ] من مال الميسر؟ فأنزل الله تعالى : ( ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا ) وشربوا من الخمر وأكلوا من مال الميسر ، ( إذا ما اتقوا ) الشرك ، ) ( وآمنوا ) وصدقوا ، ( وعملوا الصالحات ثم اتقوا ) الخمر والميسر بعد تحريمهما ، ( وآمنوا ثم اتقوا ) ما حرم الله عليهم أكله وشربه ، ( وأحسنوا والله يحب المحسنين ) وقيل : معنى الأول إذ ما اتقوا الشرك ، وآمنوا وصدقوا ثم اتقوا ، أي : داوموا على ذلك التقوى ، ) ( وآمنوا ) ازدادوا إيمانا ، ثم اتقوا المعاصي كلها وأحسنوا ، وقيل : أي : اتقوا بالإحسان ، وكل محسن متق ، ( والله يحب المحسنين ) . ( ياأيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بالغيب فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم ( 94 ) ) قوله عز وجل : ( ياأيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد ) الآية ، نزلت عام الحديبية وكانوا محرمين ابتلاهم الله بالصيد ، وكانت الوحوش تغشى رحالهم من كثرتها فهموا بأخذها فنزلت : ( ياأيها الذين آمنوا ليبلونكم الله ) ليختبرنكم الله ، وفائدة البلوى إظهار المطيع من العاصي ، وإلا فلا حاجة له إلى البلوى بشيء من الصيد ، وإنما بعض ، فقال ) ( بشيء ) لأنه ابتلاهم بصيد البر خاصة . ) ( تناله أيديكم ) يعني : الفرخ والبيض وما لا يقدر أن يفر من صغار الصيد ، ) ( ورماحكم ) يعني : الكبار من الصيد ، ( ليعلم الله ) ليرى الله ، لأنه قد علمه ، ( من يخافه بالغيب ) أي : يخاف الله ولم يره ، كقوله تعالى : " الذين يخشون ربهم بالغيب " ( الأنبياء ، 49 ) أي : يخافه فلا يصطاد في حال الإحرام ( فمن اعتدى بعد ذلك ) أي : صاد بعد تحريمه ، ( فله عذاب أليم ) روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : [ يوجع ] ظهره وبطنه جلدا ، ويسلب ثيابه . ( ياأيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام ( 95 ) ) قوله عز وجل : ( ياأيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ) أي : محرمون بالحج والعمرة ، وهو جمع حرام ، يقال : رجل حرام وامرأة حرام ، وقد يكون [ من ] دخول الحرم ، يقال : [ ص: 97 ] أحرم الرجل إذا عقد الإحرام ، وأحرم إذا دخل الحرم . نزلت في رجل يقال له أبو اليسر شد على حمار وحش وهو محرم فقتله . قوله تعالى : ( ومن قتله منكم متعمدا ) اختلفوا في هذا العمد فقال قوم : هو العمد بقتل الصيد مع نسيان الإحرام ، أما إذا قتله عمدا وهو ذاكر لإحرامه فلا حكم عليه ، وأمره إلى الله لأنه أعظم من أن يكون له كفارة ، وهو قول مجاهد والحسن . وقال آخرون : هو أن يعمد المحرم قتل الصيد ذاكرا لإحرامه فعليه الكفارة . واختلفوا فيما لو قتله خطأ ، فذهب أكثر الفقهاء إلى أن العمد والخطأ سواء في لزوم الكفارة ، قال الزهري : على المتعمد بالكتاب وعلى المخطئ بالسنة ، وقال سعيد بن [ جبير ] لا تجب كفارة الصيد بقتل الخطأ ، بل يختص بالعمد . قوله عز وجل : ( فجزاء مثل ) قرأ أهل الكوفة ويعقوب " فجزاء " منون ، ) ( مثل ) رفع على البدل من الجزاء ، وقرأ الآخرون بالإضافة ( فجزاء مثل ما قتل من النعم ) معناه أنه يجب عليه مثل ذلك الصيد من النعم ، وأراد به ما يقرب من الصيد المقتول شبها من حيث الخلقة لا من حيث القيمة . ( يحكم به ذوا عدل منكم ) أي : يحكم بالجزاء رجلان عدلان ، وينبغي أن يكونا فقيهين ينظران إلى أشبه الأشياء من النعم فيحكمان به ، وممن ذهب إلى إيجاب المثل من النعم عمر وعثمان وعلي وعبد الرحمن بن عوف وابن عمر وابن عباس ، وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم ، حكموا في بلدان مختلفة وأزمان شتى بالمثل من النعم ، يحكم حاكم في النعامة ببدنة وهي لا تساوي بدنة ، وفي حمار الوحش ببقرة [ وهي لا تساوي بقرة ] وفي الضبع بكبش وهي لا تساوي كبشا ، فدل على أنهم نظروا إلى ما يقرب من الصيد شبها من حيث الخلقة [ لا من حيث القيمة ] وتجب في الحمام شاة ، وهو كل ما عب وهدر من الطير ، كالفاختة والقمري . وروي عن عمر وعثمان وابن عباس رضي الله عنهم أنهم قضوا في حمام مكة بشاة ، أخبرنا أبو الحسن السرخسي أخبرنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن أبي [ ص: 98 ] الزبير المكي عن جابر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قضى في الضبع بكبش ، وفي الغزال بعنز وفي الأرنب بعناق ، وفي اليربوع بجفرة . قوله تعالى : ( هديا بالغ الكعبة ) أي : يهدي تلك الكفارة إلى الكعبة ، فيذبحها بمكة ويتصدق بلحمها على مساكين الحرم ، ( أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ) قال الفراء رحمه الله : العدل بالكسر : المثل من جنسه ، والعدل بالفتح : المثل من غير جنسه ، وأراد به : أنه في جزاء الصيد مخير بين أن يذبح المثل من النعم ، فيتصدق بلحمه على مساكين الحرم ، وبين أن يقوم المثل دراهم ، والدراهم طعاما ، فيتصدق بالطعام على مساكين الحرم ، أو يصوم عن كل مد من الطعام يوما وله أن يصوم حيث شاء لأنه لا نفع فيه للمساكين . وقال مالك : إن لم يخرج المثل يقوم الصيد ثم يجعل القيمة طعاما فيتصدق به ، أو يصوم . وقال أبو حنيفة رضي الله عنه : لا يجب المثل من النعم ، بل يقوم الصيد فإن شاء صرف تلك القيمة إلى شيء من النعم ، وإن شاء إلى الطعام فيتصدق به ، وإن شاء صام عن كل نصف صاع من بر أو صاع من غيره يوما . وقال الشعبي والنخعي جزاء الصيد على الترتيب ، والآية حجة لمن ذهب إلى التخيير . قوله تعالى : ( ليذوق وبال أمره ) أي : جزاء معصيته ، ( عفا الله عما سلف ) يعني : قبل التحريم ، ونزول الآية ، قال السدي : عفا الله عما سلف في الجاهلية ، ( ومن عاد فينتقم الله منه ) في الآخرة . ( والله عزيز ذو انتقام ) وإذا تكرر من المحرم قتل الصيد فيتعدد عليه الجزاء عند عامة أهل العلم ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : إذا قتل المحرم صيدا متعمدا يسأل هل قتلت قبله شيئا من الصيد؟ فإن قال نعم لم يحكم عليه ، وقيل له : اذهب ينتقم الله منك ، وإن قال لم أقتل قبله شيئا حكم عليه ، فإن عاد بعد ذلك لم يحكم عليه ، ولكن يملأ ظهره وصدره ضربا وجيعا ، وكذلك حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في وج وهو واد بالطائف . [ ص: 99 ] واختلفوا في المحرم هل يجوز له أكل لحم الصيد أو لا؟ فذهب قوم إلى أنه لا يحل له بحال ، ويروى ذلك عن ابن عباس ، وهو قول طاوس وبه قال سفيان الثوري ، واحتجوا بما أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن عباس عن الصعب بن جثامة الليثي أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمارا وحشيا ، وهو بالأبواء أو بودان ، فرده عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما في وجهي ، قال : " إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم " . وذهب الأكثرون إلى أنه يجوز للمحرم أكله إذا لم يصطد بنفسه ولا اصطيد لأجله أو بإشارته ، وهو قول عمر وعثمان وأبي هريرة ، وبه قال عطاء ومجاهد وسعيد بن جبير ، وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي ، وإنما رد النبي صلى الله عليه وسلم على الصعب بن جثامة لأنه ظن أنه صيد من أجله . والدليل على جوازه ما أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله التيمي عن نافع مولى أبي قتادة عن أبي قتادة بن ربعي الأنصاري رضي الله عنه أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان ببعض طريق مكة ، تخلف مع أصحاب له محرمين وهو غير محرم فرأى حمارا وحشيا فاستوى على فرسه وسأل أصحابه أن يناولوه سوطه فأبوا فسألهم رمحه فأبوا فأخذه ثم شد على الحمار فقتله ، فأكل منه بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبى بعضهم فلما أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه عن ذلك ، فقال : " إنما هي طعمة أطعمكموها الله تعالى " . أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أنا أبو العباس الأصم أخبرنا الربيع أنا الشافعي أنا إبراهيم بن محمد عن عمرو بن أبي عمرو عن المطلب بن حنطب عن [ ص: 100 ] جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لحم الصيد لكم في الإحرام حلال ، ما لم تصيدوه أو يصد لكم " قال أبو عيسى : المطلب لا نعرف له سماعا من جابر بن عبد الله رضي الله عنه . وإذا أتلف المحرم شيئا من الصيد لا مثل له من النعم مثل بيض أو طائر دون الحمام ففيه قيمة يصرفها إلى الطعام ، فيتصدق به أو يصوم عن كل مد يوما ، واختلفوا في الجراد فرخص فيه قوم للمحرم وقالوا هو من صيد البحر ، روي ذلك عن كعب الأحبار ، والأكثرون على أنها لا تحل ، فإن أصابها فعليه صدقة ، قال عمر : في الجراد تمرة ، وروي عنه وعن ابن عباس : قبضة من طعام .
__________________
|
#144
|
||||
|
||||
رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله
__________________
|
#145
|
||||
|
||||
رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله
__________________
|
#146
|
||||
|
||||
رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله
الحلقة (131) - تفسير البغوى الجزء الثالث سُورَةِ الْمَائِدَةِ الاية 105 إلى الاية108 قوله عز وجل : ( ياأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) روينا عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال : يا أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية : ( ياأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) وتضعونها في غير موضعها ولا تدرون ما هي ، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الناس إذا رأوا منكرا فلم يغيروه يوشك أن يعمهم الله تعالى بعقابه " . وفي رواية " لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليستعملن الله سبحانه وتعالى عليكم شراركم فليسومنكم سوء العذاب ، ثم ليدعون الله عز وجل خياركم فلا يستجاب [ لكم ] " . قال أبو عبيد : خاف الصديق أن يتأول الناس الآية على غير متأولها فيدعوهم إلى ترك الأمر بالمعروف [ والنهي عن المنكر ] فأعلمهم أنها ليست كذلك وأن الذي أذن في الإمساك عن تغييره من المنكر ، هو الشرك الذي ينطق به المعاهدون من أجل أنهم يتدينون به ، وقد صولحوا عليه ، فأما [ ص: 110 ] الفسوق والعصيان والريب من أهل الإسلام فلا يدخل فيه . وقال مجاهد وسعيد بن جبير : الآية في اليهود والنصارى ، يعني : عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل من أهل الكتاب فخذوا منهم الجزية واتركوهم . وعن ابن مسعود قال في هذه الآية : مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر ما قبل منكم فإن رد عليكم فعليكم أنفسكم ، ثم قال : إن القرآن قد نزل منه آي قد مضى تأويلهن قبل أن ينزلن ، ومنه آي قد وقع تأويلهن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومنه آي يقع تأويلهن بعد رسول الله بيسير ، ومنه آي يقع تأويلهن في آخر الزمان ، ومنه آي يقع تأويلهن يوم القيامة ، ما ذكر من الحساب والجنة والنار ، فما دامت قلوبكم وأهواؤكم واحدة ولم تلبسوا شيعا ولم يذق بعضكم بأس بعض ، فأمروا وانهوا ، وإذا اختلفت القلوب والأهواء وألبستم شيعا ، وذاق بعضكم بأس بعض ، فامرؤ ونفسه ، فعند ذلك جاء تأويل هذه الآية أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا أبو جعفر أحمد بن محمد العنزي أخبرنا عيسى بن نصر أنا عبد الله بن المبارك أنا عتبة بن أبي حكيم حدثني عمرو بن جارية اللخمي أنا أبو أمية الشعباني قال : أتيت أبا ثعلبة الخشني فقلت : يا أبا ثعلبة كيف تصنع في هذه الآية؟ قال : أية آية؟ قلت : قول الله عز وجل ( عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) فقال : أما والله لقد سألت عنها خبيرا ، سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة ، وإعجاب كل ذي رأي برأيه ، ورأيت أمرا لا بد لك منه فعليك نفسك ودع أمر العوام ، فإن من ورائكم أيام الصبر ، فمن صبر فيهن قبض على الجمر ، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله " قال ابن المبارك : وزادني غيره قالوا : يا رسول الله أجر خمسين منهم؟ قال : " أجر خمسين منكم " . وقيل : نزلت في أهل الأهواء ، قال أبو جعفر الرازي : دخل على صفوان بن محرز شاب من أهل الأهواء فذكر شيئا من أمره ، فقال صفوان ألا أدلك على خاصة الله التي خص بها أولياءه ( ياأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) [ ص: 111 ] قوله عز وجل : ( إلى الله مرجعكم جميعا ) الضال والمهتدي ، ( فينبئكم بما كنتم تعملون ) ( ياأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون ( 105 ) . ( ياأيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين ( 106 ) فإن عثر على أنهما استحقا إثما فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين ( 107 ) ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم واتقوا الله واسمعوا والله لا يهدي القوم الفاسقين ( 108 ) ) قوله عز وجل : ( يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم ) سبب نزول هذه الآية ما روي أن تميم بن أوس الداري وعدي بن [ بداء ] قد خرجا من المدينة للتجارة إلى أرض الشام ، وهما نصرانيان ، ومعهما بديل مولى عمرو بن العاص ، وكان مسلما فلما اشتد وجعه أوصى إلى تميم وعدي ، وأمرهما أن يدفعا متاعه إذا رجعا إلى أهله ، ومات بديل ففتشا متاعه وأخذا منه إناء من فضة منقوشا بالذهب فيه ثلاثمائة مثقال فضة فغيباه ، ثم قضيا حاجتهما ، فانصرفا إلى المدينة ، فدفعا المتاع إلى أهل البيت ، ففتشوا وأصابوا الصحيفة فيها تسمية ما كان معه فجاءوا تميما وعديا فقالوا : هل باع صاحبنا شيئا من متاعه؟ قالا : لا ، قالوا : فهل اتجر تجارة؟ قالا : لا ، قالوا : هل طال مرضه فأنفق على نفسه؟ قالا : لا فقالوا : إنا وجدنا في متاعه صحيفة فيها تسمية ما كان معه وإنا قد فقدنا منها إناء من فضة مموها بالذهب فيه ثلاثمائة مثقال فضة ، قالا : ما ندري إنما أوصى لنا بشيء فأمرنا أن ندفعه إليكم فدفعناه وما لنا علم بالإناء ، فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأصرا على الإنكار ، وحلفا فأنزل الله عز وجل هذه الآية ( ياأيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ) أي : ليشهد اثنان ، لفظه خبر ومعناه أمر . وقيل : معناه : أن الشهادة فيما بينكم على الوصية عند الموت اثنان ، واختلفوا في هذين الاثنين [ ص: 112 ] فقال قوم : هما الشاهدان اللذان يشهدان على وصية الموصي . وقال آخرون : هما الوصيان ، لأن الآية نزلت فيهما ولأنه قال : ( تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان ) ولا يلزم الشاهد يمينا ، وجعل الوصي اثنين تأكيدا ، فعلى هذا تكون الشهادة بمعنى الحضور ، كقولك : شهدت وصية فلان ، بمعنى حضرت ، قال الله تعالى : ( وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ) ( النور - 2 ) يريد الحضور ( ذوا عدل ) أي : أمانة وعقل ) ( منكم ) أي : من أهل دينكم يا معشر المؤمنين ( أو آخران من غيركم ) أي : من غير دينكم وملتكم في قول أكثر المفسرين ، قاله ابن عباس وأبو موسى الأشعري ، وهو قول سعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير ومجاهد وعبيدة . ثم اختلف هؤلاء في حكم الآية فقال النخعي وجماعة : هي منسوخة وكانت شهادة أهل الذمة مقبولة في الابتداء ثم نسخت . وذهب قوم إلى أنها ثابتة ، وقالوا : إذا لم نجد مسلمين فنشهد كافرين . وقال شريح : من كان بأرض غربة ولم يجد مسلما يشهده على وصيته فأشهد كافرين على أي دين كانا من دين أهل الكتاب أو عبدة الأوثان ، فشهادتهم جائزة ، ولا تجوز شهادة كافر على مسلم إلا على وصية في سفر . وعن الشعبي أن رجلا من المسلمين حضرته الوفاة بدقوقا ولم يجد مسلما يشهده على وصيته فأشهد رجلين من أهل الكتاب ، فقدما الكوفة بتركته وأتيا الأشعري ، فقال الأشعري : هذا أمر لم يكن بعد الذي كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فأحلفهما ، وأمضى شهادتهما . وقال آخرون : قوله ( ذوا عدل منكم ) أي : من حي الموصي أو آخران من غير حيكم وعشيرتكم ، وهو قول الحسن والزهري وعكرمة ، وقالوا : لا تجوز شهادة كافر في شيء من الأحكام ، ( إن أنتم ضربتم ) أي سرتم وسافرتم ، ( في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت ) فأوصيتم إليهما ودفعتم إليهما مالكم فاتهمهما بعض الورثة وادعوا عليهما خيانة فالحكم فيه أن ) ( تحبسونهما ) أي : تستوقفونهما ، ( من بعد الصلاة ) أي : بعد الصلاة ، و ) ( من ) صلة يريد بعد صلاة العصر ، هذا [ ص: 113 ] قول الشعبي والنخعي وسعيد بن جبير وقتادة وعامة المفسرين ، لأن جميع أهل الأديان يعظمون ذلك الوقت ، ويجتنبون فيه الحلف الكاذب ، وقال الحسن : أراد من بعد صلاة العصر ، وقال السدي : من بعد صلاة أهل دينهما وملتهما لأنهما لا يباليان بصلاة العصر ، ) ( فيقسمان ) يحلفان ، ( بالله إن ارتبتم ) أي : شككتم ووقعت لكم الريبة في قول الشاهدين وصدقهما ، أي : في قول اللذين ليسا من أهل ملتكم ، فإن كانا مسلمين فلا يمين عليهما ، ( لا نشتري به ثمنا ) أي : لا نحلف بالله كاذبين على عوض نأخذه أو مال نذهب به أو حق نجحده ، ( ولو كان ذا قربى ) ولو كان المشهود له ذا قرابة منا ( ولا نكتم شهادة الله ) أضاف الشهادة إلى الله لأنه أمر بإقامتها ونهى عن كتمانها ، وقرأ يعقوب " شهادة " بتنوين ، " الله " ممدود ، وجعل الاستفهام عوضا عن حرف القسم ، ويروى عن أبي جعفر " شهادة " بتنوين ، " الله " بقطع الألف وكسر الهاء من غير استفهام على ابتداء اليمين ، أي : والله : ( إنا إذا لمن الآثمين ) أي إن كتمناها كنا من الآثمين . فلما نزلت هذه الآية صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر ودعا تميما وعديا فاستحلفهما عند المنبر بالله الذي لا إله إلا هو أنهما لم يختانا شيئا مما دفع إليهما فحلفا على ذلك ، وخلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سبيلهما . ثم ظهر الإناء واختلفوا في كيفية ظهوره فروى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهم أنه وجد بمكة ، فقالوا : إنا اشتريناه من تميم وعدي ، وقال آخرون : لما طالت المدة أظهروه فبلغ ذلك بني سهم فأتوهما في ذلك ، فقالا إنا كنا قد اشتريناه منه فقالوا لهما : ألم تزعما أن صاحبنا لم يبع شيئا من متاعه؟ قالا : لم يكن عندنا بينة وكرهنا أن نقر لكم به فكتمناه لذلك ، فرفعهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل : ) ( فإن عثر ) 50 ) ( فإن عثر ) أي : اطلع على خيانتهما ، وأصل العثور : الوقوع على الشيء ، ) ( على أنهما ) يعني : الوصيين ) ( استحقا ) استوجبا ، ) ( إثما ) بخيانتهما وبأيمانهما [ ص: 114 ] الكاذبة ، ) ( فآخران ) من أولياء الميت ، ) ( يقومان مقامهما ) يعني : مقام الوصيين ، ( من الذين استحق ) بضم التاء على المجهول ، هذه قراءة العامة ، يعني : الذين استحق ، ) ( عليهم ) أي فيهم ولأجلهم الإثم وهم ورثة الميت استحق الحالفان بسببهم الإثم و ( على ) بمعنى في ، كما قال الله ( على ملك سليمان ) ( البقرة ، 102 ) أي : في ملك سليمان ، وقرأ حفص ( استحق ) بفتح التاء والحاء ، وهي قراءة علي والحسن ، أي : حق ووجب عليهم الإثم ، يقال : حق واستحق بمعنى واحد ، ) ( الأوليان ) نعت للآخران ، أي : فآخران الأوليان ، وإنما جاز ذلك و ) ( الأوليان ) معرفة والآخران نكرة لأنه لما وصف ال " آخران " ، فقال ) ( من الذين ) صار كالمعرفة و ) ( الأوليان ) تثنية الأولى ، والأولى هو الأقرب ، وقرأ حمزة وأبو بكر عن عاصم ويعقوب " الأولين " بالجمع فيكون بدلا من الذين ، والمراد منهم أيضا أولياء الميت . ومعنى الآية : إذا ظهرت خيانة الحالفين يقوم اثنان آخران من أقارب الميت ، ( فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما ) يعني : يميننا أحق من يمينهما ، نظيره قوله تعالى في اللعان : ( فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله ) ( النور - 6 ) . والمراد بها الأيمان ، فهو كقول القائل : أشهد بالله ، أي : أقسم بالله ، ) ( وما اعتدينا ) في أيماننا ، وقولنا أن شهادتنا أحق من شهادتهما ، ( إنا إذا لمن الظالمين ) فلما نزلت هذه الآية قام عمرو بن العاص والمطلب بن أبي وداعة السهميان ، فحلفا بالله بعد العصر فدفعا الإناء إليهما وإلى أولياء الميت ، وكان تميم الداري بعدما أسلم يقول صدق الله ورسوله أنا أخذت الإناء ، فأتوب إلى الله وأستغفره ، وإنما انتقل اليمين إلى الأولياء لأن الوصيين ادعيا أنهما ابتاعاه . والوصي إذا أخذ شيئا من مال الميت وقال : إنه أوصى لي به حلف الوارث ، إذا أنكر ذلك ، وكذلك لو ادعى رجل سلعة في يد رجل فاعترف ثم ادعى أنه اشتراها من المدعي ، حلف المدعي أنه لم يبعها منه . ويروى عن ابن عباس رضي الله عنهما عن تميم الداري قال : كنا بعنا الإناء بألف درهم فقسمتها أنا وعدي ، فلما أسلمت تأثمت فأتيت موالي الميت فأخبرتهم أن عند صاحبي مثلها فأتوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحلف عمرو والمطلب فنزعت الخمسمائة من عدي ، ورددت أنا الخمسمائة . [ ص: 115 ] فذلك قوله تعالى : ( ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها ) ( ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها ) أي : ذلك الذي حكمنا به من رد اليمين أجدر وأحرى أن يأتي الوصيان بالشهادة على وجهها ، وسائر الناس أمثالهم ، أي أقرب إلى الإتيان بالشهادة على ما كانت ، ( أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم ) أي : أقرب إلى أن يخافوا رد اليمين بعد يمينهم على [ المدعي ] فيحلفوا على خيانتهم وكذبهم فيفتضحوا ويغرموا فلا يحلفون كاذبين إذا خافوا هذا الحكم ، ( واتقوا الله ) أن تحلفوا أيمانا كاذبة أو تخونوا أمانة ، ) ( واسمعوا ) الموعظة ، ( والله لا يهدي القوم الفاسقين ) .
__________________
|
#147
|
||||
|
||||
رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله
الحلقة (132) - تفسير البغوى الجزء الثالث سُورَةِ الْمَائِدَةِ الاية 109 إلى الاية115 ( يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب ( 109 ) ( إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين ( 110 ) وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون ( 111 ) قوله عز وجل ( يوم يجمع الله الرسل ) وهو يوم القيامة ، ( فيقول ماذا أجبتم ) أي : ما الذي أجابتكم أمتكم؟ وما الذي رد عليكم قومكم حين دعوتموهم إلى توحيدي وطاعتي؟ ( قالوا ) أي : فيقولون ( لا علم لنا ) قال ابن عباس معناه : لا علم لنا إلا العلم الذي أنت أعلم به منا ، وقيل : لا علم لنا بوجه الحكمة عن سؤالك إيانا عن أمر أنت أعلم به منا ، وقال ابن جريج : لا علم لنا بعاقبة أمرهم وبما أحدثوا من بعد ، دليله أنه قال : ( إنك أنت علام الغيوب ) أي : أنت الذي تعلم ما غاب ونحن لا نعلم إلا ما نشاهد . أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا مسلم بن إبراهيم أنا وهيب أنا عبد العزيز عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ليردن علي ناس من أصحابي الحوض حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني ، فأقول : أصحابي ، فيقال : [ ص: 116 ] لا تدري ما أحدثوا بعدك " . وقال ابن عباس والحسن ومجاهد والسدي : إن للقيامة أهوالا وزلازل تزول فيها القلوب عن مواضعها ، فيفزعون من هول ذلك اليوم ويذهلون عن الجواب ، ثم بعدما ثابت إليهم عقولهم يشهدون على أممهم . قوله تعالى : ( إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك ) قال الحسن : ذكر النعمة شكرها ، وأراد بقوله ( نعمتي ) أي : نعمي ، [ قال الحسن ] لفظه واحد ومعناه جمع ، كقوله تعالى : ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ) ، ( وعلى والدتك ) مريم ثم ذكر النعم فقال : ( إذ أيدتك ) قويتك ، ( بروح القدس ) يعني جبريل عليه السلام ، ( تكلم الناس ) يعني : وتكلم الناس ، ( في المهد ) صبيا ، ( وكهلا ) نبيا قال ابن عباس : أرسله وهو ابن ثلاثين سنة ، فمكث في رسالته ثلاثين شهرا ثم رفعه الله إليه ، ( وإذ علمتك الكتاب ) يعني الخط ، ( والحكمة ) يعني العلم والفهم ، ( والتوراة والإنجيل وإذ تخلق ) تجعل وتصور ، ( من الطين كهيئة الطير ) كصورة الطير ، ( بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا ) حيا يطير ، ( بإذني وتبرئ ) وتصحح ، ( الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى ) من قبورهم أحياء ، ( بإذني وإذ كففت ) منعت وصرفت ، ( بني إسرائيل ) يعني اليهود ، ( عنك ) حين هموا بقتلك ، ( إذ جئتهم بالبينات ) يعني : الدلالات والمعجزات ، وهي التي ذكرنا . ( فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين ) يعني : ما جاءهم به من البينات ، قرأ حمزة والكسائي " ساحر مبين " هاهنا وفي سورة هود والصف ، فيكون راجعا إلى عيسى عليه السلام ، وفي هود يكون راجعا إلى محمد صلى الله عليه وسلم . ( وإذ أوحيت إلى الحواريين ) ألهمتهم وقذفت في قلوبهم ، وقال أبو عبيدة يعني أمرت [ ص: 117 ] و ( إلى ) صلة ، والحواريون خواص أصحاب عيسى عليه السلام ، ( أن آمنوا بي وبرسولي ) [ عيسى ] ( قالوا ) حين وفقتهم ( آمنا واشهد بأننا مسلمون ) . ( إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين ( 112 ) قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين ( 113 ) قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين ( 114 ) قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ( إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك ( 115 ) قرأ الكسائي " هل تستطيع " بالتاء " ربك " بنصب الباء وهو قراءة علي وعائشة وابن عباس ومجاهد ، أي : هل تستطيع أن تدعو وتسأل ربك ، وقرأ الآخرون " هل يستطيع " بالياء و " ربك " برفع الباء ، ولم يقولوه شاكين في قدرة الله عز وجل ، ولكن معناه : هل ينزل ربك أم لا؟ كما يقول الرجل لصاحبه هل تستطيع أن تنهض معي وهو يعلم أنه يستطيع ، وإنما يريد هل يفعل ذلك أم لا وقيل : يستطيع بمعنى يطيع ، يقال : أطاع واستطاع بمعنى واحد ، كقولهم : أجاب واستجاب ، معناه : هل يطيعك ربك بإجابة سؤالك؟ وفي الآثار من أطاع الله أطاعه الله ، وأجرى بعضهم على الظاهر فقالوا : غلط القوم ، وقالوه قبل استحكام المعرفة وكانوا بشرا ، فقال لهم عيسى عليه السلام عند الغلط ، استعظاما لقولهم ( اتقوا الله إن كنتم مؤمنين ) أي : لا تشكوا في قدرته . ( أن ينزل علينا مائدة من السماء ) المائدة : الخوان الذي عليه الطعام ، وهي فاعلة من : ماده يميده إذا أعطاه وأطعمه ، كقوله ماره يميره ، وامتاد : افتعل منه ، والمائدة هي المطعمة للآكلين الطعام ، وسمي الطعام أيضا مائدة على الجواز ، لأنه يؤكل على المائدة ، وقال أهل الكوفة : سميت مائدة لأنها تميد بالآكلين ، أي : تميل . وقال أهل البصرة : فاعلة بمعنى المفعول ، أي تميد بالآكلين إليها ، كقوله تعالى ( عيشة راضية ) أي : مرضية ، ( قال ) عيسى عليه السلام مجيبا لهم : ( اتقوا الله إن كنتم مؤمنين ) فلا تشكوا في قدرته ، وقيل : اتقوا الله أن تسألوه شيئا لم يسأله الأمم قبلكم ، فنهاهم عن اقتراح الآيات بعد الإيمان . ( قالوا نريد ) أي : إنما سألنا لأنا نريد ، ( أن نأكل منها ) أكل تبرك لا أكل حاجة فنستيقن [ ص: 118 ] قدرته ، ( وتطمئن ) وتسكن ، ( قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ) بأنك رسول الله ، أي : نزداد إيمانا ويقينا ، وقيل : إن عيسى ابن مريم أمرهم أن يصوموا ثلاثين يوما ، فإذا أفطروا لا يسألون الله شيئا إلا أعطاهم ، ففعلوا وسألوا المائدة ، وقالوا : " ونعلم أن قد صدقتنا " في قولك ، إنا إذا صمنا ثلاثين يوما لا نسأل الله تعالى شيئا إلا أعطانا ، ( ونكون عليها من الشاهدين ) لله بالوحدانية والقدرة ، ولك بالنبوة والرسالة ، وقيل : ونكون من الشاهدين لك عند بني إسرائيل إذا رجعنا إليهم . ( قال عيسى ابن مريم ) عند ذلك ، ( اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء ) وقيل : إنه اغتسل ولبس المسح وصلى ركعتين وطأطأ رأسه وغض بصره وبكى ، ثم قال : اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء ، ( تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا ) أي : عائدة من الله علينا حجة وبرهانا ، والعيد : يوم السرور ، سمي به للعود من الترح إلى الفرح ، وهو اسم لما اعتدته ويعود إليك ، وسمي يوم الفطر والأضحى عيدا لأنهما يعودان كل سنة ، قال السدي : معناه نتخذ اليوم الذي أنزلت فيه عيدا لأولنا وآخرنا ، أي : نعظمه نحن ومن بعدنا ، وقال سفيان : نصلي فيه ، قوله ( لأولنا ) أي : لأهل زماننا ( وآخرنا ) أي : لمن يجيء بعدنا ، وقال ابن عباس : يأكل منها آخر الناس كما أكل أولهم ، ( وآية منك ) دلالة وحجة ، ( وارزقنا وأنت خير الرازقين ) ( قال الله ) تعالى مجيبا لعيسى عليه السلام ، ( إني منزلها عليكم ) يعني : المائدة وقرأ أهل المدينة وابن عامر وعاصم " منزلها " بالتشديد لأنها نزلت مرات ، والتفعيل يدل على التكرير مرة بعد أخرى ، وقرأ الآخرون بالتخفيف لقوله : أنزل علينا ، ( فمن يكفر بعد منكم ) أي : بعد نزول المائدة ( فإني أعذبه عذابا ) أي جنس عذاب ، ( لا أعذبه أحدا من العالمين ) يعني : عالمي زمانه ، فجحد القوم وكفروا بعد نزول المائدة فمسخوا قردة وخنازير ، قال عبد الله بن عمر : إن أشد الناس عذابا يوم القيامة المنافقون ومن كفر من أصحاب المائدة وآل فرعون . واختلف العلماء في المائدة هل نزلت أم لا؟ فقال مجاهد والحسن : لم تنزل لأن الله عز وجل لما أوعدهم على كفرهم بعد نزول المائدة خافوا أن يكفر بعضهم فاستعفوا ، وقالوا : لا نريدها ، فلم تنزل ، وقوله : " إني منزلها عليكم " ، يعني : إن سألتم . [ ص: 119 ] والصحيح الذي عليه الأكثرون : أنها نزلت ، لقوله تعالى : " إني منزلها عليكم " ، ولا خلف في خبره ، لتواتر الأخبار فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين . واختلفوا في صفتها فروى خلاس بن عمرو عن عمار بن ياسر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها نزلت خبزا ولحما ، وقيل لهم : إنها مقيمة لكم ما لم تخونوا [ وتخبؤوا ] فما مضى يومهم حتى خانوا وخبؤوا فمسخوا قردة وخنازير . وقال ابن عباس رضي الله عنهما : إن عيسى عليه السلام قال لهم : صوموا ثلاثين يوما ثم سلوا الله ما شئتم يعطكموه ، فصاموا فلما فرغوا قالوا : يا عيسى إنا لو عملنا لأحد فقضينا عمله لأطعمنا ، وسألوا الله المائدة فأقبلت الملائكة بمائدة يحملونها ، عليها سبعة أرغفة وسبعة أحوات حتى وضعتها بين أيديهم ، فأكل منها آخر الناس كما أكل أولهم . قال كعب الأحبار : نزلت [ مائدة ] منكوسة تطير بها الملائكة بين السماء والأرض ، عليها كل الطعام إلا اللحم . وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس : أنزل على المائدة كل شيء إلا الخبز واللحم ، قال قتادة كان عليها ثمر من ثمار الجنة . وقال عطية العوفي : نزلت من السماء سمكة فيها طعم كل شيء . وقال الكلبي : كان عليها خبز ورز وبقل . وقال وهب بن منبه : أنزل الله أقرصة من شعير وحيتانا وكان قوم يأكلون ثم يخرجون ويجيء آخرون فيأكلون حتى أكلوا جميعهم وفضل . [ ص: 120 ] وعن الكلبي ومقاتل : أنزل الله خبزا وسمكا وخمسة أرغفة ، فأكلوا ما شاء الله تعالى ، والناس ألف ونيف فلما رجعوا إلى قراهم ، ونشروا الحديث ضحك منهم من لم يشهد ، وقالوا : ويحكم إنما سحر أعينكم ، فمن أراد الله به الخير ثبته على بصيرته ، ومن أراد فتنته رجع إلى كفره ، ومسخوا خنازير ليس فيهم صبي ولا امرأة ، فمكثوا بذلك ثلاثة أيام ثم هلكوا ، ولم يتوالدوا ولم يأكلوا ولم يشربوا ، وكذلك كل ممسوخ . وقال قتادة : كانت تنزل عليهم بكرة وعشيا حيث كانوا كالمن والسلوى لبني إسرائيل ، وقال عطاء بن أبي رباح عن سلمان الفارسي لما سأل الحواريون المائدة لبس عيسى عليه السلام صوفا وبكى ، وقال : " اللهم أنزل علينا مائدة من السماء " الآية فنزلت سفرة حمراء بين غمامتين غمامة من فوقها وغمامة من تحتها ، وهم ينظرون إليها وهي تهوي منقضة حتى سقطت بين أيديهم فبكى عيسى ، وقال : اللهم اجعلني من الشاكرين اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عقوبة ، واليهود ينظرون إلى شيء لم يروا مثله قط ولم يجدوا ريحا أطيب من ريحه ، فقال عيسى عليه السلام : ليقم أحسنكم عملا فيكشف عنها ويذكر اسم الله تعالى ، فقال شمعون الصفار رأس الحواريين : أنت أولى بذلك منا [ فقام عيسى عليه السلام ] فتوضأ وصلى صلاة طويلة وبكى كثيرا ، ثم كشف المنديل عنها ، وقال : بسم الله خير الرازقين فإذا هو سمكة مشوية ليس عليها فلوسها ولا شوك عليها تسيل من الدسم وعند رأسها ملح وعند ذنبها خل ، وحولها من ألوان البقول ما خلا الكراث ، وإذا خمسة أرغفة على واحد زيتون ، وعلى الثاني عسل ، وعلى الثالث سمن ، وعلى الرابع جبن ، وعلى الخامس قديد ، فقال شمعون : يا روح الله أمن طعام الدنيا هذا أم من طعام الآخرة؟ فقال : ليس شيء مما ترون من طعام الدنيا ولا من طعام الآخرة ، ولكنه شيء افتعله الله تعالى بالقدرة الغالبة ، كلوا مما سألتم يمددكم ويزدكم من فضله ، قالوا : يا روح الله كن أول من يأكل منها ، فقال عيسى عليه السلام : معاذ الله أن آكل منها ولكن يأكل منها من سألها فخافوا أن يأكلوا منها ، فدعا لها أهل الفاقة والمرضى وأهل البرص والجذام والمقعدين والمبتلين ، فقال : كلوا من رزق الله ولكم المهنأ ولغيركم البلاء ، فأكلوا وصدر عنها ألف وثلاثمائة رجل وامرأة من فقير ومريض وزمن ومبتلى ، كلهم شبعان ، وإذا السمكة بهيئتها حين نزلت ، ثم طارت سفرة المائدة صعدا وهم ينظرون إليها حتى توارت ، فلم يأكل منها زمن ولا مريض ولا مبتلى إلا عوفي ولا فقير إلا استغنى ، وندم من لم يأكل منها فلبثت أربعين صباحا تنزل ضحى ، فإذا نزلت اجتمعت الأغنياء والفقراء والصغار والكبار والرجال والنساء ، ولا تزال منصوبة يؤكل [ ص: 121 ] منها حتى إذا فاء الفيء طارت وهم ينظرون في ظلها حتى توارت عنهم ، وكانت تنزل غبا تنزل يوما ولا تنزل يوما كناقة ثمود ، فأوحى الله تعالى [ إلى عيسى عليه السلام ] اجعل مائدتي ورزقي للفقراء دون الأغنياء ، فعظم ذلك على الأغنياء حتى شكوا وشككوا الناس فيها ، وقالوا : أترون المائدة حقا تنزل من السماء؟ فأوحى الله تعالى إلى عيسى عليه السلام : إني شرطت أن من كفر بعد نزولها عذبته عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ، فقال عيسى عليه السلام : ( إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ) فمسخ منهم ثلاثمائة وثلاثون رجلا باتوا من ليلتهم على فرشهم مع نسائهم فأصبحوا خنازير يسعون في الطرقات والكناسات ، ويأكلون العذرة في الحشوش فلما رأى الناس ذلك فزعوا إلى عيسى عليه السلام وبكوا فلما أبصرت الخنازير عيسى عليه السلام بكت وجعلت تطيف بعيسى عليه السلام وجعل عيسى يدعوهم بأسمائهم فيشيرون برءوسهم ويبكون ولا يقدرون على الكلام ، فعاشوا ثلاثة أيام ثم هلكوا . ) .
__________________
|
#148
|
||||
|
||||
رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله
الحلقة (133) - تفسير البغوى الجزء الثالث سُورَةِ الْمَائِدَةِ الاية 116 إلى الاية120 ( وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب ( 116 ) ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد ( 117 ) ( إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ( 118 ) قوله عز وجل : ( وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ) واختلفوا في أن هذا القول متى يكون ، فقال السدي : قال الله تعالى هذا القول لعيسى عليه السلام حين رفعه إلى السماء لأن حرف " إذ " يكون للماضي ، وقال سائر المفسرين : إنما يقول الله له هذا القول يوم القيامة بدليل قوله [ من قبل ] ( يوم يجمع الله الرسل ) ( المائدة ، 109 ) . وقال من بعدها ( هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم ) ( المائدة ، 119 ) ، وأراد بهما يوم القيامة ، وقد تجيء " إذ " بمعنى " إذا " كقوله عز وجل : ( ولو ترى إذ فزعوا ) أي : إذا فزعوا [ يوم القيامة ] والقيامة وإن لم تكن بعد ولكنها كالكائنة لأنها آتية لا محالة . قوله : ( أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ) ؟ فإن قيل : فما وجه هذا السؤال مع علم الله عز وجل أن عيسى لم يقله؟ قيل هذا السؤال عنه لتوبيخ قومه وتعظيم أمر هذه المقالة كما يقول القائل لآخر : أفعلت كذا [ ص: 122 ] وكذا؟ فيما يعلم أنه لم يفعله ، إعلاما واستعظاما لا استخبارا واستفهاما . وأيضا : أراد الله عز وجل أن يقر [ عيسى عليه السلام عن ] نفسه بالعبودية ، فيسمع قومه ، ويظهر كذبهم عليه أنه أمرهم بذلك ، قال أبو روق : وإذا سمع عيسى عليه السلام هذا الخطاب أرعدت مفاصله وانفجرت من أصل كل شعرة في جسده عين من دم ، ثم يقول مجيبا لله عز وجل : ( قال سبحانك ) تنزيها وتعظيما لك ( ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك ) قال ابن عباس : تعلم ما في غيبي ولا أعلم ما في غيبك ، وقيل معناه : تعلم سري ولا أعلم سرك ، وقال أبو روق تعلم ما كان مني في دار الدنيا ولا أعلم ما يكون منك في الآخرة ، وقال الزجاج : النفس عبارة عن جملة الشيء وحقيقته ، يقول : تعلم جميع ما أعلم من حقيقة أمري ولا أعلم حقيقة أمرك ، ( إنك أنت علام الغيوب ) ما كان وما يكون . ( ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم ) [ وحدوه ] ولا تشركوا به شيئا ، ( وكنت عليهم شهيدا ما دمت ) أقمت ، ( فيهم فلما توفيتني ) قبضتني ورفعتني إليك ، ( كنت أنت الرقيب عليهم ) والحفيظ عليهم ، تحفظ أعمالهم ، ( وأنت على كل شيء شهيد ) قوله تعالى : ( إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ) فإن قيل كيف طلب المغفرة لهم وهم كفار ، وكيف قال : وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ، وهذا لا يليق بسؤال المغفرة ، قيل : أما الأول فمعناه إن تعذبهم بإقامتهم على كفرهم وإن تغفر لهم بعد الإيمان وهذا يستقيم على قول السدي : إن هذا السؤال قبل يوم القيامة لأن الإيمان لا ينفع في القيامة . وقيل : هذا في فريقين منهم ، معناه : إن تعذب من كفر منهم وإن تغفر لمن آمن منهم . وقيل : ليس هذا على وجه طلب المغفرة ولو كان كذلك لقال : فإنك أنت الغفور الرحيم ، ولكنه على تسليم الأمر وتفويضه إلى مراده . [ ص: 123 ] وأما السؤال الثاني : فكان ابن مسعود رضي الله عنه يقرأ وإن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم ، وكذلك هو في مصحفه ، وأما على القراءة المعروفة قيل فيه تقديم وتأخير تقديره : إن تغفر لهم فإنهم عبادك وإن تعذبهم فإنك أنت العزيز الحكيم . وقيل : معناه إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز في الملك الحكيم في القضاء لا ينقص من عزك شيء ، ولا يخرج من حكمك شيء ، ويدخل في حكمته ومغفرته وسعة رحمته ومغفرته الكفار ، لكنه أخبر أنه لا يغفر وهو لا يخلف خبره . أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد الفارسي ثنا محمد بن عيسى الجلودي حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان حدثنا مسلم بن الحجاج حدثني يونس بن عبد الأعلى حدثنا ابن وهب أخبرني عمر بن الحارث أن بكر بن سوادة حدثه عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله تعالى في إبراهيم : " رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني " ، الآية . وقول عيسى عليه السلام : " إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم " فرفع يديه وقال : اللهم أمتي وبكى فقال الله عز وجل : يا جبريل اذهب إلى محمد ، - وربك أعلم - فسله ما يبكيه؟ فأتاه جبريل فسأله ، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال ، فقال الله تعالى : يا جبريل اذهب إلى محمد فقل : إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك " . 30 قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم ( 119 ) ) ( لله ملك السموات والأرض وما فيهن وهو على كل شيء قدير ( 120 ) قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم ) قرأ نافع ( يوم ) بنصب الميم ، يعني : تكون هذه الأشياء في يوم ، فحذف في فانتصب ، وقرأ الآخرون بالرفع على أنه خبر ( هذا ) أي : ينفع الصادقين في الدنيا صدقهم في الآخرة ، ولو كذبوا ختم الله على أفواههم ونطقت به جوارحهم فافتضحوا ، وقيل : أرادوا بالصادقين النبيين . [ ص: 124 ] وقال الكلبي : ينفع المؤمنين إيمانهم ، قال قتادة : متكلمان لا يخطئان يوم القيامة عيسى عليه السلام ، وهو ما قص الله عز وجل ، وعدو الله إبليس ، وهو قوله : " وقال الشيطان لما قضي الأمر " ، الآية ، فصدق عدو الله يومئذ ، وكان قبل ذلك كاذبا فلم ينفعه صدقه ، وأما عيسى عليه السلام فكان صادقا في الدنيا والآخرة ، فنفعه صدقه . وقال عطاء : هذا يوم من أيام الدنيا لأن الدار الآخرة دار جزاء لا دار عمل ، ثم بين ثوابهم فقال : ( لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم ) ثم عظم نفسه . فقال : ( لله ملك السموات والأرض وما فيهن وهو على كل شيء قدير ) )
__________________
|
#149
|
||||
|
||||
رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله
الحلقة (134) - تفسير البغوى الجزء الثالث سُورَةُ الْأَنْعَامِ الاية 1 إلى الاية7 [ سُورَةُ الْأَنْعَامِ ] [ ص: 125 ] ( 1 ) ) سُورَةُ الْأَنْعَامِ مكية ، وهي مائة وخمس وستون آية ، نزلت بمكة [ جملة ] ليلا معها سبعون ألف ملك قد سدوا ما بين الخافقين ، لهم زجل بالتسبيح والتحميد والتمجيد ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " سبحان ربي العظيم سبحان ربي العظيم وخر ساجدا " . وروي مرفوعا : " من قرأ سورة الأنعام يصلي عليه أولئك السبعون ألف ملك ليله ونهاره " . وقال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما : نزلت سورة الأنعام بمكة ، إلا قوله : " وما قدروا الله حق قدره " ، إلى آخر ثلاث آيات ، وقوله تعالى : " قل تعالوا أتل " ، إلى قوله : " لعلكم تتقون " ، فهذه الست آيات مدنيات . الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون ( الحمد لله الذي خلق السموات والأرض ) قال كعب الأحبار : هذه الآية أول آية في التوراة ، وآخر آية في التوراة قوله : " الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا " الآية ( الإسراء - 111 ) . قال ابن عباس رضي الله عنهما : افتتح الله الخلق بالحمد ، فقال : ( الحمد لله الذي خلق السموات والأرض ) ، وختمه بالحمد فقال : ( وقضي بينهم بالحق ) ، أي : بين الخلائق ، ( وقيل الحمد لله رب العالمين ) [ الزمر - 75 ] . [ ص: 126 ] قوله : " الحمد لله " حمد الله نفسه تعليما لعباده ، أي : احمدوا الله الذي خلق السموات والأرض ، خصهما بالذكر لأنهما أعظم المخلوقات فيما يرى العباد ، وفيهما العبر والمنافع للعباد ، ( وجعل الظلمات والنور ) والجعل بمعنى الخلق ، قال الواقدي : كل ما في القرآن من الظلمات والنور فهو الكفر والإيمان ، إلا في هذه الآية فإنه يريد بهما الليل والنهار . وقال الحسن : وجعل الظلمات والنور يعني الكفر والإيمان ، وقيل : أراد بالظلمات الجهل وبالنور العلم . وقال قتادة : يعني الجنة والنار . وقيل : معناه خلق الله السموات والأرض ، وقد جعل الظلمات والنور ، لأنه خلق الظلمة والنور قبل السموات والأرض . قال قتادة : خلق الله السموات قبل الأرض ، والظلمة قبل النور ، والجنة قبل النار ، وروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله تعالى خلق الخلق فى ظلمة ، ثم ألقى عليهم من نوره ، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ضل " . ( ثم الذين كفروا بربهم يعدلون ) أي : ثم الذين كفروا بعد هذا البيان بربهم يعدلون ، أي : يشركون ، وأصله من مساواة الشيء بالشيء ، ومنه العدل ، أي : يعدلون بالله غير الله تعالى ، يقال : عدلت هذا بهذا إذا ساويته ، وبه قال النضر بن شميل ، الباء بمعنى عن ، أي : عن ربهم يعدلون ، أي يميلون وينحرفون من العدول ، قال الله تعالى ( عينا يشرب بها عباد الله ) أي : منها . وقيل : تحت قوله " ثم الذين كفروا بربهم يعدلون " معنى لطيف ، وهو مثل قول القائل : أنعمت عليكم بكذا وتفضلت عليكم بكذا ، ثم تكفرون بنعمتي . ( هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده ثم أنتم تمترون ( 2 ) وهو الله في السموات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون ( 3 ) ) قوله عز وجل : ( هو الذي خلقكم من طين ) يعني آدم عليه السلام ، خاطبهم به إذ كانوا من [ ص: 127 ] ولده . قال السدي : بعث الله تعالى جبريل عليه السلام إلى الأرض ليأتيه بطائفة منها ، فقالت الأرض إني أعوذ بالله منك أن تنقص مني ، فرجع جبريل ولم يأخذ وقال : يا رب إنها عاذت بك ، فبعث ميكائيل ، فاستعاذت فرجع ، فبعث ملك الموت فعاذت منه بالله ، فقال : وأنا أعوذ بالله أن أخالف أمره ، فأخذ من وجه الأرض فخلط الحمراء والسوداء والبيضاء ، فلذلك اختلفت ألوان بني آدم ، ثم عجنها بالماء العذب والملح والمر ، فلذا اختلفت أخلاقهم فقال الله تعالى لملك الموت : رحم جبريل وميكائيل الأرض ولم ترحمها ، لا جرم أجعل أرواح من أخلق من هذا الطين بيدك . وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " خلق الله آدم عليه السلام من تراب وجعله طينا ، ثم تركه حتى كان حمأ مسنونا ثم خلقه وصوره وتركه حتى كان صلصالا كالفخار ، ثم نفخ فيه روحه " . قوله عز وجل : ( ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده ) قال الحسن وقتادة والضحاك : الأجل الأول من الولادة إلى الموت ، والأجل الثاني من الموت إلى البعث ، وهو البرزخ ، وروي ذلك عن ابن عباس ، وقال : لكل أحد أجلان أجل إلى الموت وأجل من الموت إلى البعث ، فإن كان برا تقيا وصولا للرحم زيد له من أجل البعث في أجل العمر ، وإن كان فاجرا قاطعا للرحم نقص من أجل العمر وزيد في أجل البعث ، وقال مجاهد وسعيد بن جبير : الأجل الأول أجل الدنيا ، والأجل الثاني أجل الآخرة ، وقال عطية عن ابن عباس رضي الله عنهما ( ثم قضى أجلا ) يعني : النوم تقبض فيه الروح ثم ترجع عند اليقظة ، ( وأجل مسمى عنده ) يعني : أجل الموت ، وقيل : هما واحد معناه : [ ثم قضى أجلا ] يعني : جعل لأعماركم مدة تنتهون إليها ، " وأجل مسمى عنده " يعني : وهو أجل مسمى عنده ، لا يعلمه غيره ، ( ثم أنتم تمترون ) تشكون في البعث . قوله عز وجل : ( وهو الله في السموات وفي الأرض ) يعني : وهو إله السموات والأرض ، كقوله : ( وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ) ، وقيل : هو المعبود في السموات والأرض ، وقال محمد بن جرير : معناه هو في السموات يعلم سركم وجهركم في الأرض ، [ وقال الزجاج : فيه تقديم وتأخير تقديره : وهو الله ، ( يعلم سركم وجهركم ) في السموات والأرض ] ( ويعلم ما تكسبون ) تعملون من الخير والشر . [ ص: 128 ] ( وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين ( 4 ) فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون ( 5 ) ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين ( 6 ) ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين ( 7 ) ) ( وما تأتيهم ) يعني : أهل مكة ، ( من آية من آيات ربهم ) مثل انشقاق القمر وغيره ، وقال عطاء : يريد من آيات القرآن ، ( إلا كانوا عنها معرضين ) لها تاركين بها مكذبين . ( فقد كذبوا بالحق ) بالقرآن ، وقيل : بمحمد صلى الله عليه وسلم ، ( لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون ) أي : أخبار استهزائهم وجزاؤه ، أي : سيعلمون عاقبة استهزائهم إذا عذبوا . قوله عز وجل : ( ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن ) يعني : الأمم الماضية ، والقرن : الجماعة من الناس ، وجمعه قرون ، وقيل : القرن مدة من الزمان ، يقال ثمانون سنة ، وقيل : ستون سنة ، وقيل : أربعون سنة ، وقيل : ثلاثون سنة ، ويقال : مائة سنة ، لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن بسر المازني : " إنك تعيش قرنا " ، فعاش مائة سنة فيكون معناه على هذه الأقاويل من أهل قرن ، ( مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم ) أي : أعطيناهم ما لم نعطكم ، وقال ابن عباس : أمهلناهم في العمر مثل قوم نوح وعاد وثمود ، يقال : مكنته ومكنت له ، ( وأرسلنا السماء عليهم مدرارا ) يعني : المطر ، مفعال ، من الدر ، قال ابن عباس : مدرارا أي : متتابعا في أوقات الحاجات ، وقوله : " ما لم نمكن لكم " من خطاب التلوين ، رجع من الخبر من قوله : " ألم يروا " إلى خطاب ، كقوله : ( حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم ) [ يونس ، 22 ] . وقال أهل البصرة : أخبر عنهم بقوله " ألم يروا " وفيهم محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، ثم خاطبهم معهم ، والعرب تقول : قلت لعبد الله : ما أكرمه ، وقلت لعبد الله : ما أكرمك ، ( وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا ) خلقنا وابتدأنا ، ( من بعدهم قرنا آخرين ) [ ص: 129 ] قوله عز وجل : ( ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس ) الآية ، قال الكلبي ومقاتل نزلت في النضر بن الحارث وعبد الله بن أبي أمية ونوفل بن خويلد ، قالوا : يا محمد لن نؤمن لك حتى تأتينا بكتاب من عند الله ومعه أربعة من الملائكة يشهدون عليه أنه من عند الله وأنك رسوله ، فأنزل الله عز وجل : ( ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس ) مكتوبا من عندي ، ( فلمسوه بأيديهم ) أي : عاينوه ومسوه بأيديهم ، وذكر اللمس ولم يذكر المعاينة لأن اللمس أبلغ في إيقاع العلم من [ الرؤية ] فإن السحر يجري على المرئي ولا يجري على الملموس ، ( لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين ) معناه : لا ينفع معهم شيء لما سبق فيهم من علمي .
__________________
|
#150
|
||||
|
||||
رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |