تفسير اية: { إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم.... } - ملتقى الشفاء الإسلامي
 

اخر عشرة مواضيع :         الصراع مع اليهود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 32 )           »          الوقـف الإســلامي ودوره في الإصلاح والتغيير العهد الزنكي والأيوبي نموذجاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          أفكار للتربية السليمة للطفل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          لزوم جماعة المسلمين يديم الأمن والاستقرار (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          منهجُ السَّلَف الصالح منهجٌ مُستمرٌّ لا يتقيَّدُ بزمَانٍ ولا ينحصِرُ بمكانٍ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 38 - عددالزوار : 1190 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 72 - عددالزوار : 16902 )           »          حوارات الآخرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 15 )           »          الخواطر (الظن الكاذب) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          الإنفــاق العــام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 06-06-2021, 07:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,025
الدولة : Egypt
افتراضي تفسير اية: { إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم.... }

تفسير آية:












﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ...﴾




الشيخ عبد القادر شيبة الحمد
















قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ * لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ * لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ * وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ * وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ * يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ * الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ [النور: 11 - 26].







سبب النزول:



ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما مِن قصة الإفك المشهورة التي اخْتَلَقَها عبدُالله بن أُبَي ابن سلول، وأشاعها ضد عائشة رضي الله عنها عند الرجوع من غزوة بني المصطلق؛ فأنزل الله هذه الآيات.











والغَرَض الذي سِيقَتْ له:



تبرئة عائشة رضي الله عنها، وبيان الموقف الذي يجب على المسلم عند الإشاعات الضارة بأحد المسلمين، والنهي عن الحلف على ترك فعل الخير.







ومناسبتها لما قبلها:



لما عظم شأن الرمي بالزنا على سبيل العموم، ذكر أبشع قصة في الرمي على سبيل الخصوص، وبيَّن الحال الذي يجب على المسلم في مثل هذه المواقف، وأعلن براءة الصدِّيقة بنت الصدِّيق أم المؤمنين زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها.







و(الإفك) أقبح الكذب وأفحشه، والمراد به هنا رمي الحَصَان الرَّزان، الطاهرة الساحة رضي الله عنها، بالرجل الصالح صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني، ممن شهد بدرًا، وقد استشهد بعد ذلك غازيًا في أرمينية، سنة تسع عشرة، رضي الله عنه.







و(العصبة) في الأصل الجماعة الذين يتعصب بعضهم لبعض، والمراد بهم هنا أربعة أشخاص أو خمسة، يتقدمهم عدوُّ الله رأس المنافقين عبدالله بن أُبَي ابن سلول.







ومعنى ﴿ مِنْكُمْ ﴾؛ أي: ممن يظهر الانتساب للجماعة الإسلامية والملة المحمدية.







والمخاطب في قوله: ﴿ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ ﴾ هو مَن ساءه ذلك من المؤمنين، وخصوصًا أصحاب القصة.







و(الشر): الضرر وإن كان مصحوبًا بفائدة مرجوحة؛ إذ الشر المحض هو جهنم.







و(الخير): النفع وإن كان مصحوبًا بضرر مرجوح؛ إذ الخير الذي لا شر فيه هو الجنة.







وإنما كانت قصة الإفك خيرًا؛ لبراءة الساحة، وثواب الصبر على الأذى، وانكشاف كذب المنافقين، واتخاذ الحيطة والحذر منهم، ونزول كثير من الأحكام التي تسعد المجتمع المستمسك بها.







ومعنى ﴿ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾؛ أي: على كل واحد من أهل الإفك وِزْر جريمته على سبيل العموم، وللذي كان محور الشر في الإشاعة - يعني عبدالله بن أُبي - عقاب خطير لا يخطر على البال.







وقوله: ﴿ لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ إلى آخر الآية، عتابٌ من الله لمن خطر بباله المعنى السيِّئ عند سماع قصة الإفك، أو لم يقف منها موقف المكذِّب لها.







ومعنى (لولا): هلَّا، وهي إذا دخلت على الماضي أفادت التوبيخ والعتاب كما هنا، وإن دخلت على المضارع أفادت التحضيض.







وإذا دخلت على الجملة الاسمية كانت امتناعية، فتدل على امتناع الجواب لوجود الشرط.



و(إذ) ظرف لظن.







والمعنى: هلَّا ظننتم بأنفسكم خيرًا حين سمعتم قصة الإفك، وأنه لو كان رجلٌ مكان صفوان أو امرأةٌ منكم مكان عائشة لا يخطر على باله أنه يسارع إلى خيانة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ينزل عليه جبريل بخبر السماء، فكان اللائق لمثل هذه الفرية أن تقابل بقولكم: (هذا إفك مبين)؛ أي: كذب ظاهر وافتراء واضح.







وقد ظن بعض الصحابة في هذه الحادثة بأنفسهم خيرًا، فقد دخل أبو أيوب الأنصاري على زوجته أم أيوب رضي الله عنهما فقالت: يا أبا أيوب، أسمعت ما قيل؟ قال: نعم! وذلك الكذب، أكنت أنت يا أم أيوب تفعلين ذلك لو كنت مكان عائشة؟ قالت: لا والله، ولو كنتَ أنت يا أبا أيوب مكان صفوان، أكنتَ تظن بحرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم سوءًا؟ قال: لا والله يا أم أيوب، قالت: فعائشة أفضل مني، وصفوان أفضل منك.







وفي بعض الروايات، قال أبو أيوب: فعائشة أفضل منك وصفوان أفضل مني.







ولقد عاتب الله بهذه الآية مَن لم يكن حاله كمثل حال أبي أيوب وأم أيوب، وأنه كان ينبغي أن يظنوا بأنفسهم الطهر، ومن باب أولى يظنونه بأمهم عائشة رضي الله عنها.







ومعنى ﴿ لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ﴾؛ أي: هلَّا أتى أصحاب الإفك على إفكهم بأربعة عدول يشهدون بحصول ما رموا به أم المؤمنين؟! وهذه الجملة لتوبيخهم ودحض فريتهم، وأنها ليس لها أساس.







وقوله: ﴿ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ ﴾ لا يدل على أنهم لو أتوا بأربعة شهداء لكانوا صادقين، فإنهم لو أتوا بأربعة شهداء ما خرجوا عن كونهم كاذبين؛ إذ إن قوله في أول القصة: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ ﴾ صريحٌ قاطع في كذبهم عند الله والناس، لكن ذكر الشهود هنا لقطع وساوس الشيطان من نفوس المسلمين، ببيان أن دعواهم لا دليل عليها، وليس المراد أنهم عند الله كاذبون لعجزهم عن الإتيان بأربعة شهداء، وأنهم لو أتوا بالأربعة لكانوا صادقين في حكم الله، وإن كانوا كاذبين في علم الله كما زعم ذلك بعض أهل العلم، فإن هذا تأويل رديء؛ إذ إن شهود الزور لو قضى القاضي بشهادتهم لا يطلق عليهم أنهم صادقون، ولا يخطر على بال واحد منهم أنه صادق لقضاء الحاكم بشهادته؛ ولذلك قال في آية القذف ﴿ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾، ولم يقل الكاذبون؛ لأنهم قد يكونون صادقين في الأمر نفسه، ومع ذلك لا يخرجون عن كونهم فاسقين؛ لأنهم خرجوا عما يقتضيه الشرع من الستر عند العجز عن الإثبات، بخلاف أصحاب هذه القصة، فإنهم كاذبون على كل حال.







وقوله: ﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ ﴾ بيان لشدة خطورة هذا الإفك، وأنه لولا رحمة الله بعباده وأنه يمهل - وإن كان لا يهمل - لأصاب الذين لم يقفوا من الإفك موقف المكذِّب له بسبب ما اندفعوا فيه عقوبةٌ خطيرة وقت تلقيهم الإفك وروايته دون تبصر، ويظنونه شيئًا يسيرًا، وهو كبير عند الله مسبب لسخطه.







ومعنى ﴿ وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ﴾؛ أي: وكان ينبغي لكم بمجرد أول السماع أن تقولوا: ما ينبغي لنا ولا يليق بنا أن نتكلم بهذا، متعجبين من هذا الأمر الغريب، وأن تكذبوه وتصفوه بأنه بهتان؛ أي: لا أصل له، فحقيقة البهتان أن تصف الإنسان بما ليس فيه من النقص، بخلاف الغِيبة، فإنها وصف الإنسان بما فيه من العيب في ظهر الغيب.







وقوله: ﴿ يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾؛ أي: ينصحكم الله ويزجركم وينهاكم أن ترجعوا إلى مثل هذا الموقف ما دمتم أحياءً، إن اتصفتم بالإيمان الحق فلا ترجعوا لمثله أبدًا، ويوضح الله لكم الحلال والحرام، ولا شك أن توضيحه وتبيينه عن علم وحكمة، فالمنهج الذي رسمه لكم هو خير منهاج.







وقوله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ بيانٌ للعقوبة الشديدة التي أعدها الله لمن يحب إشاعة السوء في المجتمع الإسلامي، وأن مثل هذا التشريع من رحمة الله بعباده ورأفته وفضله عليهم، ليسلم مجتمعهم من آفة الانحلال الخلقي.







وقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ﴾ إلى قوله: ﴿ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ تنفيرٌ من إشاعة السوء في المجتمع، وتحذير من متابعة نزغات الشيطان ومسالكه، فكل شر يصيب الإنسان إنما سببه الشيطان، وهو يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير، ولولا أن الله يمن على بعض العباد فيرزقهم التوبة والإنابة، ويزكي نفوسهم؛ لتردى الناس في الحضيض، ولَخبثتْ نفوسهم، ولكنه يُوفِّق عباده الصالحين إلى الخير، وهو الذي يسمع ما خفي من أقوالهم، ويعلم ما تُحدث به نفوسهم.







وقوله: ﴿ وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ... ﴾ إلى آخر الآية، نزلت بسبب ما رُوي أن أبا بكر رضي الله عنه حلف ألا يُنفق على مسطح بن أثاثة، وكان ابن بنت خالته، وهو من المهاجرين الأولين البدريين المساكين، وهو من بني المطلب بن عبدمناف، فهو من ذوي القربى، وكان أبو بكر ينفق عليه، فبلغه أنه كان ممن يتحدث بقصة الإفك، فحلف أبو بكر رضي الله عنه ألا يُنفِق عليه، فأنزل الله هذه الآية، فقال أبو بكر: بلى والله، إنا نحبُ أن تغفر لنا يا ربنا.







وقوله: ﴿ وَلَا يَأْتَلِ ﴾؛ يعني: يحلف، مأخوذ من الإيلاء وهي الحلف واليمين.







و(أولو الفضل والسَّعة) أصحاب الطول والغنى، والمراد أبو بكر.







ومعنى (أن يؤتوا): ألا يؤتوا، على حد قول امرئ القيس:



فقلتُ يمين الله أبرحُ قاعدًا = ولو قَطَّعوا رأسي لديكَ وأوصالي



أي: لا أبرح.







ومعنى: ﴿ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ﴾؛ أي: وليتناسوا الإساءة وليتجاوزوا عنها.







وقوله: ﴿ أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ﴾ للحض على العفو والصفح، فإنه سبب لعفو الله ومغفرته.







وقوله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ ﴾ إلى آخر الآيتين، وعيدٌ شديد لمَن رمى الصدِّيقة بنت الصديق أم المؤمنين رضي الله عنها.







والمراد بـ(المحصنات) هنا: العفيفات.







ومعنى (الغافلات): السليمات الصدور، النقيات القلوب، المطبوعات على الخير، البعيدات من الشر، وهذه الأوصاف كناية عن عائشة رضي الله عنها، ولله در حسان؛ إذ يقول في وصفها:






حَصَانٌ رَزَانٌ لا تُزَنُّ بريبةٍ

وتُصبِحُ غَرثى من لحومِ الغوافلِ


حليلةُ خيرِ الناسِ دينًا ومنصبًا

نبيِّ الهُدى والمكرماتِ الفواضلِ


عَقيلةُ حيٍّ من لُؤي بن غالبٍ

كرامِ المساعِي مجدُهم غيرُ زائلِ


مهذَّبةٌ قد طيَّب اللهُ خيمَها

وطهَّرها مِن كلِّ شينٍ وباطلِ










والمراد بالموصول في قوله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ ﴾ هو عبدالله بن أُبي رأس المنافقين لعنه الله، ولا يدخل في الموصول مَن تحدث من المؤمنين عن جهل وانخداع؛ كحسان ومسطح رضي الله عنهما؛ بدليل قوله: ﴿ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ... ﴾ [النور: 23، 24] إلى آخر الآية، فالموصول هنا من باب العام الذي أريد به الخصوص.







وكما أن (المحصنات) هنا كذلك؛ بدليل قوله في آية القذف: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا ﴾، فقد جعل للقاذف توبة، بخلاف قاذف عائشة رضي الله عنها، فقد قال فيه: ﴿ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ﴾.







ومعنى: ﴿ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَشْهَدُ... ﴾ إلى آخر الآية؛ أي: أبعدوا من رحمة الله في الدنيا والآخرة، ويلعنهم المؤمنون كذلك، ولهم عقاب خطير كائن لهم يوم تتكلَّم جوارحهم فتشهد بإساءتهم عليهم.







قوله: ﴿ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ ﴾ الآية؛ أي: يجازيهم الله جزاءهم الواجب عليهم الثابت لهم، يوم إذ تشهد عليهم جوارحهم ويوقنون أن الله هو وحده المستحق للألوهية بلا ريب، وأنه الحكم العدل الذي لا يجور.







ومعنى: ﴿ الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ﴾؛ أي: النساء الفواجر الزواني للرجال الزناة، والرجال الزناة للنساء الزانيات، والنساء الطاهرات للرجال الطاهرين، والرجال الطاهرون للنساء الطاهرات، فهي في معنى التأكيد لقوله فيما سبق: ﴿ الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً... ﴾ إلى آخر الآية.







بيد أن الآية التي هنا أعم من السابقة، والمعنى: ما كان الله ليجعل زوج نبيِّه صلى الله عليه وسلم زانيةً.







وقيل: بل المعنى: الخبيثات من الكلمات تقال للخبيثين من الرجال، والخبيثون من الرجال أهل الخبيثات من الكلمات... إلخ.







والمختار الأول؛ بدليل قوله بعدها: ﴿ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ﴾، والإشارة فيه لعائشة رضي الله عنها، مع أنه على المعنى الثاني لا ذكر فيه للنساء أصلًا.







ومعنى ﴿ أُولَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾؛ يعني: أن عائشة رضي الله عنها منزَّهة مما رُمِيَتْ به من أهل الإفك رضي الله عنها، ولها الجنة، والإشارة بأولئك لتعظيمها وعلو منزلتها.







الأحكام:



1- يجب تكذيب أهل الإفك.



2- كفر مَن اعتقد السوء في عائشة رضي الله عنها.



3- يحرم ظن السوء بالمسلمين.



4- يجب على المسلم أن يقف من الإشاعات الضارة بأحد المسلمين موقف المكذب لها.



5- يجب على الحكام أن يعاقبوا الذين يروجون الإشاعات الضارة بالمسلمين عقابًا شديدًا.



6- لا يجوز الحلف على ترك الخير.



7- من حلف على يمين ورأى غيرها خيرًا منها فليأتِ الذي هو خير.



8- استحباب العفو عن المسيء.



9- لا ينكح العفيف الفاجرة، وكذلك العكس.



10- جواز الشهادة لعائشة رضي الله عنها بالجنة.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 68.35 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 66.58 كيلو بايت... تم توفير 1.77 كيلو بايت...بمعدل (2.60%)]