حق الله تعالى - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         6 وصفات طبيعية لتفتيح البقع الداكنة والحصول على بشرة مشرقة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          هذه القاعدة ليست عبثًا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          عقوق الوالدين.. أسباب وآثار وطرق العلاج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          المشروع الشيعي الفارسي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 257 )           »          الإسراء والمعراج في القرآن الكريم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          الوحدة الإسلامية في مواجهة إملاءات "ترامب" بشأن غزة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          مكارم الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 15 - عددالزوار : 2869 )           »          هل يقتصر معنى الضرر والعجز في الجهاد على المعنى الحسي؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          قصة وفاء بين زوجين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          نصائح وضوابط إصلاحية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 32 - عددالزوار : 7873 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19-01-2025, 03:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 146,601
الدولة : Egypt
افتراضي حق الله تعالى

حق الله تعالى (1)

د. أمير بن محمد المدري

الحمد لله الذي خشعت له القلوب وخضعت، ودانت له النفوس ورقّت، وعنت له الوجوه وذلّت، أحمده سبحانه حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا؛ وبعد:
نعيش وإياكم مع سلسلة الحقوق في الإسلام، سلسلةٌ منهجية إيمانية مباركة، سلسلة تضيء الطريق للمسلم ليعرف ما له وما عليه، سلسلة تضع النقاط على الحروف وتبني مجتمعًا مسلما متحابًا، كل فرد فيه يعي واجباته نحو ربه ونبيه ودينه وأهله وجيرانه ومجتمعه. واليوم نعيش وإياكم مع أهم حق، وأسمى حق، وأعظم حق إنه حق الله تعالى.

فتعالوا بنا أيها الأحبة الكرام لنتعرف على حق الله جل وعلا.

ولكن أيها الأحبة الكرام قبل أن نعيش مع حق الله سبحانه وتعالى لا بد أن نعرف الله عزوجل وتقدست أسماءه.

فإذا عرفنا الله أدّينا حقوقه، إذا عرفنا الله عبدناه حق العبادة وشكرناه حق شكره وقدرناه حق قدره.

إن في الدنيا جنة من لم يدخلها ولم يذقها لم يذق جنة الآخرة إنها معرفة الله.

من هو الله؟

إنه الله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد. خلق فسوى، وقدّر فهدى، وأخرج المرعى فجعله غُثاءً أحوى، السماء بناها، والجبال أرساها، والأرض دحاها، أخرج منها ماءها ومرعاها، يبسط الرزق ويغدق العطاء ويُرسل النعم.

إنه الله رب السماوات والأرض، ورب العرش العظيم، فالق الحب والنوى، مُنزل التوراة والإنجيل والفرقان، هو الأول فليس قبله شيء، وهو الآخر فليس بعده شيء، وهو الظاهر فليس فوقه شيء، وهو الباطن فليس دونه شيء، يُنفّس الكرب، ويفرِّج الهم، ويُذهب الغم، ويقضي الدين ويُغني من الفقر.

إنه الله حبيب الطائعين، وملاذ الهاربين، وملجأ الملتجئين، وأمان الخائفين، يُـحب التوابين ويُـحب المتطهرين.

إنه الله الذي: ﴿ لَا إِلَهَ إلّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [القصص: 70].

مع الله الذي له: ﴿ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الجاثية: 36-37].

إنه الله الذي: ﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ ﴾ [لقمان: 10].

إنه الله الذي: ﴿ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ [الرعد: 8].

إنه الله الذي: ﴿ لَا إِلَهَ إلّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾ [الحشر22].

إنه الله الذي: ﴿ جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [يونس: 5].

الحديث عن الله وعن معرفة الله.
حديث من الضعفاء عن ربهم القوي.
حديث من الفقراء عن ربهم الغني.
حديث عن الأذلاء عن ربهم العزيز.

إنه الله: إنه الملاذ في الشدة، والأنيس في الوحشة، والنصير في القلة، يتجه إليه المريض الذي استعصى مرضه على الأطباء، ويدعوه آملًا في الشفاء ويتجه إليه المكروب يسأله الصبر والرضا، والخَلَف من كل فائت، والعوض من كل مفقود. ﴿ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ [البقرة: 156] ويتجه إليه المظلوم آملًا يومًا قريبًا ينتصر فيه على ظالمه فليس بين دعوة المظلوم وبين الله حجاب قائلًا: ﴿ إنّي مَغْلُوبٌ فانتَصِرْ ﴾ [القمر: 10].

ويتجه إليه المحروم من الأولاد سائلًا أن يرزقه ذريةً طيبة: ﴿ رَبّ إِنّي وَهَنَ ٱلْعَظْمُ مِنّي وَٱشْتَعَلَ ٱلرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبّ شَقِيًّا.

إنه الله:
إليه وإلاّ لا تُشدّ الركائب
ومنه وإلاّ فالمؤمل خائب
وفيه وإلاّ فالغرام مضيّعٌ
وعنه وإلاّ فالمحدث كاذب


من علَّق نفسه بمعروف غير معروف الله فرجاؤه خائب، ومن حدّث نفسه بكفاية غير كفاية الله فحديثه كاذب، لا يغيب عن علمه غائب، ولا يعزب عن نظره عازب ﴿ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [يونس: 61].

إنه الله عز وجل: ﴿ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ في شَأْنٍ ﴾ [الرحمن: 29].

سبحانه يغفر ذنبًا، ويفرّج كربًا، يرفع قومًا، ويضع آخرين، يحيي ميتًا ويميت حيًا، ويجيب داعيًا، ويشفي سقيمًا.

يُعز من يشاء، ويُذل من يشاء، يجبر كسيرًا، ويُغني فقيرًا، ويُعلم جاهلًا، ويهدي ضالًا، ويرشد حيرانًا ويغيث لهفانًا، ويفك عانيًا، يُشبع جائعًا، ويكسو عاريًا، ويشفي مريضًا، ويُعافي مبتلىً، يقبل تائبًا، ويجزي محسنًا، وينصر مظلومًا، ويقصم جبارًا، ويقيل عثرةً، ويستر عورةً، ويؤمن روعةً.

إنه الله: لو أن أشجار الأرض كلها من حين وجدت إلى أن تنقضي الدنيا أقلام والبحر وراءه سبعة أبحر تمده من بعده مداد فكتب بتلك الأقلام، وذلك المداد لفنيت الأقلام ونفد المداد ولم تنفد كلمات الخالق تبارك وتعالى الدالة على جلال الله وعظمة الله وكمال الله وكرم الله وجود الله: ﴿ وَلَوْ أَنَّمَا في الأرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَـاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [لقمان: 26-27].

إنه الله: التواب الرحيم، ذو الفضل العظيم، الواسع العليم، العزيز الحكيم، ابتلى إبراهيم بكلمات، وسمع نداء يونس في الظلمات، واستجاب لزكريا فوهبه على الكبر يحي هاديًا مهديا، وحنانًا من لدنه وكان تقيًا، أزال الكَرب عن أيوب وألان الحديد لداود، وسخر الريح لسليمان، وفلق البحر لموسى، ورُفع إليه عيسى وشق القمر لمحمد - صلى الله وعليه وسلم -، ونجَّا هودًا وأهلك قومه، ونجَّا صالحًا من الظالمين، فأصبح قومه في دارهم جاثمين، وجعل النار بردًا وسلامًا على إبراهيم، وفدى إسماعيل بذبحٍ عظيم، وجعل عيسى وأمه آيةً للعالمين، ونجَّا لوطًا وأرسل على قومه حجارةً من سجيلٍ منضود، ونجَّا شعيبًا برحمته، وأهلك أهل مدين بعدله، قال جل شأنه: ﴿ أَلاَ بُعْدًا لّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ [هود: 95].

إنه الله عز وجل: الذي أغرق فرعون وقومه، ونجّاه ببدنه ليكون لمن خلفه آية، وخسف بقارون وبداره الأرض: ﴿ وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ﴾ [القصص: 82]، ونجّا يوسف من غياهب الجب، وجعله على خزائن الأرض.

إنه الله: الذي أضحك وأبكى، وأمات وأحيا، وأسعد وأشقى، وأوجد وأبلى، ورفع وخفض، وأعز وأذل، وأعطى ومنع، ورفع ووضع.

إنه الله: هدى نوحًا وأضل ابنه، واختار إبراهيم وأبعد أباه، وأنقذ لوطًا وأهلك امرأته ولعن فرعون وهدى زوجته، واصطفى محمد - صلى الله وعليه وسلم - ومقت عمه، فسبحانه عدد خلقه، وسبحانه رضا نفسه، وسبحانه زنة عرشه، وسبحانه مداد كلماته.

إنه الله: الذي أرغم أنوف الطغاة، وخفض رؤوس الظلمة، ومزَّق شمل الجبابرة ودمّر سد مأرب بفأرة، وأهلك النمرود ببعوضة، وهزم أبرهة بطير أبابيل، عذَّب امرأة في هِرَّة حبستها لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض، وغفر لامرأة بغيّ لأنها سقت كلبًا كاد يموت من العطش.

إنه الله... الذي من تقرّب إليه شبرًا تقرّب إليه ذراعًا، ومن تقرّب إليه ذراعًا تقرّب إليه باعًا، ومن أتاه يمشي أتاه هرولة، فالباب مفتوح ولكن من يلج؟ والمجال مفسوح ولكن من يُقبل؟ والحبل ممدود ولكن من يتشبث به؟ والخير مبذول ولكن من يتعرض له؟ فأين الباحثون عن الأرباح؟ وأين خُطّاب الملاح؟ أين عشّاق العرائس؟ وطلاّب النفائس؟!

إنه الله: من أقبل إليه، تلقاه من بعيد، ومن أعرض عنه، ناداه من قريب، ومن ترك من أجله أعطاه فوق المزيد، ومن أراد رضاه، أراد ما يريد، ومن تصرف بحوله وقوته، ألان له الحديد، أهل ذكره هم أهل مجالسته، وأهل شكره هم أهل زيادته، وأهل طاعته هم أهل كرامته، وأهل معصيته لا يقنطهم من رحمته إن تابوا إليه فهو حبيبهم، وإن لم يتوبوا فهو رحيم بهم، يبتليهم بالمصائب ليطهرهم من المعايب، الحسنة عنده بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، والسيئة عنده بواحدة، فإن ندم عليها واستغفر غفرها له، يشكر اليسير من العمل، ويغفر الكثير من الزلل.

إنه الله: سبحانه من خالق عظيم، جوادٌ كريم، الكرم صفة من صفاته، والجود من أعظم سماته، والعطاء من أجلَّ هباته، فمن أعظم منه جودًا؟ الخلائق له عاصون وهو لهم مراقب، يكلؤهم في مضاجعهم كأنهم لم يعصوه، ويتولى حفظهم كأنهم لم يذنبوا، يجود بالفضل على العاصي، ويتفضل على المسيء، من ذا الذي دعاه فلم يستجب له؟ أم من ذا الذي سأله فلم يعطه؟ أم من ذا الذي أناخ ببابه فنحّاه؟ فهو ذو الفضل ومنه الفضل، وهو الجواد ومنه الجود، وهو الكريم سبحانه ومنه الكرم.

فليتك تحلو والحياة مريرةٌ
وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامرٌ
وبيني وبين العالمين خراب
إذا صح منك الود فالكل هيّن
فكل الذي فوق التراب تراب


مَن استيقَن قلبه هذه المعاني لا يرهَب غيرَ الله، ولا يخاف سِواه، ولا يرجو غيرَه، ولا يتحاكم إلاّ له، ولا يذلّ إلا لعظمتِه، ولا يحبّ غيرَه.

أمّا الذين يهجرون القرآنَ، ويرتكبون المحرمّات، ويفرّطون في الطاعات والصلوات، أمّا الذين يتحاكمون إلى شرع غيرِ الله، ما قدروا الله حق قدره.

أمّا الذين يسخرون من الدّين، ويحاربون أولياء الله، ويستهزئون بسنّة سيّد البشر، ما قدروا الله حقَّ قدره. أسأل الله أن يوفقنا لطاعته، وأن يجنبنا معصيته، إنه خير مسؤول، وصلى الله وسلم على الرسول وعلى آله وصحبه أجمعين.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 22-01-2025, 05:10 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 146,601
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حق الله تعالى


حق الله تعالى (2)

د. أمير بن محمد المدري


الحمد لله الذي وفّق عباده المؤمنين للطاعات، ويسر لهم الخيرات والحسنات، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله خير من صام وقام، وشرع الشرائع وبيّن الأحكام، اللهم صلّ وسلم وبارك على إمام المتقين وسيد الخلق أجمعين وعلى آله وأصحاـبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

ما زال الحديث معكم عن حق الله تعالى، عن عظمة الله وجلال الله وكمال الله.

ما أحلى المجالس وما أطيب الأماكن إذا عُطّرت بذكر الله الواحد الأحد.

عظمة الله
سبحانه جل وعلا من أتته السماء والأرض طائعة، سبحان من أحاط علمه بالكائنات، واطّلع على النيات، عالمٌ بنهايات الأمور، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، علم ما في الضمير، ولا يغيب عنه الفتيل والقطمير، ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11]. يُبدئ ويعيد، وينشئ ويبيد، وهو فعّالٌ لما يريد، سبحانه علم ما كان قبل خلق المكان. علم ما كان وما سيكون لو كان كيف يكون.

شكت خولة بنت ثعلبة للرسول أمرها، وأخبرته سرّها، وعائشة في طرف البيت لم تسمع همسًا، ولم تعلم حِسًا، لكن الله سمعها من فوق سبع سماوات فأنزل الله قوله: ﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾ [المجادلة: 1].

فسبحان من وسِع سمعه السماوات والأرض.

روى البيهقي بسندٍ حسن عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: «ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام، وما بين كل سماء مسيرة خمسمائة عام، وغِلَظُ كل سماء مسيرة خمسمائة عام، وما بين السماء السابعة والكرسي خمسمائة عام، وما بين الكرسي والماء خمسمائة عام، والكرسي فوق الماء، والله سبحانه فوق العرش، لا يخفى عليه شيء من أعمالكم». مستوٍ على عرشه، ويسمع ويرى كلّ شيء في ملكوته، ولا يخفى عليه شيء من أحوال خلقه، ﴿ لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الأنعام: 103].

روى الإمام أحمد في مسنده عن النبي - صلى الله وعليه وسلم - أنه قال: « إن رجلًا عبد الله جل وعلا في جزيرة من البحر خمسمائة سنة، أخرج الله جل وعلا له من البحر عينًا عذبة يشرب منها، وأنبت له شجرة رمان، وكل يوم تخرج له حبة فيأكلها، وسأل ربه أن يقبضه ساجدًا، فاستجاب الله له فقبض وهو ساجد، -اللهم إنا نسألك الميتة الحسنة يا رب العالمين - فإذا كان يوم القيامة أُحضر بين يدي الله جل وعلا، فيقول الله جل وعلا لملائكته: ﴿ ادخلوا عبدي الجنة برحمتي ﴾.

فيقول العبد: يا رب! بل بعملي.

فيقول الله جل وعلا: حاسبوه، فيحاسب، فيوجد أن عبادة خمسمائة سنة طاشت بها نعمة البصر -أو قال: نعمة السمع-، ثم بعد ذلك يقول الله جل وعلا له: من الذي خلقك ولم تك شيئًا؟ قال أنت يا رب.

من الذي قواك على العبادة؟ قال أنت يا رب من الذي جعل في قلبك حب الإيمان وكراهية الكفر؟ من الذي جعل لك السمع والبصر والفؤاد واليدين والرجلين؟ من الذي استخرج لك من البحر المالح عينًا عذبة؟ من الذي استخرج لك من شجرة الرمان كل يوم حبة وهي لا تخرج في السنة إلا مرة؟ قال أنت يا رب، ثم يقول جل وعلا بعد ذلك: اذهبوا به إلى النار، -رحماك يا رب عفوك يا رب هذا من عبدك خمسمائة كيف حالنا ونحن المخطئين ونحن المقصرين -فإذا ذُهب به إلى النار.

يصيح: يا رب! أدخلني الجنة برحمتك فيدخله الله الجنة برحمته ثم قال الرسول - صلى الله وعليه وسلم -: «لن يدخل أحد الجنة إلا برحمة الله».

وفي الصحيح أنه - صلى الله وعليه وسلم - قال: « لن يدخل أحدكم الجنة عمله قالوا: ولا أنت -يا رسول الله-؟! قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته».

إنّ امتلاءَ القلب بعظمة الله يولّد ثقةً مطلقة بالله، ويجعل المسلمَ هاديَ البالِ ساكنَ النفس مهما ادلهمّت الخطوب. إنّ استشعارَ عظمة الله تملأ القلب رضًا وصبرًا جميلًا، فلا يحزنُنا تقلُّب الذين كفروا وظلموا في البلاد، فإنهم مهما علوا وتجبّروا لن يصِلوا إلى مطامعهم، ولن يحقّقوا أهدافهم الدّنيئة، فالله هو القويّ الذي لا يُغلب.

أيها الأخ الحبيب
إن نظرة هادئة مدقّقة في السماء في ليلة صافية تملأ القلب رهبة وخشوعًا لذي العظمة والجلال والكمال، كتاب مفتوح جميل، جمال متجدد، جمال متعدد باختلاف الشروق والغروب، باختلاف الليل والنهار، بصفاء السماء تارة، وبضبابها وسحابها تارة أخرى.

ثم انظر معي إلى هذه النجمة التي انفردت وحدها في أفق السماء وكأنها عين طفلة جميلة تلمع بالمحبة والمودة والصفاء.

ثم أنظر في الأفق الآخر إلى هاتين النجمتين الوحيدتين المنفردتين وكأن كل واحدة منهما تناجى الأخرى.

ثم أنظر إلى هذه المجموعة المترابطة المتشابكة من النجوم وكأنها تشابكت وتراصت في عرسٍ بهيج سعيد، وهذا القمر المنير وهذا الليل السادل وهذا الفلك الدوار، وهذا الصبح الباهر وضوء الشمس المشرقة، كل هذا من صنع من؟ كل هذا من خلق من؟

الشمس والبدر من آثار قدرته
والبر والبحر فيض من عطاياه
الطير سبحه والوحش مجده
والموج كبره والحوت ناجاه
والنمل تحت الصخور الصم قدّسه
والنحل يهتف حمدا في خلاياه
والناس يعصونه جهرًا فيسترهم
والعبد ينسى وربى ليس ينساه

أخي الحبيب عبد الله: انظر من جديد، وتفكر من جديد، ﴿ أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا *رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا* وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا [النازعات:27-29]. ﴿ وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ﴾ [الذاريات:47]. ثم يقول ربنا جل وعلا وهو يخاطب العقول لكي تتفكر، ويلفت الأنظار لتتدبر، لتتعرف على الخالق العظيم سبحانه، فيقول: ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ* وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾ [الواقعة:75-76].

ويقول سبحانه: ﴿ وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ * وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ* لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ [يس:37-40].

يقول علماء الفلك: لو أن الشمس تركت مدارها وارتفعت قليلا لتجمّد كل من على ظهر الأرض، ولو أن الشمس تركت مدارها ونزلت قليلًا لاحترق كل حي على ظهرها، كل هذا من صنع من؟ كل هذا من خلق من؟ أإله مع الله؟

﴿ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾.

والشمس والقمر، كلنا رأى الشمس، وكلنا رأى القمر، لكنني أخاطبك من اليوم أخي الحبيب... أن تعاود من جديد النظر إلى الشمس والنظر إلى القمر لتوحد خالق الشمس والقمر: ﴿ وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ* فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾[الأنعام:75 -79].

انظر لتلك الشمس
التي جذوتها مستعرة
فيها ضياء وبها
حرارة منتشرة
وقُل من ذا الذي
يخرج منها الشرره
ذاك هو الله
الذي أنعمه منهمرة
ذو حكمةٍ بالغة
وقدرة مقتدرة



قال ربنا جل وعلا: ﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ﴾ [النمل:88].


الجبال تسير؟ نعم... والأرض تجرى؟ نعم... ولكنها ذلول مذللة، بل ستعجب إذا علمت أن العلم الحديث قد أثبت أن الأرض تدور حول نفسها بسرعة مذهلة قدرها العلماء بسرعة ألف ميل في الساعة الواحدة، الأرض ذلول تجرى وتدور دورة كاملة حول نفسها بسرعة تقدر بألف ميل في الساعة الواحدة، وتدور الأرض دورة ثانية تدور حول الشمس بسرعة قدّرها العلماء بسرعة تزيد (65000) ألف ميل في الساعة الواحدة. وتدور الأرض مرة ثالثة مع الشمس مع المجموعة الشمسية بسرعة قدرها العلماء بـ (20000) ألف ميل في الساعة الواحدة صنع من؟ خلق من؟ أإلهٌ مع الله؟

أمرٌ عجيب بل وأثبت العلم الحديث أن دورة الأرض حول نفسها هي التي نشأ عنها الليل والنهار، لو لم تدر الأرض حول نفسها لما رأينا ليلًا ولا نهار، لرأينا ليلا سرمدا أو نهارا سرمدا، ثم تدور الأرض حول الشمس وهذه الدورة نشأ عنها الفصول الأربعة الصيف والشتاء والربيع والخريف.

خلق الله لنا الأرض مذللة، ثم شق الله فيها الأنهار والبحار وزينها بالأشجار وأودعها الكنوز والخيرات قال سبحانه: ﴿ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ* وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ* وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾[إبراهيم:32-34].

وقال جل شأنه: ﴿ وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ * وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ * لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ ﴾ [يس:33-35].

سبحانه من خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون آيات.

أنظر لتلك الشجرة
ذات الغصون النضرة
كيف نمت من حبه
وكيف صارت شجره



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 22-01-2025, 05:10 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 146,601
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حق الله تعالى

ابحث وقُل من ذا الذي
يخرج منها الثمرة
ذاك هو الله الذي
أنعمــــــــــــــــــــــــــــــــــه منهمــــــــــــــــــــــــــــــــــرة
ذو حكمة بالغة
وقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــدرة مقتـــــــــــــــــــــــــــــــدرة

وقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــدرة مقتـــــــــــــــــــــــــــــــدرة
سل الواحة الخضراء
والـمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاء جاريــــــــــــــــــــــــــــــــــا
وهذى الصحارى
والجبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــال الرواسيـــــــــــــــــــا
سل الروض مزدانا
والزهـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ر والنـــــــــــــــــــــدى
سل الليل والإصباح
والطيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــر شاديـــــــــــــــــــــــــــــــــــا
وسل هذه الأنسام
والأرض والسمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــا
وسل كل شيء تسمع
التوحيـــــــــــــــــــــــد للــــــــــــــــــــــــــه ساريــــــــا
ولو جن هذا الليل وامتد سرمدا
فمن غير ربى يرجع الصبح ثانيًا
﴿ أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ * أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ * أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾[النمل:60-64]

البعرة تدل على البعير، وأثر السير يدل على المسير، سماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، أفلا يدل ذلك على اللطيف الخبير، وأمسك الإمام أحمد بالبيضة يومًا، بيضة من دجاجة فقال: هذا حصنٌ حصين أملس ليس له باب وليس له منفذ، ظاهرة كالفضة البيضاء وباطنه كالذهب الإبريز، وبينما هو كذلك إذا تصدع جداره وخرج منه حيوان جميل سميع بصير ذو صوتٍ حسن وشكلٍ مليح أإله مع الله؟

أسأل الله بمنه وكرمه أن يقوي إيماننا وأن يرفع درجاتنا إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 25-01-2025, 12:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 146,601
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حق الله تعالى

حق الله تعالى (3)

د. أمير بن محمد المدري



الحمد لله المُنعم على عباده بعظيم آلائه، أحمده سبحانه على تعاقُبِ نعمائه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله أفضل رسله وخاتم أنبيائه، اللهم صلِّ وسلّم عليه وعلى آله وصحبه.

ما زلنا مع حق الله وجلال الله وعظمة الله.

أيها الأحباب: حق الله واضح وجلي في حديث معاذ بن جبل - رضي الله عنه - الذي رواه البخاري حين سأله النبي - صلى الله وعليه وسلم -: «أتدري يا معاذ ما هو حق الله على عباده؟ قال معاذ قلت: - الله ورسوله أعلم. فقال حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، أتدري يا معاذ ماحق العباد على الله إذا فعلوا ذلك قال: - قلت الله ورسوله أعلم. قال: - ألا يعذبهم».

نعم حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا.

العبادة:
إنها العبادة فما هي العبادة؟ العبادة أصل معناها في اللغة: الذل، يقال: طريق معبد أي: طريق مذلل قد وطأته الأقدام، فأصل العبادة الذل والانكسار والخضوع لله علام الغيوب.، فالعبادة لله هي كمال الذل مع كمال الحب لله جل وعلا.

وقد عرّف العبادة شيخ الإسلام ابن تيمية طيب الله ثراه فقال: «العبادة هي اسمٌ جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة »، فالصلاة والصيام والزكاة والحج وبر الوالدين عبادة، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والإحسان إلى الجيران، والإحسان إلى اليتيم، والإحسان إلى الأرملة والمسكين، كل ذلك من العبادة، وحب الله ورسوله، وحب المؤمنين عبادة والحب في الله، والتوكل على الله والاستعانة والرجاء والتفويض والإنابة والخشية والمحبة والخوف، كل ذلك من العبادة.

إذًا فالعبادة تشمل الحياة بأسرها، فحياة المؤمن كلها عبادة إن صحت النية، وكان العمل موافقًا لهدى سيد البرية.

اسمع ماذا قال عليه الصلاة والسلام قال: « إن بكل تسبيحةٍ صدقة، وكل تحميدةٍ صدقة، وكل تكبيرةٍ صدقة، وكل تهليلةٍ صدقة، وأمرٍ بمعروف صدقة، ونهىٍ عن منكر صدقة – اسمع- وفى بضع أحكم صدقة- أي في جماع الرجل زوجته- وفى بضع أحكم صدقة« قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته فيكون له فيها أجر؟! فقال: « أرأيتم لو وضعها في الحرام أكان عليه وزر" قالوا: نعم قال: " ولو وضعها في الحلال فله بها أجر».

فحياة المؤمن حتى لقاؤه مع امرأته عبادة إن صحت النية وكان العمل موافقًا لهدى سيد البشرية.

مصداقًا لقوله عزوجل: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الأنعام: 162، 163].

صور عبادة غير الله:
حق الله أن نعبده فلا نشرك به شيئًا فهل هناك من المسلمون من يعبد غير الله؟ نعم، واليكم صور ذلك.

أولًا: من الناس من صرف العبادة لغير الله بتحكيم البشر وتحكيم الأهواء والنزوات والشهوات والرغبات، تقول لأحدهم قال الله قال رسوله ويقول لك قال فلان وقال علاّن والله جل وعلا يقول: ﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [50المائدة: 50]. ويقول سبحانه وتعالى: ﴿ مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُون ﴾ [يوسف: 40 ].

فمن الناس من انقاد بشرع مهازيل البشر ولم يذعن ولم يذل ولم يخضع لشرع خالق البشر جل وعلا، وظن هؤلاء المساكين أنهم يوم أن نحّوا شريعة رب العالمين وشريعة سيد المرسلين وحكّموا شريعة مهازيل الخلق، وظنوا أنهم قد ركبوا قوارب النجاة، وسط هذه الرياح الهوجاء والأمواج المتلاطمة فغرقوا وأغرقوا وهلكوا وأهلكوا.

ثانيًا: ومن الناس وهذا هو الصنف الثاني من صرف العبادة لغير الله في كثير من صورها، فذبح لغير الله ونذر لغير الله، وحلف بغير الله واستعان بغير الله، واستغاث بغير الله ولجأ إلى غير الله، وفوض الأمور إلى غير الله، يُنادون الأموات يا ولياه، يا علياه يا حسيناه وغيرها من الألفاظ والله يقول: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الأعراف: 194] هناك الملايين ممن ينتسبون الآن إلى الأمة ممن يذهبون إلى الأضرحة والقبور، فإنهم يرددون قولتهم الخبيثة: إذا تعسرت الأمور، فعليكم بأصحاب القبور. تعالى من بيده البعث والنشور، وهو الذي يقول: ﴿ أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62].

هناك من يقول إن زيارة إلى قبر الحسين - رضي الله عنه - تُعادل ثمانين حجة إلى بيت الله الحرام تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا.

هل يجيب المضطر إذا دعاه نبي أو ولي؟ لا والله، لا يجيب المضطر إذا دعاه إلا الرب العلي الذي لا يغفل ولا ينام، وهو الحي الذي لا يموت.

فأيها المسلم لا تسأل نبيًا ولا تسأل وليًا وسل الحي الذي لا يموت فهو بيده الأمر كله صاحب الضر والنفع ﴿ وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ ﴾ [الأنعام:17].

ثالثًا: ومن الناس- وهذا صنفٌ ثالث- عبد الله جل وعلا وحده لا شريك له ولكنه عبد الله بغير هدى المصطفى رسول الله، عبد الله بالبدع، عبد الله بالضلالات، عبد الله بالعادات التي توارثها الأجيال عن الآباء والأجداد، وهذه العبادة أيضًا مردودة على رأس صاحبها، ولو ابتغى صاحبها وجه الله جل وعلا، لأنه لابد أن تكون العبادة خالصة لله، وأن تكون العبادة موافقة لسنة الحبيب رسول الله ، قال جل في علاه، ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [سورة الكهف: 110].

الله جل وعلا؛ لا يقبل العبادة إلا إذا كانت خالصة له على هدى حبيبه المصطفى.

رابعًا: ومن الناس- وهذا هو الصنف الرابع- من فهم العبادة فهمًا مبتورا ناقصا جزئيًا، فالعبادة عنده لا تتجاوز ولا تتعدى الشعائر كالصلاة والصيام والزكاة والحج، فهو يصلى في المسجد، ويحج بيت الله الحرام، ويؤدى الزكاة، ويصوم رمضان لكن إن تجاوز هذا المسلم المسجد ترى شخصية أخرى، وترى إنسانًا آخر غش في المعاملات، ظُلم للجيران، ظُلمٌ للزوجة، سبٌّ ولعن وغيبة ونميمة، دعاء للظالم بطول العمر.

هناك من يبكي في صلاة القيام وقد أبكى والديه قبل الصلاة من العقوق أو ظلم زوجته قبل الصلاة.

الإسلام دين شعائر صلاة وصيام وزكاة وحج وغيرها وهذه الشعائر لا تقبل إلا بتحقق المشاعر والأخلاق والقيم والصدق والأمانة والوفاء وحب أهل الإيمان؛ فها هو رسول الله - صلى الله وعليه وسلم - يُصرح تصريحًا خطيرا ًحين سُئل عن امرأةٍ تصوم النهار وتقوم الليل - شعائرها مائة في المائة لكن ليس عندها مشاعر ولا أخلاق تؤذي جيرانها بلسانها فقال: هي في النار.

اللهم حسّن أخلاقنا وكمّل إيماننا يارب العالمين.

العبادة هي الأصل الأول الذي من أجله خلق الله الحياة، بل هي الأصل الذي من أجله خلق الله السماوات والأرض والجنة والنار، قال تعال: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إلّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ* إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ [الذاريات: 56، 58].

قال احد المفسرين: ليعرفون وآخر قال: ليوحدون.

ومن أجل العبادة أنزل الله الكتب وأرسل جميع الأنبياء والرسل، تدبر معي قول الله سبحانه: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾[الأنبياء: 7].

ومن الناس من عبَد القمر والنجوم والكواكب، كقوم خليل الله إبراهيم، ومن الناس من عبد الجن، ومن الناس من عبد الملائكة، ومن الناس من عبد الحجارة والتماثيل والأصنام.

ويقول أبو رجاء العطاردى كما في الحلية لأبى نعيم بسند صحيح قال: كنا نعبد الحجر في الجاهلية من دون الله فإذا مررنا على حجر هو أحسن من الأول، ألقينا الأول وعبدنا الثاني من دون الله، فإذا لم نجد حجرًا، جمعنا كومة من تراب، ثم أتينا بالغنم فحلبنا اللبن عليها وطفنا بها نعبدها من دون الله جل وعلا.

أنظروا إلى العقول عبدت الأصنام، عبدت التراب من دون الله جل وعلا، ومن الناس من عبَد الناس، عبَد البشر، فلقد عبد اليهود عُزيرًا، ولقد عبَد النصارى عيسى ابن مريم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، والآن تُعبد الطواغيت في الأرض في كل مكان، إلا من رحم ربك جل وعلا، وهناك من يعبد الأفكار من دون العزيز الغفار.

يقول قائل:
آمنت بالبعث ربًا لا شريك له وبالعروبة دينًا ما له ثاني

وقال آخر:
هبوني دينًا يجعل العرب أمة
وسيروا بجثماني على دين بُرهم
سلام على كفر يوحد بيننا
وأهلا وسهلا بعده بجهنم


كبرت كلمةٌ تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا. أسأل الله أن يوفقنا لطاعته، وأن يجنبنا معصيته، إنه خير مسؤول، وصلى الله وسلم على الرسول وعلى آله وصحبه أجمعين.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 28-01-2025, 02:38 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 146,601
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حق الله تعالى

حق الله تعالى (4)

د. أمير بن محمد المدري





الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد:
هذا هو اللقاء الرابع مع حق الله عز وجل، وحق الله تعالى أن نعبده ولا نشرك به شيئًا.

وهل هناك من عبد غير الله في هذه الأرض نعم هناك من عبَد الشمس من دون الله وما هدهد سليمان عنكم ببعيد يوم قال كما قال تعالى: ﴿ وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ﴾[النمل:24].

ومن الناس من عبد القمر والنجوم والكواكب، كقوم خليل الله إبراهيم، ومن الناس من عبد الجن، ومن الناس من عبد الملائكة، ومن الناس من عبد الحجارة والتماثيل والأصنام.

واليوم في عصر الذرة في عصر الحضارة في عصر العلم، تُعبد البقرة من دون الله، فإن في الهند اليوم حتى هذه اللحظة التي أكتب فيها وأتكلم فيها ما يقرب من نصف مليون بقرة تُعبد من دون الله جل وعلا. يقول زعيم الهند الكبير غاندي الذي يكرم على أعلى مستوى يقول: إنه سيظل على عبادة البقر أمام العام أجمع ثم قال: أن أمه البقرة أحب إليه من أمه التي ولدته، لأن أمه البقرة لا تطالبه بحقوقها مثل أمه التي ولدته فإنها تطالبه في الرعاية.

الحمد لله الذي هدانا للإسلام وعلّمنا الحكمة والقران، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

إن خطر الشرك عظيم، فإن الله سبحانه وتعالى يغفر أي ذنب إلا الشرك قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 48].

قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الزمر:65].

وفى الصحيحينمن حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -لما نزل قول الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ﴾[الأنعام:82]. فشقّ ذلك على أصحاب النبي - صلى الله وعليه وسلم -: وقالوا: يا رسول الله أينا لم يظلم نفسه؟ فقال المصطفى - صلى الله وعليه وسلم -: « ليس هذا الذي تذهبون إليه، ألم تقرأوا قول العبد الصالح: ﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾[لقمان:13]. فخطر الشرك عظيم.

والله لو تخلّى الخلق جميعًا على ظهر الأرض عن عبادته واستكبروا عن عبادته سبحانه وتعالى، فإن الله غنى عن الخلق لا تنفعه الطاعة ولا تضره المعصية بل إن الكون كله يعبده ويوحده، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ ﴾ [15، 17): فاطر].

الكون كله يعبد الله ويوحده ويسبحه بتسبيح يجهله الخلق، فوالله لو كشف الله تسبيح الكون لنا لطاشت عقولنا، ماذا لو سمعت الجدار الذي تجلس إليه يسبح والنملة تسبح ولو سمعت الهدهد يسبح والدواب والهوام والحشرات والأشجار والأنهار والبحار. لذا تدبر قول الله جل وعلا: ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ [44: الإسراء]. لماذا قال: إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا؟ ولم يقل: إنه كان عزيزًا حكيمًا.

إنه كان حليمًا بكم إذ لم يكشف لكم تسبيح الكون من حولكم، غفورا لكم على غفلتكم وعنادكم معه جل وعلا، وتدبر معي قول الله سبحانه: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء ﴾ [18: الحـج].

أيها الإنسان المغرور، أيها الإنسان الجحود.
أنظر إلى الكون كله لتتعرف على عظمة الله لتعبده، انظر إلى الكون كله لتتعرف على الله لتحبه، فمن عرف الله وأحبه وعلى قدر الحب تكون العبادة ويكون العمل.

عبد الله: انظر من الكون كله من عرشه إلى فرشه، ومن سمائه إلى أرضه، أنظر إلى السماء وارتفاعها، وإلى الأرض وأتساعها، وإلى الجبال وأثقالها، وإلى الأفلاك ودورانها، وإلى البحار وأمواجها وإلى كل ما هو متحرك، وإلى كل ما هو ساكن، والله إن الكل يقر بتوحيد الله، ويعلن الشكر لله.

يَدُ من التي خلقت السماء ورفعتها بلا عمد؟ يد من التي زينت السماء بالنجوم والشموع والكواكب والأقمار؟ يد من التي خلفت الأرض وأرستها بالجبال والأحجار؟ يد من التي خلقت فيها البحار والأنهار؟ يد من التي خلقت فيها الزهور والأشجار والثمار؟ يد من التي خلقت الإنسان في أجمل صورة وأحسن تقويم؟ يد من التي امتدت إلى عين الإنسان فجعلتها في علبة عظمية قوية متينة حتى لا تتعرض العين إلى الفساد ثم ظللتها بالرموش لتعكس الرموش أشعة الشمس عن العين حتى لا ُتؤذى ثم أحاطت العين بالأهداب حتى لا يتساقط العرق إلى داخل العين فتتلف، يد من؟ إنها يد الله الواحد الأحد عز وجل.

يد من التي خلقت وجعلت ماء العين مالحًا ألا وهو الدمع حتى تقتل الميكروبات التي تتسرب إليها من جديد؟ يد من التي جعلت ماء الأنف حامضا لتتعلق به الأتربة والميكروبات فلا تؤذى داخل الإنسان؟ يد من التي خلقت أذن الإنسان بهذا الجمال والإبداع والإتقان، وجعلت ماء الأذن مُرا حتى لا تتسرب الحشرات إلى أذنك يا ابن آدم وأنت نائم؟ يد من التي خلقت الفم بهذا الجمال والإبداع وجعلت ماء الفم حلوًا حتى يتذوق الإنسان الطيب من الخبيث والحلو من الحامض؟ يد من التي امتدت إلى كوز الذرة فرصت عليه هذه الحبات اللؤلؤية بهذا الإتقان والجمال والإبداع؟ يد من التي امتدت إلى سنبلة القمح فغلفتها بهذه الأغلفة الحصينة ومكنتها وحصتنها بشوك حتى لا تكون حبة القمح داخل الغلفة غذاء للطيور؟ وقد قدّر الملك أن تكون غذاء لك أيها الإنسان الجحود؟

والله لو أذن الله لحبة القمح أن تتكلم وأنصت إليها المخلصون لقالت: سبحان من جعلني طعامًا لفلان أبن فلان.

يد من التي امتدت إلى الماء العذب الفرات وإلى الملح الأجاج فجعلت بينهما برزخا وحجرا محجورا؟ يد من التي خلقتك أيها الإنسان وجعلت في حلقك في مكان يسمى البلعوم بوابة منيعة حصينة تسمى هذه البوابة بلسان المزمار، هذا اللسان لو تعطّل لحظة عن وظيفته لهلكت أيها الإنسان الجحود، فوظيفة هذه البوابة أنها تسد القصبة الهوائية عند البلع وتسد البلعوم عند التنفس ولو أخطأ هذا العضو لحظة لسقطت جرعة ماء أو لقمة صغيرة إلى مجرى التنفس ولو أخطأ هذا العضو لحظة لسقطت جرعة ماء أو قلمة صغيرة إلى مجرى التنفس لهلكت أيها الإنسان المغرور؟ يد من التي خلقت هذا الكون كله بما فيه من جماد وجمال؟.
لله في الآفاق آياتٌ لعل
أقلّها هو ما إليه هداك
ولعل ما في النفس من آياته
عجبٌ عجابٌ لو ترى عيناك
الكون مشحونٌ بأسرار إذا ما
حاولت تفسيرًا لها أعياك
قل للطبيب تخطّفته يد الردى
يا شافي الأمراض من أرداك
قل للمريض نجا وعوفي بعد ما
عجزت فنون الطب من عافاك
قل للصحيح يموت لا من علةٍ
من يا صحيح بالمنايا دهاك
بل سائل الأعمى خطا وسط الزحام
بلا اصطدامٍ من يا أعمى يقود خطاك
بل سائل البصير كان يحذر حفرة
فهوى بها من ذا الذي أهواك
وسل الجنين يعيش معزولا بلا
راعٍ ومرعى من ذا الذي يرعاك
وسل الوليد بكى وأجهش بالبكاء
لدى الولادة ما الذي أبكاك
وإذا ترى الثعبان ينفث سمه
فسله من يا ثعبان بالسموم حشاك
واسأله كيف تعيش يا ثعبان
أو تحيا وهذا السم يملأ فاك





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 28-01-2025, 02:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 146,601
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حق الله تعالى


واسأل بطون النحل كيف تقاطرت
شهدًا وقل للشّهد من حلاك
بل سل اللبن المصفى من بين
فرث ودم من ذا الذي صفاك
وإذا رأيت النبت في الصحراء
يربو وحده فاسأله من أرباك
وإذا رأيت النخل مشقوق النوى
فاسأله من يا نخل شق نواك
وإذا رأيت البدر يسرى ناضرا
أنواره فاسأله من أسراك
وإذا رأيت النار شبّ لهيبها
فاسأل لهيب النار من أوراك
وإذا ترى الجبل الأشم مناطحًا
قمم السحاب فسله من أرساك
وإذا رأيت النار شب لهيبها
فاسأل لهيب النار من أوراك
يا أيها الإنسان مهلًا ما الذي
بالله عز وجل أغراكا؟
سيجيب ما في الكون من آياته
عجبٌ عُجابٌ لو ترى عيناكا
ربِّ لك الحمد العظيم لذاتك
حمدًا وليس لواحد إلاَّكا

إن هذا الإله، ألا يستحق، ألا يستحق أن يُعبد؟ ألا يستحق هذا الإله العظيم أن يوّحد؟ ألا يستحق أن يُطاع؟ ألا يستحق أن يُمتثل أمره؟ ألا يستحق أن يُجتنب نهيه؟ ألا يستحق أن نقف عند حدوده؟ ألا يستحق أن نُطيع رسوله - صلى الله وعليه وسلم -؟

لماذا نعبد الله؟
أولًا: لأن العبادة حق الله علينا فهو خالقنا ورازقنا ومحييينا ومميتنا وحق السيد على العبيد طاعته وامتثال أمره. حق الله الذي أوجدك من العدم ولم تكن شيئا مذكورا، حق الله الذي ربَّاك بالنعم وأنت في بطن أمك في ظلمات ثلاث، لا يستطيع أحد من المخلوقين أن يوصل إليك غذاءك ومقومات نموك وحياتك، أدر لك الثديين، وهداك النجدين، وسخر لك الأبوين، أمدك وأعدك.. أمدك بالنعم والعقل والفهم، وأعدك لقبول ذلك والانتفاع به: ﴿ وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [النحل: 78]. فلو حجب عنك فضله طرفة عين لهلكت، ولو منعك رحمته لما عشت، فإذا كان هذا فضل الله عليك ورحمته بك فإن حقه عليك أعظم الحقوق؛ لأنه حق إيجادك وإعدادك وإمدادك، إنه لا يريد منك رزقًا ولا إطعامًا: ﴿ لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ [طه: 132]. وإنما يريد منك شيئًا واحدا مصلحته عائدة إليك، يريد منك أن تعبده وحده لا شريك له.

ثانيًا نعبد الله لأن العبادة غذاء لأرواحنا، فبدونها سنموت، بدون العبادة سنموت، كما مات أهل الجسد الذين قتلوا الروح قتلا، ماتوا وهم يتحركون بين الناس، إن الإنسان جسد وروح، ومستحيل أن يعيش الإنسان حياة طيبة سعيدة بالبدن دون الروح.

وأنتم تعلمون أن الغرب قد أعطى البدن كل ما يشتهيه من طعام وشراب وشهوات ونساء وملذات وعلم وتكنولوجيا إلى آخره، أعطى الغرب البدن كل ما يشتهيه البدن، وبقيت الروح في أعماق البدن، تصرخ تبحث عن دواء وغذاء فوقف الغرب أمام الروح عاجزًا لا يملك شيئًا، إذ لا يعلم دواء الروح وغذاء الروح إلا خالق الروح جلا وعلا: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلًا ﴾ [ الإسراء: 85].

وإن انتشار عيادات الطب النفسي وحالات الانتحار الجماعي والفردي في الشرق والغرب لمن أعظم الأدلة العملية على ما يعانيه الغرب في الجانب الروحي من قلق وشك وضنك واضطراب.

فنحن نعبد الله؛ لأن العبادة غذاء الروح، ومن عرف الله أحبه وشعرت روحه بالسعادة بل وشعر بدنه بالسعادة، لا يشعر المسلم بالأنس والسعادة إلا في رحاب الله وفى ذكر الله وفى الصلوات لله، وفى طاعة الله، وفى السجود بين يدي الله قمة السعادة للمسلم من عرف الله أحبه الله.

ثالثًا: نعبد الله طمعا في جنته وخوفا من ناره:
فهذا سيد الموحدين وقدوة المحققين محمد بن عبد الله يسأل الله الجنة ويستعيذ به من النار بل ويأمر أمته في كم هائل من الأحاديث الصحيحة أن يسألوا الله الجنة، وأن يستعيذوا به من النار.

وفى الحديث الجليل الجميل الرقيق الذي رواه أحمد والترمذي والبيهقي وابن حبان وأبو داود وغيرهم، وصححه شيخنا الألباني في صحيح الجامع من حديث أبى هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله وعليه وسلم - سأل يوما صحابيًا من أصحابه: « ماذا تقول في الصلاة؟ »- أي: ماذا تدعو أي: بماذا تدعو الله جل وعلا- فقال الصحابي: والله يا رسول الله إني أسأل الله الجنة وأعوذ به من النار فإني لا أُحسن دندنتك ولا دندنة معاذ- الدعوات الجميلة التي تدعو بها أنت ومعاذ أنا لا أحسنها ولا أعرفها، إنما أدعوا الله بدعوتين أقول: اللهم إني أسألك الجنة، وأعوذ بك من النار فقال المصطفى- صلى الله وعليه وسلم -: »حولها ندندن أنا ومعاذ«وفى رواية: » وهل نسأل الله إلا الجنة وأن يُعيذنا من النار».

حقوق الله علينا:
أولًا: العبادة:
قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إلّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56] وهذه لا يختلف فيها الناس: ﴿ إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إلّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ﴾ [مريم: 93] والله يطلب من الإنسان أن يقترب منه بالعبودية، ولا تقترب إلى الله ولا يحبك إلا إذا عبدته، وفي صحيح البخاري أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال عن الله عز وجل أنه قال: « وما تقرب إلي عبدي بأحب مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به».

دل الحديث على أنه كلما اقتربت من الله بالنوافل قربك، وأن أقرب الناس منه العابدون، قال عن الأنبياء: ﴿ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ [الأنبياء: 73].

ومن حق الله علينا الاستعانة به:
فلا نستعين إلا به سبحانه وتعالى قال رسول الله - صلى الله وعليه وسلم -: « وإذا استعنت فاستعن بالله » وهذا فيه تفصيل لأهل العلم قالوا: يستعان بالبشر فيما يقدر عليه البشر، فلك أن تستعين بالإنسان أن يحمل معك غرضًا في سيارتك أو أن يوصلك مكانًا أو يدلك على مقصد، أو أن يبني معك بيتًا، لكن الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله حرام أن تستعين فيها بغير الله كالمشافاة والمعافاة، وطلب الرزق، والإماتة والإحياء، وتسهيل الأمور وتفريج الكرب، لا يستطيع عليها ولا يقدر عليها إلا الله قال تعالى: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ﴾ [النمل: 62].

الحق الثالث الاستغاثة بالله:
قال تعالى: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ﴾ [الأنفال: 9] قيل عن معروف الكرخي أنه كان يجلس في المجلس الواحد ويقول: واغوثاه! واغوثاه! أكثر من ألف مرة، فقيل له في ذلك، فقال أما سمعتم قول الله تعالى: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ﴾ [الأنفال: 9] فلا تستغث إلا به سبحانه وتعالى، والناس يظنون أن بعض الناس له يد في الرزق والأجل، وأن بوجوده أو بحضوره أو بحصوله أو ببركته ينزل الغيث، وهذا شرك بالواحد الأحد، لا ينزل الغيث إلا الله، ولا يعلم ما في الأرحام إلا الله.

والحق الرابع من حقوق الله تعالى الرجاء:
نعم الرجاء: أن ترجو الواحد الأحد، فلا يرجى إلا هو سبحانه وتعالى لدفع المكروه، وتجد بعض من يشرك في مسألة الرجاء يرجو غير الله أكثر من الله، ويقول للناس: أنتم الذي سهلتم هذه المسألة ولو لم تفعلوا ما تسهلت، وهذا شرك بالمولى، فوالله الذي لا إله إلا هو إن لم يسهلها الله ما تسهلت، ويقول لي آخر: أنت الذي فعل وصنع، وأنت الذي قرر، وأنت الذي سهل، وأنت الذي يسر، ونسي الواحد الأحد، فمقاليد الأمور بيد الواحد الأحد، بيده تفل الحبال وتفتل، تبارك الله رب العالمين!

الحق الخامس الخوف من الله، قال تعالى: ﴿ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 175] وقال تعالى: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا [الأنبياء: 90].

إن الإنسان قد يخاف من الأسد، ويخاف من الثعبان، فهذا مركب في الفطرة، لكن بعض الناس يخاف من بعض الناس أن يمنعه الرزق أو يعطله من الحياة، أو يغير عليه القضاء والقدر، أو يمنعه من الولد أو غير ذلك، وهذا سوء ظن بالمولى سبحانه وتعالى، ويدخل في المسألة: « وإذا سألت فاسأل الله » فلا تسأل فيما لا يقدر عليه غير الله عز وجل إلا الله تبارك وتعالى، فإذا سألت غيره ما كان لك من نصيب، وما لُبِّيَ طلبك وخسرت الدنيا والآخرة.

ومن حق الله علينا سادسًا عدم الذبح لغير ه جل وعلا:
ومعناه: ألا يذبح ذبيحته لغير الله عز وجل، كأن يتقرب بها إلى وثن أو مخلوق أو إلى دفع ضر أو جلب منفعة، الذين يذبحون عند الكهنة والمشعوذين أو يوصوهم بالذبح في صور متعددة، وبعضهم إذا بنا البيت ذبح ليخرج الجن، ولئلا يسكن الجن في البيت، وبعضهم يذبح إذا وصف له مرض مريض فقالوا: لا يشفى مريضك حتى تذبح له تيسًا أسود أو تيسًا أبيض. وهذا هو عين الشرك بالله تعالى. أسأل الله أن يوفقنا لطاعته، وأن يجنبنا معصيته،، إنه خير مسؤول، وصلى الله وسلم على الرسول وعلى آله وصحبه أجمعين.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 136.33 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 132.40 كيلو بايت... تم توفير 3.92 كيلو بايت...بمعدل (2.88%)]