من مفردات غريب القرآن - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         ولا تبغوا الفساد في الأرض (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          تحرر من القيود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          فن التعامـل مع الطالبات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 28 - عددالزوار : 781 )           »          العمل السياسي الديـموقراطي سيؤثر في الصرح العقائدي وفي قضية الولاء والبراء وهي قضية م (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          العمل التطوعي.. أسسه ومهاراته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 9 - عددالزوار : 131 )           »          طرائق تنمية الحواس الخمس لدى الطفل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 19 )           »          حقيقة العلاج بالطاقة بين العلم والقرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 29 )           »          الله عرفناه.. بالعقل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          افتراءات وشبهات حول دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 7 - عددالزوار : 94 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26-02-2022, 05:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي من مفردات غريب القرآن


من مفردات غريب القرآن(1)
وحيد عبدالله أبو المجد



(الإيلاَف)








إِيلافًا ومؤالفةً، وآلفَ فلاناً جعله يأْلفه، آلَفَهُ فِي أَوْقَاتِ الشِّدَّةِ؛ أي آنَسَهُ وعَاشَرَهُ، والإيلاَف هو عقد أمان واتفاق ببين القبائل أو الدول أو الأشخاص، وهو أيضًا عقد لتأمين خروج التجار من أرض إلى أرض[1]؛ قال تعالى: ﴿ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾ [قريش: 1 - 4].







سبحان الله، فمن معجزات القرآن الكريم أن كل حرف فيه هو تحدٍّ لكل الخلائق على أن يأتوا بمثله، وفي هذه السورة على قصرها معجزة ممثلة في حرف (اللام) المكسورة التي استهلت بها السورة المباركة، وقول علماء اللغة: (اللام) في قوله تعالي (لِإيلاف) تحتمل وجوها ثلاثة:



(إما أن تكون متعلقة بالسورة التي قبلها، أو بالآية التي بعدها، أو لا تكون متعلقة لا بما قبلها ولا بما بعدها).







الوجه الأول: وهو أن تكون متعلقة بما قبلها في سورة الفيل قال تعالى: ﴿ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ﴾ [الفيل: 5]؛ أي أهلك الله أصحاب الفيل لتبقى قريش وما قد ألفوا من رحلة الشتاء والصيف.







القول الثاني: وهو أن اللام متعلقة بقوله: ﴿ فَلْيَعْبُدُواْ ﴾، وهو قول الخليل وسيبويه، والتقدير: فلْيعبدوا رب هذا البيت لإيلاف قريش؛ أي ليجعلوا عبادتهم شكرًا لهذه النعمة واعترافًا بها،







فإن قيل: فلِمَ دخلت الفاء في قوله: ﴿ فَلْيَعْبُدُوا ﴾؟ قلنا: لِمَ في الكلام من معنى الشرط، وذلك لأن نعم الله عليهم لا تحصى).







القول الثالث: أن تكون هذه اللام غير متعلقة لا بما قبلها ولا بما بعدها، وإن هذه (اللام) لام التعجب، كأن المعنى: اعجبوا لإيلاف قريش؛ وذلك لأنهم كل يوم يزدادون غيًّا وجهلًا وانغماسًا في عبادة الأوثان، والله تعالى يؤلف شملهم، ويدفع الآفات عنهم، وينظم أسباب معايشهم، وذلك لا شك أنه في غاية التعجب من عظيم حِلم الله وكرمه، وهذا اختيار الكسائي والأخفش والفراء[2].







وكان أول من قام بتلك العقود هو هاشم بن عبد مناف، وكانت القصة كالتالي:



أولًا: (قضية الاعتفار عند العرب قديًما)، ما المقصود بتِلْكُم القضية (الاعتفار): كانت هناك عادة عند القرشيين هي أنه إذا (افتقر) أحدهم؛ أي لم يجد قوت يومه، ينصب خيمة في مكان معلوم في مكة، وتكون الخيمة مفتوحة من أسفل (أي أعلى من الأرض قليلًا)، ويقوم الرجل وزوجته وأولاده وأهل بيته بالركض والتعفير، حتى يظهر الغبار خارج الخيمة ويغطيها تمامًا، حتى إذا رأوا أهل مكة هذه العفرة علموا أن هناك فقيرًا.







وذات مرة قام بتلك الفَعلة (سيد بني مخزوم) إحدى قبائل قريش قديمًا، فرآه هاشم بن عبد مناف، وتعجب حينئذ وعاب على أن سيد بني مخزوم لم يكن لديه قوت يومه، بعدما سرق اللصوص وقطاع الطرق قوافله التي كان يتاجر فيها، فخرج ووقف ينادي على باب الكعبة وقام خطيبًا فيهم، يذكِّر بحال بني مخزوم الذين كانوا منا بالأمس أغنياءَ، واليوم هم من يعتفرون؟!







فقال الرجل: لا بد من أن نقوم بعقد أمان بيننا وبين بلاد فارس، فارتحل إلى هنالك وقام بعقد اتفاق أمان بين البلدين، وسبحان الله العظيم، فإن قُطَّاع الطرق واللصوص قديمًا قد احترموا هذا الاتفاق وهو الإيلاف.







وقد سمى الله عز وجل هذه العقود بهذا الاسم، وقد أنزل الله أيضًا الأمان على هذه العقود، وأكمَل إخوة هاشم بن عبد مناف الثلاثة باقي العقود (مع الهند والشام ومصر وحمير).








وكانت تلك العقود (الأربعة) تؤمن التجارة وقوافلها بين تلك البلاد ومكة.







ثانيًا: كانت تلك العقود تقوم أيضًا على المساهمة بين أغنياء وفقراء تلك البلاد، ولقد أخذ منها الفقهاء بعد ذلك ما يسمى الآن (بشركات المساهمة)[3].








[1] المعجم الوسيط.




[2] مفاتيح الغيب للرازي رحمه الله.




[3] سيرة ابن هشام، ومن مقتطفات درس الفقه؛ للدكتور أحمد سبالك حفظه الله.








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 31-03-2022, 06:25 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من مفردات غريب القرآن

من مفردات غريب القرآن(2)
وحيد عبدالله أبو المجد

(مَوْبِقًا)


بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ولاه.

مَوْبِقًا؛ أي هلاكًا، جزر وبق: إذا تثبط فهلك، يقال وَبَق الرجلُ يَبِقُ وَبْقًا ووبُوقًا ووَبِقَ وَبْقًا واسْتَوْبَق؛ أي (هلك)، وقال الفراء: (أَوْبَقَتْ فلانًا ذنوبه أي أهلكته).

والمَوْبِقُ مَفْعِل منه كالمَوْعِد مَفْعِل من وَعَدَ.

وقال ابن الأَعرابي: (كل حاجز بين شيئين فهو مَوْبِق).

ويقال: وبِقَتِ الإبلُ في الطين إذا وَحَلَتْ فنشِبَتْ فيه[1].

قال تعالى: ﴿ وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا ﴾ [الكهف: 52].

لقد أخبر سبحانه وتعالى أنه لا سبيل لهؤلاء المشركين، ولا وصول لهم إلى آلهتهم التي كانوا يزعمون في الدنيا، وأنه يفرق بينهم وبينها في الآخرة، فلا خلاص لأحد من الفريقين إلى الآخر، بل بينهما مهلك وهول عظيم وأمر كبير[2].

وقال تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ * إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ * أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 32 - 34].

ومن آياته الجواري في البحر كالأعلام، أي ومن علاماته الدالة على قدرته السفن الجارية في البحر، كأنها من عظمها أعلام، والأعلام الجبال، والجواري جمع جارية، وسميت جارية؛ لأنها تجري في الماء، والجارية هي المرأة الشابة أيضًا، وسميت بذلك لأنها يجري فيها ماء الشباب[3].

نعم لو شاء سبحانه لأرسل الريح قوية عاتية، فأخذت السفن وأحالتها عن سيرها المستقيم، فصرفتها ذات اليمين أو ذات الشمال، آبقة لا تسير على طريق، ولا إلى جهة مقصد.

️وهنا مسألة...
ربما يقول قائل: إن السفن الآن تسير بالمحركات والوقود وليس بالرياح؟!
فما تفسير ذلك..؟
أذكر هنا قول الشيخ محمد صالح المنجد حفظه الله في إشارة جليلة في هذا المقام، قال:
إن الله تعالى ذكر في كتابه الكريم أنه سبحانه هو الذي يسيِّر الفلك بأمره، وهذا حكم عام يشمل كل ما يسير في البحر، وبأي وقود كان، ومنه قوله تعالى في سورة الحج: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ ﴾.

فهذا كاف في بيان المقصود، وأنه مهما كانت السفن تعبر البحار والمحيطات، فإنها تسير بأمر الله تعالى، وهو سبحانه القادر على تسكين الريح في السفن الشراعية، ليس عاجزًا عن إيقاف المحركات المصنوعة من البشر العاجز الضعيف، أو تقدير ما به يكون تلف السفينة وغرق أهلها.

ولنعتبر جميعًا بالسفينة العملاقة (تايتنك) ومعناها (القوة الهائلة أو الجبارة) التي سارت في (المحيط الأطلنطي) من بريطانيا إلى أمريكا عام 1912م، كما نعلم..

وقد بلغت الجرأة بأحد موظفي الشركة المصنعة للسفينة أن يقول: (حتى الله نفسه لا يستطيع إغراق هذه السفينة)، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي القدير، وهو لسان حال كثيرين ممن رأى الاحتياطات التي في السفينة من أجل ألا تغرق.

فكان أن قدَّر الله لها جبلًا جليديًّا، (ماء تجمد؛ أي من نفس المادة التي تسير عليها السفينة، تجمعت وأصبحت جليدًا، وتراكمت حتى أصبحت كالأعلام لتغرقها بأمر الله).

فمن الذي جرت تلك السفينة العملاقة بأمره؟ ومن الذي قدَّر عليها الغرق؟
أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنه نظام كوني خلقه العلي القدير ويسيِّره كيف يشاء..

إنه سبحانه القادر ويسبِّب الأسباب وما البشر إلا عبيد ضعفاء، لا يملكون من أمرهم شيئًا ولننظر إلى حالنا الآن، شيء لا يرى بالعين المجردة (فيروس) يوبق البشر، ويقف العالم أجمع عاجزًا لا يملك من أمره شيئًا، ولكن خالق الداء هو خالق الدواء سبحانه، وكل شيء بقدرته ويسبب الأسباب.

اللهم إنا نسألك من عظيم قدرتك وعزائم مغفرتك، ومنجيات أمرك السلامة من كل مكروه وسوء، فنحن عبادك، ارحمنا برحمتك يا رب التي وسعت كل شيء، يا أرحم الراحمين.

[1] القاموس المحيط، ومن لسان العرب.

[2] تفسير القرآن العظيم لابن كثير.

[3] الجامع لأحكام القرآن للقرطبي.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 28-04-2022, 01:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من مفردات غريب القرآن

من مفردات غريب القرآن(3)
وحيد عبدالله أبو المجد




(عِوَجًا)



عوجًا؛ أي: انحراف وعدم استقامة؛ قال الأصمعي: اعْوَجَّ اعْوِجاجًا على افْعَلَّ افْعِلالًا، ولا يقال: مُعَوَّجٌ على مُفَعَّلٍ إِلاَّ لعُود أَو شيءٍ يُركَّب فيه العاجُ[1].

قال تعالى: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا ﴾ [الكهف: 1].

وقال تعالى في سورة الزمر: ﴿ قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ ﴾ [الزمر: 28].

وكتاب الله عز وجل يراد به كل ما يحتويه على أحكام وآداب وحقائق ومعارف إلهية، وهي مكتوبة مفروضة للإنسان أن يقرأها ويعمل بها وهي تكاليف لسعادته وكماله، نعم (لسعادته وكماله).

والكتاب عدلًا قيمًا، وكما قال ابن عباس رضي الله عنهما أنه سبحانه أنـزل الكتاب قيمًا مستقيمًا لا اختلاف فيه ولا تفاوت، بل بعضه يصدق بعضًا، وبعضه يشهد لبعض، لا عوج فيه، ولا ميل عن الحق[2].

ولنا هنا وقفة (لنبيِّن الفرق بين كسر عين العوج وفتحها).

العِوج بكسر العين (عِوج) إنما تكون في المعاني والسلوكيات.

أما العَوج بفتح العين (عَوج) يكون في المحسوسات، كأي شيء مادي فنقول فيه: عَوج بالفتح، وإذا انحرف إنسان عن مقصدة ومنطقة نقول به عِوج بالكسر، ومثل هذا قال ابن الأثير: حيث قال: إذا كان لفظ عوج، إذا كان بالكسر (عوج) بما ليس بمرئي كالرأْي والقول، أما إن كان بفتح العين (عَوج)، فيكون مختص بكل شخص مرئي كالأَجسام، إذًا فمن استقام على هدى الكتاب الجليل لا يكون عنده عِوج ولا انحراف ولا ضلال، إنما يكون هذا العَوج والانحراف والضلال ممن حاد عن الكتاب.
سبحان الله..

والكتاب أخي الكريم ليس به شقاء أبدًا، بل فيه سعادة دائمًا، والكتاب ليس عِبْئًا على الإنسان في الحياة الدنيا، بل هو وسيلة لتعيش سعيدًا عندما تتبع هدْيه، ولعلَّنا في تلكم الأيام عندما بعدنا عن كتاب الله، ولم نأتمر بما أمرنا به، ولم نلتزم بما نهانا عنه، وأصبحنا في اعِوجاج عن مقصدنا الفطري في أقوالنا وأفعالنا وسلوكياتنا، أحلَّ الله علينا هذا الوباء بما كسبته أيدينا؛ ليذيقنا من بعض اعِوجاجنا هذا، لعلنا نرجع إلى الطريق السليم القويم، ونعود إلى فطرتنا السوية التي خلق الله عليها الخلق، حتى تستقيم بنا الحياة.

وأخيرًا أذكِّر نفسي وإياكم أن من النعم قد تزول عنك أو تزول أنت عنها بانتهاء حياتك الدنيا، إلا نعمة (الإيمان) فهي نعمة باقية معك في الدنيا وفي الآخرة.

نسأل الله من فضله أن يوفِّقنا لطاعته، وأن يَمُنَّ علينا بنعمة الإيمان، وأن يجمعنا جميعًا في أعلى درجات الجنان.

[1] (لسان العرب) و(معجم المعاني الجامع).

[2] من تفسير الطبري.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 28-04-2022, 01:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من مفردات غريب القرآن

من مفردات غريب القرآن(4)
وحيد عبدالله أبو المجد



(ليصرمنها)


الصَّرْم: (صَرَمَهُ يَصْرِمُهُ صَرْمًا وصُرْمًا فانْصَرَمَ).

وقال سيبويه: وقالوا للصارم: صريم، كما قالوا: ضريب، وهو القطع البائن، وفي "التهذيب": الصرم: الهجران في موضعه، وصرمه صرمًا؛ أي: قطع كلامه.

وقال الجوهري: الانصرام الانقطاع، والتصارم التقاطع، والتصرم التقطع، وتصرم؛ أي: تجلَّدَ.

والصُّرُمُ: هي جمع صريمٍ.

وسيف صارم وصروم؛ أي: سيف قاطع، وقيل: الصريمة؛ أي: إحكامك أمرًا وعزمك عليه، والصرامة: أي: المستبد برأيه، المنقطع عن المشاورة، والصريم: أي: الصبح؛ لانقطاعه عن الليل.

وهو أيضًا الليل؛ لانقطاعه عن النهار.

ويقال: انصرام الأيام؛ أي: انقضاؤها، انصرم الليل؛ أي: ذهب، وانصرم الشتاء؛ أي: انقضى.

وصرم النخل والشجر؛ أي: جَزَّهُ.

والصريمة أيضًا هي الأرض المحصود زرعها[1].

قال تعالى في سورة القلم: ﴿ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلَا يَسْتَثْنُونَ * فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ ﴾ [القلم: 17 - 20].

وفي تفسير الآية: أصل الابتلاء الاختبار كما نعلم.

وقد رُويت قصة في كتب التفاسير بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: "كانت تلك الجنة دون صنعاء بفرسخين، غرسها رجل من أهل الصلاح، وكان له ثلاثة بنين، وكان للمساكين كل ما تعداه المنجل، فلم يجزه، أو طُرح على البساط من بعد حصادهم، فهو للمساكين، فإذا درسوا، كان لهم كل شيء انتثر، فكان أبوهم يتصدق منها على المساكين، وكان يعيش في ذلك في حياة أبيهم اليتامى والأرامل والمساكين، فلما مات أبوهم، فعلوا ما ذكر الله عنهم، فقالوا: قلَّ المال، وكثر العيال، فتحالفوا بينهم ليغدون غدوة قبل خروج الناس، ثم ليصرمنها، ولا تعرف المساكين؛ وهو قوله تعالى: ﴿ إِذْ أَقْسَمُوا ﴾ [القلم: 17]؛ أي: حلفوا، ﴿ لَيَصْرِمُنَّهَا ﴾ [القلم: 17]؛ ليقطعن ثمر نخيلهم، إذا أصبحوا بسدفة من الليل؛ لئلا ينتبه المساكين لهم.

يقال: وأصرم النخل؛ أي: حان وقت جزه، كما أشرنا آنفًا.

ولكن إن ربك لبالمرصاد، فطاف عليها أمره سبحانه، وهم نائمون، فأصبحت كالصريم[2].

أي: أصبحت جنتهم محترقة سوداء، كسواد الليل المظلم.

نعم، فلما صار هؤلاء القوم إلى جنتهم، ورأوها محترقًا حرثها، أنكروها وشكوا فيها، هل هي جنتهم أم لا؟

فقال بعضهم لأصحابه ظنًّا منه أنهم قد أغفلوا طريق جنتهم، وأن التي رأوا غيرها.

قال: إنا - أيها القوم - لضالُّون طريق جنتنا، فقال من علم أنها جنتهم، وأنهم لم يخطئوا الطريق: بل نحن قد حُرمنا منفعة جنتنا بذهاب حرثها؛ وذلك بسبب الطمع[3].

سبحان الله العظيم!

ولنا هنا وقفة مع حق المساكين على الأغنياء مما آتاهم الله من فضله، وبعض المسائل في زكاة الزروع والثمار.

يشترط لوجوب الزكاة في الزروع والثمار يوم حصاده، وليس فيه حول، وأن يبلغ النصاب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة)).

والنصاب خمسة أوسق، ولا شيء فيما دونها، وهذا مذهب الجمهور.

والوسق: ستون صاعًا بالإجماع، والصاع: أربعة أمداد، والمد: ملء اليدين المتوسطتين غير مقبوضتين ولا مبسوطتين، فالنصاب ثلاثمائة صاع... وقد يختلف الصاع من بلد لآخر، ولهذا قدر العلماء صاع النبي صلى الله عليه وسلم بالوزن، وهو ما يساوي كيلوين وأربعين جرامًا من البُرِّ الجيد، فيؤتى بهذا الوزن ويوضع في إناء، فإذا ملأه، فهذا هو الصاع النبوي الذي يُعتمد عليه في الكيل.

وتكون الزكاة من الحبوب والثمار التي تكال وتدخر: كالتمر، والزبيب، والحنطة، والشعير، والأرز، والذرة، وغير ذلك، فالنصاب خمسة أوسق، فإذا كان أقل فلا زكاة فيه، إلا إذا كان للتجارة فيزكى زكاة التجارة.

ولا يمنع الدين وجوب الزكاة في الزروع والثمار، وهذا مذهب الجمهور، أيضًا.

ومقدار الزكاة كل ما سقي من الزرع أو الثمر بلا مؤونة؛ فالواجب فيه العشر، وما سقي بمؤونة، فالواجب فيه نصف العشر... لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريًّا العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر))[4].
نسأل الله أن يفقهنا في ديننا وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وجزاكم الله خيرًا.

[1] لسان العرب.

[2] من تفسير القرطبي والطبري رحمهما الله.

[3] من تفسير القرطبي والطبري رحمهما الله.

[4] رواه البخاري ومسلم.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 22-05-2022, 10:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من مفردات غريب القرآن

من مفردات غريب القرآن(5)
وحيد عبدالله أبو المجد

(المكْر)


مَكَرَ يَمْكُرُ مَكْرًا ومَكَرَ به؛ قال الليث: (المَكْرُ احتيال في خُفية)، وقال ابن سيده: (المَكْرُ الخَدِيعَة والاحتيال)[1].

ومعنى المكْر اصطلاحًا: (المكْر ما يَقْصد فَاعله في بَاطِنه خلاف ما يَقْتَضِيه ظَاهره)[2].

قال تعالى في سورة آل عمران: ﴿ وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾ [آل عمران: 54].

قد يسأل سائل: كيف يمكر الله تعالى؟
وهنا لنا وقفة للإيضاح وزوال أي استشكال قد يطرأ في فهم الآية المباركة.

ومن فضل الله وتوفيقه أن القرآن يفسر بعضه بعضًا، وعندنا التفسير بالأحاديث المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأيضًا اجتهاد العلماء الأجلاء، فكل ذلك يبين لنا الإجابة الشافية الكافية، بإذنه تعالى.

قال الزجاج: "مكر الله هو مجازاتهم على مكرهم، فسمي الجزاء باسم الابتداء؛ كقوله تعالى: ﴿ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [البقرة: 15].

وقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ ﴾ [النساء: 142].

وقال تعالى: ﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾ [الأنفال: 30]"[3].

من هنا يتبين لنا أن مكر الله لا يستخدم إلا في رد البلاء، ودفع الضرر عن المؤمنين الذين يمكر بهم فئة من الناس.

وهو لا شك (مكر محمود)؛ إذ إن المكر من الله تعالى جزاء سُمي باسم مكر المجازي؛ كما قال تعالى: ﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ﴾ [الشورى: 40]، فالثانية ليست بسيئة في الحقيقة، ولكنها سميت سيئة لازدواج الكلام، وكذلك قوله تعالى: ﴿ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ ﴾ [البقرة: 194]، فالأَول ظلم والثاني ليس بظلم، ولكنه سمي باسم الذنب ليُعلم أَنه عقاب عليه وجزاء به، ويجري مجرى هذا القول كما بينا من سياق الآيات، فالمكر ليس شرًّا في حد ذاته، بل يتم تصنيف المكر بأنه مكر فاسد أو مكر صالح بتحديد الغاية من ورائه.

أما مكر المنافقين وغيرهم الذين يمكرون بالمؤمنين، هذا مكر مذموم، لأنه يُتحرى به فعل قبيح؛ كما في قوله تعالى: ﴿ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ﴾ [فاطر: 43].

وقوله تعالى: ﴿ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [النمل: 51].

وحتى يتبين لنا الأمر بصورة أوضح، هنا في تلكم الآية سنعلم الفرق بين المكر المحمود والمذموم في قوله تعالى: ﴿ وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [النمل: 50].

(مكروا مكرًا): هذا مذموم، (ومكرنا مكرًا) هذا هو المحمود؛ لأنه سبحانه يحيق مكرهم ويجعله مردودًا عليهم.

ومن السنة النبوية أيضًا نتعلم فدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم؛ كما جاء في سنن أبي داود وابن ماجه، وأحمد، والترمذي واللفظ له: ((اللهم امْكُرْ لِي ولا تَمْكُرْ عليَّ)).

وكما في شرح العلماء للحديث: ((وامْكُرْ لي))؛ الْمَكْرُ هو الخِداعُ، وهو مِن اللهِ إيقاعُ بَلائِه بأعدائِه مِن حيثُ لا يَشعُرون في قابلة مكرهم، وهو صِفةُ كَمالٍ في حَقِّه تعالى؛ أي: أنزِلْ مَكْرَك بمَن أراد بي شَرًّا وسوءًا، وارزُقْني الحيلةَ السَّليمةَ، والطَّريقةَ الْمُثْلى في دَفْعِ كَيْدِ عدوِّي، فأَسْلَمَ مِن كَيدِهم وشَرِّهم.

((ولا تَمكُرْ علَيَّ))؛ أي: ولا تَهْدِ عدُوِّي إلى طريقِ دَفْعِه إيَّاي عن نفسِه، ولا تُعامِلْني بسُوءِ نيَّتي، فأغتَرَّ وأتجاوَزَ الحَدَّ مِن حيثُ لا أشعُرُ فأَهلِكَ[4].

فالمكر من صفات اللهِ تعالى الفعلية المقيدة التي تقع بمَشيئتِه، فلا تطلق على الله تعالى إلا في سبيل المقابلة والجزاء لمن يمكر به تعالى وبأوليائه.

نسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا.

[1] الصحاح للجوهري، تاج العروس للزبيدي.

[2] معجم مقاليد العلوم في الحدود والرسوم.

[3] من تفسير القرطبي رحمه الله.

[4] شرح الأدب المفرد.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 19-06-2022, 07:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من مفردات غريب القرآن

من مفردات غريب القرآن(6)
وحيد عبدالله أبو المجد




(الْمُهْل)








الْمُهْلُ: هو اسْمٌ يَجْمَعُ مَعْدِنِيَّاتِ جَوَاهرِ الأرض الْمُذَابُة من نُحَاسٍ، وحديد، وغيرهما، وقيل: الْمُهْلُ دُرْدِيُّ الزَّيْتِ، أو الزيت المغلي، وقَيل أَيْضًا: هو الْقَيْحُ وَالصَّدِيدُ[1].







قال تعالى: ﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا ﴾ [الكهف: 29].







ولنا هنا وقفة في تفسير قوله تعالى: ﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾ [الكهف: 29]، هل هذا إذنٌ من الله بارتكاب المعاصي؟ هل هذا معناه إذنٌ بالكفر؟ حاشا لله، ولا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.







فما زال بعض السفهاء يروِّجون للكفر والإلحاد، أو يجعلون القرآن عِضِين؛ أي: يقطعون منه تبعًا لأهوائهم، وآخرون قد يصرفون تأويل الآيات عن جهل وعدم علم.







وفي تفسير قوله تعالى: ﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾ [الكهف: 29]؛ فقد رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أي: من شاء الله له الإيمان آمن، ومن شاء له الكفر كفر؛ وهو قوله تعالى: ﴿ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ﴾ [الإنسان: 30][2].







فمن آمن فقد وُفِّق للصواب، ومن كفر فقد قامت عليه الحجة، وليس بمكرَهٍ على الإيمان؛ كما قال تعالى: ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ﴾ [البقرة: 256]، وليس في قوله: ﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾ [الكهف: 29] الإذنُ في كلا الأمرين، وإنما ذلك تهديد ووعيد لمن اختار الكفر بعد البيان التام[3].







إذًا هذا ليس بترخيص للكفر أو تخيير بين الإيمان والكفر، وإنما إذا شاء الله لعبدٍ أن يشرح صدره للإيمان، وفَّقه للعمل الصالح؛ إذ يقذف الله سبحانه في قلبه نورًا، فينشرح له صدره، وإنَّ مَن لم يردِ الله به خيرًا ضيَّق صدره، وأبعد فهمه، ويسَّر له سبيل الضلال؛ كما في قوله تعالى: ﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنعام: 125].







(يُضله)؛ أي: لا تصل إليه الموعظة، ولا يدخله نور الإيمان، لِرِيْن الشرك عليه، و(الحرج): جمع (حَرَجة)، وهي الشجرة تكون بين الأشجار التي لا تصل إليها راعية ولا وحشيَّة ولا شيء، كذلك قلب المنافق لا يصل إليه شيء من الخير؛ كما قال سيدنا عمر رضي الله عنه.







وقد يسأل سائل: إذا كان قد سبق الكتاب بسعادة السعيد وشقاوة الشقي، فنحن مسيرون، ولسنا مخيرين، ولا داعيَ للعمل والعبادة، فنتكِّل.







كل إنسان ميسَّر لِما خُلِق له، نعم، الأجل مكتوب، والرزق مكتوب، إذًا لا تشترِ الطعام، ولا تشقَ بالعمل؛ فرزقك مكتوب، وإذا جيء بالطعام إليك، فلا تأكل؛ لأن الأجل مكتوب.







وقد أجاب النبي صلى الله عليه وسلم على نحو هذا الإشكال، منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام؛ كما روى البخاري ومسلم من حديث علي رضي الله عنه، قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذات يوم جالسًا، وفي يده عود ينكُت به، فرفع رأسه، فقال: ما منكم من نفس إلا وقد عُلِم منزلها من الجنة والنار، قالوا: يا رسول الله، فلِمَ نعمل؟ أفلا نتكِّل؟ قال: لا، اعملوا، فكل ميسَّر لِما خُلِق له، ثم قرأ: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾ [الليل: 5، 6]، إلى قوله: ﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾ [الليل: 10])).







ومن حديث أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏: ((خلق الله عز وجل آدمَ حين خلقه فضرب كَتِفَه اليمنى، فأخرج ذريةً بيضاءَ كأنهم الذَّرُّ، وضرب كتفه اليسرى فأخرج ذرية سوداء كأنهم الحمم،‏ فقال للذي في يمينه‏:‏ إلى الجنة ولا أبالي‏،‏ وقال للذي في كفه اليسرى‏:‏ إلى النار ولا أبالي‏))[4].







إذاً قوله: ((كل ميسر لما خلق له)) لا تفيد الجبر، وإنما علم الله عز وجل أن هؤلاء سيعملون بعمل أهل السعادة، فيسَّر الله لهم من فضله لعمل أهل السعادة، وإن كان هؤلاء من أهل الشقاء والنار سيعملون بعمل أهل النار؛ لأنه سبحانه يعلم ما في نفوسهم من الخُبث؛ وكما قال تعالى: ﴿ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ [الأنعام: 28].







أي: ولو وصل الله لهم دُنيا كدنياهم، لعادوا إلى أعمالهم أعمالِ السوء؛ ولذلك سيتركهم الله جل وعلا لأنفسهم؛ يعني سيخذلهم، فإذا خذلهم يُسِّر لهم سبيل الضلال.







يعني: التيسير لأهل الجنة فيه زيادة فضل، والتيسير لأهل النار فيه سلب الفضل.








نسأل الله أن يهديَنا وإياكم سُبل السعادة في الدنيا والآخرة، وأن يجعلَنا من عباده الصالحين المخلصين.







[1] لسان العرب.




[2] معالم التنزيل (تفسير البغوي).





[3] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (للسعدي).




[4] رواه أحمد والبزار والطبراني، ورجاله رجال الصحيح.








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 17-08-2023, 07:26 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من مفردات غريب القرآن

من مفردات غريب القرآن(7)
وحيد عبدالله أبو المجد

(تَجْأَرُونَ)



تجأرون؛ أي: تضِجون بالاستغاثة والتَّضرُّع.

جَأَرَ يَجْأَرُ جَأْرًا وجُؤَارًا؛ أي: رفع صوته مع تضرُّع واستغاثة، وجَأَر الرجلُ إِلى الله عز وجل إِذا تضرَّع بالدعاءِ، وجَأَرَ النبتُ؛ أي: طال وارتفع، وجَأَرَت الأَرض بالنبات كذلك[1].

وأصله: من جؤار الثور، يقال منه: جأر الثور يجأر جؤارًا؛ وذلك إذا رفع صوتًا شديدًا من جوع أو غيره[2].

قال تعالى: ﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا ‌مَسَّكُمُ ‌الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ﴾ [النحل: 53].

يبين لنا المولى سبحانه وتعالى أن كل نعمة في هذا الكون، هو سبحانه مصدرها وموجدها، فقال: ﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ... ﴾؛ أى: وكل نعمة عندكم؛ كعافية في أبدانكم، ونماء في مالكم، وكثرة في أولادكم، وصلاح في بالكم؛ فهي من الله تبارك وتعالى وحده.

والمراد بالنعمة هنا: النعم الكثيرة التي أنعم بها سبحانه على الناس؛ لأنه لم يقم دليل على أن المراد بها نعمة معينة، وعلماء البيان يعدون استعمال المفرد في معنى الجمع اعتمادًا على القرينة، وهذا من أبلغ الأساليب الكلامية، و﴿ مَا ﴾ موصولة مبتدأ، متضمنة معنى الشرط، وقوله: ﴿ فَمِنَ اللَّهِ ﴾ خبرها، و﴿ مِنْ نِعْمَةٍ ﴾ بيان لما اشتملت عليه ﴿ مَا ﴾ من إبهام[3].

﴿...ثُمَّ إِذَا ‌مَسَّكُمُ ‌الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ﴾.
فعندما يمسكم الضر؛ أي: السقم والبلاء والقحط؛ فإليه تجأرون؛ أي: تضجون بالدعاء، تلجأون إلى الله متضرعين.

قال قتادة في قوله تعالى: ﴿ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ﴾؛ قال: إِذا هم يَجْزعُون، وجأَرَ القومُ جُؤَارًا؛ وهو أَن يرفعوا أَصواتهم بالدعاء متضرِّعين[4].

ولنا هنا وقفة تحليلية:
إن رتابة النعمة والتعوُّد عليها قد تُذهِلك عن المنعم، فلا تتذكره إلا حين الحاجة إليه؛ لذا ينبهنا الحق تبارك وتعالى إذا أعطيت لكم نعمة فإياكم أن تغتروا بها، إياكم أن تُذهلكم النعمة عن المنعم؛ لأنكم سوف تحكمون على أنفسكم أنه لا منعم غيري؛ بدليل أنني إذا سلبت النعمة منكم فلن تجدوا غيري تلجأون إليه.

ولذلك فالرسول صلى الله عليه وسلم ينبهنا لتلكم الأحداث التي تصيبنا، وغيرها من الأحداث العصيبة التي قد يمر بها أي إنسان، فإياكم أن تستقبلوها (بالجزع والفزع)؛ ولكن استقبلوها (بالإيمان والرضا)، واعلموا أن ربكم يغار عليكم، وهو بهذه الأحداث يلفتكم إليه قهرًا عنكم؛ لكي تعودوا إليه، وتلجأوا إليه.

ومِن الناس مَن سيفهم حكمة الله تعالى في ابتلائه، فيهون عليه الأمر، ومنهم من سيجزع ويتسخَّط؛ فيزداد الأمر سوءًا عليه؛ ولهذا كان الاختبار بالإيمان بالقدر خيره وشره من أشد اﻷمور على النفس، وأكثرها صعوبة في قبولها والرضا بها؛ لأنه من أركان الإيمان، والمؤمن الصادق في كل أموره مأجور، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: ((عَجَبًا لأمرِ المؤمنِ إِنَّ أمْرَه كُلَّهُ لهُ خَيرٌ، وليسَ ذلكَ لأحَدٍ إلا للمُؤْمنِ؛ إِنْ أصَابتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ؛ فكانتْ خَيرًا لهُ، وإنْ أصَابتهُ ضَرَّاءُ صَبرَ؛ فكانتْ خَيرًا له))[5].

نعم هنا أظهر النبي صلى الله عليه وسلم العجب على وجه الاستحسان لشأن المؤمن وأحواله؛ وذلك لأن أحوال المؤمن كلها فيها خير، وليس ذلك لأحد (إلَّا المؤمن).

فكل إنسان في قضاء الله وقدره بين أمرين:
(مؤمن وغير مؤمن)؛ فالمؤمن إن أصابته سراء من نعمة شكر الله، فهو يعرف حق الله في تلك النعمة، وما قدر له منها، فيقوم بالطاعة والعبادة، والقرب من الله عز وجل؛ امتنانًا وشكرًا له سبحانه، فيحصل له الأجر في الآخرة، ويضاف لهذا الشكر فرحه الذي يشمله بتلك النعمة، وكذلك إذا أصابته الضراء من فقر، أو مرض، أو بلية، أو ضرر؛ صبر على أقدار الله، وانتظر الفرج من الله، واحتسب الأجر على الله، ولجأ إليه تعالى في كشفها، فكان الصبر خيرًا له؛ لأنه يُثاب على صبره، ويحوز أجر الصابرين الذين يوفون أجورهم بغير حساب؛ فكان أمره كله خيرًا.

أما غير المؤمن -عافانا الله وإياكم- فهو ينسى نِعَم الله عليه؛ لأنه قد يكون اعتاد عليها، وقد يعبد الله على حرف، وعندما يمسُّه الضر يلجأ إلى الله تعالى، ويتضرع إليه، ويصرخ بالدعاء ويستغيث به ليكشف ذلك عنه، فأين كنت من نعم الله عليك قبل ذلك.

آلآن علمتم أنه لا يقدر على إزالة هذا الضر إلا هو سبحانه، فعند الضرورات تلجئون إليه، وتسألونه، وتلحون في الرغبة مستغيثين به كما قال تعالى: ﴿ وَإِذَا مَسَّكُمُ ‌الضُّرُّ ‌فِي ‌الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا ﴾ [الإسراء: 67]، وعند النعم تنسون خالقها وواهبها.

وكما في تفسير ابن كثير في قوله تعالى: ﴿ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا ﴾؛ أي: سجيته هذه ينسى النعم ويجحدها إلا من عصم الله؛ لذلك كان على الإنسان أن يحمد الله على جل نعمه، فشكر النعم نعمة تحتاج إلى شكر، وأن يحمد الله أيضًا على ما ابتلاه ليحوز أجر الصابرين، ويكون في زمرة المؤمنين.

اللهمَّ إنا نستعيذ بك من جهد البلاء، ومن درك الشقاء، ومن شماتة الأعداء، ومن سوء القضاء الذي فيه المعاصي والشرور والشركيات، وأن تلهمنا الطاعة والصبر والرضا بقضائك، واجعلنا يا ربنا من عبادك الحامدين لجُلِّ نِعَمِك.

اللهمَّ أوزعني على أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليَّ وعلى والدي، وأن أعمل عملًا صالحًا ترضاه مني، وأدخلني برحمتك في نعيم جنتك مع عبادك الصالحين الذين ارتضيت أعمالهم.

[1] لسان العرب.

[2] تفسير الطبري.

[3] تفسير القرطبي، وتفسير الوسيط.

[4] تفسير القرطبي، وتفسير الوسيط.

[5] صحيح مسلم.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 13-09-2023, 05:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من مفردات غريب القرآن

من مفردات غريب القرآن(9)
وحيد عبدالله أبو المجد


من مفردات غريب القرآن (9)

﴿ غُثَاءً أَحْوَى ﴾ [الأعلى: 5]

الغُثاءُ: بالمدِّ والضمِّ، وهو كل ما يجيءُ فوقَ السيلِ مما يَحْمِلُه من الزَّبَدِ والوَسَخِ وغيره، وقال الزجَّاج: الغثاء الهالك البالي من ورق الشجر الذي إذا خرج السيل رأيته مخالطًا زبده، والجمع الأغثاء.


أَحْوَى: الحُوَّةُ: سواد إلى الخُضْرة، وقيل: حُمْرةٌ تَضْرب إِلى السَّواد، وقد حَوِيَ حَوًى واحْوَاوَى واحْوَوَّى، مُشَدَّد، واحْوَوى فهو أَحْوَى.


قال الجوهري: الحُوَّة لون يخالطه الكُمْتَة مثل صَدَأ الحديد، والحُوَّة سُمْرة الشفة.


وقال ابن سِيدة: شَفَة حَوَّاءُ: حَمْراء تَضْرِب إلى السواد، وكثر في كلام العرب، حتى سَمَّوْا كل أَسود أَحْوَى.


والمعنى: إن هذا المَرْعى بعد أن خلقه الله تعالى اخضرَّ، فجعله بعد ذلك غُثاءً أَحْوى، فصار النبت يبيسًا هشيمًا وقد اسودَّ من القِدَم والعتق، فتراه فوق السَّيل، باليًا رميمًا.


قال تعالى: ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى * فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى [الأعلى: 1 - 5].

وذكر أهل التفسير:
أي: نَزِّه اسم ربك الأعلى عن الشريك والنقائص تنزيهًا يليق بعظمته سبحانه، الذي خلق المخلوقات، فأتقن خلقها، وأحسنه، والذي قدَّر جميع المقدرات، فهدى كل خلق إلى ما يناسبه، وهذه الهداية العامة التي مضمونها أنه هدى كل مخلوق لمصلحته، وتذكر فيها نعمه الدنيوية، ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى كقوله: ﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ [الصافات: 180]، فالاسم صلة، وسِرُّ إيراده أن المنوه به إذا كان في غاية العظمة، كثيرًا ما تُضاف ألفاظ التفخيم إلى اسمه، فيُقال: سبح اسمه ومجد ذكره.


وثمة وجه آخر، وهو أن الحق تعالى إنما يعرف بأسمائه الحسنى، لاستحالة اكتناه ذاته العلية، فأقحم تنبيهًا على ذلك، ومما يؤيِّده ما ذكر من الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن الصحابة أنهم «كانوا إذا قرؤوا ذلك قالوا: سبحان ربي الأعلى»؛ كما رواه ابن جرير وغيره.


وذهب بعضهم إلى أن المراد تنزيه اسم الله وتقديسه أن يسمى به شيء سواه، كما كان يفعل المشركون من تسميتهم آلهتهم، بعضها اللات وبعضها العزى؛ حكاه ابن جرير أيضًا، فالإسناد على ظاهره، وهذا ما اعتمده الإمام ابن حزم في (الفصل) حيث رد على من استدلَّ بهذه الآية في أن الاسم عين المُسمَّى، ذهابًا إلى أن من الممتنع أن يأمر الله عز وجل بأن يسبح غيره، فقال ابن حزم رحمه الله: وأما قوله تعالى: ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى فهو على ظاهره دون تأويل؛ لأن التسبيح في اللغة التي بها نزل القرآن، وبها خاطبنا الله عز وجل، هو تنزيه الشيء عن السوء، وبلا شك أن الله تعالى أمرنا أن ننزه اسمه سبحانه جل شأنه.


و"الأعلى" هو الأرفع من كل شيء، قدرة وملكًا وسلطانًا، واستدلَّ السلف بظاهره في إثبات العلو بلا تكييف، والمسألة معروفة، وقد بيَّنا ذلك من قبل بفضل الله تعالى تحت عنوان: (مبحث في صفات الله تعالى الواردة من الكتاب والسنة).


قوله تعالى: ﴿ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى؛ أي: خلق الخليقة وسوَّى كل مخلوق في أحسن الهيئات.


قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى خلق المنافع في الأشياء، وهدى الإنسان لوجه استخراجها منها. قدر لكل حيوان ما يصلحه، فهداه، وعرفه وجه الانتفاع به.


ثم قال تعالى: ﴿ وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى * فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى [الأعلى: 4، 5].


أي: أنزل من السماء ماء فأنبت به أنواع النبات والعشب الكثير، فرتع فيها الناس والبهائم وكل حيوان، ثم بعد أن استكمل ما قدر له من الشباب ﴿ فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى ألوى نباته، وصوح عشبه، فجعله هشيمًا يابسًا متغيرًا إلى الحُوَّة؛ وهي السواد من بعد البياض أو الخُضْرة، من شدَّة اليبس، ووصف الغثاء بأنه أحوى؛ لأنه إذا طال عليه الزمن، وأصابته المياه، اسودَّ وتعفَّن فصار أحوى.


ثم يقذف به السيل إلى جانب الوادي فقد أصبح باليًا، رميمًا.


وهو مَثَلٌ ضربه الله تعالى للكفار، لذهاب الدنيا بعد نضارتها، وأيضًا الإرشاد إلى كمال قدرته، وتنوُّع نِعَمِه سبحانه، حتى يزداد المؤمنون إيمانًا على إيمانهم، وحتى يعود الكافرون إلى رشدهم بعد هذا البيان الواضح الحكيم.


ولنا هنا وقفة لنُبيِّن بعض فوائد تلكم السورة الجليلة:
_ روى البخاري من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: أول من قدم علينا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير وابن أم مكتوم فجعلا يقرئاننا القرآن، ثم جاء عمار وبلال وسعد، ثم جاء عمر بن الخطاب في عشرين، ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم. فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم به حتى رأيت الولائد والصبيان يقولون: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاء، فما جاء حتى قرأت: ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [الأعلى: 1] في سور مثلها.


_ وعن علي رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب هذه السورة ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى.


وثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ: "هلا صليت بـ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، ﴿ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا [الشمس: 1]، ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى [الليل: 1].


ومن حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيدين ويوم الجمعة بـ ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [الأعلى: 1]، ﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية: 1]، وربما اجتمعا في يومٍ واحدٍ فقرأهما.


ومن حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث بـ ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى و﴿ قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون: 1] و﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص: 1].


ثم ختم الله السورة بقوله تعالى: ﴿ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى [الأعلى: 16، 17].


أيها الناس، اعلموا أن زينة الآخرة خيرٌ لكم وأبقى؛ لأن الحياة الدنيا فانية، والآخرة باقية، لا تنفَدُ ولا تفنى.


وما الدنيا إلا كما قال تعالى: ﴿ غُثَاءً أَحْوَى، والصحابي ابن مسعود رضي الله عنه أنه قرأ هذه الآية، قال: أتدرون لم آثرنا الحياة الدنيا على الآخرة؟


لأن الدنيا حضرت وعجلت لنا طيباتها وطعامها وشرابها، ولذَّاتها وبهجتها، والآخرة غيبت عنا، فأخذنا العاجل، وتركنا الآجل.


نعم، عجبًا لمن رأى الدنيا وتقلُّبها بأهلها كيف يطمئن إليها، وعجبًا لمن أيقن بالحساب ولم يعد له.


نسأل الله أن يهدينا وإياكم سواء السبيل، وأن يجعلنا من الذين يقولون فيعملون، ويعملون فيخلصون، ويخلصون فيقبلون، ويقبلون فينعمون، وينعمون فيشاهدون رحمتك يا رحيم.


وصلِّ اللهم وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلِّم.


المصادر:
لسان العرب، لابن منظور.


الجامع لأحكام القرآن، أو تفسير القرطبي.


تفسير ابن كثير، وتفسير السعدي.


الكتب السنة الستة.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 133.87 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 128.71 كيلو بايت... تم توفير 5.15 كيلو بايت...بمعدل (3.85%)]