ماجد الصياد الماهر (قصة للأطفال) - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         قراءة في مقال حقائق مذهلة عن الكون المدرك (اخر مشاركة : رضا البطاوى - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4387 - عددالزوار : 836929 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3919 - عددالزوار : 379447 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11942 - عددالزوار : 191303 )           »          سحور يوم 19 رمضان.. ساندوتشات فول مخبوزة خفيفة ولذيذة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          واتس اب بلس الذهبي (اخر مشاركة : whatsapp Girl - عددالردود : 2 - عددالزوار : 2671 )           »          الأمثال في القرآن ...فى ايام وليالى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 664 )           »          فقه الصيام - من كتاب المغنى-لابن قدامة المقدسى يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 951 )           »          دروس شَهْر رَمضان (ثلاثون درسا)---- تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 1105 )           »          أسرتي الرمضانية .. كيف أرعاها ؟.....تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 857 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى الشعر والخواطر > من بوح قلمي

من بوح قلمي ملتقى يختص بهمسات الاعضاء ليبوحوا عن ابداعاتهم وخواطرهم الشعرية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26-02-2022, 04:45 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي ماجد الصياد الماهر (قصة للأطفال)

ماجد الصياد الماهر (قصة للأطفال)
سيد مبارك












عم صابر رجل في الخامسة والستين من عمره، كان يهوى الصَّيد منذ شبابه، ويأتي هنا قرب البحيرة في قريته الصَّغيرة التي تقَع في مدينة الفيوم، والتي نشأ فيها؛ ليمارس هوايته في صيد السمك.







لقد وجد وسط الطَّبيعة الخلَّابة التي تحيط بالبحيرة، مع قلَّة الناس والضوضاء، خصوصًا بعد صلاة العصر وحتى غروب الشمس - متنفسًا يَشعر فيه بالسَّكينة وصفاء النَّفس، وصنع له مكانًا خاصًّا ليكون مريحًا له في خلوته وسط الطَّبيعة الساحرة وهوايته التي لا يبتغي من ورائها رزقه من السَّمك؛ وإنما للهدوء والسَّكينة والراحة، والتفكير في نِعم الله تعالى، فهي هواية تلهِمه الصَّبر والرضا.







وكان كل يوم على نَفس الوتيرة؛ يستيقظ لصلاة الفَجر، ثمَّ يقرأ وِردَه من القرآن في هذا الوقت الذي أخبر سبحانه وتعالى أنَّه وقت مَشهود، فقال عز وجل: ﴿ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ﴾ [الإسراء: 78]، ثمَّ يقول أذكار الصباح التي يواظب ويحرص عليها، وبعد طلوع الشمس يصلِّي الضحى؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم حثَّ عليها، فقال الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه: "أوصاني خَليلي - أي: حبيبي رسول الله - بثلاثٍ لا أدعهنَّ حتى أموت: صوم ثلاثة أيامٍ من كلِّ شهرٍ، وصلاة الضُّحى، ونومٍ على وترٍ".







فهو يحافظ عليهنَّ كمسلم ملتزِم، ثم يمارس عملًا يجيده في منزله وهو صناعة الفخَّار، فيصنعه بأشكال جميله، ويصنع أشياء مفيدة للنَّاس، ويرتزق منها؛ وذلك حتى صلاة العصر، وبعدها يذهب ليمارس هواية الصَّيد عند البحيرة، ثمَّ يعود عند الغروب وهو يقول أذكار المساء، ويصلِّي المغرب، ويجلس مع أبنائه وأحفاده، يستمع لهم ويلاعبهم، ويحل مشاكلهم، ويدلهم بخبرته في الحياة على الأصلح والأفضل الذي يرضي اللهَ ورسوله صلى الله عليه وسلم، ثم يصلِّي العشاءَ، ويحرص على أن تكون صلواته كلها في المسجد جماعة؛ لتكون مقبولة عند الله تعالى، ثم يعود لمنزله وينام مبكرًا، ولا ينسى أذكارَ النوم إذا نام، وأذكارَ الاستيقاظ إذا أصبح، وهكذا تمر أيامه ولياليه على نفس الوتيرة دون تغيير.



♦♦♦








(ماجد) والبحيرة



خرج عم صابر كعادته بعد صلاة العصر وهو يحمل صنَّارة الصيد في يد، وسلَّة صغيرة فيها الطعم الذي يَصيد به السمك، وليحفظ فيها ما يرزقه الله في يومه هذا، في يده الأخرى.



خرج يبحث عن الهدوء والسكينة، وليخلو بنفسه، ويستريح من عناء اليوم بممارسة هوايته عند البحيرة.







ولكن حدث يومًا أن انقلبت الأمور رأسًا على عقب!



ما هذا؟



قالها عم صابر وهو غاضب؛ فقد وجد شبح إنسان من بعيد يجلس في مكانه الخاص الذي يجلس فيه.



فاشتد غضبه، وأسرع الخُطى ليبعد هذا المتطفِّل عن مكانه المعتاد.



وما أن اقترب، حتى أدهشه الأمر عندما وجد الشَّخص الغريب صبيًّا صغيرًا يمسك صنَّارته ويمارس الصَّيد، وأدهشه الأمر؛ فهو رغم معرفته بأهل القرية وأولادهم لم يرَ هذا الصَّبي من قبل.



لا ريب أنه غريب عن القرية، ولكن ما أدراه بالبحيرة وبهذا المكان خاصة لصيد السَّمك؟



اقترب من الصَّبي وقد سكن غضبه قليلًا.







ثمَّ قال لنفسه:



صَبي صعير غريب، لا بأس، سوف أتركه اليوم على أن أخبره أنَّ هذا مكان خاص بي، ليس من حقِّه أن يجلس فيه دون استئذان، وله أن يجلس في أي مكان آخر عند البحيرة، فهذا حقه؛ لأن الصَّيد عند البحيرة ليس حكرًا عليه.



جلس بجواره وهو يُلقي عليه التحية، فقال بصوت واضح:



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



ردَّ الصبي دون أن يلتفت إليه:



وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته؛ قالها باقتضاب ولم يزد عليها كلمة.



أراد عم صابر أن يَعرف اسمه ومَن هم أهله؟



ولكن الصبي يبدو شارد اللبِّ ومهمومًا، فسكت، وهو بجواره يراقبه بين الفينة والفينة، ولاحَظ العم صابر أنَّ الصبي يصيد من غير طُعم في الصنارة للسمك، فابتسم، وأدرك أن الصبي لا يهتم بالصيد، وهناك أمر آخر يشغل تفكيره.







ثمَّ سأله عن اسمه وهو يتأمَّل ملامحه الطفولية، سبحان الله! إنه يذكِّره بطفولته، ولكن شتَّان بيني وبينه في حبِّ الصيد.



فقال الصبي بعد برهة:



اسمي (ماجد).



قال عم صابر مستفهمًا:



(ماجد) فقط.



قال الصبي:



(ماجد) حفيد (الحاج هلال).







قال عم صابر:



(الحاج هلال)، نعم إنَّه رجل صالح، سمعتُ أن ابنه الوحيد هاجر إلى القاهرة، وتخرج، ويعمل في القاهرة كمهندس اتصالات، ويأتي لزيارته كل عام دومًا، ترى ما اسمه؟ قالها وهو يَنظر للسماء ويحكُّ رأسه مفكِّرًا لعله يتذكر، ثم انفرجت أساريره وهو يقول:



نعم تذكرت.



اسمه (هيثم) لقد كان أبوك في صغره في مثل سنِّك يَصيد السمك، ويجلس هنا؛ وأشار إلى مكانٍ غير بعيد.



ثم تابع قائلًا:



وأنا كنت يومَها في الخامسة والثلاثين من عمري تقريبًا، حسب ما أتذكَّر، أجلس مكانك، وقد كان يمارس الصَّيدَ وهو سعيد بذلك، فكانت هوايته وكان يحبُّها مثلي، ولا بد أنَّه لا يتذكرني الآن؛ فقد مرَّت خمسة وثلاثون عامًا، رغم أنَّنا كنا أصحابًا، جمعَت بيننا هواية الصيد رغم فارق السنِّ.



ثم قال متأسفًا:



ولكن يبدو أنَّه ترك هذه الهواية، وأصبح مشغولًا بعمله، فلم أرَه يأتي إلى هنا رغم زياراته المتكررة للقرية.



ثمَّ قال وهو يهز رأسه:



من العجب أنَّه تزوَّج وأنجبك، لقد مرَّ الوقت سريعًا.



ثمَّ نظر إلى (ماجد) وهو يقول ضاحكًا:



صدق مَن قال: إنَّ هذا الشِّبل من ذاك الأسد.







نظر (ماجد) إلى العم صابر، وقد ضايقه كلامه، وظنَّ أنه يَسخر منه، ثمَّ ما لبث أن بكى وعلا نحيبه حتى وقعَت الصنارة من يده، وضمَّه العم صابر إلى صَدره وهو يحاول تهدئته، وتعجَّب من أمره فقال:



- ما الأمر، هل قلتُ ما آلَمك؟ أنا آسف، سامحني، أنا آسف حقًّا، قل لي ماذا جعلك تبكي حتى لا أكرِّره مرة ثانية؟



مسح (ماجد) دموعَه وهو ينظر إلى العم صابر ويقول:



لا يا عم، إنَّك لم تقل شيئًا خاطئًا، أنا فقط كنت أرغب ببقائي مع أصحابي في القاهرة، لم أكن أرغب في الحضور إلى هنا، وما زلت، ولكن أبي يفرض عليَّ ما لا أريده، إنَّها إجازتي من الدراسة، وأريد أن ألعب مع أصحابي، أنا لم أعترض، أنا أحبُّه، وأريد أن أكون بارًّا به، ولا أغضبه أبدًا، ولكن هذا ظلم.. ظلم!



لماذا يأتي بي إلى هنا، وماذا أفعل بدون صحبة؟








واستطرد يقول بصوت مخلوط بالدموع:



نصحني أبي أن آتي إلى هنا لأجلس وأصيد السمك، وأعطاني هذه الصنارة، وقال: إنَّها له عندما كان في مثل سنِّي، يحتفظ بها، وهي ملكي الآن، ويقول:



سوف يسعدني ذلك.



وأنا لا أحبُّ الصيدَ، ولا أبالي به، حتى إني خرجتُ دون أن أخذ طُعم للصيد.







قاطعه العم صابر وهو يَبتسم:



مهلًا يا (ماجد)، لا تَقْسُ على نَفسك يا ولدي، فلم يرتكب أبوك جريمة، لقد أتى بك إلى مكانٍ رائع، انظر إلى الطبيعة الخلَّابة، والهدوءِ والسكينة حولك، ألا تشعر بشعور عجيب في نفسك؟



قال (ماجد) بسرعة:



لا أشعر بشيء، وأريد العودة إلى القاهرة وأصدقائي؛ هذا ظلم، أبي له أصدقاء، وأهله هنا، وماذا عنِّي، إنَّه لم يهتم بأمري؟



إنها إجازتي يا عم، ويريد أبي البقاء أسبوعًا هنا، هذا كثير، ومن حقِّي أن أستريح فيها كما أحبُّ، طالما أنني لا أفعل شيئًا يُغضب الله تعالى، هل أنا على حقٍّ؟







ابتسم العم صابر وقال وقد أدرك أنَّ الصَّبي مصدوم لمفارقة أصحابه، فقال له:



تخيَّل لو أن أصدقاءك أتَوا معك إلى هنا، فهل تريد العودة إلى القاهرة؟



فكَّر (ماجد) وقال:



لا أفهم، لست أحبُّ هذا المكان، أما هناك فإنَّني أذهب إلى النادي، ومدينة الملاهي، وأماكن كثيرة، ولكن هنا ماذا أفعل وليس لي أصدقاء، ولا أحب صيدَ السمك، أنا أكره هذه الهواية!



قال العم صابر:



مشكلتك يا بني في شعورك بالفراغ وفراقِ أصحابك، ولكنها مشكلة بسيطة، عدني أن تحضر هنا ثلاثة أيام فقط لصَيد السمك، وتكون بارًّا بأبيك، ودعه يصِل رَحِمه، ولا تثقِل عليه بطلب العودة إلى القاهرة، وأعدك أن أكلِّم أباك لتعود إلى القاهرة بقيَّة الأسبوع لتلعب مع أصحابك؛ وهذا حقك، فهل هذا حلٌّ عادل؟



قال (ماجد):



وكيف ستقنع أبي يا عم، إنَّه ينتظر العامَ كلَّه ليحضر هذه الأيام ليتذكَّر أيام طفولته ويصِل رَحِمه؟



قال العم صابر بثقة:



دع هذا لي، عدني وأعدك، ثلاثة أيام فقط؛ هذا كل شيء، موافق؟



قال (ماجد) وهو يتأمَّل العم صابر الذي يتكلَّم بثقة أثارت عجبه:



نعم، موافق.



♦♦♦








اليوم الأول:



(ماجد) الصياد الماهر:



جاء العم صابر كعادته، ووجد (ماجد) في مكانه يصيد السَّمك ويرمي صنارته بلا طُعم غير مهتم بالصَّيد؛ كما فعل بالأمس، ولكن لم يغضب؛ بل جلس بجواره وسلَّم عليه، وقال:



لماذا لا تضع طُعمًا في الصنَّارة لتصيد به السمك؟



قال (ماجد):



هذا احتيال وغش وهو حرام، ولماذا أَحرم السَّمك من حقه في الحياة؟



ثم استطرد يقول بعصبيَّة شديدة:



إنه كائن حيٌّ، له الحق أن يعيش مثلي.



تعجَّب العم صابر من مَنطقه، وأراد تصحيح معلوماته فقال:



لو كان لك كلب لطيف تحبُّه وهو جائع جدًّا، هل تتركه يموت جوعًا؟



قال (ماجد):



لا يا عم، هذا حرام، ولنا في كل كبد رطبة أَجر؛ لذا أنا أُطعمه وأرعاه، وأهتم بأمره.



قال العم صابر مشجعًا:



هذا صحيح، وماذا لو كان هناك فأر في بيتكم، وأنت خائف منه، ولا تقدر على طرده، ماذا تفعل؟



قال (ماجد) وقد أثاره الحوار:



أنصب له شركًا؛ كمصيدة مثلًا ليقع فيها، ثم أقتله.



قاطعه العم صابر:



إذًا؛ أنت ترحم الكلبَ وتؤذي الفأرَ، لماذا؟ أليس له حق العيش كالكلب؟ هل هذا هو منطقك؟



تأمَّل (ماجد) السؤال، وفكَّر قليلًا ثم قال:



لا، ولكن الكلب رَحيم، لا يؤذي أحدًا إلَّا مَن يؤذيه، ويدافع عن صاحبه وبيته؛ فهو خير صديق للإنسان، والفأر يؤذيني، وقد أُصابُ بالأمراض بسببه.



قال العم صابر وهو يبتسم ابتسامة عريضة:



إذًا؛ نحن نتَّفق أن لكل شيء سببًا، سواء في الرحمة أو الأذيَّة؛ هذه سنَّة الله في خلقه.



قال (ماجد):



نعم، هذا صحيح.







قال العم صابر:



إذًا أنت تدرِك الآن أنَّ وضع الصنَّارة دون طُعم للسمك في الماء عمَل غير حكيم؛ لأنك لن تصطاد السَّمك إلا بالطُّعم الجيد الذي يَجذبه للمصيدة؛ أقصد الصنارة، ولا تنسَ أنَّ الله أحلَّ لنا طعامَ البحر، وقال نبيُّك صلى الله عليه وسلم يا (ماجد) كما تعلم: ((هو الطهور ماؤه الحل ميتَته))؛ هل أنا على صواب؟



قال (ماجد) مبتسمًا، وقد أعجبَته المعلومات من هذا الحوار مع العم صابر:



نعم، أنت على حق، أنت رجل حكيم يا عم.



وشرع العم صابر بإعطاء (ماجد) بعض الطُّعم في صنارته، ثمَّ قذف بها في الماء وهو ينظر إلى العم صابر الذي بادر يقول له:



أتعلم أعظم ما يَنبغي أن يتحلَّى به من يمارس هواية الصيد؟



قال (ماجد):



لا يا عم.



قال العم صابر:



الصبر يا ولدي، الصبر لا يَقدر عليه إلَّا العظماء والرجال الأشداء، الصبر لا يحتاج لقوَّة عضلات؛ بل لإيمان في القلب بالله تعالى، الخالق والرازق، ولو كنت أضعف النَّاس بدنًا وأكثرهم مرضًا، وأفقرهم مالًا، فهو مفتاح كلِّ شيء، يجعل بعد العسر يسرًا، وبعد الهمِّ فرجًا، وهو دليل الإيمان بقدَر الله وقضائه، وفجأة صاح العم صابر فرحًا:



انظر.. انظر يا (ماجد) إلى صنارتك.



لقد تعلَّقَت سمكة بها، وبدأت تهتزُّ بقوَّة، وقف (ماجد) ورجع إلى الخلف وهو يشد الصنَّارة ويسحبها، وأخذ العم صابر يساعده، فهي ثقيلة جدًّا.



وشيئًا فشيئًا ظهرَت سمكة كبيرة تستميتُ للهروب من الصنَّارة التي علقت بها، واستطاع العم صابر و(ماجد)، الذي أثاره هذا المنظر وزاده حماسًا وقوَّة وانتبهت جوارحه وبدأ يَصرخ ويضحك:



سمكة كبيرة.. سمكة كبيرة.



قال العم صابر ضاحكًا:



نعم، إنَّها أكبر من كلِّ السمك الذي أصطاده.



واستطرد مازحًا:



إنك صبي مبارَك، هذا رزق وفير، مَنَّ الله به عليك، غير معقول أنَّ هذه أول مرَّة تصطاد فيها، ثم أردف:



لا عجب أنَّ هذا الشبل من ذاك الأسد؟



قالها العم صابر للمرة الثانية، وكان بالأمس أحسَّ (ماجد) أنه يَسخر منه، ولكن اليوم شعر أن العم صابر يجامله ويشجِّعه بصدق.







فنظر إلى العم صابر وهو يقول له:



جزاك الله خيرًا يا عم.



ثم نظر إلى السمكة، فارتسمَت على وجهه فرحة صبيانيَّة، وهو يقول غير مصدق:



لقد اصطدت سمكةً، وسمكة كبيرة، لقد فعلتها، سوف يفرح ذلك أبي جدًّا!



أوْمأ العم صابر له مؤيدًا كلامه وهو يَبتسم لهذه الفرحة الطفوليَّة وهو يقول معلمًا له:



تذكَّر دائمًا أنَّ أهمَّ صفات الصياد الموفَّق والناجح في جملة واحدة: "ضع الطعمَ المناسب، ثمَّ شد عودك، وارم صنارتك، وتوكَّل على الله وهو خير الرازقين".



وكان اليوم الأول رائعًا.



رائعًا بحق.



♦♦♦








اليوم الثاني:



رحلة صيد في البحيرة:



انتظر (ماجد) في لهفة صلاةَ العصر، فلمَّا صلَّاها أسرع يحمل صنَّارة الصيد في يد، والطُّعمَ في سلَّة يحملها في يده الأخرى، ليضع فيها ما يرزقه الله من السمك، وهو يخطو خطوات واسِعة، ويكاد يهرول في الطريق ليلحق بالعم صابر على البحيرة وسط الطبيعة الساحرة.



لم يكن العم صابر موجودًا، فقال:



لعلَّه ما زال يصلِّي، وسيلحق بي إن شاء الله، فجلس ووضع الطُّعمَ المناسب، وشدَّ عوده، ثم رمى صنَّارته، وتوكَّل على الله؛ كما علَّمه العم صابر، وأخذ يستنشق بعمق الهواءَ النَّقي وهو يغمض عينيه مستمتعًا بهذه اللحظات، وبالأمس كاد يجنُّ لوجوده في القرية بعيدًا عن أصحابه!



سبحان مغيِّر الأحوال!



قالها وهو يتعجَّب من نفسه، ولكن لم يشَأ أن يضيِّع دقائق في هذا التفكير؛ ليستغلَّ كل لحظة من وجوده هنا قبل أن تَنتهي إجازته ويعود لمدرسته.







مرَّ الوقت سريعًا وبدأ القلق يدب في قلبه الصَّغير وهو يسأل نفسه بصوتٍ مسموع:



أين العم صابر؟ لقد تأخَّر، مرَّت أكثر من نصف ساعة بعد الصلاة، وبيته قريب من هنا.



حدَّثَته نفسه أن يعود أدراجه، يبحث عنه؛ لعلَّ مكروهًا أصابه، فإذا به يسمع صوته وهو يناديه:



(ماجد).. (ماجد).



نظر عن يمينه وعن شماله فلم يرَ أحدًا.



من أين يأتي صوته؟



(ماجد)، أنا هنا، انظر أمامك في قلب البحيرة.



انبهر (ماجد) وهو يري العم صابر داخل مركب صغير يَكفي لشخصين، بمجاديف على الماء، فقال:



ما هذا يا عم؟



صاح العم صابر:



مفاجأة لك، تعال اركب.



اقترب العم صابر من شاطئ البحيرة، وصعد (ماجد) على سطح المركب في سعادة، وأخذ صنارته والسلَّةَ بما فيها من طُعم، وجلس في الجانب الآخر من المركب، وهو يحاول أن يَحفظ توازنه، والمركب تميل يمينًا ويسارًا، وهو يضحك مستمتعًا.



قال العم صابر مشجعًا:



أمسك المجدافَ وجدِّف، ولا تنسَ قول سيِّدنا نوح عندما ركب السفينة، أتدري ماذا قال يا ولدي؟



قال (ماجد):



نعم: ﴿ بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [هود: 41].



ابتسم العم صابر وهو يقول:



أحسنت.. أحسنت يا (ماجد).



وقال (ماجد) بعد أن صار المركب في منتصف البحيرة وهو يتأمَّل ما حوله في انبهار:



منظر جميل ورائع، سبحان الله!



ثم قال:



يا عم، هل هذا المركب لك؟



قال العم صابر:



نعم كان ملكًا لوالدي، وكانت هديَّته لي في يوم ميلادي؛ فقد كان يهوى صيد السمك، ولما رأى حبِّي لصيد السمك أهداني هذا المركب.



ثم قال وهو يشير بيده:



انظر هناك، هل ترى هذا السَّمك الذي يقفز فوق الماء؟ هذا هو المكان المناسب لصيدٍ وفير، هيا يا بني كما علَّمتك، ضع الطُّعمَ المناسب، وشد عودك، وارمِ صنَّارتك، وتوكَّل على الله، وهو خير الرازقين.



وقد كان الرزق وفيرًا جدًّا بفضل الله وكرمه، وفي نهاية الوقت أخذ العم صابر و(ماجد) يجدفان للعودة بعد أن بدأ الغروب يلوح في الأُفُق.



وقد مرَّ اليوم الثاني رائعًا، استمتع فيه (ماجد) بكلِّ لحظة، وتمنَّى أن لا ينتهي الصيد أبدًا.



♦♦♦



اليوم الثالث:



المفاجأة:



استيقظ (ماجد) في اليوم الثالث، آخر يوم؛ كما وعده العم صابر بالحديث إلى أبيه وإقناعه لعودته في الأيام الثلاثة الأخيرة من الإجازة إلى القاهرة ليستمتِع بما بقي من إجازته مع أصحابه إن لم يعجبه البقاء هنا.







ولكن (ماجد) حدَّث نفسه فقال:



الآن يخالجني شعورٌ عجيب في أعماقي؛ بالبقاء وصيدِ السمك، وأصبحتُ مقتنعًا تمامًا أنَّ وجودي هنا أفضل ما حدَث في حياتي.



وعزم أن يخبِر العم صابر بنيَّته لينسى وعده له، وذهب بعد صلاة العَصر للبحيرة، ولم يكن موجودًا كعادته، فجلَس ينتظر ويمارِس هوايةَ الصَّيد، وطال الوقت.







قال لنفسه:



لعلَّه يأتي بالمركب؛ كما حدَث أمس، ولكن لم يحدث.







ومرَّت ساعة كاملة فقال:



هناك خطب ما!



عاد إلى القرية، وذهب إلى بيته، فوجد العم صابر مريضًا، مريضًا جدًّا.



استأذن أهلَه ودخل عليه، فلمَّا رآه ابتسم، ولم يستطع القيامَ، فأشار أن يَقترب، ثم أمسك بيده وهو يقول:



لقد أخبرتُ والدَك برغبتك في العودة إن شئتَ، وهو لم يَعترض؛ بل أخبرني أنَّه يحضر لك مفاجأةً سوف تسعدك.



قال (ماجد) بحزم:



لا يا عم، لا أريد العودة؛ بل أريد أن أبقى هنا، وإن شاء الله ستشفى، وننطلق لصيد السمك.



ابتسم العم صابر بوجه قد علاه الشحوب من المرَض؛ فهو مريض بالسكر، ويحتاج إلى الراحة فقال:



اسمع يا (ماجد)، لا طاقة لي بالصَّيد اليوم، ولكن اذهب أنت واستمتِع، ولا تنسَ الدعاء لي بالشِّفاء، ولا تهمِل يا (ماجد) نصيحتي لك: لتكون صيادًا ماهرًا "عليك بالطُّعم المناسب، ثم شدَّ عودك، وارمِ صنَّارتك، وتوكَّل على الله وهو خير الرازقين".



قالها بصوت حزين ضعيف.



قال له (ماجد) مشجعًا وهو يقبِّل يديه ويكاد يبكي لحاله:



نعم يا عم، شفاك الله وعافاك، وسأعود لزيارتك دومًا.



ولم يكن هناك بد من ذهابه للصَّيد وحيدًا دون العم صابر لأوَّل مرة منذ جاء إلى القرية وهو يَدعو له بالشفاء التام.



جلس (ماجد) في مكانه وصنَّارته في البحيرة شارد اللبِّ، وقلبه قلِق على العم صابر، الرجلِ الحكيم الصَّابر، والصياد الماهر الذي تعلَّم منه الكثير.



ولكن ما لبث أن أقنَع نفسه بأنَّ هذا كله ابتلاء من الله تعالى، وهو أرحم الرَّاحمين، وليثبِت لعم صابر أنَّه تلميذه الماهِر، وليرجع إليه بنصف ما يَرزقه الله من السمك حتى يَشفيه الله تعالى؛ هذا أقل ما يجِب لردِّ الجميل في مساعدته له عندما حضر إلى القرية، ولا يضيع أيَّامه الثلاثة القادِمة في التأسُّف والتواكل؛ فلن يفيده ذلك بشيء، وتذكَّرَ قوله تعالى: ﴿ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159].







وبينما هو يشد من عزيمته إذا به يَسمع ضوضاء وسيَّارة تَقترب وتتوقَّف عن بُعد في الطريق الموازي للبحيرة، ويخرج منها فِتيان في مثل سنِّه يصيحون وهم يسابقون الرِّيح، وفي يد كلِّ واحد منهم صنَّارة صيد:



(ماجد).. (ماجد).



لبث برهة وقد ألجمَته الدهشة، كيف حدث هذا؟ ومتى؟ هو لا يدري!







وتعجَّب وهو يرى أصحابَه وأقربهم إلى قلبه (محمد، وخالد، وعمر) يأتون إليه من القاهرة وهو الذي كان يريد الذَّهاب إليهم، وما لبث أن أدرك الأمرَ، فقد رأى أباه يَخرج من السيارة، وداخلها رأى العم صابر رغم مرضه يشيران له بالتحيَّة.



فرفع يديه لأبيه وللعم صابر الذي لم يَستطع الخروج من السيارة لمرَضه، وهو يلوح لهما بعلامات الشكر والعرفان الجزيل.



إنها مفاجأة حقًّا.



وكانت سعادته لا توصَف؛ فهو لن يكون وحيدًا، وسيمارس هوايتَه الجديدة مع أصحابه، وفي المكان الذي أحبَّه.



وإن شاء الله يعود العم صابر بعد أن يَشفيه الله تعالى؛ ليخبرهم جميعًا، ويعلِّمهم - كما فعل معه - كيف يَستمتعون بإجازتهم في صيد السَّمك والتأمُّل.



وأحاط به أصحابُه وهم في غاية السعادة، وهم ينظرون إلى البحيرة والمياه، وما حولهم من الأشجار والثمار، والهواء الطبيعي النَّقي الذي أنعشهم وهم يقولون:



(ماجد)، شكرًا لدعوتك لنا أنت وأبوك، وأقناعِ أهلنا بالحضور هنا، نريد أن نمارس هوايةَ الصيد، ولقد أخبرنا والدك والشيخُ الكبير الذي معه أنَّك صياد ماهر، ماذا نفعل؟ أخبرنا بالله عليك؟







ابتسم (ماجد) وقال وهو ينظر إلى العم صابر وهو يَنصرف مع والده بالسيارة:



حسنًا.. حسنًا، عليكم بالصَّبر، والصبر لا يَقدر عليه إلَّا العظماء والرجال الأشداء، الصبر لا يَحتاج إلى قوَّة عضلات؛ بل لإيمان في القلب بالله تعالى، الخالق والرازق، ثم أردف وهو يبتسم:




عليكم بالطُّعم المناسب، وليشد كلُّ واحد منكم عودَه، ويرمِ صنارته، ويتوكَّل على الله وهو خير الرازقين.



ثمَّ ضحك من قلبه في سعادة غامرة، وهو ينظر إليهم وقد شدَّ كل واحد منهم عوده ورمى صنَّارته، وجلسوا في انتظار الرزق الوفير.







تمَّت بحمد الله



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 86.65 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 84.77 كيلو بايت... تم توفير 1.88 كيلو بايت...بمعدل (2.17%)]