|
ملتقى الإنشاء ملتقى يختص بتلخيص الكتب الاسلامية للحث على القراءة بصورة محببة سهلة ومختصرة بالإضافة الى عرض سير واحداث تاريخية عربية وعالمية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#131
|
||||
|
||||
رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (133) مقالات شرعية مثنى محمد هبيان {وَإِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۖ لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلرَّحۡمَٰنُ ٱلرَّحِيمُ١٦٣}[البقرة: 163] السؤال الأول:ما دلالات هذه الآية؟ الجواب: 1 ـ هذه الآية تمثل قاعدة عظيمة في الإسلام وهي قاعدة التوحيد، وفيها تقرير للوحدانية بنفي غيره وإثبات ذاته سبحانه، فلا إله سواه، ولا يستحق العبادة إلا هو. وهذه القاعدة الجليلة هي القاعدة الثالثة من قواعد الإيمان والتي بدأت في آية البقرة (158)، ثم في الآية (159)،ثم في هذه الآية (163). 2ـ لمّا ذكر الله الإلهية الأحدية، وهي تفيد القهر والعلوّ، أعقبهما بذكر المبالغة في الرحمة ترويحاً للقلوب عن هيبة الإلهية وعزّة الفردانية، وإشعاراً بأنّ رحمته سبقت غضبه، وأنه ما خلق الخلق إلا للرحمة والإحسان. 3ـ أعقب في الآية التي بعدها ببيان التوصل إلى الإيمان بالله الواحد الأحد بقراءة الكتاب المنظور وهو الكون الذي نراه، فوجّه إلى ثمانية أدلة من دلائل التوحيد نشاهدها في الكون الذي حولنا. 4ـ ورد: إنّ اسم الله الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب، وإذا سُئل به أعطى موجود في هذه الآية وفي آية الكرسي وأول سورة آل عمران. 5 ـ الوحدة هي الانفراد، والواحد الذي لا يتبّعض ولا ينقسم، والواحد لا نظير له، وليس كمثله شيء، واحد في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته لا شريك له. 6 ـ إنْ قيل: ما فائدة تقديم الرحمن على الرحيم؟ فالجواب: لما كانت رحمته في الدنيا عامة للمؤمنين والكافرين: قدّم (الرحمن) أولاً، وأمّا في الآخرة فهي دائمة لأهل الجنة لا تنقطع لذا قيل: (الرحيم) ثانياً، ولذلك يقال: رحمن الدنيا، ورحيم الآخرة. 7 ـ (ٱلرَّحۡمَٰنُ) على وزن فعلان، والرحيم على وزن فعيل، ومن المقرر في علم التصريف في اللغة العربية أنّ صفة (فعلان) تمثل الحدوث والتجدد والامتلاء والاتصاف بالوصف إلى حده الأقصى، فيقال: غضبان، بمعنى امتلأ غضباً كما في قوله تعالى: (فَرَجَعَ مُوسَىٰٓ إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ غَضۡبَٰنَ أَسِفٗاۚ) [طه:86] لكنّ الغضب زال (وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى ٱلۡغَضَبُ) [الأعراف:154] ومثل ذلك عطشان، ريان، جوعان، فيكون عطشانَ فيشرب فيذهب العطش. أمّا صيغة (فعيل) فهي تدل على الثبوت سواء كان خِلقة، مثل طويل، جميل، قبيح، فلا يقال: خطيب، لمن ألقى خطبة واحدة، وإنما تقال لمن يمارس الخطابة، وكذلك الفقيه. هذا الإحساس اللغوي بصفات فعلان وفعيل لا يزال في لغتنا الدارجة إلى الآن فنقول لمن بدا عليه الطول (طولان) فيرد: هو طويل (صفة ثابتة)، فلان ضعفان (حدث فيه شيء جديد لم يكن) فيرد: هو ضعيف (هذه صفته الثابتة فهو أصلاً ضعيف). ولذا جاء سبحانه وتعالى بصفتين تدلان على التجدد والثبوت معاً، فلو قال: (ٱلرَّحۡمَٰنُ) فقط لتوهم السامع أنّ هذه الصفة طارئة قد تزول كما يزول الجوع من الجوعان والغضب من الغضبان وغيره، ولو قال: (ٱلرَّحِيمُ) وحدها لفهم منها أنّ صفة رحيم مع أنها ثابتة لكنها ليست بالضرورة على الدوام ظاهرة إنما قد تنفك، مثلاً عندما يقال: فلان كريم، فهذا لا يعني أنه لا ينفك عن الكرم لحظة واحدة، إنما الصفة الغالبة عليه هي الكرم. وجاء سبحانه بالصفتين مجتمعتين ليدل على أنّ صفاته الثابتة والمتجددة هي الرحمة، ويدل على أنّ رحمته لا تنقطع، وهذا يأتي من باب الاحتياط للمعنى، وجاء بالصفتين الثابتة والمتجددة لا ينفك عن إحداهما فهذه الصفات مستمرة ثابتة لا تنفك البتة وغير منقطعة. والله أعلم. جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين
__________________
|
#132
|
||||
|
||||
رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (134) مقالات شرعية مثنى محمد هبيان ﴿ إِنَّ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلۡفُلۡكِ ٱلَّتِي تَجۡرِي فِي ٱلۡبَحۡرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن مَّآءٖ فَأَحۡيَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٖ وَتَصۡرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ وَٱلسَّحَابِ ٱلۡمُسَخَّرِ بَيۡنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ١٦٤ ﴾ [البقرة: 164] السؤال الأول:مادلالة قوله تعالى في الآية ﴿وَتَصۡرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ﴾ [البقرة:164]؟ الجواب: تأمل كيف قال ربنا سبحانه وتعالى: ﴿وَتَصۡرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ﴾ [البقرة:164] فاستخدم كلمة (تصريف) للدلالة على أحوال الرياح، ولم يستخدم كلمة أخرى كالهبوب مثلاً؛ ذلك لأنّ هذه الكلمة لا يمكن أنْ يؤدي معناها أي كلمة أخرى، فقد جمعت أحوال الرياح التي يحتاج إليها الإنسان. والرياح في كل حالة من أحوالها هي آية من آيات وجود الخالق وعظيم قدرته سبحانه، فهبوب الريح مثلاً يحتاج إليه أهل موضعٍ لتخفيف الحرّ عنهم، وقد يحتاج أهل موضعٍ آخر إلى اختلاف هبوبها لتجيء رياح رطبة بعد رياح يابسة، أو تهب من جهة الساحل مسيّرةً السفن إلى البحر، أو تهب إلى جهة الساحل ليرجع أهل السفن من أسفارهم أو صيدهم، فكل تلك الأحوال التي أنعم الله تعالى بها على الناس وغيرها اجتمعت في قوله تعالى: ﴿وَتَصۡرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ﴾ [البقرة:164]. السؤال الثاني: ما الفرق بين كلمتي ( ريح ) و (رياح ) في القرآن الكريم؟ الجواب: 1ـ كلمة (ريح) في القرآن الكريم تستعمل للشّر، كما في قوله تعالى في سورة فصّلت: ﴿فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِيحٗا صَرۡصَرٗا فِيٓ أَيَّامٖ نَّحِسَاتٖ لِّنُذِيقَهُمۡ عَذَابَ ٱلۡخِزۡيِ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَلَعَذَابُ ٱلۡأٓخِرَةِ أَخۡزَىٰۖ﴾ [فُصِّلَت:16] وفي سورة القمر: ﴿إِنَّآ أَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِيحٗا صَرۡصَرٗا فِي يَوۡمِ نَحۡسٖ مُّسۡتَمِرّٖ﴾ [القمر:19]. 2ـ أمّا كلمة (الرياح) فهي تستعمل في القرآن الكريم للخير كالرياح المبشّرات، كما في قوله تعالى في سورة البقرة: ﴿إِنَّ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلۡفُلۡكِ ٱلَّتِي تَجۡرِي فِي ٱلۡبَحۡرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن مَّآءٖ فَأَحۡيَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٖ وَتَصۡرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ وَٱلسَّحَابِ ٱلۡمُسَخَّرِ بَيۡنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ﴾ [البقرة:164] وفي سورة الأعراف: ﴿وَهُوَ ٱلَّذِي يُرۡسِلُ ٱلرِّيَٰحَ بُشۡرَۢا بَيۡنَ يَدَيۡ رَحۡمَتِهِۦ﴾ [الأعراف:57] وسورة الحجر: ﴿وَأَرۡسَلۡنَا ٱلرِّيَٰحَ لَوَٰقِحَ فَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَسۡقَيۡنَٰكُمُوهُ وَمَآ أَنتُمۡ لَهُۥبخازنين﴾ [الحِجر:22]. وفي سورة سبأ ﴿وَلِسُلَيۡمَٰنَ ٱلرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهۡرٞ وَرَوَاحُهَا شَهۡرٞۖ وَأَسَلۡنَا لَهُۥ عَيۡنَ ٱلۡقِطۡرِۖ وَمِنَ ٱلۡجِنِّ مَن يَعۡمَلُ بَيۡنَ يَدَيۡهِ بِإِذۡنِ رَبِّهِۦۖ وَمَن يَزِغۡ مِنۡهُمۡ عَنۡ أَمۡرِنَا نُذِقۡهُ مِنۡ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ﴾ [سبأ:12] استعملت كلمة (ريح) مع سليمان، لكنها لم تُخصص لشيء فجاءت عامة قد تكون للخير أو للشر؛ لأنّ الله سخّرها لسليمان يتصرف بها كيف يشاء. السؤال الثالث: هل من تفاصيل أكثر عن الريح والرياح في القرآن الكريم؟ وعن أسلوب كتابتها في المصحف؟ الجواب: أولاً: كلمة (ريح) اسم جنس إفرادي، قد تُجمع على رياح وأرياح وأرواح، مثل ماء يُجمع على مياه وأمواه. ـ وجاءت في 29 موضعاً، منها 10 مواضع للرياح حسب ما يلي: موضع واحد رياح) بالألف، أي: رياح. في قوله تعالى:﴿ وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَن يُرۡسِلَ ٱلرِّيَاحَ مُبَشِّرَٰتٖ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحۡمَتِهِۦ وَلِتَجۡرِيَ ٱلۡفُلۡكُ بِأَمۡرِهِۦ وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ﴾ [الروم: ٤٦]. وقد جاءت كلمة﴿ٱلرِّيَاحَ﴾ كاملة الحروف بدون أي نقص لتناسب ما وصفه الله لنا من كثرة فوائد الرياح؛ فهي مبشرات، وهي رحمة، وهي تسير الفلك، وهي فضل من الله؛ حتى نشكر الله على ذلك. 9 مواضع: (ريح) مع ألف صغيرة ﴿ ٱلرِّيَٰحَ﴾، وتقرأ (رياح) كما يمكن قراءتها (ريح). 14 موضعاً: (ريح ) بدون ألف صغيرة، وتقرأ (ريح) فقط. 5 مواضع: (ريح) في معانٍ إضافية للريح. ثانياً: كلمة (ريح) في القرآن الكريم تستعمل للشر كما في آيات: آل عمران [117 ] فصلت [16] القمر [19] الحج [31 ] الإسراء [69]. أمّا كلمة (رياح) فهي تستعمل في القرآن للخير كالرياح المبشرات، كما في الآيات: البقرة [164] الأعراف [57] الحجر [22] الجاثية[ 5]النمل[ 63 ] وهذه جاءت على صيغة ﴿ريح﴾ أي مع الألف الصغيرة وفي هذه الحالة يمكن قراءتها( ريح أو رياح). أمّا الآية الوحيدة التي جاء رسمها بالألف (رياح) الروم[46] ﴿وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَن يُرۡسِلَ ٱلرِّيَاحَ مُبَشِّرَٰتٖ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحۡمَتِهِۦ وَلِتَجۡرِيَ ٱلۡفُلۡكُ بِأَمۡرِهِۦ وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ﴾ فقد جمع الرياح لتعدد الرحمات. وفي آية واحدة جاءت كلمة: (بريح طيبة) في قوله تعالى: ﴿هُوَ ٱلَّذِي يُسَيِّرُكُمۡ فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِۖ حَتَّىٰٓ إِذَا كُنتُمۡ فِي ٱلۡفُلۡكِ وَجَرَيۡنَ بِهِم بِرِيحٖ طَيِّبَةٖ وَفَرِحُواْ بِهَا جَآءَتۡهَا رِيحٌ عَاصِفٞ وَجَآءَهُمُ ٱلۡمَوۡجُ مِن كُلِّ مَكَانٖ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُمۡ أُحِيطَ بِهِمۡ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ لَئِنۡ أَنجَيۡتَنَا مِنۡ هَٰذِهِۦ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّٰكِرِينَ﴾ [يونس:22]. فقد جاءت كلمة ريح مع كلمة (طيبة) ـ بخلاف ما ذُكر أعلاه ـ لتتناسب مع سياق الآية فيما بعد ﴿جَآءَتۡهَا رِيحٌ عَاصِفٞ وَجَآءَهُمُ ٱلۡمَوۡجُ مِن كُلِّ مَكَانٖ﴾ [يونس:22] لأنّ خاتمتها غير حميدة؛ ولأنه أعقبها بالشر. أمّا آية سورة سبأ فاستعملت كلمة (ريح ) مع سليمان عليه السلام، لكنها لم تخصص لشيء فجاءت عامة، فقد تكون للخير وقد تكون للشر؛ لأنّ الله سبحانه سخرها لسليمان يتصرف بها كيف يشاء. ثالثاً: آ ـ كلمة (ريح) جاءت في 14 موضعاً بدون ألف صغيرة، وهذه المواضع هي: آل عمران [117 ] يونس [22 ] مرتان: القمر[ 19] الإسراء [69 ] إبراهيم [ 18] فصلت [16 ] الحج [31] الروم [51] الأحزاب [9] الشورى [33] الأحقاف [ 24] الذاريات [41] الحاقة [6]. ب ـ وجاءت مع ألف صغيرة ﴿ٱلرِّيَٰحَ﴾ في تسعة مواضع، وهي: ـ البقرة [164] الأعراف [57] الحجر[22] الكهف [45] الفرقان [48] النمل [63] الروم[ 48 ] فاطر [ 9] الجاثية [5]. ج ـ جاءت بدون ألف صغيرة في خمسة مواضع بمعانٍ إضافية للريح، وهي: يوسف [94] ﴿رِيحَ يُوسُفَۖ﴾. الأنبياء [81] ﴿وَلِسُلَيۡمَٰنَ ٱلرِّيحَ﴾. سبأ [12] ﴿وَلِسُلَيۡمَٰنَ ٱلرِّيحَ ﴾. الأنفال [46] ﴿وَتَذۡهَبَ رِيحُكُمۡۖ﴾. ص }36 { ﴿ فَسَخَّرۡنَا لَهُ ٱلرِّيحَ﴾. وعندما يكون هناك ألف صغيرة على كلمة ﴿ٱلرِّيَٰحَ﴾ يمكن قراءتها (ريح) أو( رياح)، لكن مع وجود الألف (رياح) لا يمكن قراءتها (ريح) بل (رياح). السؤال الرابع: ماتفسير هذه الآية الكريمة؟ وما دلالة وصف السحاب في الآية؟ الجواب: في سورة البقرة وفي سياق تعداد نِعم الله سبحانه وتعالى، هناك نوع من التناسق في هذه الآيات، قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلۡفُلۡكِ ٱلَّتِي تَجۡرِي فِي ٱلۡبَحۡرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن مَّآءٖ فَأَحۡيَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٖ وَتَصۡرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ وَٱلسَّحَابِ ٱلۡمُسَخَّرِ بَيۡنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ﴾ [البقرة:164]. 1ـ تذكر الآية جملة أمور مؤكدة بـ﴿إِنَّ﴾ [البقرة:164] ثم بعد ذلك تذكر الخبر ﴿لَأٓيَٰتٖ﴾ [البقرة:164]. 2ـ عندنا إيمان أنّ الله تعالى خلق السموات والأرض لأجل الإنسان. 3ـ ﴿وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ﴾ [البقرة:164] ليل ونهار يختلف، ليس نهاراً سرمداً ولا ليلاً سرمداً، بل تعاقب بين الليل والنهار وتنويع؛ لأنّ الماء إذا سكن في مكانه يفسد. 4ـ ﴿وَٱلۡفُلۡكِ ٱلَّتِي تَجۡرِي فِي ٱلۡبَحۡرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ﴾: من رحمة الله سبحانه وتعالى أنْ جعل الإنسان يصنع أجساماً يسكن فيها وتطفو على الماء، وهذا ليس أمراً سهلاً لكننا ألِفناه، والوصول إليه هداية من الله تعالى، فهي إذن من نعم الله تعالى على الإنسان. 5ـ ﴿وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن مَّآءٖ﴾: كل ما يتناوله الإنسان والنبات والحيوان مما مصدره السحاب، فهذا الماء في الأرض ماء يرتفع إلى السماء فيطهر فينزل طاهراً، حتى الجبال التي فيها ثلج هي في أصلها من هذا السحاب المرتفع وليس ثلجاً ابتداءً لكنه من هذا الذي يتبخر، والسماء هو العلوّ وكل ما علاك فهو سماء. 6ـ ﴿فَأَحۡيَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَا﴾: والأرض من غير ماء ميتة. 7ـ ﴿وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٖ﴾: المقصود هذه الدواب التي على الأرض بسبب الماء أيضاً. 8ـ ﴿وَتَصۡرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ﴾: السفن تتحرك بالرياح، والسحاب يتحرك بالرياح، ولذلك أكّده ﴿وَٱلسَّحَابِ ٱلۡمُسَخَّرِ﴾ [البقرة:164] يعني هو مهيأ ومُعدّ لكم، وإنما الله تعالى سخّره بين السماء والأرض، كل هذا ﴿لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ﴾ [البقرة:164]. 9ـ وكلمة (سحاب) هي اسم جنس جمعي، لفظ مفرد ولكنْ معناه معنى جمع وليس له واحد من لفظه، والسحابة هي القطعة من السحاب لكن ليست كل واحدة من السحاب هي قطعة، والقطعة مجزّأة تماماً مثل كلمة ماء؛ لأنّ الماء اسم جنس جمعي ليس له واحد من لفظه. واسم جنس يعني لحالة معينة خاصة به: السحاب للسحاب، والماء للماء لهذا الجنس، مثل كلمة رجل جنس لهذا المخلوق. والسحاب يُذكّر ويؤنّث، فالعرب تقول: هذا السحاب، وتقول: هذه السحاب، ظهر السحاب وظهرت السحاب، لكنّ الإحالة عليه بالضمير بالمفرد المذكّر؛ يعني تقول: السحاب رأيته ولا تقول: السحاب رأيتها، فإذا جمعتَه على سُحُب تؤنّث، تقول: السحب رأيتها، ولا تقول: رأيته للجمع، كما تقول: الشجر سقيته، هذا أيضاً اسم جمع إفرادي: الأشجار سقيتها. 10ـ هناك (ماء) في العربية وهناك ( ماءة )، ويفرّق بينها وبين واحده بالتاء، كلمة ( ماءة ) يعني: الواحد من الماء، عادة يطلقونها على الماء المتبقي مثل الغدران، ولا سيما إذا خصت إحدى القبائل نفسها بها، فيقولون: هذه ماءة لبني فلان. السؤال الخامس: ما الفرق بين ﴿بَعۡدَ مَوۡتِهَا﴾ و﴿مِنۢ بَعۡدِ مَوۡتِهَا﴾ في القران الكريم في الآيات [البقرة 164، و العنكبوت 63،و الروم 50 ]؟ الجواب: استعراض الآيات: آية العنكبوت: ﴿وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَحۡيَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ مِنۢ بَعۡدِ مَوۡتِهَا لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُۚ قُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ﴾ [العنكبوت:63]. آية الروم: ﴿فَٱنظُرۡ إِلَىٰٓ ءَاثَٰرِ رَحۡمَتِ ٱللَّهِ كَيۡفَ يُحۡيِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَآۚ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ﴾ [الروم:50]. البيان: 1ـ التعبير ﴿بَعۡدَ مَوۡتِهَا﴾ يفيد البعدية القريبة والبعيدة. 2ـ والتعبير ﴿مِنۢ بَعۡدِ مَوۡتِهَا﴾ فهي للبعدية القريبة فقط دون البعيدة و(من) للابتداء. 3ـ ورد التعبير ﴿بَعۡدَ مَوۡتِهَا﴾ في القرآن الكريم كله من دون (من) في تسعة مواطن، وهي: البقرة [164] البقرة[259] النحل[65] الروم [19] الروم [24] الروم[50] فاطر [9] الجاثية [5] الحديد [17]. بينما ذكر التعبير: ﴿مِنۢ بَعۡدِ مَوۡتِهَا﴾ في موطن واحد، وهو آية العنكبوت [63]. 4ـ والسبب أنّ آية العنكبوت تدور حول المشركين الذين يشركون بالله ويعبدون معه آلهة أخرى، وهي تعجب من عقولهم وإظهار لمقدار باطلهم وتفكيرهم، في حين لو سألتهم: ﴿وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَسَخَّرَ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُۖ﴾ [العنكبوت:61]. لذلك أدخل (من) في هذا الموطن للدلالة على مقدار قدرة الله وعظمتها وذلك أنّ قوله: (أحيا الأرض بعد موتها) يحتمل الزمن بعد الموت بمدة قريبة أو بعيدة. ولكنّ قوله: ﴿فَأَحۡيَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ مِنۢ بَعۡدِ مَوۡتِهَا﴾ [العنكبوت:63] معناه الإحياء بعد الموت بلا مهلة ولا فاصل، أي: أنّ الله قادر على أنْ يحي الميت فوراً بلا مهلة، وهذا أدل على قدرة الله، وإنْ كان كلاهما من قدرة الله وحده، وقد جاء بـ (من) في هذا المقام للدلالة على أنهم يشاهدون ذلك ويقرون أنّ الله يحي الأرض من الموت بلا مهلة. السؤال السادس: ما دلالة رسم ﴿وَٱخۡتِلَٰفِ﴾ بدون ألف وسطية في قوله تعالى: ﴿وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ﴾؟ الجواب: وردت ﴿وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ﴾ خمس مرات في القرآن الكريم كله، وذلك في الآيات:[ البقرة 164 ـ آل عمران 190 ـ يونس 6 ـ المؤمنون 80 ـ الجاثية 5 ] وكلها بدون ألف وسطية في كلمة﴿وَٱخۡتِلَٰفِ﴾،ويوحي ذلك إلى الارتباط بين الليل والنهار معاً في نفس الوقت، وتداخلهما، وإيلاج الليل في النهار وايلاج النهار في الليل، ويفسر تلك الظواهر الكونية من حيث القرب والارتباط والاستمرار والتداخل. والله أعلم. السؤال السابع: ما دلالات هذه الآية؟ الجواب: 1 ـ هذه الآية ذكرت ثمانية أدلة من دلائل التوحيد نشاهدها في الكون الذي حولنا.وهي: السماوات ـ الأرض ـ اختلاف الليل والنهار ـ الفلك التي تجري في البحر لمنفعة العباد ـ نعمة الماء النازل من السماء ـ كلّ ما دبّ على وجه الأرض هو من خلق الله ـ تصريف الرياح ـ تصريف السحاب. 2ـ هذه الآية حثّ صريح على وجوب التأمل والتفكر والتدبر، وقد أكدّ الله ذلك بقوله: ﴿لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ﴾ بتأكيد اللام التي تسمى المزحلقة نحوياً. 3ـ الآية فيها إشارة إلى علم الفلك، والطبيعة، والجغرافيا، وعلم الفضاء، وعلم الأرض، وعلم النبات والحيوان، وعلم البحار والمعادن، وغير ذلك ليلفتنا ربنا إلى قدرته ووحدانيته وبديع صنعه. 4 ـ هذه الآية دعوة للتأمل والنظر في هذا الكون، وإعمال العقل في آثار صنع الله تعالى، للاستدلال على وحدانيته ووجوب التوجه إليه وحده في العبادة. 5 ـ للعلم فقد جاءت مثل هذه الدلائل أيضاً في سورة إبراهيم في الآيتين: ( 32 ـ 33 ). 6 ـ هل كلمة ( الفُلك ) مذكر أو مؤنث وكيف نجمعها؟ والجواب: لفظ ( الفُلك ) تطلق على المفرد والمثنى والجمع والمؤنث على حد سواء. نقول: هذا فُلك، وهذه فُلك، وهذان فُلك، وهاتان فُلك، فإذا أريد به واحدًا ذكَّر، كقوله تعالى: ﴿فِي ٱلۡفُلۡكِ ٱلۡمَشۡحُونِ٤١﴾ [ يس:41 ]، وإذا أريد به الجمع أنّثَ، كقوله تعالى: ﴿وَٱلۡفُلۡكِ ٱلَّتِي تَجۡرِي فِي ٱلۡبَحۡرِ﴾ [ البقرة:164 ] فأنّثَ ويحتمل الإفراد والجمع، وقوله تعالى: ﴿حَتَّىٰٓ إِذَا كُنتُمۡ فِي ٱلۡفُلۡكِ وَجَرَيۡنَ بِهِم﴾ [ يونس:22 ] فأنّثَ وجمع. والله أعلم. جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين
__________________
|
#133
|
||||
|
||||
رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (135) مقالات شرعية مثنى محمد هبيان ﴿ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَادٗا يُحِبُّونَهُمۡ كَحُبِّ ٱللَّهِۖ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَشَدُّ حُبّٗا لِّلَّهِۗ وَلَوۡ يَرَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ إِذۡ يَرَوۡنَ ٱلۡعَذَابَ أَنَّ ٱلۡقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعٗا وَأَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعَذَابِ﴾ [البقرة: 165] السؤال الأول:قوله تعالى: ﴿وَلَوۡ يَرَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ إِذۡ يَرَوۡنَ ٱلۡعَذَابَ أَنَّ ٱلۡقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعٗا﴾ [البقرة:165] أين جواب الشرط فى الآية؟ الجواب: تأمل في قوله تعالى ﴿وَلَوۡ يَرَى﴾ فإنك لا تجد جواب (لو)، فالأصل في هذه الأداة (لو) أنْ تأخذ فعل شرط وجوابه، فتقول مثلاً: لو رزقني الله مالاً لتصدقت بنصفه، فلِمَ حذف جواب (لو) في الآية؟ لقد تم حذف جواب (لو) في الآية؛ لأنّ حذفه يوقع أثراً في نفس من وُجِّه إليهم الكلام أكثر مما لو ذكر جواب (لو)، كأنْ يقال: "لرأوا أمراً عظيماً" أو غيره، فقد ترك القرآن الكريم للخيال أنْ يذهب كل مذهب في تصور شدة الموقف وفظاعته، وأنت عندما تهدد إنساناً بقولك: "لئن لم تفعل" ثم تسكت، يُحدِث كلامك أثراً في نفس السامع أكثر مما يُحدِث قولك: "لئن لم تفعل لأضربنّك". السؤال الثاني: ما دلالات هذه الآية؟ الجواب: 1 ـ بعد أن بيّن اللهُ دلائل وحدانيته بالبراهين الساطعة في الآية السابقة، ذكر أنّ بعض الناس مع هذا البيان منْ يتخذ من المخلوقين معبودات كالأصنام والأوثان من دون الله، يحبونهم كحب الله في الطاعة والتعظيم والانقياد أو يسوّونهم مع الله، أو يحبونهم كحب المؤمنين لله. 2ـ وما أكثر الأصنام والأوثان التي يحبها الناس قديماً وحديثاً، ومن ذلك عبدة الشيطان في مجتمعاتنا، وكذلك كل ما يُعبد من دون الله، سواء كان ذلك الحب متمثلاً في محبة أهل القبور والأضرحة ممن يطلبون منهم حاجاتهم، أوفي محبة المال والزوجة والولد والمنصب والجاه حباً يخرجهم عن الحدود الشرعية المقبولة، أو في إطاعة الطواغيت المستبدين الظالمين، كما قال تعالى: ﴿أَفَرَءَيۡتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَٰهَهُۥ﴾ [الجاثية:23]. 3ـ جاء في الحديث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، أي الذنب أعظم؟ قال: (أن تجعل لله ندّا وهو خلقك ).صحيح البخاري. 4 ـ ( الندّ ): المثل، ويُراد به هنا الأصنام أو كل ما سولت لهم أنفسهم عبادته وطاعته. 5ـ المؤمن يقول الله عنه: ﴿وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَشَدُّ حُبّٗا لِّلَّهِۗ﴾ أي أشدُ من حب المشركين لآلهتهم، وحبُ المؤمن لربه حبٌ صادق نابع عن عقيدة وإيمان وإخلاص، وهو حبٌ لله ذي الجلال والكمال، ولا يعدلون به شيئاً في أي حالة من الحالات ضرّاء أو سرّاء أو في بر أو بحر، بخلاف المشركين فإنهم يعدلون في الشدائد إليه سبحانه، وإذا رأوا في الرخاء حجراً أحسن تركوا الأول وعبدوه، فحب المشركين هوائي، وحب المؤمنين عقلي، بالقلب والقالب، والنفس والوجدان، مع إيثار حب الله ورسوله على محبة كل شيء في الدنيا. وحب المؤمن لله يتمثل فيما يصدر عنه من التعظيم لله والمدح والثناء والعبادة خالصة من الشرك، وهذا الحب يقترن به الرجاء والثواب والرغبة فيما عند الله من المنزلة والثواب. 6 ـ قوله تعالى: ﴿وَلَوۡ يَرَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ إِذۡ يَرَوۡنَ ٱلۡعَذَابَ أَنَّ ٱلۡقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعٗا﴾ فيه وعيد لأولئك الذين ظلموا أنفسهم بالظلم بالشرك واتخاذ الندّ، عندما يرون عذاب جهنم، عندها يتيقنون أنّ القدرة بيد الله وحده، فهو المنفرد بالقدرة والقوة، وليس بيد الأنداد الضعفاء العجزة،﴿ وَأَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعَذَابِ﴾ لمن اتخذوا من دون الله آلهة يعبدونها ويتقربون إليها،ويكون ذلك يوم القيامة. 7 ـ قوله تعالى: ﴿إِذۡ يَرَوۡنَ ٱلۡعَذَابَ﴾ العذاب من فعل (عذّب)، الذال مشدّدة وهذا يعني أنهم فيه لفترة طويلة لأنّ أكثر وروده في القرآن في الآخرة ؛ لأنها طويلة، لذلك قال: ﴿شَدِيدُ ٱلۡعَذَابِ﴾، بينما (العقاب) من عقب الشيء وتعقبه، فيدل على سرعة وقوعه وأكثر وروده في القرآن في الدنيا لسرعتها، وهذه الآية في الآخرة وهم يرون العذاب مباشرة فقال: ﴿شَدِيدُ ٱلۡعَذَابِ﴾. 8 ـ هذه الآية تمثل القاعدة الرابعة من قواعد الإيمان وهي: محبة العبد لربه تفوق كلّ محبة، وقد سبق بيان القواعد الأخرى في آيات البقرة: [ 158 ـ159 ـ 163 ]. والله أعلم.
__________________
|
#134
|
||||
|
||||
رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (136) مقالات شرعية مثنى محمد هبيان ﴿ﭐ إِذۡ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ ٱلۡعَذَابَ وَتَقَطَّعَتۡ بِهِمُ ٱلۡأَسۡبَابُ﴾ [البقرة: 166] السؤال الأول:ما دلالات هذه الآية؟ الجواب: 1 ـ هذه الآية إخبار من الله عن المستقبل، حيث يتخاصم أو يتلاوم الكفار في النار يوم القيامة، و كلٌ منهم يُلقي اللوم على الآخر، حيث يكفر بعضهم ببعض ويلعن بعضهم بعضاً، لأنّ الصلة بينهم كانت لغير الله، فانتهت العلاقات، وسقطت الكراسي، وهوت الرئاسات، ولم يعد للكبار شيئاً يملكونه للصغار، وقد أضلوهم في الحياة الدنيا، ويوم القيامة يتبرؤون منهم. 2 ـ قوله تعالى: ﴿وَتَقَطَّعَتۡ بِهِمُ ٱلۡأَسۡبَابُ﴾ فيه مجاز مرسل علاقته السببية، فإنّ السبب في الأصل الحبل الذي يرتقى به إلى ما هو عالٍ، ثم أطلق على كل ما يتوصل به إلى شيء، مادة كان أو معنى. 3 ـ هذه الآية تمثل القاعدة الخامسة من قواعد الإيمان وهي: مسؤولية كل إنسان عن نفسه، وقد سبق بيان القواعد الأخرى في آيات البقرة: [ 158 ـ159 ـ 163 ـ 165]. 4 ـ قوله تعالى: ﴿إِذۡ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ﴾ يمثل مشهداً مخيفاً يوم القيامة، وهو براءة الأتباع من المتبوعين والعكس، وليكن معلوماً بأنّ موازين الأمور في الآخرة هي المقياس الحقيقي لمعرفة حقائق الأمور في الدنيا. والله أعلم. ﴿ وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ لَوۡ أَنَّ لَنَا كَرَّةٗ فَنَتَبَرَّأَ مِنۡهُمۡ كَمَا تَبَرَّءُواْ مِنَّاۗ كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ ٱللَّهُ أَعۡمَٰلَهُمۡ حَسَرَٰتٍ عَلَيۡهِمۡۖ وَمَا هُم بِخَٰرِجِينَ مِنَ ٱلنَّارِ﴾ [البقرة: 167] السؤال الأول:ما الفرق بين الحسرة والندامة؟ الجواب: 1ـ الحسرة هي أشد الندم حتى ينقطع الإنسان من أنْ يفعل شيئاً، والحسير هو المنقطع في القرآن الكريم، ويقولون هو من تبلغ به درجة لا ينتفع به حتى ينقطع. 2ـ في الندم قد يندم الإنسان على أمر وإنْ كان فواته ليس بذلك، لكنّ الحسرة هي أشد الندم والتلهف على ما فات حتى قالوا:ينقطع تماماً، يقولون:هو كالحسير من الدواب الذي لا منفعة معه. و الندم له درجات أيضاً ولكنّ الحسرة أشد الندم، وهي من الندم لكنّ أقوى من الندم ؛ إذ تكون عندما يبلغ الندم مبلغاً، نحو قوله تعالى: ـ ﴿ كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ ٱللَّهُ أَعۡمَٰلَهُمۡ حَسَرَٰتٍ عَلَيۡهِمۡۖ﴾ [البقرة:167] أي: منقطعة ولا فائدة من الرجوع مرة ثانية. ـ ﴿يَٰحَسۡرَةً عَلَى ٱلۡعِبَادِۚ ﴾ [يس:30] أي: هذه أكبر الحسرات وليس هناك أكبر منها. 3 ـ قوله سبحانه: ﴿ كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ ٱللَّهُ أَعۡمَٰلَهُمۡ حَسَرَٰتٍ عَلَيۡهِمۡۖ﴾ [البقرة:167] يفيد أنّ كل وقت ضاع في المباح يتحسّر صاحبُه عليه غداً.. ولو كان من أهل الجنة، فكيف لو ضاع في الحرام، وكان صاحبُه من أهل النار؟! السؤال الثاني: ما دلالات هذه الآية؟ الجواب: 1 ـ يوم القيامة يقول التابعون: لو أنّ لنا عودة إلى الدنيا مرة ثانية لانتقمنا منهم، وأعلنا براءتنا منهم كما أعلنوا براءتهم منا، وكما أراهم الله شدة عذاب الآخرة يريهم عاقبة ما كانوا يفعلونه في الدنيا من الشرك والكفر والمعاصي ندامةً وحسرةً على ما فرّطوا في جنب الله،فهم يتمنون أن يُردوا إلى الدنيا فيتركوا الشرك والمعاصي، ويقبلوا على الله، وأنّى لهم ذلك، فقد فات وقت التوبة وانتهى عمر الدنيا، وهم كاذبون في دعواهم، ولو رُدوا لعادوا لما نهوا عنه. 2ـ رأس المتبوعين على الشر ـ إبليس ـ يقول لأتباعه يوم القيامة لمّا قضي الأمر: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمۡ وَعۡدَ ٱلۡحَقِّ وَوَعَدتُّكُمۡ فَأَخۡلَفۡتُكُمۡۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيۡكُم مِّن سُلۡطَٰنٍ إِلَّآ أَن دَعَوۡتُكُمۡ فَٱسۡتَجَبۡتُمۡ لِيۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوٓاْ أَنفُسَكُمۖ﴾ [إبراهيم:22]. 3 ـ في الآية ما يسمى: فن الحذف، فقد حذف جواب (لو) الشرطية وهو مقدّر في الآية وتقديره: لكان منهم ما لا يدخل تحت الوصف. و( لو) للتمني.والله أعلم.
__________________
|
#135
|
||||
|
||||
رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (137) مقالات شرعية مثنى محمد هبيان ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ حَلَٰلٗا طَيِّبٗا وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٌ﴾ [البقرة: 168] السؤال الأول:ما أهم النظرات البلاغية في الآية؟ الجواب: 1ـ الحلال هو المباح وهو نقيض الحرام، والحرام قد يكون حراماً لخبثه كالخمر، وقد يكون حراماً لا لخبثه كمُلك الغير إذا لم يأذن في أكله، والحلال هو الخالي من القيدين. 2ـ الطيبُ في اللغة قد يكون بمعنى الطاهر، والحلال قد يوصف بالطيب؛ لأنّ الحرام يوصف بأنه خبيث، والطيبُ في الأصل هو ما يُستَلَذُّ به ويستطاب. 3ـ قوله تعالى: ﴿حَلَٰلٗا طَيِّبٗا﴾ [البقرة:168] نُصِبَ على الحال مما في الأرض أو مفعول به. 4ـ قوله ﴿خُطُوَٰتِ﴾ [البقرة:168] بضم الخاء والطاء، أو بسكون الطاء ـ والخُطوة من الأسماء لا من الصفات فيُجمع بتحريك العين، وأمّا من خفف العين فأبقاه على الأصل وطلب الخفة فلا بأس. السؤال الثاني: ما الأمور التي ذكرها الله في القرآن حول عداوة الشيطان المبينة الظاهرة؟ الجواب: 1ـ قوله تعالى: ﴿إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٌ﴾ [البقرة:168] بيّن العلة في هذا التحذير ؛ وهي كونه عدواً مبيناً. 2ـ يلاحظ أن الشيطان التزم أموراً سبعة في العداوة، وهي: آـ أربعة منها في قوله تعالى: ﴿وَلَأُضِلَّنَّهُمۡ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمۡ وَلَأٓمُرَنَّهُمۡ فَلَيُبَتِّكُنَّ ءَاذَانَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ وَلَأٓمُرَنَّهُمۡ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلۡقَ ٱللَّهِۚ﴾ [النساء:119]. ب ـ وثلاثة في قوله تعالى: ﴿لَأَقۡعُدَنَّ لَهُمۡ صِرَٰطَكَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ١٦ ثُمَّ لَأٓتِيَنَّهُم مِّنۢ بَيۡنِ أَيۡدِيهِمۡ وَمِنۡ خَلۡفِهِمۡ وَعَنۡ أَيۡمَٰنِهِمۡ وَعَن شَمَآئِلِهِمۡۖ وَلَا تَجِدُ أَكۡثَرَهُمۡ شَٰكِرِينَ﴾ [الأعراف:16-17]. فلمّا التزم الشيطان هذه الأمور كان عدواً متظاهراً بالعداوة. السؤال الثالث: ما دلالات هذه الآية؟ الجواب: 1 ـ لمّا بيّن تعالى في الآيات السابقة التوحيد ودلائله، وما للموحدين من الثواب، وأتبعه بذكر الشرك ومن يتخذ من دون الله أنداداً ويتبع رؤساء الكفر، أتبع ذلك بذكر إنعامه على الفريقين وإحسانه إليهم، وأنّ معصية من عصاه وكفر من كفر به لم تؤثر في قطع إحسانه ونعمه عنهم، فقال: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ﴾. 2 ـ قوله تعالى: ﴿وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ﴾ تدل أنّ الشيطان يدعو إلى الصغائر والكبائر والكفر والجهل بالله، ويتم ذلك عن طرق مختلفة منها: الوسوسة والخواطر والتصورات، وتزيين التدرج في خطوات المعاصي، وتزيين المصالح الدنيوية على حساب المصالح الأخروية. 3 ـ قوله تعالى: ﴿حَلَٰلٗا طَيِّبٗا﴾ يمثل القاعدة السادسة من قواعد الإيمان وهي: التحليل والتحريم حق الله وحده، وللفائدة نعيد بيان هذه القواعد كتلخيص لها: والله أعلم.
__________________
|
#136
|
||||
|
||||
رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (138) مقالات شرعية مثنى محمد هبيان ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلۡ نَتَّبِعُ مَآ أَلۡفَيۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآۚ أَوَلَوۡ كَانَ ءَابَآؤُهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ شَيۡٔٗا وَلَايَهۡتَدُونَ﴾ [البقرة: 170] السؤال الأول:ما الفرق بين كلمتي ﴿أَلۡفَيۡنَا﴾ في آية البقرة [170] ﴿بَلۡ نَتَّبِعُ مَآ أَلۡفَيۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآۚ ﴾ و﴿وَجَدۡنَا﴾ في آية المائدة [104] ﴿حَسۡبُنَا مَا وَجَدۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآۚ ﴾ وآية لقمان [21] ﴿مَا وَجَدۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآۚ ﴾؟ الجواب: 1ـ الفعل (ألفى) في اللغة يستعمل في الأمور المادية فقط، وقسمٌ من النحاة يقولون: إنه لا يأتي في أفعال القلوب، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّهُمۡ أَلۡفَوۡاْ ءَابَآءَهُمۡ ضَآلِّينَ﴾ [الصافات:69] وقوله: ﴿وَأَلۡفَيَا سَيِّدَهَا لَدَا ٱلۡبَابِۚ﴾ [يوسف:25]. 2ـ أمّا كلمة ﴿وَجَدۡنَا﴾ فهي تأتي مع أفعال القلوب، كما في قوله تعالى ﴿لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّابٗا رَّحِيمٗا﴾ [النساء:64] وقد تأتي أحياناً في الأشياء الحسّية. 3ـ وعندما يذكر القرآن كلمة ﴿أَلۡفَيۡنَا﴾ يريد أنْ يذمّهم أكثر وينفي عنهم العقل، كما في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلۡ نَتَّبِعُ مَآ أَلۡفَيۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآۚ أَوَلَوۡ كَانَ ءَابَآؤُهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ شَيۡٔٗا وَلَايَهۡتَدُونَ﴾ [البقرة:170]. ولو لاحظنا آية سورة المائدة [103] ﴿مَا جَعَلَ ٱللَّهُ مِنۢ بَحِيرَةٖ وَلَا سَآئِبَةٖ وَلَا وَصِيلَةٖ وَلَا حَامٖ وَلَٰكِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَفۡتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَۖ وَأَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ﴾ فالذي يُشرّع ليس عنده علم ولكن عنده عقل. 4ـ وعندما يذكر كلمة (وجدنا ) ينفي عنهم العلم ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ قَالُواْ حَسۡبُنَا مَا وَجَدۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآۚ أَوَلَوۡ كَانَ ءَابَآؤُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ شَيۡٔٗا وَلَا يَهۡتَدُونَ﴾ [المائدة:104] وكذلك في سورة لقمان ﴿أَلَمۡ تَرَوۡاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَأَسۡبَغَ عَلَيۡكُمۡ نِعَمَهُۥ ظَٰهِرَةٗ وَبَاطِنَةٗۗ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَٰدِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَلَا هُدٗى وَلَا كِتَٰبٖ مُّنِيرٖ٢٠ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلۡ نَتَّبِعُ مَا وَجَدۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآۚ أَوَلَوۡ كَانَ ٱلشَّيۡطَٰنُ يَدۡعُوهُمۡ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ﴾ [لقمان: 20، 21]. 5ـ وقد تنفي العلم عن أحدهم ولكنه يبقى عاقلاً، لكن إذا نفى عنهم العقل أصبحوا كالبهائم، فكلمة (ألفينا ) تأتي إذن في باب الذمّ. السؤال الثاني: ما الفرق بين ﴿لَا يَعۡقِلُونَ﴾ في آية البقرة[170] وبين ﴿لَا يَعۡلَمُونَ ﴾ في آية المائدة [104]؟ الجواب: ﴿يَعۡقِلُونَ﴾ تعني ما ينشأ عن الفكر والتدبر، وليس كل الناس يستطيعون هذا ؛ ولذلك يأخذون القضايا مسلماً بها من غيرهم الذي عقل. والذي يعلم أقل منزلة من الذي يعقل؛ لأنّ الذي عقل هو إنسان قد استنبط، وأمّا الذي علم فقد أخذ علمه من غيره لكنه لم يتعقله، لذلك نفيُ العلم عن شخص أبلغُ من نفي التعقل؛ لأنّ معنى (لا يعلم) أي: ليس لديه شيء من علم غيره أو علمه هو، أي: لا يعلم ولا يعقل كالحيوانات تماماً، بينما عندما يقول الحق: ﴿لَا يَعۡقِلُونَ﴾ فمعنى ذلك أنه من المحتمل أن يعلموا. السؤال الثالث: هل يختلف نوع المخاطب في آية البقرة [170] وآية المائدة [104] حتى اختلف الأسلوب في الآيتين؟ الجواب: آية البقرة 170. تتحدث عن قوم بسطاء غُفْلٍ يمكن أنْ يتغيروا وأنْ يتعلموا وأنْ يهتدوا إذا وجدوا الرعاية والعناية، أي: أنّ الآية تتحدث عن الناس في أول الدعوة والذين اتبعوا ما صادفوا آباءهم عليه دون أن يكون لهم رأي أو تصميم سابق أو عقيدة سابقة، بل إنّ آباءهم أيضاً لا يعقلون. وهذه الآية من سورة البقرة التي هي متقدمة في النزول على سورة المائدة، وهي آخر سور القرآن نزولاً. آية المائدة 104. تتحدث عن رؤوس الكفر وهم قساة الناس، وهؤلاء قولهم عن إصرار وعقيدة، وأنهم يعتقدون أنّ آباءهم قد اختاروا هذا الطريق عن علم ومعرفة. الملاحظات: 1ـ في آية البقرة أنت أمام قوم في أول الطريق لم يعتقدوا رأياً بعد، فيُقال لهم: اتبعوا ما أنزل الله، بينما في آية المائدة فهم في موقع اختاروه ورضوا به وتمسكوا فيقال لهم: دعوا ما أنتم عليه وتعالوا إلى ما أنزل الله. 2ـ في الرد في آية البقرة نجد كلمة ﴿أَلۡفَيۡنَا﴾ أي: أننا وجدنا رأياً سابقاً وليس لنا رأي محدد فاتبعنا ما وجدنا عليه آباءنا. أمّا في آية المائدة فكلمة ﴿حَسۡبُنَا﴾ تعني: يكفينا، وهذا يدل على أنهم يعرفون ما هم فيه وما يدعون إليه وهم مقتنعون به؛ من أجل هذا قالوا: ﴿حَسۡبُنَا مَا وَجَدۡنَا﴾ [المائدة:104] أي: أنّ الأمر قائم ومستتب من قبل ولم يكن مفاجأة لهم. 3ـ في آية البقرة استخدم ﴿لَا يَعۡقِلُونَ﴾ وفي آية المائدة استخدم ﴿لَا يَعۡلَمُونَ﴾ والذي لا يعقل يتعلم، أمّا الذي يعلم فقد عَلِمَ ودرس وفهم وتعلم وتمسك بما تعلمه. 4ـ قوله تعالى: ﴿أَوَلَوۡ﴾ في الآيتين هي واو العطف دخلت عليها همزة الاستفهام فنقلتها إلى معنى التوبيخ والتقريع، وإنما جُعلت همزة الاستفهام للتوبيخ؛ لأنها تقتضي الإقرار بشيء يكون الإقرار به فضيحة. والله أعلم. السؤال الرابع: ما دلالة الفرق في رسم كلمتي ﴿ءَابَآؤُهُمۡ﴾ ﴿وَالِدٖ﴾ بالألف الصريحة، ورسم كلمتي﴿ أُمَّهَٰتُكُمۡ ﴾ ﴿وَٰلِدَةُۢ ﴾ بدون ألف وسطية؟ الجواب: 1ـ كلمة ﴿ ءَابَآؤُهُمۡ ﴾ ومشتقاتها وردت في القرآن الكريم حوالي(64) مرة، وكلها بالألف الصريحة. 2ـ كلمة ﴿ أُمَّهَٰتُكُمۡ ﴾ ومشتقاتها وردت في القرآن الكريم حوالي(11) مرة، وكلها بدون الألف الصريحة. ويوحي عدم وجود ألف صريحة في كلمة ﴿ أُمَّهَٰتُكُمۡ ﴾ بالرغم من وجودها في كلمة﴿ ءَابَآؤُهُمۡ ﴾ بأنّ الأمهات أكثر التصاقاً بأولادهن، وخاصة في مرحلة الحمل والرضاعة ؛ وهو التصاق مادي وروحي. 3ـ كلمة ﴿ وَالِدٖ ﴾ ومشتقاتها وردت في القرآن الكريم (3) مرات، وكلها بالألف الصريحة، وذلك في الآيات:[ لقمان 33(مرتان) ـ البلد3 ]. 4ـ كلمة ﴿ وَٰلِدَةُۢ ﴾ ومشتقاتها وردت في القرآن الكريم (3) مرات، وكلها بالألف غير الصريحة، وذلك في الآيات:[ البقرة 233ـ المائدة 110 ـ مريم 32 ]. ويوحي عدم وجود ألف صريحة في كلمة ﴿ وَٰلِدَةُۢ ﴾ بالرغم من وجودها في كلمة ﴿ وَالِدٖ﴾ بأنّ الأمهات أكثر التصاقاً بأولادهن. والله أعلم.
__________________
|
#137
|
||||
|
||||
رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (139) مقالات شرعية مثنى محمد هبيان ﴿وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي يَنۡعِقُ بِمَا لَا يَسۡمَعُ إِلَّا دُعَآءٗ وَنِدَآءٗۚ صُمُّۢ بُكۡمٌ عُمۡيٞ فَهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ﴾ [البقرة: 171] السؤال الأول:ماذا تمثل هذه الآية من صور بيانية؟ الجواب: 1 ـ انظر في بديع التطبيق القرآني وعظيم بلاغة القرآن، وكيف أنّ آياته تصلح ألفاظها لمعانٍ كثيرة، فهذه الآية تحمل صورتين في وصف حال المشركين: آـ صورة المشركين والنبي ﷺ يدعوهم للإيمان بالله تعالى، فحالتهم كحالة الأغنام التي لا تفقه دليلاً من صوت من يناديها ولا تدرك من كلامه معنى، إلا أنها تسمع أصواتاً لا مدلول لها عندها، فالكلام عندها أصوات مجرّدة عن المعاني. ب ـ والصورة الثانية صورة المشركين وهم يدعون آلهتهم كمن يدعو أغناماً لا تفقه شيئاً ولا تُجيب داعياً. 2 ـ الآية تمثل صورة بلاغية مؤثرة للكافر وهو في كفره وغيه لا يستمع إلى صوت الحق أبداً وما يُقال. لا يتأملُ فيما يُقال له ولا ما يُتلى عليه، ولا ينتبه إليه ولا للأمر كأنه لا يعنيه أصلاً، فهو كالبهيمة ينعق عليها فهي تسمع جرس النغمة لكن لا تفقه. السؤال الثاني: ما دلالة الاختلاف في الترتيب بين آيتي البقرة [18] و [171] ﴿صُمُّۢ بُكۡمٌ عُمۡيٞ﴾ و آية الإسراء [97] ﴿عُمۡيٗا وَبُكۡمٗا وَصُمّٗاۖ﴾؟ الجواب: انظر الجواب في آية البقرة 18. ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡ وَٱشۡكُرُواْ لِلَّهِ إِن كُنتُمۡ إِيَّاهُ تَعۡبُدُونَ﴾ [البقرة: 172] السؤال الأول:لِمَ قال ربنا سبحانه وتعالى: ﴿وَٱشۡكُرُواْ لِلَّهِ﴾ ولم يقل: (واشكروني) أو (واشكروا لي) باستخدام الضمير؟ الجواب: ذكر اسم الله تعالى ظاهراً يوحي أنّ في الاسم الظاهر إشعاراً بالألوهية التي قد لا يؤديها الضمير، فكأنما يومئ أنّ الإله الحق هو المستحق للعبادة دون غيره من أوثان ومعبودات باطلة؛ لأنه هو الذي يخلق ويُنعِم فهو وحده سبحانه الذي يستحق الشكر على نعمائه. السؤال الثاني: في الآية قدّم المفعول به ﴿إِيَّاهُ﴾ على فعل العبادة ﴿تَعۡبُدُونَ﴾ فما دلالة ذلك؟ الجواب: السبب أنّ العبادة مختصة بالله تعالى فلا يُعبد أحد غيره ولا يُستعان بغيره، كقوله تعالى في سورة الفاتحة: ﴿إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ﴾ وقوله في آية الزمر 66 ﴿بَلِ ٱللَّهَ فَٱعۡبُدۡ وَكُن مِّنَ ٱلشَّٰكِرِينَ﴾. السؤال الثالث: قال الله في هذه الآية: ﴿وَٱشۡكُرُواْ لِلَّهِ﴾ وقال في آية النحل: 114 ﴿وَٱشۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ﴾ فما دلالة الفرق بين التعبيرين؟ الجواب: 1ـ سياق آية البقرة هو الكلام عن الله تعالى، انظر الآيات: (165ـ 171) فناسب الأمر بشكر الله. 2ـ وأمّا سياق آية النحل فهو في الكلام عن النعم، انظر الآية 112، حيث ذكر فيها القرية التي كفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف، فناسب الأمر بشكر النعمة لئلا يصيبهم ما أصاب مَنْ قبلهم. 3ـ إضافة إلى أنه وردت كلمة (النعمة) في سورة البقرة ست مرات، بينما وردت في سورة النحل تسع مرات، فناسب كل تعبير مكانه. السؤال الرابع: ما دلالة هذه الآية؟ الجواب: 1ـ قوله تعالى: ﴿كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡ﴾ أي كلوا من لذائذ ما أحللناه لكم، والأمر هنا للإباحة. 2ـ قوله تعالى: ﴿وَٱشۡكُرُواْ لِلَّهِ﴾ هذا للأمر وليس للإباحة، والشكر يكون باللسان أو القلب أو الجوارح أو بالجميع. 3 ـ تأملوا كيف أنّ الله لم يطالب الله العباد بترك المتلذَذات، وإنما طالبهم بالشكر عليها إذا تناولوها. 4ـ قوله تعالى: ﴿إِن كُنتُمۡ إِيَّاهُ تَعۡبُدُونَ﴾ معناه: ـ إنْ كنتم عارفين بالله ونعمه. ـ إنْ كنتم تريدون أن تعبدوا الله فاشكروه لأنّ الشكر رأس العبادات. 5 ـ في حديث أنس رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إنّ الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة أو يشرب الشربة فيحمده عليها ) رواه مسلم. 6ـ لمّا ذكر الله في هذه الآية أنه أباح الطيبات، أتبعه بتحريم الخبائث في الآية التالية. والله أعلم.
__________________
|
#138
|
||||
|
||||
رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (140) مقالات شرعية مثنى محمد هبيان ﴿ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحۡمَ ٱلۡخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ بِهِۦ لِغَيۡرِ ٱللَّهِۖ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ غَيۡرَ بَاغٖ وَلَا عَادٖ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ١٧٣﴾ [البقرة: 173] السؤال الأول:قوله تعالى في آية البقرة [173]: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحۡمَ ٱلۡخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ بِهِۦ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ﴾ وقوله تعالى في آية المائدة[3]: ﴿حُرِّمَتۡ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةُ وَٱلدَّمُ وَلَحۡمُ ٱلۡخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦ﴾ [المائدة:3] ما دلالة التقديم والتأخير لـ (به) بين الآيتين؟ الجواب: 1ـ لو لاحظنا السياق في المائدة نجد أنّ الكلام عن التحليل والتحريم ومن بيده ذلك، ورفض أي جهة تحلل وتحرم غير الله، انظر آيات المائدة: ـ قال تعالى: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَوۡفُواْ بِٱلۡعُقُودِۚ أُحِلَّتۡ لَكُم بَهِيمَةُ ٱلۡأَنۡعَٰمِ إِلَّا مَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡ غَيۡرَ مُحِلِّي ٱلصَّيۡدِ وَأَنتُمۡ حُرُمٌۗ إِنَّ ٱللَّهَ يَحۡكُمُ مَا يُرِيدُ﴾ [المائدة:1] والمعنى أنه ليس لكم أن تُحِلّوا، والذي يُحِلّ هو الله تعالى فقط. ـ ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُحِلُّواْ شَعَٰٓئِرَ ٱللَّهِ وَلَا ٱلشَّهۡرَ ٱلۡحَرَامَ وَلَا ٱلۡهَدۡيَ وَلَا ٱلۡقَلَٰٓئِدَ﴾ [المائدة:2] أي: الذي يُحِلّ هو ربنا سبحانه وتعالى. ـ ﴿يَسَۡٔلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمۡۖ قُلۡ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَٰتُ وَمَا عَلَّمۡتُم مِّنَ ٱلۡجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ﴾ [المائدة:4] إذن هو سبحانه يجعل التحليل والتحريم بيده حصراً. فالسياق أنه ليس هنالك أي جهة تقوم بذلك غير الله تعالى، ولذلك قدّم ﴿وَمَآ أُهِلَّ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦ﴾ [المائدة:3]. ولفظة ﴿أُهِلَّ﴾ يعني رُفِع الصوت بذبحه، أُهِلّ يعني أنْ تقول عند الذبح: باسم الله والله أكبر، هذا لفلان. 2ـ إذن في آية المائدة قدّم ﴿لِغَيۡرِ ٱللَّهِ﴾ ؛ لأنّ ربنا هو الجهة الأولى والأخيرة التي بيدها التحليل والتحريم، وليس لأحد آخر هذا الحق. 3ـ أمّا في آية البقرة فالمقام هو فيما رزق الله تعالى عباده من الطيبات، وليس فيها تحليل وتحريم، قال تعالى: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ حَلَٰلٗا طَيِّبٗا ﴾ [البقرة:168] ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡ وَٱشۡكُرُواْ لِلَّهِ إِن كُنتُمۡ إِيَّاهُ تَعۡبُدُونَ١٧٢ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحۡمَ ٱلۡخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ بِهِۦ لِغَيۡرِ ٱللَّهِۖ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ غَيۡرَ بَاغٖ وَلَا عَادٖ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ١٧٣﴾ [البقرة:172-173]. فقوله تعالى ﴿كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡ﴾ [البقرة:172] هذا طعام، ﴿كُلُواْ مِمَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ حَلَٰلٗا طَيِّبٗا﴾ [البقرة:168] هذا طعام، ﴿وَمَآ أُهِلَّ بِهِۦ لِغَيۡرِ ٱللَّهِۖ﴾ [البقرة:173] هذه الذبيحة، ﴿وَمَآ أُهِلَّ بِهِۦ لِغَيۡرِ ٱللَّهِۖ﴾ [البقرة:173] يعني ما رُفِع الصوت بذبحه فقدّم ﴿بِهِ﴾ [البقرة:173] لأنّ هذا طعام متناسب مع الطعام ومتناسب مع طيبات ما رزقهم. 4ـ إذن في سياق التحريم قال: ﴿وَمَآ أُهِلَّ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦ﴾ [المائدة:3] فقدّم ﴿لِغَيۡرِ ٱللَّهِ﴾ [المائدة:3] لأنها الجهة الوحيدة التي تُحلل وتُحرم، والكلام في التحليل والتحريم، وهو سبحانه الذي يحلل ويحرم. ولمّا كان السياق في الأطعمة قدّم الطعام ومنها الذبيحة، فقال: ﴿وَمَآ أُهِلَّ بِهِۦ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ ﴾ [البقرة:173] يعني الذبيحة. 5ـ ومسألة الذبح في الآيتين متعلقة بالله تعالى أو بغير الله سبحانه وتعالى، لكنّ التقديم والتأخير متعلق في سياق التحليل والتحريم أو في سياق الطعام. 6 ـ بيّنت الآية أربعة أصناف من المحرمات من المآكل وهي: آ ـ الميتة. ب ـ الدم المسفوح. ج ـ الخنزير. د ـ ما ذُبح على اسم غير الله كالأنصاب والأزلام. ويمكن الاطلاع على التفاصيل من كتب الفقه. السؤال الثاني: فاصلة هذه الآية في البقرة 173، وفي المائدة 3، وفي النحل 115، هي ﴿إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ﴾ بينما فاصلة آية الأنعام 145 هي ﴿فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ﴾فما السبب؟ الجواب: 1ـ إن آيات البقرة والمائدة والنحل هي خطاب من الله للناس، فناسب ﴿إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ﴾ بينما آية الأنعام 145وهي قوله تعالى: ﴿قُل لَّآ أَجِدُ فِي مَآ أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٖ يَطۡعَمُهُۥٓ إِلَّآ أَن يَكُونَ مَيۡتَةً أَوۡ دَمٗا مَّسۡفُوحًا أَوۡ لَحۡمَ خِنزِيرٖ فَإِنَّهُۥ رِجۡسٌ أَوۡ فِسۡقًا أُهِلَّ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦۚ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ غَيۡرَ بَاغٖ وَلَا عَادٖ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ﴾ بدأت بلفظة (قل) وهي خطاب للرسول ﷺ فناسب ختمها بقوله: ﴿فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ١٤٥﴾. 2ـ ومن أسباب هذا الاختيار - والله أعلم - أنّ لفظ (الله) تردد في البقرة أكثر مما تردد في الأنعام، وأنّ لفظ (الرب) تردد في الأنعام أكثر مماتردد في البقرة ـ وإليك البيان: اللفظ عدد التكرار في البقرة عدد التكرار في الأنعام الله 282 مرة 87 مرة رب 47 مرة 53 مرة فناسب أنْ يضع كلمة (الله) في البقرة، وكلمة (رب) في الأنعام.3ـ إضافة إلى ذلك، فإنّ آية البقرة في سياق العبادة، ولفظ (الله) أولى في هذا السياق؛ لأنه من الألوهية، والألوهية هي العبادة، قال تعالى: ﴿وَٱشۡكُرُواْ لِلَّهِ إِن كُنتُمۡ إِيَّاهُ تَعۡبُدُونَ١٧٢﴾ [البقرة:172] ولمّا قال في سورة النحل: ﴿ وَٱشۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ إِيَّاهُ تَعۡبُدُونَ١١٤﴾ [النحل:114] قال بعدها: ﴿فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ١١٥﴾ [النحل:115]. وأمّا سياق آية الأنعام ففي الأطعمة، ولفظ (الرب) ألصق بهذا السياق؛ لأنّ الرب من التربية والتنشئة. السؤال الثالث: ما علاقة أول الآية بخاتمتها ﴿إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ١٧٣﴾؟ والمغفرة والرحمة تقتضيان ذنوباً، وما سبَق في الآية هو تشريع بإباحة الميتة عند الضرورة فلا ذنب. الجواب: إذا كان الله يغفر مع الذنب، أفلا يغفر مع الضرورة التي شرع لها الحكم؟!!!. الله سبحانه وتعالى غفورٌ في الأصل أفلا يغفر لمن أعطاه رخصة؟ إذن هو غفورٌ رحيمٌ ولن يكتب على المضطر ذنباً من جراء اضطراره، ورحمة الله هي التي تغفر للعاصي، هو سبحانه الذي كتب المغفرة لمن اضطر وكسر قاعدة التحريم عند الاضطرار. وللعلم فإنّ المغفرة والرحمة في القرآن الكريم إذا اقترنتا، تكون المغفرة لما مضى من الذنوب، والرحمة للسلامة من الذنوب فهي للمستقبل. والله أعلم. السؤال الرابع: لماذا قدّم المغفرة على الرحمة في آية البقرة 173، وآية النساء 100، وقدمت الرحمة على المغفرة في آية سبأ 2؟ الجواب: تقدمت المغفرة على الرحمة في آيات كثيرة في القرآن الكريم، وسبب ذلك - والله أعلم- أنّ المغفرة سلامة والرحمة غنيمة، والسلامة مطلوبة قبل الغنيمة. في آية سبأ 2، وهي قوله تعالى: ﴿يَعۡلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا يَخۡرُجُ مِنۡهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعۡرُجُ فِيهَاۚ وَهُوَ ٱلرَّحِيمُ ٱلۡغَفُورُ٢﴾ فقد تأخرت المغفرة عن الرحمة؛ وذلك أنّ جميع الخلائق من الإنس والجن والحيوان وغيرهم محتاجون إلى رحمته، فهي برحمته تعيش وتحيا وبرحمته تتراحم، وأمّا المغفرة فتخص المكلفين؛ فالرحمة أعم. السؤال الخامس: في الآيات التالية [البقرة 173ـ البقرة 182ـ البقرة 191ـ آل عمران 89ـ المائدة 3] قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ﴾ مؤكَّدة بإنّ، بينما قال في آية النحل 18 ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورٞ رَّحِيمٞ١٨﴾ فأكدها بإنّ واللام، فلماذا؟ الجواب: القاعدة اللغويـــة: يستعمل القرآن الكريم تخفيف التوكيد أو زيادته حسب مقتضى الحال، فيقول: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ١٧٣﴾ [البقرة:173] مع التخفيف و﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورٞ رَّحِيمٞ١٨﴾ [النحل:18] مع زيادة التوكيد بزيادة اللام. البيــــان: في آيات البقرة وآل عمران والمائدة والأنعام، قال: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ١٧٣﴾ فأكّدها كلها بإنّ وحدها، في حين قال في سورة النحل: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورٞ رَّحِيمٞ١٨﴾ فأكّدها بإنّ واللام. وسبب ذلك أنّ سياق آيات النحل هو في تعداد نعم الله على الإنسان ورحمته به ولطفه بخلقه، فقد ذكر خلق الأنعام وما فيها من منافع للإنسان، وذكر منافع الزروع وذكر نعمته عليه في البر والبحر وغير ذلك مما لا يعد ولا يحصى من النعم، فناسب ذلك تأكيد المغفرة، وليس السياق في الآيات الأخرى كذلك. والله أعلم.
__________________
|
#139
|
||||
|
||||
رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (141) مثنى محمد هبيان ﴿ﭐ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡتُمُونَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَيَشۡتَرُونَ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلًا أُوْلَٰٓئِكَ مَا يَأۡكُلُونَ فِي بُطُونِهِمۡ إِلَّا ٱلنَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ١٧٤ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشۡتَرَوُاْ ٱلضَّلَٰلَةَ بِٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡعَذَابَ بِٱلۡمَغۡفِرَةِۚ فَمَآ أَصۡبَرَهُمۡ عَلَى ٱلنَّارِ١٧٥ ﴾ [البقرة: 174-175] السؤال الأول:قوله تعالى: ﴿ٱشۡتَرَوُاْ ٱلضَّلَٰلَةَ بِٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡعَذَابَ بِٱلۡمَغۡفِرَةِۚ﴾ ما الذي أخذوه؟ وما الذي تركوه؟ الجواب: القاعدة تقول: إنّ الباء مع الذاهب، كأنْ تقول: اشتريت الكتاب بألف، فالذاهب هو المال والمشترى هو الكتاب. وفي الآية اشتروا الضلالة وخسروا الهدى، واشتروا العذاب وخسروا المغفرة، نسأل الله العافية. السؤال الثاني: ما نوع الاستفهام في الآية: ﴿فَمَآ أَصۡبَرَهُمۡ عَلَى ٱلنَّارِ١٧٥﴾؟ الجواب: 1ـ قوله تعالى: ﴿فَمَآ أَصۡبَرَهُمۡ عَلَى ٱلنَّارِ١٧٥﴾ هو استفهام للتعجب بقصد التوبيخ، والمعنى: ما الذي أصبرهم على النار حتى تركوا الحق واتبعوا الباطل. 2ـ للتعجب صيغتان: ما أفعَلَه، وأَفعِل به. شواهد قرآنية: ﴿فَمَآ أَصۡبَرَهُمۡ عَلَى ٱلنَّارِ١٧٥﴾ [البقرة:175]. ﴿أَسۡمِعۡ بِهِمۡ وَأَبۡصِرۡ﴾ [مريم:38]. السؤال الثالث: ما إعراب ﴿فَمَآ أَصۡبَرَهُمۡ﴾ وإعراب ﴿أَسۡمِعۡ بِهِمۡ﴾؟ الجواب: 1ـ إعراب ﴿فَمَآ أَصۡبَرَهُمۡ﴾: ما: اسم نكرة للتعجب بمعنى: شيء عظيم، في محل رفع مبتدأ. أصبرَ: فعل ماض، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره: هم، والهاء مفعول به، والجملة: خبر (ما). 2ـ إعراب ﴿أَسۡمِعۡ بِهِمۡ﴾: أسمِع: فعل ماض جامد، جاء على صورة الأمر، مبنيٌّ على الفتح المقدر. بهم: الباء حرف جر زائد، والهاء ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. السؤال الرابع: ما أهم دلالات هاتين الآيتين؟ الجواب: 1ـ مضمون الآية (174) أنّ هناك وعيد شديد لمن كتم ما أنزل الله على رسله، لا سيّما خاتمهم محمد عليه الصلاة والسلام، ابتغاء عرض دنيوي. 2ـ الآية وردت في رؤساء اليهود كانوا يأخذون من اتباعهم الهدايا على سبيل الرشوة، فلمّا بُعث النبي عليه السلام خافوا انقطاع تلك المنافع، فكتموا أمر وصف محمد عليه السلام في التوراة والإنجيل، وكتموا أمر شرائعه، عن طريق التحريف والتأويلات الباطلة. 3 ـ سماه: ﴿ثَمَنٗا قَلِيلًا﴾ إمّا أنه في نفسه قليل، أو هو فعلاً قليل مهما كثر مقابل ما سيصيبهم من الضرر العظيم والعذاب. 4ـ قوله تعالى: ﴿فِي بُطُونِهِمۡ﴾ أي ملء بطونهم، وهم وإنْ كان أكلهم لها في الدنيا كان طيباً في الحال، لكنّ عاقبته في النار في المآل. 5 ـ توعّدهم الله تعالى بثلاثة أشياء: آ ـ غضب الله عليهم فلا يكلمهم يوم القيامة. ب ـ عدم تزكية نفوسهم وعدم طهارتهم من دنس ذنوبهم. ج ـ العذاب الأخروي الأليم. 6ـ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فالآية وإنْ نزلت في اليهود لكنها عامة في حق كل من كتم شيئاً من أمر الدين يجب إظهاره. 7 ـ الآية (175) يعجب الله من إقدامهم على هذا المصير المؤلم، فما أجرأهم على النار!!!وما أشد احتمالهم لها!!! وهذا التعجب هو من باب الاستهانة والاستخفاف بهم. والله أعلم.
__________________
|
#140
|
||||
|
||||
رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (142) مثنى محمد هبيان ﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ نَزَّلَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّۗ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخۡتَلَفُواْ فِي ٱلۡكِتَٰبِ لَفِي شِقَاقِۢ بَعِيدٖ﴾[البقرة: 176] السؤال الأول:ما دلالة الوصف بالبعيد في هذه الآية؟ الجواب: تأمل كيف وصف الله تعالى الشقاق بأنه بعيد ولم يصفه بـــ (كبير أو عظيم)، أو ما شابه ذلك من أوصاف، وفي ذلك مجاز عقلي يعطينا عمقاً آخر وتصوراً لبُعد صاحبه عن الوفاق، وبياناً للهوّة الواسعة التي يسقط فيها أولئك المختلفون في الكتاب، فالشقاق في القيم المنهجية السماوية هو هوّة كبيرة، وإذا ما وقع فيه البشر فلن يستطيعوا أن يُصلحوا فيما بينهم، ومن هنا كانت شقة الخلاف واسعة لا يقدر على حلها إلا الله سبحانه وتعالى، وهذا ما عبّرت عنه الآية بوصف الشقاق بأنه بعيد. السؤال الثاني: ما دلالة هذه الآية؟ الجواب: 1ـ إنّ كتاباً مثل القرآن الكريم أنزله الله بالحق لهو جديرٌ أن يلجأ العبد إلى ربه لجوء المضطر أن يهديه إلى أن يفني عمره في تدبره والعمل به. 2 ـ هذه الآية تشير إلى العذاب الذي استحقوه بسبب أنّ الله نزّل كتبه على رسله مشتملة على الحق المبين فكفروا به، وإنّ الذين اختلفوا في الكتاب في الإيمان ببعضه والكفر ببعضه، واختلفوا أيضاً في كيفية تحريف كتابهم ليخفوا ما في مصلحتهم أن يخفوه لفي شقاق ومنازعة، وكلٌ يكذّب صاحبه. 3 ـ وقد وصف الله تعالى الشقاق بأنه بعيد ولم يصفه بكبير أو عظيم، ليصوّر لنا أنّ الشقاق في القيم المنهجية السماوية هو هوّة كبيرة، وإذا ما سقط فيه أولئك المختلفون في الكتاب فلن يستطيعوا أن يُصلحوا فيما بينهم لأنّ شقة الخلاف واسعة لا يقدر على حلها إلا الله سبحانه وتعالى. والله أعلم.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |