إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي إيمانه - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12522 - عددالزوار : 213841 )           »          أطفالنا والمواقف الدموية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          عشر همسات مع بداية العام الهجري الجديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          وصية عمر بن الخطاب لجنوده (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          المستقبل للإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 55 )           »          انفروا خفافاً وثقالاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 52 )           »          أثر الهجرة في التشريع الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          مضار التدخين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          متعة الإجازة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          التقوى وأركانها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20-01-2023, 09:10 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي إيمانه

إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي إيمانه
الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح

عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قال: لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ أَقْبَلَتْ هَوَازِنُ وَغَطفَانُ، بِذَرَاريِّهِمْ وَنَعَمِهِمْ، وَمَعَ النَّبِيِّ يَوْمَئِذٍ عَشَرَةُ آلاَفٍ، وَمَعَهُ الطُّلَقَاءُ، فَأَدْبَرَوا عَنْهُ، حَتَّى بَقِيَ وَحْدَهُ، قَالَ: فَنَادَى يَوْمَئِذٍ نِدَاءَيْنِ، لَمْ يَخْلِطْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، قَالَ: فَالْتَفَتَ عَنْ يَمِينِهِ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ»، فَقَالُوا: لَبَّيكَ يَا رَسُولَ اللهِ أَبْشِرْ نَحْنُ مَعَكَ، قَالَ: ثُمَّ الْتَفَتَ عَنْ يَسَارِهِ، فَقَالَ «يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ»، قَالُوا: لَبَّيْكَ يَا رَسُولُ اللهِ، أَبْشِرْ نَحْنُ مَعَكَ، قَالَ: وَهُوَ عَلَى بَغْلَةٍ بَيْضَاءَ، فَنَزَلَ فَقَالَ: أَنَا عَبْدُ اللّهِ وَرَسُولُهُ، فَانْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ، وَأَصَابَ رَسُولُ اللّهِ غَنَائِمَ كَثِيرَةً. فَقَسَمَ فِي الْمُهَاجِرينَ وَالطُّلَقَاءِ، وَلَمْ يُعْطِ الأَنْصَارَ شَيْئًا، وفي رواية: قَالَتِ الأَنْصَارُ: إِنَّ هَـذَا لَهُوَ الْعَجَبُ، إِنَّ سُيُوفَنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ، وَإِنَّ غنَائِمَنَا تُرَدُّ عَلَيْهِمْ فَبَلَغَ ذِلِكَ رَسُولَ اللّهِ فَجَمَعَهُمْ، وفي رواية: فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا جَاءَهُمْ رَسُولُ اللّهِ، فَقَالَ: «مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُم؟» فَقَالَ لَهُ فُقَهَاءُ الأَنْصَارِ: أَمَّا ذَوُو رَأْيِنَا، يَا رَسُولَ اللّهِ، فَلَمْ يَقُولُوا شَيْئًا، وَأَمَّا أُنَاسٌ مِنَّا حَدِيثَةٌ أَسْنَانُهُمْ، قَالُوا: يَغْفِرُ اللّهُ لِرَسُولِهِ يُعْطِي قُرَيْشًا وَيَتْرُكُنَا، وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ: «فَإِنِّي أُعْطِي رِجَالًا حَدِيثِي عَهْدٍ بِكُفْرٍ، أَتَأَلَّفُهُمْ، أَفَلاَ تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالأَمْوَالِ، وَتَرْجِعُونَ إِلَى رِحَالِكُمْ بِرَسُولِ اللّهِ؟ فَوَاللّهِ لَمَا تَنْقَلِبُونَ بِهِ خَيْرٌ مِمَّا يَنْقَلِبُونَ بِهِ» فَقَالُوا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللّهِ قَدْ رَضِينَا، قَالَ: «فَإِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ أُثْرَةً شَدِيدَةً. فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوُا اللّهَ وَرَسُولَهُ. فَإِنِّي عَلَى الْحَوْضِ»، قَالُوا: سَنَصْبِرُ، وفي رواية: جَمَعَ رَسُولُ اللّهِ الأَنْصارَ، فَقَالَ: «أَفِيكُمْ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِكُمْ؟»، فَقَالُوا: لاَ، إِلاَّ ابْنُ أُخْتٍ لَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ: «إِنَّ ابْنَ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ»، فَقَالَ: «إِنَّ قُرَيْشًا حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ وَمُصِيبَةٍ، وَإِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أَجْبُرَهُمْ وَأَتَأَلَّفَهُمْ».

عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللّهِ لَمَّا فَتَحَ حُنَيْنًا قَسَمَ الْغَنَائِمَ، فَأَعْطَى الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ، فَبَلَغَهُ أَنَّ الأَنْصَارَ يُحِبُّونَ أَنْ يُصيِبُوا مَا أَصَابَ النَّاسُ، فَقَامَ رَسُولُ اللّهِ فَخَطَبَهُمْ، فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلاَّلًا، فَهَدَاكُمُ اللّهُ بِي؟ وَعَالَةً، فَأَغْنَاكُمُ اللّهُ بِي؟ وَمُتَفَرِّقِينَ، فَجَمَعَكُمُ اللّهُ بِي»، وَيَقُولُونَ: اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ، فَقَالَ: «أَلاَ تُجِيبُونِي؟»، فَقَالُوا: اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ، فَقَالَ: «أَمَا إِنَّكُمْ لَوْ شِئْتُمْ أَنْ تَقُولُوا كَذَا وَكَذَا، وَكَانَ مِنَ الأَمْرِ كَذَا وَكَذَا» - لأشَيْاءَ عَدَّدَهَا - فَقَال: «أَلاَ تَرْضَونَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاءِ وَالإِبْلِ، وَتَذُهبُونَ بِرَسُولِ اللّهِ إِلَى رِحَالِكُمْ؟ الأَنْصَارُ شِعَارٌ وَالنَّاسُ دِثَارٌ، وَلَوْلاَ الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرًَا مِنَ الأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَشِعْبًا، لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ وَشِعْبَهُمْ، إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ».

شرح ألفاظ الحديثين:
((حُنَيْنٍ)): تقدم أنه واد بين الطائف ومكة المكرمة، وهو إلى مكة أقرب (26 كم شرقي مكة)، وفيه كانت غزوة حنين في شوال سنة 8هـ، غزا فيها النبي - صلى الله عليه وسلم – هوازن، وغنم منهم الذراري والسبي والأنعام.

((هَوَازِنُ)): قبيلة عدنانية كانت تقطن في نجد مما يلي اليمن، ومن أوديتهم (حنين)، وأوطاس: وادٍ هو أيضًا من ديارهم فيه اجتمعت هوازن وثقيف سنة (8هـ) لحرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم.

((غَطفَانُ)): قبيلة عدنانية كانت منازلهم بنجد مما يلي وادي القرى، وجبل طييء، ومن أوديتهم الرُّمَّة، كانوا يعبدون العزى في الجاهلية، وحالفوا قريشًا في غزوة الخندق (الأحزاب)، وحاربهم النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيها، ثم ارتدوا بعد موت النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فحاربهم أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - حيث بعث عليهم خالد بن الوليد- رضي الله عنه - فقتلهم شر قتلة؛ [انظر معجم قبائل العرب القديمة والحديثة لعمر رضا كحالة (3/ 888،1231) وانظر أطلس الحديث النبوي من الكتب الصحاح ص (156، 287، 3682)].

((وَمَعَهُ الطُّلَقَاءُ)): بضم الطاء وفتح اللام، وهم الذين أسلموا يوم فتح مكة، وهو جمع طليق، يقال ذاك لمن أطلق من أسار أو وثاق، قال القاضي في المشارق: "قيل لمسلمي الفتح الطلقاء لمنِّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عليهم؛ أي: إنه أطلقهم فلم يأسِرهم؛ [انظر شرح النووي لمسلم حديث (1059)].

((فَقَسَمَ فِي الْمُهَاجِرينَ وَالطُّلَقَاءِ)): المهاجرون هم الذين هاجروا إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في المدينة قبل فتح مكة، وبايعوه ومكثوا في المدينة، وناصروا رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ويدخل معهم أيضًا من هاجر من غير مكة إلى النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم - في المدينة، وأما الأنصار، فهم الأوس والخزرج ومن والاهم من سكان المدينة الذين آمنوا بالله تعالى ونصروا رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ودافعوا عنه، فهم أهل المدينة ممن آمن برسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - الذين هاجر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى بلدتهم (المدينة) ومَن ثم هاجر المهاجرون إليهم، فسماهم النبي – صلى الله عليه وسلم - (الأنصار)، والمهاجرون أيضًا ناصروا رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بل جمعوا بين الهجرة والنصرة.

((فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ)): أدم بفتح الهمزة وهو الجلد المدبوغ، أي في قبة من جلد مدبوغ.

((أَتَأَلَّفُهُمْ)): أي أطلب بعطائي ألفهم وودهم وحبهم للإسلام.
((إِلَى رِحَالِكُمْ)): أي بيوتكم.

((سَتَجِدُونَ أُثْرَةً)): (أُثْرَةً): فيها لغتان صحيحتان إحداهما: بضم الهمزة وإسكان الثاء، والأخرى بفتحها، والأثرة: الاستئثار بالشيء المشترك؛ أي ستجدون من يستأثر عليكم؛ أي يفضل عليكم غيركم بغير حق، فأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالصبر حتى يجدونه على الحوض يوم القيامة أي يصبروا حتى يموتوا.

((إِنَّ ابْنَ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ)): أيفي التعاون وما سيُسمع في لقاء النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - مع الأنصار، وأما بالنسبة للميراث ففيه خلاف، فقد استدل به من يورث ذوي الأرحام وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد، ومذهب مالك والشافعي - رحمهم الله جميعًا - أنهم لا يورثون؛ لأن ظاهر الحديث لا يراد به الميراث.

وفي رواية أخرى لمسلم - رحمه الله -: "إن أناسًا من الأنصار قالوا يوم حنين حين أفاء الله على رسوله".

والفيء: هي الغنائم التي حصلت للمسلمين يوم حنين، وأصل الفيء الرد والرجوع، ولذا سمي الظل بعد الزوال فيئًا؛ لأنه رجع من جانب إلى جانب، فكأن أموال الكفار سميت فيئًا؛ لأنها كانت في الأصل للمؤمنين؛ لأن الإيمان هو الأصل والكفر طارئ عليه، وهذه الأموال حين رجعت بعدما كانت في الأصل للمسلمين سميت فيئًا؛ [انظر الفتح كتاب المغازي حديث (4330) باب غزاة أوطاس].

((فَأَعْطَى الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ)): هم أناس من قريش أسلموا يوم الفتح إسلامًا ضعيفًا، فأعطاهم النبي ليتمكن الإسلام من قلوبهم، ولذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث أنس - رضي الله عنه -: ((إِنَّ قُرَيْشًا حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ وَمُصِيبَةٍ، وَإِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أَجْبُرَهُمْ وَأَتَأَلَّفَهُمْ)).

((أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلاَّلًا)): بضم الضاد وتشديدها جمع ضال، والمراد هنا ضلالة الشرك ((فَهَدَاكُمُ اللّهُ بِي)) الهداية هي الإيمان.

((وَعَالَةً، فَأَغْنَاكُمُ اللّهُ بِي)): العيلة: هي الفقر؛ أي كنتم فقراء لا مال لكم فأغناكم الله بي.

((وَمُتَفَرِّقِينَ، فَجَمَعَكُمُ اللّهُ بِي)): لأن الأنصار كانوا قبل الهجرة في غاية التنافر والتقاطع لما وقع بينهم من حرب بُعاث وغيرها من الوقائع والحروب، فزال ذلك كله بالإسلام؛ كما قال تعالى: ﴿ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ (الأنفال63).

((وَيَقُولُونَ: اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ)): أي: إن المنة والفضل لله ورسوله، و(أَمَنُّ) اسم تفضيل.

((أَمَا إِنَّكُمْ لَوْ شِئْتُمْ أَنْ تَقُولُوا كَذَا وَكَذَا. وَكَانَ مِنَ الأَمْرِ كَذَا وَكَذَا)): قال ابن حجر - رحمه الله -: "وأخرجه أحمد عن ابن أبي عدي عن حميد عن أنس - رضي الله عنه - بلفظ: ((" أفلا تقولون جئتنا خائفًا فأمناك، وطريدًا فآويناك، ومخذولًا فنصرناك"، فقالوا: بل المن علينا لله ولرسوله))، وإسناده صحيح، وإنما قال - صلى الله عليه وسلم – ذلك تواضعًا منه وإنصافًا، وإلا ففي الحقيقة الحجة البالغة والمنة الظاهرة في جميع ذلك له عليهم، فإنه لولا هجرته إليهم وسكناه عندهم، لَما كان بينهم وبين غيرهم فرق"؛ [انظر الفتح كتاب المغازي حديث (4330) باب غزاة أوطاس].

((أَلاَ تَرْضَونَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاءِ وَالإِبْلِ)): الشاء: جمع شاة وهي للمذكر والمؤنث.

((الأَنْصَارُ شِعَارٌ وَالنَّاسُ دِثَارٌ)): الشعار: بكسر الشين، وهو الثوب الذي يلي الجسد، والدثار: بكسر الدال هو الثوب الذي فوق الشعار، وفي هذا استعارة لطيفة لبيان قربهم، وأنهم بطانته وخاصته والألصق به من غيرهم.

وفي رواية عند أحمد من حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال بعد ذلك: "اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار، اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار، فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم، وقالوا: رضينا برسول الله قسمًا وحظًّا)).

((وَلَوْلاَ الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرًَا مِنَ الأَنْصَارِ)): أراد النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بذلك أن يبين مالهم من منزلة ورفعة عنده، وأراد أن يطيِّب نفوسهم، وأنه لا يمنعه إلا الهجرة التي لا يجوز تبديلها، ولا ينبغي له التفريط في فضلها.

((لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ وَشِعْبَهُمْ)): المراد بوادي الأنصار هنا بلدهم، والشعب: بكسر الشين هو اسم لما انفرج بين جبلين، وقيل: هو الطريق في الجبل، وأراد بذلك أن يبيِّن لهم أنه يكون في مكان الأنصار، ولو سلكوا طريقًا لسلك طريقهم، وفيه فضيلة لهم ورجحانهم في طريقهم.

من فوائد الحديثين:
الفائدة الأولى: الحديثان فيهما دلالة على إعطاء صنف من أهل الزكاة الثمانية واستحقاقهم لذلك، وهم المؤلفة قلوبهم، وهم الذين يُطلب تأليف قلوبهم لأجل الإسلام، وهم على قسمين:
الأول: مؤلفة قلوبهم من المسلمين.
والثاني: مؤلفة قلوبهم من الكفار.

والمؤلفة قلوبهم من الكفار على قسمين:-
1- من يُعطى لرجاء إسلامه، ولابد من قرائن تدل على رجاء إسلامه.
2- من يُعطى لكف شره ولو لم يُرجَ إسلامه.

وأما المؤلفة قلوبهم من المسلمين، فهم على صور، فمنهم من يُعطى رجاء قوة إيمانه، وذلك كأن يكون حديث عهد بكفر، فيعطى ليقوى إيمانه؛ كما في حديثي الباب؛ حيث أعطى النبي –صلى الله عليه وسلم - كفار قريش لأنهم حديثو عهد بجاهلية ومصيبة، حيث أصابهم التفرق والشتات بعد فتح مكة، وأعطى الطلقاء والمهاجرين كل ذلك طلبًا لتقوية إيمانهم وتأليف قلوبهم للإسلام.

الفائدة الثانية: الحديثان فيهما دلالة على جواز تصرف الإمام بالفيء ولو أدى ذلك إلى منع طائفة منه وإعطاء طائفة وأناس آخرين، ولو كان فيهم أغنياء كل ذلك تبعًا للمصلحة التي يراها الإمام في مصالح المسلمين؛ إذ في إعطاء النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - المؤلفة قلوبهم إنقاذًا لهم من الضعف الذي يعيشونه، وتكثيرًا لسواد المسلمين وقوة لشوكتهم.

الفائدة الثالثة: الحديثان دليل على فضل الأنصار، وتقدم بيان ذلك والكلام عليه في كتاب الإيمان، باب الدليل على أن حُبَّ الأنصار وعلي - رضي الله عنهم – من الإيمان وعلاماته، وبغضهم من علامات النفاق.

وفي حديث الباب بيَّن فضلهم بقربهم منه كونهم كالشعار لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن الناس ينطلقون بمتاع الدنيا وأنتم تنطلقون برسول الله إلى بيوتكم، ولولا الهجرة لكان منهم ولو سلك الناس واديًا وشعبًا لسلك واديهم وشعبهم، وأخبرهم بلقياه على الحوض، وهذه الفضائل والقرب من النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - واسمهم الأنصار جعلت النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يستنصر بهم، فينادي نداءين كلاهما للأنصار، فرضي الله عنهم وأرضاهم.

الفائدة الرابعة: في هذه الحادثة ثلاث لفتات تربوية:
الأولى: أنه ينبغي للمربي حين يعتب عليه من تحت يده في تصرف يرى هذا المتربي أن له حقًّا فيه لم يعطاه، أن يبيِّن له ويزيل ما في نفسه، وإن كان يرى أن في تصرفه مصلحة، وأنه مُحق فيما تصرف فيه، بل يبيِّن له ويخصه بالحديث والكلام والتوضيح والبيان، تأمل كيف أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - حين عتب عليه شبان الأنصار - رضوان الله عليهم - فخطبهم وخصهم، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((أَفِيكُمْ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِكُمْ))، وبيَّن لهم سبب تصرفه، ولم يتركهم هكذا، وأنه يرى ما لا يرون من المصلحة.

والثانية:حسن أدب المتعلم بأن يعتذر إلى معلمه ومربيه فيما صدر عنه، ولا ينس فضل معلمه عليه، ويتأمل كيف اعتذر الأنصار، حين قالوا: ((أَمَّا ذَوُو رَأْيِنَا، يَا رَسُولَ اللّهِ فَلَمْ يَقُولُوا شَيْئًا. وَأَمَّا أُنَاسٌ مِنَّا حَدِيثَةٌ أَسْنَانُهُمْ، قَالُوا: يَغْفِرُ اللّهُ لِرَسُولِهِ. يُعْطِي قُرَيْشًا وَيَتْرُكُنَا، وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ))، ولم ينسوا فضل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلما قال شيء رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قالوا: ((اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ))، ولم يماروه أو يحاققوه.

والثالثة: أنه ينبغي للمربي أن يزيل ما عند المتربي من فهم خاطئ ربما يحدثه الموقف، ويبيِّن ماله من حق ومنزلة وفضل إن كان له ذلك، ويرشده ويوصيه بما يناسب الموقف، وتأمل كيف بيَّن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ما للأنصار من فضل ومنزلة وقرب، حينما ظنوا أن هذا الموقف يعني بعدهم عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقرب غيرهم؛ حيث أعطى غيرهم ولم يعطهم، فأزال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ذلك ببيان منزلتهم، وكيف أوصاهم وأخبرهم بأنه سيأتي من يضيع حقهم، فليصبروا والله أعلم.

مستلة من إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم (كتاب الزكاة)
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 20-01-2023, 09:26 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي إيمانه

إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي إيمانه
الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح

عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: أَعْطَى رَسُولُ اللّهِ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، وَصَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ، وَعُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ، والأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ، كُلَّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ، مِائَةً مِنَ الإِبُلِ، وَأَعْطَى عَبَّاسَ بْنَ مِرْدَاسٍ دُونَ ذَلِكَ، فَقَالَ عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ:
أَتَجْعَلُ نَهْبِي وَنَهْبَ الْعُبَيْ
دِ بَيْنَ عُيَيْنَةَ وَالأَقْرَعِ؟
فَمَا كَانَ بَدْرٌ وَلاَ حَابِسٌ
يَفُوقَانِ مِرْدَاسَ فِي الْمَجْمَعِ
وَمَا كُنْتُ دُونَ امْرِىء مِنْهُمَا
وَمَنْ تَخْفِضِ الْيَوْمَ لاَ يُرْفَعِ

قَالَ: فَأَتَمَّ لَهُ رَسُولُ اللّهِ مِائَةً؛ رواه مسلم.

عَنْ عَبْدِ اللّهِ بن مسعود، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ آثَرَ، رَسُولُ اللّهِ نَاساً فِي الْقِسْمَةِ، فَأَعْطَى الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ، وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ مِثْلَ ذلِكَ، وَأَعْطَى أُنَاسًا مِنْ أَشْرَافِ الْعَرَبِ، وَآثَرَهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْقِسْمَةِ، فَقَالَ رَجُلٌ: وَاللّهِ إِنَّ هذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا عُدِلَ فِيهَا، وَمَا أُرِيدَ فِيهَا وَجْهُ اللّهِ، قَالَ فَقُلْتُ: وَاللّهِ لأُخْبِرَنَّ رَسُولَ اللّهِ، قَالَ: فَأَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ، قَالَ: فَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ حَتَّى كَانَ كَالصِّرْفِ، ثُمَّ قَالَ: «فَمَنْ يَعْدِلُ إِنْ لَمْ يَعْدِلِ اللّهُ وَرَسُولُهُ»، قَالَ: ثُمَّ قَالَ: «يَرْحَمُ اللّهُ مُوسَى، قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هذَا فَصَبَرَ».

شرح ألفاظ الحديثين:
((أَتَجْعَلُ نَهْبِي وَنَهْبَ الْعُبَيْــدِ)): أي أتجعل قسمي وقسم العُبيد، والعُبيد اسم لفرسه.

((بَيْنَ عُيَيْنَةَ وَالأَقْرَعِ)): هو عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري، والأقرع بن حابس بن عثمان بن محمد بن سفيان بن مجاشع المجاشعي.

((فَمَا كَانَ بَدْرٌ وَلاَ حَابِـسٌ *** يَفُوقَانِ مِرْدَاسَ فِي الْمَجْمَعِ)): أي وما كان بدر: من آباء عيينة، وحابس أبٌ للأقرع، فكأنه يقول لماذا أعطيتهم أكثر مني وما كان أبواهما يفوقان أبي في المجامع العامة، وفي السيرة قال أبي إسحاق- رحمه الله - قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "اذهبوا به فاقطعوا عني لسانه"، فأعطوه حتى رضي، فكان ذلك قطع لسانه الذي أمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم.

قال ابن هشام - رحمه الله -: وحدثني بعض أهل العلم: أن عباس بن مرداس أتى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال له رسول الله أنت القائل:
[تَجْعَلُ نَهْبِي وَنَهْبَ الْعُبَيْ
دِ بَيْنَ عُيَيْنَةَ وَالأَقْرَعِ؟]




وأصل البيت: [بين عيينة والأقرع]، حتى يستقيم البيت ولا ينكسر، فكسر النبي - صلى الله عليه وسلم – البيت، فقال أبو بكر الصديق مصححًا [بين عيينة والأقرع]، فقال رسول الله: هما واحد فقال أبو بكر: أشهد أنك كما قال الله عز وجل: ﴿ وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ ﴾ (يس: 69)؛ [انظر: السيرة النبوية لابن هشام ص (1152)].

((فَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ حَتَّى كَانَ كَالصِّرْفِ)): بكسر الصاد هو صبغ أحمر يصبغ به الجلود، وقد يسمى الدم أيضًا صرفًا كما قال ابن دريد؛ [انظر: شرح مسلم حديث (1062) وانظر المفهم حديث (928) باب إعطاء المؤلفة قلوبهم].

من فوائد الحديثين:
الفائدة الأولى:حديث رافع بن خديج - رضي الله عنه - فيه حسن خلق النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في تعامله مع أصحابه وتقبل شكايتهم، ففي الحديث السابق استمع لشكاية الأنصار - رضوان الله عليهم - وخصهم بحديث وفضل حتى صدروا وهم راضين، وفي حديث الباب استمع لشكاية عباس بن مرداس - رضي الله عنه - وبأبياته وأعطاه حتى رضي، مع أن تصرف النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الموقفين كان لمصلحة، ولاشك لكنه - صلَّى الله عليه وسلَّم - حريص ألا يرجع الشاكي، إلا وقد رضي ومن تتبع سنته - صلَّى الله عليه وسلَّم - وجد ذلك ظاهرًا جليًّا.

الفائدة الثانية:الحديثان حديث رافع وحديث ابن مسعود - رضي الله عنهما - فيهما دلالة على جواز المفاضلة في القسمة حسبما يراه الإمام من مصلحة.

الفائدة الثالثة:حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - دليل على جواز نقل الكلام لمن قيل فيه ما لا يليق ليس على وجه الإفساد، فتكون نميمة، وإنما على سبيل الإصلاح ليحذر من القائل ونفاقه، وإفساده بين الناس وقدحه في أهل الفضل، وهذا ما فعله ابن مسعود - رضي الله عنه - مع الرجل حين قال: ((وَاللّهِ إِنَّ هذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا عُدِلَ فِيهَا، وَمَا أُرِيدَ فِيهَا وَجْهُ اللّهِ))، فرفع أمره إلى النبي - صلى الله عليه وسلم.

الفائدة الرابعة: في حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - دلالة على أن أهل الفضل قد يغضبهم ما يقال فيهم وإن لم يكن حقًّا، وهذا يؤخذ من تغير وجه النبي - صلى الله عليه وسلم.

الفائدة الخامسة: حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - فيه تأسي النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بمن أوذي قبله وصبر فقال: «يَرْحَمُ اللّهُ مُوسَى، قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هذَا فَصَبَرَ».

والله تعالى أمر نبيه - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: ﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ(الأحقاف: 35)، ولا شك أن من تذكر أذية غيره، هان عليه الأذى، وصفح عن الجاهل، وتجلد لذلك، والله أعلم.

مستلة من إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم (كتاب الزكاة)
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 75.44 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 73.09 كيلو بايت... تم توفير 2.35 كيلو بايت...بمعدل (3.12%)]