رحمته صلى الله عليه وسلم بأعدائه - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         ولا تبغوا الفساد في الأرض (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          تحرر من القيود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          فن التعامـل مع الطالبات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 28 - عددالزوار : 790 )           »          العمل السياسي الديـموقراطي سيؤثر في الصرح العقائدي وفي قضية الولاء والبراء وهي قضية م (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          العمل التطوعي.. أسسه ومهاراته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 9 - عددالزوار : 133 )           »          طرائق تنمية الحواس الخمس لدى الطفل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 19 )           »          حقيقة العلاج بالطاقة بين العلم والقرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 33 )           »          الله عرفناه.. بالعقل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          افتراءات وشبهات حول دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 7 - عددالزوار : 96 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث > ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم

ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-01-2023, 10:15 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رحمته صلى الله عليه وسلم بأعدائه

رحمته صلى الله عليه وسلم بأعدائه (1)


عبد المجيد أسعد البيانوني






ويشمل ذلك جوانب عديدة، منها: الحرص على هدايتهم، وبذل النصح لهم، والعفو عنهم، والإحسان إليهم، مهما جهدوا في عداوته، أو أرادوا قتله.
إنّ سيرة النبيّ صلى الله عليه وسلم مع أعدائه في جميع مراحلها ومواقفها من أعظم ما يدعو العقلاء المنصفين إلى الإيمان به واتّباعه، فلا يمكن لبشر مهما كان على حظّ عظيم من حسن الخلق، وسماحة النفس أن يقابل عداوة أعدائه، وكيدهم له دائماً بالحلم والعفو، والصفح والنصح، والرحمة بمفهومها الحقّ الشامل.. ولكنّ السيرة النبويّة العطرة كانت في جميع أطوارها على هذه الصورة المشرقة، بلا استثناء ولا تغيير..
وقد يظنّ بعض الناس أنّ الجهاد في سبيل الله مستثنى من هذا الحكم العامّ، والحقّ أنّه ليس مستثنى منه، فجهاد أهل الباطل من أعداء الإسلام هو عين الرحمة، بهم وبالإنسانيّة كلّها، من وجوه عديدة؛ فهو منْ جهةٍ كمثل الغيث إشاعةً للخير في أرجاء الأرض، ونفعاً للعباد، وإنّ مثل الخير والهدى والحقّ كمثل الغيث النازل من السماء، أليس يعدّ من يقف في وجهه، ويحجزه عن الناس ظالماً آثماً.؟ فكذلك من يقف في وجه الحقّ والهدى..
وهو منْ جهةٍ أخرى حجزٌ لشرّ أهلِ الشرّ، وإثمهم وباطلهم أنْ يعمّ الناس، ويكون فتنة لهم عن الحقّ، وصدّاً لهم عن سبيله..
وهو منْ جهةٍ ثالثة ردع لهم عن التمادي في الباطل، الذي لا يقف عند حدّ، ولا يعلم أحد ما يبلغ بهم، ومنهم من الشرّ والفساد، فإذا رأوا قوّة الحقّ وسلطانه لعلّهم يراجِعون أنفسهم، ويعيدون النظر في مَواقفهم، فيئوبون إلى الحقّ، فإنّهم لو تركوا في طغيانهم وتماديهم، وتمكّنِهم منْ نشر باطلهم، لكان ذلك فتنةً لهم، تغريهم بالإصرار على الباطل، والتمادي في البغي والعدوان..
وقد أشار ابن عبّاس رضي الله عنهما إلى نوع من الرحمة بالعالمين في قول الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين}[الأنبياء:107]، إذ يقول: "من آمن بالله واليوم الآخر كتب له الرحمة في الدنيا والآخرة، ومن لم يؤمن بالله ورسوله عوفي ممّا أصاب الأمم من الخسف والقذف".
ويعتمد الإمام الطبريّ رحمه الله هذا القول فيقول: " أولى القولين في ذلك بالصواب القول الذي روي عن ابن عبّاس: وهو أنّ الله أرسل نبيّه محمّداً رحمة لجميع العالم: مؤمنهم وكافرهم؛ فأمّا مؤمنهم فإنّ الله هداه به، وأدخله بالإيمان به، وبالعمل بما جاء به من عند الله الجنّة، وأمّا كافرهم فإنّه دفع به عنه عاجل البلاء الذي كان ينزل بالأمم المكذّبة رسلها من قبله " انظر جامع البيان للطبريّ 18/552.
ويقول الشيخ محمّد جمال الدين القاسميّ في تفسيره: " محاسن التأويل 11/298 " في تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين}[الأنبياء:107]: " كلّ من لحظ بعين الحكمة والاعتبار، ونفذت بصيرته إلى مكنون الأسرار علم حاجة البشر كافّة إلى رسالة خاتم النبيّين، وأكبرَ منّة الله به على العالمين، فقد بعث صلوات الله وسلامه عليه على حين فترة من الرسل، وإخافة للسبل، وانتشار من الأهواء، وتفرّق من الملل، ما بينَ مشبّهٍ لله بخلقه، وملحدٍ في اسمه، ومشير إلى غيره، كفر بواح، وشرك صراح، وفساد عامّ، وانتهاب للأموال والأرواح، واغتصاب للحقوق، وشنّ للغارات، ووأد للبنات، وأكل للدماء والميتات، وقطع للأرحَام، وإعلان بالسفاح، وتحريف للكتب المنزّلة، واعتقاد لأضاليْل المتكهّنة، وتأليه للأحبار والرهبان، وسيطرة من جبابرة الجور، وزعماء الفتن وقادة الغرور، ظلمات بعضها فوق بعض، وطامّات طبّقت أكناف الأرض، استمرّت الأمم على هذه الحال الأجيال الطوال، حتّى دعا داعي الفلاح، وأذن الله تعالى بالإصلاح، فأحدث بعد ذلك أمراً، وجعل بعد عسرٍ يسراً، فإنّ النوائب إذا تناهت انتهت، وإذا توالت تَولّت، وذلك أنّ الله تعالى أرسل إلى البشر رسولاً ليعتقهم من أسر الأوثان، ويخرجهم من ظلمة الكفر، وعمى التقليد إلى نور الإيمان، وينقذهم من الإثم والعار، ويرفع عنهم الآصار، ويطهّرهم من مساوئ الأخلاق والأعمال، ويرشدهم إلى صراط الحقّ، قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين}[الأنبياء:107] ".
فهذا البيان البليغ قدّم مظاهرَ وأنواعاً لرحمة العالمين، ممَّا كانوا عليه من جاهليّة وشرّ، وهو صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين ممّا كان، وما يكونُ إلى يوم القيامة..
وممّا يدلّ على أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أرسل رحمة عامّة للعالمين إنسهم وجنّهم، مؤمنهم وكافرهم، وأنّه صلى الله عليه وسلم جُبِلَ على رحمة العالم كلّه ما جاء في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ ادْعُ عَلَى المُشْرِكِينَ، قَالَ: (إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّاناً، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً) رواه مسلم في كتاب البرّ والصلة والآداب برقم /4704/.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَدِمَ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ دَوْساً قَدْ عَصَتْ وَأَبَتْ، فَادْعُ اللهَ عَلَيْهَا فَظَنَّ النَّاسُ أَنَّهُ يَدْعُو عَلَيْهِمْ فَقَالَ: (اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَأْتِ بِهِمْ) رواه البخاري في كتاب الدعوات برقم /5918/ ومسلم في كتاب فضائل الصحابة برقم/4586/، وقصّة قُدومِ الطُّفَيْلِ بْنِ عَمْرٍو الدوسيّ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قصّة طويلة مليئة بالعبر، وقد ذكرها بطولها ابن هشام في سيرته 1/382/.
وكان صلى الله عليه وسلم حريصاً في كلّ مناسبة على هداية الناس إلى الحقّ: عَنْ أَبِي صَخْرٍ الْعُقَيْلِيِّ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنَ الأَعْرَابِ قَالَ: جَلَبْتُ جَلُوبَةً إِلَى المَدِينَةِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنْ بَيْعَتِي قُلْتُ: لأَلْقَيَنَّ هَذَا الرَّجُلَ، فَلأَسْمَعَنَّ مِنْهُ، قَالَ: فَتَلَقَّانِي بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ يَمْشُونَ، فَتَبِعْتُهُمْ فِي أَقْفَائِهِمْ حَتَّى أَتَوْا عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْيَهُودِ، نَاشِراً التَّوْرَاةَ يَقْرَؤُهَا، يُعَزِّي بِهَا نَفْسَهُ، عَلَى ابْنٍ لَهُ فِي المَوْتِ كَأَحْسَنِ الْفِتْيَانِ وَأَجْمَلِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (أَنْشُدُكَ بِالَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ هَلْ تَجِدُ فِي كِتَابِكَ ذَا صِفَتِي وَمَخْرَجِي؟)، فَقَالَ بِرَأْسِهِ هَكَذَا: أَيْ لا، فَقَالَ ابْنُهُ: إِنِّي وَالَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ، إِنَّا لَنَجِدُ فِي كِتَابِنَا صِفَتَكَ وَمَخْرَجَكَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لا إِلَهَ إِلاّ اللهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللهِ فَقَالَ: (أَقِيمُوا الْيَهُودَ عَنْ أَخِيكُمْ)، ثُمَّ وَلِيَ كَفَنَهُ، وَحَنَّطَهُ، وَصَلَّى عَلَيْهِ " رواه أحمد في المسند برقم/22394/ رواه ابن ماجة في كتاب الأدب برقم/3668/.
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ ضِمَاداً قَدِمَ مَكَّةَ، وَكَانَ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ، وَكَانَ يَرْقِي مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ [قال ابن الأثير في النهاية: الأرواح هاهنا كناية عن الجنّ، سمّوا أرواحاً لكونهم لا يرون فهم بمنزلة الأرواح]، فَسَمِعَ سُفَهَاءَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يَقُولُونَ: إِنَّ مُحَمَّداً مَجْنُونٌ فَقَالَ: لَوْ أَنِّي رَأَيْتُ هَذَا الرَّجُلَ، لَعَلَّ اللهَ يَشْفِيهِ عَلَى يَدَيَّ، قَالَ: فَلَقِيَهُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي أَرْقِي مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ، وَإِنَّ اللهَ يَشْفِي عَلَى يَدِي مَنْ شَاءَ، فَهَلْ لَكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاّ اللهُ، وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَمَّا بَعْدُ، قَالَ: فَقَالَ: أَعِدْ عَلَيَّ كَلِمَاتِكَ هَؤُلاءِ، فَأَعَادَهُنَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثَلاثَ مَرَّاتٍ، قَالَ: فَقَالَ: لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ، وَقَوْلَ السَّحَرَةِ، وَقَوْلَ الشُّعَرَاءِ، فَمَا سَمِعْتُ مِثْلَ كَلِمَاتِكَ هَؤُلاءِ، وَلَقَدْ بَلَغْنَ نَاعُوسَ الْبَحْرِ..
[قال ابن الأثير في النهاية 5/81/: " قال أبو موسى: هكذا وقع في صحيح مسلم، وفي سائر الروايات: " قاموس البحر " وهو وسطه ولجّته، ولعلّه لم يجوّد كِتبته فصحّفه بعضُهم، وليست هذه اللفظة أصلاً في مسند إسحاق بن راهويه، الذي روى عنه مسلم هذا الحديث، غير أنّه قرنه بأبي موسى وروايته فلعلّه فيها! "، وقال الإمام النوويّ في شرحه على صحيح مسلم 6/157/: قال القاضي عياض: أكثر نسخ صحيح مسلم وقع فيها: " قاعوس " بالقاف والعين، قال: ووقع عند أبي محمّد بن سعيد: " تاعوس " بالتاء المثنّاة فوق، قال: ورواه بعضهم: " ناعوس " بالنون والعين. قال: وذكره أبو موسى الدمشقيّ في أطراف الصحيحين، والحميديّ في الجمع بين رجال الصحيحين " قاموس " بالقاف والميم].
قَالَ: فَقَالَ: هَاتِ يَدَكَ أُبَايِعْكَ عَلَى الإِسْلامِ، قَالَ: فَبَايَعَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: وَعَلَى قَوْمِكَ، قَالَ: وَعَلَى قَوْمِي، قَالَ: فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً، فَمَرُّوا بِقَوْمِهِ، فَقَالَ صَاحِبُ السَّرِيَّةِ لِلْجَيْشِ: هَلْ أَصَبْتُمْ مِنْ هَؤُلاءِ شَيْئاً؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ: أَصَبْتُ مِنْهُمْ مِطْهَرَةً، فَقَالَ: رُدُّوهَا، فَإِنَّ هَؤُلاءِ قَوْمُ ضِمَادٍ " رواه مسلم في كتاب الجمعة برقم /1436/.
فانظر إلى إسَاءة المشركين إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، وما ينشرون عنه من تهمٍ باطلة، وافتراءات تافهة، وكيف قابل النبيّ صلى الله عليه وسلم ذلك بكلّ حلم وسموّ، وحكمة واتّزان، وجعل الحكم لعقل الرجل ولبّه، فسارع إلى الإيمان وخاب كيد الكائدين.. وصدق الله العظيم القائل في محكم تنزيله: {كَتَبَ اللهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيز}[المجادلة:21].
وكان صلى الله عليه وسلم يعفو عمّن أساء إليه، ولا يجزي بالسيّئة السيّئة: عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه: " أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ يَوْمَ أُحُدٍ، وَشُجَّ فِي رَأْسِهِ، فَجَعَلَ يَسْلُتُ الدَّمَ عَنْهُ وَيَقُولُ: (كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ شَجُّوا نَبِيَّهُمْ، وَكَسَرُوا رَبَاعِيَتَهُ، وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللهِ.؟)، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُون}[آل عمران:128] " رواه مسلم في كتاب الجهاد والسير برقم /3346/ والترمذيّ في كتاب تفسير القرآن.
ومن مظاهر رحمة النبيّ صلى الله عليه وسلم بالكافرين، حثّه على فكّ الأسير، وغالباً ما يكون كافراً: ففي الحديث عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (فُكُّوا الْعَانِيَ، يَعْنِي الأَسِيرَ، وَأَطْعِمُوا الجَائِعَ، وَعُودُوا المَرِيضَ) رواه البخاريّ في كتاب الجهاد والسير برقم /2819/.
وقد أثنى الله تعالى على المؤمنين بقوله سبحانه: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا}[الإنسان:8].
* أشدُّ ما لقيه النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم من الأذى، وصورة من أروع صور صبرِه وحلمِه، ورحمته وعفوه:
عَنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم: يَا رَسُولَ الله! هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟ فَقَالَ:
(لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ، وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلالٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إلا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِي فَقَالَ: (إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَمَا رُدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الجِبَالِ، لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ، قَالَ: فَنَادَانِي مَلَكُ الجِبَالِ، وَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ! إِنَّ الله قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَأَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ، وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ، فَمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأخْشَبَيْنِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: (بَلْ، أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ الله مِنْ أَصْلابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ الله وَحْدَهُ، لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً) رواه البخاريّ في كتاب بدء الخلق برقم/2992/ ومسلم في كتاب الجهاد والسير برقم /3352/.
وعن موسى بن عقبة: ".. وقعد له أهل الطائف صفّين على طريقه، فلمّا مرّ جعلوا لا يرفع رجليه، ولا يضعهما إلاّ رضخوهما بالحجارة، حتّى أدموه، فخلص منهم، وهما يسيلان الدماء.. البداية والنهاية 3/136 نقلاً عن حياة الصحابة 1/277.
ثمّ أوى إلى ظلّ بستان، ودعا الدعاء المشهور: (اللهمّ إليك أشكو ضعف قوّتي، وقلّة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين! أنت ربّ المستضعفين، وأنت ربّي، إلى من تكلني.؟! إلى بعيد يتجهّمني، أو إلى عدوّ ملّكته أمري.! إن لم يكن بك عليّ غضبٌ فلا أبالي، ولكنّ عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، من أن ينزل بي غضبك، أو يحلّ عليّ سخطك، لك العتبى حتّى ترضى، ولا حول ولا قوّة إلاّ بك) " انظر حياة الصحابة للشيخ محمّد يوسف الكاندهلويّ 1/277.
يتبع...


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 12-01-2023, 04:19 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: رحمته صلى الله عليه وسلم بأعدائه

رحمته صلى الله عليه وسلم بأعدائه (2)


عبد المجيد أسعد البيانوني


ويشمل ذلك جوانب عديدة، منها: الحرص على هدايتهم، وبذل النصح لهم، والعفو عنهم، والإحسان إليهم، مهما جهدوا في عداوته، أو أرادوا قتله.
لقد كان النبيّ صلى الله عليه وسلم معلّق القلب بالله تعالى، يعيش لغاية واحدة، لا يعرف سواها: إنّها نيل مرضاة الله، بنصرة دينه، وتبليغ دعوته، وهداية الناس إلى دين الحقّ والهدى، وإذ تكفل الله له بالحفظ والرعاية، بقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِين}[المائدة:67].
وقد شرح الله صدره، وأعلى قدره، ورفع في العالمين ذكره.. فلم تعد تعنيه مؤامرات الناس وكيدهم في شيء..
وإنّ أعلى درجات العداوة والكيد أن يخطّط الإنسان لقتل مخالفه، ويجتهد في ذلك بكلّ ما أوتي من قوّة، وقد نال رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم من المشركين من ذلك كلّ أنواع العداوة والكيد، أعلاها وأدناها، ولم يكن منه صلى الله عليه وسلم إلاّ الصبر والحلم، والعفو والصفح، وأخبار السيرة النبويّة طافحة بذلك، وتلك الأخلاق والشمائل كانت سبباً لاستلال الضغائن من القلوب، وتحويل أعدى الأعداء في لحظة إلى أن يكون أقرب المحبّين الأولياء، مصداق قول الله تبارك وتعالى: {وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيم} [فُصِّلَت:34].
وقوله سبحانه: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِين} [الأعراف:199].
ومن عساه يكون أحظى بهذه الأخلاق الكريمة غير النبيّ المصطفى صلى الله عليه وسلم.؟
وقد عقد القاضي عياض رحمه الله في كتابه: " الشفا " فصلاً بعنوان: " عصمة الله تعالى له من الناس، وكفايتُه مَن آذاه "..
وقد تكرّرت محاولات المشركين قتل النبيّ صلى الله عليه وسلم أو اغتياله، وفي كلّ مرّة كانت تتجلّى عناية الله ورعايته بحقّ النبيّ صلى الله عليه وسلم، كما تتجلّى قوّة شخصيّة النبيّ صلى الله عليه وسلم، ورباطة جأشه، وكمال أَخلاقه، إذ لا ينتصرُ لنفسه، ويعفو عمّن حاولَ قتله، فمن ذلك:
مَا جَاءَ عَنْ عَائِشَةَ رضيَ اللهُ عَنها أنّهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُحْرَسُ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةَ: {وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}[المائدة:67] فَأَخْرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَأْسَهُ مِنْ الْقُبَّةِ، فَقَالَ لَهُمْ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ انْصَرِفُوا فَقَدْ عَصَمَنِي اللهُ عزّ وجَلّ) رواه الترمذيّ في كتاب تفسير القرآن عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، برقم /2972/ وقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا نزل منزلاً اختار له أصحابه شجرة يقيل تحتها، فأتاه أعرابيّ فاخترط سيفه، ثمّ قال: من يمنعك منّي يا محمّد؟ فقال: الله عزّ وجلّ! فرُعدت يد الأعرابيّ، وسقط السيف من يده.. فعفا عنه النبيّ صلى الله عليه وسلم، وأحسن إليه، ودعاه إلى الإسلام، فرجع إلى قومه، وقال لهم: جئتكم من عند خير الناس.
ووقع مثل هذه القصّة في غزوة غطفان، بذي أمَر[اسم موضع غزاه النبيّ صلى الله عليه وسلم]، مع رجل اسمه دُعثُور بنُ الحارث، وكان صُعلوكاً من شياطين العرب، وجاء فيها أنّه اخترط سيف النبيّ صلى الله عليه وسلم، وهو نائم، وقال له: مَن ينجيك منّي يا محمّد.؟! فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: الله.. فارتعد الرجل وسقط السيف من يده، فأخذه النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقال له: مَن ينجيك منّي يا دُعثُور!؟ فقال: لا أحد، فكن خير آخذ.. فعفا عنه النبيّ صلى الله عليه وسلم، ودعاه إلى الإسلام فأسلم.. وعندما رجع إلى قومه قالوا له: أين ما كنت تقول؟ وقد أمكنك.؟ فقال: إنّي نظرت إلى رجلٍ أبيض طويل، دفع في صدري، فوقعت لظهري، وسقط السيف، فعرفت أنّه مَلَك وأسلمت ".
وفي رواية الخطّابيّ: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال عندما رأى السيف في يده: (اللهمّ اكفنيه بما شئت)، فانكبّ على وجهه زُلّخَةٍ زُلِّخَها بين كتفيه، وندر السيف من يده. [زُلّخَة: وجع في الظهر، لا يتحرّك الإنسان من شدّته، وقد أوجدها الله فيه حين سلّ السيف (النهاية)]
وفيه نزل قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَاتَّقُواْ اللهَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُون}[المائدة:11].
وفي رواية البخاريّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه أَخْبَرَ أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قِبَلَ نَجْدٍ، فَلَمَّا قَفَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَفَلَ مَعَهُ فَأَدْرَكَتْهُمْ الْقَائِلَةُ فِي وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاهِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَتَفَرَّقَ النَّاسُ يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَحْتَ سَمُرَةٍ، وَعَلَّقَ بِهَا سَيْفَهُ، وَنِمْنَا نَوْمَةً، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدْعُونَا، وَإِذَا عِنْدَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: (إِنَّ هَذَا اخْتَرَطَ عَلَيَّ سَيْفِي، وَأَنَا نَائِمٌ، فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ فِي يَدِهِ صَلْتاً، فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي فَقُلْتُ: اللهُ ثَلاثًا، وَلَمْ يُعَاقِبْهُ وَجَلَسَ) رواه البخاريّ في كتاب الجهاد والسير برقم/2694/ ومسلم في كتاب الفضائل برقم/4231/.
وَعُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ تَسُوقُه محاولةُ قتلِ النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى الإسلامِ: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ بِسَنَدِهِ: " جَلَسَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ الجُمَحِيّ مَعَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيّةَ، بَعْدَ مُصَابِ أَهْلِ بَدْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ فِي الحِجْرِ بِيَسِيرِ، وَكَانَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ شَيْطَانًا مِنْ شَيَاطِينِ قُرَيْشٍ، وَمِمّنْ كَانَ يُؤْذِي رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ، وَيَلْقَوْنَ مِنْهُ عَنَاءً وَهُوَ بِمَكّةَ، وَكَانَ ابْنُهُ وَهْبُ بْنُ عُمَيْرٍ فِي أُسَارَى بَدْرٍ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَسَرَهُ رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعٍ أَحَدُ بَنِي زُرَيْقٍ. فَذَكَرَ أَصْحَابَ الْقَلِيبِ وَمُصَابَهُمْ فَقَالَ صَفْوَانُ: وَاَللهِ إنْ فِي الْعَيْشِ بَعْدَهُمْ خَيْرٌ، قَالَ لَهُ عُمَيْرٌ: صَدَقْت وَاَللهِ، أَمَا وَاَللهِ لَوْلا دَيْنٌ عَلَيّ، لَيْسَ لَهُ عِنْدِي قَضَاءٌ، وَعِيَالٌ أَخْشَى عَلَيْهِمْ الضّيْعَةَ بَعْدِي، لَرَكِبْت إلَى مُحَمّدٍ حَتّى أَقْتُلَهُ، فَإِنّ لِي قِبَلَهُمْ عِلّةً، ابْنِي أَسِيرٌ فِي أَيْدِيهِمْ، قَالَ: فَاغْتَنَمَهَا صَفْوَانُ، وَقَالَ: عَلَيّ دَيْنُك، أَنَا أَقْضِيهِ عَنْك، وَعِيَالُك مَعَ عِيَالِي أُوَاسِيهِمْ مَا بَقُوا، لا يَسَعُنِي شَيْءٌ، وَيَعْجِزُ عَنْهُمْ، فَقَالَ لَهُ عُمَيْرٌ: فَاكْتُمْ شَأْنِي وَشَأْنَك، قَالَ: أَفْعَلُ.
قَالَ: ثُمّ أَمَرَ عُمَيْرٌ بِسَيْفِهِ فَشَحَذَ لَهُ، وَسُمّ، ثُمّ انْطَلَقَ حَتّى قَدِمَ المَدِينَةَ؛ فَبَيْنَا عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ فِي نَفَرٍ مِنْ المُسْلِمِينَ، يَتَحَدّثُونَ عَنْ يَوْمِ بَدْرٍ، وَيَذْكُرُونَ مَا أَكْرَمَهُمْ اللهُ بِهِ، وَمَا أَرَاهُمْ مِنْ عَدُوّهِمْ، إذْ نَظَرَ عُمَرُ إلَى عُمَيْرِ ابْنِ وَهْبٍ، حِينَ أَنَاخَ عَلَى بَابِ المَسْجِدِ مُتَوَشّحًا السّيْفَ، فَقَالَ: هَذَا الْكَلْبُ عَدُوّ اللهِ، عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ، وَاَللهِ مَا جَاءَ إلاّ لِشَرّ، وَهُوَ الّذِي حَرّشَ بَيْنَنَا، وَحَزَرْنَا لِلْقَوْمِ يَوْمَ بَدْرٍ.
ثُمّ دَخَلَ عُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا نَبِيّ اللهِ هَذَا عَدُوّ اللهِ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ، قَدْ جَاءَ مُتَوَشّحًا سَيْفَهُ، قَالَ: فَأَدْخِلْهُ عَلَيّ، قَالَ: فَأَقْبَلَ عُمَرُ حَتّى أَخَذَ بِحِمَالَةِ سَيْفِهِ فِي عُنُقِهِ فَلَبّبَهُ بِهَا، وَقَالَ لِرِجَالِ مِمّنْ كَانُوا مَعَهُ مِنْ الأَنْصَارِ: اُدْخُلُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَاجْلِسُوا عِنْدَهُ، وَاحْذَرُوا عَلَيْهِ مِنْ هَذَا الخَبِيثِ، فَإِنّهُ غَيْرُ مَأْمُونٍ، ثُمّ دُخِلَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمّا رَاهَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَعُمَرُ آخِذٌ بِحِمَالَةِ سَيْفِهِ فِي عُنُقِهِ، قَالَ: أَرْسِلْهُ يَا عُمَرُ، اُدْنُ يَا عُمَيْرُ، فَدَنَا، ثُمّ قَالَ: انْعَمُوا صَبَاحًا، وَكَانَتْ تَحِيّةَ أَهْلِ الجَاهِلِيّةِ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: قَدْ أَكْرَمَنَا اللهُ بِتَحِيّةِ خَيْرٍ مِنْ تَحِيّتِك يَا عُمَيْرُ، بِالسّلامِ تَحِيّةِ أَهْلِ الجَنّةِ.
فَقَالَ: أَمَا وَاَللهِ يَا مُحَمّدُ إنْ كُنْت بِهَا لَحَدِيثُ عَهْدٍ، قَالَ: فَمَا جَاءَ بِك يَا عُمَيْرُ؟ قَالَ، جِئْت لِهَذَا الأسِيرِ الّذِي فِي أَيْدِيكُمْ، فَأَحْسِنُوا فِيهِ، قَالَ: فَمَا بَالُ السّيْفِ فِي عُنُقِك؟ قَالَ: قَبّحَهَا اللهُ مِنْ سُيُوفٍ، وَهَلْ أَغْنَتْ عَنّا شَيْئًا؟ قَالَ: اُصْدُقْنِي، مَا الّذِي جِئْت لَهُ؟ قَالَ: مَا جِئْت إلاّ لِذَلِكَ..
قَالَ: بَلْ قَعَدْت أَنْتَ وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ فِي الحِجْرِ، فَذَكَرْتُمَا أَصْحَابَ الْقَلِيبِ مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمّ قُلْت: لَوْلا دَيْنٌ عَلَيّ، وَعِيَالٌ عِنْدِي لَخَرَجْت حَتّى أَقْتُلَ مُحَمّدًا، فَتَحَمّلَ لَك صَفْوَانُ بِدَيْنِك وَعِيَالِك، عَلَى أَنْ تَقْتُلَنِي لَهُ، وَاَللهُ حَائِلٌ بَيْنَك وَبَيْنَ ذَلِكَ.
قَالَ عُمَيْرٌ: أَشْهَدُ أَنّك رَسُولُ اللهِ، وَقَدْ كُنّا يَا رَسُولَ اللهِ نُكَذّبُك بِمَا كُنْت تَأْتِينَا بِهِ مِنْ خَبَرِ السّمَاءِ، وَمَا يَنْزِلُ عَلَيْك مِنْ الْوَحْيِ، وَهَذَا أَمْرٌ لَمْ يَحْضُرْهُ إلاّ أَنَا وَصَفْوَانُ، فَوَاَللهِ إنّي لأَعْلَمُ مَا أَتَاك بِهِ إلاّ اللهُ، فَالحَمْدُ للهِ الّذِي هَدَانِي للإِسْلامِ، وَسَاقَنِي هَذَا المَسَاقَ، ثُمّ شَهِدَ شَهَادَةَ الحَقّ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (فَقّهُوا أَخَاكُمْ فِي دِينِهِ، وَأَقْرِئُوهُ الْقُرْآنَ، وَأَطْلِقُوا لَهُ أَسِيرًا، فَفَعَلُوا، ثُمّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إنّي كُنْت جَاهِدًا عَلَى إطْفَاءِ نُورِ اللهِ، شَدِيدٌ للأَذَى لِمَنْ كَانَ عَلَى دِينِ اللهِ عَزّ وَجَلّ، وَأَنَا أُحِبّ أَنْ تَأْذَنَ لِي، فَأَقْدَمَ مَكّةَ، فَأَدْعُوهُمْ إلَى اللهِ تَعَالَى، وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم وَإِلَى الإِسْلامِ، لَعَلّ اللهُ يُهْدِيهِمْ، وَإِلاّ آذَيْتهمْ فِي دِينِهِمْ، كَمَا كُنْت أُوذِيَ أَصْحَابَك فِي دِينِهِمْ؟ قَالَ: فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَحِقَ بِمَكّةَ.
وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ حِينَ خَرَجَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ يَقُولُ: أَبْشِرُوا بِوَقْعَةِ تَأْتِيكُمْ الآنَ فِي أَيّامٍ تُنْسِيكُمْ وَقْعَةَ بَدْرٍ، وَكَانَ صَفْوَانُ يَسْأَلُ عَنْهُ الرّكْبَانَ، حَتّى قَدِمَ رَاكِبٌ، فَأَخْبَرَهُ عَنْ إسْلامِهِ، فَحَلَفَ أَنْ لا يُكَلّمَهُ أَبَدًا، وَلا يَنْفَعَهُ بِنَفْعِ أَبَدًا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا قَدِمَ عُمَيْرٌ مَكّةَ، أَقَامَ بِهَا يَدْعُو إلَى الإِسْلامِ، وَيُؤْذِي مَنْ خَالَفَهُ أَذًى شَدِيدًا، فَأَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ نَاسٌ كَثِيرٌ. السيرة النبويّة لابن هشام 3/114/.
وَثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ يُريدُ قَتلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فيئول أمرُه إلَى الإِسْلامِ، وجاء في بعض روايات السيرة أنّه كان يخطّط لقتل النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقد يكون سبب السريّة الردّ على هذه المؤامرة:
عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَيْلاً قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ، يُقَالُ لَهُ: ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي المَسْجِدِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ فَقَالَ: عِنْدِي خَيْرٌ يَا مُحَمَّدُ، إِنْ تَقْتُلْنِي تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ المَالَ فَسَلْ مِنْهُ مَا شِئْتَ، فَتُرِكَ حَتَّى كَانَ الْغَدُ..
ثُمَّ قَالَ لَهُ: مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ قَالَ: مَا قُلْتُ لَكَ، إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، فَتَرَكَهُ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ، فَقَالَ: مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ فَقَالَ: عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ، فَقَالَ: أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ، فَانْطَلَقَ إِلَى نَجْلٍ قَرِيبٍ مِنْ المَسْجِدِ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ دَخَلَ المَسْجِدَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاّ اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ: يَا مُحَمَّدُ، وَاللهِ مَا كَانَ عَلَى الأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ، فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ إِلَيَّ، وَاللهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ، فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيَّ، وَاللهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ، فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلادِ إِلَيَّ، وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي، وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ، فَمَاذَا تَرَى، فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ..
فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ لَهُ قَائِلٌ: صَبَوْتَ، قَالَ، لا، وَلَكِنْ أَسْلَمْتُ مَعَ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَلا وَاللهِ لا يَأْتِيكُمْ مِنْ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم " رواه البخاريّ في كتاب المغازي برقم/4024/ومسلم في كتاب الجهاد والسير برقم/3310/.
وجاء في رواية زيادة: " وَكَانَتْ الْيَمَامَةُ رِيفَ مَكّةَ، فَانْصَرَفَ إلَى بِلادِهِ، وَمَنَعَ الحَمْلَ إلَى مَكّةَ، حَتّى جَهِدَتْ قُرَيْشُ، فَكَتَبُوا إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يَسْأَلُونَهُ بِأَرْحَامِهِمْ أَنْ يَكْتُبَ إلَى ثُمَامَةَ، يُخَلّي إلَيْهِمْ حَمْلَ الطّعَامِ، فَفَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. انظر زاد المعاد 3/247/
وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه: أَنَّ امْرَأَةً يَهُودِيَّةً أَتَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ، فَأَكَلَ مِنْهَا، فَجِيءَ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ: أَرَدْتُ لأَقْتُلَكَ، قَالَ: مَا كَانَ اللهُ لِيُسَلِّطَكِ عَلَى ذَاكِ قَالَ: أَوْ قَالَ عَلَيَّ، قَالَ: قَالُوا: أَلا نَقْتُلُهَا قَالَ: لا، قَالَ: فَمَا زِلْتُ أَعْرِفُهَا فِي لَهَوَاتِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم " رواه مسلم في كتاب السلام برقم /4060/، واللهوات جمع لهاة، وهي اللحمات في سقف أقصى الفم، كما في النهاية 4/284.
وفي رواية أبي داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ، وَلا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، فَأَهْدَتْ لَهُ يَهُودِيَّةٌ بِخَيْبَرَ شَاةً مَصْلِيَّةً، سَمَّتْهَا، فَأَكَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهَا، وَأَكَلَ الْقَوْمُ، فَقَالَ: ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ، فَإِنَّهَا أَخْبَرَتْنِي: أَنَّهَا مَسْمُومَةٌ، فَمَاتَ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ الأَنْصَارِيُّ رضي الله عنه، فَأَرْسَلَ إِلَى الْيَهُودِيَّةِ: مَا حَمَلَكِ عَلَى الَّذِي صَنَعْتِ؟ قَالَتْ: إِنْ كُنْتَ نَبِيّاً لَمْ يَضُرَّكَ الَّذِي صَنَعْتُ، وَإِنْ كُنْتَ مَلِكاً أَرَحْتُ النَّاسَ مِنْكَ، فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقُتِلَتْ، ثُمَّ قَالَ فِي وَجَعِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: (مَازِلْتُ أَجِدُ مِنْ الأَكْلَةِ الَّتِي أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ، فَهَذَا أَوَانُ قَطَعَتْ أَبْهَرِي) رواه أبو داود في كتاب الديات برقم /3912/.
فقد عفا عنها النبيّ صلى الله عليه وسلم فيما أرادت تجاهه، وعندما مَاتَ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ الأَنْصَارِيُّ رضي الله عنه من تلك الأكلة قتلها قصاصاً به.
* وشيبةُ بنُ عثمانَ بن أبي طلحة، أخو بني عبدِ الدار يحاول قتل الرسول صلى الله عليه وسلم يوم حنين فيرى آيات الله في حفظ النبيّ صلى الله عليه وسلم، ويعلم ذلك منه النبيّ صلى الله عليه وسلم فيسوقه إلى الهداية أو يسوق الهداية إليه:
يقول ابن عباس: قال شيبةُ بنُ عثمانَ رضي الله عنه: لما رأيت النبيّ صلى الله عليه وسلم أعري يوم حنين ذكرت أنّ أبي وعمّي قتلهما عليّ وحمزة رضي الله عنهما، فقلت: اليوم أدرك ثأري من مُحَمّد. قال: فجئت عن يمينه فإذا العبّاس بن عبد المطلب رضي الله عنه قائم معه عليه درع بيضاء، كأنها الفضّة، يتكشّف عنها العجاج، فقلت: عمّه، فجئت من خلفه، فدنوت منه، ودنوت منه حتّى لم يبق إلاّ أن أسور سَورة بالسيف، إذ رفع لي شُواظ من نار، كأنّها البرق، فخفت أن تمحَشني، فنكصتُ على عقبيّ القَهقَرى. قال: فالتفت إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: « ما لك يا شيب؟ ادن، فدنوت، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على صدري، قال: فاستخرج الله عزّ وجلّ الشيطان من قلبي، فرفعت إليه بصري، وهو والله أحبّ إليّ من سمعي، ومن بصري، ومن قلبي، ومن أبي وأمي، فقال: « يا شيب، قاتل الكفّار » ثمّ قال صلى الله عليه وسلم: « يا عبّاس اصرخ »، فلم أر صرخة مثل صرخته، فقال: يا للمهاجرين! من الذين بايعوا تحت الشجرة، ويا للأنصار الذين آووا ونصروا، قال: فأجابوا كلّهم لبيك وسعديك.
قال شيبة: فما شبّهت عطف الأنصار على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلاّ كعطفة البقر على أولادها، فبرك رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنّه في حرجة سلم. قال شيبة: فوالله لأنا لرماح الأنصار أخوف على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكفّار..
ثمّ قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: « يا عباس ناولني من الحصباء ». فأفقه الله تعالى البغلة كلامه صلى الله عليه وسلم، فاختفضت به حتّى كاد بطنها يمسّ الأرض، فتناول من الحصباء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نفحها في وجوههم وقال: « شاهت الوجوه »، فهزم الله تعالى القوم عند ذلك». أخبار مكة للفاكهي 7/459/ والسورة: الوثبة والقفزة، والقهقرى: المَشيُ إلى خَلْف من غير أن يُعيد وجْهَه إلى جِهة مَشْيه.
وزاد في رواية: " قال: فتقدمت بين يديه أحبّ والله أن أقيه بنفسي كلّ شيء، فلمّا انهزمت هوازن رجع إلى منزله ودخلت عليه فقال: (الحمدُ للهِ الذي أرادَ بكَ خيراً مما أردتَ)، ثمّ حدّثني بما هممت به صلى الله عليه وسلم " أخرجه البيهقي في الدلائل 6/188، والمغازي للواقدي 3/910، انظر سبل الهدى والرشاد 5/321/.
للمقالة تتمة في الجزء التالي..





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 27-03-2023, 10:52 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: رحمته صلى الله عليه وسلم بأعدائه

رحمته صلى الله عليه وسلم بأعدائه (3)


عبد المجيد أسعد البيانوني

ويشمل ذلك جوانب عديدة، منها: الحرص على هدايتهم، وبذل النصح لهم، والعفو عنهم، والإحسان إليهم، مهما جهدوا في عداوته، أو أرادوا قتله.

في كلّ قوانين الدنيا وأنظمتها قانون الحرب يختلف عن قانون السلم.. إنّه يكون مُترعاً بالتجاوزات، والظلم والبغي، والانتهاكات للمبادئ الإنسانيّة، والمثل الأخلاقيّة، التي يعتزّ بهَا الناس وقت السلم، ويتغنّون بها.. وفي كلّ قوانين الدنيا قانونُ السلم لا يحكمُ قانونَ الحرب، بل للحرب قانونها، وللسلم قانونها، ولا يلتقيان.
أمّا في الإسلام فالأمر مختلف جدّاً: إنّ قانون السلم هو الذي يحكم قانون الحرب، ويصبغ وجهته، ويضبط حدوده، بمعنى أنّ السلم هو الأصل والقاعدة العريضة، التي تحكم حياة الناس وعلاقاتهم، وما يكون من طبيعة الحرب وقانونها إنّما هو استثناء، يبقى منضبِطاً بالأصل، لا يخرج عَنْ حدوده وآدابه.
وهكذا كانت صورة الجهاد المشرقة في عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم، وفي أيّام الخلافة الراشدة، وعصور الإسلام الزاهرة.. إنّه جهاد الحقّ لتكون كلمةُ الله تعالى هي العليا.. ولن يكونَ مقبولاً عند الله ما لم يكن ملتزماً حدود الإسلام وآدابه.. وعندَما يكونُ جهاداً لتكون كلمةُ الله هي العليا فهذا يعني أن يكون قصده الأوّل هو هداية العباد، ونشر نور اللهِ في الأرض، لا إرادة العلوّ والبغي والفساد..
* وقصّة إسلام أبي سُفيان وما كانَ فيها من مواقف مثل رَائع عن عظمة الأخلاق النبويّة، وسموّ الجهادِ في سبيلِ اللهِ بمقاصده وآدابه: لقد حمل أبو سفيان زعامة الكفرِ ولواءه ما يقرب من عقدين من الزمن، لم يتوان عن أنواع الكيد، بما فيها التآمُرُ على قتلِ النبيّ صلى الله عليه وسلم واغتياله، وفلّ الله مكره وكيده في كلّ مرّة، وانتشر نور الإسلام في الأرض يوماً بعد يوم، وحفّت عناية الله دعوة الحقّ، فهي تسير من نصر لنصر، ومن فتحٍ إلى ما هو أكبر، حتّى تحرّكت ألوية الحقّ لفتح مكّة، بعد أن نقضت قريش عهدها في صلح الحديبية..
وحرص النبيّ صلى الله عليه وسلم على تعمية خبر خروجه عن قريش، وكان له ما أراد، وعند " مرّ الظهران " [وهي قرية بالقرب من مكّة بوادي الظهران يقال له اليوم: وادي فاطمة]، خرج أبو سفيان بن حرب، وبديل بن ورقاء، وحكيم بن حزام، يستطلعون الأمر لقريش، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أصحابه أن يوقدوا ناراً، فأوقدوا عشرة آلاف نار، فرأى أبو سفيان وصاحباه نيراناً كنيران الحجيج في عرفة، فقال أبو سفيان: ما رأيت كالليلة نيراناً قطّ، ولا عسكراً.! فقال بديل: هذه والله خزاعة، فقال أبو سفيان: خزاعة أقلّ وأذلّ من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها.
وبينما هم يتحاوران عرف العبّاس صوت أبي سفيان، فقال: أبا حنظلة.؟ فأجابه أبو سفيان: أبا الفضل! فقال العبّاس: ويحك يا أبا سفيان! هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجيش، فقال أبو سفيان: فما الحيلة.؟! فداك أبي وأمّي.! فقال العبّاس: اركب في عجز هذه البغلة، حتّى آتي بك رسول الله فأستأمنه لك.. فركب، وسار الآخران وراءهما، فكلّما مرّوا بنار قالوا: من هذا.؟ فإذا رأوا بغلة رسول الله، والعبّاس عليها قالوا: عمّ رسول الله، حتّى مرّوا بنار عمر بن الخطّاب، وعرف أبا سفيان فوجأه في عنقه، وهمَّ بقتله، حتّى أجاره العبّاس، وأركض العبّاس البغلة، وعمر يشتدّ في إثرها، حتّى دخل العبّاس، ومعه أبو سفيان على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثمّ دخل عمر فقال: يا رسول الله، هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه بغير عهد، فدعني فلأضرب عنقه، فقال العبّاس: أنا أجرته..
ثمّ جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يناجيه، فلمّا أكثر عمر في شأن أبي سفيان قال العبّاس: مهلاً يا عمر! فوالله لو كان من رجال بني عَديّ بن كعْب ما قلت هذا، ولكنّكَ عرفت أنّه من بني عبد مناف! فقال عمر: مهلاً يا عبّاس! فوالله لإسلامك يوم أسلمت كان أحبّ إليّ من إسلام الخطّاب لو أسلم، وما بي إلاّ أنّي قد عرفت أنّ إسلامك كان أحبّ إلى رسول الله من إسلام الخطّاب.! وحسم رسول الله الخلاف بينهما فقال: (اذهب به يا عبّاس إلى رحلك، فإذا أصبحت فأتني به)، أمّا حكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء فقد أسلما.
وبات أبو سفيان ليلته، ورأى فيها ما ملأ نفسه إعجاباً! رأى المسلمين لمّا سمعوا الأذان انتشروا فتوضّأوا، ثمّ اقتدوا بالرسول يركعون بركوعه، ويسجدون بسجوده، فقال: يا عبّاس! ما يأمرهم بشيء إلاّ فعلوه.؟! قال: نعم، والله لو أمرهم بترك الطعام والشراب لأطاعوه! ورأى أعجب من ذلك، ذلك أنّه لمّا توضّأ رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلوا يبتدرون وضوءه، فقال: يا عبّاس ما رأيت كالليلة! ولا ملك كسرى وقيصر.!
وفي الصباح غدا به العبّاس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: (ويحك يا أبا سفيان! ألم يأنِ لك أن تعلم أن لا إله إلاّ الله.؟) فقال أبو سفيان: بأبي أنتَ وأمّي! ما أحلمك وأوصلك وأكرمك! والله لقد ظننت أن لو كان مع الله غيره لقد أغنى عنّي شيئاً بعد، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: ويحك! ألم يأنِ لك أن تعلم أنّي رسول الله.؟ فقال: أمّا هذه فإنّ في النفس منها حتّى الآن شَيئاً.
فقال له العبّاس: ويحك! أسلم، واشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً رسول الله، قبل أن تضرب عنقك، فشهد شهادة الحقّ، وأسلم، فقال العبّاس: إنّ أبا سفيان رجلٌ يحبّ الفخر، فاجعل له شيئاً. فرأى النبيّ صلى الله عليه وسلم بعظيم حكمته، سداد رأيه أن يجعل له خصوصيّة، تتّصل بأمن الناس، وحقن الدماء، ليكون متحمّساً لفلّ عزيمة الناس عن القتال، فقال صلى الله عليه وسلم: (من دخل دار أبي سفيان فهو آمنٌ، من دخل دار حكيم بن حزام فهو آمنٌ، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمنٌ، ومن دخل بيته فهو آمنٌ).
وكان من حكمة النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يوقع في نفس أبي سفيان الرهبة التامّة من قوّة المسلمين، لينقل الصورة التي يراها لمن وراءه من المشركين، فتثبّط عزائمهم عنْ مواجهتهم، فيؤثرون السلامة على القتال، فقال للعبّاس رضي الله عنه: (يا عبّاس احبسه عند مضيق الوادي، حتّى تمرّ به جنود الله فيراها).
ومرّت به كتائب الحقّ واحدة تلو الأخرى، وهو يسأل عنها فيعرّفه بها العبّاس، وكلّما سأل عن كتيبة فأجيب، فيقول: ما لي ولكتيبة كذا.! ثمّ مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء، يحيط به المهاجرون، لا يرى منهم إلاّ الحدق من الحديد، ويحمل الراية الزبير بن العوّام، فقال أبو سفيان: سبحان الله يا عبّاس.! من هؤلاء.؟ قال: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين، فقال أبو سفيان: ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة، والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيماً! فقال له العبّاس: " ويحك يا أبا سفيان! إنّها النبوّة! "، قال: نعم، إذن.
إنّ قصّة إسلام أبي سُفيان مليئة بالعبر والدروس، وبخاصّة ما فيها من موقف النبيّ صلى الله عليه وسلم منه.. لقد كان موقف البشريّة العدل هو ما وقفه عمر بن الخطّاب، إذ استأذن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قتله، ولكنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم المبعوث رحمةً للعالمين أبى عليه ذلك، وعندما التقى أبا سفيان هل أظهر له روح البشريّة، التي تشمت بخصمها في مثل هذه المواقف.؟

هل جمع له كبار أصحابه، ليريهم كيف تتمرّغ بالرغام كبرياء قريش في شخص أكبر زعمائها أبي سفيان.؟
هل ذكّره بعداوته لله ورسوله التي خبّ فيها وأوضع خلال عقدين من الزمن.؟!
انظر إلى السموّ النبويّ الذي لا مطمح لبشرٍ بمثله، لقد طوى صفحاً عن كلّ ذلك، وتناسى الماضي المرير، الذي لا يمكن لأحدٍ أن ينساه، وقال له:
(ويحك يا أبا سفيان! ألم يأنِ لك أن تعلم أن لا إله إلاّ الله.؟) فدهش أبو سفيان، وكان ولا شكّ ينتظر كلاماً غير ذلك، فما كان منه إلاّ أن قال: بأبي أنتَ وأمّي! ما أحلمك وأوصلك وأكرمك!
وكرّر هذه الجملة مرّة أخرى عندما دعاه إلى شهادة أنّ محمّداً رسول الله، فكان هذا الموقف النبويّ الكريم، بسموّه عن كلّ اعتبارات الأرض والطين، كفيلاً باستلال كبرياء الجاهليّة وعنجهيّتها من نفس أبي سفيان، ليفيء إلى رحاب الحقّ، ويكون منذ اليوم جنديّاً من جنود الدعوة الأوفياء..




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 102.43 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 99.57 كيلو بايت... تم توفير 2.85 كيلو بايت...بمعدل (2.79%)]