حكم زكاة الزيت والزيتون - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         الجوانب الأخلاقية في المعاملات التجارية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 55 )           »          حتّى يكون ابنك متميّزا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 52 )           »          كيف يستثمر الأبناء فراغ الصيف؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          غربة الدين في ممالك المادة والهوى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 58 )           »          أهمية الوقت والتخطيط في حياة الشاب المسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 57 )           »          الإسلام والغرب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 56 )           »          من أساليب تربية الأبناء: تعليمهم مراقبة الله تعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          همسة في أذن الآباء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 49 )           »          تعظيم خطاب الله عزوجل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 49 )           »          رسـائـل الإصـلاح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 54 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 22-01-2023, 12:09 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي حكم زكاة الزيت والزيتون

حكم زكاة الزيت والزيتون
د. كامل صبحي صلاح

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:
فإن من المقرر المعلوم أن شجرة الزيتون من الأشجار المباركة؛ حيث أقسم الله تبارك وتعالى بالزيتون في كتابه العزيز؛ فقال الله تعالى: ﴿ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ﴾ [التين: 1].

قال ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وإبراهيم، وعطاء بن أبي رباح، ومقاتل، والكلبي: "هو تينكم هذا الذي تأكلونه، وزيتونكم هذا الذي تعصرون منه الزيت".

وشجرة الزيتون هي من الثمار التي يُعصر منها الزيت، وهي من الأشجار المنتشرة والمشهورة في بلاد الشام عمومًا.

ولقد خُصَّ الزيتون بالقسم؛ لكثرة منافعه وكونه شجرة مباركة، وهو ثمر يصلح للاصطباغ والاصطباح والادهان به؛ ففي الحديث عن أبي أسيد بن ثابت الأنصاري رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كلوا الزيت وادهنوا به؛ فإنه من شجرة مباركة))؛ [الحاكم، المستدرك على الصحيحين (3550)، صحيح الإسناد].

وإن من المسائل الشائعة المتكررة في كل عام مسألة حكم زكاة الزيت والزيتون، ولقد اختلف الفقهاء قديمًا وحديثًا في حكم زكاة الزيت والزيتون على قولين:
الأول: ذهب جمهور الفقهاء؛ أبي حنيفة، ومالك، والشافعي في قوله القديم، وأحمد في رواية، إلى وجوب زكاة الزيت والزيتون؛ لأنه يمكن ادخار غلة الزيت، فأشبه التمر والزبيب في الحكم؛ واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأنعام: 141]؛ أي: والله سبحانه وتعالى هو الذي أوجد لكم بساتين: منها ما هو مرفوع عن الأرض كالأعناب، ومنها ما هو غير مرفوع، ولكنه قائم على سوقه كالنخل والزرع المتنوع طعمه، والزيتون والرمان المتشابه منظره، والمختلف ثمره وطعمه، كلوا - أيها الناس - من ثمره إذا أثمر، وأعطوا زكاته المفروضة عليكم يوم قطافه وحصاده، ولا تتجاوزوا حدود الاعتدال في إخراج المال وأكل الطعام وغير ذلك، إنه تعالى لا يحب المتجاوزين حدوده بإنفاق المال في غير وجهه.

قال ابن كثير: قال يزيد بن درهم: سمعت أنس بن مالك يقول: ﴿ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ﴾ [الأنعام: 141]، قال: الزكاة المفروضة.

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: ﴿ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ﴾ [الأنعام: 141]؛ يعني: الزكاة المفروضة، يوم يُكال ويُعلم كيله، وكذا قال سعيد بن المسيب.

وقال العوفي، عن ابن عباس: ﴿ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ﴾ [الأنعام: 141]: وذلك أن الرجل كان إذا زرع فكان يوم حصاده، لم يخرج مما حصد شيئًا؛ فقال الله تعالى: ﴿ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ﴾ [الأنعام: 141]، وذلك أن يعلم ما كيله وحقه، من كل عشرة واحدًا، ما يلقط الناس من سنبله.

وقال طاوس، وأبو الشعثاء، وقتادة، والحسن، والضحاك، وابن جريج: هي الزكاة.

وقال الحسن البصري: هي الصدقة من الحب والثمار، وكذا قال زيد بن أسلم.

وقال البغوي: فقال ابن عباس وطاوس والحسن وجابر بن زيد وسعيد بن المسيب: إنها الزكاة المفروضة من العشر ونصف العشر.

الثاني: وذهب الإمام الشافعي في قوله الجديد، وأحمد في رواية، وهو المذهب عند الشافعية والحنابلة، واختاره أبو عبيد القاسم بن سلام - إلى عدم وجوب زكاة الزيت والزيتون؛ لكونه لا يدخر يابسًا، فهو كالخضروات، ولأن الآية ليست صريحة في إيجاب الزكاة، وقد ذُكر فيها الرمان، وهو لا زكاة فيه؛ [ينظر: "أحكام القرآن" للجصاص (3/ 16)، "المنتقى" للباجي (2/ 163)، "المجموع" (5/ 437)، "المغني" (2/ 295)، "الإنصاف" (3/ 88)].

وقال الماوردي: "أما الزيتون فله - أي الإمام الشافعي - في إيجاب زكاته قولان: أحدهما - وهو قوله في القديم - فيه الزكاة، وبه قال مالك؛ لقوله تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ﴾ [الأنعام: 141]"؛ [الحاوي، للماوردي (3/ 505)].

وإن من الفقهاء المعاصرين الذين قالوا بعدم وجوب الزكاة في الزيت والزيتون الشيخ ابن باز، والشيخ ابن عثيمين، رحمهم الله تعالى.

قال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى: "التين والزيتون لا تجب فيهما زكاة في أصح قولي العلماء؛ لأنهما من الخضروات والفواكه"؛ [انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (14/ 70)].

وسُئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: هل في الزيتون أو الزيت زكاة وكذلك الرمان والتين؟
فأجاب: هذه الأشجار ليس فيها زكاة، وإنما الزكاة في التمر والعنب، أما الزيتون والرمان والبرتقال والتفاح والأُتْرُج، فكلها ليس فيها زكاة، ولكن إذا باعها الإنسان وحصل على ثمن نقد، فإنه إذا بقي عنده إلى تمام الحول وجب عليه الزكاة، وتكون زكاة نقد لا زكاة ثمار"؛ [فتاوى نور على الدرب، لابن عثيمين].

واستدلوا على ذلك بقول الله تعالى: ﴿ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ﴾ [الأنعام: 141].

وجه الدلالة: أن الله تبارك وتعالى قرن الزيتون بالرمان، وهما مما تنبته الأرض، والرمان لا تجب فيه الزكاة بالاتفاق، فكذلك الزيتون لا تجب فيه الزكاة، فدل ذلك على أن الآية ليست على عمومها في وجوب الزكاة بقوله تعالى: ﴿ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ﴾ [الأنعام: 141].

وإن الزيتون كان موجودًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما افتتحه من مخاليف اليمن وأطراف الشام، فلم يُنقَل أنه أخذ زكاة شيء منه، ولو وجبت زكاته لنُقلت عنه قولًا وفعلًا، كما نُقلت زكاة النخل والكَرْمِ قولًا وفعلًا.

وإن الزيتون ليس بقوت، ولا يُدَّخر يابسًا، فلا تجب فيه زكاة، كالخضروات.

رابعًا: إن الزيتون - وإن كثُر - فإنه لا يقتات منفردًا، كالتمر والزبيب، وإنما يُؤكل أُدْمًا، والزكاة تجب في الأقوات، ولا تجب في الإدام.

القول الراجح:
إن القول الراجح في هذه المسألة: هو وجوب زكاة الزيت والزيتون، وهو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء؛ أبي حنيفة ومالك والشافعي؛ لأنه يمكن ادخار غلة الزيت، فأشبه التمر والزبيب في الحكم؛ وهو وجوب زكاتهما؛ كما نصت الآية الكريمة سابقة الذكر على ذلك.
والله أعلى وأعلم.

أحكام زكاة الزيت والزيتون:
إن زكاة الزيت والزيتون تتعلق بها بعض الأحكام المهمة؛ وهي كما يلي:
تجب زكاة الزيتون عند أكثر أهل العلم، فمن ملك منه نصابًا وجبت عليه الزكاة، والنصاب الذي تجب زكاته من الزيتون هو خمسة أوسق من حب الزيتون نفسه، ومقدار النصاب بالكيلو جرامات (612) كيلو تقريبًا.

وقيل: إن الصاع (2240) جرامًا تقريبًا، فيكون النصاب بالكيلو جرام يساوي (672) كيلوجرام تقريبًا.

نصاب زكاة الزيتون:
يشترط في وجوب الزكاة في الزيتون أن يبلغ الزيتون نصابًا، وهو خمسة أوسق، والوسق: ستون صاعًا، فيكون النصاب ثلاثمائة صاع، وتقدر بـ(612) وقيل: (672) كيلوجرام تقريبًا؛ ففي الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال: ((ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة، وليس فيما دون خمس ذَودٍ صدقة، وليس فيما دون خمس أواقٍ صدقة))؛ [أخرجه مسلم (979)].

يجوز إخراج زكاة الزيت والزيتون في حالة عدم بلوغ النصاب على سبيل الجواز لا الوجوب.

يجوز إخراج الزكاة من الزيتون نفسه، كما يجوز إخراجها من الزيت، وحينئذٍ يمكن إخراج الزكاة من الزيتون قبل عصره.

زكاة الزيتون لا بد فيها من النصاب، ولا يلزم فيها حَوَلانُ الحَول.

يجوز لصاحب الزيت والزيتون أن يبيعه بثمن مؤجَّل أعلى من ثمنه الحالِّ، كأن يبيعه بمائة إن كان حالًّا، وبمائة وثلاثين إن كان مؤجلًا، بشرط أن يتم التعاقد على اختيار إحدى الطريقتين، قبل أن ينفض المجلس.

تؤخذ الزكاة من الزيتون زيتًا بعد عصره إن كان لا يدخر حبًّا، وإلا أُخذت الزكاة حبًّا؛ ففي الموسوعة الفقهية الكويتية: "والزيتون عند من قال تؤخذ منه الزكاة، إن كان من الزيتون الذي يُعصَر منه الزيت يُؤخذ العشر من زيته بعد عصره، ولو كان زيته قليلًا؛ لأنه هو الذي يُدخَّر؛ فهو بمثابة التجفيف في سائر الثمار، وإن كان يدخر حبًّا، فيُؤخذ عُشره حبًّا إذا بلغ الحب خمسة أوسق، وهذا مذهب المالكية والحنابلة، قال مالك: إذا بلغ الزيتون خمسة أوسق أُخذ الخُمس من زيته بعد أن يُعصر، وذهب أبو حنيفة إلى أنه يخرج العشر منه حبًّا على كل حال"؛ [الموسوعة الفقهية الكويتية (24/ 348)].

إن مقدار الزكاة الواجب إخراجها في الزيتون هي العشر (10%) إذا كان يُسقى بماء السماء، ونصف العشر (5%) إذا سُقِيَ نضحًا بماء الري، أي من مال المالك، وذلك سواء كان المخرَج زيتًا أو زيتونًا؛ وذلك لحديث عبدالله بن عمر رضي الله تعالى عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريًّا العشر، وما سُقي بالنضح نصف العشر...))؛ [صحيح البخاري (١٤٨٣)].

وإذا سُقِيَ نصف حاجته بماء المطر، والنصف الآخر بأجرة وتكلفة؛ فالواجب ثلاثة أرباع العشر (7.5 %)، وإذا سُقِيَ بأحدهما أكثر من الآخر، فالحكم للأكثر والغالب.
فيخرج من ثمر الزيتون العشر، إن كانت الأرض تُسقى بغير كلفة أكثر العام، أو نصف العشر إن كانت تُسقى بالآبار والسواقي والماكينات.

إن المعتبر هو في وزن الزيتون، وليس الزيت؛ يقول الإمام النووي رحمه الله تعالى: "إن قلنا بالقديم أن الزكاة تجب في الزيتون... يعتبر النصاب زيتونًا لا زيتًا، هذا هو المذهب، وبه قطع القاضي حسين والجمهور، ونقل إمام الحرمين اتفاق الأصحاب عليه"؛ [ينظر "المجموع" (5/ 454)].

الإنسان مخيَّر إن شاء أخرج الزكاة زيتًا، وإن شاء أخرجها زيتونًا، والزيت أولى؛ قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: "إن أخرج زيتونًا جاز؛ لأنه حالة الادخار، قال: وأُحب إن أخرج عشره زيتًا؛ لأنه نهاية ادخاره"؛ نقله النووي في "المجموع" (5/ 434)؛ ثم قال رحمه الله تعالى: "أصح الأوجه عند الأصحاب -وهو نصه في القديم - أنه مخير إن شاء أخرج زيتًا، وإن شاء أخرج زيتونًا، والزيت أولى، كما نص عليه".

إن زكاة الزيتون على المالك في حال بيع الثمر على الشجر، ولا يجوز بيع الزيتون على الشجر إلا بعد بدوِّ صلاحه واشتداد حَبِّهِ، وتجب الزكاة في هذه الحالة على المالك وحده؛ لأن الزكاة تجب في الزيتون عند انعقاد الثمر، وهو قد انعقد عند المالك؛ قال الشربيني: تجب الزكاة ببدوِّ صلاح الثمر؛ لأنه حينئذٍ ثمرة كاملة"؛ [مغني المحتاج (4/ 461)].

ثم إذا باع المالك الزيتون بعد بدو صلاحه، فالواجب استثناء مقدار الزكاة من الصفقة، أو تنبيه المشتري على ذلك؛ كيلا يقع النزاع.

حكم استبدال الزيتون بالزيت:
لا يجوز إبدال الزيتون بالزيت، بل لا بد من إدخال النقد في مبادلتهما كيلا يقع الربا؛ لأن الزيتون أصل للزيت، ولا يجوز مبادلة الجنس الواحد من الطعام مع التفاضل بينهما؛ قال الشيرازي رحمه الله تعالى: "لا يجوز بيع أصله بعصيره، كالسمسم بالشيرج، والعنب بالعصير؛ لأنه إذا عُصر الأصل نقص عن العصير الذي بيع به"؛ [ينظر "المهذب" (2/ 37)].

وعلل أيضًا الإمام الماوردي رحمه الله تعالى الحكم بأنهما من جنس واحد، والتماثل بينهما معدوم؛ ["الحاوي" (5/ 243)]، والقاعدة تقول: الجهل بالمماثلة كحقيقة المفاضلة.

الأولى والأفضل أن تخرج الزكاة من جنس المزكَّى، فلا يجوز دفع زكاة الزيتون نقدًا، وأجاز بعض الفقهاء إخراجها نقدًا؛ تيسيرًا على الناس، وتحقيقًا لمصلحة الفقراء، كما هو مذهب الحنفية؛ حيث قال في "الاختيار لتعليل المختار" (1/ 102): "يجوز فيها - أي الزكاة - دفع القيمة".

يكون إخراج الزكوات الواجبة في الأصناف الثمانية المحددة في قوله تبارك وتعالى: ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 60]؛ أي: إنما تعطى الزكوات الواجبة للمحتاجين الذين لا يملكون شيئًا، وللمساكين الذين لا يملكون ما يكفيهم ويسد حاجتهم، وللسعاة الذين يجمعونها، وللذين تؤلفون قلوبهم بها ممن يُرجى إسلامه أو قوة إيمانه أو نفعه للمسلمين، أو تدفعون بها شر أحد عن المسلمين، وتُعطى في عتق رقاب الأرقاء والمكاتبين، وتعطى للغارمين لإصلاح ذات البين، ولمن أثقلتهم الديون في غير فساد ولا تبذير فأُعسروا، وللغزاة في سبيل الله، وللمسافر الذي انقطعت به النفقة، هذه القسمة فريضة فرضها الله وقدرها، والله جل وعلا عليم بمصالح عباده، حكيم في تدبيره وشرعه.

لا يجوز بيع الزيتون على الشجر (المسمى بضمان الشجر) إلا بعد بدو صلاحه، واشتداد حَبِّه؛ ليأمن الآفة غالبًا، وتجب الزكاة في هذه الحالة على المالك وحده؛ لأن الزكاة تجب في الزيتون عند انعقاد الثمر، وقد انعقد عند المالك؛ فوجبت الزكاة في حقه، وبناء عليه فيجب على المالك أن يستثني مقدار الزكاة من الصفقة فلا يبيعه للمشتري (الضامن)، أو يخرج زكاة زيتونه بالقيمة، إذا باعه للضامن كاملًا، وأما المشتري فعليه زكاة عروض التجارة في نهاية الحول.

حكم التكاليف المدفوعة على جمع الزيتون وعصره من مقدار الزكاة، فهل تسقط هذه التكاليف؟ ‏قولان لأهل العلم في هذه المسألة:

الأول: لا تُخصم ولا تسقط التكاليف المدفوعة على جمع الزيتون وعصره من مقدار الزكاة، بل تؤدَّى الزكاة من خالص النتاج؛ كما قال الخطيب الشربيني: "مؤنة الجفاف والتصفية والجذاذ والدياس والحمل وغيرها مما يحتاج إلى مؤنة على المالك، لا من مال الزكاة"؛ [ينظر "مغني المحتاج" (4/ 461)].

ودليل ذلك أن الشريعة فرقت في مقدار الزكاة بحسب تكاليف السقاية؛ فجعلت الواجب نصف العشر في حال دفع تكاليف السقاية، ولو كانت تكاليف الزراعة كلها مخصومة لَما جاء هذا التفاوت في مقدار الزكاة الواجبة، فإما أن يخرج الزكاة من حاصل الزيتون قبل العصر، وإما أن يخرجها من صافي الزيت بعد العصر، ولا تُخصم أجرة العصر منه.

واستثنى بعض العلماء في حالة إذا لم يكن عند المزارع مال واضطر للاستدانة لها لعدم توافر مال عنده، فإنها تُخصم من الزكاة، ومستند ذلك الآثار الواردة عن بعض الصحابة، كابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم، وهو أن المزارع يُخرِج ما استدان على ثمرته ثم يزكي ما بقي.

الثاني: ومن العلماء من يرى أن المزارع يخصم النفقات التي تحملها في الإنفاق على زرعه، ويدخل في ذلك ما أنفقه على الحراثة والتسميد وأجرة العمال والحصادين، فيُخصم قبل إخراج الزكاة، باستثناء نفقات الري التي أنزل الشارع الواجب في مقابلها من العشر إلى نصفه.

قال الإمام أحمد: "من استدان ما أنفق على زرعه، واستدان ما أنفق على أهله - عياله - احتسب ما أنفق على زرعه دون ما أنفق على أهله"، وعلل الحنابلة ذلك بأنه من مؤنة الزرع؛ كما بينه ابن قدامة في المغني (3/ 30).

ومما يؤيد هذا القول أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الخارص -وهو الذي يقدر كمية الثمار التي تجب فيها الزكاة - أن يترك ثلث الثمر أو رُبُعه لأصحاب الثمر، ولا يحسب فيه زكاة؛ فقد جاء في حديث سهل بن أبي حثمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا خرصتم فخذوا ودعوا، دعوا الثلث، فإن لم تجدوا أو تدعوا، فالرُّبُع))؛ [أخرجه أبو داود (1605)، والترمذي (643)، والنسائي (2491)، وأحمد (16093) واللفظ له، شعيب الأرنؤوط، تخريج المسند، (16094)، صحيح].

وورد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في الرجل ينفق على ثمرته، فقال: يرفع النفقة ويزكي ما بقي؛ [مصنف بن أبي شيبة، (2/ 277)].

وروى يحيى بن آدم بإسناده عن ابن عباس وابن عمر في الرجل يستقرض فينفق على ثمرته وأهله، قال: قال ابن عمر: يبدأ بما استقرض فيقضيه ويزكي ما بقي، قال: وقال ابن عباس: يقضي ما أنفق على الثمرة ثم يزكي ما بقي؛ [قال الشيخ أحمد محمد شاكر رحمه الله تعالى: هذا إسناد صحيح، كتاب الخراج ص (153)].

ونُقل عن عطاء قوله: إنه يسقط مما أصاب النفقة، فإن بقي مقدار لزكاة زكى، وإلا فلا؛ [المحلى، لابن حزم (4/ 66)].

وقال القاضي أبو بكر بن العربي رضي الله عنه: "والمتحصل من صحيح النظر أن يترك له قدر الثلث أو الربع في مقابلة المؤنة، من واجب فيها، ومندوب إليها منه، والله أعلم"؛ [عارضة الأحوذي (3 /116)].

وروى يحيى بن آدم عن وكيع عن إسماعيل بن عبدالملك قال: قلت لعطاء: الأرض أزرعها؟ قال فقال: ارفع نفقتك وزك ما بقي؛ [الخراج ص (152)].

هذا ما تم إيراده، نسأل الله العلي الأعلى أن يفقهنا في دينه، وأن يجعله من العلم النافع والعمل الصالح، والحمد لله رب العالمين.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 64.78 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 62.89 كيلو بايت... تم توفير 1.88 كيلو بايت...بمعدل (2.91%)]