تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله - الصفحة 3 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11910 - عددالزوار : 190800 )           »          فتاوى رمضانية ***متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 554 - عددالزوار : 92644 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 114 - عددالزوار : 56861 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 78 - عددالزوار : 26158 )           »          شرح كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم للمنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 33 - عددالزوار : 714 )           »          الدين والحياة الدكتور أحمد النقيب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 16 - عددالزوار : 57 )           »          فبهداهم اقتده الشيخ مصطفى العدوي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 16 - عددالزوار : 55 )           »          يسن لمن شتم قوله: إني صائم وتأخير سحور وتعجيل فطر على رطب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 24 )           »          رمضان مدرسة الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          أمور قد تخفى على بعض الناس في الصيام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #21  
قديم 07-09-2020, 04:55 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,566
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله

الحلقة (17)
- تفسير البغوى
سورة البقرة
الاية 104 إلى الاية 108
أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي


( يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم ( 104 ) ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم ( 105 ) )

قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا ) وذلك أن المسلمين كانوا يقولون راعنا يا رسول الله ، من المراعاة أي أرعنا سمعك ، أي فرغ سمعك لكلامنا ، يقال : أرعى إلى الشيء ، ورعاه ، وراعاه ، أي أصغى إليه واستمعه ، وكانت هذه اللفظة ( شيئا ) قبيحا بلغة اليهود ، وقيل : كان معناها عندهم : اسمع لا سمعت .

وقيل : هي من الرعونة إذا أرادوا أن يحمقوا إنسانا قالوا له : راعنا بمعنى يا أحمق! فلما سمع اليهود هذه اللفظة من المسلمين قالوا فيما بينهم : كنا نسب محمدا سرا ، فأعلنوا به الآن ، فكانوا يأتونه ويقولون : راعنا يا محمد ، ويضحكون فيما بينهم ، فسمعها سعد بن معاذ ففطن لها ، وكان يعرف لغتهم ، فقال لليهود : لئن سمعتها من أحدكم يقولها لرسول صلى الله عليه وسلم لأضربن عنقه ، فقالوا : أولستم تقولونها ؟ فأنزل الله تعالى ( لا تقولوا راعنا ) كيلا يجد اليهود بذلك سبيلا إلى شتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وقولوا انظرنا ) أي انظر إلينا وقيل : انتظرنا وتأن بنا ، يقال : نظرت فلانا وانتظرته ، ومنه قوله تعالى " انظرونا نقتبس من نوركم 13 - الحديد ) قال مجاهد : معناها ( فهمناه ) ( واسمعوا ) ما تؤمرون به وأطيعوا ( وللكافرين ) يعني اليهود ( عذاب أليم )

قوله تعالى : ( ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ) وذلك أن المسلمين كانوا إذا قالوا لحلفائهم من اليهود : آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم قالوا : ما هذا الذي تدعوننا إليه بخير مما نحن فيه ولوددنا لو كان خيرا ، فأنزل الله تكذيبا لهم ( ما يود الذين ) أي ما يحب ويتمنى الذين كفروا من أهل الكتاب يعني اليهود ( ولا المشركين ) جره بالنسق على من ( أن ينزل عليكم من خير من ربكم ) أي خير ونبوة ، ومن صلة ( والله يختص برحمته ) بنبوته ( من يشاء والله ذو الفضل العظيم ) والفضل ابتداء إحسان بلا علة .

وقيل : المراد بالرحمة الإسلام والهداية وقيل : معنى الآية إن الله تعالى بعث الأنبياء من ولد إسحاق فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم من ولد إسماعيل لم يقع ذلك بود اليهود ومحبتهم ، ( فنزلت الآية ) وأما المشركون فإنما لم تقع بودهم لأنه جاء بتضليلهم وعيب آلهتهم .
( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير ( 106 ) ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير ( 107 ) أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل ( 108 ) )

قوله عز وجل ( ما ننسخ من آية أو ننسها ) وذلك أن المشركين قالوا : إن محمدا ما يأمر أصحابه بأمر ثم ينهاهم عنه ويأمرهم بخلاف ما يقوله إلا من تلقاء نفسه يقول اليوم قولا ويرجع عنه غدا كما أخبر الله " وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر " ( 101 - النحل ) وأنزل ( ما ننسخ من آية أو ننسها ) فبين وجه الحكمة من النسخ بهذه الآية .

والنسخ في اللغة شيئان أحدهما : بمعنى التحويل والنقل ومنه نسخ الكتاب وهو أن يحول من كتاب إلى كتاب فعلى هذا الوجه كل القرآن منسوخ لأنه نسخ من اللوح المحفوظ .

والثاني : يكون بمعنى الرفع يقال : نسخت الشمس الظل أي ذهبت به وأبطلته . فعلى هذا يكون بعض القرآن ناسخا وبعضه منسوخا وهو المراد من الآية وهذا على وجوه ، أحدها : أن يثبت الخط وينسخ الحكم مثل آية الوصية للأقارب . وآية عدة الوفاة بالحول وآية التخفيف في القتال وآية الممتحنة ونحوها ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى ( ما ننسخ من آية ) ما نثبت خطها ونبدل حكمها ، ومنها أن ترفع تلاوتها ويبقى حكمها مثل آية الرجم ، ومنها أن ترفع تلاوته أصلا عن المصحف وعن القلوب كما روي عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف : أن قوما من الصحابة رضي الله عنهم قاموا ليلة ليقرءوا سورة فلم يذكروا منها إلا بسم الله الرحمن الرحيم فغدوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تلك سورة رفعت تلاوتها وأحكامها " وقيل : كانت سورة الأحزاب مثل سورة البقرة ، فرفع أكثرها تلاوة وحكما ، ثم من نسخ الحكم ما يرفع ويقام غيره مقامه ، كما أن القبلة نسخت من بيت المقدس إلى الكعبة ، والوصية للأقارب نسخت بالميراث وعدة الوفاة نسخت من الحول إلى أربعة أشهر وعشر ، ومصابرة الواحد العشر في القتال نسخت بمصابرة الاثنين ، ومنها ما يرفع ولا يقام غيره مقامه ، كامتحان النساء . والنسخ إنما يعترض على الأوامر والنواهي دون الأخبار .

أما معنى الآية فقوله ( ما ننسخ من آية ) قراءة العامة بفتح النون وكسر السين من النسخ ، أي : نرفعها ، وقرأ ابن عامر بضم النون وكسر السين من الإنساخ وله وجهان :

أحدهما : أن نجعله كالمنسوخ .

والثاني : أن نجعله نسخة له [ يقال : نسخت الكتاب أي كتبته ، وأنسخته غيري إذا جعلته نسخة له ] ( أو ننسها ) أي ننسها على قلبك .

وقال ابن عباس رضي الله عنهما ، نتركها لا ننسخها ، قال الله تعالى نسوا الله فنسيهم " ( 67 - التوبة ) أي تركوه فتركهم وقيل ( ننسها ) أي : نأمر بتركها ، يقال : أنسيت الشيء إذا أمرت بتركه ، فيكون النسخ الأول من رفع الحكم وإقامة غيره مقامه ، والإنساء يكون ناسخا من غير إقامة غيره مقامه .

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو أو ننسأها بفتح النون الأول والسين مهموزا أي نؤخرها فلا نبدلها يقال : نسأ الله في أجله وأنسأ الله أجله ، وفي معناه قولان : أحدهما : نرفع تلاوتها ونؤخر حكمها كما فعل في آية الرجم فعلى هذا يكون النسخ الأول بمعنى رفع التلاوة والحكم ، والقول الثاني : قال سعيد بن المسيب وعطاء : أما ما نسخ من آية فهو ما قد نزل من القرآن جعلاه من النسخة ، أو ننسأها أي نؤخرها ونتركها في اللوح المحفوظ ولا تنزل .

( نأت بخير منها ) أي بما هو أنفع لكم وأسهل عليكم وأكثر لأجركم ، لا أن آية خير من آية ؛ لأن كلام الله واحد وكله خير ( أو مثلها ) في المنفعة والثواب فكل ما نسخ إلى الأيسر فهو أسهل في العمل وما نسخ إلى الأشق فهو في الثواب أكثر ( ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير ) من النسخ والتبديل ، لفظه استفهام ، ومعناه تقرير ، أي : إنك تعلم .

( ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض وما لكم ) يا معشر الكفار عند نزول العذاب ( من دون الله ) مما سوى الله ( من ولي ) قريب وصديق وقيل : من وال وهو القيم بالأمور ( ولا نصير ) ناصر يمنعكم من العذاب .

قوله : ( أم تريدون أن تسألوا رسولكم ) نزلت في اليهود حين قالوا : يا محمد ائتنا بكتاب من السماء جملة كما أتى موسى بالتوراة فقال تعالى ( أم تريدون ) يعني أتريدون فالميم صلة وقيل : بل تريدون أن تسألوا رسولكم محمدا صلى الله عليه وسلم ( كما سئل موسى من قبل ) سأله قومه : أرنا الله جهرة وقيل : إنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : لن نؤمن لك حتى تأتي بالله والملائكة قبيلا ، كما أن موسى سأله قومه فقالوا : أرنا الله جهرة ففيه منعهم عن السؤالات المقبوحة بعد ظهور الدلائل والبراهين ( ومن يتبدل الكفر بالإيمان ) يستبدل الكفر بالإيمان ( فقد ضل سواء السبيل ) أخطأ وسط الطريق وقيل : قصد السبيل .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #22  
قديم 07-09-2020, 04:56 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,566
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله

الحلقة (18)
- تفسير البغوى
سورة البقرة
الاية 109 إلى الاية 114
أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي


( ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير ( 109 ) )

قوله تعالى : ( ود كثير من أهل الكتاب ) الآية نزلت في نفر من اليهود قالوا لحذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر بعد وقعة أحد : لو كنتم على الحق ما هزمتم ، فارجعا إلى ديننا فنحن أهدى سبيلا منكم فقال لهم عمار : كيف نقض العهد فيكم ؟ قالوا : شديد ، قال فإني قد عاهدت أن لا أكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم ما عشت . فقالت اليهود : أما هذا فقد صبأ وقال حذيفة : أما أنا فقد رضيت بالله ربا ، وبمحمد نبيا ، وبالإسلام دينا ، وبالقرآن إماما ، وبالكعبة قبلة ، وبالمؤمنين إخوانا ، ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه بذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قد أصبتما الخير وأفلحتما " فأنزل الله تعالى " ود كثير من أهل الكتاب " أي تمنى وأراد كثير من أهل الكتاب من اليهود ( لو يردونكم ) يا معشر المؤمنين ( من بعد إيمانكم كفارا حسدا ) نصب على المصدر ، أي يحسدونكم حسدا ( من عند أنفسهم ) أي من تلقاء أنفسهم ولم يأمرهم الله بذلك ، ( من بعد ما تبين لهم الحق ) في التوراة أن قول محمد صلى الله عليه وسلم صدق ودينه حق ( فاعفوا ) فاتركوا ( واصفحوا ) وتجاوزوا ، فالعفو : المحو والصفح : الإعراض ، وكان هذا قبل آية القتال ( حتى يأتي الله بأمره ) بعذابه : القتل والسبي لبني قريظة ، والجلاء والنفي لبني النضير ، قاله ابن عباس رضي الله عنهما . وقال قتادة هو أمره بقتالهم في قوله " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر - إلى قوله - وهم صاغرون " ( 29 - التوبة ) وقال ابن كيسان : بعلمه وحكمه فيهم حكم لبعضهم بالإسلام ولبعضهم بالقتل والسبي والجزية ( إن الله على كل شيء قدير ) .
( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله إن الله بما تعملون بصير ( 110 ) )

( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وما تقدموا ) تسلفوا ( لأنفسكم من خير ) طاعة وعمل صالح ( تجدوه عند الله ) وقيل : أراد بالخير المال كقوله تعالى " إن ترك خيرا " ( 180 - البقرة ) وأراد من زكاة أو صدقة ( تجدوه عند الله ) حتى الثمرة واللقمة مثل أحد ( إن الله بما تعملون بصير ) .
( وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ( 111 ) بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ( 112 ) )

( وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ( 113 ) )

( وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا ) أي يهوديا ، قال الفراء : حذف الياء الزائدة ورجع إلى الفعل من اليهودية ، وقال الأخفش : الهود : جمع هائد ، مثل عائد وعود ، وحائل وحول ( أو نصارى ) وذلك أن اليهود قالوا : لن يدخل الجنة إلا من كان يهوديا ولا دين إلا دين اليهودية ، وقالت النصارى لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيا ولا دين إلا دين النصرانية .

وقيل : نزلت في وفد نجران وكانوا نصارى اجتمعوا في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مع اليهود فكذب بعضهم بعضا ، قال الله تعالى ( تلك أمانيهم ) أي شهواتهم الباطلة التي تمنوها على الله بغير الحق ( قل ) يا محمد ( هاتوا ) أصله آتوا ( برهانكم ) حجتكم على ما زعمتم ( إن كنتم صادقين ) ثم قال ردا عليهم

( بلى من أسلم وجهه ) أي ليس الأمر كما قالوا ، بل الحكم للإسلام وإنما يدخل الجنة من أسلم وجهه ( لله ) أي أخلص دينه لله وقيل : أخلص عبادته لله وقيل : خضع وتواضع لله ، وأصل الإسلام : الاستسلام والخضوع ، وخص الوجه لأنه إذا جاد بوجهه في السجود لم يبخل بسائر جوارحه ( وهو محسن ) في عمله ، وقيل : مؤمن وقيل : مخلص ( فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون )

قوله ( وقالت اليهود ليست النصارى على شيء ) نزلت في يهود المدينة ونصارى أهل نجران وذلك أن وفد نجران لما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم أتاهم أحبار اليهود : فتناظروا حتى ارتفعت أصواتهم فقالت لهم اليهود ، ما أنتم على شيء من الدين ، وكفروا بعيسى والإنجيل ، وقالت لهم النصارى : ما أنتم على شيء من الدين ، وكفروا بموسى والتوراة فأنزل الله تعالى ( وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب ) [ وكلا الفريقين يقرءون الكتاب ، قيل : معناه ليس في كتبهم هذا الاختلاف فدل تلاوتهم الكتاب ومخالفتهم ما فيه على كونهم على الباطل ( كذلك قال الذين لا يعلمون ) يعني : آباءهم الذين مضوا ( مثل قولهم ) قال مجاهد : يعني : عوام النصارى ، وقال مقاتل : يعني مشركي العرب ، كذلك قالوا في نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه : إنهم ليسوا على شيء من الدين .

وقال عطاء : أمم كانت قبل اليهود والنصارى مثل قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب عليهم السلام قالوا لنبيهم : إنه ليس على شيء ( فالله يحكم بينهم يوم القيامة ) يقضي بين المحق والمبطل ( فيما كانوا فيه يختلفون ) الدين .
( ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم ( 114 ) )

قوله ( ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر ) الآية نزلت في طيطوس بن إسبيسبانوس الرومي وأصحابه ، وذلك أنهم غزوا بني إسرائيل فقتلوا مقاتلتهم وسبوا ذراريهم ، وحرقوا التوراة وخربوا بيت المقدس ، وقذفوا فيه الجيف وذبحوا فيه الخنازير ، فكان خرابا إلى أن بناه المسلمون في أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه .

وقال قتادة والسدي : هو بختنصر وأصحابه غزوا اليهود وخربوا بيت المقدس وأعانهم على ذلك النصارى ، طيطوس الرومي وأصحابه من أهل الروم ، قال السدي : من أجل أنهم قتلوا يحيى بن زكريا ، وقال قتادة : حملهم بعض اليهود على معاونة بختنصر البابلي ( المجوسي ) فأنزل الله تعالى ( ومن أظلم ) أي أكفر وأعتى ( ممن منع مساجد الله ) يعني بيت المقدس ومحاريبه . ( أن يذكر فيها اسمه وسعى ) عمل ( في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين ) وذلك أن بيت المقدس موضع حج النصارى ومحل زيارتهم ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : لم يدخلها يعني بيت المقدس بعد عمارتها رومي إلا خائفا لو علم به لقتل . وقال قتادة ومقاتل : لا يدخل بيت المقدس أحد من النصارى إلا متنكر لو قدر عليه لعوقب ، قال السدي : أخيفوا بالجزية . وقيل : هذا خبر بمعنى الأمر ، أي أجهضوهم بالجهاد حتى لا يدخلها أحد ( منهم ) إلا خائفا من القتل والسبي أي ما ينبغي ( لهم في الدنيا خزي ) عذاب وهوان ، قال قتادة : هو القتل للحربي والجزية للذمي ، قال مقاتل ( والكلبي ) تفتح مدائنهم الثلاثة قسطنطينية ، ورومية ، وعمورية ( ولهم في الآخرة عذاب عظيم ) النار ، وقال عطاء وعبد الرحمن بن زيد : نزلت في مشركي مكة ، وأراد بالمساجد المسجد الحرام منعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من حجه والصلاة فيه عام الحديبية ، وإذا منعوا من أن يعمره بذكر فقد سعوا في خرابه ( أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين ) يعني أهل مكة يقول أفتحها عليكم حتى تدخلوها وتكونوا أولى بها منهم ، ففتحها عليهم وأمر النبي صلى الله عليه وسلم مناديا ينادي : " ألا لا يحجن بعد هذا العام مشرك " فهذا خوفهم ، وثبت في الشرع أن لا يمكن مشرك من دخول الحرم ، ( لهم في الدنيا خزي ) الذل والهوان والقتل والسبي والنفي .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #23  
قديم 07-09-2020, 04:56 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,566
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله

الحلقة (19)
- تفسير البغوى
سورة البقرة
الاية 115 إلى الاية 119
أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي

( ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم ( 115 ) وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه بل له ما في السماوات والأرض كل له قانتون ( 116 ) )

قوله عز وجل ( ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله ) قال ابن عباس رضي الله عنهما : خرج نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر قبل تحويل القبلة إلى الكعبة ، فأصابهم الضباب وحضرت الصلاة ، فتحروا القبلة وصلوا فلما ذهب الضباب استبان لهم أنهم لم يصيبوا وأنهم مخطئون في تحريهم فلما قدموا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فنزلت هذه الآية

وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : نزلت في المسافر يصلي التطوع حيث ما توجهت به راحلته .

أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي أنا زاهر بن أحمد الفقيه السرخسي أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على راحلته في السفر حيث ما توجهت به

قال عكرمة : نزلت في تحويل القبلة ، قال أبو العالية : لما صرفت القبلة إلى الكعبة عيرت اليهود المؤمنين وقالوا : ليست لهم قبلة معلومة فتارة يستقبلون هكذا وتارة هكذا ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وقال مجاهد والحسن : لما نزلت ( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ) ( 60 - غافر ) قالوا : أين ندعوه فأنزل الله عز وجل ( ولله المشرق والمغرب ) ملكا وخلقا ( فأينما تولوا فثم وجه الله ) يعني أينما تحولوا وجوهكم فثم أي : هناك ( رحمة ) الله ، قال الكلبي : فثم الله يعلم ويرى والوجه صلة كقوله تعالى : " كل شيء هالك إلا وجهه " ( 88 - القصص ) أي إلا هو ، وقال الحسن ومجاهد وقتادة ومقاتل بن حيان : فثم قبلة الله ، والوجه والوجهة والجهة القبلة ، وقيل : رضا الله تعالى .

( إن الله واسع ) أي غني يعطي من السعة ، قال الفراء : الواسع الجواد الذي يسع عطاؤه كل شيء ، قال الكلبي : واسع المغفرة ( عليم ) بنياتهم حيثما صلوا ودعوا .

قوله تعالى : ( وقالوا اتخذ الله ولدا ) قرأ ابن عامر قالوا اتخذ الله بغير واو ، وقرأ الآخرون بالواو [ وقالوا اتخذ الله ولدا ] نزلت في يهود المدينة حيث قالوا : " عزير ابن الله " وفي نصارى نجران حيث قالوا : " المسيح ابن الله " وفي مشركي العرب حيث قالوا : الملائكة بنات الله ( سبحانه ) نزه وعظم نفسه .

أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا أبو اليمان أنا شعيب عن عبد الرحمن بن أبي حسن عن نافع بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " قال الله تعالى كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك ، فأما تكذيبه إياي فزعم أني لا أقدر أن أعيده كما كان ، وأما شتمه إياي فقوله لي ولد ، فسبحاني أن أتخذ صاحبة أو ولدا " .

قوله تعالى ( بل له ما في السماوات والأرض ) عبيدا وملكا ( كل له قانتون ) قال مجاهد وعطاء والسدي : مطيعون وقال عكرمة ومقاتل : مقرون له بالعبودية ، وقال ابن كيسان : قائمون بالشهادة ، وأصل القنوت القيام قال النبي صلى الله عليه وسلم : " أفضل الصلاة طول القنوت " ، واختلفوا في حكم الآية فذهب جماعة إلى أن حكم الآية خاص ، وقال مقاتل : هو راجع إلى عزير والمسيح والملائكة ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : هو راجع إلى أهل طاعته دون سائر الناس ، وذهب جماعة إلى أن حكم الآية عام في جميع الخلق ؛ لأن " كل " تقتضي الإحاطة بالشيء بحيث لا يشذ منه شيء ، ثم سلكوا في الكفار طريقين : فقال مجاهد : يسجد ظلالهم لله على كره منهم قال الله تعالى : " وظلالهم بالغدو والآصال " ( 15 - الرعد ) وقال السدي : هذا يوم القيامة دليله [ " وعنت الوجوه للحي القيوم 111 - طه ) وقيل ( قانتون ) مذللون مسخرون لما خلقوا له ] .
( بديع السماوات والأرض وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ( 117 ) وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم قد بينا الآيات لقوم يوقنون ( 118 ) إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ولا تسأل عن أصحاب الجحيم ( 119 ) )

قوله تعالى : ( بديع السماوات والأرض ) أي مبدعها ومنشئها من غير مثال سبق ( وإذا قضى أمرا ) أي قدره ، وقيل : أحكمه وقدره [ وأتقنه ، وأصل القضاء : الفراغ ، ومنه قيل لمن مات : قضي عليه لفراغه من الدنيا ، ومنه قضاء الله وقدره ] لأنه فرغ منه تقديرا وتدبيرا .

( فإنما يقول له كن فيكون ) قرأ ابن عامر كن فيكون بنصب النون في جميع المواضع إلا في آل عمران " كن فيكون ، الحق من ربك " وفي سورة الأنعام " كن فيكون ، قوله الحق " وإنما نصبها ؛ لأن جواب الأمر بالفاء يكون منصوبا [ وافقه الكسائي في النحل ويس ] ، وقرأ الآخرون بالرفع على معنى فهو يكون ، فإن قيل كيف قال ( فإنما يقول له كن فيكون ) والمعدوم لا يخاطب ، قال ابن الأنباري : معناه فإنما يقول له أي لأجل تكوينه ، فعلى هذا ذهب معنى الخطاب ، وقيل : هو وإن كان معدوما ولكنه لما قدر وجوده وهو كائن لا محالة كان كالموجود فصح الخطاب .

قوله تعالى : ( وقال الذين لا يعلمون ) قال ابن عباس رضي الله عنهما : اليهود ، وقال مجاهد : النصارى ، وقال قتادة : مشركو العرب ( لولا ) هلا ( يكلمنا الله ) عيانا بأنك رسوله ، وكل ما في القرآن " لولا " فهو بمعنى هلا إلا واحدا ، وهو قوله فلولا أنه كان من المسبحين " ( 143 - الصافات ) معناه فلو لم يكن ( أو تأتينا آية ) دلالة وعلامة على صدقك في ادعائك النبوة .

قال الله تعالى : ( كذلك قال الذين من قبلهم ) أي كفار الأمم الخالية ( مثل قولهم تشابهت قلوبهم ) أي أشبه بعضها بعضا في الكفر والقسوة وطلب المحال ( قد بينا الآيات لقوم يوقنون )

( إنا أرسلناك بالحق ) أي بالصدق كقوله ويستنبئونك أحق هو " ( 53 - يونس ) أي صدق ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : بالقرآن دليله بل كذبوا بالحق لما جاءهم " ( 5 - ق ) وقال ابن كيسان : بالإسلام وشرائعه ، دليله قوله عز وجل : " وقل جاء الحق ( 81 - الإسراء ) وقال مقاتل : معناه لم نرسلك عبثا ، إنما أرسلناك بالحق كما قال : " وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق 85 - الحجر ) .

قوله عز وجل ( بشيرا ) أي مبشرا لأوليائي وأهل طاعتي بالثواب الكريم ( ونذيرا ) أي منذرا مخوفا لأعدائي وأهل معصيتي بالعذاب الأليم ، قرأ نافع ويعقوب ( ولا تسأل ) على النهي قال عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما : وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم : " ليت شعري ما فعل أبواي " فنزلت هذه الآية ، وقيل : هو على معنى قولهم ولا تسأل عن شر فلان فإنه فوق ما تحسب وليس على النهي ، وقرأ الآخرون " ولا تسأل " بالرفع على النفي بمعنى ولست بمسئول عنهم كما قال الله تعالى : " فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب " ( 20 - آل عمران ) ، ( عن أصحاب الجحيم ) والجحيم معظم النار .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #24  
قديم 07-09-2020, 04:57 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,566
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله

الحلقة (20)
- تفسير البغوى
سورة البقرة
الاية 120 إلى الاية 124
أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي


( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير ( 120 ) )

قوله عز وجل ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ) وذلك أنهم كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم الهدنة ويطمعونه في أنه إن أمهلهم اتبعوه فأنزل الله تعالى هذه الآية ، معناه وإنك إن هادنتهم فلا يرضون بها وإنما يطلبون ذلك تعللا ولا يرضون منك إلا باتباع ملتهم ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : هذا في القبلة وذلك أن يهود المدينة ونصارى نجران كانوا يرجون النبي صلى الله عليه وسلم حين كان يصلي إلى قبلتهم فلما صرف الله القبلة إلى الكعبة أيسوا في أن يوافقهم على دينهم فأنزل الله تعالى ( ولن ترضى عنك اليهود ) إلا باليهودية ( ولا النصارى ) إلا بالنصرانية ، والملة الطريقة ( ولئن اتبعت أهواءهم ) قيل الخطاب مع النبي صلى الله عليه وسلم والمراد به الأمة كقوله " لئن أشركت ليحبطن عملك " ( 65 - الزمر ) ( بعد الذي جاءك من العلم ) البيان بأن دين الله هو الإسلام والقبلة قبلة إبراهيم عليه السلام وهي الكعبة ( ما لك من الله من ولي ولا نصير ) .
( الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون ( 121 ) يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين ( 122 ) واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون ( 123 ) وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ( 124 ) )

( الذين آتيناهم الكتاب ) قال ابن عباس رضي الله عنهما : نزلت في أهل السفينة الذين قدموا مع جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وكانوا أربعين رجلا اثنان وثلاثون من الحبشة وثمانية من رهبان الشام منهم بحيرا ، وقال الضحاك : هم من آمن من اليهود عبد الله بن سلام وسعية بن عمرو وتمام بن يهودا وأسد وأسيد ابنا كعب وابن يامين وعبد الله بن صوريا ، وقال قتادة وعكرمة : هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وقيل : هم المؤمنون عامة ( يتلونه حق تلاوته ) قال الكلبي : يصفونه في كتبهم حق صفته لمن سألهم من الناس ، والهاء راجعة إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، وقال الآخرون : هي عائدة إلى الكتاب ، واختلفوا في معناه فقال ابن مسعود رضي الله عنه : يقرءونه كما أنزل ولا يحرفونه ، ويحلون حلاله ويحرمون حرامه ، وقال الحسن : يعملون بمحكمه ، ويؤمنون بمتشابهه ، ويكلون علم ما أشكل عليهم إلى عالمه ، وقال مجاهد : يتبعونه حق اتباعه .

قوله ( أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون )

قوله تعالى : ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن ) قرأ ابن عامر إبراهام بالألف في أكثر المواضع وهو اسم أعجمي ولذلك لا يجر وهو إبراهيم بن تارخ بن ناخور وكان مولده بالسوس من أرض الأهواز وقيل بابل وقيل : كوفي ، وقيل : [ لشكر ] ، وقيل حران ، وكان أبوه نقله إلى أرض بابل أرض نمرود بن كنعان ، ومعنى الابتلاء الاختبار والامتحان والأمر ، وابتلاء الله العباد ليس ليعلم أحوالهم بالابتلاء ، لأنه عالم بهم ، ولكن ليعلم العباد أحوالهم حتى يعرف بعضهم بعضا .

واختلفوا في الكلمات التي ابتلى الله بها إبراهيم عليه السلام ، فقال عكرمة وابن عباس رضي الله عنهما : هي ثلاثون سماهن شرائع الإسلام ، ولم يبتل بها أحد فأقامها كلها إلا إبراهيم فكتب له البراءة ، فقال تعالى : " وإبراهيم الذي وفى " ( 37 - النجم ) عشر في براءة " التائبون العابدون " إلى آخرها ، وعشر في الأحزاب " إن المسلمين والمسلمات " وعشر في سورة المؤمنين في قوله : قد أفلح المؤمنون الآيات ، وقوله " إلا المصلين " في سأل سائل .

وقال طاووس عن ابن عباس رضي الله عنهما : ابتلاه الله بعشرة أشياء وهي : الفطرة خمس في الرأس : قص الشارب ، والمضمضة والاستنشاق ، والسواك ، وفرق الرأس ، وخمس في الجسد : تقليم الأظافر ، ونتف الإبط ، وحلق العانة ، والختان ، والاستنجاء بالماء .

وفي الخبر : " إن إبراهيم عليه السلام أول من قص الشارب ، وأول من اختتن ، وأول من قلم الأظافر ، وأول من رأى الشيب ، فلما رآه قال : يا رب ما هذا ؟ قال [ سمة ] الوقار ، قال : يا رب زدني وقارا " قال مجاهد : هي الآيات التي بعدها في قوله عز وجل إني جاعلك للناس إماما " ( 124 - البقرة ) إلى آخر القصة ، وقال الربيع وقتادة : مناسك الحج ، وقال الحسن : ابتلاه الله بسبعة أشياء : بالكواكب والقمر والشمس ، فأحسن فيها النظر وعلم أن ربه دائم لا يزول ، وبالنار فصبر عليها ، وبالهجرة وبذبح ابنه وبالختان فصبر عليها ، قال سعيد بن جبير : هو قول إبراهيم وإسماعيل إذ يرفعان البيت " ربنا تقبل منا ( 127 - البقرة ) الآية فرفعاها بسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر " ، قال يمان بن رباب : هن محاجة قومه قال الله تعالى : " وحاجه قومه " إلى قوله تعالى - " وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم " ( 83 - الأنعام ) وقيل هي قوله : " الذي خلقني فهو يهدين " ( 78 - الشعراء ) إلى آخر الآيات . ( فأتمهن ) قال قتادة : أداهن ، قال الضحاك : قام بهن وقال : [ نعمان ] عمل بهن . قال الله تعالى : ( قال إني جاعلك للناس إماما ) يقتدى بك في الخير ( قال ) إبراهيم ( ومن ذريتي ) أي ومن أولادي أيضا فاجعل منهم أئمة يقتدى بهم في الخير ( قال ) الله تعالى ( لا ينال ) لا يصيب ( عهدي الظالمين ) قرأ حمزة وحفص بإسكان الياء والباقون بفتحها أي من كان منهم ظالما لا يصيبه . قال عطاء بن أبي رباح : عهدي رحمتي وقال السدي : نبوتي وقيل : الإمامة قال مجاهد : ليس لظالم أن يطاع في ظلمه . ومعنى الآية لا ينال ما عهدت إليك من النبوة والإمامة من كان ظالما من ولدك وقيل : أراد بالعهد الأمان من النار وبالظالم المشرك كقوله تعالى : " الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن ( 82 - الأنعام ) .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #25  
قديم 07-09-2020, 04:58 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,566
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله

الحلقة (21)
- تفسير البغوى
سورة البقرة
الاية 125 إلى الاية 127
أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي

( وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود ( 125 ) )

قال الله تعالى ( وإذ جعلنا البيت ) يعني الكعبة ( مثابة للناس ) مرجعا لهم ، قال مجاهد وسعيد بن جبير : يأتون إليه من كل جانب ويحجون ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : معاذا وملجأ وقال قتادة وعكرمة : مجمعا ( وأمنا ) أي مأمنا يأمنون فيه من إيذاء المشركين ، فإنهم ما كانوا يتعرضون لأهل مكة ويقولون : هم أهل الله ويتعرضون لمن حوله كما قال الله تعالى : " أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم ( 67 - العنكبوت ) .

أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا علي بن عبد الله أنا جرير عن منصور عن مجاهد عن طاووس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة : " إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض ، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ، لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده ، ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها ، ولا يختلى خلاه " فقال العباس : يا رسول الله إلا الإذخر فإنه لقينهم ولبيوتهم : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إلا الإذخر " .

قوله تعالى : ( واتخذوا ) قرأ نافع وابن عامر بفتح الخاء على الخبر ، وقرأ الباقون بكسر الخاء على الأمر ( من مقام إبراهيم مصلى ) قال ابن يمان المسجد كله مقام إبراهيم ، وقال إبراهيم النخعي : الحرم كله مقام إبراهيم ، وقيل : أراد بمقام إبراهيم جميع مشاهد الحج ، مثل عرفة ومزدلفة وسائر المشاهد .

والصحيح أن مقام إبراهيم هو الحجر الذي في المسجد يصلي إليه الأئمة ، وذلك الحجر الذي قام [ ص: 147 ] عليه إبراهيم عليه السلام عند بناء البيت ، وقيل : كان أثر أصابع رجليه بينا فيه فاندرس من كثرة المسح بالأيدي ، قال قتادة ومقاتل والسدي : أمروا بالصلاة عند مقام إبراهيم ولم يؤمروا بمسحه وتقبيله .

أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا مسدد عن يحيى بن حميد عن أنس قال : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " وافقت الله في ثلاث ، أو وافقني ربي في ثلاث قلت : يا رسول الله لو اتخذت مقام إبراهيم مصلى ؟ فأنزل الله تعالى ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) وقلت : يا رسول الله ، يدخل عليك البر والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب ؟ فأنزل الله عز وجل آية الحجاب ، قال وبلغني معاتبة النبي صلى الله عليه وسلم بعض نسائه فدخلت عليهن فقلت لهن : إن انتهيتن ، أو ليبدلنه الله خيرا منكن ، فأنزل الله تعالى : " عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن " الآية ( 5 - التحريم ) .

ورواه محمد بن إسماعيل أيضا عن عمرو بن عوف أنا هشيم عن حميد عن أنس رضي الله عنه قال : قال عمر رضي الله عنه : وافقت ربي في ثلاث قلت يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى فنزلت ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) .

وأما بدء قصة المقام فقد روى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما أتى إبراهيم عليه وسلم بإسماعيل وهاجر ووضعهما بمكة ، وأتت على ذلك مدة ، ونزلها الجرهميون وتزوج إسماعيل منهم امرأة وماتت هاجر ، واستأذن إبراهيم سارة أن يأتي هاجر ، فأذنت له وشرطت عليه أن لا ينزل فقدم إبراهيم مكة ، وقد ماتت هاجر ، فذهب إلى بيت إسماعيل فقال لامرأته : أين صاحبك ؟ قال ذهب للصيد وكان إسماعيل عليه السلام يخرج من الحرم فيصيد ، فقال لها إبراهيم : هل عندك ضيافة ؟ قالت ليس عندي ضيافة ، وسألها عن عيشهم ؟ فقالت : نحن في ضيق وشدة ، فشكت إليه فقال لها : إذا جاء زوجك فأقرئيه السلام وقولي له فليغير عتبة بابه ، فذهب إبراهيم فجاء إسماعيل فوجد ريح أبيه فقال لامرأته : هل جاءك أحد ؟ قالت : جاءني شيخ صفته كذا وكذا كالمستخفة بشأنه قال فما قال لك ؟ قالت قال أقرئي زوجك السلام وقولي له فليغير عتبة بابه ، قال ذلك أبي وقد أمرني أن أفارقك الحقي بأهلك ، فطلقها وتزوج منهم أخرى ، فلبث إبراهيم ما شاء الله أن يلبث ، ثم استأذن سارة أن يزور إسماعيل فأذنت له وشرطت عليه أن لا ينزل ، فجاء إبراهيم عليه السلام حتى انتهى إلى باب إسماعيل فقال [ ص: 148 ] لامرأته أين صاحبك ؟ قالت ذهب يتصيد وهو يجيء الآن إن شاء الله ، فانزل يرحمك الله ، قال : هل عندك ضيافة ؟ قالت : نعم فجاءت باللبن واللحم ، وسألها عن عيشهم ؟ فقالت : نحن بخير وسعة ، فدعا لهما بالبركة ولو جاءت يومئذ بخبز بر أو شعير وتمر لكانت أكثر أرض الله برا أو شعيرا أو تمرا ، فقالت له : انزل حتى أغسل رأسك ، فلم ينزل فجاءته بالمقام فوضعته عن شقه الأيمن فوضع قدمه عليه فغسلت شق رأسه الأيمن ثم حولت إلى شقه الأيسر فغسلت شق رأسه الأيسر فبقي أثر قدميه عليه ، فقال لها : إذا جاء زوجك فأقرئيه السلام وقولي له قد استقامت عتبة بابك ، فلما جاء إسماعيل ، وجد ريح أبيه فقال لامرأته : هل جاءك أحد ؟ قالت : نعم شيخ أحسن الناس وجها وأطيبهم ريحا ، وقال لي كذا وكذا وقلت له كذا وكذا ، وغسلت رأسه وهذا موضع قدميه فقال : ذاك إبراهيم النبي أبي ، وأنت العتبة أمرني أن أمسكك .

وروي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ثم لبث عنهم ما شاء الله ثم جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري نبلا تحت دومة قريبا من زمزم ، فلما رآه قام إليه فصنعا كما يصنع الوالد بالولد ، والولد بالوالد ثم قال : يا إسماعيل إن الله تعالى أمرني بأمر تعينني عليه ؟ قال : أعينك قال : إن الله أمرني أن أبني هاهنا بيتا ، فعند ذلك رفعا القواعد من البيت فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني حتى ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له ، فقام إبراهيم على حجر المقام وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة وهما يقولان ( ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ) وفي الخبر : " الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة ولولا ما مسته أيدي المشركين لأضاء ما بين المشرق والمغرب " .

قوله عز وجل ( وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل ) أي أمرناهما وأوحينا إليهما ، قيل : سمي إسماعيل ؛ لأن إبراهيم كان يدعو الله أن يرزقه ولدا ويقول : اسمع يا إيل وإيل هو الله فلما رزق سماه الله به ( أن طهرا بيتي ) يعني الكعبة أضافه إليه تخصيصا وتفضيلا أي ابنياه على الطهارة والتوحيد ، وقال سعيد بن جبير وعطاء : طهراه من الأوثان والريب وقول الزور ، وقيل : بخراه وخلقاه ، قرأ أهل المدينة وحفص ( بيتي ) بفتح الياء هاهنا وفي سورة الحج ، وزاد حفص في سورة نوح ( للطائفين ) الدائرين حوله ( والعاكفين ) المقيمين المجاورين ( والركع ) جمع راكع ( السجود ) جمع ساجد وهم المصلون قال الكلبي ومقاتل : [ ص: 149 ] " الطائفين " هم الغرباء ، و " العاكفين " أهل مكة ، قال عطاء ومجاهد وعكرمة : الطواف للغرباء أفضل ، والصلاة لأهل مكة أفضل .
( وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير ( 126 ) )

( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ( 127 ) )

قوله تعالى : ( وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا ) يعني مكة وقيل : الحرم ( بلدا آمنا ) أي ذا أمن يأمن فيه أهله ( وارزق أهله من الثمرات ) إنما دعا بذلك لأنه كان بواد غير ذي زرع ، وفي القصص أن الطائف كانت من مداين الشام بأردن فلما دعا إبراهيم عليه السلام هذا الدعاء أمر الله تعالى جبريل عليه السلام حتى قلعها من أصلها وأدارها حول البيت سبعا ثم وضعها موضعها الذي هي الآن فيه ، فمنها أكثر ثمرات مكة ( من آمن منهم بالله واليوم الآخر ) دعا للمؤمنين خاصة ( قال ) الله تعالى ( ومن كفر فأمتعه قليلا ) قرأ ابن عامر فأمتعه خفيفا بضم الهمزة ، والباقون مشددا ، ومعناهما واحد . قليلا : أي سأرزق الكافر أيضا قليلا إلى منتهى أجله وذلك أن الله تعالى وعد الرزق للخلق كافة مؤمنهم وكافرهم ، وإنما قيد بالقلة ؛ لأن متاع الدنيا قليل ( ثم أضطره ) أي ألجئه في الآخرة ( إلى عذاب النار وبئس المصير ) أي المرجع يصير إليه قال مجاهد : وجد عند المقام كتاب فيه : أنا الله ذو بكة صنعتها يوم خلقت الشمس والقمر ، وحرمتها يوم خلقت السماوات والأرض ، وحففتها بسبعة أملاك حنفاء ، يأتيها رزقها من ثلاثة سبل ، مبارك لها في اللحم والماء .

قوله عز وجل : ( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ) قال الرواة : إن الله تعالى خلق موضع البيت قبل الأرض بألفي عام ، وكانت زبدة بيضاء على الماء فدحيت الأرض من تحتها فلما أهبط الله آدم عليه السلام إلى الأرض استوحش ، فشكا إلى الله تعالى فأنزل الله البيت المعمور من ياقوتة من يواقيت الجنة له بابان من زمرد أخضر ، باب شرقي وباب غربي فوضعه على موضع البيت وقال : يا آدم إني أهبطت لك بيتا تطوف به كما يطاف حول عرشي ، تصلي عنده كما يصلى عند عرشي . وأنزل الحجر وكان [ ص: 150 ] أبيض فاسود من لمس الحيض في الجاهلية فتوجه آدم من أرض الهند إلى مكة ماشيا وقيض الله له ملكا يدله على البيت فحج البيت وأقام المناسك ، فلما فرغ تلقته الملائكة وقالوا : بر حجك يا آدم لقد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : حج آدم أربعين حجة من الهند إلى مكة على رجليه فكان على ذلك إلى أيام الطوفان ، فرفعه الله تعالى إلى السماء الرابعة يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه ، وبعث جبريل عليه السلام حتى خبأ الحجر الأسود في جبل أبي قبيس صيانة له من الغرق ، فكان موضع البيت خاليا إلى زمن إبراهيم ، ثم إن الله تعالى أمر إبراهيم بعدما ولد له إسماعيل وإسحاق ببناء بيت يذكر فيه ، فسأل الله عز وجل أن يبين له موضعه ، فبعث الله السكينة لتدله على موضع البيت وهي ريح خجوج لها رأسان شبه الحية فأمر إبراهيم أن يبني حيث تستقر السكينة فتبعها إبراهيم حتى أتيا مكة فتطوت السكينة على موضع البيت كتطوي الحجفة هذا قول علي والحسن .

وقال ابن عباس : بعث الله تعالى سحابة على قدر الكعبة فجعلت تسير وإبراهيم يمشي في ظلها إلى أن وافق مكة ووقفت على موضع البيت فنودي منها إبراهيم أن ابن على ظلها لا تزد ولا تنقص ، وقيل : أرسل الله جبريل ليدله على موضع البيت كقوله تعالى ( وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت ) فبنى إبراهيم وإسماعيل البيت فكان إبراهيم يبنيه وإسماعيل يناوله الحجر ، فذلك قوله تعالى : ( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ) يعني أسسه واحدتها قاعدة . وقال الكسائي : جدر البيت ، قال ابن عباس : إنما بني البيت من خمسة أجبل ، طور سيناء وطور زيتا ولبنان وهو جبل بالشام ، والجودي وهو جبل بالجزيرة وبنيا قواعده من حراء وهو جبل بمكة فلما انتهى إبراهيم إلى موضع الحجر الأسود قال لإسماعيل ائتني بحجر حسن يكون للناس علما فأتاه بحجر فقال : ائتني بأحسن من هذا فمضى إسماعيل يطلبه فصاح أبو قبيس يا إبراهيم إن لك عندي وديعة فخذها فأخذ الحجر الأسود فوضعه مكانه وقيل : إن الله تعالى بنى في السماء بيتا وهو البيت المعمور ويسمى الضراح وأمر الملائكة أن يبنوا الكعبة في الأرض بحياله على قدره ومثاله ، وقيل أول من بنى الكعبة آدم واندرس زمن الطوفان ثم أظهره الله لإبراهيم حتى بناه .

قوله : ( ربنا تقبل منا ) فيه إضمار أي ويقولان : ربنا تقبل منا بناءنا ( إنك أنت السميع ) لدعائنا ( العليم ) بنياتنا
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #26  
قديم 07-09-2020, 04:58 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,566
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله

الحلقة (22)
- تفسير البغوى
سورة البقرة
الاية 128 إلى الاية 131
أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي


( ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ( 128 ) )

( ربنا واجعلنا مسلمين لك ) موحدين مطيعين مخلصين خاضعين لك . [ ص: 151 ]

( ومن ذريتنا ) أي أولادنا ( أمة ) جماعة ، والأمة أتباع الأنبياء ( مسلمة لك ) خاضعة لك .

( وأرنا ) علمنا وعرفنا ، قرأ ابن كثير ساكنة الراء وأبو عمرو بالاختلاس والباقون بكسرها ووافق ابن عامر وأبو بكر في الإسكان في حم السجدة ، وأصله أرئنا فحذفت الهمزة طلبا للخفة ونقلت حركتها إلى الراء ومن سكنها قال : ذهبت الهمزة فذهبت حركتها ، ( مناسكنا ) شرائع ديننا وأعلام حجنا .

وقيل : مواضع حجنا ، وقال مجاهد : مذابحنا ، والنسك الذبيحة ، وقيل : متعبداتنا ، وأصل النسك العبادة ، والناسك العابد فأجاب الله تعالى دعاءهما فبعث جبريل فأراهما المناسك في يوم عرفة فلما بلغ عرفات قال : عرفت يا إبراهيم ؟ قال : نعم فسمى الوقت عرفة والموضع عرفات .

( وتب علينا ) تجاوز عنا ( إنك أنت التواب الرحيم ربنا وابعث فيهم ) .
( ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم ( 129 ) )

أي في الأمة المسلمة من ذرية إبراهيم وإسماعيل وقيل : من أهل مكة ( رسولا منهم ) أي مرسلا منهم أراد به محمدا صلى الله عليه وسلم .

حدثنا السيد أبو القاسم علي بن موسى الموسوي حدثني أبو بكر أحمد بن محمد بن عباس البلخي أنا الإمام أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي أنا محمد بن المكي أنا إسحاق بن إبراهيم أنا ابن أخي ابن وهب أنا عمي أنا معاوية عن صالح عن سعيد بن سويد عن عبد الأعلى بن هلال السلمي عن العرباض بن سارية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إني عند الله مكتوب خاتم النبيين ، وإن آدم لمنجدل في طينته وسأخبركم بأول أمري ، أنا دعوة إبراهيم وبشارة عيسى ورؤيا أمي التي رأت حين وضعتني وقد خرج منها نور أضاءت لها منه قصور الشام "

وأراد بدعوة إبراهيم هذا فإنه دعا أن يبعث في بني إسماعيل رسولا منهم ، قال ابن عباس : كل الأنبياء [ ص: 152 ] من بني إسرائيل إلا عشرة : نوح وهود وصالح وشعيب ولوط وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .

( يتلو ) يقرأ ( عليهم آياتك ) كتابك يعني القرآن والآية من القرآن كلام متصل إلى انقطاعه وقيل هي جماعة حروف يقال خرج القوم بآيتهم أي بجماعتهم ( ويعلمهم الكتاب ) يعني القرآن ( والحكمة ) قال مجاهد : فهم القرآن ، وقال مقاتل : مواعظ القرآن وما فيه من الأحكام ، قال ابن قتيبة : هي العلم والعمل ، ولا يكون الرجل حكيما حتى يجمعهما ، وقيل : هي السنة ، وقيل : هي الأحكام والقضاء وقيل : الحكمة الفقه .

قال أبو بكر بن دريد : كل كلمة وعظتك أو دعتك إلى مكرمة أو نهتك عن قبيح فهي حكمة .

( ويزكيهم ) أي يطهرهم من الشرك والذنوب ، وقيل : يأخذ الزكاة من أموالهم ، وقال ابن كيسان : يشهد لهم يوم القيامة بالعدالة إذا شهدوا للأنبياء بالبلاغ من التزكية ، وهي التعديل إنك أنت العزيز الحكيم قال ابن عباس : العزيز الذي لا يوجد مثله ، وقال الكلبي : المنتقم بيانه قوله تعالى " والله عزيز ذو انتقام " ( 4 - آل عمران ) وقيل : المنيع الذي لا تناله الأيدي ولا يصل إليه شيء وقيل : القوي ، والعزة القوة قال الله تعالى " فعززنا بثالث " ( 14 - يس ) أي قوينا وقيل : الغالب قال الله تعالى إخبارا " وعزني في الخطاب " ( 23 - ص ) أي غلبني ، ويقال في المثل : " من عز بز " أي من غلب سلب .
( ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين ( 130 ) إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين ( 131 ) )

( ومن يرغب عن ملة إبراهيم ) وذلك أن عبد الله بن سلام دعا ابني أخيه سلمة ومهاجرا إلى الإسلام فقال لهما : قد علمتما أن الله عز وجل قال في التوراة : إني باعث من ولد إسماعيل نبيا اسمه أحمد فمن آمن به فقد اهتدى ومن لم يؤمن به فهو ملعون ، فأسلم سلمة وأبى مهاجر أن يسلم فأنزل الله عز وجل ( ومن يرغب عن ملة إبراهيم ) أي يترك دينه وشريعته يقال رغب في الشيء إذا أراده ، ورغب عنه إذا تركه .

وقوله ( ومن ) لفظه استفهام معناه التقريع والتوبيخ يعني : ما يرغب عن ملة إبراهيم ( إلا من سفه نفسه ) قال ابن عباس : من خسر نفسه ، وقال الكلبي : ضل من قبل نفسه ، وقال أبو عبيدة : أهلك نفسه ، وقال ابن كيسان والزجاج : معناه جهل نفسه والسفاهة : الجهل وضعف الرأي : وكل سفيه [ ص: 153 ] جاهل ، وذلك أن من عبد غير الله فقد جهل نفسه . لأنه لم يعرف أن الله خلقها ، وقد جاء : " من عرف نفسه فقد عرف ربه " ، وفي الأخبار : " إن الله تعالى أوحى إلى داود اعرف نفسك واعرفني ، فقال يا رب كيف أعرف نفسي ؟ وكيف أعرفك ؟ فأوحى الله إليه اعرف نفسك بالضعف والعجز والفناء ، واعرفني بالقوة والقدرة والبقاء " .

وقال الأخفش : معناه سفه في نفسه ، و " نفسه " على هذا القول نصب بنزع حرف الصفة وقال الفراء : نصب على التفسير ، وكان الأصل سفهت نفسه فلما أضاف الفعل إلى صاحبها خرجت النفس المفسرة ليعلم موضع السفه ، كما يقال : ضقت به ذرعا ، أي ضاق ذرعي به .

( ولقد اصطفيناه في الدنيا ) اخترناه في الدنيا ( وإنه في الآخرة لمن الصالحين ) يعني مع الأنبياء في الجنة ، وقال الحسين بن الفضل : فيه تقديم وتأخير ، تقديره ولقد اصطفيناه في الدنيا والآخرة وإنه لمن الصالحين

( إذ قال له ربه أسلم ) أي استقم على الإسلام ، واثبت عليه لأنه كان مسلما .

قال ابن عباس : قال له حين خرج من السرب ، وقال الكلبي : أخلص دينك وعبادتك لله ، وقال عطاء أسلم إلى الله عز وجل وفوض أمورك إليه .

( قال أسلمت لرب العالمين ) أي فوضت ، قال ابن عباس : وقد حقق ذلك حيث لم يستعن بأحد من الملائكة حين ألقي في النار .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #27  
قديم 07-09-2020, 04:59 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,566
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله

الحلقة (23)
- تفسير البغوى
سورة البقرة
الاية 132 إلى الاية 136
أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي

( ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ( 132 ) )

( ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب ) قرأ أهل المدينة والشام : " وأوصى " بالألف ، وكذلك هو في مصاحفهم ، وقرأ الباقون : " ووصى " مشددا ، وهما لغتان مثل أنزل ونزل ، معناه ووصى بها إبراهيم بنيه ووصى يعقوب بنيه ، قال الكلبي ومقاتل : يعني بكلمة الإخلاص لا إله إلا الله ، قال أبو عبيدة : إن شئت رددت الكناية إلى الملة لأنه ذكر ملة إبراهيم ، وإن شئت رددتها إلى الوصية : أي وصى إبراهيم بنيه الثمانية إسماعيل وأمه هاجر القبطية ، وإسحاق وأمه سارة ، وستة أمهم قنطورة بنت يقطن الكنعانية تزوجها إبراهيم بعد وفاة سارة ويعقوب ، سمي بذلك لأنه والعيص كانا توأمين فتقدم عيص في الخروج من بطن أمه وخرج يعقوب على أثره آخذا بعقبه قاله ابن عباس وقيل : سمي يعقوب لكثرة عقبه يعني : ووصى أيضا يعقوب بنيه الاثني عشر ( يا بني ) معناه أن يا بني ( إن الله اصطفى ) اختار ( لكم الدين ) أي دين [ ص: 154 ] الإسلام ( فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) مؤمنون وقيل : مخلصون وقيل : مفوضون والنهي في ظاهر الكلام وقع على الموت ، وإنما نهوا في الحقيقة عن ترك الإسلام ، معناه : داوموا على الإسلام حتى لا يصادفكم الموت إلا وأنتم مسلمون ، وعن الفضيل بن عياض رحمه الله أنه قال : ( إلا وأنتم مسلمون ) أي محسنون بربكم الظن .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي شريح أنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي أنا علي بن الجعد أنا أبو جعفر الرازي عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر بن عبد الله قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاثة أيام يقول : " لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل " .
( أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون ( 133 ) تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون ( 134 ) )

( أم كنتم شهداء ) يعني أكنتم شهداء ، يريد ما كنتم شهداء حضورا ( إذ حضر يعقوب الموت ) أي حين قرب يعقوب من الموت ، قيل : نزلت في اليهود حين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم ألست تعلم أن يعقوب يوم مات أوصى بنيه باليهودية فعلى هذا القول يكون الخطاب لليهود ، وقال الكلبي : لما دخل يعقوب مصر رآهم يعبدون الأوثان والنيران ، فجمع ولده وخاف عليهم ذلك فقال عز وجل ( إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي ) قال عطاء إن الله تعالى لم يقبض نبيا حتى يخيره بين الحياة والموت فلما خير يعقوب قال : أنظرني حتى أسأل ولدي وأوصيهم ، ففعل الله ذلك به فجمع ولده وولد ولده ، وقال لهم قد حضر أجلي فما تعبدون من بعدي ( قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ) وكان إسماعيل عما لهم والعرب تسمي العم أبا كما تسمي الخالة أما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " عم الرجل صنو أبيه " وقال في عمه العباس : " ردوا علي أبي فإني أخشى أن تفعل به قريش ما فعلت ثقيف بعروة بن [ ص: 155 ] مسعود " . وذلك أنهم قتلوه .

( إلها واحدا ) نصب على البدل من قوله إلهك وقيل نعرفه إلها واحدا ( ونحن له مسلمون )

( تلك أمة ) جماعة ( قد خلت ) مضت ( لها ما كسبت ) من العمل ( ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون ) يعني : يسأل كل عن عمله لا عن عمل غيره .
( وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ( 135 ) قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ( 136 ) )

قوله تعالى : ( وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا ) قال ابن عباس : نزلت في رؤساء يهود المدينة كعب بن الأشرف ومالك بن الصيف ووهب بن يهودا وأبي ياسر بن أخطب ، وفي نصارى أهل نجران السيد والعاقب وأصحابهما ، وذلك أنهم خاصموا المسلمين في الدين كل فرقة تزعم أنها أحق بدين الله ، فقالت اليهود : نبينا موسى أفضل الأنبياء ، وكتابنا التوراة أفضل الكتب ، وديننا أفضل الأديان ، وكفرت بعيسى والإنجيل وبمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن ، وقالت النصارى : نبينا أفضل الأنبياء وكتابنا الإنجيل أفضل الكتب ، وديننا أفضل الأديان وكفرت بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن ، وقال كل واحد من الفريقين للمؤمنين كونوا على ديننا فلا دين إلا ذلك فقال تعالى ( قل ) يا محمد ( بل ملة إبراهيم ) بل نتبع ملة إبراهيم ، وقال الكسائي : هو نصب على الإغراء ، كأنه يقول : اتبعوا ملة إبراهيم ، وقيل معناه بل نكون على ملة إبراهيم فحذف " على " فصار منصوبا ( حنيفا ) نصب على الحال عند نحاة البصرة ، وعند نحاة الكوفة نصب على القطع أراد بل ملة إبراهيم الحنيف فلما سقطت الألف واللام لم يتبع المعرفة النكرة فانقطع منه فنصب .

قال مجاهد : الحنيفية اتباع إبراهيم فيما أتى به من الشريعة التي صار بها إماما للناس قال ابن عباس : الحنيف المائل عن الأديان كلها إلى دين الإسلام ، وأصله من الحنف ، وهو ميل وعوج يكون في القدم ، [ ص: 156 ] وقال سعيد بن جبير : الحنيف هو الحاج المختتن .

وقال الضحاك : إذا كان مع الحنيف المسلم فهو الحاج ، وإذا لم يكن مع المسلم فهو المسلم ، قال قتادة : الحنيفية : الختان وتحريم الأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات وإقامة المناسك .

( وما كان من المشركين ) ثم علم المؤمنين طريق الإيمان فقال جل ذكره :

( قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا ) يعني القرآن ( وما أنزل إلى إبراهيم ) وهو عشر صحف ( وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ) يعني أولاد يعقوب وهم اثنا عشر سبطا واحدهم سبط سموا بذلك لأنه ولد لكل واحد منهم جماعة وسبط الرجل حافده ، ومنه قيل للحسن والحسين رضي الله عنهما سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم والأسباط من بني إسرائيل كالقبائل من العرب من بني إسماعيل والشعوب من العجم ، وكان في الأسباط أنبياء ولذلك قال : وما أنزل إليهم وقيل هم بنو يعقوب من صلبه صاروا كلهم أنبياء ( وما أوتي موسى ) يعني التوراة ( وعيسى ) يعني الإنجيل ( وما أوتي ) أعطي ( النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ) أي نؤمن بالكل لا نفرق بين أحد منهم فنؤمن ببعض ونكفر ببعض كما فعلت اليهود والنصارى ( ونحن له مسلمون )

أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا محمد بن بشار أنا عثمان بن عمر أنا علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية ، ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله الآية " .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #28  
قديم 07-09-2020, 05:00 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,566
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله

الحلقة (24)
- تفسير البغوى
سورة البقرة
الاية 137 إلى الاية 143
أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي

( فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم ( 137 ) )

قوله تعالى ( فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به ) أي بما آمنتم به ، وكذلك كان يقرؤها ابن عباس ، والمثل صلة كقوله تعالى : " ليس كمثله شيء " أي ليس هو كشيء ، وقيل : معناه فإن آمنوا بجميع ما آمنتم به أي أتوا بإيمان كإيمانكم وتوحيد كتوحيدكم ، وقيل : معناه فإن آمنوا مثل ما أمنتم به والباء زائدة كقوله تعالى : " وهزي إليك بجذع النخلة " ( 25 - مريم ) وقال أبو معاذ النحوي : معناه فإن آمنوا بكتابكم كما آمنتم بكتابهم ، ( فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق ) أي في خلاف ومنازعة قاله : ابن عباس [ ص: 157 ] وعطاء ويقال : شاق مشاقة إذا خالف كأن كل واحد آخذ في شق غير شق صاحبه ، قال الله تعالى : " لا يجرمنكم شقاقي " ( 89 - هود ) أي خلافي ، وقيل : في عداوة ، دليله : قوله تعالى : " ذلك بأنهم شاقوا الله " ( 13 - الأنفال ) أي عادوا الله ( فسيكفيكهم الله ) يا محمد أي يكفيك شر اليهود والنصارى وقد كفي بإجلاء بني النضير ، وقتل بني قريظة وضرب الجزية على اليهود والنصارى ( وهو السميع ) لأقوالهم ( العليم ) بأحوالهم .
( صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون ( 138 ) قل أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون ( 139 ) أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى قل أأنتم أعلم أم الله ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون ( 140 ) تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون ( 141 ) )

( سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ( 142 ) وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم ( 143 ) )

قوله تعالى : ( صبغة الله ) قال ابن عباس في رواية الكلبي وقتادة والحسن : دين الله ، وإنما سماه صبغة لأنه يظهر أثر الدين على المتدين كما يظهر أثر الصبغ على الثوب ، وقيل : لأن المتدين يلزمه ولا يفارقه ، كالصبغ يلزم الثوب ، وقال مجاهد : فطرة الله ، وهو قريب من الأول ، وقيل : سنة الله ، وقيل : أراد به الختان لأنه يصبغ صاحبه بالدم ، قال ابن عباس هي أن النصارى إذا ولد لأحدهم ولد فأتى عليه سبعة أيام غمسوه في ماء لهم أصفر يقال له المعمودي وصبغوه به ليطهروه بذلك الماء مكان الختان ، فإذا فعلوا به ذلك قالوا : الآن صار نصرانيا حقا فأخبر الله أن دينه الإسلام لا ما يفعله النصارى ، وهو نصب على الإغراء يعني الزموا دين الله ، قال الأخفش هي بدل من قوله ملة إبراهيم ( ومن أحسن من الله صبغة ) دينا وقيل : تطهيرا ( ونحن له عابدون ) مطيعون

( قل ) يا محمد لليهود والنصارى ( أتحاجوننا في الله ) أي في دين الله والمحاجة : المجادلة في الله لإظهار الحجة ، وذلك بأنهم قالوا إن الأنبياء كانوا منا وعلى ديننا ، وديننا أقوم فنحن أولى بالله منكم فقال الله تعالى : قل أتحاجوننا في الله ( وهو ربنا وربكم ) أي نحن وأنتم سواء في الله فإنه ربنا وربكم ( ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ) أي لكل واحد جزاء عمله ، فكيف تدعون أنكم أولى بالله ( ونحن له مخلصون ) وأنتم به مشركون .

قال سعيد بن جبير : الإخلاص أن يخلص العبد دينه وعمله فلا يشرك به في دينه ولا يرائي بعمله قال الفضيل : ترك العمل لأجل الناس رياء ، والعمل من أجل الناس شرك ، والإخلاص أن يعافيك الله منهما .

قوله تعالى : ( أم تقولون ) يعني : أتقولون ، صيغة استفهام ومعناه التوبيخ ، وقرأ ابن عامر وحمزة [ ص: 158 ] والكسائي وحفص بالتاء لقوله تعالى : ( قل أتحاجوننا في الله ) وقال بعده ( قل أأنتم أعلم أم الله ) وقرأ الآخرون بالياء يعني يقول اليهود والنصارى ( إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى قل ) يا محمد ( أأنتم أعلم ) بدينهم ( أم الله ) وقد أخبر الله تعالى أن إبراهيم لم يكن يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما ( ومن أظلم ممن كتم ) أخفى ( شهادة عنده من الله ) وهي علمهم بأن إبراهيم وبنيه كانوا مسلمين وأن محمدا صلى الله عليه وسلم حق ورسول أشهدهم الله عليه في كتبهم ( وما الله بغافل عما تعملون )

( تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون ) كرره تأكيدا .

قوله تعالى : ( سيقول السفهاء ) الجهال ( من الناس ما ولاهم ) صرفهم وحولهم ( عن قبلتهم التي كانوا عليها ) يعني بيت المقدس والقبلة فعلة من المقابلة نزلت في اليهود ومشركي مكة طعنوا في تحويل القبلة من بيت المقدس إلى مكة ، فقالوا لمشركي مكة : قد تردد على محمد أمره فاشتاق إلى مولده وقد توجه نحو بلدكم وهو راجع إلى دينكم فقال الله تعالى : ( قل لله المشرق والمغرب ) ملك له والخلق عبيده . ( يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم )

( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) نزلت في رؤساء اليهود ، قالوا لمعاذ بن جبل : ما ترك محمد قبلتنا إلا حسدا ، وإن قبلتنا قبلة الأنبياء ، ولقد علم محمد أنا عدل بين الناس ، فقال معاذ : إنا على حق وعدل فأنزل الله تعالى : ( وكذلك ) أي وهكذا ، وقيل : الكاف للتشبيه أي كما اخترنا إبراهيم وذريته واصطفيناهم ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) مردودة على قوله : " ولقد اصطفيناه في الدنيا " ( 103 - البقرة ) أي عدلا خيارا قال الله تعالى : " قال أوسطهم " ( 28 - القلم ) أي خيرهم وأعدلهم وخير الأشياء أوسطها ، وقال الكلبي يعني أهل دين وسط بين الغلو والتقصير لأنهما مذمومان في الدين . [ ص: 159 ]

وأخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أبو معشر إبراهيم بن محمد بن الحسين الوراق أنا أبو عبد الله محمد بن زكريا بن يحيى أنا أبو الصلت أنا حماد بن زيد أنا علي بن زيد عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما بعد العصر فما ترك شيئا إلى يوم القيامة إلا ذكره في مقامه ذلك حتى إذا كانت الشمس على رءوس النخل وأطراف الحيطان ، قال : " أما إنه لم يبق من الدنيا فيما مضى منها إلا كما بقي من يومكم هذا ، ألا وإن هذه الأمة توفي سبعين أمة هي آخرها وأخيرها وأكرمها على الله تعالى "

قوله تعالى : ( لتكونوا شهداء على الناس ) يوم القيامة أن الرسل قد بلغتهم ، قال ابن جريج : قلت لعطاء : ما معنى قوله تعالى لتكونوا شهداء على الناس ؟ قال : أمة محمد صلى الله عليه وسلم شهداء على من يترك الحق من الناس أجمعين ( ويكون الرسول ) محمد صلى الله عليه وسلم ( عليكم شهيدا ) معدلا مزكيا لكم ، وذلك أن الله تعالى يجمع الأولين والآخرين في صعيد واحد ، ثم يقول لكفار الأمم الماضية : ألم يأتكم نذير " ( 8 - الملك ) فينكرون ويقولون ما جاءنا من بشير ولا نذير ، فيسأل الله الأنبياء عليهم السلام عن ذلك فيقولون : كذبوا قد بلغناهم فيسألهم البينة - وهو أعلم بهم - إقامة للحجة ، فيؤتى بأمة محمد صلى الله عليه وسلم فيشهدون لهم أنهم قد بلغوا ، فتقول الأمم الماضية : من أين علموا وإنما أتوا بعدنا ؟ فيسأل هذه الأمة فيقولون أرسلت إلينا رسولا وأنزلت عليه كتابا ، أخبرتنا فيه تبليغ الرسل وأنت صادق فيما أخبرت ، ثم يؤتى بمحمد صلى الله عليه وسلم فيسأل عن حال أمته فيزكيهم ويشهد بصدقهم .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا إسحاق بن منصور أخبرنا أبو أسامة قال الأعمش أخبرنا أبو صالح عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يجاء بنوح يوم القيامة فيقال له : هل بلغت ؟ فيقول : نعم يا رب ، فيسأل أمته هل بلغكم ؟ فيقولون : ما جاءنا من نذير ، فيقال : من شهودك فيقول محمد وأمته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فيجاء بكم فتشهدون " ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم " وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا [ ص: 160 ] شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا " قوله تعالى : ( وما جعلنا القبلة التي كنت عليها ) أي تحويلها يعني بيت المقدس ، فيكون من باب حذف المضاف ، ويحتمل أن يكون المفعول الثاني للجعل محذوفا ، على تقدير وما جعلنا القبلة التي كنت عليها منسوخة ، وقيل معناه التي أنت عليها ، وهي الكعبة كقوله تعالى " كنتم خير أمة " أي أنتم .

( إلا لنعلم من يتبع الرسول ) فإن قيل ما معنى قوله : " إلا لنعلم " وهو عالم بالأشياء كلها قبل كونها قيل : أراد به العلم الذي يتعلق به الثواب والعقاب ، فإنه لا يتعلق بما هو عالم به في الغيب ، إنما يتعلق بما يوجد معناه ليعلم العلم الذي يستحق العامل عليه الثواب والعقاب ، وقيل : إلا لنعلم أي : لنرى ونميز من يتبع الرسول في القبلة ( ممن ينقلب على عقبيه ) فيرتد وفي الحديث إن القبلة لما حولت ارتد قوم من المسلمين إلى اليهودية ، وقالوا : رجع محمد إلى دين آبائه ، وقال أهل المعاني : معناه إلا لعلمنا من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه كأنه سبق في علمه أن تحويل القبلة سبب لهداية قوم وضلالة قوم ، وقد يأتي لفظ الاستقبال بمعنى الماضي كما قال الله تعالى فلم تقتلون أنبياء الله " ( 91 - البقرة ) أي فلم قتلتموهم ( وإن كانت ) أي قد كانت أي تولية الكعبة وقيل : الكتابة راجعة إلى القبلة ، وقيل : إلى الكعبة قال الزجاج : وإن كانت التحويلة ( لكبيرة ) ثقيلة شديدة ( إلا على الذين هدى الله ) أي هداهم الله ، قال سيبويه : " وإن " تأكيد يشبه اليمين ولذلك دخلت اللام في جوابها ( وما كان الله ليضيع إيمانكم ) وذلك أن حيي بن أخطب وأصحابه من اليهود قالوا للمسلمين : أخبرونا عن صلاتكم نحو بيت المقدس ، إن كانت هدى فقد تحولتم عنها وإن كانت ضلالة فقد دنتم الله بها ، ومن مات منكم عليها فقد مات على الضلالة ، فقال المسلمون إنما الهدى ما أمر الله به ، والضلالة ما نهى الله عنه .

قالوا : فما شهادتكم على من مات منكم على قبلتنا ؟ وكان قد مات قبل أن تحول القبلة من المسلمين أسعد بن زرارة من بني النجار ، والبراء بن معرور من بني سلمة ، وكانوا من النقباء ورجال آخرون فانطلق عشائرهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا : يا رسول الله قد صرفك الله إلى قبلة إبراهيم فكيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس ؟ فأنزل الله تعالى ( وما كان الله ليضيع إيمانكم ) يعني صلاتكم إلى بيت المقدس ( إن الله بالناس لرءوف رحيم ) قرأ أهل الحجاز وابن عامر وحفص لرءوف مشبع على وزن فعول ؛ لأن أكثر أسماء الله تعالى على فعول وفعيل ، كالغفور والشكور والرحيم والكريم وغيرها ، وأبو جعفر [ ص: 161 ] يلين الهمزة وقرأ الآخرون بالاختلاس على وزن فعل قال جرير : ترى للمسلمين عليك حقا
كفعل الواحد الرؤف الرحيم


والرأفة أشد الرحمة .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #29  
قديم 07-09-2020, 05:00 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,566
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله

الحلقة (25)
- تفسير البغوى
سورة البقرة
الاية 144 إلى الاية 150
أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي


( قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون ( 144 ) )

قوله تعالى : ( قد نرى تقلب وجهك في السماء ) هذه الآية وإن كانت متأخرة في التلاوة فهي متقدمة في المعنى فإنها رأس القصة ، وأمر القبلة أول ما نسخ من أمور الشرع ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يصلون بمكة إلى الكعبة ، فلما هاجر إلى المدينة أمره الله أن يصلي نحو صخرة بيت المقدس ليكون أقرب إلى تصديق اليهود إياه إذا صلى إلى قبلتهم مع ما يجدون من نعته في التوراة فصلى بعد الهجرة ستة عشر أو سبعة عشر شهرا إلى بيت المقدس وكان يحب أن يوجه إلى الكعبة لأنها كانت قبلة أبيه إبراهيم عليه السلام ، وقال مجاهد : كان يحب ذلك لأجل اليهود لأنهم كانوا يقولون يخالفنا محمد صلى الله عليه وسلم في ديننا ويتبع قبلتنا ، فقال لجبريل عليه السلام : وددت لو حولني الله إلى الكعبة فإنها قبلة أبي إبراهيم عليه السلام ، فقال جبريل : إنما أنا عبد مثلك وأنت كريم على ربك ، فسل أنت ربك فإنك عند الله عز وجل بمكان [ فرجع ] جبريل عليه السلام وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يديم النظر إلى السماء رجاء أن ينزل جبريل بما يحب من أمر القبلة فأنزل الله تعالى ( قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ) فلنحولنك إلى قبلة ( ترضاها ) أي تحبها وتهواها ( فول ) أي حول ( وجهك شطر المسجد الحرام ) أي نحوه وأراد به الكعبة والحرام المحرم ( وحيثما كنتم ) من بر أو بحر أو شرق أو غرب ( فولوا وجوهكم شطره ) عند الصلاة .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا إسحاق بن نصر أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج عن عطاء قال سمعت ابن عباس رضي الله عنهما : قال لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم البيت دعا في نواحيه كلها ولم يصل حتى [ ص: 162 ] خرج منه ، فلما خرج ركع ركعتين في قبل الكعبة ( وقال هذه القبلة ) .

أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا عمرو بن خالد أخبرنا زهير أخبرنا أبو إسحاق عن البراء أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أول ما قدم المدينة نزل على أجداده أو قال أخواله من الأنصار وأنه صلى قبل بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرا ، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت ، وأنه صلى أول صلاة صلاها صلاة العصر وصلى معه قوم فخرج رجل ممن صلى معه فمر على أهل مسجد قباء وهم راكعون فقال : أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مكة فداروا كما هم قبل البيت ، وكانت اليهود قد أعجبهم إذ كان يصلي قبل المقدس لأنه قبلة أهل الكتاب ، فلما ولى وجهه قبل البيت أنكروا ذلك ، وقال : البراء في حديثه هذا : أنه مات على القبلة قبل أن تحول رجال وقتلوا فلم ندر ما نقول فيهم ، فأنزل الله تعالى ( وما كان الله ليضيع إيمانكم ) .

وكان تحويل القبلة في رجب بعد زوال الشمس قبل قتال بدر بشهرين ، قال مجاهد وغيره : نزلت هذه الآية ورسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد بني سلمة وقد صلى بأصحابه ركعتين من صلاة الظهر ، فتحول في الصلاة واستقبل الميزاب وحول الرجال مكان النساء ، والنساء مكان الرجال ، فسمي ذلك المسجد مسجد القبلتين . وقيل : كان التحويل خارج الصلاة بين الصلاتين ، وأهل قباء وصل إليهم الخبر في صلاة الصبح .

أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي أخبرنا أبو علي زاهر بن أحمد الفقيه السرخسي أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي السامري أخبرنا أبو مصعب أحمد بن أبي بكر الزهري عن مالك بن أنس عن عبد الله بن دينار أن عبد الله بن عمر قال : بينا الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت وقال لهم : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها ، وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة . [ ص: 163 ]

فلما تحولت القبلة قالت اليهود : يا محمد ما هو إلا شيء تبتدعه من تلقاء نفسك فتارة تصلي إلى بيت المقدس وتارة إلى الكعبة ولو ثبت على قبلتنا لكنا نرجو أن تكون صاحبنا الذي ننتظره ؟ فأنزل الله ( وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه ) يعني أمر الكعبة ( الحق من ربهم ) ثم هددهم فقال ( وما الله بغافل عما تعملون ) قرأ أبو جعفر وابن عامر وحمزة والكسائي بالتاء قال ابن عباس يريد أنكم يا معشر المؤمنين تطلبون مرضاتي وما أنا بغافل عن ثوابكم وجزائكم وقرأ الباقون بالياء يعني ما أنا بغافل عما يفعل اليهود فأجازيهم في الدنيا والآخرة .
( ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين ( 145 ) )

قوله تعالى ( ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب ) يعني اليهود والنصارى قالوا : ائتنا بآية على ما تقول فقال الله تعالى ( ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ) معجزة ( ما تبعوا قبلتك ) يعني الكعبة ( وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض ) ؛ لأن اليهود تستقبل بيت المقدس وهو المغرب والنصارى تستقبل المشرق وقبلة المسلمين الكعبة .

أخبرنا أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الضبي أخبرنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد الجراحي أخبرنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي أخبرنا أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي أخبرنا الحسن بن بكر المروزي أخبرنا المعلى بن منصور أخبرنا عبد الله بن جعفر المخزومي عن عثمان الأخنسي عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " القبلة ما بين المشرق والمغرب "

وأراد به في حق أهل المشرق ، وأراد بالمشرق : مشرق الشتاء في أقصر يوم في السنة ، وبالمغرب : مغرب الصيف في أطول يوم من السنة ، فمن جعل مغرب الصيف في هذا الوقت على يمينه ومشرق الشتاء على يساره كان وجهه إلى القبلة ( ولئن اتبعت أهواءهم ) مرادهم الخطاب مع النبي صلى الله عليه وسلم ، والمراد به [ ص: 164 ] الأمة ، ( من بعد ما جاءك من العلم ) الحق في القبلة ، ( إنك إذا لمن الظالمين ) .
( الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون ( 146 ) الحق من ربك فلا تكونن من الممترين ( 147 ) ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شيء قدير ( 148 ) ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون ( 149 ) )

قوله تعالى : ( الذين آتيناهم الكتاب ) يعني مؤمني أهل الكتاب عبد الله بن سلام وأصحابه ( يعرفونه ) يعني يعرفون محمدا صلى الله عليه وسلم ( كما يعرفون أبناءهم ) من بين الصبيان ، قال عمر بن الخطاب لعبد الله بن سلام إن الله قد أنزل على نبيه ( الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ) فكيف هذه المعرفة ؟ قال عبد الله : يا عمر لقد عرفته حين رأيته كما عرفت ابني ومعرفتي بمحمد صلى الله عليه وسلم أشد من معرفتي بابني ، فقال عمر : كيف ذلك ؟ فقال أشهد أنه رسول الله حق من الله تعالى وقد نعته الله في كتابنا ولا أدري ما تصنع النساء ، فقال عمر وفقك الله يا ابن سلام فقد صدقت ( وإن فريقا منهم ليكتمون الحق ) يعني صفة محمد صلى الله عليه وسلم وأمر الكعبة ( وهم يعلمون ) ثم قال

( الحق من ربك ) أي هذا الحق خبر مبتدأ مضمر وقيل رفع بإضمار فعل أي جاءك الحق من ربك ( فلا تكونن من الممترين ) الشاكين .

قوله تعالى : ( ولكل وجهة ) أي لأهل كل ملة قبلة والوجهة اسم للمتوجه إليه ( هو موليها ) أي مستقبلها ومقبل إليها يقال : وليته ووليت إليه : إذا أقبلت إليه ، ووليت عنه إذا أدبرت عنه . قال مجاهد : هو موليها وجهه ، وقال الأخفش ، هو كناية عن الله عز وجل يعني الله مولي الأمم إلى قبلتهم وقرأ ابن عامر : مولاها ، أي المستقبل مصروف إليها ( فاستبقوا الخيرات ) أي إلى الخيرات ، يريد : بادروا بالطاعات ، والمراد المبادرة إلى القبول ( أينما تكونوا ) أنتم وأهل الكتاب ( يأت بكم الله جميعا ) يوم القيامة فيجزيكم بأعمالكم ( إن الله على كل شيء قدير )

قوله تعالى ( ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون ) [ ص: 165 ] قرأ أبو عمرو بالياء والباقون بالتاء .
( ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون ( 150 ) )

( ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره ) وإنما كرر لتأكيد النسخ ( لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا ) اختلفوا في تأويل هذه الآية ووجه قوله ( إلا ) فقال بعضهم معناه حولت القبلة إلى الكعبة ( لئلا يكون للناس عليكم حجة ) إذا توجهتم إلى غيرها فيقولون ليست لكم قبلة ( إلا الذين ظلموا ) قريش واليهود فأما قريش فتقول رجع محمد إلى الكعبة لأنه علم أنها الحق وأنها قبلة آبائه فكذلك يرجع إلى ديننا وأما اليهود فتقول لم ينصرف عن بيت المقدس مع علمه بأنه حق إلا أنه يعمل برأيه وقال قوم ( لئلا يكون للناس عليكم حجة ) يعني اليهود وكانت حجتهم على طريق المخاصمة على المؤمنين في صلاتهم إلى بيت المقدس أنهم كانوا يقولون ما درى محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه أين قبلتهم حتى هديناهم نحن

وقوله ( إلا الذين ظلموا ) مشركو مكة وحجتهم أنهم قالوا لما صرفت قبلتهم إلى الكعبة إن محمدا قد تحير في دينه وسيعود إلى ملتنا كما عاد إلى قبلتنا وهذا معنى قول مجاهد وعطاء وقتادة وعلى هذين التأويلين يكون الاستثناء صحيحا وقوله ( إلا الذين ظلموا ) يعني لا حجة لأحد عليكم إلا لمشركي قريش فإنهم يحاجونكم فيجادلونكم ويخاصمونكم بالباطل والظلم والاحتجاج بالباطل يسمى حجة كما قال الله تعالى " حجتهم داحضة عند ربهم " ( 16 - الشورى ) وموضع ( الذين ) خفض كأنه قال سوى الذين ظلموا قاله الكسائي وقال الفراء نصب بالاستثناء

قوله تعالى : ( منهم ) يعني من الناس وقيل هذا استثناء منقطع عن الكلام الأول معناه ولكن الذين ظلموا يجادلونكم بالباطل كما قال الله تعالى " ما لهم به من علم إلا اتباع الظن " ( 157 - النساء ) يعني لكن يتبعون الظن فهو كقول الرجل ما لك عندي حق إلا أن تظلم

قال أبو روق ( لئلا يكون للناس ) يعني اليهود ( عليكم حجة ) وذلك أنهم عرفوا أن الكعبة قبلة إبراهيم ووجدوا في التوراة أن محمدا سيحول إليها فحوله الله تعالى لئلا يكون لهم حجة فيقولون إن النبي الذي نجده في كتابنا سيحول إليها ولم تحول أنت فلما حول إليها ذهبت حجتهم ( إلا الذين ظلموا ) يعني إلا أن يظلموا فيكتموا ما عرفوا من الحق . [ ص: 166 ] وقال أبو عبيدة قوله ( إلا الذين ظلموا ) ليس باستثناء ولكن إلا في موضع واو العطف يعني والذين ظلموا أيضا لا يكون لهم حجة كما قال الشاعر
وكل أخ مفارقه أخوه لعمر أبيك إلا الفرقدان


معناه والفرقدان أيضا يتفرقان فمعنى الآية فتوجهوا إلى الكعبة ( لئلا يكون للناس ) يعني اليهود ( عليكم حجة ) فيقولوا لم تركتم الكعبة وهي قبلة إبراهيم وأنتم على دينه ولا الذين ظلموا وهم مشركو مكة فيقولون لم ترك محمد قبلة جده وتحول عنها إلى قبلة اليهود ( فلا تخشوهم ) في انصرافكم إلى الكعبة وفي تظاهرهم عليكم بالمجادلة فإني وليكم أظهركم عليهم بالحجة والنصرة ( واخشوني ولأتم نعمتي عليكم ) عطف على قوله ( لئلا يكون للناس عليكم حجة ) ولكي أتم نعمتي عليكم بهدايتي إياكم إلى قبلة إبراهيم فتتم لكم الملة الحنيفية وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه تمام النعمة الموت على الإسلام .

قال سعيد بن جبير لا يتم نعمة على مسلم إلا أن يدخله الله الجنة ( ولعلكم تهتدون ) لكي تهتدوا من الضلالة ولعل وعسى من الله واجب

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #30  
قديم 17-09-2020, 06:18 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,566
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله

الحلقة (26)
- تفسير البغوى
سورة البقرة
الاية 151 إلى الاية 157
أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي


( كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون ( 151 ) )

قوله تعالى ( كما أرسلنا فيكم ) هذه الكاف للتشبيه وتحتاج إلى شيء يرجع إليه فقال بعضهم ترجع إلى ما قبلها معناه ولأتم نعمتي عليكم كما أرسلنا فيكم رسولا قال محمد بن جرير : دعا إبراهيم عليه السلام بدعوتين - إحداهما - قال : ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك " ( 128 - البقرة ) والثانية قوله : " ربنا وابعث فيهم رسولا منهم " ( 129 - البقرة ) فبعث الله الرسول وهو محمد صلى الله عليه وسلم ووعد إجابة الدعوة الثانية بأن يجعل في ذريته أمة مسلمة يعني كما أجبت دعوته بأن أهديكم لدينه وأجعلكم مسلمين وأتم نعمتي عليكم ببيان شرائع الملة الحنيفية وقال مجاهد وعطاء والكلبي : هي [ ص: 167 ] متعلقة بما بعدها وهو قوله " فاذكروني أذكركم " معناه كما أرسلنا فيكم رسولا منكم فاذكروني وهذه الآية خطاب لأهل مكة والعرب يعني كما أرسلنا فيكم يا معشر العرب

( رسولا منكم ) يعني محمدا صلى الله عليه وسلم ( يتلو عليكم آياتنا ) يعني القرآن ( ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ) قيل الحكمة السنة ، وقيل مواعظ القرآن ( ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون ) الأحكام وشرائع الإسلام .
( فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون ( 152 ) )

( فاذكروني أذكركم ) قال ابن عباس : اذكروني بطاعتي أذكركم بمغفرتي وقال سعيد بن جبير اذكروني في النعمة والرخاء أذكركم في الشدة والبلاء بيانه " فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون " ( 144 - الصافات .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا عمر بن حفص أخبرنا أبي أخبرنا الأعمش قال سمعت أبا صالح عن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم وإن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا ومن أتاني يمشي أتيته هرولة "

أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد بن القاضي وثنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة الكشميهني قال حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سراج الطحان أخبرنا أبو أحمد محمد بن قريش بن سليمان أخبرنا أبو عبد الملك الدمشقي أخبرنا سليمان بن عبد الرحمن أخبرنا منذر بن زياد عن صخر بن جويرية عن الحسن عن أنس قال إني سمعت هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم عدد أناملي هذه العشر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الله تعالى يقول يا ابن آدم إن ذكرتني في نفسك ذكرتك في نفسي وإن ذكرتني في ملأ ذكرتك في ملأ خير منهم وإن دنوت مني شبرا دنوت منك ذراعا وإن دنوت مني ذراعا دنوت منك باعا وإن مشيت إلي هرولت إليك وإن هرولت إلي سعيت إليك وإن سألتني أعطيتك وإن لم تسألني غضبت عليك " . [ ص: 168 ]

أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أبو منصور السمعاني أخبرنا أبو جعفر الرياني أخبرنا حميد بن زنجويه أخبرنا يحيى بن عبد الله أخبرنا الأوزاعي أخبرنا إسماعيل بن عبد الله عن أبي الدرداء عن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه

أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا عبد الرحمن بن أبي شريح أنا أبو القاسم البغوي أخبرنا علي بن الجعد أخبرنا إسماعيل بن عياش أخبرنا عمرو بن قيس السكوني عن عبد الله بن بسر قال جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أي الأعمال أفضل ؟ قال أن تفارق الدنيا ولسانك رطب من ذكر الله تعالى .

قوله تعالى ( واشكروا لي ولا تكفرون ) يعني واشكروا لي بالطاعة ولا تكفروني بالمعصية فإن من أطاع الله فقد شكره ومن عصاه فقد كفره
( يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين ( 153 ) ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون ( 154 ) )

قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين ) بالعون والنصرة

( ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات ) نزلت في قتلى بدر من المسلمين وكانوا أربعة عشر رجلا ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار كان الناس يقولون لمن يقتل في سبيل الله مات فلان وذهب عنه نعيم الدنيا ولذتها فأنزل الله تعالى ( ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون ) كما قال في شهداء أحد " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون " ( 169 - آل عمران ) قال الحسن إن الشهداء أحياء عند الله تعالى تعرض أرزاقهم على أرواحهم فيصل إليهم الروح والفرح كما تعرض النار على أرواح آل فرعون غدوة وعشية فيصل إليهم الوجع .
[ ص: 169 ] ( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين ( 155 ) الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ( 156 ) أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ( 157 ) )

قوله تعالى ( ولنبلونكم ) أي ولنختبرنكم يا أمة محمد واللام لجواب القسم تقديره والله لنبلونكم والابتلاء من الله لإظهار المطيع من العاصي لا ليعلم شيئا لم يكن عالما به ( بشيء من الخوف ) قال ابن عباس يعني خوف العدو ( والجوع ) يعني القحط ( ونقص من الأموال ) بالخسران والهلاك ( والأنفس ) يعني بالقتل والموت وقيل بالمرض والشيب ( والثمرات ) يعني الجوائح في الثمار وحكي عن الشافعي أنه قال الخوف خوف الله تعالى والجوع صيام رمضان ونقص من الأموال أداء الزكاة والصدقات والأنفس الأمراض والثمرات موت الأولاد لأن ولد الرجل ثمرة قلبه

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني أخبرنا حميد بن زنجويه أخبرنا الحسن بن موسى أخبرنا حماد بن سلمة عن أبي سنان قال دفنت ابني سنانا وأبو طلحة الخولاني على شفير القبر فلما أردت الخروج أخذ بيدي فأخرجني فقال ألا أبشرك حدثني الضحاك عن عرزب عن أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته أقبضتم ولد عبدي قالوا نعم قال أقبضتم ثمرة فؤاده قالوا نعم قال فماذا قال عبدي قالوا استرجع وحمدك قال ابنوا له بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد "

( وبشر الصابرين ) على البلايا والرزايا ثم وصفهم فقال

( الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله ) عبيدا وملكا ( وإنا إليه راجعون ) في الآخرة .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان أخبرنا أبو جعفر الرياني أخبرنا حميد بن زنجويه أخبرنا محاضر بن المورع أخبرنا سعد عن عمر بن كثير بن أفلح [ ص: 170 ] أخبرنا مولى أم سلمة عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من مصيبة تصيب عبدا فيقول إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيرا منها قالت أم سلمة لما توفي أبو سلمة عزم الله لي فقلت اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها . فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم

وقال سعيد بن جبير : ما أعطي أحد في المصيبة ما أعطي هذه الأمة يعني الاسترجاع ولو أعطيها أحد لأعطيها يعقوب عليه السلام ألا تسمع لقوله تعالى في قصة يوسف عليه السلام " يا أسفى على يوسف " ( 84 - يوسف )

( أولئك ) أهل هذه الصفة ( عليهم صلوات من ربهم ورحمة ) صلوات أي رحمة فإن الصلاة من الله الرحمة ورحمة ذكرها الله تأكيدا وجميع الصلوات أي رحمة بعد رحمة ( وأولئك هم المهتدون ) إلى الاسترجاع وقيل إلى الحق والصواب وقيل إلى الجنة والثواب قال عمر رضي الله عنه نعم العدلان ونعمت العلاوة فالعدلان الصلاة والرحمة والعلاوة الهداية .

وقد وردت أخبار في ثواب أهل البلاء وأجر الصابرين منها ما أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي أخبرنا أبو علي زاهر بن أحمد السرخسي أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة أنه قال سمعت أبا الحباب سعيد بن يسار يقول سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من يرد الله به خيرا يصب منه " .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا عبد الله بن محمد أخبرنا عبد الملك بن عمرو أخبرنا زهير بن محمد عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه " . [ ص: 171 ] أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أبو منصور السمعاني أخبرنا أبو جعفر الرياني أخبرنا حميد بن زنجويه أنا محمد بن عبيد أخبرنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال جاءت امرأة بها لمم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ادع الله لي أن يشفيني قال " إن شئت دعوت الله أن يشفيك وإن شئت فاصبري ولا حساب عليك قالت : بل أصبر ولا حساب علي .

أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي أخبرنا أبو سعيد خلف بن عبد الرحمن بن أبي نزار أخبرنا أبو منصور العباس بن الفضل النضروي أخبرنا أحمد بن نجدة أخبرنا يحيى بن عبد الحميد الحماني أخبرنا حماد بن زيد عن عاصم هو ابن أبي النجود عن مصعب بن سعد عن سعد قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشد الناس بلاء قال الأنبياء والأمثل فالأمثل يبتلي الله الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلبا ابتلي على قدر ذلك وإن كان في دينه رقة هون عليه فما يزال كذلك حتى يمشي على الأرض وما له من ذنب "

أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أبو منصور السمعاني أخبرنا أبو جعفر الرياني أخبرنا حميد بن زنجويه أخبرنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث حدثني يزيد بن أبي حبيب عن سعيد بن سنان عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن عظم الجزاء عند الله مع عظم البلاء فإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط "

أخبرنا أبو حامد أحمد بن عبد الله الصالحي أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري أخبرنا حاجب بن أحمد الطوسي أخبرنا محمد بن يحيى أخبرنا يزيد بن هارون أخبرنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وماله وولده حتى يلقى الله وما عليه من خطيئة " [ ص: 172 ]

أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران أخبرنا أبو علي إسماعيل بن محمد الصفار أخبرنا أحمد بن منصور الرمادي أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مثل المؤمن كمثل الزرع لا تزال الريح تفيئه ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء ومثل المنافق كمثل شجرة الأرزة لا تهتز حتى تستحصد "

أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أخبرنا أبو الحسين بن بشران أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار أخبرنا أحمد بن منصور الرمادي أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن أبي إسحاق عن العيزار بن حريث عن عمر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " عجب للمؤمن إن أصابه خير حمد الله وشكر وإن أصابته مصيبة حمد الله وصبر . فالمؤمن يؤجر في كل أمره حتى يؤجر في اللقمة يرفعها إلى في امرأته " .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 292.87 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 286.81 كيلو بايت... تم توفير 6.06 كيلو بايت...بمعدل (2.07%)]