وجوب المبيت بمنى ليالي أيام التشريق، والترخيص في تركه لأهل السقاية

[ابوالوليد المسلم]

وجوب المبيت بمنى ليالي أيام التشريق، والترخيص في تركه لأهل السقاية


الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح

عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَن الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِالْمُطلِبِ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى، مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ، فَأَذِنَ لَهُ.

تخريج الحديث:
الحديث أخرجه مسلم حديث (1315)، وأخرجه البخاري في "كتاب الحج"، "باب هل يبيت أصحاب السقاية أو غيرهم بمكة ليالي منى"، حديث (1745)، وأخرجه أبو داود في "كتاب المناسك"، "باب يبيت بمكة ليالي منى"، حديث (1959)، وأخرجه ابن ماجه في "كتاب المناسك"، "باب البيتوتة بمكة ليالي منى"، حديث (3065).

شرح ألفاظ الحديث:
(( الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِالْمُطلِبِ )): هو عم النبي - صلى الله عليه وسلم.
(( اسْتَأْذَنَ )): أي طلب الإذن وهو الرخصة.
((أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى)): أي يدع المبيت بمنى ليالي أيام التشريق ويبيت بمكة.
((مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ)): أي من أجل ألا تنقطع مصلحة سقاية ماء زمزم، كانت السقاية من أعمال قريش القائم عليها بنو عبدالمطلب وبالأخص العباس رضي الله عنه.

من فوائد الحديث:
الفائدة الأولى: الحديث دليل على الترخيص لأهل السقاية بإسقاط المبيت عنهم ليالي أيام التشريق لاحتياجهم لهذه الرخصة، مراعاة للمصلحة العامة؛ حيث يقومون بسقاية الناس، ويلحق من يماثلهم كما ذكر أهل العلم ممن يشتغل بمصالح المسلمين العامة كرجال المرور، ورجال الإسعاف، والأطباء ونحوهم ممن يحتاج إلى ترك المبيت بمنى.

الفائدة الثانية: استدل بحديث الباب من قال: إن المبيت بمنى ليالي التشريق واجب، وبه قال جمهور العلماء، فهو قول المالكية، وأحد القولين عن الشافعية، واعتبره النووي الأصح في مذهب الشافعي، وهو الصحيح من مذهب الحنابلة، رحم الله علماء المسلمين؛ [انظر شرح النووي لمسلم حديث (1315)، والاستذكار حديث (31/ 194)، والانصاف (4 / 60 )].

ووجه الدلالة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أذِن لعمِّه العباس - رضي الله عنه - والتعبير بالإذن، وفي رواية أخرى بالرخصة يدل على وجوب المبيت.

واستدلوا أيضًا بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- بات في منى تلك الليالي، وقال: ((لتأخذوا عني مناسككم))، والواجب من ذلك معظم الليل سواء من أوله أو آخره.

والقول الثاني: أن المبيت سنة، وهو قول أبي حنيفة ورواية في مذهب أحمد، وعند أبي حنيفة يكره تركها؛ [انظر الاستذكار (13 / 195 )، والإنصاف (4 / 60 )].

واستدلوا بعدم الدليل الدال على الوجوب، وأما حديث الباب فلا يدل على الوجوب؛ لأنه لم يتقدم إذن العباس - رضي الله عنه - أمر يدل على الوجوب من النبي - صلى الله عليه وسلم.

وفائدة الخلاف أن الذين يقولون بالوجوب يقولون من ترك المبيت فعليه دم؛ لأنه ترك واجبًا، وأما الذين قالوا بالسنية، فيقولون لا شيء عليه، والأظهر والله أعلم القول الأول لحديث الباب.

ولكن في إيجاب الدم على من ترك المبيت تردد؛ إذ لا دليل على ذلك، بل الدليل على عدم الوجوب، ففي حديث الباب لم يأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- العباس - رضي الله عنه - بالدم.

لفتة:
من لم يجد مكانًا يناسب المبيت فيه سقط عنه المبيت في منى، وله أن يبيت خارج منى في أي مكان؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّـهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ [التغابن: 16]، وهذا اتقى الله ما استطاع ولم يجد مكانًا يليق به، فسقط عنه، (والواجبات تسقط بالعجز)، فإذا غلب على ظنه عدم وجود مكان مناسب كما هو واقعنا اليوم، سقط عنه المبيت، وليس من المكان المناسب المبيت في الطرقات والأرصفة، ولا سيما من معه نساء، والله أعلم.