|
ملتقى مشكلات وحلول قسم يختص بمعالجة المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
مشكلة بيني وبين أبي
مشكلة بيني وبين أبي أ. منى مصطفى السؤال: ♦ الملخص: فتاة تشكو من طريقة تعامل والدها معها حين يغضب منها، وتسأل عن حلٍّ. ♦ التفاصيل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، قد يحدُث بيني وبين أبي خلافٌ كبير إلى حدٍّ ما، فأشعُر أنه قلَّل من قِيمتي، وأن ما أستحقه هو أن أكونَ منبوذة منه لبعض الوقت حتى أتعلم الأدب، (فهذه هي الطريقة التي يعاقب بها والدي مَن أخطأ)، علمًا أنني في نهاية العقد الثالث من عمري، ومَن هي في مِثل عمري تُربي أولادها الآن، حينها تنتابني مشاعر من الضيق والكآبة، وأشعُر أني لا أحب والدي، ولا أريد أن أراه، مع أني أعرف أن هذا خطأٌ، فإني لا أستطيع أن أتحكَّم في غضبي عندما يَنبذني بهذا الشكل، وأغتاظ عندما يتجاهلني، ثم يَعتقد أن مرور الأيام حلٌّ مثالي، وأني سأصفو وأعود كما كنت، وسنتحدث ونتسامر كما كنا، وبالفعل يحاول والدي - بعد انتهاء مدة العقاب التي يحدِّدها - أن يتعامل معي مجددًا، إلا أني أظَل رافضة أن أتعامل معه إلا في حدود، ولا أصفو بسهولة، بل أظل في داخلي أتمنى ألا أراه، ولا أدري لماذا يُصبح غضبي إلى هذا الحد، وهذا ما جعلني ألجأُ إلى الاستشارة. الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين؛ أما بعد: فمرحبًا بكِ يا بُنيَّتي، لا شك عندي أنكِ إنسانة ذاتُ أخلاق تَخاف ربَّها، ولولا ذلك ما أحزنكِ شعوركِ تُجاه والدكِ بالغيظ بسبب طريقته في عقابكم، في السابق كان الخير يفيض من الناس، ففي الشارع أب، وفي المدرسة أب، في بيت الأخوال آباء، أما في زمننا - وقد سيطرت الفردية على حياة الناس، وانحسرت كثير من الأدوار؛ حيث استقلت البيوت، وربما أصبح العم والخال والجار والمعلم مجرد مسميات في بعض الأحيان - فقد جعل ذلك كله أمل البنت في أبيها عظيمًا ومضاعفًا، وكان عليه أن يَفطن إلى حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه، ولكنه التزم الشدة في التربية، والتخلي عن الدعم العاطفي الذي تحتاجه الفتاة، واتخذ من التجاهل والتقليل من الشأن وسيلة للعقاب؛ معتقدًا أنه سيُغفَر له كلُّ ذنبٍ مهما كان لأنه أب. ولكنه نسِي أن ابنته ذات الأخلاق تراه رجلَها الأوحد حتى الآن، وكانت تطمَع في مزيد محبة منه واحتواء، لا تجاهل وتحقير. اغفري له وتجاوزي يا بنيتي، فهو يحمل لكِ من الحب ما يجعله يتوهَّم أنه مغفور له من طرفك مهما فعَل، فكوني عند حُسن ظنه، واغفري له مهما فعل، واعلمي أن الجزاء من جنس العمل؛ فإن تجاوزتِ وغفرتِ، فنرجو أن يغفر الله لكِ بحلمه وعلمه؛ رحمة ومنةً منه ومكافأة لكِ. سأضرب لكِ مثلًا سائدًا يجعل الإنسان بحق يراجع نفسه، وهو: انظري إلى المدير في العمل، فلا يربط الموظف به أي رباط، ولم يقدم له أي خدمات عظيمة ولا صغيرة، ومع ذلك يحرص على الامتثال لأوامره، واسترضائه، بل ربما مداهنته من كثير ممن حوله من ذوي النفوس الضعيفة. تُرَى أيُّهما أَولى: الصبر على مدير العمل واسترضاؤه، وتوطين النفس على تقبُّله، واختلاق أعذار له ربما لا يلتمسها هو لنفسه، وتبرير أخطائه وأفعاله بحنكة، أم الصبر على الآباء؟ الأب أولى بهذا، وقد قدَّم لنا ما لا نُحصيه من أفضال، فاطردي عنكِ الشيطان الذي يثير أحزان قلبكِ، ولا يجعل أمامكِ نافذة تَصُبِّين فيها هذه الأحزان إلا والدكِ، وما أراد بهذا تنقية قلبكِ، بل أراد لكِ أن تَخسري الدنيا والآخرة، حفِظكِ الله، وغسَل قلبكِ برحمته، وجعلكِ من البررة. لا تتركي لنفسكِ العنان في الغضب والقطيعة، ومتى ما صفا لكِ والدكِ، فتجاوبي معه، ولا تحرمي نفسكِ من جلسة معه أبدًا؛ فالقرب والسمر والمزاح الذي تهربين منه اليوم، وترفضينه عقابًا له على قسوته في بعض الأحيان - سوف تتمنينه غدًا ولن تَجديه؛ فلا تحرمي نفسكِ من خير عظيم، وحب جميل، وحماية آمنة فطرية، جعل الله الأب مصدرها. ولا تنسي أن ذلك الأب نفسه هو مجرد رجل يحمل موروثًا نفسيًّا تربى هو عليه، ربما يرفضه، ولكنه لا يستطيع التخلص منه، وها أنتِ اعترفتِ أنه بعد فترة من الجفاء هو يحددها، يعود إليكِ مازحًا متوددًا، فاصفحي عنه يا بنيتي، فالحياة التي يواجهها في الخارج قاسية، والناس فيهم قسوة، فإن لم يجد الأب من بناته البشاشة والرضا، كيف سيتعلمها ويعاملهم بها لاحقًا؟ ثم إنكِ إن حاولتِ أن تصفحي عنه؛ رحمة به وشفقة عليه، وتجاوزًا منكِ، لعل الله يتجاوز عنكِ، فاغفري له طاعة لله، وليس لأجله هو. ألم تشعري يومًا بثقل الوضوء في الشتاء مثلًا، وبأهمية المال وقت الحاجة، ومع ذلك تتوضَّئين وتنفقين طاعةً لله؟ اعتبري خفض الجناح لوالدكِ مثل هذه الأمور، فهو طاعة واجبة، إن سمحت بها نفسكِ وأنتِ راغبة محبة مسرورة، فنعمَ بها، وإن أبت نفسكِ ذلك، فلتُقبلي على استرضائه؛ طاعة لله وليس لشخصه، وتذكَّري قول رسولنا الكريم صلوات الله عليه وسلامه: ((الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئتَ، فأضِعْ ذلك الباب أو احفظه)). لو نظرتِ لعلاقتكِ بصديقاتكِ، لوجدتِ فيها عفوًا وتجاوزًا، فالوالدان أولى بهذا كله، فانبذي عن نفسكِ الحزن والشعور بالخذلان؛ حيث تمنَّيت منه الحب وبادَر بالجفاء، ودرِّبي نفسكِ على أن الكمال لله وحده، هو مَن يعطي بلا مقابل، ويرحَم بلا مِنة، فلا ترفعي سقف طموحاتكِ في بشر مهما كان؛ لأنه في الأصل مخلوق ضعيف مثلكِ، وربما كان أضعف. أصلَح الله قلبكِ وبالكِ، ورزَقكِ برَّ والديكِ، ورزَقكِ حبَّهما كما تتمنَّينه صافيًا غدقًا آمنًا.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |