|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#331
|
||||
|
||||
![]() ![]() كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي المجلد السابع الحلقة (331) صــــــــــ 372 الى صـــــــــــ 379 نسائه والغزو بالنساء أولا لو كان فيه مكروه بأن يخاف على المسلمات أن يؤتى بهن بلاد الحرب فيسبين أولى أن يمنع من رجل أصار جارية في ملكه في بلاد الحرب يغلبون عليها فيسترق ولد إن كان في بطنها وليس هذا كما قال أبو يوسف وهو كما قال الأوزاعي قد أصاب المسلمون نساءهم المسلمات ومن كان من سبائهم وما نساؤهم إلا كهم فإذا غزوا أهل قوة بجيش فلا بأس أن يغزوا بالنساء وإن كانت الغارة التي إنما يغير فيها القليل على الكثير فيغنمون من بلادهم إنما ينالون غرة وينحبون ركضا كرهت الغزو بالنساء في هذا الحال وأما ما ذكر أبو يوسف من النفل فإن الخمس في كل ما أوجف عليه المسلمون من صغيره وكبيره بحكم الله إلا السلب للقاتل في الإقبال الذي جعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمن قتل. وأما ما ذكر من أمر بدر فإنما كانت الأنفال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال الله عز وجل {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول} [الأنفال: 1] فردها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المسلمين ثم نزل عليه منصرفه من بدر {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول} [الأنفال: 41] فجعل الله له ولمن سمي معه الخمس وجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمن أوجف الأربعة الأخماس بالحضور للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهم. [بيع السبي في دار الحرب] قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - أكره أن يبيعها حتى يخرجها إلى دار الإسلام قال الأوزاعي لم يزل المسلمون يتبايعون السبايا في أرض الحرب ولم يختلف في ذلك اثنان حتى قتل الوليد قال أبو يوسف ليس يؤخذ في الحكم في الحلال والحرام بمثل هذا أن يقول لم يزل الناس على هذا فأكثر ما لم يزل الناس عليه مما لا يحل ولا ينبغي مما لو فسرته لك لعرفته وأبصرته عليه العامة مما قد نهى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما يؤخذ في هذا بالسنة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعن السلف من أصحابه ومن قوم فقهاء، وإذا كان وطؤها مكروها فكذلك بيعها لأنه لم يحرزها بعد. (قال الشافعي) : «قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أموال خيبر بخيبر وجميع مالها دار شرك وهم غطفان ودفعها إلى يهود، وهم له صلح معاملة بالنصف لأنهم يمنعونها بعده - صلى الله عليه وسلم - وأنفسهم به وقسم سبي بني المصطلق وما حوله دار كفر ووطئ المسلمون» ولسنا نعلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قفل من غزاة حتى يقسم السبي فإذا قسم السبي فلا بأس بابتياعه وإصابته والابتياع أخف من القسم ولا يحرم في بلاد الحرب بيع رقيق ولا طعام ولا شيء غيره. [الرجل يغنم وحده] قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - إذا خرج الرجل والرجلان من المدينة أو من المصر فأغارا في أرض الحرب فما أصابا بها فهو لهما ولا يخمس قال الأوزاعي إذا خرجا بغير إذن الإمام فإن شاء عاقبهما وحرمهما وإن شاء خمس ما أصابا ثم قسمه بينهما وقد كان هرب نفر من أهل المدينة كانوا أسارى في أرض الحرب بطائفة من أموالهم فنفلهم عمر بن عبد العزيز ما خرجوا به بعد الخمس وقال أبو يوسف قول الأوزاعي يناقض بعضه بعضا ذكر في أول هذا الكتاب أن من قتل قتيلا فله سلبه وأن السنة جاءت بذلك وهو مع الجند والجيش إنما قوي على قتله بهم، وهذا الواحد الذي ليس معه جند ولا جيش إنما هو لص أغار يخمس ما أصاب فالأول أحرى أن يخمس وكيف يخمس فيئا مع هذا ولم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب وقد قال الله عز وجل في كتابه {وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب} [الحشر: 6] وقال {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول} [الحشر: 7] فجعل الفيء في هذه الآية لهؤلاء دون المسلمين وكذلك هذا الذي ذهب وحده حتى أصاب فهو له ليس معه فيه شريك ولا خمس وقد خالف قوله عمر بن عبد العزيز هؤلاء أسرى أرأيت قوما من المسلمين خرجوا بغير أمر الإمام فأغاروا في دار الحرب ثم انفلتوا من أيديهم وخرجوا بغنيمة فهل يسلم ذلك لهم؟ أرأيت إن خرج قوم من المسلمين يحتطبون أو يتصيدون أو لعلف أو لحاجة فأسرهم أهل الحرب ثم انفلتوا من أيديهم بغنيمة هل تسلم لهم؟ وإن ظفروا بتلك الغنيمة قبل أن يأسرهم أهل الحرب هل تسلم لهم؟ فإن قال به فقد نقض قوله وإن قال لا فقد خالف عمر بن عبد العزيز. (قال الشافعي) - رحمه الله تعالى - «بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمرو بن أمية الضمري ورجلا من الأنصار سرية وحدهما» وبعث عبد الله بن أنيس سرية وحده فإذا سن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الواحد يتسرى وحده وأكثر منه من العدد ليصيب من العدو غرة بالحيلة أو يعطب فيعطب في سبيل الله، وحكم الله بأن ما أوجف عليه المسلمون فيه الخمس وسن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أربعة أخماسه للموجفين فسواء قليل الموجفين وكثيرهم لهم أربعة أخماس ما أوجفوا عليه والسلب لمن قتل منهم والخمس بعده حيث وضعه الله ولكنا نكره أن يخرج القليل إلى الكثير بغير إذن الإمام وسبيل ما أوجفوا عليه بغير إذن الإمام كسبيل ما أوجفوا عليه بإذن الإمام، ولو زعمنا أن من خرج بغير إذن الإمام كان في معنى السارق زعمنا أن جيوشا لو خرجت بغير إذن الإمام كانت سراقا وأن أهل حصن من المسلمين لو جاءهم العدو فحاربوهم بغير إذن الإمام كانوا سراقا وليس هؤلاء بسراق بل هؤلاء المطيعون لله المجاهدون في سبيل الله المؤدون ما افترض عليهم من النفير والجهاد، والمتناولون نافلة الخير والفضل فأما ما احتج به من قول الله عز وجل {فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب} [الحشر: 6] وحكم الله في أن ما لا يوجفون عليه بخيل ولا ركاب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن سمي معه فإنما أولئك قوم قاتلوا بالمدينة بني النضير فقاتلوهم بين بيوتهم لا يوجفون بخيل ولا ركاب ولم يكلفوا مؤنة ولم يفتتحوا عنوة وإنما صالحوا وكان الخمس لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن ذكر معهم والأربعة الأخماس التي تكون لجماعة المسلمين لو أوجفوا الخيل والركاب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خالصا يضمها حيث يضع ماله ثم أجمع أئمة المسلمين على أن ما كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ذلك فهو لجماعة المسلمين لأن أحدا لا يقوم بعده مقامه - صلى الله عليه وسلم - ولو كانت حجة أبي يوسف في اللذين دخلا سارقين أنهما لم يوجفا بخيل ولا ركاب كان ينبغي أن يقول يخمس ما أصابا وتكون الأربعة الأخماس لهما لأنهما موجفان فإن زعم أنهما غير موجفين انبغى أن يقول هذا لجماعة المسلمين أو الذين زعم أنهم ذكروا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سورة الحشر فما قال بما تأول ولا بكتاب في الخمس فإن الله عز وجل أثبته في كل غنيمة تصير من مشرك أوجف عليها أو لم يوجف. [في الرجلين يخرجان من العسكر فيصيبان جارية فيتبايعانها] قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - إذا خرج رجلان متطوعان من عسكر فأصابا جارية والعسكر في دار الحرب فاشترى أحدهما حصة الآخر منه أنه لا يجوز ولا يطؤها المشتري وقال الأوزاعي ليس لأحد أن يحرم ما أحل الله فإن وطأه إياها مما أحل الله له كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبعده «وإن المسلمين غدوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصفية إلى جانبه فقالوا يا رسول الله هل في بنت حيي من بيع؟ فقال إنها قد أصبحت كنتكم فاستدار المسلمون حتى ولوا ظهورهم» وقال أبو يوسف إن خيبر كانت دار إسلام فظهر عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجرى عليها حكمه وعاملهم على الأموال فليس بشبيه خيبر ما يذكر الأوزاعي وما يعني به وقد نقض قوله في هذين الرجلين قوله الأول حيث زعم في الأول أنهم يعاقبون ويؤخذ ما معهم ثم زعم ههنا أنه جائز في الرجلين. (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وقد وصفنا أمر خيبر وغيرها في الوطء في المسائل قبل هذا وليس هذا كما قالا وهو أن اللذين أصابا الجارية ليست لهما الخمس فيها لمن جعله الله له في سورة الأنفال وسورة الحشر ولهما أربعة أخماسها فيقاسمهما الإمام بالقيمة والبيع كما يفعل الشركاء ثم يكون وطؤها لمن اشتراها بعد استبرائها في بلاد الحرب كان أو غيرها. [إقامة الحدود في دار الحرب] قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - إذا غزا الجند أرض الحرب وعليهم أمير فإنه لا يقيم الحدود في عسكره إلا أن يكون إمام مصر والشام والعراق أو ما أشبهه فيقيم الحدود في عسكره وقال الأوزاعي من أمر على جيش وإن لم يكن أمير مصر من الأمصار أقام الحدود في عسكره غير القطع حتى يقفل من الدرب فإذا قفل قطع وقال أبو يوسف ولم يقم الحدود غير القطع وما للقطع من بين الحدود إذا خرج من الدرب فقد انقطعت ولايته عنهم لأنه ليس بأمير مصر ولا مدينة إنما كان أمير الجند في غزوهم فلما خرجوا إلى دار الإسلام انقطعت العصمة عنهم. أخبرنا بعض أشياخنا عن مكحول عن زيد بن ثابت أنه قال لا تقام الحدود في دار الحرب مخافة أن يلحق أهلها بالعدو والحدود في هذا كله سواء. حدثنا بعض أشياخنا عن ثور بن يزيد عن حكيم بن عمير أن عمر كتب إلى عمير بن سعد الأنصاري وإلى عماله أن لا يقيموا حدا على أحد من المسلمين في أرض الحرب حتى يخرجوا إلى أرض المصالحة وكيف يقيم أمير سرية حدا وليس هو بقاض ولا أمير يجوز حكمه أورأيت القواد الذين على الخيول أو أمراء الأجناد يقيمون الحدود في دار الإسلام فكذلك هم إذا دخلوا دار الحرب. (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : يقيم أمير الجيش الحدود حيث كان من الأرض إذا ولي ذلك فإن لم يول فعلى الشهود الذين يشهدون على الحد أن يأتوا بالمشهود عليه إلى الإمام وإلى ذلك ببلاد الحرب أو ببلاد الإسلام ولا فرق بين دار الحرب ودار الإسلام فيما أوجب الله على خلقه من الحدود لأن الله عز وجل يقول {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} [المائدة: 38] {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} [النور: 2] وسن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الزاني الثيب الرجم وحد الله القاذف ثمانين جلدة لم يستثن من كان في بلاد الإسلام ولا في بلاد الكفر ولم يضع عن أهله شيئا من فرائضه ولم يبح لهم شيئا مما حرم عليهم ببلاد الكفر ما هو إلا ما قلنا فهو موافق للتنزيل والسنة وهو مما يعقله المسلمون ويجتمعون عليه أن الحلال في دار الإسلام حلال في بلاد الكفر والحرام في بلاد الإسلام حرام في بلاد الكفر فمن أصاب حراما فقد حده الله على ما شاء منه ولا تضع عنه بلاد الكفر شيئا أو أن يقول قائل إن الحدود بالأمصار وإلى عمال الأمصار فمن أصاب حدا ببادية من بلاد الإسلام فالحد ساقط عنه وهذا مما لم أعلم مسلما يقوله ومن أصاب حدا في المصر ولا والي للمصر يوم يصيب الحد كان للوالي الذي يلي بعدما أصاب أن يقيم الحد فكذلك عامل الجيش إن ولي الحد أقامه وإن لم يول الحد فأول من يليه يقيمه عليه وكذلك هو في الحكم والقطع ببلاد الحرب وغير القطع سواء فأما قوله يلحق بالمشركين فإن لحق بهم فهو أشقى له ومن ترك الحد خوف أن يلحق المحدود ببلاد المشركين تركه في سواحل المسلمين ومسالحهم التي اتصلت ببلاد الحرب مثل طرسوس والحرب وما أشبههما وما روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - منكر غير ثابت وهو يعيب أن يحتج بحديث غير ثابت ويقول حدثنا شيخ ومن هذا الشيخ؟ يقول مكحول عن زيد بن ثابت. [ما عجز الجيش عن حمله من الغنائم] قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - وإذا أصاب المسلمون غنائم من متاع أو غنم فعجزوا عن حمله ذبحوا الغنم وحرقوا المتاع وحرقوا لحوم الغنم كراهية أن ينتفع بذلك أهل الشرك وقال الأوزاعي نهى أبو بكر أن تعقر بهيمة إلا لمأكلة وأخذ بذلك أئمة المسلمين وجماعتهم حتى إن كان علماؤهم ليكرهون للرجل ذبح الشاة والبقرة ليأكل طائفة منها ويدع سائرها. وبلغنا أنه من قتل نحلا ذهب ربع أجره ومن عقر جوادا ذهب ربع أجره وقال أبو يوسف قول الله في كتابه أحق أن يتبع قال الله {ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين} [الحشر: 5] واللينة فيما بلغنا النخلة وكل ما قطع من شجرهم وحرق من نخلهم ومتاعهم فهو من العون عليهم والقوة وقال الله عز وجل {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} [الأنفال: 60] وإنما كره المسلمون أن يحرقوا النخل والشجر لأن الصائفة كانت تغزو كل عام فيتقوون بذلك على عدوهم ولو حرقوا ذلك خافوا أن لا تحملهم البلاد والذي في تخريب ذلك من خزي العدو ونكايتهم أنفع للمسلمين وأبلغ ما يتقوى به الجند في القتال حدثنا بعض مشايخنا «عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه حين حاصر الطائف أمر بكرم لبني الأسود ابن مسعود أن يقطع حتى طلب بنو الأسود إلى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يطلبوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يأخذها لنفسه ولا يقلعها فكف عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -» . (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أما كل ما لا روح فيه للعدو فلا بأس أن يحرقه المسلمون ويخربوه بكل وجه لأنه لا يكون معذبا إنما المعذب ما يألم بالعذاب من ذوات الأرواح قد قطع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أموال بني النضير وحرقها وقطع من أعناب الطائف وهي آخر غزاة غزاها النبي - صلى الله عليه وسلم - لقي فيها حربا وأما ذوات الأرواح فإن زعم أنها قياس على ما لا روح فيه فليقل للمسلمين أن يحرقوها كما لهم أن يحرقوا النخل والبيوت فإن زعم أن المسلمين ذبحوا ما يذبح منها فإنه إنما أحل ذبحها للمنفعة أن تكون مأكولة. (قال الشافعي) : وقد أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن صهيب مولى عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «من قتل عصفورا بغير حقها حوسب بها قيل وما حقها؟ قال أن يذبحها فيأكلها ولا يقطع رأسها فيرمي به» . (قال الشافعي) : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المصبورة عن أكلها فقد أحل إماتة ذوات الأرواح لمعنيين أحدهما أن يقتل ما كان فيه ضرر لضرره وما كان فيه المنفعة للأكل منه وحرم أن تعذب التي لا تضر لغير منفعة الأكل فإذا ذبحنا غنم المشركين في غير الموضع الذي نصل فيه إلى أكل لحومها فيه فهو قتل لغير منفعة وهم يتقوون بلحومها وجلودها فلم نشك في أن يتقوى بها المشركون حين ذبحناها وإنما أراد أن يذبحها قطعا لقوتهم فإن قال ففي ذبحها قطع للمنفعة لهم فيها في الحياة قيل قد تنقطع المنفعة عنهم بأبنائهم لو ذبحناهم وشيوخهم والرهبان لو ذبحناهم فليس كل ما قطع المنفعة وبلغ غيظهم حل لنا فما حل لنا منه فعلناه وما حرم علينا تركناه وما شككنا فيه أنه يحل أو يحرم تركناه وإذا كان يحل لنا لو أطعمناهم من طعامنا فليس يحرم علينا لو تركنا أشياء لهم إذا لم نقدر على حملها كما ليس بمحرم علينا أن نترك مساكنهم أو نخيلهم لا نحرقها فإذا كان مباحا أن نترك هذا لهم وكنا ممنوعين أن نقتل ذا الروح المأكول إلا للمنفعة بالأكل كان الأولى بنا أن نتركه إذا كان ذبحه لغير منفعة. [قطع أشجار العدو] قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى: لا بأس بقطع شجر المشركين ونخيلهم وتحريق ذلك لأن الله عز وجل يقول {ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله} [الحشر: 5] وقال الأوزاعي أبو بكر يتأول هذه الآية وقد نهى عن ذلك وعمل به أئمة المسلمين وقال أبو يوسف أخبرنا الثقة من أصحابنا عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنهم كانوا وهم محاصرو بني قريظة إذا غلبوا على دار من دورهم أحرقوها فكان بنو قريظة يخرجون فينقضونها ويأخذون حجارتها ليرموا بها المسلمين وقطع المسلمون نخلا من نخلهم فأنزل الله عز وجل {يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين} [الحشر: 2] وأنزل الله عز وجل {ما قطعتم من لينة أو تركتموها} [الحشر: 5] قال وأخبرنا محمد بن إسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط قال لما بعث أبو بكر خالد بن الوليد إلى طليحة وبني تميم قال أي واد أو دار غشيتها فأمسك عنها إن سمعت أذانا حتى تسألهم ما يريدون وما ينقمون وأي دار غشيتها فلم تسمع منها أذانا فشن عليهم الغارة واقتل وحرق ولا نرى أن أبا بكر نهى عن ذلك بالشام إلا لعلمه بأن المسلمين سيظهرون عليها ويبقى ذلك لهم فنهى عنه لذلك فيما نرى لا أن تخريب ذلك وتحريقه لا يحل ولكن من مثل هذا توجيه. حدثنا بعض أشياخنا عن عبادة بن نسي عن عبد الرحمن بن غنم أنه قيل لمعاذ بن جبل إن الروم يأخذون ما حسر من خيلنا فيستلقحونها ويقاتلون عليها أفنعقر ما حسر من خيلنا؟ قال ليسوا بأهل أن ينقصوا منكم إنما هم غدا رقكم وأهل ذمتكم. قال أبو يوسف - رحمه الله تعالى - إنما الكراهية عندنا لأنهم كانوا لا يشكون في الظفر عليهم وأن الأمر في أيديهم لما رأوا من الفتح فأما إذا اشتدت شوكتهم وامتنعوا فإنا نأمر بحسير الخيل أن يذبح ثم يحرق لحمه بالنار حتى لا ينتفعون به ولا يتقوون منه بشيء وأكره أن نعذبه أو نعقره لأن ذلك مثلة. (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : يقطع النخل ويحرق وكل ما لا روح فيه كالمسألة قبلها ولعل أمر أبي بكر بأن يكفوا عن أن يقطعوا شجرا مثمرا إنما هو لأنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخبر أن بلاد الشام تفتح على المسلمين فلما كان مباحا له أن يقطع ويترك اختار الترك نظرا للمسلمين وقد «قطع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بني النضير فلما أسرع في النخل قيل له قد وعدكها الله فلو استبقيتها لنفسك فكف القطع» استبقاء لا أن القطع محرم فإن قال قائل: قد ترك في بني النضير قيل ثم قطع بالطائف وهي بعد هذا كله وآخر غزاة لقي فيها قتالا. [باب ما جاء في صلاة الحرس] قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى: إذا كان الحرس يحرسون دار الإسلام أن يدخلها العدو فكان في الحرس من يكتفي به فالصلاة أحب إلي قال الأوزاعي بلغنا أن حارس الحرس يصبح وقد أوجب في ما لم يمض في هذا المصلى مثل هذا الفضل قال أبو يوسف - رحمه الله تعالى - إذا احتاج المسلمون إلى حرس فالحرس أفضل من الصلاة فإذا كان في الحرس من يكفيه ويستغنى به فالصلاة لأنه قد يحرس أيضا وهو في الصلاة حتى لا يغفل عن كثير مما يجب عليه من ذلك فيجمع أجرهما أفضل. أخبرنا محمد بن إسحاق والكلبي «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نزل واديا فقال من يحرسنا في هذا الوادي الليلة؟ فقال رجلان نحن فأتيا رأس الوادي وهما مهاجري وأنصاري فقال أحدهما لصاحبه أي الليل أحب إليك؟ فاختار أحدهما أوله والآخر آخره فنام أحدهما وقام الحارس يصلي» . (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : إن كان المصلي وجاه الناحية التي لا يأتي العدو إلا منها وكانت الصلاة لا تشغل طرفه ولا سمعه عن رؤية الشخص وسماع الحس فالصلاة أولى لأنه مصل حارس وزائد أن يمتنع بالصلاة من النعاس وإن كانت الصلاة تشغل سمعه وبصره حتى يخاف تضييعه فالحراسة أحب إلا أن يكون الحرس جماعة فيصلي بعضهم دون بعض فالصلاة أعجب إلى إذا بقي من الحرس من يكفي وإذا كان العدو في غير جهة القبلة فكذلك إذا كانوا جماعة أن يصلي بعضهم أحب إلي لأن ثم من يكفيه وإن كان وحده والعدو في غير جهة القبلة فالحراسة أحب إلي من الصلاة تمنعه من الحراسة. [خراج الأرض] وسئل أبو حنيفة - رحمه الله تعالى: أيكره أن يؤدي الرجل الجزية على خراج الأرض؟ فقال لا إنما الصغار خراج الأعناق وقال الأوزاعي بلغنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «من يدل طائعا فليس منا» وقال عبد الله بن عمر وهو المرتد على عقبيه وأجمعت العامة من أهل العلم على الكراهية لها وقال أبو يوسف - رحمه الله تعالى - القول ما قال أبو حنيفة لأنه كان لعبد الله بن مسعود ولخباب بن الأرت وللحسين بن علي ولشريح أرض خراج. حدثنا مجالد عن عامر الشعبي عن عتبة بن فرقد السلمي أنه قال لعمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - إني اشتريت أرضا من أرض السواد فقال عمر أكل أصحابها أرضيت؟ قال لا قال فأنت فيها مثل صاحبها حدثنا ابن أبي ليلى عن الحكم بن عتبة أن دهاقين السواد من عظمائهم أسلموا في زمان عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - وعلي بن أبي طالب ففرض عمر على الذين أسلموا في زمانه ألفين ألفين وقال أبو يوسف - رحمه الله تعالى: ولم يبلغنا عن أحد منهم أنه أخرج هؤلاء من أرضهم وكيف الحكم في أرض هؤلاء؟ أيكون الحكم لهم أم لغيرهم؟ . (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أما الصغار الذي لا شك فيه فجزية الرقبة التي يحقن بها الدم وهذه لا تكون على مسلم وأما خراج الأرض فلا يبين أنه صغار من قبل أن لا يحقن به الدم، الدم محقون بالإسلام وهو يشبه أن يكون ككراء الأرض بالذهب والورق وقد اتخذ أرض الخراج قوم من أهل الورع والدين وكرهه قوم احتياطا. [شراء أرض الجزية] وسئل أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - عن الرجل المسلم يشتري أرضا من أرض الجزية فقال هو جائز وقال الأوزاعي - رحمه الله تعالى - لم تزل أئمة المسلمين ينهون عن ذلك ويكتبون فيه ويكرهه علماؤهم وقال أبو يوسف - رحمه الله تعالى: القول ما قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى -. (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وقد أجبتك في هذا. [المستأمن في دار الإسلام] وسئل أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - عن قوم من أهل الحرب خرجوا مستأمنين للتجارة فزنى بعضهم في دار الإسلام أو سرق هل يحد؟ قال لا حد عليه ويضمن السرقة لأنه لم يصالح ولم تكن له ذمة قال الأوزاعي - رحمه الله تعالى - تقام عليه الحدود وقال أبو يوسف - رحمه الله تعالى: القول ما قال أبو حنيفة ليس تقام عليه الحدود لأنهم ليسوا بأهل ذمة لأن الحكم لا يجري عليهم أرأيت إن كان رسولا لملكهم فزنى أترجمه؟ أرأيت إن زنى رجل بامرأة منهم مستأمنة أترجمها؟ أرأيت إن لم أرجمهما حتى عادا إلى دار الحرب ثم خرجا بأمان ثانية أمضي عليهما ذلك الحد أرأيت إن سبيا أيمضي عليهما حد الحر أم حد العبد وهما رقيق لرجل من المسلمين؟ أرأيت إن لم يخرجا ثانية فأسلم أهل تلك الدار وأسلماهما أو صارا ذمة أيؤخذان؟ وإن أخذوا بذلك في دار الحرب ثم خرجوا إلينا أنقيم عليهم الحد. (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : إذا خرج أهل دار الحرب إلى بلاد الإسلام بأمان فأصابوا حدودا فالحدود عليهم وجهان فما كان منها لله لا حق فيه للآدميين فيكون لهم عفوه وإكذاب شهود شهدوا لهم به فهو معطل لأنه لا حق فيه لمسلم إنما هو لله ولكن يقال لهم لم تؤمنوا. على هذا فإن كففتم وإلا رددنا عليكم الأمان وألحقناكم بمأمنكم فإن فعلوا ألحقوهم بمأمنهم ونقضوا الأمان بينهم وبينهم وكان ينبغي للإمام إذا أمنهم أن لا يؤمنهم حتى يعلمهم أنهم إن أصابوا حدا أقامه عليهم وما كان من حد للآدميين أقيم عليهم ألا ترى أنهم لو قتلوا قتلناهم؟ فإذا كنا مجتمعين على أن نقيد منهم حد القتل لأنه للآدميين كان علينا أن نأخذ منهم كل ما كان دونه من حقوق الآدميين مثل القصاص في الشجة وأرشها ومثل الحد في القذف. والقول في السرقة قولان أحدهما أن يقطعوا ويغرموا من قبل أن الله عز وجل منع مال المسلم بالقطع وأن المسلمين غرموا من استهلك مالا غير السرقة وهذا مال مستهلك فغرمناه قياسا عليه والقول الثاني أن يغرم المال ولا يقطع لأن المال للآدميين والقطع لله فإن قال قائل فما فرق بين حدود الله وحقوق الآدميين؟ قيل أرأيت الله عز وجل ذكر المحارب وذكر حده ثم قال {إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم} [المائدة: 34] ولم يختلف أكثر المسلمين في أن رجلا لو أصاب لرجل دما أو مالا ثم تاب أقيم عليه ذلك فقد فرقنا بين حدود الله عز وجل وحقوق الآدميين بهذا وبغيره. [بيع الدرهم بالدرهمين في أرض الحرب] قال أبو حنيفة - رضي الله تعالى عنه - لو أن مسلما دخل أرض الحرب بأمان فباعهم الدرهم بالدرهمين لم يكن بذلك بأس لأن أحكام المسلمين لا تجري عليهم فبأي وجه أخذ أموالهم برضا منهم فهو جائز قال الأوزاعي الربا عليه حرام في أرض الحرب وغيرها لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد وضع من ربا أهل الجاهلية ما أدركه الإسلام من ذلك وكان أول ربا وضعه ربا العباس بن عبد المطلب فكيف يستحل المسلم أكل الربا في قوم قد حرم الله تعالى عليه دماءهم وأموالهم؟ وقد كان المسلم يبايع الكافر في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا يستحل ذلك وقال أبو يوسف القول ما قال الأوزاعي لا يحل هذا ولا يجوز وقد بلغتنا الآثار التي ذكر الأوزاعي في الربا وإنما أحل أبو حنيفة هذا لأن بعض المشيخة حدثنا عن مكحول عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «لا ربا بين أهل الحرب» وقال أبو يوسف وأهل الإسلام في قولهم أنهم لم يتقابضوا ذلك حتى يخرجوا إلى دار الإسلام أبطله ولكنه كان يقول إذا تقابضوا في دار الحرب قبل أن يخرجوا إلى دار الإسلام فهو مستقيم. (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : القول كما قال الأوزاعي وأبو يوسف والحجة كما احتج الأوزاعي وما احتج به أبو يوسف لأبي حنيفة ليس بثابت فلا حجة فيه. [في أم ولد الحربي تسلم وتخرج إلى دار الإسلام] قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - في أم ولد أسلمت في دار الحرب ثم خرجت إلى دار الإسلام ليس بها حمل أنها تزوج إن شاءت ولا عدة عليها وقال الأوزاعي أي امرأة هاجرت إلى الله بدينها فحالها كحال المهاجرات لا تزوج حتى تنقضي عدتها (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : مثلها تستبرأ بحيضة لا ثلاث حيض. [المرأة تسلم في أرض الحرب] قال أبو حنيفة - رضي الله تعالى عنه - في امرأة أسلمت من أهل الحرب وخرجت إلى دار الإسلام وليست بحبلى أنه لا عدة عليها ولو أن زوجها طلقها لم يقع عليها طلاقه قال الأوزاعي بلغنا أن المهاجرات قدمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأزواجهن بمكة مشركون فمن أسلم منهم فأدرك امرأته في عدتها ردها عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال أبو يوسف - رحمه الله تعالى - على أم الولد العدة وعلى المرأة الحرة العدة كل واحدة منهن ثلاث حيض لا يتزوجن حتى تنقضي عددهن ولا سبيل لأزواجهن ولا للموالي عليهن آخر الأبد أخبرنا الحجاج بن أرطاة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو «عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه رد زينب إلى زوجها بنكاح جديد» وإنما قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - ولا عدة عليهن «لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السبايا يوطأن إذا استبرئن بحيضة» فقال السباء والإسلام سواء قال أبو يوسف - رحمه الله تعالى -. حدثنا الحجاج عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس - رضي الله عنهما - «أن عبدين خرجا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الطائف فأعتقهما» . وحدثنا بعض أشياخنا «أن أهل الطائف خاصموا في عبيد خرجوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعتقهم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولئك عتقاء الله» . (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : إذا خرجت امرأة الرجل من دار الحرب مسلمة وزوجها كافر مقيم بدار الحرب لم تزوج حتى تنقضي ![]()
__________________
|
#332
|
||||
|
||||
![]() ![]() كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي المجلد السابع الحلقة (332) صــــــــــ 380 الى صـــــــــــ 385 عدتها كعدة الطلاق فإن قدم زوجها مهاجرا مسلما قبل انقضاء عدتها فهما على النكاح الأول وكذلك لو خرج زوجها قبلها ثم خرجت قبل أن تنقضي عدتها مسلمة كانا على النكاح الأول ولو أسلم أحد الزوجين وهما في دار الحرب فكذلك لا فرق بين دار الحرب ودار الإسلام في هذا، ألا ترى أنهما لو كانا في دار الحرب وقد أسلم أحدهما لم يحل واحد منهما لصاحبه حتى يسلم الآخر إلا أن تكون المرأة كتابية والزوج المسلم فيكونا على النكاح لأنه يصلح للمسلم أن يبتدئ بالنكاح كتابية، فإن قال قائل ما دل على أن الدار في هذا وغير الدار سواء؟ قيل «أسلم أبو سفيان بن حرب بمر وهي دار خزاعة وهي دار إسلام وامرأته هند بنت عتبة كافرة مقيمة بمكة وهي دار كفر ثم أسلمت هند في العدة فأقرهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على النكاح» وأسلم أهل مكة وصارت مكة دار إسلام «وأسلمت امرأة صفوان بن أمية وامرأة عكرمة بن أبي جهل وهما مقيمان في دار الإسلام وهرب زوجاهما إلى ناحية البحرين باليمن يجوز وهي دار كفر ثم رجعا فأسلما وأزواجهما في العدة فأقرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على النكاح الأول» ولا أن يكون يروي حديثا يخالف بعضه وإذا خرجت أم ولد الحربي مسلمة لم تنكح حتى ينقضي استبراؤها وهي حيضة لا ثلاث حيض وأم الولد مخالفة للزوجة أم الولد مملوكة فإذا خرجت إلى دار الإسلام من دار الكفر فقد عتقت «أعتق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمسة عشر عبدا من عبيد الطائف خرجوا مسلمين وسأل ساداتهم بعدما أسلموا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال أولئك عتقاء الله» ولم يردهم ولم يعوضهم منهم. غير أن من أصحابنا من زعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «من خرج إلينا من عبد فهو حر» فقال إذا قال ذلك الإمام أعتقهم وإذا لم يقل أجعلهم على الرق ومنهم من قال يعتقون قاله الإمام أو لم يقله وبهذا القول نقول إذا خرجت أم الولد فهي حرة ولو سبقت سيدها الحرة لأنها تخرج من رق حال المسبية استؤميت واسترقاقها بعد الحرية أكثر من انفساخ ما بينها وبين زوجها وتستبرأ بحيضة ولا سبيل لزوجها الأول عليها. وكذلك أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سبي هوازن ولم يسأل عن ذات زوج ولا غيرها أو لا ترى أن الأمة تخرج مملوكة فتصير حرة فكيف يجوز أن يجمع بين اثنين مختلفين هذه تسترق بعد الحرية وتلك تعتق بعد الرق. [الحربية تسلم فتزوج وهي حامل] قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - إذا كانت المرأة المسلمة التي جاءت من دار الحرب حاملا فتزوجت فنكاحها فاسد وقال الأوزاعي ذلك في السبايا فأما المسلمات فقد مضت السنة أن أزواجهن أحق بهن إذا أسلموا في العدة وقال أبو يوسف - رحمه الله تعالى - إن تزوجهن فاسد وإنما قاس أبو حنيفة هذا على السبايا على قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «لا توطأ الحبالى من الفيء حتى يضعن» قال فكذلك المسلمات. (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : إذا سبيت المرأة حاملا لم توطأ بالملك حتى تضع وإن خرجت مسلمة فنكحت قبل أن تضع فالنكاح مفسوخ وإذا خرج زوجها قبل أن تضع فهو أحق بها ما كانت العدة وهذه معتدة وهذه مثل المسألة الأولى. [في الحربي يسلم وعنده خمس نسوة] قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - في رجل من أهل دار الحرب تزوج خمس نسوة في عقدة ثم أسلم هو وهن جميعا وخرجوا إلى دار الإسلام: إنه يفرق بينه وبينهن وقال الأوزاعي بلغنا أنه قال أيتهن شاء وقال أبو يوسف - رحمه الله - ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو كما قال وقد بلغنا من هذا ما قال الأوزاعي وهو عندنا شاذ والشاذ من الحديث لا يؤخذ به لأن الله تبارك وتعالى لم يحل إلا نكاح الأربع فما كان من فوق ذلك كله فحرام من الله في كتابه فالخامسة ونكاح الأم والأخت سواء في ذلك كله حرام فلو أن حربيا تزوج أما وابنتها أكنت أدعهما على النكاح أو تزوج أختين في عقدة النكاح ثم أسلموا أكنت أدعهما على النكاح وقد دخل بالأم والبنت أو بالأختين فكذلك الخمس في عقدة ولو كن في عقد متفرقات جاز نكاح الأربع وفارق الآخرة أخبرنا الحسن بن عمارة عن الحكم بن عتيبة عن إبراهيم أنه قال في ذلك نثبت الأربع الأول ونفرق بينه وبين الخامسة. (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا الثقة أحسبه ابن علية فإن لا يكن ابن علية فالثقة عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه «أن غيلان بن سلمة أسلم وتحته عشر نسوة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمسك أربعا وفارق سائرهن» أخبرنا الثقة عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن عبد المجيد بن عوف عن «نوفل بن معاوية الديلمي قال أسلمت وعندي خمس نسوة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اختر منهن أربعا وفارق واحدة فعمدت إلى عجوز أقدمهن عاقر عندي منذ خمسين أو ستين سنة فطلقتها» . (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : فقال لي قائل كلمنا على حديث الزهري وأعفنا من حديث نوفل بن معاوية الديلي قلت ما ذاك فأفعل؟ قال فقد يحتمل أن يكون قال له أمسك الأوائل وفارق الأواخر قلت وتجده في الحديث أو تجد عليه دلالة منه؟ قال لا ولكن يحتمله قلت ويحتمل أن يكون قال له أمسك أربعا إن كن شبابا وفارق العجائز أو أمسك العجائز وفارق الشباب قال قل كل كلام إلا وهو يحتمل ولكن الحديث على ظاهره قلنا فظاهر الحديث بخلاف ما قلتم ولو لم يكن فيه حديث كنت قد أخطأت أصل قولك قال وأين؟ قلت في النكاح شيئان عقدة وتمام فإن زعمت أنك تنظر في العقدة وتنظر في التمام فتقول أنظر كل نكاح مضى في الشرك فإن كان في الإسلام أجزته فأجيزه وإن كان له كان في الإسلام لم أجزه فأرده تركت أصل قولك قال فأنا أقوله ولا أدع أصل قولي قلت أفرأيت غيلان أليس بوثني ونساؤه وثنيات وشهوده وثنيون؟ قال أجل قلت فلو كان في الإسلام فتزوج بشهود وثنيين أو ولي وثني أيجوز نكاحه؟ قال لا قلت فأحسن حاله في النكاح حال لو ابتدأ فيها النكاح في الإسلام رددته مع أنا نروى أنهم قد ينكحون بغير شهود وفي العدة وما جاز في أهل الشرك إلا واحد من قولين أما ما قلت إن خالف السنة فنفسخه كله ونكلفه بأن يبتدئ النكاح في الإسلام وإما أن لا تنظر إلى العقدة وتجعله معفوا لهم كما عفي لهم ما هو أعظم منه من الشرك والدماء والتباعات وتنظر إلى ما أدركه الإسلام من الأزواج فإن كن عددا أكثر من أربع أمرته بفراق الأكثر لأنه لا يحل الجمع بين أكثر من أربع وإن كن أختين أمرته بفراق إحداهما لأنه لا يحل الجمع بينهما وإن كن ذوات محارم فرقت بينه وبينهن فتكون قد عفوت العقدة ونظرت إلى ما أدركه الإسلام منهن فإن كان يصلح أن يبتدئ نكاحه في الإسلام أقررته معه وإن كان لا يصلح رددته كما حكم الله ورسوله فيما أدرك من المحرم قال الله عز وجل {اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين} [البقرة: 278] الآية إلى قوله {وهم لا يظلمون} [البقرة: 281] ووضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحكم الله كل ربا أدركه الإسلام ولم يقبض ولم يأمر أحدا قبض ربا في الجاهلية أن يرده وهكذا حكم في الأزواج عفا العقدة ونظر فيما أدركه مملوكا بالعقدة فما أحل فيه من العدد أقره وما حرم من العدد نهى عنه. [في المسلم يدخل دار الحرب بأمان فيشتري دارا أو غيرها] سئل أبو حنيفة - رضي الله تعالى عنه - عن رجل مسلم دخل دار الحرب بأمان فاشترى دارا أو أرضا أو رقيقا ثيابا فظهر عليه المسلمون قال أما الدور والأرضون فهي فيء للمسلمين وأما الرقيق والمتاع فهو للرجل الذي اشتراه وقال الأوزاعي «فتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة عنوة فخلى بين المهاجرين وأرضهم ودورهم بمكة ولم يجعلها فيئا» قال أبو يوسف - رحمه الله تعالى - «إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عفا عن مكة وأهلها وقال من أغلق عليه بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن» ونهى عن القتل إلا نفرا قد سماهم إلا أن يقاتل أحدا فيقتل وقال لهم حين اجتمعوا في المسجد «ما ترون أني صانع بكم؟ قالوا خيرا أخ كريم وابن أخ كريم قال اذهبوا فأنتم الطلقاء» ولم يجعل شيئا قليلا ولا كثيرا من متاعهم فيئا وقد أخبرتك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس في هذا كغيره فهذا من ذلك وتفهم فيما أتاك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن لذلك وجوها ومعاني فأما الرجل الذي دخل دار الحرب فالقول فيه كما قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - المتاع والثياب والرقيق للذي اشترى والدور والأرضون فيء لأن الدور والأرضين لا تحول ولا يحوزها المسلم والمتاع والثياب تحرز وتحول. (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : القول ما قال الأوزاعي ولكنه لم يصنع في الحجة بمكة ولا أبو يوسف شيئا لم يدخلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنوة وإنما دخلها سلما وقد سبق لهم أمان والذين قاتلوا وأذن في قتلهم هم أبعاض قتلة خزاعة وليس لهم بمكة دور ولا مال إنما هم قوم هربوا إليها فأي شيء يغنم ممن لا مال له؟ وأما غيرهم ممن خالد بن الوليد بدأهم بالقتال فلم يعقد لهم الأمان وادعى خالد أنهم بدءوه ثم أسلموا قبل أن يظهروا لهم حمى شيء ومن لم يسلم صار إلى قبول الأمان بإلقاء السلاح ودخول داره وقد تقدم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «من أغلق داره فهو آمن ومن ألقى السلاح فهو آمن» فمال من يغنم مال من له أمان ولا غنيمة على مال هذا وما يقتدي فيما صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا بما صنع أرأيت حين قلنا نحن وهو في رجال أهل الحرب المأمور به إن الإمام مخير بين أن يقتلهم أو يفادي بهم أو يمن عليهم أو يسترقهم أليس إنما قلنا ذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سار فيهم بهذه السيرة كلها أفرأيت إن عارضنا أحد بمثل ما عارض به أبو يوسف فقال ليس لإمام بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هذا شيء ولرسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هذا ما ليس للناس أو قال في كل ما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إعطاء السلب وقسم الأربعة الأخماس ليس هذا للإمام هل الحجة عليه إلا أن يقال إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المعلم بين الحق والباطل فما فعل فهو الحق وعلينا أن نفعله فكذلك هي على أبي يوسف ولو دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة عنوة فترك لهم أموالهم قلنا فيما ظهر عليه عنوة لنا أن نترك له ماله كما لنا في الأسارى أن نحكم فيهم أحكاما مختلفة كما حكم فيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن قال قائل قد خص الله رسوله بأشياء قيل كلها مبينة في كتاب الله عز وجل أو سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو فيهما معا ولو جاز إذ كان مخصوصا بشيء فيبينه الله ثم رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يقال في شيء لم يبينه الله عز وجل ثم رسوله - صلى الله عليه وسلم - إنه خاص برسول الله - صلى الله عليه وسلم - دون الناس لعل هذا من الخاص برسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاز ذلك في كل حكمه فخرجت أحكامه من أيدينا ولكن لم يجعل الله هذا لأحد حتى يبين الله ثم رسوله - صلى الله عليه وسلم - أنه خاص وقد أسلم ابنا سعية القرظيان من بني قريظة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - حائم عليهم قد حصرهم فترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهما دورهما وأموالهما من النخل والأرض وغيرها والذي قال أبو حنيفة من هذا خلاف السنة والقياس وكيف يجوز أن يغنم مال المسلم وقد منعه الله بدينه؟ وكيف ولو جاز أن يغنم ماله بكينونته في بلاد الحرب جاز أن يغنم كل ما عليه من ثيابه وفي يديه من ماله ورقيقه أرأيت لو قال رجل لا تغنم دوره ولا أرضوه من قبل أنه لا يقدر على تحويلهما بحال فتركه إياها ليس برضا بأن يقرها بين المشركين إلا بالضرورة ويغنم كل مال استطاع أن يحوله من ذهب أو ورق أو عرض من العروض لأن تركه ذلك في بلاد العدو الذين هو بين أظهرهم رضا منه بأن يكون مباحا ما الحجة عليه؟ هل هي إلا أن الله عز وجل منع بالإسلام دماءهم وأموالهم إلا بحقها فحيث كانوا فحرمة الإسلام لهم ثابتة في تحريم دمائهم وأموالهم ولو جاز هذا عندنا جاز أن يسترق المسلم بين ظهراني المشركين فيكون حكمه حكم من حوله ولكن الله عز وجل فرق بالإسلام بين أهله وغيرهم. [اكتساب المرتد المال في ردته] (قال الشافعي) - رحمه الله تعالى - سئل أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - عن المرتد عن الإسلام إذا اكتسب مالا في ردته ثم قتل على الردة فقال ما اكتسب في بيت المال لأن دمه حلال فحل ماله وقال أبو يوسف - رحمه الله تعالى - مال المرتد الذي كان في دار الإسلام والذي اكتسب في الردة ميراث بين ورثته المسلمين وبلغنا عن علي بن أبي طالب وابن مسعود وزيد بن ثابت - رضي الله تعالى عنهم - أنهم قالوا ميراث المرتد لورثته المسلمين وقال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - إنما هذا فيما كان له قبل الردة وقال أبو يوسف هما سواء ما اكتسب المرتد في الردة وقبل ذلك لا يكون فيئا. (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : كل ما اكتسب المرتد في ردته أو كان له قبل الردة سواء وهو فيء لأن الله تبارك وتعالى منع الدماء بالإسلام ومنع الأموال بالذي منع به الدماء فإذا خرج الرجل من الإسلام إلى أن يباح دمه بالكفر كما كان يكون مباحا قبل أن يسلم يباح معه ماله وكان أهون من دمه لأنه كان ممنوعا تبعا لدمه فلما هتكت حرمة الدم كانت حرمة المال أهتك وأيسر من الدم وليس قتلنا إياه على الردة كقتلنا إياه على الزنا ولا القتل ولا المحاربة تلك حدود لسنا نخرجه بها من أحكام الإسلام وهو فيها وارث موروث كما كان قبل أن يحدثها وليس هكذا المرتد: المرتد يعود دمه مباحا بالقول بالشرك وقال أبو حنيفة يكون ميراث المرتد لورثته من المسلمين فقيل لبعض من يذهب مذهبه ما الحجة لكم في هذا؟ فقالوا روينا عن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - أنه قتل رجلا وورث ميراثه ورثته من المسلمين قلنا أما الحفاظ منكم فلا يروون إلا قتله ولا يروون في ميراثه شيئا ولو كان ثابتا عن علي - رضي الله تعالى عنه - لم يكن فيه حجة عندنا وعندكم لأنا وإياكم نروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلافه. (قال الشافعي) : أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن علي بن الحسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم» . (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أفيعدو المرتد أن يكون كافرا أو مسلما؟ قال بل كافر قلنا فحكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا يرث مسلم كافرا ولا يرث كافر مسلما قال فإن قلت لا يذهب مثل هذا عن علي بن أبي طالب وأقول بهذا الحديث وأقول إنما عنى به بعض الكافرين دون بعض قلنا فيعارضك غيرك بما هو أقوى عليك في الحجة من هذا فيقول إن عليا قد أخبر بحديث الأشجعيين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث بروع بنت واشق فاتهمه ورده وقال بخلافه وقال معه ابن عباس وابن عمر وزيد بن ثابت فزعمت أن لا حجة في أحد مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو كما قلت لو ثبت وزعمت أن عمارا حدث عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر الجنب أن يتيمم» فرده عليه عمر وأقام على أن لا يتيمم الجنب هو وابن مسعود وتأول ابن مسعود فيه القرآن فزعمت أن قول من قال كان أولى من قول من رده وهو كما قلت فكيف لم تقل بمثل هذا في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - «لا يرث المسلم الكافر» وأنت لا تروي عن علي أنه سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أخبر به عنه، وقد روي عن معاذ بن جبل أنه ورث مسلما من ذمي فقال نرثهم ولا يرثونا كما تحل لنا نساؤهم ولا يحل لهم نساؤنا، أفرأيت إن قال قائل بهذا وقال لا يذهب على معاذ شيء حفظه أسامة ولعل النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أراد بهذا مشركي أهل الأوثان دون أهل الكتاب ألا يكون هذا أولى أن يكون له شبهة منك؟ أو رأيت إذ زعمت أن حكم المرتد مخالف في الميراث حكم المشرك غيره لم لم تورثه هو من ورثته من المسلمين كما تورثهم منه فتكون قد قلت قولا واحدا أخرجته فيه من جملة المشركين بما ثبت له من حرمة الإسلام؟ فما قلت فيه بما رويت عن علي - رضي الله تعالى عنه - لأنه لم يقل لا يرث المسلم وإذا ورث عقلنا أنه يورثه ولا بما روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا بالقياس لأن المسلمين الذين أدركنا نحن وأنت لا يختلفون في أن الكافر لا يرث المسلم والمسلم لا يرث الكافر غير ما ادعيت في المرتد وكذلك قالوا في المملوكين وإنما ورثوا في هذين الوجهين من يورثون منه ولم يتحكموا فيورثون من رجل ولا يورثونه. [ذبيحة المرتد] قال أبو حنيفة - رضي الله تعالى عنه - لا تؤكل ذبيحة المرتد وإن كان يهوديا أو نصرانيا لأنه ليس بمنزلته لا يترك المرتد حتى يقتل أو يسلم وقال الأوزاعي معنى قول الفقهاء أن من تولى قوما فهو منهم وكان المسلمون إذا دخلوا أرض الحرب أكلوا ما وجدوا في بيوتهم من اللحم وغيره ودماؤهم حلال وقال أبو يوسف طعام أهل الكتاب وأهل الذمة سواء لا بأس بذبائحهم وطعامهم كله فأما المرتد فليس يشبه أهل الكتاب في هذا وإن والاهم ألا ترى أني أقبل من أهل الكتاب جميعا ومن أهل الشرك الجزية ولا أقبل من المرتد الجزية والسنة في المرتد مخالفة للسنة في المشركين والحكم فيه مخالف للحكم فيهم ألا ترى أن امرأة لو ارتدت عن الإسلام إلى النصرانية فتزوجها مسلم لم يجز ذلك وكذلك لو تزوجها نصراني لم يجز ذلك أيضا ولو تزوج مسلم نصرانية جاز ذلك. أخبرنا الحسن بن عمارة عن الحكم بن عتيبة عن ابن عباس عن علي - رضي الله تعالى عنه - أنه سئل عن ذبائح أهل الكتاب ومناكحتهم فكره نكاح نسائهم وقال لا بأس بأكل ذبائحهم وقال أبو يوسف فالمرتد أشد من ذلك. (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : ولا تؤكل ذبيحة المرتد. [العبد يسرق من الغنيمة] سئل أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - عن العبد يسرق من الغنيمة وسيده في ذلك الجيش أيقطع؟ قال: لا وقال الأوزاعي يقطع لأن العبد ليس له من الغنيمة شيء ولأن سيده لو أعتق شيئا من ذلك السبي وله فيهم نصيب كان عتقه باطلا وقد بلغنا عن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - أنه قطع رقيقا سرقوا من دار الإمارة وقال أبو يوسف لا يقطع في ذلك حدثنا بعض أشياخنا عن ميمون بن مهران «عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن عبدا من الجيش سرق من الخمس فلم يقطعه وقال مال الله بعضه في بعض» . حدثنا بعض أشياخنا عن سماك بن حرب عن النابغة عن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - أن رجلا سرق مغفرا من المغنم فلم يقطعه وقال أبو يوسف وعلى هذا جماعة فقهائنا لا يختلفون فيه. أما قوله لا حق له في المغنم، فقد حدثنا بعض أشياخنا عن الزهري «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رضخ للعبيد في المغنم ولم يضرب لهم بسهم» . حدثنا بعض أشياخنا عن عمير مولى آبي اللحم «عن العبد الذي أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر يسأله قال فقال لي تقلد هذا السيف فتقلدته فأعطاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من خرثي المتاع» . (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : القول ما قال أبو حنيفة ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للأحرار بالسهمان ورضخ للعبيد فإذا سرق أحد حضر المغنم شيئا لم أر عليه قطعا لأن الشركة بالقليل والكثير سواء. [الرجل يسرق من الغنيمة لأبيه فيها سهم] سئل أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - عن الرجل يسرق من الغنيمة وقد كان أبوه في ذلك الجند أو أخوه أو ذو رحم محرم أو امرأة سرقت من ذلك وزوجها في الجند فقال لا يقطع واحد من هؤلاء وقال الأوزاعي يقطعون ولا يبطل الحد عنهم وقال أبو يوسف لا يقطعون وهؤلاء والعبيد في ذلك سواء أرأيت رجلا يسرق من أبيه أو أخيه أو امرأته والمرأة من زوجها هل يقطع واحد من هؤلاء؟ ليس يقطع واحد من هؤلاء وقد جاء الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «أنت ومالك لأبيك» فكيف يقطع هذا. (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : إن كان السارق من هؤلاء شهد المغنم لم يقطع لأنه شريك ولا يقطع الرجل ولا أبوه فيما سرق من مال ابنه أو أبيه لأنه شريك فيه فأما المرأة يحضر زوجها الغنيمة أو الأخ وغيره فكل هؤلاء سراق لأن كل واحد من هؤلاء لو سرق من صاحبه شيئا لم يأتمنه عليه قطعته. [الصبي يسبى ثم يموت] سئل أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - عن الصبي يسبى وأبوه كافر وقعا في سهم رجل ثم مات أبوه وهو كافر ثم مات الغلام قبل أن يتكلم بالإسلام فقال لا يصلى عليه وهو على دين أبيه لأنه لم يقر بالإسلام وقال الأوزاعي مولاه أولى من أبيه يصلى عليه وقال لو لم يكن معه أبوه وخرج أبوه مستأمنا لكان لمولاه أن يبيعه من أبيه وقال أبو يوسف إذا لم يسب معه أبوه كان مسلما ليس لمولاه أن يبيعه من أبيه إذا دخل بأمان وهو ينقض قول الأوزاعي أنه لا بأس أن يباع السبي ويرد إلى دار الحرب في مسألة قبل هذا
__________________
|
#333
|
||||
|
||||
![]() ![]() كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي المجلد السابع الحلقة (333) صــــــــــ 386 الى صـــــــــــ 390 فالقول في هذا ما قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - إذا كان معه أبواه أو أحدهما فهو على دينه حتى يقر بالإسلام وإذا لم يكن معه أبواه أو أحدهما فهو مسلم. (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : «سبى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساء بني قريظة وذراريهم فباعهم من المشركين فاشترى أبو الشحم اليهودي أهل بيت عجوز وولدها من النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما بقي من السبايا أثلاثا ثلثا إلى تهامة وثلثا إلى نجد وثلثا إلى طريق الشام فبيعوا بالخيل والسلاح والإبل والمال وفيهم الصغير والكبير» وقد يحتمل هذا أن يكون من أجل أن أمهات الأطفال معهم ويحتمل أن يكون في الأطفال من لا أم له فإذا سبوا مع أمهاتهم فلا بأس أن يباعوا من المشركين وكذلك لو سبوا مع آبائهم ولو مات أمهاتهم وآباؤهم قبل أن يبلغوا فيصفوا الإسلام لم يكن لنا أن نصلي عليهم وهم على دين الأمهات والآباء إذا كان السباء معا ولنا بيعهم بعد موت أمهاتهم من المشركين لأنا قد حكمنا عليهم بأن حكم الشرك ثابت عليهم إذا تركنا الصلاة عليهم كما حكمنا به وهم من آبائهم لا فرق بين ذلك إذا لزمهم حكم الشرك كان لنا بيعهم من المشركين وكذلك النساء البوالغ قد «استوهب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جارية بالغة من أصحابه ففدى بها رجلين» . [المدبرة وأم الولد تسبيان هل يطؤهما سيدهما إذا دخل بأمان] سئل أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - عن المدبرة أسرها العدو وأم الولد فدخل سيدهما بأمان فقال إنه لا بأس أن يطأهما إن لقيهما لأنهما له ولأنهم لم يحوزوهما وقال الأوزاعي لا يحل له أن يطأ فرجا يطؤه المولى سرا والزوج الكافر علانية ولو لقيها وليس لها زوج ما كان له أن يطأها حتى يخلوا بينها وبينه ويخرج بها ولو كان له ولد منها كانوا أملك به منه وقال أبو يوسف قول الأوزاعي هذا ينقض بعضه بعضا قال الأوزاعي في غير هذه المسألة لا بأس أن يطأ السبي في دار الحرب وكره أن يطأ أم الولد التي لا شأن له في ملكها كيف هذا؟ قال أبو يوسف كان أبو حنيفة يكره أن يطأ الرجل امرأته أو مدبرته أو أمته في دار الحرب لأنها ليست بدار مقام وكره له المقام فيها وكره له أن يكون له فيها نسل على قياس ما قال في مناكحتهم ولكنه كان يقول أم الولد والمدبرة ليس يملكهما العدو وكان يقول إن وطئهما في دار الحرب فقد وطئ ما يملك ولم يكن يقول إن كان لها زوج هنالك يطؤها أن لمولاها أن يطأها. (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : زعم أبو يوسف أن قول الأوزاعي ينقض بعضه بعضا روى عنه أنه قال لا بأس بوطء السبي ببلاد العدو وهو كما قال الأوزاعي وقد وطئ أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد الاستبراء في بلاد العدو «وعرس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصفية بالصهباء» وهي غير بلاد المسلمين يومئذ والسبي قد جرى عليهم الرق وانقطعت العصم بينهم وبين من يملكهم بنكاح أو شراء وكره الأوزاعي أن يطأ الرجل أم ولده وهي زوجة لغيره وأبو حنيفة كان أولى أن يكره هذا في أصل قوله من الأوزاعي من قبل معنيين أحدهما ما يزعم أن شاهدين لو شهدا على رجل بزور أنه طلق امرأته ثلاثا ففرق القاضي بينهما كان لأحدهما أن ينكحها حلالا وهو يعلم أنها زوجة لغيره والثاني أنه يكره أن يطأ الرجل ما ملكت يمينه في بلاد العدو فهو أولى أن ينسب في تناقض القول في هذا من الأوزاعي وليس هو كما قال الأوزاعي للرجل أن يطأ أم ولده وأمته في بلاد العدو وليس يملك العدو من المسلمين شيئا ألا ترى أن المسلمين لو ظفروا بشيء أحرزه العدو وحضر صاحبه قبل القسم كان أحق به من المسلمين الذين أوجفوا عليه ولو كان العدو ملكوه ملكا تاما ما كان إلا لمن أوجف عليه كما يكون سائر ملكهم غير أنا نحب للرجل إذا شركه في بضع جاريته غيره أن يتوقى وطأها للولد. [الرجل يشتري أمته بعدما يحرزها العدو] قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى: إذا اشترى الرجل أمته فليس له أن يطأها وقال الأوزاعي يطؤها وقال أبو يوسف: قال أبو حنيفة لا يطؤها وكان ينهى عن هذا أشد النهي ويقول قد أحرزها أهل الشرك ولو أعتقوها جاز عتقهم فكيف يطؤها مولاها وليست هذه كالمدبرة وأم الولد لأن أهل الشرك يملكون الأمة ولا يملكون أم الولد ولا المدبرة. (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا اشترى الرجل أمته من المشركين بعدما يحرزونها فأحب إلي أن لا يطأها حتى يستبرئها كما لا يطؤها لو نكحت نكاحا فاسدا وأصيبت حتى يستبرئها بحيضة وقد صارت إلى من كان يستحلها وكذلك أم الولد والمدبرة وليس يملك العدو على أحد من المسلمين شيئا ملكا صحيحا لما وصفت من أنه يوجف على ما أحرزوا المسلمون فيملكونه ملكا يصح عن المشركين فيأتي صاحبه قبل أن يقسم فيكون أحق به من الموجفين عليه وكيف يملك العدو على المسلمين وقد منع الله أموال المسلمين بدينه وخولهم عدوهم من المشركين فجعلهم يملكون رقابهم وأموالهم متى قدروا عليها؟ أفيجوز أن يكون من يملكونه متى قدروا عليه أن يملك عليهم؟ هذا محال أن يملك علي من أملكه متى قدرت عليه ولو أعتقوا جميع ما أحرزوا من رقيق المسلمين لم يجز لهم عتق وإذا كان الغاصب من المسلمين لا يجوز له العتق فيما غصب فالمشرك أولى أن لا يجوز له ذلك. فإن قال قائل قد روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «من أسلم على شيء فهو له» فهذا مما لا يثبت ولو ثبت كان من أسلم على شيء يجوز له ملكه فهو له فإن قال قائل ما دل على هذا؟ قيل أرأيت لو استرقوا أحرارا من المسلمين فأسلموا عليهم أيكونون لهم فإن قال لا قيل فيدل هذا على خلافك الحديث وأن معناه كما قلنا فإن قال ما هذا الذي يجوز لهم ملكه؟ قيل مثل ما كان يجوز للمسلمين ملكه. فإن قال فأين ذلك؟ قيل مثل سبي المسلمين لهم وأخذهم لأموالهم فذلك لهم جائز حلال فإن سبى بعضهم بعضا وأخذ بعضهم مال بعض ثم أسلم السابي الآخذ فهو له لأنه أخذ رقبة ومالا غير ممنوع وأما مال المسلمين فما منعه الله تعالى بالإسلام حتى لو أن مسلما أخذ منه شيئا كان عليه رده ولم يكن له ملكه فالمشرك أولى أن لا يملك على المسلم من المسلم على المسلم. [الحربي يسلم في دار الحرب وله بها مال] قال أبو حنيفة في الرجل من أهل الحرب يسلم في دار الحرب وله بها مال ثم يظهر المسلمون على تلك الدار إنه يترك له ما كان في يديه من ماله ورقيقه ومتاعه وولده الصغار وما كان من أرض أو دار فهو فيء وامرأته إذا كانت كافرة فإذا كانت حبلى فما في بطنها فيء وقال الأوزاعي كانت مكة دار حرب ظهر عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون وفيها رجال مسلمون فلم يقبض لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم - دارا ولا أرضا ولا امرأة وأمن الناس وعفا عنهم قال أبو يوسف قد نقض الأوزاعي حجته هذه ألا ترى أنه قد عفا عن الناس كلهم وأمنهم الكافر منهم والمؤمن ولم يكن في مكة غنيمة ولا فيء فهذه لا تشبه الدار التي تكون فيئا يقتسمها المسلمون بما فيها. (قال الشافعي) الذي قال الأوزاعي كما قال إلا أنه لم يصنع شيئا في احتجاجه بمكة وقد بيناها في مسألة قبل هذه فتركنا تكريرها ولكن الحجة في هذا «أن ابني سعية القرظيين خرجا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو محاصر بني قريظة فأسلما فأحرز لهما إسلامهما دماءهما وجميع أموالهما من النخل والدور» وغيرها وذلك معروف في بني قريظة وكيف يجوز أن يحرز لهم الإسلام الدماء ولم يؤسروا ولم يحرز لهم الأموال؟ وكيف يجوز أن يحرز لهم بعض الأموال دون بعض؟ أرأيت لو لم يكن في هذا خبر أما كان القياس إذا صار الرجل مسلما قبل أن يقدر عليه أن يقال إن حكمه حكم المسلم فيما يحرز له الإسلام من دمه وماله أو يقال يكون غير محرز له من ماله إلا ما لم يكن يستطيع تحويله أما ما يستطيع تحويله من ثيابه وماله وماشيته فلا، لأن تركه إياه في بلاد الحرب المباحة رضا منه بأن يكون مباحا إذ أمكنه تحويله فلم يحوله ألا يكون قوله أشد من قول من قال يحرز له جميع ماله إلا ما لا يستطيع تحويله؟ هذا القول خارج من القياس والعقل والسنة. [الحربي المستأمن يسلم في دار الإسلام] قال أبو حنيفة - رضي الله تعالى عنه - في الرجل من أهل الحرب يخرج مستأمنا إلى دار الإسلام فيسلم فيها ثم يظهر المسلمون على الدار التي فيها أهله وعياله هم فيء أجمعون وقال الأوزاعي يترك له أهله وعياله كما ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمن معه من المسلمين أهله وعياله حين ظهر على مكة قال أبو يوسف ليس في هذا حجة على أبي حنيفة وقد ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأهل الشرك ممن أهله بمكة أموالهم وعيالهم وعفا عنهم جميعا. (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : هذه مثل المسألة الأولى بل خروج المسلم الذي كان مشركا إلى دار الإسلام أولى أن يحرز له دمه وماله وعياله الذين لم يبلغوا من ولده من المسلم في بلاد الشرك فكيف يترك للأول بعض ماله ولا يترك لهذا الذي هو خير حالا منه بعض ماله؟ بل جميع ماله كله له وكل مولود له لم يبلغ متروك له وكل بالغ من ولده وزوجته يسبى لأن حكمهم حكم أنفسهم لا حكمه ومن أحرز له الإسلام دمه قبل أن يقدر عليه أحرز له الإسلام ماله، وماله أصغر قدرا من دمه والحجة في هذا مثل الحجة في الأولى وقد أصاب الأوزاعي فيها وحجته بمكة وأهلها ليست بشيء ليست مكة من هذا بسبيل لا في هذه ولا في المسألة الأولى. قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى: لو كال هذا الرجل أسلم في دار الحرب كان له ولده الصغار لأنهم مسلمون على دينه وما سوى ذلك من أهله وماله فهو فيء. وقال الأوزاعي حال هذا كحال المهاجرين من مكة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرد إليه أهله وماله كما رده لأولئك قال أبو يوسف قد فرغنا من القول في هذا والقول فيه كما قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى -. (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : القول فيه ما قال الأوزاعي والحجة فيه مثل الحجة في الأولين. [المستأمن يسلم ويخرج إلى دار الإسلام وقد استودع ماله] قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى: لو كان أخذ من ماله شيئا فاستودعه رجلا من أهل الحرب كان فيئا أيضا وقال الأوزاعي لا واحتج في ذلك بصنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة وقال أحق من اقتدي به وتمسك بسنته رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال شريح إن السنة سبقت قياسكم هذا فاتبعوا ولا تبتدعوا فإنكم لن تضلوا ما أخذتم بالأثر وقال أبو يوسف ليس يشبه الناس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا يشبه الحكم في الأعاجم وأهل الكتاب الحكم في العرب ألا ترى أن مشركي العرب من غير أهل الكتاب لا ينبغي أن تؤخذ منهم جزية ولا يقبل منهم إلا الإسلام أو القتل وأن الجزية تقبل من مشركي الأعاجم وأن إماما لو ظهر على مدينة من مدائن الروم أو غيرها من أهل الشرك حتى تصير فيئا أو غنيمة في يده لم يكن له أن يفتك منها شيئا ولا يصرفها عن الذين افتتحوها يخمسها ويقسمها بينهم وأن السنة هكذا كان الإسلام على وليس هكذا فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «وقال في مكة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن الله حرمها فلم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي» وقد سبى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبي هوازن وسبى يوم بني المصطلق ويوم خيبر في غزوات من غزواته ظهر على أهلها وسبى ولم يصنع في شيء من ذلك ما صنع في مكة لو كان الأمر على ما صنع في مكة ما جاز لأحد من الناس أن يسبي أحدا أبدا ولا كانت غنيمة ولا فيء ولكن الأمر من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مكة على غير ما عليه المقاسم والمغانم فتفهم حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يغنم من مكة غنيمة من كافر ولا مسلم ولا سبى منها لا من عيال مسلم ولا من عيال كافر وعفا عنهم جميعا وقد جاءته هوازن فكانت سنته ما أخبرت به وفدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تمسك بحقه من السبي كل رأس بستة فرائض فكان القول في هذا غير القول في أهل مكة وما صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو حق كما صنع ليس لأحد بعده في مثل هذا ما له. (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : قد كثر التردد في مكة والأمر فيها على خلاف ما قالا معا وقد بينا هذا ولم تختلف سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قط ولا يستن إلا بما علم من بعده أن يستن إلا ما بين الله له أنه جعله له خالصا دون المؤمنين وبينه هو - عليه السلام - ولم يختلف فيه من بعده وأما قوله الحكم في العرب غير الحكم في العجم فقد ادعى أن مكة دار حرب وهي دار محرم فزعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حكم فيها خلاف حكمه في العرب وهوازن وبني المصطلق ولم يحكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شيء من ذلك ولا غيره بشيء اختلف ولكنه سبى من ظفر به عنوة وغنمه من عربي وعجمي ولم يسب عربيا ولا عجميا تقدم إسلامه الظفر به ولا قبل أمانه وترك قتاله وأهل مكة أسلموا ومنهم من قال الأمان ولا شيء لهم بها فيؤخذ إنما هم قوم من غير أهلها لجئوا إليها وأما قوله لا تؤخذ الجزية من العرب فنحن كنا على هذا أحرص لولا أن الحق في غير ما قال فلم يكن لنا أن نقول إلا الحق «وقد أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجزية من أكيدر الغساني» ويروون أنه صالح رجالا من العرب على الجزية فأما عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - ومن بعده الخلفاء إلى اليوم فقد أخذوا الجزية من بني تغلب وتنوخ ![]()
__________________
|
#334
|
||||
|
||||
![]() ![]() كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي المجلد الثامن الحلقة (334) صــــــــــ 3 الى صـــــــــــ 10 [كتاب القرعة] أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال: قال الله تعالى {وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم} [آل عمران: 44] إلى قوله يختصمون وقال الله عز وجل {وإن يونس لمن المرسلين - إذ أبق إلى الفلك المشحون - فساهم فكان من المدحضين} [الصافات: 139 - 141] (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : فأصل القرعة في كتاب الله عز وجل في قصة المقترعين على مريم والمقارعي يونس مجتمعة، فلا تكون القرعة - والله أعلم - إلا بين قوم مستوين في الحجة ولا يعدو - والله تعالى أعلم - المقترعون على مريم أن يكونوا كانوا سواء في كفالتها فتنافسوها، فلما كان أن تكون عند واحد منهم أرفق بها؛ لأنها لو صيرت عند كل واحد منهم يوما، أو أكثر وعند غيره مثل ذلك كان أشبه أن يكون أضر بها من قبل أن الكافل إذا كان واحدا كان أعطف له عليها وأعلم بما فيه مصلحتها للعلم بأخلاقها وما تقبل وما ترد وما يحسن به اغتذاؤها، فكل من اعتنف كفالتها كفلها غير خابر بما يصلحها، ولعله لا يقع على صلاحها حتى تصير إلى غيره فيعتنف من كفالتها ما اعتنف غيره. وله وجه آخر يصح؛ وذلك أن ولاية واحد إذا كانت صبية غير ممتنعة مما يمتنع منه من عقل يستر ما ينبغي ستره كان أكرم لها وأستر عليها أن يكفلها واحد دون الجماعة (قال) : ويجوز أن تكون عند كافل ويغرم من بقي مؤنتها بالحصص كما تكون الصبية عند خالتها وعند أمها ومؤنتها على من عليه مؤنتها (قال) : ولا يعدو الذين اقترعوا على كفالة مريم أن يكونوا تشاحوا على كفالتها، وهو أشبه - والله تعالى أعلم - أو يكونوا تدافعوا كفالتها فاقترعوا أيهم تلزمه، فإذا رضي من شح على كفالتها أن يمونها لم يكلف غيره أن يعطيه من مؤنتها شيئا برضاه بالتطوع بإخراج ذلك من ماله (قال) : وأي المعنيين كان فالقرعة تلزم أحدهم ما يدفع عن نفسه وتخلص له ما يرغب فيه لنفسه وتقطع ذلك عن غيره ممن هو في مثل حاله (قال) : وهكذا معنى قرعة يونس - صلى الله عليه وسلم - لما وقفت بهم السفينة، فقالوا: ما يمنعها من أن تجري إلا علة بها، وما علتها إلا ذو ذنب فيها، فتعالوا نقترع فاقترعوا فوقعت القرعة على يونس، - عليه السلام - فأخرجوه منها وأقاموا فيها. وهذا مثل معنى القرعة في الذين اقترعوا على كفالة مريم؛ لأن حال الركبان كانت مستوية وإن لم يكن في هذا حكم يلزم أحدهم في ماله شيئا لم يلزمه قبل القرعة ويزيل عن آخر شيئا كان يلزمه، فهو يثبت على بعض حقا ويبين في بعض أنه بريء منه، كما كان في الذين اقترعوا على كفالة مريم غرم وسقوط غرم (قال الشافعي) : وقرعة النبي - صلى الله عليه وسلم - في كل موضع أقرع فيه في مثل معنى الذين اقترعوا على كفالة مريم سواء لا يخالفه، وذلك أنه أقرع بين مماليك أعتقوا معا، فجعل العتق تاما لثلثهم، وأسقط عن ثلثيهم بالقرعة، وذلك أن المعتق في مرضه أعتق ماله ومال غيره، فجاز عتقه في ماله ولم يجز في مال غيره، فجمع النبي - صلى الله عليه وسلم - العتق في ثلثه ولم يبعضه كما يجمع القسم بين أهل المواريث ولا يبعض عليهم، وكذلك كان إقراعه لنسائه أن يقسم لكل واحدة منهن في الحضر فلما كان السفر كان منزلة يضيق فيها الخروج بكلهن، فأقرع بينهن، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه وسقط حق غيرها في غيبته بها، فإذا حضر عاد للقسم لغيرها، ولم يحسب عليها أيام سفرها. وكذلك قسم خيبر فكان أربعة أخماسها لمن حضر، ثم أقرع، فأيهم خرج سهمه على جزء مجتمع كان له بكماله وانقطع منه حق غيره وانقطع حقه عن غيره (أخبرنا) ابن عيينة عن إسماعيل بن أمية عن يزيد بن يزيد بن جابر عن مكحول عن ابن المسيب «أن امرأة أعتقت ستة مملوكين لها عند الموت ليس لها مال غيرهم، فأقرع النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهم، فأعتق اثنين وأرق أربعة» ، أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن رجل عن أبي المهلب عن عمران بن حصين «أن رجلا من الأنصار إما قال: أوصى عند موته فأعتق ستة مملوكين ليس له شيء غيرهم وإما قال: أعتق عند موته ستة مملوكين ليس له مال غيرهم، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال فيه قولا شديدا، ثم دعاهم فجزأهم ثلاثة أجزاء، فأقرع بينهم، فأعتق اثنين وأرق أربعة» ، (أخبرنا) مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من أعتق شركا له في عبد» فذكر الحديث (أخبرنا) ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن أبي الزناد أن عمر بن عبد العزيز - رضي الله تعالى عنه - قضى في رجل أوصى بعتق رقيقه وفيهم الكبير والصغير فاستشار عمر رجالا منهم خارجة بن زيد بن ثابت فأقرع بينهم قال أبو الزناد وحدثني رجل عن الحسن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقرع بينهم (أخبرنا) مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «من أعتق شركا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة العدل، فأعطي شركاؤه حصصهم وعتق عليه العبد، وإلا فقد عتق منه ما عتق» . (قال الربيع) : أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «إذا كان العبد بين اثنين فأعتق أحدهما نصيبه فإن كان موسرا فإنه يقوم عليه بأعلى القيمة ويعتق» ، وربما قال: «قيمة لا وكس فيها ولا شطط» ، (أخبرنا) ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن أبي الزناد أن رجلا أعتق ثلث رقيقه، فأقرع بينهم أبان بن عثمان، (أخبرنا) مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن رجلا في زمان أبان بن عثمان أعتق رقيقا له جميعا لم يكن له مال غيرهم، فأمر أبان بن عثمان بذلك الرقيق فقسموا أثلاثا، ثم أسهم بينهم على أيهم خرج سهم الميت فيعتق، فخرج السهم على أحد الأثلاث فعتق، قال مالك: ذلك أحسن ما سمعت. (قال الشافعي) : وبهذا كله نأخذ وحديث القرعة عن عمران بن حصين وابن المسيب موافق قول ابن عمر في العتق لا يختلفان في شيء حكي فيهما ولا في واحد منهما، وذلك أن المعتق أعتق رقيقه عند الموت ولا مال له غيرهم إن كان أعتقهم عتق بتات في حياته فهكذا فيما أرى الحديث، فقد دلت السنة على معان منها أن عتق البتات عند الموت إذا لم يصح المريض قبل الموت فهو وصية كعتقه بعد الموت، فلما أقرع النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهم فأعتق الثلث وأرق الثلثين استدللنا على أن المعتق أعتق ماله ومال غيره، فأجاز النبي - صلى الله عليه وسلم - ماله، ورد مال غيره، كما لو كان الرقيق لرجل فباع ثلثهم، أو وهبه، فقسمناهم ثم أقرعنا، فأعطينا المشتري إذا رضي الثلث بحصصهم أو الموهوب له الثلث والشريك الثلثين بالقرعة إذا خرج سهم المشتري أو الموهوب، كان له ما خرج عليه سهمه وما بقي لشريكه، فكان العتق إذا كان فيما يتحرى خروجا من ملك - كما كانت الهبة والبيع خروجا من ملك - فكان سبيلهم إذا اشترك فيهم القسم (قال) : ولو صح المعتق من مرضه عتقوا كلهم حين صار مالكا لهم غير ممنوع منهم، وذلك مرض لا يدري أيموت منه أو يعيش، وكذلك لو مات وهم يخرجون من ثلثه - عتقوا كلهم، فلما مات وأعتق ثلثهم وأرق الثلثين كان مثل معنى حديث ابن عمر لا يخالفه، وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: « من أعتق شقصا له في عبد، وكان له مال يبلغ قيمة العبد قوم عليه قيمة عدل، فأعطي شركاؤه حصصهم، وعتق عليه العبد، وإلا فقد عتق منه ما عتق» ، فإذا كان المعتق الشقص له في العبد إذا كان موسرا فدفع العوض من ماله إلى شريكه عتق عليه. وإذا لم يدفع العوض عتق منه ما عتق، وكان المالك الشريك معه على ملكه، وكل واحد من الحديثين موافق لصاحبه، إذا أعسر المعتق لم يخرج من يد شريكه ماله بلا عوض يأخذه، وإذا أيسر المعتق تم العتق، وكان لشريكه العوض، فأعطي مثل ما خرج منه وتم العتق، وكل واحد من الحديثين يبطل الاستسعاء بكل حال، ويتفقان في ثلاثة معان: إبطال الاستسعاء، وثبوت الرق بعد العتق في حال عسرة المعتق، ونفاذ العتق إن كان المعتق موسرا، ثم ينفرد حديث عمران بن حصين وابن المسيب بمعنيين: أحدهما، أن عتق البتات عند الموت إذا لم يصح صاحبه وصية، وأن الوصية تجوز لغير القرابة، ولك أن المماليك ليسوا بذوي قرابة للمعتق، والمعتق عربي والمماليك عجم، وهذا يدل على خلاف ما قال بعض أهل العلم أن قول الله تبارك وتعالى: {الوصية للوالدين والأقربين} [البقرة: 180] منسوخة بالمواريث والآخر، أن الوصايا إذا جوز بها الثلث ردت إلى الثلث، وهذه الحجة في أن لا يجاوز بالوصايا الثلث، وذلك أنه لو شاء رجل أن يقول: إنما أشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على سعد ولم يعلمه أنه لا يجوز له أن يوصي بأكثر من الثلث، وفي هذا حجة لنا على من زعم أن من لم يدع وارثا يعرف أوصى بماله كله، فحديث عمران بن حصين يدل على خمسة معان، وحديث نافع يدل على ثلاثة كلها في حديث عمران. [باب القرعة في المماليك وغيرهم] (قال الشافعي) : - رضي الله عنه - كانت قرعة العرب قداحا يعملونها منحوتة مستوية ثم يضعون على كل قدح منها علامة رجل ثم يحركونها ثم يقبضون بها على جزء معلوم، فأيهم خرج سهمه عليه كان له (قال) : وأحب القرعة إلي وأبعدها من أن يقدر المقرع فيها على الحيف فيما أرى أن يقطع رقاعا صغارا مستوية، فيكتب في كل رقعة اسم ذي السهم، حتى يستوظف أسماءهم، ثم تجعل في بنادق طين مستوية لا تفاوت بينها، فإن لم يقدر على ذلك إلا بوزن وزنت، ثم تستجف قليلا ثم تلقى في ثوب رجل لم يحضر الكتاب ولا إدخالها في البنادق ويغطى عليها ثوبه ثم يقال: أدخل يدك فأخرج بندقة، فإذا أخرجها فضت وقرأ اسم صاحبها ثم دفع إليه الجزء الذي أقرع عليه، ثم يقال: أقرع على السهم الذي يليه، ثم هكذا ما بقي من السهمان شيء حتى ينفد. وهكذا في الرقيق وغيره سواء، فإذا مات ميت وترك رقيقا قد أعتقهم كلهم، أواقتصر بعتقه على الثلث، أو أعتق ثلثيهم ولا مال له غيرهم وقيمتهم سواء، جزئوا ثلاثة أجزاء فكتب سهم العتق في واحد وسهما الرق في اثنين ثم أمر الذي يخرج السهام فقيل: أخرج على هذا الجزء ويعرف الذي يخرج عليه، فإن خرج سهم العتق عتق الجزء الذي أمر أن يخرج عليه وبقي الجزءان الآخران، فإن أراد الورثة أن يقرع بينهم، فكانا اثنين كتبنا اسميهما ثم قلنا: أخرج على هؤلاء فأيهم خرج سهمه فهو له والباقي للثاني، فإن كان ورثته اثنين كتبنا اسميهما، فأيهما خرج سهمه على الرقيق أخذ جزأه الذي خرج عليه، وإن كانوا أكثر وكانت حقوقهم مختلفة أخذنا الثلثين اللذين بقيا رقيقين واستأنفنا فأقرعنا ثم أقرعنا بينهم قرعة جديدة مستأنفة، وإن خرج سهم الرق أولا على جزء رقوا، ثم قيل أخرج، فإن خرج سهم العتق على الجزء الثاني عتقوا ورق الثالث، وإن خرج سهم الرق على الجزء الثاني عتق الجزء الثالث وإن اختلفت قيمهم جهد قاسمهم على تعديلهم، فضم القليل الثمن إلى الكثير الثمن حتى يعتدلوا، فإن لم يعتدلوا لتفاوت قيمهم فكانوا ستة مماليك قيمة واحد منهم مائة وقيمة اثنين مائة وقيمة ثلاثة مائة، جعل الواحد جزءا والاثنين جزءا والثلاثة جزءا، ثم أقرع بينهم، فإن خرج سهم الواحد منهم في العتق عتق. وكذلك إن خرج سهم الاثنين، أو الثلاثة وإنما التعديل بينهم بالقيم استوت قيمهم، أو اختلفت، وإن كان الواحد قيمته مائتان والاثنان قيمتهما خمسون والثلاثة قيمتهم خمسون أقرع بينهم فإن خرج سهم الواحد عتق منه الثلث من جميع المال وذلك نصف العبد وبقي نصفه والجزءان رقيقا، فإن خرج العتق على الاثنين عتقا، ثم أعيدت القرعة، أقرع بين الواحد والثلاثة يبدأ تجزئتهم أثلاثا فأيهم خرج سهمه بالعتق عتق منه ما بقي من الثلث ورق ما بقي منه ومن غيره، وإن بقي من الثلث شيء يسير فخرج سهم العتق على الواحد عتق منه ما بقي من حصة العتق، وإن خرج على اثنين أو ثلاثة وكانوا لا يخرجون معا جزئوا ثلاثة أجزاء، ثم أقرع بينهم، فأيهم خرج عليه سهم العتق عتق كله، فإن خرج سهم العتق على واحد عتق كله، أو ما حمل ما بقي من العتق منه، فإن عتق كله وفضل فضل أقرع بين الذين بقوا معه في جزئه؛ لأن العتق قد صار فيهم دون غيرهم حتى يستكمل الثلث ولا تخرج القرعة أبدا من سهم الذين خرج لهم سهم العتق أولا حتى تكمل فيهم الحرية فإن عتق واحد منهم، ثم أقرع بين من بقي فخرجت القرعة على اثنين أقرع بينهما أيضا فأيهما خرج سهمه في العتق عتق، أو عتق منه ما حمل الثلث فإن عتق كله وبقي من الثلث شيء عتق ما حمل الثلث من الباقي منهما وإذا كانوا ثلاثة أجزاء مختلفي القيم فأقرع بينهم فخرج سهم القرعة على جزء منهم، ولهم عدد لا يحتملهم الثلث أقرع بين الجزء الذي خرج عليهم سهم العتق فأعتق من خرج سهمه منهم. فإن بقي من العتق شيء أقرع بين من بقي من الجزء خاصة لأن الجزء من الاثنين عاد رقيقا ولا تخرج القرعة من الجزء الذي خرج له أولا سهم العتق حتى يستوظف الثلث، أو يفضل فضل من العتق فيكون الجزءان الباقيان فيه سواء تبتدأ القرعة بينهم فيجزءون أثلاثا فإن لم يكن الباقون رقيقا إلا اثنين أقرع بينهما فأيهما خرج له سهم العتق عتق منه بقدر ما بقي من العتق وأرق ما بقي ولا تبتدأ القرعة بينهم أبدا إلا على تجزئة ثلاثة أجزاء ما أمكن ذلك، وإن كان المعتقان اثنين لا مال له غيرهما فهذان لا يمكن فيهما التجزئة فيقرع بينهما فأيهما خرج سهم العتق عتق منه ما حمل ثلث المال، فإن خرج على قليل القيمة فأعتق كله وبقي من الثلث شيء عتق من الباقي ما بقي من الثلث ورق ما بقي منه، وإن كانوا ثمانية قيمتهم سواء ففيهم قولان؛ لأن أحدهما أن يجعلوا أربعة أسهم، ثم يقرع بينهم فإن خرج سهم الواحد، أو الاثنين عتق، ثم جزئ الباقون كذلك فأعيد فيهم القرعة فأيهم خرج سهمه عتق منه ما حمل الثلث. فإن خرج سهم اثنين ولا يحملهم الثلث أقرع بينهما فأيهما خرج له العتق عتق ورق الباقي فإن عتق وبقي من الثلث شيء عتق من الباقي بقدر ما حمل الثلث منه وكان ما بقي رقيقا، ومن قال هذا القول أشبه أن يقول كانت قيم الذين جزأهم النبي - صلى الله عليه وسلم - سواء؛ لأنه لا يعتق اثنين ويرق أربعة إلا والاثنان الثلث كاملا لا زيادة فيه ولا نقص وإن كانوا سبعة جعلهم سبعة أسهم، ثم أقرع بينهم حتى يستكمل الثلث. والقول الثاني، أن يجزئهم ثلاثة أجزاء فإن كانوا سبعة قيمهم سواء ضم الواحد إلى اثنين منهم، فإن خرج له سهم العتق أقرع بينهم فأعتق من خرجت قرعته بكماله وكان ما بقي من العتق فيمن لم يخرج سهمه وهذا القول أصح وأشبه بمعنى السنة؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جزأهم ثلاثة أجزاء، وهذا القول موافق للحديث اختلفت قيمهم، أو لم تختلف وذلك أني جعلت لكل واحد منهم حصة من القرعة فإذا صارت على الثلاثة أعدت عليهم القرعة فإن وقعت على الاثنين عتقا واستأنفت القرعة على الخمسة الباقين من السبعة اختلفت قيمهم، أو اتفقت، وكذلك إن كانوا ثمانية، أو أكثر ولا يجوز عندي أبدا أن يقرع بين الرقيق قلوا، أو كثروا إلا على ثلاثة أسهم وذلك أنه لا يعدو الرقيق الذين أقرع بينهم أن تكون قيمهم سواء أو ضم الأقل ثمنا إلى الأكثر حتى إذا اعتدلت قيمهم فهو كما أقرع بينهم على ثلاثة أسهم وقد كان يمكن فيهم كانت قيمهم سواء أو مختلفة أن يقرع بينهم على ستة أسهم كما يقرع بين الورثة، فإذا خرج سهم واحد أعتقه. ثم أعاد القرعة على من بقي حتى يستوظف الثلث وكان ذلك أحب إلى الرقيق؛ لأنه إن يقرع على الخمسة الباقين مرتين أحب إليهم من أن يقرع بينهم مرة وقرعة مرتين وثلاث ولا ضرر فيها على الورثة؛ لأنه لا يخرج في مرة ولا مرتين ولا ثلاث إلا الثلث، فلما أقرع النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهم على ثلاثة أسهم لم يجز أن يقرع بينهم إلا على ثلاثة أسهم وإن اختلفت قيمهم وعددهم، والله تعالى أعلم. ولو جاز إذا اختلفت قيمهم جاز إذا اتفقت قيمهم أن يقرع بينهم على قدر عدد الرقيق كما يقرع على قدر عدد الورثة، ولكن القرعة بين الرقيق للعتق والورثة للقسم قد تختلف في موضع وإن اتفقت في غيره، فإن قال قائل: كيف يقسم الرقيق بالقيمة، ثم يضم القليل الثمن إلى كثيره؟ أفرأيت إذا فعلت هذا في العتق كيف تصنع فيما يقسم بين الورثة؟ قلنا بالقيمة، قيل فإن اختلفت قيمهم فكان ما يبقى منهم متباين القيمة، ففي عبد ثمن ألف وعبدين ثمن خمسمائة والورثة رجلان؟ قيل يقرع بينهم فإن خرج سهم الأول على الواحد رد على أخيه مائتين وخمسين وإن خرج على اثنين أخذ من صاحبه مائتين وخمسين وإن قال صاحبه ليس عندي أخذ العبدين وكان شريكه في العبد الذي صار في يده بقدر ما بقي له حتى يستوفي نصف ميراث الميت. وذلك أن يكون له ربع العبد وللآخر ثلاثة أرباعه، وهكذا قيمة كل ما اختلفت أثمانه من أرض وثياب ودار وغير ذلك بين الورثة، وفيها قول آخر يصح أن تنظر قيمهم فإذا كانت كما وصفت قيل للورثة: إن أحببتم أن يقرع على ما وصفنا فأيكم خرج سهمه على كثير الثمن رد ما فيه من فضل القيمة، وأيكم خرج على قليل الثمن أخذه وما بقي من القيمة، فإن رضوا معا بهذا فأقرعنا، وإن لم يرضوا قلنا: أنتم قوم لكم ما لا يعتدل في القسم، فكأنكم ورثتم ما لا ينقسم فأنتم على مواريثكم فيه حتى تصطلحوا على ما أحببتم، أو تبيعوا فتقسموا الثمن ولا نكرهكم على البيع، وبهذا أقول: فإن قيل وكيف لم تقل بالقيمة على الرقيق، فإذا خرج سهم الكثير الثمن عتق كله وصار عليه ما بقي دينا للورثة إن رضي ذلك العبد، قيل: لا يشبه الرقيق الورثة؛ لأن الرقيق لا مال لهم ولو كان لهم مال كان لمالكيهم، فلا يجوز أن أخرج عبدا بقي فيه نصفه رقيقا إلى الحرية وأحيل عليه وارثا مالكا له بدين لعله لا يأخذه أبدا بغير رضاه وأنا لو خالفت حديث عمران بن حصين وابن عمر وابن المسيب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ودخلت في الاستسعاء أخطأت القياس على ما أقسم بين الورثة، فإن قيل فكيف يخطئه من قال هذا القول؟ قيل: إنما يقسم على الورثة بالقيم وتزاد عليهم ويزدادون برضاهم فإذا أسخطوا أشرك بينهم فيما لا يحتمل القسم وقسم بينهم ما احتمله بالقيمة والعبيد لا أموال لهم يرضون بأن يعطوها ونحن لا نجبر من له حق في ميراث من رقيق ولا غيره أن يأخذ شيئا ويعطي معه، أو يعطي إلا برضاه وإنما يقسم الرقيق بالقيمة ما اعتدلت القيمة بالقيمة فإذا اختلفت أقرع بينهم، ثم أعتق بالقيمة حتى يستوظف الثلث. فإن كانوا ستة قيمهم سواء وكان خمسة أسداسهم يخرجون أحرارا جزئوا ثلاثة أجزاء وأقرع بينهم فإذا خرج سهم الحر على حر أقرع بينهم حتى يخرج سهم الرق على واحد ويعتق الباقون والجزءان اللذان لم يخرج عليهما سهم الرق حران، وسواء في القرعة الرقيق الذي أعتقهم عتق بتات في مرضه، ثم مات والذين أعتقهم بعد موته إذا كان الرقيق معتقين عتق بتات معا، أو كانوا معتقين بعد الموت معا، ولو كان له رقيق قد أعتقهم عتق بتات في مرضه وآخرين أعتقهم بعد موته بدئ بالذين أعتقهم عتق البتات حتى لا يبقى منهم أحد، فإن لم يفضل من الثلث شيء لم يعتق من الذين أعتقهم بعد الموت أحد، وسواء كانوا مدبرين، أو موصى بعتقهم وإن فضل عن المعتقين عتق بتات من الثلث شيء أقرع بين المدبرين والموصى بعتقهم فأعتق من خرج عليه سهم العتق كما وصفت في القرعة قبل هذا وإنما سوينا بين المدبرين والموصى بعتقهم أنه كان له في المدبرين الرجوع وأنه لا تجري فيهم حرية إلا بعد موته وخروجهم من الثلث وكانت حال الموصى بعتقهم بأعيانهم والمدبرين حالهم سواء لا يختلفون عندنا؛ لأن كليهما يعتق بالموت ويرق إن أحب صاحبه في حياته ولو رجع في المدبرين والموصى بعتقهم قبل يموت كان ذلك له. [باب عتق المماليك مع الدين] (قال الشافعي) : - رضي الله تعالى عنه: فإذا كان على الميت دين يحيط بماله بيع الرقيق ولا يعتق منهم أحد ولو كان عليه دين يحيط ببعض ماله جزئ الرقيق أجزاء، ثم كتب سهم العتق وسهم الرق على قدر الدين عليه، فإن كان الدين ثلثا كتب الدين سهما والعتق سهمين، ثم أقرع بينهم فأيهم خرج عليه سهم الدين فهو سهم الرق فيباعون فيوفى ما عليه من دينه، وإن وقع على جزء وكانوا أكثر من دينه أقرع بينهم بالعتق والرق فأيهم خرج عليه سهم الرق بيع فيه، فإن بقي منه شيء جزئ الباقي منهم مع الباقين، ثم استؤنف بينهم القرعة، كأنه لم يترك غيرهم، وإن خرج سهم الرق على جزء أقل من دينه بيعوا، ثم أعيدت القرعة على من بقي حتى يباع له بقدر دينه وهكذا إن كان دينه أكثر من الثلث زيد له في سهام الرق والقرعة حتى يستوفي حقه ويبدأ أبدا بسهم الرق، فإن قال قائل: كيف أقرعت بالعتق والرق، ثم بعت من خرجت عليه قرعة الرق ولم تعتق من خرجت له قرعة العتق؟ قيل له إن الدين أولى من العتق، فلما كانوا مستوين في العتق والرق لم أميز بينهم إلا بالقرعة. فإذا خرجت قرعة الرق برئ من خرجت قرعته بثبوت الرق من العتق فبعته، وكان من بقي مستوين في العتق والرق للورثة فأعدت القرعة بينهم فمن خرجت له قرعة العتق عتق ومن خرجت عليه قرعة الرق رق فإن ترك عبدا واحدا أعتقه وعليه دين بيع منه بقدر الدين، ثم عتق ثلث ما يبقى منه ورق ثلثاه ولو أعتقهم بعد قضاء دينه ولم أعلم عليه دينا غير الذي قضيت به فأعتقت ثلثهم، ثم ظهر عليه دين يحيط بهم رددت عتقهم وبعتهم في الدين عليه، وكذلك أبيع من في يد الورثة منهم وأخذت كل مال في أيديهم إذا اغترقه الدين، فإن قال قائل: كيف ترد الحكم وقد كان صوابا؟ قلت: كان صوابا على الظاهر عندنا، فلما صار الظاهر عندنا أن ما حكمنا أولا به على غير ما حكمنا به رددناه ولم نرد ظاهرا لباطن مغيب، وإنما رددنا الحكم بالظاهر لظاهر حكم أحق منه ولو كان الذي ظهر عليه من الدين لا يحيط برقيقه كلهم عدت فأقرعت بينهم قرعة الرق وقرعة العتق وبدأت بقرعة العتق، فأيهم خرج عليه رددت عتقه وبعته، أو بعت منه ما يقضى به دين الميت، فإذا فعلت حال الحكم في بعض أمرهم كأن كنت أعتقت اثنين قيمتهما مائة ودفعت إلى الورثة أربعة قيمتهم مائتان، ثم ثبت على الميت مائة دينار، فإن كان الوارث واحدا فاختار إخراج المائة فأخرجها نقص ثلث مال الميت ونقصت من عتق اللذين عتقا ما زاد على الثلث، ثم أقرعت بينهما بسهم الرق وسهم العتق فأيهم خرج عليه سهم الرق أرققت منه ما جاوز الثلث، وذلك أنهما عتقا وثلث الميت في الظاهر مائة دينار، ثم صار ثلث الميت ستة وثلاثين وثلثي دينار، والذين لهم الدين خرج لهم سهم العتق بكماله حرا، وصار بعض الذي خرج عليه سهم الرق حرا وبعضه مملوكا فأعتقنا منه ما بقي من ثلث مال الميت، وذلك ستة عشر سهما وثلثا سهم من خمسين سهما، وإن كان الورثة اثنين فصاعدا نقصنا قسم الأربعة الأسهم وبعنا منهم حتى يوفى الغريم حقه، ثم عدنا بالقرعة في الرق والحرية على الاثنين كما وصفت، ثم استأنفنا القسم بين الورثة على من بقي ممن كان في أيديهم من الرقيق وعلى من بقي من العبيد المعتق بعضهم المرق بعضهم، فقسمناهم قسما مستأنفا بالقيمة، وكلما ظهر عليه دين صنعنا به كما وصفت من نقض القسم وغيره في المسألة قبل هذا ولو لم يظهر عليه دين ولكن استحق أحد العبيد الذين في أيدي الورثة نقضنا القسم وعدنا على العتق فنقصنا بعضه بالقرعة؛ لأن ثلث مال الميت نقص ولو استحق أحد العبدين اللذين عتقا بقي الآخر حرا وأقرعنا بين اللذين في أيدي الورثة فأعتقنا ممن خرجت له قرعة العتق ما بقي من الثلث ونقضنا القسم بينهم فاستأنفناه جديدا. [باب العتق ثم يظهر للميت مال] (قال الشافعي) : - رضي الله عنه: ولو أرققنا ثلثيهم وأعتقنا الثلث، ثم ظهر له مال يخرجون معا فيه من الثلث أعتقنا من أرققنا منهم ودفعنا إلى الورثة مالهم كان قبل المعتق ودفعنا إلى المماليك ما اكتسبوا بعد عتق المالك إياهم، وما كان للرقيق المعتقين من مال في أيديهم وأيدي غيرهم قبل عتق الميت عتق بتات أو قبل موت المعتق عتق تدبير، أو وصية فهو للورثة كله كأن الميت تركه ويحسب الرقيق وما أخذ مما في أيديهم من المال، ثم يعتق منهم ثلث جميع ما ترك الميت، فإن اكتسب الرقيق المعتقون عتق بتات بعد العتق وقبل القرعة مالا، أو وهب لهم، أو أفادوه بوجه، أو الرقيق الموصى بعتقهم بعد الموت بتدبير، أو غيره أحصي جميع ما اكتسب كل واحد منهم، ثم نظر إلى ما ترك الميت، فإن ترك من المال ما يخرج جميع الرقيق من ثلثه عتقوا كلهم وكان لكل واحد منهم ما أفاد واكتسب لا يحسب من ميراث الميت، وإن لم يحسب فكان الرقيق لا يخرجون معا من ثلث مال الميت فأحصي مال كل واحد منهم ووقف، ثم حسب قيمة الرقيق والمعتقين وجميع ما ترك الميت فكان الميت ترك ألفا ورقيقا يسوون ألفا، وكان من يعتق من الرقيق ثلثيهم، وذلك ثلث مال الميت كاملا، فأقرعنا بينهم فأعتقنا ثلثيهم وخلينا بينهم وبين أموالهم؛ لأنها أموال اكتسبوها وهم أحرار وأرققنا ثلث الرقيق واستخرجنا ما في أيديهم مما أفادوا واكتسبوا فكان مائة اكتسبها مملوكان، فزاد مال الميت، فأقرعنا بين المماليك الباقين حتى نستوظف ثلث مال الميت، فأي مماليكه خرج عليهم سهم العتق عتق كله، أو عتق منه ما حمل ما بقي من الثلث، وإذا عتق كله انبغى أن أرجع إليه ماله الذي دفعته إلى الورثة، وإذا دفعت ذلك إليه فكان ذلك ينقص مال الميت حتى لا يخرج من الثلث حسبت ماله وقيمته، ثم أعتق منه بقدر ما عتق ودفعت إليه من ماله بقدر ما عتق منه، فإن عتق نصفه أعطيته نصف ماله، أو ثلثه أعطيته ثلث ماله فكان موقوفا في يديه يأكله في يومه الذي يفرغ فيه لنفسه من خدمة مالكه وعلى هذا الأصل حساب ما زاد من مال الميت ونقص. . [باب كيف قيم الرقيق] (قال الشافعي) : - رضي الله تعالى عنه: وإذا كان الرقيق أعتقوا عتق بتات في مرض المعتق، أو رقيق أعتقوا بتدبير، أو وصية فمات المدبر، أو الموصي ولم يرفع إلى الحاكم حتى تغيرت قيم الرقيق بزيادة، أو نقصان فالقول في قيم الرقيق أنهم يقومون في يوم وقع لهم العتق ولا ينظر إلى زيادتهم ولا نقصانهم بعد ذلك، وذلك أن الرقيق الذين عتقوا عتق بتات كان العتق لهم تاما لو عاش وتاما لو مات فخرجوا من الثلث، وواقع على جماعتهم إنما يردون بأن لا يدع الميت مالا يخرجون به فيردون، أو يرد منهم من رد فإذا تم عتق بعضهم ورد في بعض فإنما أعتقوا بالعتق المتقدم في حياة المعتق لا أن أيهم يعتق بالحكم بالقرعة؛ لأن الحكم بالقرعة حكم مستأنف كأنهم عتقوا يومئذ ولا أن القرعة أوقعت لمعتق عتقا لم يكن له ولا زادته ما لم يستوجب، إنما فرقت بين العتق والرق، فأما زيادة في شيء بأمر لم يكن فلا ولكنه تمييز بين من يرق ويعتق ممن وقع له العتق بالقول المتقدم، فإذا كان هذا هكذا انبغي أن تكون القيمة يوم يقع العتق لا يوم يقع الحكم، وأما المدبرون والمعتقون بوصية فقيمتهم يوم يموت الميت؛ لأنه وقع لهم يومئذ ومن قال هذا القول انبغى أن يقول إن كان المعتقون إماء، أو كان فيهم إماء حبالى قومهن حبالى، فإن استأخرت قيمهن إلى أن يلدن فقيمتهن حبالى وأيتهن عتقت فولدها حر معها؛ لأنها لما وقعت لها القرعة وهي حامل فكان حكم حملها حكمها يعتق بعتقها ويرق برقها، ولو كان زايلها قبل العتق كان حكمه غير حكمها، وهكذا كل من رق منهن رق معها ولدها، لا حكم للولد إلا حكم أمهاتهم ولو ولدت بعد العتق وقبل القرعة ثم عتقت كان ولدها أحرارا مثلها، ولو ولدت قبل أن تعتق عتق بتات كان ولدها كغيره من رقيق سيدها، وما كان في أيدي هؤلاء الرقيق المعتقين عتق بتات عند الموت، أو المعتقين بعد الموت من مال قبل أن يقع العتق على المعتقين فهو كله مال تركه الميت، فيؤخذ فيكون ميراثا كما ترك من مال سواه، وكذلك أرش كل جناية جنيت على أحد منهم قبل وقوع العتق وإن لم يوجد إلا بعد العتق وكل ما وهب لهم، أو صار لهم من أجرة ومهر جارية وغير ذلك فكله مال من مال الميت؛ لأنه وجب قبل وقوع العتق لهم وهم رقيق ومال الرقيق لمالكه، ولو زوج أمة منهم بمائة دينار فلم يدخل بها الزوج حتى أعتقها فالمائة للسيد إذا دخل بها أو مات عنها، والمائة وجبت بالعقد كاملة، وهي مملوكة إلا أن يطلق فيكون له أن يرجع بنصف المائة، ويكون الخمسون للسيد (قال) : وما أفاد العبيد المعتقون والإماء بعد وقوع العتق من كسب وهبة وأرش جناية وغير ذلك وقف ومنعوه، فإن خرجوا من الثلث فهم أحرار وأموالهم التي كسبوا وأفادوا، أو صارت لهم بأي وجه ما كانت أموال أحرار لم يملكها الميت قط فيدفع إلى كل واحد منهم ماله، وإن لم يخرجوا كلهم من الثلث أقرع بينهم فأيهم وقعت له الحرية عتق وصير إليه ماله الذي صار له بعد وقوع الحرية بالكلام بها في عتق البتات، أو موت المعتق بموته وصار من معه رقيقا فأخذ ما في أيديهم من الأموال وما وجب لهم من أرش الجناية ومهر المنكوحة وغيرها مما ملكوه، فإذا أخذ فقد زاد مال الميت وإذا زاد مال الميت وجب علينا أن نعتق ما حمل ثلث الزيادة من الرقيق، فعلينا نقض قسم الرقيق الذين قسمناهم بين الورثة والاقتراع بينهم فأيهم خرج عليه سهم العتق أعتقناه، أو ما حمل ما يبقى من ثلث مال الميت وصار ما بقي من الرقيق وما بقي من أحدهم إن عتق بعضه مماليك، فإن أرادوا الورثة أن ![]()
__________________
|
#335
|
||||
|
||||
![]() ![]() كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي المجلد الثامن الحلقة (335) صــــــــــ 11 الى صـــــــــــ 18 يقتسموها أعدنا قسمتهم مستقبلا كأنا وجدنا مال الميت زاد بما في أيدي العبيد والإماء الذين خرج عليهم الرق ألفا ومائتين، فكان ثلث مال الميت منها أربعمائة دينار وقيمة الرقيق الذين أعتقهم الميت ألفا فصار لهم من العتق الخمسان على معنى، وذلك أنا نقرع بينهم فإذا خرج سهم العتق من الرقيق على واحد قيمته أربعمائة ولم يكن كسب شيئا نأخذه من يده عتق ورق من بقي وصح المعنى، فإن خرج سهم العتق على واحد قيمته أربعمائة أوقعنا له العتق، وإذا نظرنا فكنا قد أخذنا من ماله شيئا كان علينا أن نرده عليه فكأنا أخذنا من كسبه أربعمائة، فإذا أردنا ردها عليه وجدنا مال الميت ينقص فينقص عتقهم فنقف الأربعمائة ونعتق منه ثلث ثمانمائة فيكون ثلثاه حرا وثلثه مملوكا، ثم يكون له ثلثا أربعمائة، ثم نزيده في العتق بقدر ثلثي أربعمائة، فإذا تم زدناه في العتق شيئا، ثم زدناه عليه من ذلك بقدره حتى يصير إليه من كسبه وماله بقدر ما يعتق منه إن عتق ثلاثة أرباعه صيرنا إليه ثلاثة أرباع ماله، ثم رددنا ما بقي من كسبه ميراثا للوارث وهذا من الدور، وأصل هذا أن تنظر أبدا إلى الرقيق إذا عجز ثلث مال الميت فأعتقت نصفهم بالقرعة، ثم زاد مال الميت بأي وجه ما كان فأحسب ثلث الزيادة ثم أعتق ممن يبقى من الرقيق المعتقين بقدر ما زاد مال الميت. [باب تبدئة بعض الرقيق على بعض في العتق في الحياة] (قال الشافعي) : - رضي الله تعالى عنه - ولو أن رجلا قال في مرضه غلامي هذا حر لوجه الله، ثم قال بعد وغلامي هذا حر، ثم قال بعد لآخر ذلك، وليس له مال غيرهم وقفنا أمرهم فإن مات أعتقنا الأول، فإن كان الثلث كاملا عتق كله، وإن كان أكثر من الثلث عتق منه ما حمل الثلث دون ما بقي والعبدان معه، وإن كان أقل من الثلث عتق كله وعتق من الثاني ما حمل الثلث فإن خرج الثاني من الثلث فهو حر كله، وإن خرج من الثلث وبقي فضل في الثلث عتق الفضل من الثالث ولو كانوا أربعة فأكثر والمسألة بحالها كان القول كما وصفت، فإن قال معهم وأعتقوا الرابع وصية، أو إذا مت، أو كان الرابع مدبرا كان القول فيها كما وصفت وبدئ عتق البتات؛ لأنه وقع في الحياة على كل عتق بعد الموت بتدبير، أو وصية، والتدبير وصية؛ لأن له أن يرجع فيه ما كان حيا، وأنه لا يقع إلا بعد الموت وإن فضل عن ثلثه فضل عن الذين أعتقهم عتق بتات عتق من المدبر أو ممن أوصى بعتقه ما حمل الثلث ورق ما بقي، وكذلك لو قال: سالم حر وغانم حر وزياد حر وقفنا عتقهم، فإذا مات بدأنا بسالم؛ لأن الحرية قد كانت وقعت له قبل غانم إن عاش، فإن فضل فضل عتق غانم، فإن فضل فضل عتق زياد، أو ما حمل الثلث منه وإذا بدئ عتق بعضهم على بعض عتق البتات كان كما وصفت لك لا قرعة إذا كان تبدئة؛ لأن عتق كل واحد منهم يقع بالكمال على معنى إن عاش المعتق أو يخرج المعتق من الثلث إن مات المعتق، وما جنى على الرقيق بعد وقوع العتق وقبل القرعة من جناية فهي موقوفة حتى يقرع بينهم، فأيهم خرج سهمه كان حرا وكانت الجناية عليه كالجناية على الحر، وموقوفة وما أصاب في تلك الحال من حد، فإذا خرج سهمه حد فيه حد الأحرار، فإذا شهد في تلك الحال وقفت شهادته، فإذا عتق جازت، وما ورث في تلك الحال وقف، فإذا خرج سهمه فكالحر لا تختلف أحكامه ويجري الولاء ويرث ويورث لما وصفت من أن الحرية وقعت بالقول المتقدم في عتق البتات، والقول المتقدم في موت المعتق في التدبير وعتق الوصية وهكذا إن جنوا وقفت جنايتهم، فأيهم عتق عقلت عنه عاقلته من قرابته، فإن لم يحتملوا فمواليه، وأيهم رق فجنايته جناية عبد يخير سيده بين أن يفديه، أو يباع منه في الجناية ما تؤدى به، أو تأتي على جميع ثمنه (قال) : ولو كان الجاني بعض هؤلاء المعتقين، فعتق بالقرعة نصفه قيل لمالكه إن شئت فاقتد النصف الذي تملك بنصف أرش الجناية تاما وإلا بيع عليك ما تملك منه حتى تؤدي نصف جميع الجناية، فإن كان في نصفه فضل عن نصف الجناية بيع بقدر نصف الجناية إلا أن تشاء أن يباع كله ويرد عليك الفضل من ثمنه وكان ما بقي من نصف الجناية في مال إن اكتسبه في يومه الذي يكون فيه لنفسه يؤخذ منه الفضل عن مصلحته في نفقته وكسوته وما بقي دين عليه متى عتق اتبع به، فإن أعتق ثلاثة مماليك ليس له مال غيرهم ومات فلم يقرع بينهم حتى مات منهم واحد، أو اثنان أقرع على الموتى والأحياء، فإن خرج سهم الحي حرا عتق وأعطى كل مال أفاده من يوم تكلم سيده بالعتق وكان الميتان رقيقين إن كانت قيمتهما سواء، فإن كان للميتين مال أحصي، فكأنهما تركا ألفا كسباها بعد كلام السيد بالعتق، كل واحد منهما خمسمائة، فزاد مال الميت، فأقرعنا بينهما فخرج سهم الحرية على أحدهما، فحسبنا كم يعتق منه بتلك الخمسمائة التي كانت للمستفيد كأنه قيمة خمسمائة فوجدناه ثلثه، ثم نظرنا إلى الخمسمائة الدرهم التي كسبها بعد عتق سيده فأعطيناه ثلثها وهو مائة وستة وستون وثلثا درهم وبقي ثلثاها وهو ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث، فزدناه في مال الميت فكنا إذا زدناه في العتق رجع علينا بفضل ما أخذنا من ماله فانتقصناه من العتق قال أبو يعقوب يقدر ذلك على أن يعتق منه ما يكون له من ماله بقدر ما عتق منه غير محسوب ذلك من مال الميت؛ لأن ذلك إنما تحسبه نصيب حر فهو له دون السيد (قال الشافعي) : وقال بعض من ينسب إلى العلم في الرقيق يعتقون فلا يحملهم الثلث يقومون يوم يقرع بينهم ولا أنظر إلى قيمهم يوم يكون العتق؛ لأن العتق إنما يقع بالقرعة، كأنه ذهب إلى أنه إذا لم يدر أيهم عتق ولا أيهم رق وليست في واحد منهم حرية تامة إنما تتم بالقرعة (قال الشافعي) : ومن مات منهم لم يعتق ومات رقيقا وأخذ ماله ورثة سيده، فأقرع بين الأحياء كأنه لم يدع رقيقا غيرهم (قال الشافعي) : وإذا كان العبد بين ثلاثة فأعتق أحدهم نصيبه منه وهو موسر ففيها قولان: أحدهما: أنه يوقف عتقه فإن وجد له مال يبلغ قيمته دفع إلى شريكه من ماله أحب أو كره قيمته وبأن عتقه بالدفع (قال) : وسواء في العتق العبد والأمة والمرتفع والمتضع من الرقيق والكافر والمسلم لا افتراق في ذلك، ومن قال هذا القول انبغى أن يقول لما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيمن أعتق شركا له في عبد وكان له مال يبلغ قيمة العبد قوم عليه قيمة عدل فأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد، وإلا فقد عتق منه ما عتق فبين في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه يعتق بالقول إذا كان له مال والقيمة في ماله وإن لم يرض شركاؤه بالعتق استدللنا على أن عتقه إذا كان ذا مال ودفعت قيمته إخراجا له من أيدي مالكيه معه أحبوا أو كرهوا، فإذا كان هذا هكذا وقع العتق والولاء ثابت للمعتق والغرم لازم له في قيمة ملك شركائه من العبد، فإذا كان هذا هكذا فلو أعتق واحد من شركائه أو كلهم بعد ما يقع عليه عتقه بالقول لم يقع عليه؛ لأنه خارج عن ملكه تام العتق على المعنى الذي وصفت من دفع الثمن، ويقال لك: الثمن فإن شئت فخذه وإن شئت فدعه، والولاء للذين سبقا بالعتق ولو أعتقا جميعا معا لزمهما العتق وكان الولاء لهما، والغرم لشريك إن كان معهما عليهما سواء، فأما إذا تقدم أحد المعتقين من موسر فالعتق تام والولاء له، وما كان من عتق بعده فليس بجائز، وهو عتق ما لا يملك، وإن كان أحد شركائه غائبا تم العتق ووقف حقه له حتى يقدم أو يوكل من يقبضه، فإن أقام الغائب البينة أنه أعتقه في وقت قبل الوقت الذي أعتقه الحاضر وكان هو موسرا، فهو حر وله ولاؤه ويبطل عتق الحاضر؛ لأنه أعتق حرا وإن كان معسرا عتق نصيبه منه وله ولاؤه وعتق الباقي على الحاضر وضمن لشريكه قيمته، ولو أعتقه واحد، ثم آخر وقف العتق منهما، فإن كان الأول موسرا دفع ثمنه وعتق عليه وكان عتق الآخر باطلا، وإن كان معسرا عتق على الثاني نصيبه، فإن كان موسرا عتق عليه نصيب صاحبه وأعطاه قيمته وكان الولاء بينهما على قدر ما أعتق، للأول الثلث وللآخر الثلثان؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جعل على الذي يعتق نصيبا له في عبد أن يعتق عليه كله إذا كان موسرا مدفوعا من ماله إلى شركائه قضى على المعتق الآخر بذلك، والقضاء بقليل الغرم إذا أعتق أولى من القضاء بكثيره، أو في مثل معناه وفي قضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله «فكان له مال يبلغ قيمة العبد قوم عليه» : دلالتان: إحداهما، إن على المرء إذا فعل فعلا يوجب لغيره إخراج شيء من ماله أن يخرج منه؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يقل إلا أن يكون لا مال له غير قيمة العبد، فأما في مال الناس فهذا صحيح، وقد يحتمل أن يقاس عليه ما جعل الله من ماله، ويحتمل أن يفرق بينه، والقول الثاني أني أنظر إلى المعتق شركا له في عبد، فإذا كان حينئذ موسرا ثم قوم عليه بعدما أعسر كان حرا وأتبع بما ضمن منه ولم ألتفت إلى تغير حاله، إنما أنظر إلى الحال التي وقع عليها فيها الحكم فإن كان ممن يضمن ضمن، وهذا القول الذي يصح فيه القياس، ولو أعتق عبدا قيمته ألف ولم نجد له حين أعتق إلا مائة أعتقنا منه خمس النصف، فعتق نصفه وعشره وكان ما بقي منه رقيقا. وهكذا كلما قصر عن مبلغ قيمة شريكه عتق منه بقدر ما وجد للمعتق ورق ما بقي منه مما لم يحتمله ماله، ولو أعتق رجل شقصا من عبد في صحته، ثم مات قبل يقوم عليه قوم عليه في جميع ماله إذا كان العتق وهو موسر لأن يخرج من ماله؛ لأنه وجب عليه بأن يكون موسرا واجد المال يدفع يوم أعتق ولا يمنعه الموت من حر لزمه في الصحة كما لو جنى جناية، ثم مات لم يمنعه الموت من أن يحكم بها في ماله، أو على عاقلته وسواء أخر ذلك أو قدم، وكذلك لو كان العبد له خالصا فأعتق بعضه، ثم مات كان حرا كله بالقول المتقدم منه ولو لم يدع مالا غيره؛ لأن العتق وقع في الصحة وهو غير محجور عن ماله ومتى أعتق شركا له في عبد وكان له مال يعتق منه قوم عليه يومئذ ودفع إليه قيمته وعتق كله، فإن أعتقه ولا مال له فالعبد رقيق ويعتق منه ما يملك المعتق، وإن أيسر بعد ذلك لم يقوم عليه، وسواء أيسر بعد الحكم أو قبله، إنما انظر إلى الحال التي يعتق بها، فإن كان موسرا دافعا عتق في قول من يرى العتق، إنما يقع باليسر والدفع، ويعتق في قول من يرى العتق إنما يقع باليسر وإن لم يكن دافعا إذا كان موسرا يوم أعتق. وإن كان غير موسر دافع لم يعتق؛ لأنه يومئذ وقع الحكم وإن أيسر بعده وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قال في المعتق شركا له في عبد إن كان موسرا قوم عليه قيمة عدل فأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه وإلا فقد عتق منه ما عتق، وإنما جعله يخرج من ملك الذي لم يعتق بعتق شريكه بأن يكون شريكه موسرا دافعا لقيمته، وهذا في قول من قال لا يعتق إلا بالدفع، والقول الآخر أنه يعتق باليسر، وإن لم يكن دافعا بأن يكون موسرا غير دافع، وإذا أخرجه من ملك المعتق عليه بأمرين: اليسر والدفع لم يجز أن يخرج من ملكه بأمر واحد، وهو قول يجد من قاله مذهبا، وأصح في القياس أن ينظر إلى المعتق حين يقع العتق فإن كان موسرا بقيمته فقد وقع العتق وضمن القيمة، وإن أعدم بعد أتبع بالقيمة، ولو كانت المعتقة جارية حبلى يوم أعتق بعضها فلم تقوم حتى ولدت قومت حبلى وعتق ولدها معها؛ لأنها كانت حبلى يوم أعتقت، فيعتق ولدها بعتقها ويرقون برقها ليس بمنفصل عنها ولو زعمت أن العتق إنما يقع يوم يكون الحكم، انبغى أن لا يعتق الولد معها؛ لأنه لم يعتق الولد ألا ترى أنه لو أعتق جارية ساعة ولدت لم يعتق ولدها معها إنما يعتق ولدها بعتقها إذا كانت حبلى، فأما إذا ولدت فحكم ولدها حكم ولد غيرها. . [عتق الشرك في المرض] (قال الشافعي) : - رضي الله تعالى عنه - وإذا أعتق شركا له في عبد في مرضه الذي مات فيه عتق بتات، ثم مات كان في ثلثه ما أعتق منه لنفسه ولغيره إذا حمله الثلث، فأمره في ثلثه كأمر الصحيح في كل ماله لا يختلف إذا أعتقه عتق بتات، وكذلك إذا أعتق من عبد له سهما من مائة سهم في مرضه ثم مات وثلثه يحمله عتق عليه كله؛ لأنه أوقع العتق عليه وهو حي مالك لثلث ماله، أو كله، وكان كمن أعتق عبده كله، ولو أوصى بعتق ثلث مملوك له بعد موته لم يعتق منه إلا ما عتق وذلك أن العتق إنما وقع بالموت وهو لا يملك شيئا يوم يقوم عليه فيه كله وماله كله لوارثه إلا ما أخذ من ثلثه، فلما لم يأخذ من عبده إلا ثلثه كان لا مال له يقوم عليه فيه العبد فيعتق بالقيمة والدفع. [اختلاف المعتق وشريكه] (قال الشافعي) : - رضي الله تعالى عنه - إذا أعتق رجل شركا له في عبد ولم يترافعا إلى السلطان إلا بعد أشهر فحكم عليه السلطان بالقيمة يوم أعتق فاختلفا في القيمة يوم وقع العتق فقال المعتق: كانت قيمته ثلاثين وقال المعتق عليه: كانت قيمته أربعين ففيها قولان: أحدهما، أن القول قول المعتق؛ لأنه موسر واجد دافع، فإذا أعتق العبد بهذا لم يؤخذ من ماله إلا ما زعم هو أنه لزمه. والقول الثاني: أن يكون القول قول رب العبد ولا يخرج ملكه من يده إلا بما رضي كما يكون إذا اختلفا في الثمن والعبد قائم كان القول قول رب المال والمبتاع بالخيار، وفي هذا سنة، وهو لا يصح قياسا على البيع من قبل أن البيع إذا كان قائما فللمبتاع رد العبد، أو أخذه بما قال البائع، وليس للمعتق ها هنا رد العتق، ولكن لو قال قائل في هذا إذا اختلفا تحالفا وكان على المعتق قيمة العبد كما يكون على المشتري قيمة الفائت إذا اختلفا في ثمنه كان مذهبا، ولو اختلفا فقال الذي له الغرم العبد خباز، أو كاتب، أو يصنع صناعة تزيد في عمله. وقال المعتق: ليس كذلك نظر فإن وجد كان يصنع تلك الصناعة أقيم بصناعته وإن لم يوجد ذلك لم يؤخذ بقول الذي له الغرم، وكان القول قول المعتق؛ لأنه مدعى عليه زيادة القيمة، وإن كانت صناعته مما يحدث في مثل تلك المدة التي ترافعا فيها من يوم وقع العتق فالقول قول المعتق، ولو قال المعتق: أعتقت هذا العبد وهو آبق، أو سارق، أو معيب عيبا لا يرى في بدنه. وقال الذي له الغرم: ليس بآبق ولا سارق فالقول قوله، وهو على البراءة من العيب حتى يعلم العيب؛ لأن العبد قائم بعينه لا يرى فيه عيب وهو يدعي فيه عيبا يطرح عنه بعض ما لزمه ومن قلنا القول قوله في هذا وغيره، فقال الذي يخالفه وهو يعلم: إن ما قلت كما قلت فأحلفوه، أحلفناه على دعواه فإن حلف برئ وإن نكل عن اليمين رددنا اليمين على صاحبه، فإن حلف استحق وإن لم يحلف أبطلنا حقه في اليمين ولم نعطه إذا تركها على ما ادعى، وذلك مثل قوله: أعتقت العبد وهو آبق، فقلنا القول قول الذي له الغرم، فإن قال المعتق: هو يعلم أنه آبق أحلف كما وصفت، وذلك أنه قد يكون يعلم ما لا يوجد عليه بينة وما أشبه هذا، ولو كان العبد المعتق بعضه ميتا، أو غائبا فاختلفا فيه فقال المعتق: هو عبد أسود زنجي يساوي عشرة دنانير وقال المعتق عليه: هو عبد بربري، أو فارسي يساوي ألف دينار، فالقول قول المعتق الذي يغرم، إلا أن يأتي الذي له الغرم ببينة على ما قال، أو يحلف له المعتق إن أراده ولو تصادقا على أنه بربري واختلفا في ثمنه، فالقول قول المعتق مع يمينه، ولو تصادقا على أنه بربري قيمته ألف لو كان ظاهرا، وخمسمائة لو كان غير ظاهر، وادعى المعتق أنه غير ظاهر. فالقول قول الذي له الغرم إلا أن يأتي المعتق ببينة على ما ادعى. وإن شاء أحلفناه على ما ذكر إن قال هو يعلم ما قلت إنما يصدق المعتق على القيمة إذا لم يذكر عيبا وقال قيمة السلعة كذا لما يكون مثله قيمة لمثل العبد بلا عيب، فأما إذا ذكر عيبا فالغرم لازم وهو مدع طرحه أو طرح بعضه؛ لأن القيمة إنما هي على البراءة من العيب حتى يعلم عيبا. [باب من يعتق على الرجل والمرأة إذا علما] (قال الشافعي) : - رضي الله تعالى عنه - ومن ملك أباه أو جده، أو ابنه، أو ابن ابنه وإن تباعد أو جدا من قبل أب، أو أم، أو ولدا من ابن أو بنت وإن تباعد ممن يصير إليه نسب المالك من أب، أو أم، أو يصير إلى المالك نسبه من أب أو أم حتى يكون المالك ولدا، أو والدا بوجه عتق عليه حين يصح ملكه له، ولا يعتق عليه غير من سميت لا أخ ولا أخت ولا زوجة ولا غيرهم من ذوي القرابة، ومن ملك ممن يعتق عليه شقصا بهبة، أو شراء، أو أي وجه ما ملكه من وجوه الملك سوى الميراث عتق عليه الشقص الذي ملكه وقوم عليه ما بقي منه إن كان موسرا وعتق عليه، وإلا عتق منه ما ملك ورق ما بقي لغيره، وإذا كان الرجل إذا ملك أحدا يعتق عليه بالملك فكان حكمه أبدا إذا ملكه كمن أعتق وهو إذا ملك من يعتق عليه وقد كان قادرا على أن لا يملكه في حكم المعتق شركا له في عبد لا يختلفان، وهو إذا وهب له أو أوصى له به فله أن يرد الهبة والوصية وكل ما ملك غير الميراث، فقبوله في الحال التي له رده فيها كاشترائه شقصا منه وشراؤه وقبوله كعتقه، ولكنه لو ورث بعض من يعتق عليه لم يكن له رد الميراث من قبل أن الله عز وجل حكم أن ألزم الأحياء ملك الموتى على ما فرض لهم فليس لأحد أن يرد ملك الميراث ولو ورث عبدا زمنا، أو أعمى كان عليه نفقته وليس هكذا ملك غير الميراث، ما سوى الميراث يدفع فيه المرء الملك عن نفسه. وإذا ملك ممن يعتق عليه شقصا عتق عليه ما ملك منه ولم يقوم عليه ما بقي منه؛ لأنه لم يجر ملكه بنفسه إنما ملكه من حيث ليس له دفعه، وسواء كان الذي يملك فيعتق عليه مسلما، أو كافرا، أو صغيرا، أو كبيرا لا اختلاف في ذلك ولو ورث صبي لم يبلغ، أو معتوه لا يعقل، أو مولي عليه أبا، أو من يعتق عليه عتق على كل واحد من هؤلاء من ملك بالميراث، وإن ملك أحد هؤلاء شقصا بالميراث عتق عليهم الشقص ولم يعتق غيره بقيمته لما وصفت من أنهم لم يكونوا يقدرون على رد ذلك الملك (قال الشافعي) : ولو أن صبيا أو معتوها وهب له أبوه، أو ابنه، أو أوصي له به، أو تصدق به عليه ولا مال للصبي وله ولي كان على وليه قبول هذا كله له ويعتق عليه حين يقبله، ولو تصدق عليه بنصفه، أو ثلثه، أو أوصي له به، أو وهب له والصبي، أو المعتوه معسران كان لوليه قبول ذلك عليه وعتق منه ما صار إليه من أبيه أو ولده، وإن كان موسرا فوهب له نصف ابنه أو نصف أبيه لم يكن للولي أن يقبل ذلك، وذلك أنه يعتق عليه النصف ويكون موسرا فيكون الحكم على الموسر عتق ما يبقى وليس للولي أن يقبل هذا كله له من قبل أن قبوله ضرر على مال الصبي والمعتوه ولا منفعة لهما فيه عاجلة وما كان هكذا لم يكن للولي أن يقبله له، فإن قبله فقبوله مردود عنه؛ لأن في قبوله ضررا على الصبي، أو ضررا على شريك الصبي. وذلك أنه إنما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يعتق على المالك الشريك بقيمة يأخذها، فإذا لم يأخذ القيمة عتق عليه بغير حق حتى يصح ملكه عليه. . [أحكام التدبير] بسم الله الرحمن الرحيم أخبرنا الربيع بن سليمان: قال أخبرنا الشافعي - رضي الله تعالى عنه -؛ قال أخبرنا مسلم بن خالد وعبد المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول «إن أبا مذكور رجلا من بني عذرة كان له غلام قبطي فأعتقه عن دبر منه، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمع بذلك العبد فباع العبد، وقال: إذا كان أحدكم فقيرا فليبدأ بنفسه، فإن كان له فضل فليبدأ مع نفسه بمن يعول، ثم إن وجد بعد ذلك فضلا فليتصدق على غيرهم» وقد زاد مسلم في الحديث شيئا هو نحو من سياق حديث الليث بن سعد (قال الشافعي) : أخبرنا يحيى بن حسان عن الليث بن سعد وحماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال: «أعتق رجل من بني عذرة عبدا له عن دبر، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ألك مال غيره؟ فقال: لا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: من يشتريه مني؟ فاشتراه نعيم بن عبد الله العدوي بثمانمائة درهم فجاء بها النبي - صلى الله عليه وسلم - فدفعها إليه، ثم قال: ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل عن نفسك شيء فلأهلك. فإن فضل شيء فلذوي قرابتك، فإن فضل عن ذوي قرابتك شيء فهكذا وهكذا» يريد عن يمينك وشمالك (قال الشافعي) : قول جابر والله أعلم رجلا من بني عذرة يعني حلفاء، أو جيرانا في عدادهم في الأنصار وقال مرة رجلا منا يعني بالحلف وهو أيضا منهم بالنسب ونسبه أخرى إلى قبيلة كما سماه مرة ولم يسمه أخرى (قال الشافعي) : أخبرنا يحيى بن حسان عن حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله «أن رجلا أعتق غلاما له عن دبر ولم يكن له مال غيره، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: من يشتريه مني؟ فاشتراه نعيم بن عبد الله بثمانمائة درهم، وأعطاه الثمن» (قال الشافعي) : أخبرنا يحيى بن حسان عن حماد بن سلمة عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بنحو حديث حماد بن زيد (قال الشافعي) : أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار وعن أبي الزبير سمعا جابر بن عبد الله يقول: «دبر رجل منا غلاما له ليس له مال غيره فقال: النبي - صلى الله عليه وسلم - من يشتريه مني؟ فاشتراه نعيم بن عبد الله النحام قال عمرو وسمعت جابرا يقول: عبدا قبطيا مات عام أول في إمارة ابن الزبير، وزاد أبو الزبير يقال له: يعقوب» (قال الشافعي) : هكذا سمعت منه عامة دهري، ثم وجدت في كتابي: دبر رجل منا غلاما له، فمات، فإما أن يكون خطأ من كتابي، أو خطأ من سفيان فإن كان من سفيان فابن جريج أحفظ لحديث أبي الزبير من سفيان ومع ابن جريج حديث الليث وغيره وأبو الزبير يحد الحديث تحديدا يخبر فيه حياة الذي دبره وحماد بن زيد مع حماد بن سلمة وغيره أحفظ لحديث عمرو من سفيان وحده. وقد يستدل على حفظ الحديث من خطئه بأقل مما وجدت في حديث ابن جريج والليث عن أبي الزبير وفي حديث حماد بن زيد عن عمرو بن دينار وغير حماد يرويه عن عمرو كما رواه حماد بن زيد، وقد أخبرني غير واحد ممن لقي سفيان قديما أنه لم يكن يدخل في حديثه مات، وعجب بعضهم حين أخبرته أني وجدت في كتابي مات، فقال: لعل هذا خطأ منه، أو زلة منه حفظتها عنه (قال الشافعي) : وإذا باع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مدبرا ولم يذكر فيه دينا ولا حاجة؛ لأن صاحبه قد لا يكون له مال غيره ولا يحتاج إلى ثمنه، فالمدبر ومن لم يدبر من العبيد سواء يجوز بيعهم متى شاء مالكهم وفي كل حق لزم مالكهم يجوز بيعهم متى شاء مالكهم، وفي كل ما يباع فيه مال سيدهم إذا لم يوجد له وفاء إلا ببيعهم، وذلك أن التدبير لا يعدو ما وصفنا من أن لا يكون حائلا دون البيع فقد جاءت بذلك دلالة سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو يكون حائلا فنحن لا نبيع المكاتب في دين سيده للحائل من الكتابة، فقد يؤول إلى أن يكون عبدا إذا عجز، فإذا منعناه، وقد يؤول إلى أن يكون عبدا يباع إذا عجز من البيع وبعنا المدبر، فذلك دلالة على أن التدبير وصية كما وصفنا. (قال الشافعي) : ومن لم يبع أم الولد لم يبعها بحال وأعتقها بعد موت السيد فارغة من المال وكل، هذا يدل على أن التدبير وصية (قال الشافعي) : أخبرنا الثقة عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه «عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه باع مدبرا احتاج صاحبه إلى ثمنه» (قال الشافعي) : أخبرنا الثقة عن معمر عن عمرو بن مسلم عن طاوس قال يعود الرجل في مدبره، أخبرنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال المدبر وصية يرجع صاحبه فيه متى شاء (قال الشافعي) : أخبرنا الثقة عن معمر عن ابن طاوس قال: سألني ابن المنكدر: كيف كان أبوك يقول في المدبر أيبيعه صاحبه؟ قال: قلت: كان يقول: يبيعه إذا احتاج صاحبه إلى ثمنه فقال ابن المنكدر ويبيعه وإن لم يحتج إليه (قال الشافعي) : أخبرنا الثقة عن معمر عن أيوب بن أبي تميمة أن عمر بن عبد العزيز باع مدبرا في دين صاحبه (قال الشافعي) : ولا أعلم بين الناس اختلافا في أن تدبير العبد أن يقول له سيده صحيحا، أو مريضا: أنت مدبر، وكذلك إن قال له: أنت مدبر وقال: أردت عتقه بكل حال بعد موتي، أو أنت عتيقي، أو أنت محرر، أو أنت حر إذا مت، أو متى مت، أو بعد موتي، أو ما أشبه هذا من الكلام فهذا كله تدبير. وسواء عندي قال: أنت حر بعد موتي، أو متى مت إن لم أحدث فيك حدثا، أو ترك استثناء أن يحدث فيه حدثا؛ لأن له أن يحدث فيه نقض التدبير (قال الشافعي) : وإذا قال الرجل لعبده: أنت حر إذا مضت سنة، أو سنتان، أو شهر كذا أو سنة كذا، أو يوم كذا، فجاء ذلك الوقت، وهو في ملكه، فهو حر، وله أن يرجع في هذا كله بأن يخرجه من ملكه ببيع، أو هبة، أو غيرهما كما رجع في بيعه وإن لم يرجع فيه إن كان قال: هذا لأمة فالقول فيها قولان: أحدهما، أن كل شيء كائن لا يختلف بحال فهو كالتدبير وولدها فيه كولد المدبرة، وحالها حال المدبرة في كل شيء إلا أنها تعتق من رأس المال، وهذا قول يحتمل القياس وبه نقول، ويحتمل أن يقال ويعتق ولد المدبرة وولد هذه بعتقها، والقول الثاني أنها تخالف المدبرة لا يكون ولدها بمنزلتها تعتق هي دون ولدها الذين ولدوا بعد هذا القول. (قال الشافعي) : ولو قال في صحته لعبده أو لأمته متى ما قدم فلان فأنت حر، أو متى ما برئ فلان فأنت حر، فله الرجوع بأن يبيعه قبل مقدم فلان، أو برء فلان وإن قدم فلان أو برئ فلان قبل أن يرجع عتق عليه من رأس ماله إذا كان قدم فلان، أو كان الذي أوقع العتق عليه والقائل مالك حي مريضا كان أو صحيحا؛ لأنه لم يحدث في المرض شيئا، وهذا موضع يوافقنا فيه جميع من خالفنا من الناس في أن يجعل له الرجوع قبل أن يقدم فلان أو يبرأ فلان، وإذا سئلوا عن الحجة قالوا: إن هذا قد يكون ولا يكون: فليس كما هو كائن فقيل لهم: أوليس إنما يعتق المدبر والمعتق إلى سنة إذا كان العبد المعتق حيا والسيد ميتا، وقد مضت السنة؟ ، أوليس قد يموت هو قبل يموت السيد، وتكون السنة وليس له يقين حكم يعتق به؟ وقد يفقد سيد المدبر فلا يعرف موته ولا يعتق، وقد يمكن أن يكون قد مات ولكن لم يستيقن معرفته إنما يعتق باليقين (قال الشافعي) : ولا أعلم بين ولد الأمة يقال لها إذا قدم فلان فأنت حرة وبين ولد المدبرة والمعتقة إلى سنة فرقا يبين، بل القياس أن يكونوا في حال واحدة، ولو قال: إذا قدم فلان فأنت حر، متى مت، أو إذا جاءت السنة فأنت حر، متى مت فمات كان مدبرا في ذلك الوقت ولو قال: أنت حر إن مت من مرضي هذا، أو في سفري هذا، أو في عامي. هذا، فليس هذا بتدبير. (قال الشافعي) : وإذا صح، ثم مات من غير مرضه ذلك لم يكن حرا، والتدبير ما أثبت السيد التدبير فيه للمدبر (قال الشافعي) : وإذا قال لعبده: أنت حر بعد موتي بعشر سنين، فهو حر في ذلك الوقت من الثلث، وإن كانت أمة فولدها بمنزلتها يعتقون بعتقها إذا عتقت، وهذه أقوى عتقا من المدبرة؛ لأن هذه لا يرجع فيها إذا مات سيدها وما كان سيدها حيا فهي بمنزلة المدبرة. [المشيئة في العتق والتدبير] (قال الشافعي) : - رضي الله تعالى عنه - وإذا قال الرجل لعبده: إن شئت فأنت حر متى مت فشاء فهو مدبر، وإن لم يشأ لم يكن مدبرا (قال الشافعي) : وإذا قال إذا مت فشئت فأنت حر فإن شاء إذا مات فهو حر وإن لم يشأ لم يكن حرا، وكذلك إذا قال: أنت حر إذا مت إن شئت، وكذلك إن قدم الحرية قبل المشيئة أو أخرها، وكذلك إن قال له: أنت حر إن شئت لم يكن إلا أن يشاء (قال الشافعي) : فإن قال قائل: فما بالك تقول إذا قال لعبده أنت حر فقال: لا حاجة لي بالعتق، أو دبر عبده فقال: لا حاجة لي بالتدبير أنفذت العتق والتدبير، ولم تجعل المشيئة إلى العبد وجعلت ذلك له في قوله: أنت حر إن شئت (قال الشافعي) : فإن العتق البتات والتدبير البتات شيء تم بقوله دون رضا المعتق والمدبر، ويلزمه إخراج المعتق من ماله، والمدبر في هذه الحال إذا مات سيده فوقع له عتق بتات، أو عتق تدبير لزمهما معا حقوق وفرائض لم تكن تلزمهما قبل العتق ولم يكن في العتق مثنوية فينتظر كمال المثنوية، بل ابتدأ هذا العتق كاملا ولا نقص ولا مثنوية فيه، فأمضيناه كاملا بإمضائه كاملا، ولم أجعل المشيئة فيه إلى العبد كأن عتقه وتدبيره بمثنوية، فلا ينفذ إلا بكمالها. وكذلك الطلاق إذا طلق الرجل امرأته لم يكن لها رد الطلاق؛ لأنه كامل ويخرج من يديه ما كان له ويلزمها شيء لم يكن يلزمها قبله، ولو قال: أنت طالق إن شئت، أو إن شئت فأنت طالق لم يكن أكمل الطلاق؛ لأنه أدخل فيه مثنوية فلا يكون إلا بأن تجتمع المثنوية مع الطلاق فيتم الطلاق باللفظ به، وكمال المثنوية وكمالها أن تشاء (قال الشافعي) : وكذلك إن قال: إن شاء فلان وفلان فغلامي حر عتق بتات، أو حر بعد موتي فإن شاء أكان حرا، وكذلك المدبر مدبرا وإن شاء أحدهما ولم يشأ الآخر، أو مات الآخر أو غاب لم يكن حرا حتى يجتمعا فيشاءا بالقول معا ولو قال: لرجلين أعتقا غلامي إن شئتما فاجتمعا على العتق عتق، وإن أعتق أحدهما دون الآخر لم يعتق ولو قال لهما: دبراه إن شئتما فأعتقاه عتق بتات كان العتق باطلا ولم يكن مدبرا إلا بأن يدبراه إنما تنفذ مشيئتهما بما جعل إليهما لا بما تعديا فيه، وسواء التدبير في الصحة والمرض والتدبير وصية لا فرق بينها وبين غيرها من الوصايا له أن يرجع في تدبيره مريضا، أو صحيحا بأن يخرجه من ملكه كما لو أوصى بعبده لرجل، أو داره، أو غير ذلك كان له أن يرجع في وصيته مريضا أو صحيحا. وإن لم يرجع في تدبيره حتى مات من مرضه ذلك فالمدبر من الثلث؛ لأنه وصية من الوصايا (قال الشافعي) : أخبرنا علي بن ظبيان عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه قال: المدبر من الثلث. (قال الشافعي) : قال علي بن ظبيان كنت أخذته مرفوعا فقال لي أصحابي: ليس بمرفوع هو موقوف على ابن عمر فوقفته (قال الشافعي) : قال الشافعي والحفاظ الذين يحدثونه يقفونه على ابن عمر ولا أعلم من أدركت من المفتين اختلفوا في أن المدبر وصية من الثلث (قال الربيع) : للشافعي في المدبر قولان: أحدهما، إنه إذا دبره، ثم رجع فيه باللسان لم يخرج من التدبير حتى يخرجه من ملكه ببيع أو هبة، أو صدقة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخرج المدبر من ملك ![]()
__________________
|
#336
|
||||
|
||||
![]() ![]() كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي المجلد الثامن الحلقة (336) صــــــــــ 19 الى صـــــــــــ 26 صاحبه ولا يخرجه من تدبيره حتى يخرجه كما أخرجه النبي - صلى الله عليه وسلم - والقول الثاني: إنه وصية من الوصايا يرجع فيه باللسان كما يرجع في الوصية، وهذا أصح القولين عندي. [إخراج المدبر من التدبير] (قال الشافعي) : وإذا دبر الرجل عبده فله الرجوع في تدبيره بأن يخرجه من ملكه وإن قال له المدبر عجل لي العتق ولك علي خمسون دينارا قبل يقول السيد قد رجعت في تدبيري فقال السيد: نعم فأعتقه، فهذا عتق على مال وهو حر كله وعليه الخمسون وقد بطل التدبير، وإذا لزم سيد المدبر دين يحيط بماله بيع المدبر في دينه كما يباع من ليس بمدبر من رقيقه؛ لأن سيده إذا كان مسلطا على إبطال تدبيره بالبيع وغيره فليس فيه حرية حائلة دون بيعه في دين سيده وبيعه في حياته نفسه وغير ذلك مما يباع فيه العبد غير المدبر، ولو لزم سيده دين بدئ بغير المدبر من ماله فبيع عليه ولا يباع المدبر حتى لا يوجد له قضاء إلا ببيعه، أو بقول السيد قد أبطلت تدبيره وهو على التدبير حتى يرجع فيه، أو لا يوجد له مال يؤدي دينه غيره. (قال الشافعي) : ولو لم يلزم سيده دين كان له إبطال تدبيره فإن قال سيده: قد رجعت في تدبير هذا العبد، أو أبطلته، أو نقضته، أو ما أشبه ذلك مما يكون مثله رجوعا في وصيته لرجل لو أوصى له به لم يكن ذلك نقضا للتدبير حتى يخرجه من ملكه ذلك، وهو يخالف الوصية في هذا الموضع ويجامع مرة الإيمان وكذلك لو دبره، ثم وهبه لرجل هبة بتات قبضه أو لم يقبضه، أو رجع في الهبة، أو ندم عليها أو أوصى به لرجل، أو تصدق به عليه، أو وقفه عليه في حياته، أو بعد موته، أو قال: إن أدى بعد موتي كذا فهو حر فهذا كله رجوع في التدبير باتصاله ولو دبر نصفه كان نصفه مدبرا ولم يعتق بعد موته منه إلا النصف الذي دبر؛ لأنه إنما له من ثلثه ما أخذ وإذا لم يأخذ إلا نصفه فلا مال له بعد موته يقوم عليه فيه؛ لأن الله عز وجل نقل ملكه إلى ملك الأحياء الذين ورثهم فلا مال له بعد موته يقوم عليه ولو دبره، ثم أوصى بنصفه لرجل كان النصف للموصى له به وكان النصف مدبرا. فإن رد صاحب الوصية الوصية ومات السيد المدبر لم يعتق من العبد إلا النصف؛ لأن السيد قد أبطل التدبير في النصف الذي أوصى به كذلك ولو وهب نصفه وهو حي، أو باع نصفه وهو حي كان قد أبطل التدبير في النصف الذي باع، أو وهب والنصف الثاني مدبرا ما لم يرجع فيه، وإذا كان له أن يدبر على الابتداء نصف عبده كان له أن يبيع نصفه ويقر النصف مدبرا بحاله، وكذلك إن دبره، ثم قال: قد رجعت في تدبيري ثلثك، أو ربعك، أو نصفك فأبطلته كان ما رجع فيه منه بإخراجه من ملكه خارجا من التدبير وما لم يرجع فيه فهو على تدبيره بحاله فإذا دبره، ثم كاتبه فليس الكتابة إبطالا للتدبير إنما الكتابة في هذا الموضع بمنزلة الخراج والخراج بدل من الخدمة وله أن يختدمه وأن يخارجه وكذلك يكاتبه إذا رضي فإن أدى قبل موته عتق بالكتابة وإن مات عتق بالتدبير إن حمله الثلث وبطل ما بقي عليه من الكتابة وإن لم يحمله الثلث عتق ما حمل الثلث منه وبطل عنه من الكتابة بقدره وكان عليه ما بقي من الكتابة وكان على كتابته إلا أن يعجز؛ لأنه قد يريد تعجله العتق ويريد العبد تعجيل العتق فيكاتب. (قال الشافعي) : ولو دبر رجل عبده، ثم قال اخدم فلانا لرجل حر ثلاث سنين وأنت حر فإن غاب المدبر القائل هذا، أو خرس، أو ذهب عقله قبل أن يسأل لم يعتق العبد أبدا إلا بأن يموت السيد المدبر وهو يخرج من الثلث ويخدم فلانا ثلاث سنين فإن مات فلان قبل موت سيد العبد، أو بعده ولم يخدمه ثلاث سنين لم يعتق أبدا؛ لأنه أعتقه بشرطين فبطل أحدهما، وإن سئل السيد فقال: أردت إبطال التدبير وأن يخدم فلانا ثلاث سنين، ثم هو حر فالتدبير باطل وإن خدم فلانا ثلاث سنين فهو حر وإن مات فلان قبل أن يخدمه أو وهو يخدمه العبد لم يعتق، وإن أراد السيد الرجوع في الإخدام رجع فيه ولم يكن العبد حرا، وإن قال: أردت أن يكون مدبرا بعد خدمة فلان ثلاث سنين والتدبير بحاله لم يعتق إلا بهما معا كما قلنا في المسألة الأولى، ولو أن رجلا دبر عبدا له، ثم قال قبل موته: إن أدى مائة بعد موتي فهو حر، أو عليه خدمة عشر سنين بعد موتي، ثم هو حر، أو قال: هو حر بعد موتي بسنة فإن أدى مائة، أو خدم بعد موته عشر سنين، أو أتت عليه بعد موته سنة فهو حر وإلا لم يعتق وكان هذا كله وصية أحدثها له، وعليه بعد التدبير شيء أولى من التدبير كما يكون لو قال: عبدي هذا لفلان، ثم قال: بل نصفه لم يكن له إلا نصفه ولو قال رجل: عبدي لفلان، ثم قال بعد ذلك: عبدي لفلان إذا دفع إلى ورثتي عشرة دنانير، أو إلى غير ورثتي عشرة دنانير فإن دفع عشرة دنانير فهو له وإلا لم يكن له؛ لأنه إحداث وصية له، وعليه بعد الأولى ينتقض الشرط في الأولى، والآخرة إذا نقضت أحق من الأولى. (قال الشافعي) : ولو جنى المدبر جناية فلم يتطوع السيد أن يفديه فباعه السلطان، ثم اشتراه ثانية لم يكن مدبرا بوجه من الوجوه، وكان بيع السلطان عليه فيما يجب عليه فيه كبيعه على نفسه، وكان إبطالا للتدبير ولو افتداه سيده متطوعا كان على التدبير، ولو ارتد العبد المدبر عن الإسلام ولحق بدار الحرب، ثم أخذه سيده بالملك الأول كان على تدبيره ولا تنقض الردة ولا الإباق لو أبق تدبيره، وكذلك لو أوجف عليه المسلمون فأخذه سيده قبل أن يقسم، أو بعد ما يقسم كان مدبرا فكان على الملك الأول ما لم يرجع سيده في تدبيره بأن يخرجه من ملكه، ولو وقع في المقاسم كان لسيده أن يأخذه بكل حال وكان على التدبير، ولو كان السيد هو المرتد فوقف ماله ليموت أو يقتل، أو يرجع ثانيا فيكون على ملك ماله لحق بدار الحرب، أو لم يلحق، ثم رجع إلى الإسلام فهو على ملك ماله والعبد مدبر بحاله ولو مات كان ماله فيئا وكان المدبر حرا؛ لأن المسلمين إنما ملكوا مال المرتد السيد المدبر ولم يكن للورثة أن يملكوا بالميراث شيئا ودينهم غير دينه إلا أنهم إنما ملكوا في الحياة وكان التدبير وهو جائز الأمر في ماله ولو قال المدبر: قد رددت التدبير في حياة السيد، أو بعد موته لم يكن ذلك له وليس ما يعتق به العبد كما يوصي به الحر من غير نفسه كل من أوصى له بمال يملكه عن نفسه كان له رد الوصية وكل من أعتق عتق بتات لم يكن له رد العتق؛ لأنه شيء أخرج من يدي المعتق تاما فتثبت به حرمة المعتق ويجب عليه الحقوق وكذلك إذا أعتق إلى وقت. (قال الشافعي) : ولو دبر أمته فوطئها فولدت كانت أم ولد تعتق بعد الموت من رأس المال، ولو دبر عبده ثم كاتبه كان مكاتبا وغير خارج من التدبير؛ لأن الكتابة ليست رجوعا في التدبير (قال الشافعي) : ولو دبره، ثم قال له: أنت حر على أن تؤدي كذا وكذا كان حرا على الشرط الآخر إذا قال: أردت بهذا رجوعا في التدبير، وإن لم يرد بهذا رجوعا في التدبير عتق إن أدى، فإن مات سيده قبل أن يؤدي عتق بالتدبير، فإن أراد بهذا رجوعا في التدبير فهو رجوع في التدبير ولا يكون هذا رجوعا في التدبير إلا بقول يبين أنه أراد رجوعا في التدبير غير هذا القول، فإن دبره، ثم قاطعه على شيء وتعجله العتق فليس هذا نقضا للتدبير والمقاطعة على ما تقطاعا عليه فإن أداه عتق فإن مات السيد قبل أن يؤديه المدبر عتق بالتدبير (قال الشافعي) : وإذ دبر الرجل عبده، ثم لم يحدث رجوعا في تدبيره ولا نقضا له ولم يلحق في عتق. المدبر شيء يباع به فهو على تدبيره ولو دبر السيد، ثم خرس فلم ينطق حتى مات كان على تدبيره ولا ينقض التدبير إلا بإبطاله إياه في حياته بإخراجه من يديه، أو ما وصفت من حق يلزمه في عتق العبد، أو ذمة السيد ولو دبره، ثم خرس وكان يكتب، أو يشير إشارة تفهم فرجع في تدبيره بإشارة، أو كتاب كان رجوعه كرجوع بالكلام إذا أخرجه من ملكه ولو دبره صحيحا، ثم غلب على عقله، ثم رجع في التدبير وهو مغلوب على عقله لم يكن رجوعا وكذلك لو دبره مغلوب على عقله، ثم ثاب إليه عقله فلم يحدث له تدبيرا كان التدبير وهو مغلوب على عقله باطلا وكذلك لو أعتقه وهو مغلوب على عقله لم يجز عتقه. [جناية المدبر وما يخرج بعضه من التدبير وما لا يخرجه] (قال الشافعي) : - رضي الله تعالى عنه - وإذا جنى المدبر جناية فهو كالعبد الذي لم يدبر إن شاء سيده تطوع عنه بإخراج أرش الجناية فإن فعل فليس ذلك ينقض التدبير وهو على تدبيره وإن لم يفعل فكانت الجناية تستغرق عتقه بيع فيها فدفع إلى المجني عليه أرش جنايته، وإن نقص ثمنه عن الجناية فلا غرم على سيده وإن كانت الجناية قليلة وثمن المدبر كثيرا قيل لسيده إن أحببت أن يباع كله ويدفع إلى المجني عليه أرش الجناية ويدفع إليك بقية ثمنه بعناه؛ لأنه قد كان لك بيعه بلا جناية وإن أحببت أن لا يباع كله بيع منه بقدر أرش الجناية وكان ما بقي لك رقيقا مدبرا كان الذي بقي من العبد الثلث، أو أقل أو أكثر، ثم لك فيما بقي من العبد ما كان لك في كله من إبطال تدبيره وبيعه وغير ذلك وإنما ذلك بمنزلة تدبير ذلك الثلث ابتداء (قال الشافعي) : ولو كانت على سيد العبد أيمان لا يرجع في شيء من تدبيره فجنى بيع منه بقدر الجناية وكان ما بقي منه على التدبير ولا حنث عليه؛ لأنه ليس هو الذي باعه (قال الشافعي) : وإذا جنى على المدبر فهو كعبد غير مدبر جنى عليه وهو عبد في كل جناية؛ لأنه كمن لم يدبر ما لم يمت سيده فيعتقه فتتم شهادته وحدوده وجنايته والجناية عليه وسهمه إذا حضر الحرب وميراثه كل هذا هو فيه عبد وكذلك طلاقه ونكاحه وما سوى ذلك من أحكامه. (قال الشافعي) : ولو جنى عليه حر جناية تتلفه، أو تتلف بعضه فأخذ سيده قيمته أو أرش ما أصيب منه كان مالا من ماله إن شاء جعله في مثله وإن شاء لا، فهو له يصنع به ما شاء وإن كان الجاني عليه عبدا فأسلم إليه والمدبر المجني عليه حي فهو على تدبيره، والقول في العبد المسلم في خروج المدبر إلى سيده المدبر كالقول فيما أخذ من أرش جنايته من دنانير، أو دراهم، فإن شاء جعله مدبرا معه وإن شاء كان مالا من ماله يتموله إن شاء (قال الشافعي) : فإن أخذ العبد بما لزم الجاني له من أرش الجناية على مدبرة، ثم سكت فلم يقل هو مدبر مع العبد ولا هو رقيق فليس بمدبر إلا بأن يحدث له تدبيرا، وكذلك لو قتل مدبرا فأسلم إليه عبد، أو عبدان قتلاه لم يكونا مدبرين إلا بأن يحدث لهما تدبيرا فإن قال قائل: فلم زعمت أن العبد المرهون إذا جنى عليه فكان أرش جنايته عبدا، أو مالا كانا كما كان العبد مرهونا؛ لأنه بدل منه ولا تزعم أن المال المأخوذ في أرش الجناية على المدبر والعبد المأخوذ في ذلك يقوم مقام المدبر فيكون مدبرا والمال موضوعا في مدبر أو معتق؟ قيل: له فرقت بينهما لافتراقهما، فإن قال: فأين الفرق بينهما؟ قيل أرأيت العبد المرهون لسيده بيعه، أو هبته، أو الصدقة به أو إبطال الرهن فيه، فإن قال: لا، قيل: ألأن لصاحب الرهن في عنقه حقا لا يبطل حتى يستوفيه؟ فإن قال: نعم، قيل: ومالك الرهن مالك لشيء في عنقه، فإن قال: نعم، قيل: وإنما لم يكن لمالكه إبطاله؛ لأن لغيره من الآدميين فيه ملك شيء دونه؟ فإن قال: نعم، قيل: أفتجد مع مالك المدبر فيه ملك شيء من الأشياء من الآدميين غيره؟ فإن قال: لا، قيل: أفتجد مالك المدبر يقدر على بيعه وإبطال تدبيره، فإن قال: أما في قولك فنعم، قيل: فقد فرقت بينهما، وإذا أعطيت أن لي أن أبيع المدبر فقد زعمت أنه ليس فيه عتق لازم بكل حال إنما فيه عتق إن كان كوصيتك لعبدك إن مت من مرضك، أو سفرك فهو حر فإن مت كان حرا وإن شئت رجعت ولو كانت فيه حرية ثابتة في الحين الذي يقال له هذا فيه لم يرق بحال أبدا. (قال الشافعي) : ويقال لأحد: إن قال: هذا أرأيت أم الولد أليس تعتق بموت سيدها من رأس المال فلا يكون لسيدها بيعها ولا إخراجها إلى ملك أحد؟ فإن قال: نعم، قيل: فهي أوكد عتقا من المدبر عندنا وعندك، فإن قتلها عبد وأسلم إلى سيدها، أو أمة فأسلمت أو حر فدفع ثمنها أيقوم الثمن مقام أم الولد، أو الأمة المسلمة بها؟ فإن قال: لا، قيل: لأن أم الولد لم تعتق وماتت وهي مملوكة، والولد الذي كان منها إنما عتقت به إذا كانت ولدته من سيدها إذا مات سيدها والذي دفع أو دفعت في جنايتها لم تلد من سيدها فتعتق عليه بالولد؟ فإن قال: نعم، قيل: له، وكذلك المدبر هو المشروط له العتق بوصيته فلم يبلغ شرطه وقتل مملوكا وليس أحد بدله في ذلك الشرط بتلك الوصية فيعتق بها، (قال) : وإن كانت الأمة الجانية حبلى فحكم ولدها حكم عضو منها ما لم يزايلها إذا بيعت، فهو كعضو منها لا يخرج من البيع، فإن ولدن قبل أن تباع بعد الجناية وقبل الحكم، أو بعده فسواء لا يدخل ولدها في الجناية؛ لأنه إذا فارقها فارق حكمها في الجناية؛ لأنه غير جان وكان حكمه حكم أمة جنت ولها ولد، فمن رأى بيعها والتفريق بينها وبين ولدها باعها، ومن لم ير بيعها إلا مع ولدها فلم يتطوع السيد بفدائها باعهما ورد على السيد حصة الولد من الثمن وأعطى المجني عليه ثمنها إن كان قدر جنايته، أو أقل لم يرد عليه، وهذا أشد القولين استقامة على القياس على السنة ومعناها، والله تعالى أعلم وبه أقول، وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رد بيع ولد امرأة فرق بينها وبينه للصغر، وليس بيع المالك للبيع بهذه العلة بأكثر من بيع الصغير بما لزم الأم البيع فيه. (قال الشافعي) : وإذا جنى المدبر، أو المدبرة جناية يبلغ أرشها مائة من الإبل ولم تكن قيمة الجاني خمسين من الإبل وللمدبر مال وولد فماله مال سيده لا حق للمجني عليه وهو كسائر ماله ولا يدخل ولد المدبرة ولا ولد المملوكة غير المدبرة في جنايتهما؛ لأنهم لم يجنوا فيدخلوا في جنايته وهم كمال سيده سواهم (قال الشافعي) : وإذا جنى على المدبر، أو المدبرة جناية فعلى الجاني عليهما أرش الجناية عليهما بقدر قيمتهما مملوكين لا تدبير فيهما إن جنى عليهما بقطع أيديهما، فعليه نصف قيمة كل واحد منهما يدفع إلى سيدهما، ويقال له: هو كمال من مالك لك أن تملكه كمالك ملك المدبر والمدبرة وبيعهما ولك أن تصنع فيه ما شئت وعلى الجاني على المدبر، أو المدبرة إن كانت جنايته نفسا قيمتهما مملوكين يوم تقع الجناية صحيحين، أو مريضين كانا وإن كانت المدبرة حبلى فقتلها، فعليه قيمتها حبلى ولا شيء في ولدها وإن جنى عليها فألقت جنينا ميتا وماتت ففي الجنين عشر قيمة أمه يوم يجنى عليه، وفي الأمة قيمتها وقيمة جنينها لسيدها يصنع به ما شاء كما وصفت قبل هذا وإن ألقت جنينا حيا، ثم مات وماتت ففيها قيمتها وفي الجنين قيمته إذا كان حيا فحكمه حكم نفسه وإن كان ميتا فحكمه حكم أمه. . [كتابة المدبر وتدبير المكاتب] (قال الشافعي) : وإذا دبر الرجل عبده، ثم كاتبه فليس الكتابة بإبطال للتدبير إنما إبطاله أن يخرجه من ملكه قبل الكتابة ويسأل فإن قال: أردت إثباته على التدبير غير أني أردت أن أتعجل العتق، فهو مدبر مكاتب، وهكذا إن كاتب أمة فإن ولدت ولدا فهو مكاتب معها، وإن كانت مدبرة مكاتبة فولدها مكاتب مدبر، (قال) : وإذا كاتب عبده، ثم دبره قبل العجز، ثم عجز كان مدبرا، وإن شاء الثبات على الكتابة ثبتناه عليها، فإن أدى عتق، وإن مات سيده قبل الأداء عتق بالتدبير إن حمله الثلث، فإن لم يحمله الثلث عتق منه ما حمل الثلث وبطل عنه من الكتابة بقدر ما عتق منه، وإن قال: أردت الرجوع في التدبير، فلا يكون رجوعا إلا بأن يخرجه من ملكه، فهو مدبر وهو مكاتب، والقول الثاني: أنه يسأل فإن قال: أردت الرجوع في التدبير، فهو رجوع وهو مكاتب لا تدبير له، وإن كاتب عبده ثم دبره قبل العجز، ثم عجز، كان مدبرا، فإن شاء الثبات على الكتابة ثبت عليها وله الكتابة والتدبير، وإن دبر عبده، ثم كاتبه فلم يؤد حتى مات عتق من الثلث وبطلت الكتابة؛ لأن الكتابة لا تكون إبطالا للتدبير إنما يكون إبطاله بأن يقول مالكه: أردت إبطاله ويخرجه من ملكه قبل الكتابة. [جامع التدبير] (قال الشافعي) : وإذا قال الرجل لعبده: يوم تدخل الدار فأنت حر بعد موتي، فذهب عقل السيد، ودخل العبد الدار كان مدبرا، ولو أعتقه بدخول الدار صحيح العقل، ثم ذهب عقله فدخل العبد الدار والسيد ذاهب العقل كان حرا، وإن كان السيد قال هذا وهو ذاهب العقل، ثم دخل العبد الدار والسيد صحيح العقل لم يعتق؛ لأنه قال المقالة وهو ذاهب العقل لو أعتق لم يجز عتقه ولو أوصى لم تجز وصيته؛ لأنه لم يعقل عتقا ولا وصية ولا غيرهما (قال الشافعي) : ولو قال يوم تدخل الدار فأنت حر بعد موتي فلم يدخل العبد الدار حتى مات السيد، ثم دخلها لم يعتق؛ لأن العبد قد خرج من ملك السيد وصار لغيره مملوكا، ولو قال: متى دخلت الدار فأنت حر فمات السيد، ثم دخل العبد الدار لم يعتق؛ لأن العتق وقع وهو في ملك غيره. ولو قال رجل لعبده: متى مت فأنت حر، أو غير حر، ثم مات لم يكن العبد حرا، ولو قال: متى مت أنا فأنت حر وله عبيد لم يدر أيهم عنى بهذا، ثم مات ولم يبين أقرعنا بينهم فأيهم خرج سهمه أعتقناه. ولو قال رجل: لعبد له متى مت وأنت بمكة فأنت حر، ومتى مت وقد قرأت القرآن كله فأنت حر، فمات السيد والعبد بمكة وقد قرأ القرآن كله كان حرا، وإن مات وليس العبد بمكة، أو مات ولم يقرأ القرآن كله لم يعتق ولو قال له: متى ما مت وقد قرأت قرآنا فأنت حر، فإذا قرأ من القرآن شيئا فقد قرأ قرآنا فهو حر، ولو قال له: متى مت فأنت حر إن شاء ابني فلان فإن شاء ابنه فلان فهو حر وإن لم يشأ فليس بحر، وإن مات ابنه فلان قبل أن يشاء، أو خرس، أو ذهب عقله قبل أن يشاء لم يكن حرا إلا أن يبرأ من خرسه، أو يرجع عقله فيشاء فيكون حرا إن خرج من الثلث (قال الشافعي) : وجماع هذا أنه إذا أعتقه على شرط، أو اثنين، أو أكثر لم يعتق إلا بأن تكمل الشروط التي أعتقه عليها، أو الصفة، أو الصفات ولا أعتقه بأقل مما شرط أنه يعتق به أبدا، ومثل هذا الرجل يقول لجاريته، أو عبده في وصيته: إن مت من مرضي هذا فأنت حر، أو أنت حرة، ويوصي لناس بوصايا، ثم يفيق من مرضه، ثم يموت ولم ينقض وصيته فلا يعتق العبد ولا الأمة ولا ينفذ لواحد من أهل الوصايا وصية لأنه أعطاه إياه في حال فلا يكون له في غيرها فعلى هذا، هذا الباب كله وقياسه. [العبد يكون بين اثنين فيدبره أحدهما] (قال الشافعي) : - رضي الله تعالى عنه - وإذا كان العبد بين اثنين فيدبره أحدهما فنصيبه مدبر ولا قيمة عليه لشريكه؛ لأنه قد أوصى لعبده في نفسه بوصية له الرجوع فيها، فلما لم يوقع العتق بكل حال لم يكن ضامنا لشريكه ولو مات فعتق نصفه لم يكن عليه قيمة؛ لأنه وصية ولو أوصى بعتق نصفه ثم يقوم عليه النصف الآخر؛ لأنه لا مال له إلا ما أخذ من ثلثه وهو لم يأخذ من ثلثه شيئا غير ما وصى به وشريكه على شركته من عبده لا يعتق إن مات شريكه الذي دبره، أو عاش ولو قال لعبده: متى مت ومات فلان فأنت حر لم يعتق إلا بموت الآخر منهما، ولو كان بين اثنين فقالا معا، أو متفرقين: متى متنا فأنت حر لم يعتق إلا بموت الآخر منهما، أو قالا: أنت حبس على الآخر منا حتى يموت، ثم أنت حر كان كل واحد منهما قد أوصى لصاحبه بنصفه بعد موته، ثم هو حر، فيكون وصية في الثلث جائزة ويعتق بموت الآخر منهما، والله أعلم. [مال السيد المدبر] في مال السيد المدبر (قال الشافعي) : - رضي الله تعالى عنه - وإذا دبر الرجل عبده وترك مالا غائبا وحاضرا لم يعتق من المدبر شيء إلا بما حضر في أيدي الورثة وعتق في ثلث ما وصل إلى الورثة ولم يعتق في الغائب حتى يحضر فيأخذ الورثة سهمين ويعتق منه سهم، وإن حضر فهلك قبل أخذ الورثة له كان كما لم يترك ويعتق فيما علم للسيد من ماله دون ما لم يعلم، وكان للورثة أخذ جميع ما في يد المدبر من مال أفاده قبل موت سيده، فإذا مات وأفاد مالا بعد موت السيد فإن خرج من الثلث سلم إليه ماله كله وإن لم يخرج من الثلث سلم إليه من ماله الذي اكتسب بعد موت سيده بقدر ما يخرج منه من الثلث وسلم البقية إلى ورثة سيده ولا مال لمدبر ولا أم ولد ولا عبد أموال هؤلاء لساداتهم إذا أعتقوا أخذت أموالهم من أيديهم لا تكون الأموال إلا للأحرار والمكاتب إذا عتق، وكان أفاد مالا في كتابته. [تدبير النصراني] (قال الشافعي) : - رضي الله تعالى عنه - إذا دبر النصراني عبدا له نصرانيا فأسلم العبد النصراني قيل للنصراني: إن أردت الرجوع في التدبير بعناه عليك، وإن لم ترده قيل للنصراني: نحول بينك وبينه ونخارجه وندفع إليك خراجه حتى تموت فيعتق عليك ويكون لك ولاؤه، أو ترجع فنبيعه، وهكذا يصنع في المكاتب وأم الولد فمنعه عن أم الولد حتى يموت فتعتق وعن المكاتب حتى يعجز فنبيعه أو يؤدي فيعتق، وفي النصراني المدبر قول آخر أنه يباع عليه بكل حال، وللنصراني من مال مدبره وعبده وأم ولده مسلمين ما للمسلم من أخذه. . [تدبير أهل دار الحرب] (قال الشافعي) : - رضي الله تعالى عنه - وإذا قدم الحربي دار الإسلام بأمان فدبر عبدا له فالتدبير جائز، فإن أراد الرجوع إلى دار الحرب لم نمنعهما، وإن أسلم العبد المدبر قلنا للحربي: إن رجعت في التدبير لم نمنعك الرجوع في وصيتك وبعنا عليك العبد أبيت أم أطعت؛ لأنا لا ندعك تملك مسلما لنا بيعه عليك، وإن لم ترجع فأردت المقام خارجناه لك ومنعناك خدمته لك، وإن أردت الرجوع إلى بلادك فإن رجعت في تدبيره بعناه، وإن لم ترجع خارجناه ووكلت بخراجه إن شئت من يقبضه لك، فإذا مت فهو حر ولو دبره في دار الحرب، ثم خرج إلينا مقيما على التدبير كان مدبرا ما لم يرجع في التدبير بأن يخرجه من ملكه، وفيه قول آخر أنه يباع بكل حال، وكذلك لو أعتق في دار الحرب، ثم خرجا إلى دار الإسلام ولم يحدث ملكا له بغصب يغصبه إياه يسترقه به في دار الحرب بعد العتق كان حرا، فإن قال قائل: كيف يكون العتق في دار الحرب جائزا؟ قيل: العتق إخراج ملك إلى صاحبه فهو إذا أخرج ماله إلى ملك صاحبه ببيع أو ملك يصح، ثم أسلما لم يرد إليه ما أخرج من ملكه إلى مثله، الحكم فيه أن لا يرد عليه ما أخرج منه ما لم يحدث أخذا له في دار الحرب، فإن أحدث أخذا له في دار الحرب فلا يخرج من يديه ما غلب عليه في دار الحرب، والعتق إخراج شيء من يديه لم يرجع فيأخذه بعد إخراجه فلا يكون له أخذه بعد أن يصير إلى دار الإسلام، قال: والحجة في هذا مكتوب في كتاب غير هذا. [تدبير المرتد] في تدبير المرتد (قال الشافعي) : - رضي الله تعالى عنه - وإذا دبر المرتد ففيه أقاويل: أحدها، أنه موقوف، فإن رجع إلى الإسلام كان على تدبيره حتى يرجع فيه وهو على أصل ملكه، وإن قتل فالتدبير باطل، وماله فيء، ومن قال هذا القول قال: إنما وقفنا ماله عند ارتداده ليكون فيئا إن مات على الردة وراجعا إليه إن رجع، فلما مات على الردة علمت أن ردته نفسها صيرت ماله فيئا، والثاني أن التدبير باطل لأن ماله موقوف يكون فيئا وماله خارج إلا بأن يعود إليه فالتدبير والعتق باطل كله، ومن قال هذا القول قال: إن ماله خرج من يديه إلا أن يعود، وإنما يملكه بالعودة كما حقن دمه بالعودة، فتدبيره كان وهو غير مالك وهذا أشبه الأقاويل بأن يكون صحيحا وبه أقول، والثالث: أن يكون التدبير ماضيا عاش أو مات؛ لأنه لا يملك ماله إلا بموته وبموته يقع العتق، ومن قال هذا أجاز عتقه وجميع ما صنع في ماله (قال الربيع) : للشافعي فيها ثلاثة أقاويل: أصحها: أن التدبير باطل. [تدبير الصبي الذي لم يبلغ] (قال الشافعي) : - رضي الله تعالى عنه - وإذا دبر الغلام الذي لم يعقل ولم يبلغ، ثم مات فالتدبير جائز في قول من أجاز الوصية؛ لأنه وصية ولوليه في حياته بيع مدبره في النظر له كما يكون له أن يوصي لعبده فيبيعه وإن مات جاز في الوصية، وكذلك البالغ المولى عليه ومن لم تجز وصيته (قال) : ومن لم يبلغ فتدبيره باطل ولو بلغ، ثم مات كان باطلا حتى يحدث له تدبيرا بعد البلوغ في حياته، وإذا دبر المعتوه أو المغلوب على عقله لم يجز تدبيره وإن كان يجن ويفيق فدبر في حالة الإفاقة جاز، وإن دبر في غير حال الإفاقة لم يجز. [تدبير المكاتب] (قال الشافعي) : - رضي الله تعالى عنه - وإذا دبر الرجل مكاتبه فإن أدى قبل موت السيد عتق بأداء الكتابة، وإن مات السيد ولم يؤد عتق بالتدبير وبطل ما كان عليه من النجوم إن حمله الثلث، وإن لم يحمله الثلث عتق منه بقدر ما حمل الثلث، وإن شاء إذا دبر قبل موت السيد أن يعجز كان له أن يعجز وكان لسيده أخذ ما كان له من مال، ولا تبطل الكتابة بالتدبير من قبل أنه إنما زاده خيرا ولم ينقصه، ألا ترى أنه لو أعتق جاز عتقه وسقطت الكتابة عنه ولا يكون التدبير منقصا لشيء من الكتابة عنه من قبل أنه لم يقع له بالتدبير عتق بعد، ومتى وقع سقط ما يبقى من الكتابة (قال الشافعي) : - رضي الله تعالى عنه - وإذا مات السيد وله مكاتب لم يبع المكاتب ولا كتابته في دينه ويؤخذ بنجومه في دينه، فإذا عجز بيع في الدين وكان رقيقا، والمكاتب يخالف المدبر، المدبر يباع فيه؛ لأنه وصية ويبيعه سيده في حياته والمكاتب لا يبيعه سيده في دين ولا غيره ولا بعد موته حتى يعجز، ولو كان عبد بين اثنين فدبر أحدهما نصيبه، ثم أعتق الآخر نصيبه وهو موسر ففيه قولان: أحدهما: أنه حر كله وعليه نصف قيمته وله ولاؤه؛ لأن التدبير ليس بعتق بتات ولا يحول بين السيد وبين بيعه، وبه أقول، وإن كان معسرا فنصفه حر ونصفه الآخر مدبر، والقول الثاني: أنه لا يعتق منه إلا ما عتق والنصف الآخر مدبر بحاله يرجع فيه صاحبه متى شاء. [مال المدبر] (قال الشافعي) : - رضي الله تعالى عنه - وما اكتسب المدبر في تدبيره من شيء، ثم عتق بعد موت سيده فهو مال لورثة سيده؛ لأن المدبر لا يملك شيئا إلا شيئا كسبه بعد العتق وما يملك المملوك من شيء فإنما يملكه لسيده، وكذلك لسيد قبض جميع ماله قبل الرجوع في تدبيره بأي وجه كان الملك بكسب، أو هبة، أو وصية، أو جناية جنيت عليه أو غير ذلك، ولو ثبت المدبر على تدبيره حتى مات سيده فعتق وبيده مال يقر أنه إنما أفاده قبل موت سيده كان ميراثا لسيده، ولو قال: أفدته بعد موت سيدي كان القول قوله مع يمينه وعلى الورثة البينة أنه كان ملكه قبل موت سيده، فإن جاءوا بها على المال، أو بعضه أخذوا ما أقاموا عليه البينة وإن لم يأتوا بها كان ما في يديه له، ولو كان ذلك بعد موت سيده بساعة؛ لأن كثير المال قد يفاد في ساعة ويتعذر قليله في الزمان الطويل، فإذا أمكن بوجه أن يملك مثل ذلك المال فالقول فيه قوله مع يمينه (قال الشافعي) : ولو اختلف المدبر وورثة من دبره في مال في يده، فأقام المدبر البينة أنه أفاده بعد موت سيده، والورثة البينة أنه أفاد ذلك المال قبل موت سيده كانت البينة بينة المدبر والقول قوله لأنهم مستوون في الدعوى والبينة، ولو فضل في كينونته في يده فهو أرجح منهم سببا، ولو كان في يده مال فأقام الورثة البينة أنه كان في يديه وسيده حي، وقال المدبر: كان في يدي لغيري وإنما ملكته بعد موت سيدي كان القول قوله مع يمينه ولا أخرجه من يديه حتى يقول الشهود: كان في يديه يملكه، أو هو يملكه، فإذا أثبتوا عليه هذا أخرجته من يديه، وسواء جميع حكم المدبر كان المدبر صغيرا أو كبيرا مسلما، أو كافرا، أو امرأة، أو رجلا. . ![]()
__________________
|
#337
|
||||
|
||||
![]() ![]() كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي المجلد الثامن الحلقة (337) صــــــــــ 27 الى صـــــــــــ 34 [ولد المدبر] (قال الشافعي) : - رضي الله تعالى عنه - وإذا أذن الرجل لمدبره فنكح قبل التدبير، أو بعده فسواء، وما ولد له فحكم المولود في الحرية والرق حكم الأم التي ولدته إن كانت حرة كان حرا وإن كانت أمة كان عبدا، كما يكون هذا في الحر والعبد غير المدبر (قال الشافعي) : وليس للعبد ولا للمدبر ولا من لم تكمل فيه الحرية أن ينكح إلا بإذن سيده وليس له أن يتسرى بحال وإذا أذن له سيده بالتسري فتسرى درأنا عنه الحد بالشبهة وألحقنا به الولد وفرقنا بينهما متى علمنا، فإن لم نعلم حتى مات السيد وملك المدبر الأمة لم تكن الأمة أم ولد له بذلك الولد بحال؛ لأنه وطء فاسد لا وطء ملك صحيح ولا تكون الأمة أم ولد حتى يكون الولد والوطء من مالك لها حر كامل الحرية. [ولد المدبرة ووطؤها] (قال الشافعي) : - رضي الله تعالى عنه - ولسيد المدبرة أن يطأها؛ لأنها على الرق (قال) : أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه دبر جاريتين له، فكان يطؤهما وهما مدبرتان. (قال الشافعي) : وإذا دبر الرجل أمة فولدت بعد تدبيرها في بقية عمرها وهي مدبرة فسواء، والقول فيهم واحد من قولين كلاهما له مذهب، والله تعالى أعلم، فأما أحدهما فإن سيد المدبرة لما دبرها ولم يرجع في التدبير فكانت مملوكة موقوفة العتق ما لم يرجع فيها مدبرها بأن يخرجها من ملكه، وكان الحكم في أن ولد كل ذات رحم بمنزلتها إن كانت حرة كان حرا وإن كانت مملوكة كان عبدا لا وقف فيها غير الملك كان مملوكا كان ولد المدبرة بمنزلتها يعتقون بعتقها ويرقون برقها، وقد قال هذا بعض أهل العلم، ومن قال هذا القول انبغى أن يقول: فإن رجع السيد في ولدها كان له ولم يكن ذلك رجوعا في تدبير أمهم، وكذلك إن رجع في تدبيرها لم يكن رجوعا في تدبير من ولدت وهي مدبرة، والرجوع أن يخرجه من ملكه، فإن قال قائل: فكيف يكون له الرجوع في تدبيرها ولا يكون رجوعه في تدبيرها رجوعا في تدبير ولدها، وإنما ثبت لهم التدبير بأن أمهم مدبرة فحكمنا أنهم كمن ابتدئ تدبيره ولم يحكم لهم أنهم كعضو منها، فما الدليل على ذلك؟ قيل: ألا ترى أن قيمتهم لو كانت مثل قيمتها أو أقل، أو أكثر، ثم مات السيد قوموا كما تقوم أمهم ولم يعتقوا بغير قيمة كما لا تعتق أمهم بغير قيمة، فإذا حكمنا بهذا جعلنا حكمهم كحكم أنفسهم وإن ثبت ذلك بها ولو جعلت حكمهم حكم أمهم وجعلت القيمة لها دونهم ولم أجعل له الرجوع فيهم دونها وجعلناه إذا رجع فيها راجعا فيهم وجعلناهم رقيقا لو ماتت قبل موت سيدها وأبطلنا تدبيرهم إذا لم تعتق أمهم، فهذا لا يجوز لمن يقول هذا القول والله تعالى أعلم (قال الشافعي) : وسواء كان ولدها ذكورا أو إناثا، فإن ولدت ذكورا، أو إناثا فأولاد الإناث بمنزلة أمهاتهم سواء، والقول في الرجوع فيها وفيهم وترك الرجوع والرجوع في أمهاتهم دونهم وفيهم دون أمهاتهم كالقول في بنات المدبرة نفسها، وولد الذكور بمنزلة أمهاتهم إن كن حرائر كانوا أحرارا وإن كن إماء كانوا إماء لمن ملك أمهاتهم (قال) : وإذا دبر أمته فولدت أولادا بعد التدبير فالقول فيها وفيهم كما وصفت، فإن رجع في تدبيرها، ثم ولدت أولادا لأقل من ستة أشهر من يوم رجع فالولد في معنى هذا القول مدبر؛ لأن العلم قد أحاط أن التدبير قد وقع عليهما وإن ولدت لستة أشهر فصاعدا بعد الرجوع فالولد ولد مملوك لا تدبير له إلا أن يحدث له السيد تدبيرا. (قال الشافعي) : وإذا دبر جارية له، ثم قال: تدبيرها ثابت وقد رجعت في تدبير كل ولد تلده ولا ولد لها فليس هذا بشيء؛ لأنه لا يرجع إلا فيما وقع له تدبير، فأما ما لم يملك ولم يقع له تدبير في أي شيء يرجع لا شيء له يرجع فيه، وإذا ولدت المدبرة ولدا فاختلف السيد فيه والمدبرة، أو المدبرة وورثة السيد بعد موت السيد فقال السيد، أو الورثة: ولدتيه قبل التدبير وقالت المدبرة: بل ولدته بعد التدبير فالقول قول السيد أو الورثة؛ لأنهم مالكون وهي مدعية إخراج ملكهم من أيديهم، وعلى من قلت القول قوله اليمين بما قال، فإن أقامت بينة بما قالت كانت البينة العادلة أولى من اليمين الفاجرة، وإن أقامت بينة وأقام السيد أو ورثته بينة بدعواهم كانت بينتهم أولى وكان ولدها رقيقا من قبل أنهم مملوكون في أيديهم فضل كينونتهم في أيديهم بالملك فهي وهم مدعون ومقيمون بينة ولو كانت أمة بين اثنين فدبراها، ثم جاءت بولد فادعاه أحدهما كان ابنه وضمن نصف قيمته ونصف قيمتها ونصف عقرها لشريكه إن شاء شريكه؛ لأن مشيئته أخذ قيمتها رجوع في تدبيرها وكانت أم ولد له ولو ألقت الولد الذي ادعى ميتا لم يكن له قيمة، ولو جنى إنسان جناية فأخذ لها أرشا كان الأرش بينهما، والقول الثاني: أن الرجل إذا دبر أمته فولدت بعد التدبير أولادا فهم مملوكون وذلك أنها إنما هي أمته موصى لها بعتقها لصاحبها الرجوع في عتقها وبيعها، فليست هذه حرية ثابتة، وهذه أمة موصى لها والوصية ليست بشيء لازم هو شيء يرجع فيه صاحبه وأولادها مملوكون وقد قال هذا غير واحد من أهل العلم (قال الشافعي) : أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء قال: أولاد المدبرة مملوكون وقال هذا غير أبي الشعثاء من أهل العلم، والله سبحانه وتعالى أعلم (قال الشافعي) : والعتق مخالف للتدبير عند كل أحد ولو أعتق رجل أمة لها ولد لم يعتق ولدها بعتقها بحال إلا أن يعتقهم. [تدبير ما في البطن] في تدبير ما في البطن (قال الشافعي) : - رضي الله تعالى عنه: وإذا دبر الرجل ما في بطن أمته فليس له بيعها إلا أن يريد ببيعها الرجوع عن التدبير، ولو أعتقه لم يكن له بيعها وإنما قلنا: لا يكون له بيعها لأني لا أعلم مخالفا في أن الأمة إذا بيعت أو وهبت، أو أعتقت حاملا كان ما في بطنها تبعا لها ما لم يزايلها كبعض بدنها يملكه من يملكها ويعتق بعتقها فحكمه كحكم عضو منها ما لم يزايلها لم يجز أن تباع أمة حامل؛ لأن حكم حملها كحكمها ولو باع الذي دبر ولدها أمه وهي حامل به فقال: أردت الرجوع في تدبيري الولد كان البيع جائزا، أو قال: لم أرده كان البيع مردودا ولو باع أمة واستثنى ما في بطنها، فإن ولدت لأقل من ستة أشهر، فالولد مدبر إن كان دبره وحر إن كان أعتقه، وإن لم تلد إلا لستة أشهر فصاعدا من يوم كان التدبير، أو العتق لم يكن مدبرا ولا حرا، وإن ولدت ولدين أحدهما لأقل من ستة أشهر والآخر لأكثر من ستة أشهر، فهو من حمل واحد وحكمه حكم واحد فإذا كان بعضه لأقل من ستة أشهر كان معتقا، أو مدبرا وكل من معه في ذلك الحمل، ولو دبر ما في بطنها، أو أعتقه، ثم باعها فولدت قبل ستة أشهر كان الولد معتقا، أو مدبرا والبيع باطل، وإن ولدت بعد ستة أشهر ففيها قولان. أحدهما: أنه لما كان ممنوعا من البيع ليعرف حال الحمل فيباع في تلك الحال كان البيع مردودا بكل حال؛ لأنه في وقت كان فيه ممنوعا. والآخر: أن البيع جائز ولو قال لأمته: ولدك ولد مدبر لم يكن هذا تدبيرا إلا أن يريد به تدبيرا. . [تدبير الرقيق بعضهم قبل بعض] في تدبير الرقيق بعضهم قبل بعض (قال الشافعي) : - رضي الله تعالى عنه - وإذا دبر الرجل في صحته رقيقا، أو بعضهم قبل بعض وفي مرضه آخرين كذلك وأوصى بعتق آخرين بأعيانهم فلا يبدى واحد منهم على واحد كما لو أوصى لرجل بوصية صحيحا ولآخر مريضا لم يبدأ قديم الوصية على حديثها؛ لأنه شيء أوقعه لهم في وقت واحد، وكانوا إنما يدلون في ذلك الوقت معا بحجة واحدة وهي أن الوصية واقعة لهم يوم كان ذلك الوقت، فإن خرجوا من الثلث عتقوا معا، وإن لم يخرجوا أقرع بينهم فأعتق من خرج له سهم العتق حتى يستوعب ثلث الميت قياسا على الذين أقرع النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهم حين أعتقهم المريض فأعتق ثلث الميت وأرق ثلثي الورثة. [الخلاف في التدبير] (قال الشافعي) : - رضي الله تعالى عنه: فخالفنا بعض الناس وأجرى في المدبر خلافا سأحكي بعضه إن شاء الله تعالى فقال لي بعض من خالفنا فيه: على أي شيء اعتمدت في قولك: المدبر وصية يرجع فيه صاحبه متى شاء؟ قلت: على سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي قطع الله بها عذر من علمها: قال فعندنا فيه حجة، قلنا: فاذكرها. قال: ألا ترى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديثكم باعه ولم يسأله صاحبه بيعه؟ قلت: العلم يحيط أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان لا يبيع على أحد ماله إلا فيما لزمه أو بأمره؟ قال: فبأيهما باعه؟ قلت: أما الذي يدل عليه آخر الحديث في دفعه إياه إلى صاحبه الذي دبره فإنه دبره وهو يرى أنه لا يجوز له بيعه حين دبره وكان يريد بيعه إما محتاجا وإما غير محتاج، فأراد الرجوع فذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - فباعه، وكان في بيعه دلالة على أن بيعه جائز له إذا شاء، وأمره إن كان محتاجا أن يبدأ بنفسه فيمسك عليها يرى ذلك لئلا يحتاج إلى الناس، قال: فإن قال قائل: فإنا روينا عن أبي جعفر محمد بن علي - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما باع خدمة المدبر (قال الشافعي) : فقلت له: ما روى هذا أحد عن أبي جعفر فيما علمت يثبت حديثه، ولو رواه من يثبت حديثه ما كان لك فيه حجة من وجوه. قال: وما هي؟ قلت: أنت لا تثبت المنقطع لو لم يخالفه غيره، فكيف تثبت المنقطع يخالفه المتصل الثابت؟ قال: فهل يخالفه؟ قلت: ليس بحديث، وأحتاج إلى ذكره فأذكره على ما فيه، قال: لو ثبت كان يجوز أن أقول: باع النبي - صلى الله عليه وسلم - رقبة مدبر كما حدث جابر وخدمة مدبر كما حدث محمد بن علي (قال الشافعي) : فإن قلت: إنه يخالفه، قلت: هو أدل لك على أن حديثك حجة عليك، قال: وكيف؟ قلت: إن كان محمد بن علي قال للمدبر الذي روى جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - باع رقبته إنما باع النبي - صلى الله عليه وسلم - خدمته كما قلت فغلط من قال باع رقبته بما بين الخدمة والرقبة كنت خالفت حديثنا وحديث محمد بن علي، قال: وأين؟ قلت: أتقول: إن بيعه خدمة المدبر جائز، قال: لا؛ لأنها غرر فقلت: فقد خالفت ما رويت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: فلعله باعه من نفسه قلت: جابر سمى باعه بثمانمائة درهم من نعيم النحام، ويقول: عبد قبطي يقال له يعقوب مات عام أول في إمارة ابن الزبير، فكيف يوهم أنه باعه من نفسه؟ وقلت له: روى أبو جعفر «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى باليمين مع الشاهد» فقلت: مرسلا، وقد رواه معه عدد فطرحته وروايته يوافقه عليها عدد فيها حديثان متصلان، أو ثلاثة صحيحة ثابتة وهو لا يخالفه فيه أحد برواية غيره وأردت تثبت حديثا رويته عن أبي جعفر يخالفه فيه جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما أبعد ما بين أقاويلك، وقلت له: وأصل قولك أنه لو لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئا لا يخالفه فيه غيره لزمك، وقد باعت عائشة مدبرة لها فكيف خالفتها مع حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنتم راوون عن أبي إسحاق عن امرأته عن عائشة شيئا في البيوع تزعم وأصحابك أن القياس غيره وتقول: لا أخالف عائشة، ثم تخالفها ومعها سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والقياس والمعقول (قال الشافعي) : وقلت له: وأنت محجوج بما وصفنا من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي لا عذر لأحد في تركها ولو لم تكن فيما نثبته محجوجا كنت محجوجا بقول عائشة فيما تزعم أنك تذهب إليه ولو لم يكن لعائشة فيه قول كنت محجوجا بالقياس ومحجوجا بحجة أخرى، قال: وما هي؟ قلت: هل يكون لك أن تقول إلا على أصل، أو قياس على أصل؟ قال: لا، قلت: والأصل كتاب، أو سنة، أو قول بعض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو إجماع الناس، قال: لا يكون أصل أبدا إلا واحدا من هذه الأربعة، قلت: وقولك في المدبر داخل في واحد من هذه الأربعة؟ قال: لا، قلت: أفقياس على واحد منها، قال: أما قياسا في كل شيء فلا، قلت: فمع أي شيء هو قياس؟ قال: إذا حمله الثلث ومات سيده عتق، قلت: نعم بوصيته كعتق غير المدبر، قال: فهو قول أكثر الفقهاء، قلت: بل قول أكثر الفقهاء أن يباع، قال: لسنا نقوله ولا أهل المدينة، قلت جابر بن عبد الله وعائشة وعمر بن عبد العزيز وابن المنكدر وغيرهم يبيعه بالمدينة وعطاء وطاوس ومجاهد وغيرهم من المكيين وعندك بالعراق من يبيعه وقول أكثر التابعين يبيعه، فكيف ادعيت فيه الأكثر والأكثر من مضى عليك مع أنه لا حجة لأحد مع السنة وإن كنت محجوجا بكل ما ادعيت وبقول نفسك، قال: وأين ذلك من قول نفسي؟ فقلت: أرأيت المدبر لم أعتقه من الثلث وأستسعيه إذا لم يخرج من الثلث أرأيت لو كان العتق له ثابتا كهو لأم الولد ألم تعتقه فارغا من المال ولا تستسعيه أبدا، قال: إنما فعلت هذا؛ لأنه وصية، قلت: أرأيت وصية لا يكون لصاحبها أن يرجع فيها، قال: لا، غير المدبر، قلت: أفيجوز أن تفرق بين الوصايا فتجعل لصاحبها في بعضها الرجوع ولا تجعل له في بعض بلا خبر يلزم فيجوز عليك أن يرجع الموصي في المدبر ولا يرجع في عبد لو أوصى بعتقه غير مدبر، قال: الناس مجتمعون على أنه يرجع في الوصايا ومتفرقون في الوصية في المدبر، قلت: فإن اجتمعوا على أن يكون التدبير وصية على أن له أن يرجع في جميع الوصايا غيره وافترقوا فيه فكيف لم تجعل القول قول الذين قالوا يرجع فيه فتستدل على أن من قال لا يرجع فيه قد ترك أصل قوله في أنه وصية إذا كان يرده فيما سواه من الوصايا (قال الشافعي) : ثم ذكرت أن قائل هذا القول يقول: لو قال لعبد إذا مت أنا وفلان فأنت حر كان له أن يبيعه، ولو قال: إذا جاءت السنة فأنت حر كان له أن يرجع فيه، فقلت: فكيف زعمت أن له أن يرجع في هذا ولا يرجع في قوله: إذا مت فأنت حر؟ فقال: ما هما في القياس إلا سواء، والقياس أن يرجع فيه كله؛ لأن أصل الأمر فيه أن هؤلاء مماليك له أوصى لهم بالعتق في وقت لم يقع فنثبت لهم به حرية، قلنا: فهذه الحجة عليك في المدبر قال: وأخرجت المدبر اتباعا، والقياس فيه أن له أن يرجع فيه، قلنا: فمن اتبعت فيه إن كان قال قولك أحد أكثر من سعيد بن المسيب فاذكره، فقد خالفت القياس كما زعمت وخالفت السنة والأثر وأنت تترك على سعيد بن المسيب أقاويل له لا يخالفه فيها أحد وتزعم أن ليست عليك فيه حجة والذين احتججت بموافقتهم من أهل ناحيتنا يخالفونك في المدبر نفسه فيبيعونه بعد موت سيده إذا كان على سيده دين ولم يدع مالا، قال: هؤلاء باعوه في الحين الذي صار فيه حرا ومنعوه من البيع قبل أن يصير حرا، قلت: ويقولون أيضا إذا كان العبد بين اثنين فدبره أحدهما تقاوماه، فإن صار للذي لم يدبر بطل التدبير، فقال: وهذا أعجب من القول الأول؛ لأنهم أبطلوا التدبير والسيد لا يريد إبطاله وجبروا المالكين على التقاوم وهما لا يريدانه ولا واحد منهما فهذان أبعد قولين قالهما أحد من الصواب، قلت: فإذا كانت حجتك بأن وافقك هؤلاء في معنى من قولك وأنت تستدرك في قولهم ما تقول فيه هذا القول، أفترى فيك وفيهم حجة على أحد لو خالفكم؟ قال: ما فينا حجة على أحد، قلت: ولو لم يكن مع من خالفكم سنة ولا أثر، قال: ولو قلت: فإن الحجة في السنة، قال: الحجة مع من معه السنة، قلت: ولو لم يكن مع من خالفكم سنة كانت الحجة مع من معه الأثر قال: نعم، قلت: فهما معا معنا، قلت: ولو لم يكن أثر كانت الحجة مع من معه القياس؟ قال: نعم، قلت: وأنت وغيرك تشهد لنا أن السنة والأثر والقياس معنا، فكيف ذهبت عن هذا كله؟ فرجع بعض أهل العلم منهم عندهم إلى قولنا في المدبر. (قال الشافعي) : وأخبرني عن أبي يوسف أنه قال: السنة والأثر والقياس والمعقول قول من قال: يباع المدبر، وما رأيت أشد تناقضا من قولنا فيه ولكن أصحابنا غلبونا، وكان الأغلب من قوله الأكثر لم يرجع عنه مع هذه المقالة، وقد حكي لي عنه أنه اشترى مدبرا وباعه وقال: هذه السنة، والله تعالى أعلم (قال الشافعي) : قال لي قائل منهم: لا يشك أهل العلم بالحديث أن إدخال سفيان في حديث عمرو وأبي الزبير فمات فباع النبي - صلى الله عليه وسلم - مدبره غلط، إلا أن الحفاظ كما قلت حفظوه عن عمرو بن دينار وعن أبي الزبير بسياق يدل على أن سيده كان حيا ولو لم يعلم أن مثل هذا غلط لم نعرف غلطا ولا أمرا صحيحا أبدا، ولكن لو كان صحيحا لا يخالفه غيره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - باع المدبر بعد موت سيده الذي دبره ما كان القول فيه إلا واحدا من قولين: أحدهما: أن التدبير لا يجوز إذا لم يكن أنه باعه في دين على سيده؛ لأن أقل أمره عندنا وعندك إذا كان التدبير جائزا أن يعتق ثلثه إن لم يكن على سيده دين وهذا أشبه بظاهر الحديث الثاني أن الناس إذا اجتمعوا على إجازة التدبير فلا يكون أن يجهل عامتهم سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يبعه النبي - صلى الله عليه وسلم - وشيء منه يخرج من الثلث وإن لم يكن ذلك مؤدى في الحديث، قال: ولو لم يكن ذلك حجة في المدبر إلا هذا وكان صحيحا أكانت لك الحجة؟ فقلت: نعم، فقال: وما هي؟ قلت: لو باعه النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد الموت استدللت على أن الحرية لم تتم فيه وأنه وصية وأن الوصايا تكون من الثلث وذلك أني رأيت أم الولد تعتق فارغة من المال. والمكاتب لا تبطل كتابته بموت سيده، فلما بطلت وصية هذا وجاز بيعه استدللت على أن بيعه في الحياة جائز؛ لأنه وصية من الوصايا له الرجوع فيها كما يرجع في الوصايا وأنه خارج من معنى من يثبت له العتق؛ لأن المكاتب يرق إذا عجز فلا تبطل كتابته حتى يكون يبطلها هو فتبطل بالعجز وكان بسبب من حرية فلم تبطل حتى يبطلها هو ويبطل تدبير المدبر واستدللت على أن المدبر وصية وإن صار إليه عتق فبالوصية لا بمعنى حرية ثابتة (قال الشافعي) : وزعم آخر قال: فجملة قوله لا يباع المدبر؛ لأن سيد المدبر إذا ادان دينا يحيط بماله لم يبع مدبره في دينه ولا في جناية لو جناها المدبر؛ لأنه محبوس على أن يموت سيده يعتق بموته، فإن مات سيده وعليه دين بيع في دينه، وكذلك إن كانت على المدبر جناية لم يبع في جنايته، فمنعه من أن يباع وسيده حي قبل أن يقع له العتق وقد يموت المدبر قبل سيده فيموت عبدا؛ لأنه لا يقع عليه العتق عنده إلا بموت سيده، فلما مات سيده وانقضى عنه الرق عنده ووقع عتقه باعه في جناية نفسه ودين سيده، فباعه في أولى حالة أن يمنعه فيها من البيع ومنعه البيع في أولى حالة أن يبيعه فيها، والله المستعان وإياه أسأل التوفيق. (قال الشافعي) : فإن قال: فإني إنما بعته بعد موت سيده لأنه مات ولا مال له وإنما هو وصية، ولا تكون الوصايا إلا من الثلث، قيل: فذلك الحجة عليك أن تجعله كالوصايا في أن ترقه إذا لم يخرج من الثلث وتمنع من أن تجعله من الوصايا فتجعل لصاحبه الرجوع فيه كما يرجع في الوصايا، فإن قلت: إن فيه حرية والحرية لا ترد؟ قلت: فقد رددتها حين وقعت وإن اعتللت بإفلاس سيده فقد يفلس وله أم ولد فلا يردها وينفذ عتقها، وقد يفلس وله مكاتب قد كاتبه على نجوم متباعدة فلا تنقض كتابته ولا يرقه بعد موته إلا بما يرقه به في حياته، وقد قلت في أم ولد النصراني تسلم وهي حرة ولم يمت سيدها فيأتي الوقت الذي يقع فيه عتقها حين صار فرجها من سيدها ممنوعا وأنت لا ترعى الاستسعاء بالدين، قالوا: مطلقا لا يباع المدبر، قالوا: هو حر ويسعى في قيمته، وكذلك قالوا في أم ولد النصراني، فقولهم على أصل مذهبهم أشد استقامة من قولك على أصل مذهبك، أفرأيت الرجل إن كان إذا أفلس عبده بمنزلة الميت يباع ماله ويحل ما لم يكن حل من ديونه، فكيف لم يبع مدبره كما باعه بعد الموت وأحل ديونه بعد الموت؟ فإن قال قائل: فقد يفيد مالا، قيل: فلم أرك انتظرت بدين عليه إلى مائة سنة وجعلته حالا بموته. فإن قلت: إنما أحكم عليه حكم ساعته وذلك حكم الموت فكذلك بيع مدبره بإفلاسه وقد يمكن في الموت أن يظهر له مال بعد موته لم يكن عرف فلست أراه ترك إرقاقه بعد الموت بما يمكن ولا بيعه في الحياة في إفلاس صاحبه بحكم ساعته ولا سوى بين حكمه في موت ولا حياة وقد أرقه في الحياة بغير إفلاس ولا رجوع من صاحبه فيه حيث لم يرقه من أرق المدبر ولا أحد غيره؛ لأن من أرقه في الحياة إنما أرقه إذا رجع فيه صاحبه، وقال: إذا كان العبد بين اثنين فدبره أحدهما تقاوماه، فإن صار للذي دبره كان مدبرا كله، وإن لم يشتره الذي دبره انتقض التدبير إلا أن يشاء الذي له فيه الرق أن يعطيه الذي دبره بقيمته فيلزمه ويكون مدبرا (قال الشافعي) : ولا يجوز في قوله - والله تعالى أعلم - لا يباع المدبر ما عاش سيده إلا أن يكون مدبرا كله ويضمن الذي دبره لشريكه نصف قيمته؛ لأن التدبير عنده عتق، وكذلك هو عنده لو أعتقه، ولا يجوز في قوله أن ينتقض التدبير؛ لأنه إذا جعل لسيده المدبر نقض التدبير فكيف جعل له نقض التدبير إذا لم يشتر المدبر إن كان إذا نقض التدبير فقد جعله له فأثبت عليه في موضع غيره، وقد ذكرناه وإن كان لم يرد نقضه فقد جعل له نقضه وهو لا يريده، وما معنى يتقاومانه وهما لا يريدان التقاوم ولا واحد منهما؟ ما أعرف ل "يتقاومانه" وجها في شيء من العلم، والله المستعان، والقول فيه في قول من لا يبيعه ما وصفت من أنه مدبر كله وعلى المدبر السيد نصف قيمته. وهكذا قال من قال لا يباع المدبر فأما نحن فإنا إذا جعلنا لسيده نقض تدبيره وبيعه فتدبيره وصية، وهو بحالة مدبر النصف مرقوق النصف للشريك؛ لأنه لم يعتقه فيضمن لشريكه نصف قيمة العبد ويعتق عليه. [المكاتب] بسم الله الرحمن الرحيم أخبرنا الربيع بن سليمان قال: أخبرنا الشافعي - رضي الله تعالى عنه - قال: قال الله عز وجل {والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم} [النور: 33] أخبرنا عبد الله بن الحارث بن عبد الملك بن جريج أنه قال لعطاء: ما الخير؟ المال، أو الصلاح، أو كل ذلك؟ قال: ما نراه إلا المال، قلت: فإن لم يكن عنده مال وكان رجل صدق؟ قال: ما أحسب خيرا إلا. ذلك المال قال مجاهد {إن علمتم فيهم خيرا} [النور: 33] المال كائنة أخلاقهم وأديانهم ما كانت (قال الشافعي) : والخير كلمة يعرف ما أريد منها بالمخاطبة بها، قال الله عز وجل {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية} [البينة: 7] فعقلنا أنهم خير البرية بالإيمان وعمل الصالحات لا بالمال، وقال الله عز وجل {والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير} [الحج: 36] فعقلنا أن الخير المنفعة بالأجر لا أن لهم في البدن مالا. وقال عز وجل {إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا} [البقرة: 180] فعقلنا أنه إن ترك مالا؛ لأن المال المتروك وبقوله {الوصية للوالدين والأقربين} [البقرة: 180] قال: فلما قال الله عز وجل {إن علمتم فيهم خيرا} [النور: 33] كان أظهر معانيها بدلالة ما استدللنا به من الكتاب قوة على اكتساب المال وأمانة؛ لأنه قد يكون قويا فيكسب فلا يؤدي إذا لم يكن ذا أمانة، وأمينا فلا يكون قويا على الكسب فلا يؤدي، قال: ولا يجوز عندي، والله تعالى أعلم، في قوله {إن علمتم فيهم خيرا} [النور: 33] إلا هذا وليس الظاهر أن القول إن علمت في عبدك مالا بمعنيين أحدهما أن المال لا يكون فيه إنما يكون عنده لا فيه، ولكن يكون فيه الاكتساب الذي يفيد المال، والثاني أن المال الذي في يده لسيده فكيف يكون أن يكاتبه بماله إنما يكاتبه بما يفيد العبد بعد بالكتابة؛ لأنه حينئذ يمنع ما أفاد العبد لأداء الكتابة، قال: ولعل من ذهب إلى أن الخير المال أنه أفاد بكسبه مالا للسيد، فيستدل على أنه كم يقدر مالا يعتق به كما أفاد أولا، والعبد والأمة البالغان في هذا سواء، كانا ذوي صنعة أو غير ذوي صنعة، إذا كان فيهما قوة على الاكتساب والأمانة. ما يجب على الرجل يكاتب عبده قويا أمينا (أخبرنا الربيع) : قال: أخبرنا الشافعي - رضي الله تعالى عنه - قال: أخبرنا عبد الله بن الحارث عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: أواجب علي إذا علمت أن فيه خيرا أن أكاتبه؟ قال: ما أراه إلا واجبا وقالها عمرو بن دينار، وقلت لعطاء: أتأثرها عن أحد؟ قال: لا (قال الشافعي) : أما إذا كان المملوك قويا على الاكتساب غير أمين، أو أمينا غير قوي فلا شك عندي والله تعالى أعلم في أن لا تجب مكاتبته على سيده وإذا جمع القوة على الاكتساب والأمانة فأحب إلي لسيده أن يكاتبه ولم أكن أمتنع - إن شاء الله - من كتابة مملوك لي جمع القوة والأمانة ولا لأحد أن يمتنع منه (قال الشافعي) : ولا يبين لي أن يجبر الحاكم أحدا على كتابة مملوكة؛ لأن الآية محتملة أن تكون إرشادا وإباحة لكتابة يتحول بها حكم العبد عما كان عليه لا حتما كما أبيح الصيد المحظور في الإحرام بعد الإحرام والبيع بعد الصلاة لا أنه حتم عليهم أن يصيدوا ويبيعوا، وقد ذهب هذا المذهب عدد ممن لقيت من أهل العلم، فإن قيل: فهل فيه دلالة غير ما وصفت؟ قيل: أرأيت إذا قيل فكاتبوهم هل يجوز أن يقال: أوجب كما وجبت المتعة إلا وهو محدود بأقل ما يقع عليه اسم الكتابة، أو لغاية معلومة، فإن قيل: لا فلا يختلف أحد علمته في أن عبدا لرجل ثمنه ألف لو قال له: كاتبني على ثلاثمائة درهم في ثلاث سنين لم يجب عليه أن يكاتبه على هذا، فإذا قيل: فعلى كم؟ فإن قال السيد: أكاتبك على ألف فأبى العبد، أيخرج السيد من أن يكون خالف أن يكاتبه؟ فإن قيل: نعم، قيل: فهل يجبر على أن يكاتبه على قيمته، قيل: فالكتابة إنما تكون دينا والقيمة لا تكون بالدين ولو كانت بدين لم تكن إلا على من له ذمة تلزمه بكل حال والعبد ليست له ذمة تلزمه بكل حال (قال الشافعي) : وملك الله عز وجل العباد رقيقهم ولم أعلم مخالفا في أن لا يخرج العبد من يدي سيده إلا بطاعته فهل هذا لم يبن أن أوجب على السيد أن يكاتب عبده، وكذلك المدبر والمدبرة وأم الولد؛ لأن كلا لم يخرج من ملك اليمين قال: والعبد والأمة في هذا سواء؛ لأن كلاهما ملكت اليمين ولو آجر رجل عبده، ثم سأله العبد أن يكاتبه لم يكن ذلك له من قبل حق المستأجر في إجارته، فإن العبد ممنوع من الكسب بخدمة مستأجره ولو كاتبه وهو أجير كانت الكتابة منفسخة، ولو فسخ المستأجر الإجارة لم تجز الكتابة حتى يجدد السيد كتابته برضا العبد، وفي قول الله عز وجل {والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم} [النور: 33] دلالة على أنه إنما أذن أن يكاتب من يعقل لا من لا يعقل فأبطلت أن تبتغى الكتابة من صبي ولا معتوه ولا غير بالغ بحال وإنما أبطلنا كتابة غير البالغين والمغلوبين على عقولهم كاتبوا عن أنفسهم، أو كانت عنهم غيرهم بهذه الآية. وإنما أبطلنا أن يكاتب المحجور عليه الذي لا أمر له في ماله وأن يكاتب عنه وليه؛ لأنه لا نظر في الكتابة له وإنه عتق وليس له أن يعتق. [هل في الكتابة شيء تكرهه] (قال الشافعي) : - رضي الله تعالى عنه - وإذا أراد الرجل كتابة عبده غير قوي ولا أمين، أو لا أمينة كذلك أو غير ذات صنعة لم أكره ذلك من قبل تطوعه بالكتابة، وهي مباحة إذا أبيحت في القوي الأمين أبيحت في غيره. والثاني من قبل أن المكاتب قد يكون قويا بما فرض الله عز وجل له في الصدقات، فإن الله تبارك وتعالى فرض فيها للرقاب وهم عندنا المكاتبون، ولهذا لم أكره كتابة الأمة غير ذات الصنعة لرغبة الناس في الصدقة متطوعين على المكاتبين، قال: ولم يشبه الكتابة أن تكلف الأمة الكسب؛ لأنها لا حق لها إذا كلفت كسبا بلا كتابة في الصدقات ولا رغبة الناس في الصدقة عليها متطوعين كرغبتهم في الصدقة عليها مكاتبة (قال) : وعلى الحاكم أن يمنع الرجل أن يخارج عبده إذا كان ذا صنعة مكتسبا إذا كره ذلك العبد، ولكن يؤاجره وينفق عليه إن شاء ولا أكره لأحد أن يأخذ من مكاتبته صدقات الناس فريضة ونافلة، فأما الفريضة فهي كما ملك المكاتب، وأما النافلة فشيء صار له بالعطاء والقبض، وقد «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم: لا يأكل الصدقة فأكل من صدقة تصدق بها على بريرة، وقال: هي لنا هدية وعليها صدقة» ، وكذلك الصدقة على المكاتب، وهي للسيد تحق كحق الغريم على رجل تصدق عليه (قال) : ومن أين أدى المكاتب إلى سيده حلالا له فعليه أن يقبله ويجبر على قبوله إلا أن يعلم أنه أدى إليه من حرام فلا يحل قبول الحرام (قال) : فإن قال المكاتب: كسبته من حلال جبر الحاكم سيده على أخذه، أو إبرائه منه ولا يحل لسيده أخذه إذا علمه من حرام، فإن سأل سيد العبد الحاكم إحلاف مكاتبه ما أصابه من حرام فعلى الحاكم أن يحلفه، فإن نكل وحلف السيد لقد أصابه من حرام لم يجبره على أخذه وقال للمكاتب: أد إليه من حلال، أو من شيء لا نعرفه حراما فإن فعل جبره على أخذه وإلا عجزه إن شاء سيده (قال) : ولا يجبره إلا على أخذ الذي كاتبه ![]()
__________________
|
#338
|
||||
|
||||
![]() ![]() كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي المجلد الثامن الحلقة (338) صــــــــــ 35 الى صـــــــــــ 42 عليه إن كاتبه على دنانير لم يجبره على أخذ دراهم، وإن كاتبه على عرض لم يجبره على أخذ دراهم، وإن كاتبه على عوض لم يجبره على أخذ قيمته ولكنه لو كاتبه على دنانير جياد فأدى إليه من رأسه مثاقيل جياد أجبره على أخذها؛ لأن اسم الجودة يقع عليها وعلى ما دونها وهي تصلح لما لا تصلح له الجياد غيرها من دنانير أو دراهم مما يقع عليه اسم الجودة ولو كاتبه على دنانير جدد جياد من ضرب سنة كذا فأدى إليه خيرا منها من ضرب غير تلك السنة فإن كانت الدنانير التي شرط تنفق ببلده ولا ينفق بها الذي أعطاه لم يجبر عليها وإن كانت خيرا وهكذا هذا في التمر والعروض ولو كاتبه بتمر عجوة فأدى إليه صيحانيا وهو خير من العجوة لم يجبر على أخذه ويجبر على عجوة أجود من شرطه بجميع صفته ويزيد الفضل على ما بيع عليه صفته إلا أن يكون يصلح شرطه لغير ما يصلح له ما أعطاه أو ينفق ببلده ولا ينفق به ما أعطاه. [تفسير قوله عز وجل وآتوهم من مال الله الذي آتاكم] [النور: 33] أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي - رضي الله تعالى عنه - قال: أخبرنا الثقة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أنه كاتب عبدا له بخمسة وثلاثين ألفا ووضع عنه خمسة آلاف أحسبه قال: من آخر نجومه. (قال الشافعي) : وهذا والله تعالى أعلم عندي مثل قول الله عز وجل {وللمطلقات متاع بالمعروف} [البقرة: 241] فيجبر سيد المكاتب على أن يضع عنه مما عقد عليه الكتابة شيئا وإذا وضع عنه شيئا ما كان لم يجبر على أكثر منه، فإن مات قبل أن يضع عنه جبر ورثته على ذلك، فإن كانوا صغارا وضع عنه الحاكم أقل ما يقع عليه اسم الشيء من كتابته وما زاد سيد المكاتب أو ورثته إذا كانت أمورهم جائزة فهم متطوعون به، فإن قيل: فلم جبرت سيد المكاتب على أن يضع عنه ولم تجبره على أن يكاتبه؟ قيل: لبيان اختلافهما، فإنه إذا كاتبه ممنوع من ماله وما أعطاه له دون ما كان مكاتبا وهو إذا كان رقيقا لا يمنع من ماله ولم يخرج من رقه، وما ملك العبد فإنما يملكه لسيده وما ملك العبد بعد الكتابة ملكه العبد دونه (قال) : وإذا أدى المكاتب الكتابة كلها فعلى السيد أن يرد عليه منها شيئا، فإن مات فعلى ورثته، وإن كان وارثه موليا، أو محجورا عليه في ماله أو كان على الميت دين، أو وصية جعل للمكاتب أدنى الأشياء يحاصصهم به. وإذا أدى المكاتب كتابته، ثم مات سيده وأوصى إلى أحد دفعه إلى المكاتب، فإن لم يكن له ولي فعلى الحاكم أن يوليه من رضيه له ويجبره على أن يعطيه أقل الأشياء، وإن مات المكاتب وسيده وقد أدى فعلى الورثة من هذا ما كان على سيد المكاتب حتى يؤدوه من مال سيد المكاتب، فإن كان على سيد المكاتب دين لم يكن لهم أن يحاصوا أهل الدين إلا بأقل ما يقع عليه اسم شيء. وإن كانوا متطوعين بما هو أكثر منه من أموالهم لم يحاص به المكاتب ولم يخرجوه من مال أبيهم لأنه لم يكن يلزمه إلا أقل الأشياء، فإذا أخرجوا الأقل لم يضمنوا؛ لأنه لا شيء له غيره وإن مات سيد المكاتب فأعطى وارثه المكاتب أكثر من أقل ما يقع عليه اسم الشيء كان لمن بقي من الورثة رده، وكذلك يكون لأهل الدين والوصية؛ لأنه متطوع له بأكثر من أقل ما يقع عليه اسم الشيء من مال ليس له دون غيره، وهكذا سيده لو فلس، فأما لو أعطاه سيده شيئا ولم يفلس أو وضعه عنه فهو جائز له والشيء كل ماله ثمن وإن قل ثمنه فكان أقل من درهم وإن كاتبه على دنانير فأعطاه حبة ذهب، أو أقل مما له ثمن جاز، وإن كاتبه على دراهم فكذلك، ولو أراد أن يعطيه ورقا من ذهب أو ورقا من شيء كاتبه عليه لم يجبر العبد على قبوله إلا أن يشاء ويعطيه مما أخذ منه لأن قوله {من مال الله الذي آتاكم} [النور: 33] يشبه - والله تعالى أعلم - آتاكم منه، فإذا أعطاه شيئا غيره فلم يعطه من الذي أمر أن يعطيه ألا ترى أني لا أجبر أحدا له حق في شيء أن يعطاه من غيره؟ [من تجوز كتابته من المالكين] أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: وإنما خاطب الله عز وجل - والله تعالى أعلم - بالفعل في المماليك من كان ملكه ثابتا في المماليك وكان غير محجور، فليس يكون هكذا إلا حر بالغ غير محجور وإذا كاتب الحر المحجور عبده، ثم أطلق عنه الحجر فإن كتابته باطلة إلا أن يكون جددها بعد إطلاق الحجر، والحرة البالغة في الرشد والحجر كالحر لا يختلفان، ولو كاتبه قبل أن ينطلق عنه الحجر، ثم أطلق عنه الحجر، ثم تأداه الكتابة كلها لم يعتق إلا أن يكون جدد الكتابة بعد إطلاق الحجر، أو قال بعد إطلاق الحجر: إذا أديت إلي كذا فأنت حر فيعتق بهذا القول لا بأداء الكتابة كلها، كما لو قال هذا - لعبد له - إن دخلت الدار فأنت حر، فدخلها بعد إطلاق الحجر عن السيد لم يعتق حتى يجدد يمينا، أو عتقا بعد إطلاق الحجر ولو ادعى عبد على سيده أنه كاتبه فقال: كاتبتك وأنا محجور، وقال العبد: كاتبتني وأنت غير محجور فالقول قول العبد وعلى السيد البينة، وإذا كاتب السيد عبده وهو غير محجور، ثم حجر على السيد، أو عبده كانت الكتابة على السيد ثابتة ويستأدي وليه الكتابة، وإذا أدى العبد فهو حر (قال) : ولو كاتب رجل عبده وهو مبرسم، أو به ألم، أو عارض غالب على عقله، أو مزيل له وإن لم يغلب عليه حين كاتبه فالكتابة باطلة لأنه في هذه الحال لو أعتقه لم يجز عتقه فإن أفاق فأثبته عليها فالكتابة باطلة حتى يجددها له في الوقت الذي لو أعتقه فيه جاز عتقه، أو باعه جاز بيعه، وإذا كاتب الرجل عبده وهو غير محجور، ثم غلب على عقله فالكتابة ثابتة إنما أنظر إلى عقدها فإذا كان صحيحا أثبته وإذا كان غير صحيح لم أثبته بحال يأتي بعده. [كتابة الصبي] (قال الشافعي) : - رضي الله تعالى عنه - وإذا كاتب الصبي عبده لم تجز كتابته بإذن أبيه كانت الكتابة، أو قاض، أو وليه، وكذلك لو أعتقه على مال يأخذه منه؛ لأن الصبي ممن لا يجوز عتقه، وإذا كاتب الصبي عبده قبل البلوغ، ثم بلغ فأثبته على الكتابة لم تجز الكتابة إلا أن يجددها بعد البلوغ والرشد. [موت السيد] أخبرنا الربيع قال: قال الشافعي - رضي الله تعالى عنه: وإذا كاتب الرجل عبده، ثم مات السيد فالكتابة بحالها، وإذا كاتبه، ثم أفلس فالكتابة بحالها، ولو كاتبت أم ولد أو مدبر مملوكا لهما لم تجز الكتابة ولو أخذا جميعها لم يعتق؛ لأنهما مما لا يجوز بيعه ولا عتقه، وإذا كاتب المكاتب عبده لم تجز كتابته ولو أخذ الكتابة لم يعتق لأنه ممن لا يجوز عتقه ولا يثبت له ولاء كان ذلك نظرا منه لنفسه، أو لم يكن وكذلك لو أخذ من العبد عاجلا في أول كتابته مثل قيمته مرارا؛ لأن كسب عبده له وليس له أن يخرج عبده منه بعتق ولا يمنع نفسه ماله. [كتابة الوصي والأب والولي] (قال الشافعي) : - رضي الله تعالى عنه - وليس لأب الصبي ولا لولي اليتيم وصيا كان، أو مولى أن يكاتب عبده بحال؛ لأن الكتابة لا نظر فيها للصغير ولا للكبير ألا ترى أن العبد المكاتب إذا كان ذا مال، أو أمانة واكتساب كانت رقبته وماله واكتسابه للصبي والمولى وإن كان غير ذي أمانة لم يكن النظر أن يمنع بيعه وإجارته وأرش الجناية عليه ويكاتب على نجوم تمنع في مدتها لها من منفعته، ثم لعله أن لا يؤدي ما عليه، وإن قيل: فقد ينصح ويكتسب إذا كوتب نصيحة لا ينصحها عبدا، قيل: فإن كانت نصيحته بمال يؤديه عنده فأتطلبه فهو للصبي والمولى عليه ولا يمنع رقبة العبد ولا منفعته وإن كانت نصيحته اكتسابا فأجره فإن خبث أدبه، فإن قيل: فقد يخالف أن يأبق إن لم يكاتب، قيل: ولا يؤمن عليه إذا كوتب أن يقيم حتى إذا تقارب حلول نجمه أبق، فليست الكتابة نظرا بحال، وإنما أجزناها على من يلي ماله؛ لأنه لو أعتق جاز، فإن كاتب أبو الصبي، أو ولي اليتيم، أو المولى فالكتابة باطلة، وإن أدى العبد، أو أعتقه فالعبد رقيق بحال، وما يؤدي منه حلال لسيده وإن أعطي من سهم الرقاب رجع الوالي عليه فأخذه ممن صار إليه؛ لأنه ليس من الرقاب، وإذا باعه من أجنبي فاستوفى قيمته، أو ازداد، أو باعه بما يتغابن الناس بمثله في نظر المولى لعتق، أو غيره جاز البيع من قبل أنه يملك على المشتري من ماله بالعبد للمولى ما لم يكن للمولى أن يملك وهو لا يملك على المكاتب شيئا لم يكن المولى يملكه؛ لأن ملكه على رقبته وماله وكسبه فيما يستأنف واحد وهكذا ليس لولي الصبي أبا كان، أو غيره أن يعتق عبده على مال يعطيه إياه العبد إن أعطاه وقبض المال من العبد، أو أعتقه عليه فالمال للمولى والعتق باطل وليس لولي المولى أيا كان أو غيره أن يبيعه من أحد بدين فإن باعه بدين فالبيع مفسوخ ولو أعتقه الذي اشتراه كان العتق مردودا وفي عتق الأب والولي عبد المولى عليه على مال، أو مكاتبته معنى بأن لا يجوز أن يكون الولاء إلا للمعتق والمولى غير معتق والمعتق غير مالك ولا يجوز العتق لغير مالك وإن كان المولى بالغا فأذن بذلك لوليه لم يجز؛ لأنه في حكم الصغير في أن لا يجوز أمره في ماله حتى يجمع البلوغ والرشد وإذا كان العبد بين محجور عليه بالغ أو صبي وبين رجل يلي نفسه لم تجز كتابته أذن فيها المحجور ووليه أم لم يأذنا وإذا أدى عتق نصيب غير المحجور ويراجع هو والعبد بنصف قيمة العبد وعتق كله عليه إن كان موسرا وضمن للمحجور نصف قيمة العبد مملوكا ولا يرجع على المحجور بشيء أخذه منه؛ لأنه أخذ من عبده. [من تجوز كتابته من المماليك] أخبرنا الربيع قال (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : ولا يجوز أن يكاتب الرجل عبدا له مغلوبا على عقله ولا عبدا له غير بالغ؛ لأنه إذا كان معقولا عن الله عز وجل أنه إنما خاطب بالفرائض البالغين غير المغلوبين على عقولهم، فالكتابة إذا كانت فريضة للعبد لازمة على سيده وللسيد على عبده فيها أداء الأمانة والوفاء وليس الصغير ولا المغلوب على عقله ممن يلزمه فرض بقوله كما لا يحد بقوله ولا يؤخذ بإقراره على نفسه في شيء لله ولا للناس (قال الشافعي) : وكذلك لا يجوز أن يكاتب أبو المعتوه والصبي عنهما ولا أمهما إن كانا مملوكين وكاتبا على أنفسهما أو عليهما دون أنفسهما؛ لأنه لا يجوز أن يحمل العبد لسيده بشيء خلا الكتابة التي أذن الله عز وجل بها التي هي سبب فكاك رقه فأما أن يحمل عن غيره فلا وكذلك لو كان أبواهما حرين فكاتبا عنهما على نجوم وضمنها الأبوان فشرط السيد أنهما مملوكان حتى يؤديا إليه هذا المال لم تجز الكتابة وإن أديا إليه عنهما عتقا كما يعتق المكاتب بأداء الكتابة الفاسدة ويأخذ السيد قيمة المعتق منهما ويتراجعون كما وصفت في الكتابة الفاسدة والعبد كالحر في اليمين وليس لأبويهما إذا أعتقا أن يرجعا على السيد بما أعطياه على عتقهما كما ليس لهما لو قالا أعتق عبدك على مائة فأعتقه أن يرجعا كما لو أعطياه مائة، أو ضمناها له على أن يعتقه فأعتقه لم يكن لهما أن يرجعا ولهما أن يرجعا في الضمان له ما لم يعتقه وكذلك في الباب الأول يرجعان ما لم يعتقا (قال) : وإذا أراد أبواهما أن يجوز هذا اشترياهما بنقد، أو دين إلى أجل، أو حال فإذا فعلا لزمهما المال وكان الابنان حرين بملك الأبوين لهما وكذلك الأجنبيون في هذه المسائل كلها إلا أن الأجنبيين إذا اشتروهما لم يعتقا حتى يحدثوا لهما عتقا، ولو كاتب رجل على نفسه وابن له صغير كانت الكتابة باطلة وكذلك على نفسه وابن له معتوه، أو بالغ غير معتوه غائب، وكذلك لو كاتب رجل على نفسه وما ولد له من غير أمة له لم يجز هذا، وإذا كاتب العبد بالغا صحيحا، ثم غلب العبد على عقله لم يكن للسيد أن يعجزه حتى يحل نجم من نجومه فإذا حل لم يكن له تعجيزه؛ لأنه لا يعرب عن نفسه بحال حتى يأتي الحاكم ولا ينبغي للحاكم أن يعجزه حتى يسأل عن ماله فإن وجد له مالا يؤدي إلى سيده منه الكتابة أداها وأنفق عليه من فضله وإن لم يجد له ما يؤدي عنه الكتابة، أو النجم الذي حل عليه منها عجزه فإن عجزه، ثم أفاق فدل على مال له، أو دل عليه الحاكم قبل إفاقته أبطل التعجيز عنه وجعله مكاتبا بحاله إذا كان المال له قبل التعجيز وادعى ذلك المكاتب فإن كان مالا أفاده بعد التعجيز جعله لسيده ولم يرد التعجيز ولو وجد الحاكم له في ذهاب عقله ما يؤدي عنه كتابته فأداه عتق وإن لم يجد له مالا ولم يجد له نفقة ولا أحدا يتطوع بأن ينفق عليه عجزه وألزم السيد نفقته ولا يلزم السيد نفقته بحال حتى يقضي عليه بالعجز فإذا وجد له مالا كان قبل التعجيز فك التعجيز عنه ويرد السيد عليه بنفقته في ذلك المال مع كتابته (قال) : ويبين ما وصفت في كتاب تعجيزه إياه، ولو غلب المكاتب على عقله وأدى عنه السلطان كان على الكتابة؛ لأنه يؤدي عنه من حقه، فإذا أدى عنه رجل متطوعا فعلى الحاكم قبول ذلك للمكاتب حتى يصير مالا له ثم يعطيه سيده وليس على السيد قبول إلا أن يقول المتطوع عنه قد ملكته إياه فيلزم السيد قبوله عن المكاتب؛ لأن المكاتب لا يعرب عن نفسه، فإن أبى السيد أن يقبله عنه وخفي ذلك على القاضي فعجزه، ثم علمه رد تعجيزه وأخذ بما تطوع به عليه إن أعطاه المتطوع فإن لم يعطه لم يجبره الحاكم عليه. [كتابة النصراني] (أخبرنا الربيع) : قال: (قال الشافعي) : - رضي الله عنه: إذا كاتب الرجل النصراني عبده على ما يجوز للمسلم أن يكاتب عبده عليه فالكتابة جائزة وإن ترافعا إلينا أنفذناها. فإن كاتب عبده، ثم أسلم العبد فهو على الكتابة إلا أن يشاء أن يعجزه فإن شاء العجز بعناه عليه وكذلك أمته يكاتبها، ثم تسلم إن شاءت العجز بعناها وإن لم تشأه أثبتنا الكتابة. وإن أسلم السيد والعبد نصراني بحاله فالكتابة بحالها، وكذلك لو أسلما جميعا. ولو كاتب نصراني عبدا له نصرانيا على خمر، أو خنزير، أو شيء له ثمن عندهم محرم عندنا فجاءنا السيد يريد إبطال الكتابة والعبد يريد إثباتها أو العبد يريد إبطالها والسيد يريد إثباتها أبطلناها؛ لأنهما جاءانا (قال) : ونبطلها ما لم يؤد المكاتب الخمر، أو الخنزير وهما نصرانيان، فإذا أدى الخمر، أو الخنزير وهما نصرانيان، ثم ترافعا إلينا، أو جاءنا أحدهما فقد عتق ولا يزاد واحد منهما على صاحبه بشيء؛ لأن ذلك مضى في النصرانية بمنزلة ثمن خمر بيع عندهم، ولو كاتبه في النصرانية بخمر فأداها إلا قليلا، ثم أسلم السيد والعبد بحاله فجاءانا أبطلنا المكاتبة كأنه ليس له أن يأخذ خمرا وهو مسلم، وكذلك لو أسلم العبد، ثم جاءنا السيد والعبد أبطلنا المكاتبة، كأنه ليس لمسلم أن يؤدي خمرا، وكذلك لو أسلمنا جميعا، وكذلك لو لم يسلم واحد منهما وجاءنا أحدهما أبطلنا المكاتبة؛ لأنه ليس لمسلم أن يقتضي خمرا (قال) : ولو أسلم السيد والعبد، أو أحدهما وقد بقي على العبد رطل خمر فقبض السيد ما بقي عليه عتق العبد بقبضه آخر كتابته ورجع السيد على العبد بجميع قيمته دينا عليه؛ لأنه قبضها وليس له ملكها إن كان هو المسلم، وكذلك إن كان العبد المسلم فليس له قبضها منه ولا لمسلم تأديتها إليه. ولو أن نصرانيا ابتاع عبدا مسلما، أو كان له عبد نصراني فأسلم، ثم كاتبه بعد إسلام العبد على دنانير أو دراهم، أو شيء تحل كتابة المسلمين عليه أو لا تحل ففيها قولان. أحدهما: أن الكتابة باطل؛ لأنها ليست بإخراج له من ملكه تام، ومتى ترافعوا إلينا رددناها وما أخذ النصراني منه فهو له؛ لأنه أخذه من عبده فإن لم يترافعوا حتى يؤديها العبد المكاتب عتق وتراجعا بفضل قيمة العبد إن كان ما قبض منه النصراني أقل من قيمته رجع على العبد بالفضل وإن كان ما أدى إليه العبد أكثر من القيمة رجع على النصراني بالفضل عن قيمته ولو كاتبه بخمر، أو خنزير أو شيء لا ثمن له في الإسلام بعدما أسلم العبد كانت الكتابة فاسدة فإن أداها العبد عتق بها ورجع عليه النصراني بقيمة تامة لأنه لا ثمن للخمر الذي دفع إليه، ولو كانت المكاتبة للنصراني جارية كانت هكذا في جميع المسائل ما لم يطأها فإن وطئها فلم تحمل فلها مهر مثلها وإن وطئها فحملت فأصل كتابتها صحيح وهي بالخيار بين العجز وبين أن تمضي على الكتابة، فإن اختارت المضي على الكتابة فلها مهر مثلها وهي مكاتبة ما لم تعجز، وإن اختارت العجز أو عجزت جبر على بيعها ما لم تلد، فإن ولدت له فالولد مسلم حر بإسلامها لا سبيل عليه؛ لأنه من مالكها وإن مضت على الكتابة فمات النصراني فهي حرة بموته ويبطل عنها ما بقي عليها من الكتابة ولها مالها ليس لورثته منه شيء؛ لأنه كان ممنوعا من مالها بالكتابة، ثم صارت حرة فصاروا ممنوعين منه بحريتها، وإن ولدت وعجزت أخذ بنفقتها وحيل بينه وبين إصابتها، فإذا مات فهي حرة وتعمل له ما تطيق وله ما اكتسبت وجنى عليها. والقول الثاني: أن النصراني إذا كاتب عبده المسلم بشيء يحل فالكتابة جائزة، فإن عجز بيع عليه، وكذلك إذا اختار العجز بيع عليه، وإذا أدى عتق وكان للنصراني ولاؤه؛ لأنه مالك معتق وإذا كاتبه كتابة فاسدة بيع ما لم يؤد فيعتق، فإن أدى فعتق بالأداء فهو حر وولاؤه للنصراني ويتراجعان بقيمة العبد مملوكا وتكون للنصراني عليه دينا. (قال) : وجناية عبد النصراني والجناية عليه وولده وولد مكاتبته في الحكم إذا ترافعوا إلينا مثل جناية مكاتب المسلم والجناية عليه وولده لا يختلفون في الحكم. [كتابة الحربي] (قال الشافعي) : - رضي الله عنه: وإذا كاتب الحربي عبده في بلاد الحرب، ثم خرجا مستأمنين أثبت الكتابة بينهما إلا أن يكون السيد أحدث لعبده قهرا على استعباده وإبطال الكتابة، فإذا فعل فالكتابة باطلة ولو كاتب مسلم في بلاد الحرب والعبد مسلم، أو كافر كانت الكتابة ثابتة كهي في بلاد الإسلام ولو أحدث له المسلم قهرا بطل به الكتابة، أو أدى إلى المسلم فأعتق والعبد مسلم، أو كافر، ثم قهره المسلم فسباه لم يكن له ذلك وكان حرا؛ لأن الكتابة أمان له منه إن كان كافرا وعتق تام إن كان مسلما، أو كافرا، ولو كان العبد كافرا فيعتق بكتابة المسلم، ثم سباه المسلمون لم يكن رقيقا؛ لأن له أمانا من مسلم بعتقه إياه ولو كان أعتقه كافر بكتابة، أو غير كتابة فسباه المسلمون كان رقيقا؛ لأنه لا أمان له من مسلم فالذي أعتقه نفسه يسترق إذا قدر عليه. ولو أن حربيا دخل إلينا بأمان فكاتب عبده عندنا والعبد كافر فأراد أن يخرج به إلى بلاد الحرب وتحاكما إلينا منعته من إخراجه ووكل من يقبض نجومه، فإذا أدى عتق وكان ولاؤه للحربي وقيل: له إن أردت المقام في بلاد الإسلام فأسلم، أو أد الجزية إن كنت ممن تؤخذ منه الجزية، وإنما تركناك تقيم في بلاد الإسلام للأمان لك وإنك مال لا جزية عليك. ولو كاتب الحربي عبدا له في بلاد الإسلام، أو الحرب، ثم خرجا مستأمنين، ثم لحق السيد بدار الحرب، فقتل أو مات فالمكاتب بحال يؤدي نجومه، فإذا قبضت دفعت إلى ورثة الحربي؛ لأنه مال له كان له أمان ولو لم يمت السيد ولم يقتل ولكنه سبي والمكاتب ببلاد الإسلام لم يعتق المكاتب ولم تبطل كتابته بسبي السيد ولو سبي سيد المكاتب لم تبطل الكتابة وكان المكاتب مكاتبا بحاله، فإن أدى فعتق نظرت إلى سيده الذي كاتبه، فإن كان قتل حين سبي أو من عليه، أو فودي به فولاؤه لسيده الذي كاتبه وإن كان استرق فمات رقيقا لم يكن له ولاؤه وعتق المكاتب وكان لا ولاء له ولا يجوز أن أجعل الولاء لرقيق وإذا لم يجز أن يكون الولاء له لم يجز أن يكون الولاء لأحد بسببه ولد ولا سيد له ولو أعتق سيد المكاتب بعد ما استرق كان ولاؤه له؛ لأنه قد أعتقه وصار ممن يصلح أن يكون له ولاء بالحرية، فإن قيل: فكيف تجعل الولاء إذا أعتق سيده لسيد له وقد رق؟ قيل بابتداء كتابته، كما أجعل ولاء المكاتب يكاتبه الرجل، ثم يموت السيد فيعتق المكاتب بعد موت سيده بسنين لسيده؛ لأنه عقد كتابته والكتابة جائزة له، ولو لم يدع الميت شيئا غيره والميت لا يملك شيئا، فإن قيل: فكيف لم تبطل كتابته حين استرق سيده؟ قيل: لأنه كاتبه والكتابة جائزة ولا يبطلها حادث كان من سيده كما لا تبطل الكتابة بموت السيد ولا إفلاسه ولا الحجر عليه، فإذا كاتب الحربي عبده في بلاد الإسلام ورجع السيد إلى دار الحرب فسبي وأدى المكاتب الكتابة والحربي رقيق، أو قد مات رقيقا، فالكتابة لجماعة أهل الفيء من المسلمين؛ لأنه لا يملك لها إذا بطل أن يملك سيد المكاتب، وإذا لم يجز بأن صار رقيقا بعد الحرية أن يملك مالا لم يجز أن يملكه عبد سيده له ولا قرابة له ولو قتل السيد، أو سبي فمن عليه قبل يجري عليه رق، أو فودي به لم يكن رقيقا في واحد من هذه الأحوال ورد ماله إلى سيده في بلاد الحرب كان، أو في بلاد الإسلام فإن مات رد على ورثته. وإن استرق سيد المكاتب، ثم عتق ففيها قولان: أحدهما: أن يدفع إليه إذا مكاتبته، وإن مات قبل يدفع إليه دفع إلى ورثته؛ لأنه كان مالا موقوفا له لم يملكه مالكه عليه لأنه مال كان له أمان فلم يجز أن نبطل أمانه ولا ملكه ما كان رقيقا ولا سيد دونه إذا لم يملكه هو فلما عتق كانت الأمانة مؤداة إليه إذا كان مالكا فكان ممنوعا منها إذا كان إذا ضرب إليه ملكها غيره عليه كما ورث الله عز وجل الأبوين، فلما كان الأبوان مملوكين لم يجز أن يورثا؛ لأنه يملك مالهما مالكهما ولو عتق الأبوان قبل موت الولد ورثا، فإن قيل فقد ملك بعض هذا المال قبل عتق السيد، قيل: كان موقوفا ليس لأحد بعينه ملكه كما يوقف مال المرتد ليملكه هو، أو غيره إذا لم يرجع إلى الإسلام. والقول الثاني: أنه إذا جرى عليه الرق فما أدى المكاتب لأهل الفيء؛ لأنهم ملكوا ماله بأن صار غيره مالكا له إذا صار رقيقا. ولو كان العبد لحق بدار الحرب فلم يحدث له السيد قهرا يسترقه به حتى خرجا إلينا بأمان فهو على الكتابة ولو لحق بدار الحرب وأدى المكاتب بها ولم يحدث له السيد قهرا وخرجا إلينا كان حرا. ولو دخل إلينا حربي وعبده بأمان فكاتبه، ثم خرج الحربي إلى بلاد الحرب، ثم خرج عبده وراءه أو معه فأحدث له قهرا بطلت الكتابة، وكذلك لو أدى إليه، ثم استعبده، ثم أسلما معا في دار الحرب كان عبدا له كما يحدث قهر الحر ببلاد فيكون له عبدا. ولو دخل الحربي إلينا بأمان، ثم كاتب عبده، ثم خرج الحربي إلى بلاد الحرب، ثم أغار المشركون على بلاد الإسلام فسبوا عبدا لحربي، ثم استنقذه المسلمون كان على ملك الحربي لأنه كان له أمان كما لو أغاروا على نصراني فاستعبدوه ثم استنقذه المسلمون كان حرا؛ لأنه كان له أمان، وكذلك لو أغاروا على الحربي ببلاد الإسلام وقد دخل بأمان فسبوه فاستنقذه المسلمون كان له أمانه، ولو أقام مكاتب الحربي في أيديهم حتى يمر به نجم لا يؤديه كان للحربي إن كان في بلاد الإسلام، أو بلاد الحرب أن يعجزه، فإن عجزه بطلت الكتابة، وإن لم يعجزه فهو على الكتابة، وهذا كله إذا كانت كتابته صحيحة، فأما إذا كانت كتابته فاسدة بشرط فيها أو كاتبه على حرام مثل الكتابة على الخمر والخنزير وما أشبه هذا، فإذا صار إلى المسلمين فرده مولاه أفسدوا الكتابة. [كتابة المرتد من المالكين والمملوكين] (قال الشافعي) : - رضي الله عنه - إذا ارتد الرجل عن الإسلام فكاتب عبده قبل أن يقف الحاكم ماله فكتابته جائزة، وكذلك كل ما صنع في ماله فأمره فيه جائز، كما كان قبل الردة، فإذا وقف الحاكم ماله حتى يموت، أو يقتل على الردة فيصير ماله يومئذ فيئا، أو يتوب فيكون على ملكه لم تجز كتابته، وإذا كاتب المرتد عبده أو كاتبه قبل يرتد ثم ارتد فالكتابة ثابتة، قال: ولا أجيز كتابة السيد المرتد ولا العبد المرتد عن الإسلام إلا على ما أجيز كتابة المسلم وليس ولاء واحد منهما كالنصرانيين. ومن لم يسلم قط فيترك على ما استحل في دينه ما لم يتحاكم إلينا ولو تأدى السيد المرتد من مكاتبه المسلم أو المرتد كتابة حراما عتق بها ورجع عليه بقيمته، وكذلك كل كتابة فاسدة تأداها منه عتق بها وتراجعا بالقيمة كما وصفت في الكتابة الفاسدة ولو لحق السيد بدار الحرب وقف الحاكم ماله وتأدى مكاتبته فمتى عجز، فللحاكم رده في الرق. ومتى أدى عتق وولاؤه للذي كاتبه، وإن كان مرتدا؛ لأنه المالك العاقد للكتابة وإذا عجز الحاكم المكاتب فجاء سيده تائبا فالتعجيز تام على المكاتب إلا أن يشاء السيد والعبد أن يجددا الكتابة. وإذا وقف الحاكم ماله نهى مكاتبه عن أن يدفع إلى سيده شيئا من نجومه، فإذا دفعها إليه لم يبرئه منها وأخذه بها، ولو أن رجلا كاتب عبدا له فارتد العبد المكاتب وهو في دار الإسلام، أو لحق بدار الحرب فهو على الكتابة بحالها لا تبطلها الردة. وكذلك لو كان العبد ارتد أولا، ثم كاتبه السيد وهو مرتد كانت الكتابة جائزة أقام العبد في بلاد الإسلام، أو لحق بدار الحرب، فمتى أدى الكتابة فهو حر وولاؤه لسيده ومتى حل نجم منها وهو حاضر أو غائب ولم يؤده فلسيده تعجيزه، كما يكون له في المكاتب غير المرتد، وإذا قتل على الردة، أو مات قبل أداء الكتابة فماله لسيده ولا يكون مال المكاتب فيئا بلحوقه بدار الحرب؛ لأن ملكه لم يتم عليه وما ملك المكاتب موقوف على أن يعتق فيكون له أو يموت فيكون ملكا لسيده وسواء ما اكتسب ببلاد الحرب، أو بلاد الإسلام فإن مات، أو قتل وهو مكاتب فهو ملك لسيده المسلم الذي كاتبه لا يكون فيئا ولا غنيمة ولو أوجف عليه بخيل، أو ركاب؛ لأنه ملك للسيد المسلم ولو ارتد المكاتب ولحق بدار الحرب بشيء فوقع في المقاسم، أو لم يقع فهو لسيده وماله كله وكذلك لو أسر، ثم سبي كان لسيده (قال الشافعي) : فإن أدى فعتق وهو مرتد ببلاد الحرب فسبي فهو وماله غنيمة؛ لأنه قد تم ملكه على ماله غير أنه إن ظفر به وهو مكاتب، أو حر استتيب فإن تاب وإلا قتل مكاتبا وماله للسيد، وإن عرض قبل أن يقتل أن يدفع إلى سيده ماله مكانه أجبر سيده على قبضه وعتق وقتل وكان ماله فيئا، وإن لم يدفع حتى يقتل فماله كله لسيده إذا كان سيده مسلما. ولو كان السيد المرتد والمكاتب المسلم فإن عجز المكاتب وقتل السيد، أو مات على الردة فالمكاتب وماله فيء؛ لأنه مال للمرتد وإذا أدى فعتق فما أدى من الكتابة فمال المرتد يكون فيئا، وما بقي في يده فمال العبد الذي عتق بالكتابة لا يعرض له. وإذا كاتب الرجل عبده، ثم ارتد عن الإسلام فما قبض في ردته من كتابته قبل يحجر عليه فالمكاتب منه بريء، وما قبض بعد الحجر منه فللوالي أخذه بنجومه ولا يبرئه منه، فإن أسلم المولى وقد أقر بقبضه منه أبرأه الوالي فما قبض المولى منه إن كان قبض منه في الردة نجما، ثم سأله الوالي ذلك النجم فلم يعطه إياه فعجزه وأسلم المرتد ألغى التعجيز عن المكاتب؛ لأنه لم يكن عاجزا حيث دفع إلى سيده وهو يخالف المحجور في هذا الموضع؛ لأن وقف الحاكم ماله إنما كان توفيرا على المسلمين إن ملكوه عنه بأن يموت قبل يتوب ولم يكن عليه ضرر وتاب في وقفه عنه ألا ترى أنه ينفق عليه منه ويقضي منه دينه وتعطى منه جنايته، وهذا دليل على أنه في ملكه. وإذا ارتد العبد عن الإسلام وكاتبه سيده جازت كتابته، فإن لحق بدار الحرب ومعه عبد آخر في الكتابة أخذت من الآخر حصته وعتق من الكتابة بقدره ولم يؤخذ من حصة المرتد شيء، وكذلك الأمة المرتدة تكاتب فإن ولدت في الكتابة فمتى عجزت فولدها رقيق ومتى عتقت عتقوا. وإذا سبي مكاتب مسلم فسيده أحق به وقع في المقاسم أو لم يقع، وإن اشتراه رجل في بلاد الحرب بإذنه رجع عليه بما اشتراه به إلا أن يكون أكثر من قيمته، وإن اشتراه بغير إذنه لم يرجع عليه بشيء. وإذا كاتب العبد وهو في بلاد الحرب فخرج العبد مسلما وترك مولاه بها مشركا فهو حر ولا كتابة عليه، وكذلك لو خرج مسلما وهو مكاتب فإن كان سيده مسلما في بلاد الحرب فلا يعتق بخروجه، وهو على ما كان عليه في بلاد الحرب ولو خرج سيد المكاتب بعده بساعة لم يرد في الرق ولم يكن له ولاؤه؛ لأنه لم يعتق ولو كاتب مسلم عبدا له مسلما فارتد قبل السيد، ثم ارتد السيد، أو ارتد السيد، ثم ارتد العبد، أو ارتدا معا فسواء ذلك كله، والكتابة بحالها فإن أدى المكاتب إلى السيد قبل أن يوقف ماله عتق، وسواء رجع المكاتب إلى الإسلام، أو لم يرجع إذا أدى إلى السيد في أن يعتق العبد بالأداء وكل حال، وكذلك سواء رجع السيد إلى الإسلام، أو لم يرجع في أن يعتق العبد بالأداء ولو جاء العبد إلى الحاكم فقال: هذه كتابتي فاقبضها، فإن سيدي قد ارتد لم يكن له أن يعجل بقبضها حتى ينظر، فإن كان مرتدا قبضها وأعتقه ووقفها، فإن رجع سيده إلى الإسلام إليه الكتابة، وإن لم يرجع حتى مات، أو قتل على الردة كانت الكتابة فيئا كسائر ماله. [العبد يكون للرجل نصفه فيكاتبه ويكون له كله فيكاتب نصفه] (قال الشافعي) : - رضي الله تعالى عنه: وإذا كان العبد نصفه حر ونصفه لرجل فكاتب الرجل نصفه فالكتابة جائزة؛ لأن ذلك جميع ما يملكه منه وما بقي مملوك لغيره ولو كان له نصف عبد. ![]()
__________________
|
#339
|
||||
|
||||
![]() ![]() كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي المجلد الثامن الحلقة (339) صــــــــــ 43 الى صـــــــــــ 50 ونصفه حر فكاتب العبد على كله كانت الكتابة باطلة وكان شبيها بمعنى لو باعه كله من رجل؛ لأنه باعه ما يملك وما لا يملك، فإن أدى المكاتب الكتابة على هذه الكتابة الفاسدة عتق وتراجعا في نصفه كما وصفت في الكتابة الفاسدة ولو كان له نصفه فكاتبه على ثلثيه كانت الكتابة فاسدة؛ لأنه كاتبه على ما لا يملك منه، فإذا كاتبه على ما يملك منه وما بقي منه حر بأن عتق جاز نصفا كان أو ثلثا، أو أكثر، فإذا كاتبه على ما هو أقل مما يملك منه فالكتابة باطلة كالرجل يكون له العبد فيكاتب نصفه (قال) : ولو كان لرجل نصف العبد ولرجل نصفه قد دبره أو أعتقه إلى أجل، أو أخدمه، أو كان في ملكه لم يحدث فيه شيئا فكاتبه شريكه لم تجز الكتابة وإنما منعني إذا كان العبد بكماله لرجل فكاتب نصفه، أو جزءا منه أن الكتابة ليست بعتق بتات فأعتقه كله عليه بالسنة ولا يجوز أن أجعله مكاتبا كله، وإنما أكاتب نصفه فليس العبد في ملكه بحال فأنفذ الكتابة؛ لأن العبد إذا كوتب منع سيده من ماله وخدمته، وإذا كاتب نصفه لم يستطع منعه من ماله وخدمته ونصفه غير مكاتب، وإذا قاسمه الخدمة لم يتم للعبد كسب ولم يبن ما اكتسب في يوم سيده الذي يخدمه فيه، وفي يومه الذي يترك فيه لكسبه، وإذا أراد السفر لم يكن له أن يسافر؛ لأنه يمنع سيده يومه، فلا يكون كسبه تاما فلذلك أبطلت الكتابة فيه (قال الشافعي) : وإذا ترافعا إلينا قبل أداء الكتابة أبطلنا الكتابة، وإذا أبطلناها فما أدى منها إلى سيده فهو مال، وإذا لم يترافعا إلينا حتى يؤدي المكاتب عتق كله ورجع عليه السيد بنصف قيمته؛ لأنه إنما أخرج منه النصف على الكتابة الفاسدة فلا يرجع بأكثر من النصف؛ لأن النصف الثاني عتق عليه بإيقاعه العتق على النصف بالكتابة فكان كرجل قال لعبد له: نصفك حر إذا أعطيتني مائة دينار فأعطاه إياها عتق العبد كله؛ لأنه مالك له وإذا أعتق منه شيئا عتق كله ولو كانت المسألة بحالها فمات السيد قبل يتأدى منه بطلت الكتابة، ولو تأدى منه الورثة لم يعتق؛ لأنهم ليسوا بمالكه الذي قال له إذا أديت إلي كذا فأنت حر، وكذلك كل كتابة فاسدة مات السيد قبل قبضها فقبضها الورثة بعد موته لم يعتق المكاتب بها لما وصفت، وما أخذوا منه فهو مال لهما وهذا كعبد قال له سيده: إن دخلت الدار فأنت حر فلم يدخلها حتى مات السيد، ثم دخلها فلا يعتق؛ لأنه دخل بعد ما خرج من ملكه. وإذا كاتب الرجل عبده كتابة غير جائزة، ثم باعه قبل الأداء فالبيع جائز؛ لأن الكتابة باطلة، وكذلك إذا وهبه، أو تصدق به، أو أخرجه من ملكه بأي وجه ما كان، وكذلك إذا أجره فالإجارة جائزة، وكذلك إذا جنى فهو كعبد لم يكاتب يخير في أن يفديه متطوعا، أو يباع في الجناية. [العبد بين اثنين يكاتبه أحدهما] (أخبرنا الربيع) قال: (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : إذا كان العبد بين رجلين فليس لأحدهما أن يكاتبه دون صاحبه أذن أو لم يأذن؛ لأنه إذا لم يأذن له فشرط السيد لعبده في النصف الذي كاتبه على خمسين إبلا يعتق بأدائها لم يجز له أن يأخذ الخمسين حتى يأخذ شريكه مثلها فتكون كتابته على خمسين ولا يعتق إلا بمائة. وإذا أخذ الخمسين فلشريكه نصفها ولا يعتق العبد بخمسة وعشرين، وإنما أعتق بخمسين، ولا يجوز أن يعتق بأداء خمسين لم تسلم لسيده الذي كاتبه (قال) : وإذا أذن له أن يكاتبه فهو مثل أن لم يأذن له من قبل أن إرادته أن يكاتب نصفه لا تزيل ملكه عن نصفه هو، وإذا لم يزل ملكه عن نصفه هو فليس للذي كاتبه أن يتأدى منه شيئا إلا وله نصفه ولو قال له: تأداه ما شئت ولا شيء لي منه كان له الرجوع فيه من قبل أنه أعطاه مالا يملك من كسب العبد فإذا كسبه العبد فإن أعطاه إياه حينئذ بعلم شريكه وكم هو وإذنه جاز له، وله الرجوع ما لم يقبضه شريكه، فأما قبل كسبه أو قبل علم الشريك وتسليمه فلا يجوز ولا يجوز أن يكاتبه بإذنه إلا أن يأذن له في كتابة العبد كله فيكون الشريك وكيلا لشريكه في كتابته فيكاتبه كتابة واحدة فتكون بينهما نصفين، فإن كاتب رجل عبدا بغير إذن شريكه على خمسين فأداها إليه فلشريكه نصفها ولا يعتق، وإن أداها إلى سيده الذي كاتبه وأدى إلى سيده الذي لم يكاتبه مثلها عتق؛ لأنه قد أدى إليه خمسين سلمت ويتراجع السيد الذي كاتبه والمكاتب بقيمة نصفه؛ لأنه عتق بكتابة فاسدة فإن كان ثمن نصفه أقل من خمسين رجع عليه العبد بالفضل على الخمسين، وإن كان أكثر من خمسين رجع عليه السيد بالزائد على الخمسين، ولو أراد شريكه في العبد الذي لم يكاتب أن يمنع عتقه بأن يقول: لا أقبض الخمسين لم يكن له، وقبضت عليه؛ لأنه قد أدى إليه مثل ما أدى إلى صاحبه، وإن كان السيد موسرا ضمن لشريكه نصف قيمته وكان العبد حرا كله؛ لأنه أعتق ما ملك من عبد ولآخر فيه شرك (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإن كان معسرا عتق نصيبه منه وكان المالك على نصيبه منه كما كان قبل الكتابة ولو أن شريكه حين أعتق أعتق نصيبه منه كان العتق موقوفا، فإن كان المعتق الأول موسرا فأدى قيمته إليه عتق عليه كله وكان له ولاؤه، وإن كان معسرا عتق على الشريك ما أعتق منه وكان ولاؤه بينهما، وهكذا لو كان العبد بين ثلاثة، أو أربعة، أو أكثر. وإذا كان العبد بين اثنين فكاتبه أحدهما بإذن صاحبه، أو بغير إذنه، ثم كاتبه الآخر، فالكتابة كلها فاسدة؛ لأن العقد الأول فاسد فكذلك العقد الثاني، ولا تجوز كتابة العبد بين الاثنين حتى يجتمعا جميعا على كتابته يجعلانها عقدا واحدا ويكونان شريكين فيها مستوي الشركة ولا خير في أن لا يكون لأحدهما في الكتابة أكثر مما للآخر. [العبد بين اثنين يكاتبانه معا] ، (أخبرنا الربيع) : قال: أخبرنا الشافعي - رحمه الله تعالى - قال: أخبرنا عبد الله بن الحارث عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: مكاتب بين قوم فأراد أن يقاطع بعضهم قال: لا إلا أن يكون له من المال مثل ما قاطع عليه هؤلاء (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وبهذا نأخذ فلا يكون لأحد من الشركاء في المكاتب أن يأخذ من المكاتب شيئا دون صاحبه، فإن أخذه فهو ضامن لنصيب صاحبه منه، وشريكه بالخيار في أن يتبع المكاتب ويتبع المكاتب الذي دفع إليه، أو يتبع المدفوع إليه ولا يبرأ المكاتب حتى يقبض كل من له فيه حق جميع حصته في كتابته. وإذا كان العبد بين اثنين فكاتباه معا كتابة واحدة فالكتابة جائزة ليس لواحد منهما أن يأخذ منه شيئا دون صاحبه وما أخذ أحدهما دون صاحبه فهو ضامن له حتى يؤديه إلى صاحبه، وإن أدى إلى أحدهما جميع نصيبه دون صاحبه لم يعتق؛ لأنه لم يسلم له ما أدى إليه حتى يقبض صاحبه مثله، أو يبرئ المكاتب من مثله، فإن فعل عتق المكاتب ولو أذن أحدهما لصاحبه أن يقبض من المكاتب دونه فقبض جميع حصته ففيها قولان. أحدهما: أن لا يعتق المكاتب؛ لأن لشريكه الرجوع عليه بما أخذ منه، وإذنه له أن يقبض ما لم يكن في يدي السيد فيعطيه إياه إذنه بما ليس يملك فله الرجوع فيه. والآخر: يعتق ويقوم عليه (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا كان المكاتب بين اثنين فعجز عن نجم من نجومه فأراد أحدهما إنظاره وأن لا يعجزه وأراد الآخر تعجيزه فعجزه فهو عاجز والكتابة كلها مفسوخة ولا يكون لأحدهما إثبات الكتابة وللآخر أن يفسخها بالعجز، كما لا يكون له أن يكاتب نصيبه منه دون صاحبه. ولو أن عبدا بين رجلين فكاتباه معا على نجوم مختلفة فحل بعضها قبل بعض، أو على نجوم واحدة بعضها أكثر من بعض كانت الكتابة فاسدة، ولو أجزت هذا أجزت أن يكاتبه أحدهما دون الآخر، وذلك أنهما في كسبه سواء، فإذا لم يأخذ كل واحد منهما ما يأخذ صاحبه لم تجز الكتابة وإذا أدى إليهما على هذا فعتق رجع كل واحد منهما عليه بنصف قيمته ورد إليه فضلا إن كان أخذه وتراجعا في فضل ما أخذ كل واحد منهما من العبد دون صاحبه. وإذا كان العبد بين اثنين فقال أحدهما: كاتبناه معا على ألف وقال الآخر: على ألفين وادعى المكاتب ألفا تحالف المكاتب ومدعي الكتابة على ألفين وفسخت الكتابة، ولو صدق المكاتب صاحب الألفين والألف فقال: كاتبني أحدهما على ألف والآخر على ألفين فسخت الكتابة بلا يمين، ولو قال المكاتب: بل كاتباني جميعا على ألفين فإن صدقه صاحب الألف فالكتابة ثابتة، وإن قال: بل على ألف وحلف الذي ادعى ألفين، فالكتابة مفسوخة، ولو كاتباه معا على ألف فقال: قد أديتها إلى أحدكما وصدقاه معا لم يعتق حتى يقبض الذي لم يؤد إليه خمسمائة من شريكه، أو يبرئه منها، فإذا قبضها أو أبرأه منها برئ وعتق العبد وذلك أن القابض الألف مستوف لنفسه خمسمائة لا تسلم له إلا بأن يستوفي صاحبه مثلها وهو في الخمس المائة الباقية كالرسول للمكاتب لا يبرأ المكاتب إلا بوصولها إلى سيده، ولو كاتباه على ألف فادعى أنه دفعها إليهما معا وأقر له أحدهما بجميع المال وأنكر الآخر أحلف المنكر، فإذا حلف عتق نصيب الذي أقر من العبد ورجع على شريكه بنصف الخمسمائة ولم يرجع بها هو على العبد؛ لأنه يقر فيه أن العبد قد أدى إلى صاحبه ما عليه وأن صاحبه يأخذها منه بظلم ولا يعتق عليه النصف الباقي؛ لأن العبد يقر أنه بريء من أن يعتق عليه بدعواه أنه عتق على صاحبه وإن أدى إلى صاحبه النصف الباقي عتق وإن عجز رد نصفه رقيقا وكان كعبد لصاحبه نصفه فكاتبه فعجز. (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : ولو أن مكاتبا بين رجلين أقر أحدهما أن المكاتب دفع إليهما نصيبهما فعتق وأنكر شريكه حلف شريكه ورجع على الذي أقر فأخذ نصف ما في يديه وتأداه الآخذ ما بقي من الكتابة كما وصفت في المسألة قبلها فإن أنكر المكاتب أن يكون دفع إلى المنكر شيئا لم يحلف ورجع المنكر على المقر فأخذ نصف ما أقر بقبضه منه، ولو ادعى المكاتب مع هذا أنه دفع الكل إلى أحدهما فقال المدعى عليه: بل دفعته إلينا معا حلف المدعى عليه وشركه صاحبه فيما أخذ وأحلفت الذي يبرئه المكاتب لشريكه لا للمكاتب فإن حلف برئ (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا كان المكاتب بين اثنين فأذن أحدهما لصاحبه بأن يقبض نصيبه منه فقبض منه، ثم عجز المكاتب، أو مات، فسواء، ولهما ما في يديه من المال نصفين إن لم يكن استوفى المأذون له جميع حقه من الكتابة (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإن كان المأذون له استوفى جميع حقه من الكتابة ففيها قولان، فمن قال يجوز ما قبض ولا يكون لشريكه أن يرجع فيشركه فيه فنصيب شريكه منه حر ويقوم عليه إن كان موسرا وإن كان معسرا فنصيبه منه حر، فإن عجز فجميع ما في يديه للذي بقي له فيه الرق، وإنما جعلت ذلك له لأنه يأخذه بما بقي من الكتابة إن كان فيه وفاء عتق به، وإن لم يكن فيه وفاء أخذه بما بقي من الكتابة وعجزه بالباقي منه، وإن مات فالمال بينهما نصفان يرثه ربه بقدر الجزية التي فيها ويأخذ هذا ماله بقدر العبودية فيه، والقول الثاني: لا يعتق ويكون لشريكه أن يرجع فيشركه فيما أذن له به، وهو لا يملكه فأخذ الذي له على الحر، وإذنه له بالقبض وغير إذنه سواء، فإن قبضه، ثم تركه فإنما هي هبة وهبها له تجوز إذا قبضها. [ما تجوز عليه الكتابة] أخبرنا الربيع بن سليمان قال: (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أذن الله عز وجل بالمكاتبة، وإذنه كله على ما يحل، فلما كانت المكاتبة مخالفة حال الرق في أن السيد يمنع مال مكاتبه وأن مكاتبه يعتق بما شرط له سيده إذا أداه كان بينا أن المكاتبة لا تجوز إلا على ما تجوز عليه البيوع والإجارات بأن تكون بثمن معلوم إلى أجل معلوم وبعمل معلوم وأجل معلوم، فما جاز بين الحرين المسلمين في الإجارة والبيع جاز بين المكاتب وسيده وما رد بين الحرين المسلمين في البيع والإجارة رد بين المكاتب وسيده فيما يملك بالكتابة لا يختلف ذلك فيجوز أن يكاتبه على مائة دينار موصوفة الوزن والأعيان إلى عشر سنين، وأول السنين سنة كذا وآخرها سنة كذا تؤدي في انقضاء كل سنة من هذه العشر السنين كذا وكذا دينارا، ولا بأس أن تجعل الدنانير في السنين مختلفة، فيؤدي في سنة دينارا وفي سنة خمسين وفي سنة ما بين ذلك إذا سمى كم يؤدي في كل سنة ولا خير في أن يقول: أكاتبك على مائة دينار تؤديها في عشر سنين؛ لأنها حينئذ تحل بانقضاء العشر السنين فتكون نجما واحدا، والكتابة لا تصلح على نجم واحد، أو تكون تحل في العشر السنين فلا يدري في أولها تحل أو في آخرها، وكذلك لا خير في أن يقول: أكاتبك على أن لا تمضي عشر سنين حتى تؤدي إلي مائة دينار. وكذلك لو قال: تؤدي إلي في عشر سنين مائة دينار كيف يخف عليك، غير أن العشر السنين لا تنقضي حتى تؤديها، وذلك أنهما لا يدريان حينئذ كم يؤدي في كل وقت، وكذلك لا خير في أن يقول: أكاتبك على مائة دينار، أو على ألف درهم، وإن سمى لها آجالا معلومة؛ لأنه لا يدري حينئذ على أي شيء الكتابة، وكذلك لو قال: أكاتبك على مائة دينار تؤديها إلي كل سنة عشرة دنانير على أنك تدفع إلي عند رأس كل سنة بالعشرة الدنانير مائتي درهم، أو عرض كذا لم يجز من قبل أن المكاتبة وقعت بعشر دنانير في كل سنة، وأنه ابتاع بالعشرة دراهم، والعشرة دين فابتاع دراهم دينا بدنانير دين، وهذا حرام من جهاته كلها، وكذلك إن قال: ابتعت منك إذا حلت عرضا؛ لأن هذا دين بدين والدين بالدين لا يصلح وزيادة فساد من وجه آخر، ويجوز أن يكاتبه بعرض وحده ونقد، وإذا كاتبه بعرض لم يجر إلا أن يكون العرض موصوفا والأجل معلوما كما لا يجوز أن يشتري إلى أجل إلا إلى أجل معلوم وصفة معلومة يقام عليهما، وإذا كان العرض في الكتابة لم يجز إلا أن يكون كما يكون في أن يسلف في العرض سواء لا يختلفان فإن كان العرض ثيابا قال: ثوب مروي طوله كذا وكذا وعرضه كذا وصفيق، أو رقيق جيد يوفيه إياه في موضع كذا، فإن ترك من هذا شيئا لم تجز الكتابة عليه كما لا يجوز أن يسلف فيه إلا هكذا. وهكذا إن كان العرض طعاما أو حيوانا، أو رقيقا، أو ما كان العرض فإن كان من الرقيق قال: عبد أسود فراني من جنس كذا أسود حالك السواد أمرد مربوع، أو طوال، أو قصير بريء من العيوب، وإذا كان من الإبل قال: جمل ثني، أو رباع من نعم بنى فلان أحمر، أو جون غير مودن بريء من العيوب ويوفيه إياه في موضع كذا وقت كذا، فإن ترك من هذا شيئا لم تجز الكتابة إلا أن يترك قوله برئ من العيوب، فإنما له برئ من العيوب وإن لم يشترط ذلك، وسواء كاتبه على عروض منفردة أو عروض ونقد يجوز ذلك كله كما يجوز أن يبيعه دارا بعرض ونقد إذا كان كل ما باعه معلوما وإلى أجل معلوم. والله تعالى الموفق. . [الكتابة على الإجارة] (قال الشافعي) : - رحمه الله: والإجارة تملك ما تملك به البيوع إذا شرع فيها مع الإجارة، فإذا كاتب الرجل عبده على أن يعمل له عملا بيده معلوما فأخذ فيه حين يكاتبه ويجعل عليه أن يؤدي معه، أو بعده في نجم آخر مالا ما كان كانت الكتابة جائزة، وإن كاتبه على أن يعمل له عملا ما كان العمل ولم يجعل عليه بعد العمل مالا يأخذه لم تجز الكتابة عليه، وذلك أن العمل إن كان واحدا، فهو نجم واحد. والكتابة لا تجوز على نجم واحد في مال ولا غيره، وإن كاتبه على أن يعمل له من يومه عملا وبعد شهر عملا آخر لم تجز الإجارة بعد وقت من الأوقات، ونحن لا نجيز أن يستأجر الرجل على أن يعمل له بعد شهر عملا؛ لأنه قد يحدث عليه بعد الشهر ما يمنعه العمل من مرض وموت وحبس وغيره، والعمل باليد ليس بمال مضمون يكلف أن يأتي به، وقد يقدر على المال مريض ولا يقدر على العمل به، ولو كاتبه على أن يبني له دارا وعلى المكاتب جميع عمارتها وسمى له درعا معلوم الارتفاع والعرض والموضع من الدار، وسمى ما يدخل فيها من اللبن وقدر اللبن والحجارة كان كعمله بيده لا يجوز إلا أن يكون يأخذه في ذلك حين يكاتبه ويكون بعده شيء من المال يؤديه إليه لما وصفت من أن استئخار العمل لا يجوز، ولو كاتبه على أن يخدمه شهرا، فأخذ فيه حين يكاتبه ويؤدي إليه شيئا بعد الشهر جاز. ولو كاتبه على أن يخدمه شهرا حين كاتبه وشهرا بعد ذلك لم يجز؛ لأنه ضرب للخدمة أجلا لا يكون على المكاتب فيه خدمة، وهذا كما لا يجوز أن يستأجر حرا على أن يؤخر الخدمة شهرا، ثم يخدمه، ولو كاتبه على أن يخدمه شهرا حتى يكاتبه، ثم يوفيه لبنا، أو حجارة، أو طينا معلوما بعد شهر كان هذا جائزا وكان هذا كالمال. ولو كاتبه على أن يخدمه شهرا، ثم يعطيه مالا بعد فمرض ذلك الشهر انتقضت الكتابة ولم يكن له أن يعطيه أحدا يخدمه مكانه ولا عليه لو أراد ذلك السيد، كما لو استأجر حرا على أن يخدمه شهرا فمرض في الشهر لم يكن عليه ولا له أن يخدمه غيره وانتقضت الإجارة، ولو كاتبه على نجوم مسماة على أن يخدمه بعد النجوم شهرا أو يعمل له عملا بعد ذلك كانت الكتابة فاسدة، فإن أدى ما عليه وخدم، أو عمل عتق وتراجعا بقيمة المكاتب وحسب للمكاتب ما أعطاه وأجر مثله فيما عمل له وتراجعا بالقيمة، ولو كاتبه على مائة دينار على أن يؤدي إليه في كل شهر عشرة ويعمل له عند أداء كل نجم يوما، أو ساعة شيئا معلوما كانت الكتابة فاسدة لتأخير العمل، ولو كاتبه على مائة يؤدي إليه في كل سنة عشرة ويعطيه ضحية، فإن وصف الضحية فقال: ماعزة ثنية من شياه بلد كذا، أو شياه بني فلان يدفعها إليه يوم كذا من سنة كذا، فهو جائز والشاة من الكتابة، وإن قال أضحية فلم يصفها فالكتابة فاسدة لأن الضحية تكون جذعة من الضأن وثنية من المعز وما فوقهما فلا يجوز هذا كما لا يجوز في البيوع، وإن كاتبه على مائة دينار في عشر سنين وعشرين ضحية بعدها كل ضحية في سنة ووصف الضحايا لم يعتق إلا بأداء آخر الكتابة الضحايا، والضحايا نجوم من نجوم كتابته لا يعتق إلا بأن يؤديها قال: وإن كاتبه على شيء معلوم وضحايا أهله ما بلغ أهله عن كل إنسان ضحية موصوفة، وإن زادوا زادت عليه الضحايا وإن نقصوا نقصت الضحايا، فالكتابة فاسدة؛ لأنها حينئذ على غير شيء معلوم. وإن قال له: ابن لي هذه الدار بناء موصوفا، أو علم لي هذا الغلام، أو اخدمني شهرا أو اخدم فلانا شهرا، أو ابلغ بلد كذا أو انسج ثوب كذا وأنت حر، ففعل ذلك فهو حر وليس بمكاتب، وله أن يبيعه قبل أن يفعله، وإن مات سيد العبد قبل أن يفعله فالعبد مملوك، وهذا مثل قوله إن دخلت الدار فأنت حر، أو كلمت فلانا فأنت حر، وهكذا إن قال له: أعطني مائة دينار وأنت حر فإن أعطاه إياها فهو حر، وإن أراد بيعه قبل أن يعطيه إياها فذلك له ولا يكون شيء من هذا كتابة، إنما الكتابة النجوم بعضها بعد بعض ولو كاتبه على أن ضمن له بناء دار ويحاط بصفة بنائها عليه عمارتها حتى يوفيه إياها قائمة على صفته وسمى معها دنانير يعطيه إياها قبلها، أو بعدها كان هذا جائزا؛ لأن هذا ضمان عمل عمله بعده، أو لم يعمله يكلف كما يكلف المال ومعه نجم غيره، وكذلك إن كاتبه على ضمان بناء دارين يبني إحداهما في وقت كذا والأخرى في وقت كذا كانت هذه كتابة جائزة، وليس هذا كالعمل بيده إلى أجل معلوم وهو إذا كاتبه، أو استأجر حرا على أن يعمل بيده لم يكلف أن يأتي بغيره يعمل له وإذا ضمن عملا كلف أن يوفيه إياه بنفسه، أو غيره والله تعالى أعلم. [الكتابة على البيع] (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا عقد الرجل كتابة عبده على مائة دينار منجمة في عشر سنين على أن باعه السيد عبدا له معروفا فالكتابة فاسدة من قبل أن البيع معها وهكذا لو كاتبه على مائة على أن يهب له الرجل عبدا كانت الكتابة فاسدة، وكان هذا كالبيع ولا يشبه هذا أن يكاتبه على أن يعمل له المكاتب عملا، فإن ذلك كله شيء يعطيه إياه المكاتب من الكتابة ككتابته على دنانير وعبد وماشية، وهذا بيع وكتابة والبيع لازم لا يشبه الكتابة؛ لأن الكتابة لا تلزم العبد لزوم الدين الكتابة متى شاء العبد تركها وفيه أن كان لثمن العبد حصة من الكتابة غير معلومة وغير لازمة لكل حال وللكتابة حصة معلومة؛ لأن لها من ثمن العبد نصيبا فلم يجز من جميع هذه الجهات ولو كان في يدي عبد عبد فكاتبه سيده بمائة دينار منجمة على أن يشتري منه ذلك العبد بعشرة دنانير لم تجز الكتابة من قبل أنه لما باعه العبد على أن يكاتبه كان العبد مالا من مال السيد لا يجوز له شراؤه ولو أبطلت على السيد ثمنه، كما كنت مبطله لو اشتراه بلا شرط كتابة كنت زدت على المكاتب في كتابته؛ لأنه لم يرض أن يكاتب على مائة إلا وله على السيد عشرة ولو أثبت ثمنه على السيد كنت قد أثبت عليه أن اشترى ماله بماله، وهذا مما لا يثبت عليه بحال ولو كان كاتبه كتابة صحيحة، ثم اشترى السيد من مكاتبه والمكاتب من سيده كان الشراء جائزا لأن السيد حينئذ ممنوع من مال مكاتبه وليس بممنوع من مال عبده قبل الكتابة ألا ترى أن العبد يكاتب سيده فيأخذ سيده ما كان بيده من المال قبل الكتابة، والله سبحانه. وتعالى أعلم. [كتابة العبيد كتابة واحدة صحيحة] (أخبرنا الربيع) : قال: أخبرنا الشافعي - رحمه الله تعالى - قال: أخبرنا عبد الله بن الحارث عن ابن جريج قال: قال عطاء: إن كاتبت عبدا لك وله بنون يومئذ فكاتبك على نفسه وعليهم فمات أبوهم، أو مات منهم ميت، فقيمته يوم يموت توضع من الكتابة وإن أعتقته، أو بعض بنيه فكذلك، وقالها عمرو بن دينار (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وهذا إن شاء الله تعالى كما قال عمرو بن دينار وعطاء إذا كان البنون كبارا فكاتب عليهم أبوهم بأمرهم فعلى كل واحد منهم حصته من الكتابة بقدر قيمته فأيهم مات أو عتق وضع عن الباقين بقدر حصته من الكتابة بقيمته يوم تقع عليه الكتابة لا يوم يموت ولا قبل الموت وبعد الكتابة (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : فإن كان لرجل ثلاثة أعبد فكاتبهم على مائة منجمة في سنين على أنهم إذا أدوا عتقوا، فالكتابة جائزة والمائة مقسومة على قيمة الثلاثة وإن كان أحدهم قيمته مائة دينار والآخران قيمة خمسين خمسين فنصف المائة من الكتابة على العبد الذي قيمته مائة ونصفها الباقي على العبدين اللذين قيمتهما خمسون خمسون على كل واحد منهما خمسة وعشرون، فأيهم أدى حصته من الكتابة عتق وأيهم عجز رد رقيقا ولم تنتقض كتابة الباقين، وإن قال الباقون: نحن نستعمله ونؤدي عنه فليس لهم ذلك، وأيهم مات قبل أن يؤدي حصته من الكتابة مات رقيقا وماله لسيده دون الذين كاتبوا معه ودون ورثته لو كانوا أحرارا ودون ولده لو كانوا معه في الكتابة؛ لأنه مات رقيقا وإذا أدوا إلى السيد نجمين فيهما ستون دينارا، فقالوا: أدينا إليك عن كل رجل عشرين فهو كما قالوا ويبقى على اللذين عليهما خمسون عشرة دنانير على كل واحد منهما خمسة وعلى الذي عليه خمسون ثلاثون دينارا، وإن قال الذي عليه خمسون: أديناها على قدر ما يصيبنا وقال الآخران: بل على العدد دون ما يصيبنا، فالقول قول اللذين عليهما الخمسون؛ لأن الأداء من الثلاثة فلكل واحد منهم ثلثه حتى تقوم بينة، أو يتصادقوا على غير ذلك. وهكذا لو مات أحدهم، أو اثنان منهم كان الأداء على العدد لا على ما يصيبهما إذا اختلفت قيمتهم، وإذا كاتبهم على ما وصفنا أدى كل واحد منهم بقدر ما يصيبه. فإن أدوا على العدد فأراد اللذان أديا أكثر مما يصيبهما الرجوع فيما أديا وقالا: تطوعنا بالفضل لم يكن لهما لا رجوع إذا قبضه السيد وإن لم يقبضه فلهما أن يحبسا عنه ما لم يحل عليهما وإن تصادق العبيد والسيد على أنهما أديا عن صاحبهما كان لهما أن يرجعا به على السيد؛ لأنه ليس للسيد أن يأخذ منهما شيئا على غير أنفسهما، وقد أخذ منهما شيئا ههنا عن غيرهما، ولو كان السيد شرط عليهم أن يؤدوا إليه في كل نجم ثلاثين دينارا على كل واحد منهم عشرة كان جائزا وكان عليهم أن يؤدوها كذلك فيؤدي كل واحد منهم عشرة نجمين، ثم يبقى على اللذين قيمتهما خمسون خمسة دنانير إلى الوقت الذي شرطها إليه وعلى الذي قيمته مائة ثلاثون إلى الوقت الذي شرطها إليها فإن جعل محل النجوم واحدا كان محل الخمسة الباقية على كل واحد من العبدين محل الثلاثين التامة على الآخر كأنه جعل النجوم إلى ثلاث سنين يؤدون إليه كل واحد عشرة في السنتين الأوليين وما بقي على كل واحد أداه في السنة الثالثة إذا بين هذا في أصل الكتابة. ولو أدوا إليه على العدد فقال اللذان أديا أكثر مما يلزمهما: نحن نرجع بالفضل عن نجمنا لم يكن لهما وكان لهما أن يحسب ذلك لهما من النجم الذي يلي النجم الذي أديا فيه إن شاءا وكان على الذي أدى أقل مما يلزمه أن يؤدي ما يلزمه فإن لم يفعل فهو عاجز وإن عجز فلسيده إبطال كتابته عند الحاكم وغير الحاكم إذا أحضره فأشهد عليه أن نجما حل وسأل أن يؤديه إليه فقال: لا أجده فأشهد أنه أبطل كتابته، فكتابته مفسوخة وترفع عن اللذين معه حصته من الكتابة ويكون عليهما حصتهما، فإن سألا أن يحسب لهما أداؤه لم يكن ذلك لهما؛ لأنه أداه عن نفسه لا عنهما وما أخذ السيد منه حلال له؛ لأنه أخذ عن الكتابة فلما عجز كان مالا من مال عبده ومال عبده ماله ولو لم يعجز ولكنه أعتقه رفعت عنهما حصته من الكتابة ولم يعتقا بعتقه، وكذلك لو أعتقه بحنث، أو على شيء أخذه منه يصح له لم يفسد ذلك كتابتهما ولم يضع عنهما من حصتهما منها شيئا، وسواء كاتب العبيد كتابة واحدة فسموا ما على كل واحد منهم، أو لم يسموا، كما سواء أن يباعوا صفقة فيسمي كم حصة كل واحد منهم من الثمن، أو لا يسمي فالكتابة عليهم على قدر قيمتهم يوم يكاتبون ولا ينظر إلى قيمتهم قبل الكتابة ولا بعدها، وسواء في هذا كان العبيد ذوي رحم، أو غير ذي رحم، أو رجلا وولده، أو رجلا وأجنبيين في جميع مسائل الكتابة. فإن كاتب رجل وابنان له بالغان فمات أحد الاثنين وترك مالا، أو الأب وبقي الابنان وترك مالا قبل أن يؤدي فماله لسيده ويرفع عن المكاتبين معه حصته من الكتابة، وأيهم عجز فلسيده تعجيزه وأيهم شاء أن يعجز فذلك له، وأيهم أعتق السيد فالعتق جائز، وأيهم أبرأه مما عليه من الكتابة فهو حر، وترفع حصته من الكتابة عن شركائه، وأيهم أدى عن أصحابه متطوعا فيعتقوا معا لم يكن له أن يرجع عليهم بما أدى عنهم، فإن أدى عنهم بإذنهم رجع عليهم بما أدى عنهم فإن أدى عن اثنين بأمر أحدهما وغير أمر الآخر رجع على الذي أدى عنه بأمره ولم يرجع على صاحبه. [ما يعتق به المكاتب] (أخبرنا الربيع) : قال: (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وجماع الكتابة أن يكاتب الرجل عبده أو عبيده على نجمين فأكثر بمال صحيح يحل بيعه وملكه، كما تكون البيوع الصحيحة بالحلال إلى الآجال المعلومة، فإذا كان هكذا وكان ممن تجوز كتابته من المالكين وممن تجوز كتابته من المملوكين كانت الكتابة صحيحة ولا يعتق المكاتب حتى يقول في المكاتبة: فإذا أديت إلي هذا ويصفه فأنت حر، فإن أدى المكاتب ما شرط عليه، فهو حر بالأداء، وكذلك إذا أبرأه السيد مما شرط عليه بغير عجز من المكاتب فهو حر؛ لأن مانعه من العتق أن يبقى لسيده عليه دين من الكتابة، فإن قال: قد كاتبتك على كذا ولم يقل له: إذا أديته فأنت حر لم يعتق إن أداه، فإن قال قائل: فإن الله عز وجل يقول {فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا} [النور: 33] قيل: هذا مما أحكم الله عز وجل جملته إباحة الكتابة بالتنزيل فيه وأبان في كتابه أن عتق العبد إنما يكون بإعتاق سيده إياه فقال {فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة} [المائدة: 89] فكان بينا في كتاب الله عز وجل أن تحريرها إعتاقها، وأن عتقها إنما هو بأن يقول للمملوك: أنت حر كما كان بينا في كتاب الله عز وجل {إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن} [الأحزاب: 49] أن الطلاق إنما هو بإيقاعه بكلام الطلاق المصرح لا التعريض ولا ما يشبه الطلاق هكذا عامة من جمل الفرائض أحكمت جملها في آية وأبينت أحكامها في كتاب أو سنة، أو إجماع، فإذا كاتب الرجل عبده ولم يقل: إن أديت إلي فأنت حر وأدى فلا يعتق، وذلك خراج أداه إليه، وكل هذا إذا مات السيد، أو خرس ولم يحدث بعد الكتابة ولا معها قولا، إن قولي قد كاتبتك إنما كان معقودا على أنك إذا أديت فأنت حر، فإذا قال: هذا فأدى فهو حر؛ لأنه كلام يشبه العتق كما لو قال له: اذهب، أو اعتق نفسك يعني به الحرية عتق، وكما لو قال لامرأته: اذهبي أو تقنعي يعنى به الطلاق وقع الطلاق، ولا يقع في التعريض طلاق ولا عتاق إلا بأن يقول: قد عقدت القول على نية الطلاق والعتاق. . ![]()
__________________
|
#340
|
||||
|
||||
![]() ![]() كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي المجلد الثامن الحلقة (340) صــــــــــ 51 الى صـــــــــــ 58 [حمالة العبيد] (أخبرنا الربيع) : قال: أخبرنا الشافعي - رحمه الله تعالى: قال: أخبرنا عبد الله بن الحارث عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: كتبت على رجلين في بيع إن حيكما من ميتكما ومليكما عن معدمكما قال: يجوز، وقالها عمرو بن دينار وسليمان بن موسى وقال زعامة: يعني حمالة، (أخبرنا الربيع) : قال: أخبرنا الشافعي - رحمه الله تعالى - قال: أخبرنا عبد الله بن الحارث عن ابن جريج قال: فقلت لعطاء: كاتبت عبدين لي وكتبت ذلك عليهما قال: لا يجوز في عبيدك وقالها سليمان بن موسى قال ابن جريج فقلت لعطاء لم لا يجوز؟ قال: من أجل أن أحدهما لو أفلس رجع عبدا لم يملك منك شيئا فهو مغرم لك، هذا من أجل أنه لم يكن سلعة يخرج منك فيها مال قال: قلت له: فقال لي رجل: كاتب غلامك هذا وعلي كتابته ففعلت، ثم مات، أو عجز قال: لا يغرم لك عنه. وهذا مثل قوله في العبدين (قال الشافعي) : وهذا إن شاء الله كما قال عطاء في كل ما قال من هذا (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : ولا يجوز أن يكاتب الرجل عبيده على أن بعضهم حملاء عن بعض؛ لأنه لا يجوز للمكاتب أن يثبت على نفسه دينا على غيره لسيده ولا لغيره وليس في الحمالة شيء يملكه العبد، ولا شيء يخرج من أيديهما بإذنهما ويقبض، فإن كاتبوا على أن بعضهم حملاء عن بعض فأدوا عتقوا بكتابة فاسدة ورجع السيد بفضل إن كان في قيمتهم، فأيهم أدى متطوعا عن أصحابه لم يرجع عليهم، وأيهم أدى بإذنهم رجع عليهم ولا يجوز لأحد أن يكاتب عبده على أن يحمل له رجل بما عليه من كتابته حرا كان الرجل، أو عبدا مأذونا له، أو غير مأذون له؛ لأنه لا يكون للسيد على عبده بالكتابة دين يثبت كثبوت ديون الناس، وإن الكتابة شيء إذا عجز المكاتب عن أدائه بطل عنه ولم يكن له ذمة يرتجع بها الحميل عليه. (قال) : وإن عقد السيد على المكاتب كتابة على أن فلانا حميل بها وفلان حاضر راض، أو غائب، أو على أن يعطيه به حميلا يرضاه فالكتابة فاسدة، فإن أدى المكاتب الكتابة فالمكاتب حر، كما يعتق بالحنث واليمين إلا أنهما يتراجعان بالقيمة، وإن لم يؤدها بطلت الكتابة، وإن أراد المكاتب أداءها فللسيد أن يمتنع من قبولها منه؛ لأنها فاسدة، وكذلك إن أراد الحميل أداءها فللسيد الامتناع من قبولها، فإذا قبلها فالعبد حر وإذا أداها الحميل عن الحمالة له إلى السيد فأراد الرجوع بها على السيد فله الرجوع بها وإذا رجع بها، أو لم يرجع فعلى المكاتب قيمته للسيد؛ لأنه عتق بكتابة فاسدة ويجعل ما أخذ منه قصاصا من قيمة العبد، وهكذا كلما أعتقت العبد بكتابة فاسدة جعلت على العبد قيمته بالغة ما بلغت وحسبت للعبد من يوم كاتب الكتابة الفاسدة ما أخذ منه سيده ولا يجوز للرجل أن يكاتب عبده على أن يحمل له عبد له عنه، ولا يجوز أن يحمل له عبده عن عبد له ولا عن عبده لغيره ولا عن عبد أجنبي؛ لأنه لا يكون له على عبده دين ثابت بكتابة ولا غيرها (قال) : ولا يجوز أن يكاتب العبيد كتابة واحدة على أن بعضهم حملاء عن بعض ولا أن يكاتب ثلاثة أعبد على مائة على أنه لا يعتق واحد منهم حتى يؤدوا المائة كلها؛ لأن هذه كالحمالة من بعضهم عن بعض، فإذا كاتب الرجل عبديه، أو عبيده على أن بعضهم حملاء عن بعض، أو كاتب اثنين على مائة على أنه لا يعتق واحد منهما حتى يستوفي السيد المائة كلها فالكتابة فاسدة، فإن ترافعاها نقضت وإن لم يترافعاها فهي منتقضة، وإن جاء العبدان بالمال فللسيد رده إليهما والإشهاد على نقض الكتابة وترك الرضا بها، فإذا أشهد على ذلك فله أخذ المال من أيهما شاء على غير الكتابة؛ لأنه مال عبده، أو عبديه وأصح له أن يبطل الحاكم تلك الكتابة وإن أخذ من عبيده ما كاتبوه عليه على الكتابة الفاسدة عتقوا وكانت عليهم قيمتهم له يحاصهم بما أخذ منهم في قيمتهم ولو كاتب عبده، أو عبيده على أرطال خمر، أو ميتة أو شيء محرم فأدوه إليه عتقوا إذا كان قال لهم: فإن أديتم إلي كذا وكذا فأنتم أحرار، ورجع عليهم بقيمتهم حالة، وإنما خالفنا بين هذا وبين قوله: إن دخلتم الدار أو فعلتم كذا فأنتم أحرار إن هذه يمين لا بيع فيها بحال بينهم وبينه، وإن كاتبهم على الخمر وما يحرم، وكل شرط فاسد في بيع يقع العتق بشرطه أن العتق واقع به وإذا وقع به العتق لم يستطع رده وكان كالبيع الفاسد يقبضه مشتريه ويفوت في يديه فيرجع على مشتريه بقيمته بالغة ما بلغت، ويكون شيء إن أخذه من مشتريه حرام بكل حال لا يقاص به، وإن أخذه منه شيئا يحل ملكه قاص به من ثمن البيع الفاسد. [الحكم في الكتابة الفاسدة] (أخبرنا الربيع) : قال: (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وكل كتابة قلت إنها فاسدة فأشهد سيد المكاتب على إبطالها فهي باطلة، وكذلك إن رفعها إلى الحاكم أبطلها وإن أشهد سيد المكاتب على إبطالها، أو أبطلها الحاكم، ثم أدى المكاتب ما كان عليه في الكتابة الفاسدة لم يعتق كما يعتق لو لم تبطل، فإن قال له: إن دخلت الدار فأنت حر، ثم قال: قد أبطلت هذا لم يبطل والكتابة بيع يبطل، فإذا بطل فأدى ما جعل عليه فقد أداه على غير الكتابة ألا ترى أنه إن قال: إن دخلت الدار وأنت لابس كذا فأنت حر، أو دخلت الدار قبل طلوع الشمس فأنت حر لم يعتق إلا بأن يدخلها لابسا ما قال وقبل طلوع الشمس فكذلك لا يعتق المكاتب؛ لأنه لم يتأد إذا أبطلها منه على ما شرط له من العتق إذا أبطله، ومن أعتق على شرط لم يعتق إلا بكمال الشرط. وإن كان كاتب السيد عبده كتابة فاسدة فلم يبطلها حتى أدى ما كاتبه عليه فهو حر؛ لأنه اعتقد على شرط عليه أداه، فإن كان ما دفع إليه المكاتب حراما لا ثمن له رجع السيد على المكاتب بجميع قيمته عبدا يوم عتق لا يوم كاتبه؛ لأنه إنما خرج من يديه يوم عتق، وإن كان ما أدى إليه مما يحل وكان معه شرط يفسد الكتابة أقيم جميع ما أدى إليه والمكاتب يوم يقع العتق عليه بأي حال كان المكاتب لا يوم الحكم ولا يوم الكتابة، ثم تراجعا بالفضل كأن تأدى منه عشرين دينارا أو قيمتها، وهو كتأدي عشرين دينارا وقيمة المكاتب مائة دينار فيرجع عليه السيد بثمانين دينارا يكون بها غريما من الغرماء يحاص غرماءه بها لا يقدم عليها ولا هم عليه؛ لأنه دين على حر لا كتابة. ولو كانت قيمة المكاتب عشرين دينارا فأدى إلى السيد مائة رجع المكاتب على السيد بثمانين وكان بها غريما، وإذا كاتب الرجل عبده كتابة فاسدة، فمات السيد فتأدى ورثته الكتابة عالمين بفساد الكتابة، أو جاهلين لم يعتق المكاتب؛ لأنهم ليسوا الذين قالوا: أنت حر بأداء كذا فيعتق بقولهم وبأن الكتابة فاسدة فما أدى إليهم عبدهم وهو غير مكاتب فهو من أموالهم بلا شرط يعتق به عليهم (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : ولو تأداها السيد بعد ما حجر عليه لم يعتق عليه من قبل أنه إنما يعتق بقول السيد أداها فيكون كقوله أنت حر على كذا فإذا كان محجورا لم يعتق بهذا القول؛ لأن الشرط الأول في الكتابة فاسد، ولو كان صحيحا لزمه بعد الحجر وذهاب العقل وكذلك لو كاتبه كتابة فاسدة وهو صحيح، ثم خبل السيد. فتأداها منه مغلوبا على عقله لم يعتق. ولو كان المكاتب مخبولا فتأداها السيد والسيد صحيح عتق بالكتابة ووكل له القاضي وليا يتراجعان بالقيمة كما كان المكاتب راجعا بها لأن كتابة العبد المخبول فاسدة فما تأدى منه السيد فإنما يتأدى من عبده وإيقاعه العتق له واقع. [الشرط الذي يفسد الكتابة] (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا شرط الرجل على مكاتبته، أو مكاتبه أنه إذا أدى إليه ما طابت به نفسه عتق أو أنه لا يعتق إلا بما طابت به في نفس سيده، فالكتابة في هذا كله فاسدة ولو كاتبه على نجوم بأعيانها على أنه إذا أدى فهو حر بعد موت سيده فأداها كان مدبرا، وكان لسيده بيعه وليست هذه كتابة إنما هذا كقوله: إذا دخلت الدار فأنت حر بعد موتي فله بيعه قبل أدائها وبعده، وإذا كاتبه على مائة دينار يؤديها في عشر سنين فإن أدى منها خمسين معجلة في سنة، فالكتابة فاسدة لأنه إلى غير أجل ولو أدى الخمسين الأخرى لم يعتق؛ لأنه لم يقل: فإن أديت فأنت حر، فإن شاء السيد أعتقه وإن شاء لم يعتقه، ولم يكن شيء من هذا كتابة، فإن أدى العبد بعد موت سيده لم يعتق العبد على بني سيده، وكان هذا كالخراج، ولسيده بيعه في هذا وفي كل كتابة قلت: إنها فاسدة، وكذلك لو كاتبه على مائة دينار يؤديها في عشر سنين في كل سنة كذا ولم يقل فإذا أديتها فأنت حر كان هذا خراجا، فإن أداها فليس بحر، وكذلك لو قال له: إن أديت إلي مائة دينار فأنت مكاتب، وسواء في هذا كله قال: إذا أديت عتقت، أو لم يقله، فإن أدى المائة الدينار فليس بمكاتب لأنه جعله مكاتبا بعد أداء المائة ولم يسم كتابة فكان هذا ليس بكتابة من وجهين، ولو قال: إن أديت إلي مائة دينار فأنت مكاتب على مائة دينار تؤديها في ثلاث سنين في كل سنة ثلثها فأدى إليه مائة دينار لم يكن مكاتبا وليس هذا كقوله: إن دخلت الدار فأنت حر، وإن أديت إلي مائة دينار فأنت حر؛ لأن الكتابة ببيع السيد العبد نفسه أشبه ألا ترى أن رجلا لو قال لرجل: إن أعطيتني عشرة دنانير فقد بعتك داري بمائة، فأعطاه عشرة دنانير لم تكن داره بيعا له بمائة ولا غيرها ولا يكون بينهما بيع حتى يحدثا بيعا مستقبلا يتراضيان به، فكذلك الكتابة لا يكون العبد مكاتبا حتى يحدثا كتابة يتراضيان بها. [الخيار في الكتابة] (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : ولو كاتب الرجل عبده على أن للسيد أن يفسخ الكتابة متى شاء ما لم يؤد العبد كانت الكتابة فاسدة ولو شرط السيد للعبد فسخ الكتابة متى شاء كانت الكتابة جائزة؛ لأن ذلك بيد العبد وإن لم يشترطه العبد ألا ترى أن العبد لا يعتق بالكتابة دون الأداء ولم يخرج من ملك السيد خروجا تاما، فمتى شاء ترك الكتابة. أو لا ترى أن الكتابة شرط أثبته السيد على نفسه لعبده دونه فلا يكون للسيد فسخه. [اختلاف السيد والمكاتب] (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا تصادق السيد وعبده على أنه كاتبه كتابة صحيحة فاختلفا في الكتابة فقال السيد: كاتبتك على ألفين، وقال العبد: على ألف تحالفا كما يتحالف المتبايعان الحران ويترادان، وكذلك إن تصادقا على الكتابة واختلفا في الأجل فقال السيد: تؤديها في شهر، وقال العبد في ثلاثة أشهر أو أكثر، وسواء كان المكاتب أدى من الكتابة شيئا كثيرا، أو قليلا، أو لم يؤده وإن أقاما جميعا البينة على ما يتداعيان، وكانت البينة تشهد في يوم واحد وتصادق المكاتب والسيد أن لم تكن إلا كتابة واحدة أبطلت البينة وأحلفتهما كما ذكرت، وكذلك لو شهدت بينة المكاتب على أنه كاتبه على ألف فأداها وشهدت بينة سيده أنه كاتبه على ألفين فأدى ألفا لم يعتق المكاتب، وتحالفا وترادا الكتابة من قبل أن كل واحدة من البينتين تكذب الأخرى، وليست إحداهما بأولى أن تقبل من الأخرى، ولو شهدا معا بهذه الشهادة واجتمعا على أن السيد عجل له العتق، وقالت بينة السيد: أخر عنه ألفا فجعلها دينا عليه أنفذت له العتق لاجتماعهما عليه وأحلفت كل واحد منهما لصاحبه، ثم جعلت على المكاتب قيمته لسيده كانت أكثر من ألفين، أو أقل من الألف لأني طرحتهما حيث تصادقا وأنفذتهما حيث اجتمعا. قال ولو تصادقا على أن الكتابة ألف في كل سنة منها مائة فمرت سنون فقال السيد: لم تؤد إلي شيئا، وقال العبد: قد أديت إليك جميع النجوم كان القول قول السيد مع يمينه وعلى المكاتب البينة فإن لم تقم بينة وحلف السيد قيل للمكاتب: إن أديت جميع ما مضى من نجومك الآن، وإلا فلسيدك تعجيزك، ولو قال السيد قد عجزته وفسخت كتابته وأنكر المكاتب أن يكون فسخ كتابته وأقر بمال، أو لم يقر به كان القول قول المكاتب مع يمينه، ولا يصدق السيد على تعجيزه إلا ببينة تقوم على حلول نجم، أو نجوم على المكاتب فيقول: ليس عندي أداء، ويشهد السيد أنه قد فسخ كتابته فتكون مفسوخة وسواء كان هذا عند حاكم، أو غير حاكم. وإذا كاتب الرجل عبده وله ولد من امرأة حرة فمتى قال السيد قد كنت قبضت من عبدي المكاتبة كلها والسيد صحيح، أو مريض فالعبد حر ويجر المكاتب ولاء ولده من المرأة الحرة ولو كانت المسألة بحالها ومات العبد المكاتب فقال السيد: قد كنت قبضت نجومه كلها ليثبت عتقه قبل موته، وكذبه موالي المرأة الحرة وصدقه ولد المكاتب الأحرار كان القول قول الموالي في أن لم يعتقه حتى مات، ويثبت لهم الولاء على ولد مولاتهم، وأخذ مال إن كان للمكاتب يدفع إلى ورثته الأحرار بإقرار سيده أنه قد مات حرا، وهكذا لو قذف المكاتب رجل لم يصدق مولاه على عتقه ولا يحد إلا ببينة تقوم على أنه عتق قبل موته، ويصدق سيد المكاتب على ما عليه ولا يصدق على ماله. وإذا أقر السيد في مرضه أنه قبض ما على مكاتبه حالا كان على المكاتب، أو دينا صدق وليس هذا بوصية ولا عتق هذا إقرار له ببراءة من دين عليه كما يصدق على إقراره لحر ببراءة من دين له عليه. ولو كان لرجل مكاتبان فأقر أنه قد استوفى ما على أحدهما، ثم مات ولم يبين أيهما الذي قبض ما عليه أقرع بينهما فأيهما خرج سهمه عتق وكانت على الآخر نجومه إلا ما أثبت أنه أداه منها. ولو كاتب رجل عبده على نجوم يؤدي كل سنة نجما فمرت به سنون فقال: قد أديت نجوم السنين الماضية وأنكر السيد فالقول قوله مع يمينه، وعلى المكاتب أن يؤدي النجوم الماضية مكانه وإلا فلسيده تعجيزه وهكذا لو مات سيده فادعى ورثته أن نجومه بحالها كان القول قولهم كما كان القول قول أبيهم مع أيمانهم كما تكون أيمانهم على حق لأبيهم؛ لأن الكتابة حق من حقوق أبيهم لا يبطله حلول أجل المكاتب حتى تقوم بينة باستيفائه إياه، ولو قامت بينة باستيفاء سيده نجما في سنة لم يبطل ذلك نجومه في السنين قبلها؛ لأنه قد يستوفي نجم سنة ولا يستوفي ما قبلها ويحلف له وتبطل دعواه فإن لم يحلف له أحلف العبد على ما ادعى ولزم ذلك السيد. ولو ادعى أن سيده كاتبه وقد مات وأنكر ذلك الورثة فعليه البينة فإن لم يقم بينة حلف الورثة ما علموا أباهم كاتبه وبطلت دعواه، ولو كان الوارثان ابنين فأقر أحدهما أن أباه كاتبه، أو نكل عن اليمين فحلف المكاتب وأنكر الآخر، وحلف ما علم أباه كاتبه كان نصفه مكاتبا ونصفه مملوكا، وإن كان في يده مال أفاده بعد الكتابة أخذ الوارث الذي لم يقر بالكتابة نصفه، وكان نصفه للمكاتب وكان للذي لم يقر بالكتابة أن يستخدمه ويؤاجره يوما، وللذي أقر بالكتابة أن يتأدى منه نصف النجم الذي أقر أنه عليه ولا يرجع به أخوه عليه وإذا عتق لم يقوم عليه؛ لأنه إنما أقر أنه عتق بشيء فعله الأب كما لو ورثا عبدا فادعى عتقا فأقر أحد الابنين أن أباه أعتقه وأنكر الآخر عتق نصيبه منه، ولم يقوم عليه؛ لأنه إنما أقر بعتقه من غيره، وولاء نصفه إذا عتق لأبيه، ولا يقوم في مال أبيه ولا مال ابنه وهذا مخالف للعبد بين اثنين يبتدئ أحدهما كتابته دون صاحبه؛ لأن هذا يقر أنه لم يرثه قط إلا مكاتبا وذانك مالكا عبد يبتدئ أحدهما كتابته فلا يجوز لأنه ليس له أخذ شيء منه دون شريكه ولو عجز المكاتب الذي أقر له أحدهما رجع رقيقا بينهما كما كان أولا فإن وجد له مال كان له في الكتابة قبل موت سيده اقتسماه فإن وجد له مال كان بعد إثبات نصف الكتابة وإبطال نصفها كان للذي أقر بالكتابة دون أخيه إذا كان أخوه يستخدمه يومه قال: والقول قول الذي بالكتابة؛ لأنا حكمنا أن ماله في يديه، ولو أنا حكمنا بأن نصفه مكاتب، وأعطينا الذي جحده نصف الكتابة وقلنا له: استخدمه يوما، ودعه للكسب في كتابته يوما فترك سيده استيفاء يومه واكتسب مالا فطلبه السيد، وقال: كسبته في يومي وقال الذي أقر له بالكتابة بل في يومي كان القول قول الذي له فيه الكتابة وللذي لم يقر له بالكتابة عليه أجر مثله فيما مضى من الأيام التي لم يستوفها منه يرفع منها بقدر نفقة العبد فيها فإن عجز عن أدائها ألزمناه العجز مكانه، وتبطل كتابته كما إذا عجز عن أداء الكتابة عجزناه، وأبطلنا كتابته. ولو أن عبدا ادعى على سيده أنه كاتبه، أو على ابن رجل أن أباه كاتبه وإنما ورثه عنه فقال السيد: كاتبتك وأنا محجور أو كاتبك أبي وهو محجور، أو مغلوب على عقله وقال المكاتب: ما كان ولا كنت محجورا ولا مغلوبا على عقلك حين كاتبتني فإن كان يعلم أنه قد كان في حال محجورا، أو مغلوبا على عقله فالقول قوله مع يمينه وما ادعى من الكتابة باطل، وإن لم يكن يعلم كان مكاتبا وكانت دعواه أنه محجور ومغلوب على عقله ولا يعلم ذلك باطلا، ويحلف المكاتب لقد كاتبه وهو جائز الأمر. ولو ادعى مكاتب على سيده أنه كاتبه على ألف فأداها وعتق وقال مولاه: كاتبتك على ألفين وأديت ألفا ولا تعتق إلا بأداء الألف الثانية فإن أقاما البينة وقالت بينة العبد: كاتبه في شهر رمضان من سنة كذا، وقالت بينة السيد: كاتبه في شوال من سنة كذا كان هذا إكذابا من كل واحدة من البينتين للأخرى، وتحالفا وهو مملوك بحاله إن زعما معا إن لم تكن كتابة إلا واحدة. ولو قالت بينة السيد: كاتبه في رمضان من سنة كذا، وقالت بينة العبد: كاتبه في شوال من تلك جعلت البينة بينة العبد؛ لأنهما قد يكونان صادقين فيكون كاتبه في شهر رمضان، ثم انتقضت الكتابة وأحدثت له كتابة أخرى. (قال) : ولو قالت بينة العبد كاتبه في شهر رمضان من سنة كذا على ألف ولم تقل عتق ولا أدى، وقالت بينة السيد: كاتبه في شوال من تلك السنة على ألفين كانت البينة بينة السيد وجعلت الكتابة الأولى منتقضة؛ لأنه يمكن فيهما أن يكونا صادقين، وإذا قالت البينة الأولى: عتق لم يكن مكاتبا بعد العتق، وكانت البينتان باطلتين، ولم يكن مكاتبا بحال. ولو أقام العبد البينة أنه كاتبه على ألف، والسيد أنه كاتبه على ألفين ولم توقت إحدى البينتين أحلفتهما معا ونقضت الكتابة، وحيث قلت أحلفهما فإن نكل السيد وحلف العبد فهو مكاتب على ما ادعى، وإن لم يحلف كان عبدا وإن نكل السيد والعبد كان عبدا لا يكون مكاتبا حتى ينكل السيد ويحلف العبد مع نكول سيده. ولو ادعى عبد على سيده أنه كاتبه وأقام بينة بكتابته ولم تقل البينة: على كذا وإلى وقت كذا لم تجز الشهادة، وكذلك لو قالت: كاتبه على مائة دينار، ولم تثبت في كم يؤديها، وكذلك لو قالت: كاتبه على مائة دينار منجمة في ثلاث سنين ولم تقل في كل سنة ثلثها أو أقل، أو أكثر لا تجوز الشهادة حتى توقت المال والسنين وما يؤدى في كل سنة، فإذا نقصت البينة من هذا شيئا سقطت وحلف السيد، وكان العبد مملوكا، وإن نكل حلف العبد، وكان مكاتبا على ما حلف عليه. ولو أقام بينة أنه كاتبه فأدى إليه فعتق، فقامت له بينة أن سيده أقر أنه كاتبه على أنه إن أدى فهو حر وأنه أدى إليه وجحد السيد، أو ادعى أن الكتابة فاسدة أعتقته عليه وأحلفت العبد على فساد الكتابة فإن حلف برئ وإلا حلف السيد وترادا القيمة [جماع أحكام المكاتب] (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : يروى أن من كاتب عبده على مائة أوقية فأداها إلا عشر أواق فهو رقيق أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أن زيد بن ثابت قال في المكاتب هو عبد ما بقي عليه درهم. (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وبهذا نأخذ وهو قول عامة من لقيت، وهو كلام جملة، ومعنى قولهم - والله تعالى أعلم: عبد في شهادته وميراثه وحدوده والجناية عليه وجملة جنايته بأن لا تعقلها عاقلة مولاه، ولا قرابة العبد ولا يضمن أكثر من قيمته في جنايته ما بلغت قيمة العبد وهو عبد في الأكثر من أحكامه وليس كالعبد في أن لسيده بيعه، ولا أخذ ماله ما كان قائما بالكتابة. ولا يعتق المكاتب إلا بأداء آخر نجومه فلو كاتب رجل عبده على مائة دينار منجمة في كل سنة على أنك متى أديت نجما عتق منك بقدره فأدى نجما عتق كله ورجع عليه سيده بما بقي من قيمته، وكانت هذه الكتابة فاسدة. ومن قذف مكاتبا كان كمن قذف عبدا، وإذا قذف المكاتب حد حد عبد، وكذلك كل ما أتى المكاتب مما عليه فيه حد فحده حد عبد. ولا يرث المكاتب، ولا يورث بالنسب وإن مات المكاتب ورث هو بالرق ومثل أن يرث المكاتب بالرق أن يكون له عبد فيموت فيأخذ المكاتب مال عبده كما كان يبيع رقبته؛ لأنه مالك له. وإذا مات المكاتب وقد بقي عليه من كتابته شيء قل، أو كثر فقد بطلت الكتابة، وإذا كان المكاتب إذا قال في حياته: قد عجزت بطلت الكتابة؛ لأنه اختار تركها أو عجز فعجزه السيد بطلت الكتابة كان إذا مات أولى أن تبطل الكتابة؛ لأن المكاتب ليس بحي فيؤدي إلى السيد دينه عليه وموته أكثر من عجزه ولا مزية للمكاتب تفضل بين المقام على كتابته والعتق. وإذا مات فخرج من الكتابة أحطنا أنه عبد وصار ماله لسيده كله، وسواء كان معه في الكتابة بنون ولدوا من جارية له أو أم ولد، أو بنون بلغوا يوم كاتب وكاتبوا معه وقرابة له كاتبوا معه فجميع ماله لسيده. ولو قال سيده بعد موت المكاتب قد وضعت الكتابة عنه، أو وهبتها له أو أعتقته لم يكن حرا، وكان المال ماله بحاله؛ لأنه إنما وهب لميت مال نفسه. ولو قذفه رجل وقد مات ولم يؤد لم يحد له؛ لأنه مات ولم يعتق. فإذا مات المكاتب فعلى سيده كفنه وقبره؛ لأنه عبده وكذلك لو كان أحضر المال ليدفعه، ثم مات قبل أن يقبضه سيده، أو دفع المال إلى رسول ليدفعه إلى سيده فلم يقبضه سيده حتى مات عبدا وكذلك لو أحضر المال ليدفعه فمر به أجنبي، أو ابن لسيده فقتله كانت عليه قيمته عبدا، وكذلك لو كان سيده قتله كان ظالما لنفسه، ومات عبدا فلسيده ماله ويعزر سيده في قتله. ولو وكل المكاتب من يدفع إلى السيد آخر نجومه ومات المكاتب فقال ولد المكاتب الأحرار قد دفعها إليك الوكيل وأبونا حي وقال السيد ما دفعها إلي إلا بعد موت أبيكم فالقول قول السيد المكاتب؛ لأنه ماله، ولو أقاموا بينة على أنه دفعها إليه يوم الاثنين ومات أبوهم يوم الاثنين كان القول قول السيد حتى تقطع البينة على أنه دفعها إليه قبل موت المكاتب أو توقت فتقول: دفعها إليك قبل طلوع الشمس يوم الاثنين، ويقر السيد أن العبد مات بعد طلوع الشمس من ذلك اليوم، أو تقوم بينة بذلك فيكون قد عتق ولو شهد وكيل المكاتب أنه دفع ذلك إلى السيد قبل موت المكاتب لم تقبل شهادته. ولكن لو وكل السيد رجلا بأن يقبض من المكاتب آخر نجومه فشهد وكيل سيد المكاتب أنه قبضها منه قبل يموت، وقال السيد: قبضها بعد ما مات جازت شهادة وكيل سيد المكاتب عليه وحلف ورثة المكاتب مع شهادته، وكان أبوهم حرا وورثه ورثته الأحرار ومن يعتق بعتقه [ولد المكاتب وماله] (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي - رحمه الله تعالى - قال: أخبرنا عبد الله بن الحارث عن ابن جريج قال قلت لعطاء رجل كاتب عبدا له وقاطعه فكتمه مالا له وعبيدا ومالا غير ذلك قال هو للسيد وقالها عمرو بن دينار وسليمان بن موسى (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي - رحمه الله تعالى - قال أخبرنا عبد الله بن الحارث عن ابن جريج قال: قلت لعطاء فإن كان السيد قد سأله ماله فكتمه إياه فقال هو لسيده فقلت لعطاء فكتمه ولدا من أمة ولم يعلمه قال هو لسيده، وقالها عمرو بن دينار وسليمان بن موسى قال ابن جريج: قلت له أرأيت إن كان سيده قد علم بولد العبد فلم يذكره السيد ولا العبد عند الكتابة؟ قال فليس في كتابته هو مال لسيدهما وقالها عمرو بن دينار (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : القول ما قال عطاء وعمرو بن دينار في ولد العبد المكاتب سواء علمه السيد، أو لم يعلمه هو مال للسيد، وكذلك مال العبد للسيد ولا مال للعبد، وإذا كاتب الرجل عبده، وله مال فللسيد أخذ كل مال كان للعبد قبل مكاتبته [مال العبد المكاتب] (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا كان العبد تاجرا، أو غير تاجر في يديه مال فكاتبه سيده فالمال للسيد، وليس للمكاتب شيء منه وما اكتسب المكاتب في كتابته فلا سبيل للسيد عليه حتى يعجز فإذا اختلف العبد والسيد، وقد تداعيا الكتابة، ولم يكاتبا أو لم يتداعياها في مال في يدي العبد فالمال للسيد ولا موضع للمسألة في هذا، ولكن إذا اختلفا في المال الذي في يد العبد بعد الكتابة فقال العبد: أفدته بعد الكتابة وقال السيد: أفدته قبلها، أو قال: هو مال لي أودعتكه فالقول قول العبد المكاتب مع يمينه وعلى السيد البينة فما أقام عليه شاهدين، أو شاهدا وامرأتين، أو شاهدا وحلف أنه كان في يدي العبد قبل الكتابة فهو للسيد، وكذلك لو أقر العبد أنه كان في يده قبل الكتابة فهو للسيد ولو شهد الشهود على شيء كان في يدي العبد ولم يحدوا حدا يدل على أن ذلك كان في يدي العبد قبل الكتابة كان القول قول العبد حتى يحدوا وقتا يعلم فيه أن المال كان بيدي العبد قبل الكتابة وكذلك لو قالوا: كان في يديه يوم الاثنين لغرة شهر كذا، وكانت الكتابة ذلك اليوم كان القول قول العبد حتى تحد البينة حدا يعلم أن المال كان في يديه قبل تصح الكتابة. ولو شهدوا أنه كان في يديه في رجب وشهدوا له على المكاتبة في شعبان من سنة واحدة فقال العبد: قد كاتبتني بلا بينة قبل رجب، أو في رجب، أو في وقت قبل الوقت الذي شهدت عليه البينة كان القول قول العبد، وإنما قلت هذا أن سيد المكاتب إنما كاتبه على نفسه وماله مال سيده لا مال له. (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا كاتب الرجل عبده على نفسه وماله فالكتابة فاسدة علم المال وأحضره أو لم يعلم؛ لأنه كتابة وبيع؛ لأنه لا يعلم حصة الكتابة من حصة البيع؛ لأن لكل واحد منهما حصة من الكتابة غير متميزة، وأنه يعجز فيكون رقيقا ويفوت المال فإن أدى فعتق تراجعا بقيمة العبد فتكون يوم كوتب ورجع سيده بماله الذي كاتبه عليه، أو مثله، أو قيمته إن فات في يديه، ويجوز أن يكاتبه، ثم يبيعه بعد الكتابة ما في يديه، أو يهبه، أو يتصدق به عليه فأما أن يعقد الكتابة عليه فلا يجوز بحال (قال الربيع) : وفيه حجة أخرى أنه إذا كاتبه على نفسه وماله فالكتابة فاسدة؛ لأنه كاتبه على نفسه وماله الذي في يديه، والمال الذي في يديه لسيده ليس للعبد [ما اكتسب المكاتب] (أخبرنا الربيع) قال: (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : ما أفاد المكاتب بعد الكتابة بوجه من الوجوه فهو له مال على معنى، وليس للسيد أخذه، ولا أخذ شيء منه، فإن قيل: فكيف لا يأخذ ماله وهو لم يخرج من ملكه؟ قيل - إن شاء الله تعالى: لما أمر الله بالكتابة وكانت المكاتبة مالا يؤديه العبد ويعتق به فلو سلط للسيد على أخذه لم يكن للمكاتبة معنى إذا كان السيد يأخذ ما يكون العبد به مؤديا كان العبد للأداء مطيقا ومنه ممنوعا بالسيد، أو كان له غير مطيق فبطل معنى الكتابة بالمعنيين معا، ويجوز للمكاتب في ماله ما كان على النظر وغير الاستهلاك لماله ولا يجوز ما كان استهلاكا لماله فلو وهب درهما من ماله كان مردودا، ولو اشترى بما لا يتغابن الناس بمثله كان مردودا، أو باع شيئا من ماله بما لا يتغابن الناس بمثله كان مردودا وكذلك لو جنيت عليه جناية فعفا الجناية على غير مال كان عفوه باطلا؛ لأن ذلك إهلاك منه لماله، ويجوز بيعه بالنظر، وإقراره في البيع، ولا يجوز له أن ينكح بغير إذن سيده فإن نكح فأصاب المرأة فسخ النكاح، ولها عليه مهر مثلها إذا عتق ولا يكون لها أن تأخذه به قبل يعتق؛ لأنها نكحته وهي طائعة، ولو اشترى جارية شراء فاسدا فماتت في يديه كان لقيمتها ضامنا؛ لأن شراءه وبيعه جائز فما لزمه بسبب الشراء لزمه في ماله. ولو اشترى جارية فأصابها فاستحقها رجل عليه أخذها، وأخذ منه مهر مثلها؛ لأن هذا بسبب بيع، وأصل البيع والشراء له جائز، وأصل النكاح له غير جائز فلذلك لم ألزمه في ماله - ما كان مكاتبا - صداق المرأة وألزمهوه بعد عتقه فإذا تحمل عنه الرجل بحمالة، وضمن عن آخر كان ذلك باطلا؛ لأن هذا تطوع بشيء يلزمه نفسه في ماله فهو مثل الهبة يهبها، ولا يلزمه بعد العتق، وإذا كان له ولد صغير، أو كبير زمن محتاج، أو أب زمن محتاج لم تلزمه نفقته، وتلزمه نفقة زوجته إن أذن له سيده في نكاحها قبل الكتابة وبعدها. ولو نكح في الكتابة بغير إذن سيده فلم يعلم سيده حتى عتق فأصابها أو أصابها قبل العتق، ثم عتق كان عليه في الحالين مهر مثلها بأنه حر ويفرق بينه وبينها. ولو كان له عبد فمات كان عليه كفنه ميتا ونفقته ![]()
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |