|
الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
طريق النور
طريق النور د. خالد النجار حضارة اليوم طابعها «الملل»؛ الحب يُولَد ليموت، والمرأة مهما أوتيت من جمال تملُّها العين والنفس بعد فترة، ثم يصفق القلب المريض طالبًا التغيير. العين تملُّ، واللسان يملُّ، والمعدة تملُّ، والقصيدة تكتسح الآفاق، ثم ما تلبث ألَّا يقرأها أحد، فالأذن أيضًا تملُّ. وعن الموضة حدِّث ولا حَرَج؛ الموضة اليوم الفستان الجرار المتهدل على الساقين، وغدًا الموضة فوق الركبة، ثم الموضة المفتوح، والموضة المقفول، والموضة الشوال، والموضة الممزق. التغيير، التغيير، حتى في الفن والفكر: سارتر ينادي بالوجودية، سارتر يهجر الوجودية، سارتر يقول: أنا ماركسي، راسل شيوعي، راسل يهاجم الشيوعية، الواقعية في الفن، السريالية، التأثيرية، كل مذهب ينتشر يفقد قيمته، وكل فلسفة يظهر لها متحمسون فدائيون ثم ينفض من حولها السامر تمامًا كماركات العربات والتسريحات. الملل الملل، كل جديد يصبح قديمًا بمجرد تداوله. وكل لهفة تتحوَّل إلى فتور ثم ضجر قاتل. وطريق الخلاص قرص منوم وألف مسكن ومسكن للأعصاب وأبونيه عند أطباء الأمراض النفسية. الحواسُّ تبلَّدت، والملل يلتمس مهربًا أخيرًا في التغيير ثم الإفراط إلى حد الإعياء، ولا حل. تصرخ كل اللذات: نحن في عصر الملل. حتى النقود تثيرك ما دامت في جيب غيرك، فإذا دخلت جيبك فقدت جاذبيتها. الشهادة حلمك وغايتك وأملك حتى تحصل عليها، فتنسى أمرها تمامًا. الوظيفة هدف برَّاق حتى تنالها فتتحوَّل إلى عبء ثقيل. لماذا كل هذا الملل؛ لأننا في عصر إفلاس القيم، قيمة الغرام والهيام مثلًا التي تُروِّجها الأغاني والروايات سقطت وأفلست؛ لأن المرأة لا تصلح لأن تكون هدفًا يُطلَب لذاته. المرأة طريق، المرأة نافذة إلى شيء وليست هدفًا نهائيًّا، وإذا اتخذناها هدفًا نهائيًّا كما تقول لنا الأغاني والروايات ما يلبث أن تتهدَّم الأُسَر. المرأة زيت يوقد المصباح لنرى على ضوئه أشياء أخرى غير المرأة.. معانٍ وقيمًا ومثاليات نعشقها بلا مَلَل. وبدون مثاليات وبدون إيمان لا يمكن لحياة أن تعاش، وحضارة هذا العصر سقَطَتْ؛ لأن ما فيها من فكر مادي أسقط الأديان ولم يستطِعْ أن يُقيم لها بديلًا روحيًّا. إنه يقنعك بأنك تستطيع أن تدخل الجنة ببضعة جنيهات في الكازينو، لتعيش اللحظة، فترى أمثال الحور العين من الفاتنات لابسات الحرير، وزيادة على ذلك تستمتع بفرق الأكروبات والمنوَّعات ولذيذ الوجبات. وفى المدرسة يعلمونك أن آدم ليس من ترابٍ ولكن من أسلاف من جنس القرود، وأنه سليل تطوُّر انحدر من الحشرات وميكروبات المستنقعات. ولا تجد مدرسًا وهو يصف لك أن شعر الرأس دائم الاستطالة وشعر الرموش لا يستطيل إلا بقدر معين، ولا يعقب بقوله: سبحان الله! تبارك الله أحسن الخالقين. وبسقوط هيبة الأديان يقف الإنسان في الدنيا وحيدًا بلا سند ولا إيمان في انتظار نعيم مقيم لا يأتي، وسعادة خالدة لا وجود لها. قال تعالى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [آل عمران: 185]. ﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [الحديد: 20]. كل ما يملكه الإنسان حياة فانية بعدها التراب ولا شيء، وهو يتحوَّل بهذا دون أن يدري إلى يأس قاتم لا مخرج منه، وعطش لا ارتواء له، فهو ينتقل من لذة لا تُرْوى إلى لذة لا تروى، ولا شبع ولا نهاية. لقد اكتشف أن لا شيء من المتع حقيقي. لا قيمة باقية ولا معنى لشيء، الملل هو كل ما يتبقَّى له، وهو مَلَل لا علاج له إلا بالعودة إلى فكرة الروح، إلى الإيمان بأن الإنسان لا يموت بل وراءه حياة ممتدة، وأن في الدنيا قيم خالدة، وأن هناك حقيقة خلف عالم الظواهر. قال تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97]، قيل: في الدنيا بالقناعة أو الرزق الحلال. سائل اشتكى لشيخ الإسلام ابن تيمية الكسلَ والتشتُّت في مسارات الحياة وقلة التوفيق، فقال له نصيحة ثمينة: دواؤه الالتجاء إلى الله تعالى، ودوام التضرع إلى الله سبحانه، والدعاء بأن يتعلم الأدعية المأثورة، ويتوخَّى الدعاء في مظانِّ الإجابة؛ مثل آخر الليل، وأوقات الأذان والإقامة، وفي سجوده، وفي أدبار الصلوات. ويضم إلى ذلك الاستغفار؛ فإنه من استغفر الله ثم تاب إليه متَّعَه متاعًا حسنًا إلى أجلٍ مُسَمّى. وليتخذ وردًا من الأذكار طرفي النهار ووقت النوم، وليصبر على ما يعرض له من الموانع والصوارف، فإنه لا يلبث أن يؤيِّده الله بروح منه، ويكتب الإيمان في قلبه، وليحرص على إكمال الفرائض من الصلوات الخمس بباطنه وظاهره، فإنها عمود الدين... ولتكن هُجَّيراه [أي: وليردد طول وقته] لا حول ولا قوة إلَّا بالله العلي العظيم، فإنه بها يحمل الأثقال، ويكابد الأهوال، وينال رفيع الأحوال، ولا يسأم من الدعاء والطلب، فإنَّ العبد يستجاب له ما لم يُعجِّل فيقول: "قد دعوت فلم يستجب لي...". وليعلم أنَّ النصر مع الصبر، وأنَّ الفرَج مع الكرب، وأنَّ مع العُسْر يسرًا، ولم ينل أحد شيئًا من جسيم الخير-نبيٌّ فمن دونه- إلا بالصبر، والحمد لله رب العالمين. حتى الابتلاء في رحاب الإيمان له فوائد عظيمة؛ منها: معرفة عزِّ الرُّبوبية، وقهرها، ومعرفة ذلِّ العبودية، وكسرها، والإخلاص، والإنابة إلى الله، والإقبال عليه، والتَّضرُّع، والدُّعاء، والحلم. أحبابي، كل الناس أشقياء إلا الأتقياء، وكل الناس أغبياء إلا أتباع الأنبياء، ولا يترك سنة النبي إلا الغبي، ولا يفرط في جهد الرسول إلا الكسول. وإن لم يكن إلا الذي على بالك فأنت هالك، ولا سلامة إلا بالإسلام، ولا أمن إلا بالإيمان، ولا خلاص إلا بالإخلاص، ولا علاج للنفاق مثل الإنفاق، وفي كل ميدان أنت الأقوى بالتقوى.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |