التعريف بالنحو العربي

[ابوالوليد المسلم]

التعريف بالنحو العربي
أبو زياد النحوي




تيسير النحو العربي (1)



• الجملة ميدان علم النحو:
لأنَّ النحو علم يَعتني بدراسة الجملة العربية من خلال ما بين مفرداتها من علاقاتٍ معنوية، والنحاة يُسمُّون هذه العلاقات بـ "علاقات الافتقار"؛ فكلُّ كلمة في الجملة العربية تفتقر - أي تحتاج - إلى أختها؛ حتى تتحقَّق الفائدة الكلاميَّة التامَّة التي هي ميدان البحث النحوي.

والكلمة حين تكون في جملة يصبح لها معنًى نحوي، فتؤدِّي من خلاله وظيفتها في الجملة العربية، وتؤثِّر في أخواتها من الكلمات التي تكونَت منها الجملة، ونحن حينما نقول: هذه الكلمة مبتدأ؛ فهذا يعني أنَّ لها خبرًا تمَّت به فائدة الكلام.

وعلى ضوء ما تقرَّر نقول: كيف يتعامَل النَّحو العربي مع الجملة العربيَّة في مثل قوله تعالى: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2] الآيات؟
يقول النُّحاة: ﴿ الْحَمْدُ ﴾ هذه كلمة وقعَت في أول الكلام، هل تدلُّ على معنًى؟
الجواب: نعم.

هل المعنى تامٌّ؟
الجواب: لا، دلَّت على معنًى ناقص، دلَّت على "الثَّناء بالجميل".

لِمَن الحمد؟
نحتاج جوابًا، حينئذ: هذه الكلمة تفتقِر إلى كلمة أُخرى ليتم المعنى؛ لأن الحمد هنا "مبتدأ"، والمبتدأ يحتاج إلى خبر تتم به فائدة الكلام معه، فلمَّا قال: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ ﴾ هنا تمَّ الكلام، وتحقَّقَت الفائدة الكلاميَّة.

• والنُّحاة يقولون عن النحو العربي: نحو النصِّ، أو نحو التركيب؛ لأنَّ النحو لا يَدرس الكلمةَ الواحدة، إنَّما يدرس الجملة برمَّتها، أو بتعبير آخَر: يدرس النصَّ العربي أو التركيب العربي.

• والنصُّ العربي هو الآية القرآنية، أو الحديث النَّبوي الشريف، أو بيت الشِّعر الفصيح، أو النثر العربي؛ فهذا ميدان النحو العربي دراسة وفهمًا وبحثًا عن العلاقات بين مفردات هذا النصِّ، للوصول إلى الفائدة التامَّة.

• وقد اشتهر في العصور المتأخرة أنَّ النحو: "علم يُعرف به أحوال أواخر الكَلِم إعرابًا وبناءً"؛ وبهذا ينحصِر مجال البحث النَّحوي في الحرف الأخير من الكلمة من جهة الإعراب والبناء؛ وهذا تضيِيق شديد لدائرة البَحث النحوي.

وليس النَّحو العربي كما يقولون؛ بل النحو هو: قانون تأليف الكلام، وميزانه ومعياره، فيحدِّد النحو العربي ما يجِب أن تكون عليه الجملة بكلِّ مفرداتها؛ حتى تتمَّ الفائدة وتتَّسق العبارات...

وقد كان الدرس النَّحوي قديمًا يستوعب كلَّ فروع اللغة الفصحى بلا تفريقٍ بين نحوٍ وصرفٍ، وبلاغةٍ ودلالةٍ مُعجميةٍ، حتى مستوى الصَّوت أدخلوه في الدرس النحوي.

ويستدلُّ النحاة على سوء حال أهل النار بالترخيم في قوله تعالى: ﴿ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ﴾ [الزخرف: 77]، قرأ البعض: (يا مَالِ) بحَذف الكاف ترخيمًا، فقد أنهَكَهم العذابُ، فعجزوا عن إتمام الاسم؛ فانظر كيف استدلُّوا بالصَّوت على المعنى والدلالة.

ولذلك لم تقتصِر جهود النُّحاة على بيان الإعراب كما قد يظنه البعض؛ بل صنَّفوا في مختلف فروع العلم، ويكفينا أن نُشير إلى جهود النحاة في تفسير كتابِ الله تعالى، ومن ذلك:
• "مجاز القرآن"؛ لأبي عبيدة معمر بن المثنَّى.
• "معاني القرآن"؛ لأبي زكريا الفراء.
• "معاني القرآن"؛ للأخفش.
• "معاني القرآن وإعرابه"؛ للزجاج.
• "معاني القرآن"؛ للنحاس، وغيرها كثير...

وبهذا يتَّضح لنا أنَّ علم النَّحو العربي: هو قانون تأليف الكلام وميزانه، لا من جهة الاعتناء بأحوال أواخر كلماته إعرابًا وبناءً وحسب؛ بل من جِهة النَّظر في العلاقة التي تربط كل مفردات الجملة بعضها ببعض.

ولهذا نقول: النحو العربي هو نحو النَّصِّ والتركيب.