خيمة في اللوفر (قصة) - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12522 - عددالزوار : 213799 )           »          أطفالنا والمواقف الدموية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          عشر همسات مع بداية العام الهجري الجديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          وصية عمر بن الخطاب لجنوده (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          المستقبل للإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 55 )           »          انفروا خفافاً وثقالاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          أثر الهجرة في التشريع الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          مضار التدخين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          متعة الإجازة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          التقوى وأركانها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى الشعر والخواطر > من بوح قلمي

من بوح قلمي ملتقى يختص بهمسات الاعضاء ليبوحوا عن ابداعاتهم وخواطرهم الشعرية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 07-09-2021, 01:18 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي خيمة في اللوفر (قصة)

خيمة في اللوفر (قصة)
علي إبراهيم الدغيم





ضربات يدي على الباب...
صيحات الفرح ملأت البيت..
ندائي لإخوتي، وأنا أصرخ: فُرِجت... فرجت... فرجت... أيقَظ البيت كله.
المشهد بمجمله يوحي بالفرح.

جواز سفري بيدي، والتأشيرة التي حلَمتُ بها منذ سنوات بيدي الأخرى، ألوِّح بها لأهلي الذين تجمعوا حولي، وصورة الفرح قد ارتسمت في أجمل مشهدٍ.

علَتْ صيحات إخوتي الصغار ومباركتهم... فرنسا... الله فتحها بوجهك....
نظرةٌ من عيني أبي...
ودمعاتٌ محبوسة تفجَّرت من عيني أمي العجوز نغَّصت علينا حالة الفرح.

اقتربت من أبي وأمي، وحاولت أن أوضح وأشرح... لكن دون جدوى، وأمي تردد كالعادة: (يا بني، والله وظيفتك هنا جيدة، وراتبك سيتحسن...)، وأنا ينتابني اليأس، ويتسرب إلى نفسي الغضب الشديد عندما أسمع هذه الكلمات... وترتسم أمامي جدران متحف بلدتنا القديم، وبعض الأواني الفخارية، والصور التراثية، وبعض القطع من القصب والقش... والكثير من الأشياء القديمة التي أصبحتُ أشعر أنني جزءٌ منها، والتي توحي لي أنه لن يتغير شيء في حياتي ما دامت هذه الأشياء محيطةً بي.

خرجتُ إلى غرفتي، وبدأت بحزمِ أمتعتي، فموعد السفر بعد يومين، ويجب عليَّ أن أكون جاهزًا.
دمعات أمي لم تتوقف طوال هذين اليومين، وأنا أحاول جاهدًا أن أقنعها أني لن أغيب عنهم أكثر من ثلاثة أشهر.
جاء موعد السفر سريعًا.

وفي الصباح، حملتُ حقيبتين حزمت فيهما أمتعتي، وما رافقني من أحلامٍ وذكرياتٍ من أرض الوطن، وودَّعت أمي ومَن تجمَّع مِن أقاربي، وصعِدت السيارة... وأنا أخشى النظر إلى الخلف....

وصلت المطار، وكان فكري مشتتًا بين صورتين: الأولى صورة الدموع، والحزن الذي خيَّم على أهلي عند سفري، والثانية: صور الحُلم الغائب في (متحف اللوفر) وعملي الجديد.

صعِدت الطائرة، وعيناي ترمق آخر ما تبقى من صورة الوطن، وكلما ارتفعت الطائرة يغادرني الوطن، وأصبح في عالمٍ آخر!
لم تكن الرحلة طويلةً؛ لأنها الرحلة الأولى في حياتي التي أسافر فيها بالطائرة، وأنا معتادٌ على الرحلات الطويلة في الباص.

وصلت مطار باريس، وبدأت رحلة معاناةٍ ثانية.
الوجوه غير الوجوه...
الأجواء مختلفة!
حتى الهواء يختلف!
حملت حقيبتي وخرجت من صالة المطار.

طلبت سيارة أجرة، وكنت أجيد الفرنسية، طلبت من السائق التوجه إلى (متحف اللوفر)، تبسَّم السائق قائلًا:
من أين أنت يا أخي؟!
السرور ملأ قلبي، وطِرت بكلماته فرحًا، وهي المرة الأولى التي أعرف قيمة هذه الكلمات، وصرخت: عربي.... وأجاب بأن هز رأسه... تعانقنا وكأننا صديقانِ حميمان التقيا بعد فِراقٍ طويل.

وبدأنا الحديث...
والابتسامة العربية تُعيد بعض الطمأنينة إلى قلبي.

كان حديث السائق عن الأوضاع في الغربة، وكان حديثي عن الأوضاع في بلدنا، والمعاناة هي القاسم المشترك في الحديثينِ.

وصلنا المتحف، وقال لي: انزل المتحف، وأنا سأنتظرك هنا.
اتجهت إلى المتحف بحماسٍ شديد.
الهيكل الخارجي للمتحف من تصميم وشكل البناء جعلني متفائلًا.

دخلت البهو، وكان واسعًا جدًّا.
سمعت صوت موظفة الاستعلامات تناديني...

اقتربت منها، وبعد حديثٍ قصيرٍ أخبرتني عن المكان الذي أتجه إليه...
صعِدت إلى الدور الثالث: مكان عملي، والتقيت برئيس قسمي الجديد.

الغريب في الموضوع: أن رئيس القسم كان عربيًّا، والموظفون كلهم عرب، وكان القسم يحمل عنوان (الوثائق العربية)، جلست وتحدثت مع رئيس القسم عن طبيعة عملي وأخبرني: أن مهمتي قراءة بعض الرقم الفخارية التي تعود إلى عصورٍ قديمة، والبحث والتفتيش، ومقارنة بعض الرسوم الموجودة على الجِرار والأواني الأثرية.

كل كلمة من كلمات رئيس القسم تذكرني برئيس قسمي القديم، وعندما دخلت قاعة عملي الجديدة كانت تشبه كثيرًا قاعة متحفنا، ولا شيء يختلف عنه إلا الجدران المطلية بالدهان الأبيض، على عكس جدران متحفنا التي نَمَتِ الطحالبُ عليها!

أخذتُ مواعيد عملي وخرجت، لكن التفاؤل بدأ يقلُّ...
فالصورة التي تخيلتها عن اللوفر لم تكن كما رأيتها!
خرجت إلى السائق الذي انتظرني ساعات.

ملامحُ وجهي جعلته يسألني عما جرى، وكنت مضطرًّا لأن أكابر، وأقول: إن الأمور بخير، وأحتاج إلى بعض الوقت؛ كي أتأقلم مع الوضع الجديد.

تبسَّم السائق، وقال: ستعتاد على الغربة..
مضى السائق وأنا أستفسر عن الأوضاع بشكلٍ عام، وهو يحمسني، ويقول: ستعتاد... ستعتاد...

وعندما حدثته عن مكانٍ للإقامة قاطعني قائلًا:
هناك مجموعة من العرب يسكنون قرب اللوفر، وأنا أسكن في ذلك المكان، وهو مكانٌ هادئ، وبعيدٌ عن ضجة المدينة، كما أن صاحب المكان يتقاضى منا أجورًا رمزية... هززت رأسي مؤيدًا السائق فيما يقول، ومبديًا رغبتي في السكن في تلك المنطقة، ما دمت سألقى فيه عربًا مِثلي.

وما هي إلا دقائق... حتى وصلنا إلى قطعةِ أرضٍ مسورة بجدارٍ عالٍ كجدار السجون في بلدنا... وبوابة رئيسية كبوابة المزارع عندنا..
دخَلْنا من البوابة الرئيسية...

خُيِّل لي في البداية أنها شركة أو مزرعة أو... لكننا عندما أصبحنا بالداخل، وطلب مني أن أنزل حقائبي، أدركتُ أن هذا المكان هو مكان إقامتي الجديد!

الصورة كانت: طريق في وسط المنطقة المسورة، وغرفٌ على شكل القباب من الصفيح توزعت على جانبيه.. المشهد كان غريبًا... سرنا قليلًا بين قباب الصفيح حتى وصلنا إلى مكان إقامة السائق، وخاطبني قائلًا: هذي ثلاثُ غُرَفٍ لي، وسأعطيك واحدةً منها، أجرتها بسيطة، وستعتاد على الحياة هنا.

المشهد جعلني أختنق، لكنني تظاهرت بالسرور، وحملتُ حقيبتي ودخلت بيتي الجديد.
الغرفة باردة جدًّا...

مجموعة من ألواح الصفيح أحاطت بي مِن كل الجهات.
كانت الغرفة صغيرة، ولها بابٌ واحدٌ، وشباكٌ صغير، ولا يوجد بداخلها شيء.
وضعتُ حقائبي، وجلست أفكِّر وأحلِّل، وأتأمل ما حولي!
البرد تسرَّب إلى عظامي.

خرجتُ إلى صديقي السائق وطلبت غطاءً وبعض الأمور ريثما يتسنَّى لي القيامُ بأعمالي، واستكمال حاجاتي الضرورية.
عُدتُ إلى غرفتي أُفرِغ حقيبتي، وأوزع ذكريات الوطن على جدران غرفتي الصمَّاء.
العَبْرة تخنُقني، وأنا أكابر!

أتظاهر حتى لنفسي بأني على قدر المسؤولية... وسأتأقلم مع الوضع الجديد، وسأعود إلى أهلي... وأغيِّر أوضاعنا الاقتصادية.
مضى النهار طويلًا، وأنا وحيدٌ في غرفتي.

مشهد غروب شمس أول يومٍ في الغربة كان مخيفًا، وبدا الليلُ موحِشًا في غرفة الصفيح على عكس ليلِ غرفتي.
لا أحدَ في الغرفة معي..
البرد يشتدُّ...

والغرفة خاليةٌ من كل شيءٍ يوحي بالحياة، إلا ذكريات الوطن التي ملأت جدرانها.
لم أستطع النوم... وأنا أفكر في الوطن... وفي العمل... وفي سكني الجديد!
وما هي إلا ساعات حتى أشرقت الشمس، وتسرَّبت بعض أشعتها من ثقوبٍ في الجدران.

الشمس فضحت كل شيء...
خرجتُ من غرفتي..
بدا لي الحي الجديد مخيفًا، الحي فارغ، لا أطفال، لا نساء، ولا حركة.
لا يوجد في الحي إلا بعض الشباب المغتربين الذين خرجوا إلى أعمالهم.
خرجتُ مع جاري السائق ليوصلني إلى المتحف.

وصَلْنا المتحف بسرعة، ودخلتُ مكان عملي بالحماس نفسه الذي جئت من بلدي به، لكن جوَّ العمل وطبيعته يعيدني إلى متحف بلدتنا، والأواني الفخارية، والأشكال غير المقروءة، وبدأ اليأس يتسرَّب إلى نفسي بأنه لم يتغير شيء عن بلدي إلا جدران الحي البراقة، وجدران غرفة الصفيح!

يمضي يوم العمل طويلًا، وأعود إلى غرفتي الصغيرة لأعيش معاناةً جديدة.
مضت ثلاثة أيام في الغربة، وكأنها ثلاثة أعوام!

وفي مساء أحد الأيام، وأنا عائدٌ من عملي مع جاري السائق، تفاجَأْنا بسيارات الأمن، والناس مجتمعة، والأمر بدا لي غريبًا.
دنَوْنا من سور حيِّنا، وكانت الطامة الكبرى.

لم أرَ الطريق الذي توسَّط الحي، ولم أرَ غرف الصفيح الممتدة على جانبيه، لم أرَ إلا أكوامًا من الصفيح تكوَّمت، والناس مجتمعة لا حول لها ولا قوة!

انصرف الأمن، ولم يجرؤ أحدٌ على الكلام، وحين سألت قالوا:
إن المنطقة غيرُ مصرَّح فيها بالسَّكَن، وهيكل الأبنية مخالفٌ لقوانين المدينة، واعتبارات أخرى لا ترضاها الحكومة الفرنسية في بلدِها.

تركتُ الناس وتوجَّهت نحو بيتي المهدَّم، الذي ضم بين جدرانه الصمَّاء الباردةِ ذكرياتي الدافئةَ التي تنطِق بالحياة.
كانت الغرفة كومةً من الصفيح..

بدأت بالبحثِ والتفتيش، وأنا أرمي ألواح الصفيح حولي، وأبحث في خيمتي التي اختنقت بين الأكوام، وبداخلها ذكرياتي التي حملتها من الوطن.
ما بخيمتي كان أثمنَ ما أملِكه!

وبينما أنا منهمكٌ بالبحث ربَتَ أحدهم على كتفي... لم أُعِرْه انتباهًا، وتابعت البحث في مخبأ ذكرياتي عما حملته إلى بريطانيا.
اليدُ مِن جديد تربتُ على كتفي، وتمتد إلى يدي لتوقفها عن البحث، وتهزها...

نظرت خلفي...
غُرَف الصفيح غابت..

الدمار الذي كان يحيط بي تلاشى، وأطلَّ وجهُ أمي يطفح بالابتسامة وهي تقول:
ما بك يا علي؟!
حدقت بها كالأبله..
لم أرَ هذا الوجه الجميل في (اللوفر).
نظرت حولي...
سريري المبعثر..!
مكتبتي وأحلى ذكرياتي نائمة فيها...
طاولتي وسط الغرفة، وعليها جواز سفري الذي لم يغادرها منذ شهور!

كل ما حولي يوحي أني ما زلتُ في غرفتي الدافئة..
وأحلامي ما زالت حولي، ولم تتكوَّمْ تحت الصفيح.


[1] اللوفر: من أهم المتاحف في العالم، ويقع على الضفة الشمالية لنهر السين في باريس عاصمة فرنسا.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 67.41 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 65.51 كيلو بايت... تم توفير 1.90 كيلو بايت...بمعدل (2.81%)]