مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ - الصفحة 3 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11943 - عددالزوار : 191457 )           »          فتاوى رمضانية ***متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 579 - عددالزوار : 92950 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 118 - عددالزوار : 56999 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 81 - عددالزوار : 26305 )           »          شرح كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم للمنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 35 - عددالزوار : 745 )           »          كلام جرايد د حسام عقل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 17 - عددالزوار : 41 )           »          تأمل في قوله تعالى: {وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: {وما قدروا الله حق قدره... } (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          بيان معجزة القرآن بعظيم أثره وتنوع أدلته وهداياته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          {إن كنتم تحبون الله فاتبعوني} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث > ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم

ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #21  
قديم 21-09-2019, 02:30 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,678
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

- مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

(024) " كبير أساقفة الإمبراطووية الرومانية" صغاطر



جهاد الترباني

(الأسقف صغاطر)
لعل اللَّه سبحانه وتعالى أخّر إسلام الصحابي الجليل أبي سفيان بن حرب رضي اللَّه عنه وأرضاه لينقل للإنسانية قصة عجيبة لبطل عجيب من عظماء أمة الإسلام العظماء، هذا البطل كان أقوى إنسان على وجه الأرض في تلك الفترة، فقد كانت قوته التي استمدها من منصبه الديني الرفيع تؤهله لكي يكون أعظم من (هرقل) إمبراطور الإمبراطورية الرومانية الشرقية، هذا العظيم الإسلامي لم يُولد مثلي ومثلك مسلمًا، ولم يصلِّ للَّه ركعة، بل إن تاريخه في الإسلام لم يتجاوز أكثر من لحظات معدودة في عمر الزمن، وهو مع ذلك رجلٌ سطّر اسمه في سجل العظماء بحروف كُتبت بمدادٍ من ماء العيون، إننا نتحدث عن صاحب الموقف الرجولي الباهر، صاحب القلب الشريف الطاهر، صاحب العقل المضيئ العامر، إننا نتحدث عن الأسقف صغاطر.


وصغاطر هذا يا سادة -والذي لا يعرفه معظمنا- كان مجرد رجلٍ طاعنٍ في السن، لم يصم رمضان ولم يقم الليل البتة ولم يرَ الكعبة في حياته، ولكنه قدم للَّه ما هو أعظم من ذلك، لقد قدم روحه للَّه عز وجل، فلقد قال هذا الرجل -جنسًا وصفة- قولة حقٍ لم يخشَ فيها إلا اللَّه عز وجل، مجرد كلمة خلدته في سجل الشهداء قبل أن تخلده في سجل المائة، ورب كلمة يقولها المرء ترفعه في عليّين، ورب كلمة يقولها المرء تهوي به إلى أسفل سافلين، فهذا الرجل وإن كان لم ينتصر في معركة عسكرية، إلا أنه انتصر في أشرس معركة يخوضها الإنسان منّا، لقد انتصر عظيمنا على العدو رقم واحد للإنسان: النفس البشرية!

والسؤال المطروح ليس هو: من منّا لم يحارب نفسه الأمّارة بالسوء؟ بل السؤال هو: من منّا انتصر عليها؟ فحرب الإنسان مع نفسه حرب أزلية، لا تنتهي جولاتها إلا مع الرمق الأخير للإنسان، هذه الحرب تشتد وطأتها كلما زادت الفتن التي يتعرض لها الإنسان، وصغاطر لم يكن متعرضًا لفتنة عظيمة فحسب، بل كانت مكانته الدينية العظمى هي الفتنة بذاتها! ولكي تدرك مدى التضحية العظيمة التي قام بها صغاطر في سبيل اللَّه،

فما عليك إلا أن تسأل نفسك سؤالًا بسيطًا: هل أنت على استعداد للتخلي عن وظيفتك إذا ما علمت أن فيها أمرًا يغضب اللَّه سبحانه وتعالى من قريبٍ أو بعيدٍ؟ أترك الإجابة عن هذا السؤال لكل واحدٍ فينا كي يجيب بنفسه على نفسه بكل صدق، أما صاحبنا فلم يستغرق الكثير من الوقت ليقدم استقالته من أعلى وظيفة في سلم الوظائف الرومانية، بل لم يستغرق الكثير من الوقت لكي يقدم روحه الطاهرة للَّه سبحانه وتعالى، فهيا بنا لنسبر أغوار هذا البطل الإسلامي العظيم صغاطر، من خلال حديث عجيبٍ غاية في العجب، رواه الصحابي الجليل أبو سفيان، ليحفظه لنا محمود الذكر والسيرة الإمام البخاري جزاه اللَّه عن المسلمين كل خير.
ولكن قبلها ينبغي علينا أن نأخذ لمحة بسيطة عن خلفية هذه القصة، فبعد أن استطاع رسول اللَّه انتزاع صلح الحديبية من بين أنياب مشركي قريش، جاء الوقت لتنفيذ أهم مهمة ملقاة على عاتق المسلمين في كل زمان ومكان، ألا وهي مهمة التبليغ!
فما أن عقد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صلحَ الحديبية حتى بعث برُسله إلى مختلف أنحاء الأرض، وكان أحد هؤلاء الرسل هو الصحابي الجليل الجميل صاحب الوجه المشرق والذي كان أكثر البشر شبهًا بجبريل عليه السلام (دحية بن خليفة الكلبي) رضي اللَّه عنه وأرضاه، حاملًا رسالة من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، إلى أعظم إمبراطور على وجه الأرض: (هرقل)!
وكان هرقل هو إمبراطور الإمبراطورية الرومانية الشرقية "البيزنطية" التي تقاسم الفرس السيطرة على العالم القديم، وهرقل هو الاسم المختصر لاسمه الكامل (فلافيوس أغسطس هرقل) الذي حكم الإمبراطورية الرومانية منذ 610 م. وقد كان هرقل في بادئ الأمر رجل دينٍ نصراني من أصولٍ أرمينية يساعد أباه الذي كان واليًا للرومان على "تونس"، فعندما غُلبت الروم من الفرس في القصة المشهورة التي خلدها القرآن، قام أبوه البطريرق (هرقل) بتجهيز ابنه (هرقل بن هرقل) لينقذ الدولة قبل انهيارها، فقام هرقل بمهاجمة "القسطنطينية" عاصمة الروم ليزيح الإمبراطور (فوكاس) من العرش، كمحاولة أخيرة لإنقاذ الدولة الرومانية من الاجتياح الفارسي ومن الفوضى التي تعصف داخل الدولة بعد مقتل القيصر (موريس)، فأبحر هرقل من تونس صوب القسطنطينية واستولى على الحكم، ونصب نفسه قيصرًا منقذًا للدولة، ليحارب بعدها الفرس ويختصر عليهم في معركة "نينوى" سنة 627 م، ليصبح هرقل بذلك بطلًا قوميًّا ودينيًّا عند النصارى.
لذلك حج هرقل إلى القدس ماشيًا على قدميه لكي يشكر ربه على الانتصار، فصادف وجوده في القدس مجيء رسول رسول اللَّه الصحابي دحية بن خليفة الكلبي، فسلمه رسالة رسول اللَّه:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
من محمد بن عبد اللَّه إلى هرقل عظيم الروم: سلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فإني أدعوك بدعوة الإسلام أسلم تسلم يؤتك اللَّه أجرك مرتين، فإن توليت فعليك إثم جميع الآريسيِّين. {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}.


فوقف هرقل يتأمل هذه الرسالة العجيبة التي تأتي إلى قيصر أكبر إمبراطورية على الأرض من رجل لا يعرف عنه شيئًا في صحراء العرب، فأراد هرقل أن يتأكد من صحة ما جاء فيها، وقد كان هرقل رجلًا متدينًا يعرف من بقايا الإنجيل أن نبيًا سوف يخرج في هذا الزمان،

فبعث بقادته ليجلبوا له بعض العرب ليسألهم عن هذا الرجل الذي يزعم أنه رسول اللَّه، فشاء اللَّه أن يتواجد في مدينة "غزة" الفلسطينية في هذا الوقت أبو سفيان ابن حرب ونفر من قريش للتجارة بعد أن وضعت الحرب أوزارها مع المسلمين، وفرغوا لتجارتهم في الشام، فجيئ بهم إلى بلاط القيصر ليستفسر منهم حقيقة البعثة النبوية، فأحضر هرقل الترجمان ليترجم له، فسأل هرقل التجار العرب: أيكم أقرب نسبا لهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ فقال أبو سفيان: أنا أقر بهم نسبا إليه (فالأمويين هم أبناء عمومة الهاشميين) فقال هرقل: أدنوه مني، وقربوا أصحابه، فاجعلوهم عند ظهره (أي اجعلوا أبا سفيان واقفا ووراءه مجموعة من أصحابه)، ثم قال لترجمانه: قل لهم إني سائل -يعني أبا سفيان- فإن كذبني فكذبوه! واتضح بصورة لا شك فيها أن هرقل يريد أن يعرف بجدية كل شيء عن هذا النبي،
لذلك سأل أقرب الناس إليه نسبًا، ليكون على معرفة تامة به، وفي نفس الوقت جعل وراء أبي سفيان مجموعة التجار الآخرين كحكام على صدقه، وعند ذلك سيخاف أبو سفيان أن يكذب، ومن وراءه سوف يخافون أن يكذبوا، ولكن عامل الكذب هذا لم يكن واردًا في خاطر أبي سفيان على الإطلاق، فالعرب حتى في أيام الجاهلية كانت تستنكر صفة الكذب هذه، وتعتبرها نوعًا من الضعف غير المقبول، وأبو سفيان في هذه اللحظة التي لم يسلم فيها بعد، مع أنه يكره الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- كراهية شديدة، ومتأكد من أن أصحابه لن يكذبوه أمام القيصر مهما قال، إلا أنه لا يستطيع أن يكذب على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا يحب أن يشوه صورته بالكذب لدرجة أنه في رواية كان يقول: "ولكني كنت امرأ أتكرم على الكذب، لا أكذب".
وبدأ استجواب هرقل لأبي سفيان أمام الجميع من العرب والرومان وفي حضور علية القوم من الأمراء والوزراء والعلماء من الرومان من أجل أن يتيقن من أمر هذه النبوة التي ظهرت في بلاد العرب، هل هي نبوة حقيقية أم كذب، ودار حوار عجيب بين (هرقل إمبراطور الروم) و (أبي سفيان سيد مكة) حول (محمد رسول اللَّه)، وقد بدأ هرقل بالسؤال:
كيف نسبه فيكم؟ قال أبو سفيان: هو فينا ذو نسب. قال هرقل: فهل قال هذا القول من قبلكم أحد قط قبله؟ (أي هل ادعى أحد من العرب النبوة من قبله؟) قال أبو سفيان: لا لم يدع أحد في تاريخ العرب النبوة.
فقال هرقل: هل كان من آبائه من ملك؟ فقال أبو سفيان: لا.
قال هرقل: فأشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم؟ قال أبو سفيان: بل ضعفاؤهم.
قال هرقل: أيزيدون أم ينقصون؟ قال أبو سفيان: بل يزيدون.
قال هرقل: فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قال أبو سفيان: لا، لا يرتد منهم أحد.
قال هرقل: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قال أبو سفيان: لا. (وقد كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يدعى بالصادق الأمين قبل الإسلام)
قال هرقل: فهل يغدر؟ قال أبو سفيان: لا. ثم قال: ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها.
ثم قال هرقل: فهل قاتلتموه؟ قال أبو سفيان: نعم.
فقال هرقل فكيف كان قتالكم إياه؟ قال أبو سفيان: الحرب بيننا وبينه سجال. أي ينال منا وننال منه (يقصد معركتي بدر وأحد).
قال هرقل:بماذا يأمركم؟ قال أبو سفيان: يقول اعبدوا اللَّه وحده ولا تشركوا به شيئًا، واتركوا ما يقول آباؤكم ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة.
عند ذلك انتهى الاستجواب الطويل من هرقل، وبدأ هرقل يحلل كل كلمة سمعها وكل معلومة حصل عليها حتى يخرج باستنتاج، وأعلن ذلك الاستنتاج ترجمان هرقل، قال هرقل: سألتك عن نسبه، فذكرت أنه فيكم ذو نسب، وكذلك الرسل تبعث في نسب من قومها.
ثم قال: سألتك إن قال أحد منكم هذا القول قبله؟ فذكرت أن لا، قلت: لو كان قال أحد هذا القول قبله لقلت رجل يتأسى بقول قيل قبله.
وسألتك هل كان من آبائه من ملك؟ فذكرت أن لا، فقلت: لو كان من آبائه من ملك، قلت: رجل يطلب ملك أبيه. وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فذكرت أن لا، فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على اللَّه.
وسألتك أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم؟ فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه. وهم أتباع الرسل. وسألتك أيزيدون أم ينقصون؟ فذكرت أنهم يزيدون. وكذلك أمر الإيمان حتى يتم.
وسألتك أيضا أيرتد أحد منهم سخطا لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فذكرت أن لا. وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب. وسألتك هل يغدر؟ فذكرت أن لا. وكذلك الرسل لا تغدر. وسألتك بماذا يأمر؟ فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا اللَّه ولا تشركوا به شيئًا، وينهاكم عن عبادة الأوثان، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف.
وبعد هذا التحليل العميق من هرقل قال لأبي سفيان بمنتهى الصراحة: فإن كان ما تقوله حق فسيملك موضع قدمي هاتين -أي الشام- وقد كنت أعلم أنه خارج، ولم أكن أظن أنه منكم - (فهو يستكثر أن يكون من العرب!) - فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه.
ثم قال هرقل لدحية بن خليفة: ويحك! واللَّه إني لأعلم أن صاحبك نبيٌ مرسل، وأنه الذي كنا ننتظره ونجده في كتابنا، ولكني أخاف الروم على نفسي؛ ولولا ذلك لأتبعته؛ فاذهب إلى صغاطر الأسقف فاذكر لهم أمر صاحبكم، فهو واللَّه أعظم في الروم مني، وأجوز قولا عندهم مني؛ فانظر ما يقول لك.
فذهب دحية إلى صغاطر كبير الأساقفة، فأخبره بما جاء به من رسول اللَّه إلى هرقل، وبما يدعوه إليه، فقال صغاطر: صاحبك واللَّه نبي مرسل، نعرفه بصفته، ونجده في كتبنا باسمه. فدخل البطل صغاطر فألقى ثيابًا كانت عليه سودًا، ولبس ثيابا بيضاء، ثم أخذ عصاه، يتوكأ بها وهالة من النور تحيط بوجهه المشرق بالإيمان، فخرج على الروم وهم في الكنيسة، فقال بصوتٍ عالٍ: يا معشر الروم! إنه قد جاءنا كتابٌ من أحمد، يدعونا فيه إلى اللَّه عز وجل، وإني أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن أحمد عبده ورسوله.
فما إن فرغ البطل صغاطر من قولته تلك حتى وثب عليه من كانوا يسجدون له من قبل وثبة رجل واحد، فضربوه حتى تحولت ثيابه البيضاء إلى حمراء من كثرة الدماء التي تدفقت كشلالٍ متفجرٍ من جبينه وهو ينادي بصوتٍ أنهكه الضرب:
أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأشهد أن أحمدًا رسول اللَّه


وظل هذا البطل الإسلامي العظيم يرددها حتى فاضت روحه إلى بارئها، فرحم اللَّه البطل صغاطر، وأسكنه اللَّه فسيح جناته، وحشره مع حبيبه أحمد الذي آمن به من دون أن يراه.


ولكن. . . . لماذا قال صغاطر "أحمد" ولم يقل "محمد"؟! وكيف كان صغاطر ومن قبله هرقل يعلمون بالفعل أن نبيًا سيبعث بهذا الاسم؟ وبأي صيغة ورد اسم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في الإنجيل؟ وهل بقي اسمه موجودًا إلى يوم الناس هذا للإجابة على هذه التساؤلات وغيرها ينبغي علينا أن نسافر إلى القارة الأوروبية، وبالتحديد إلى إسبانيا، لنقابل عظيما إسبانيا من عظماء أمة الإسلام المائة، هذا العظيم الأوروبي اكتشف سرًا خطيرًا في الكتاب المقدس، هذا السر الخفي من شأنه أن يغير خارطة العالم الحديث رأسًا على عقب!
يتبع. . . . . . .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #22  
قديم 21-09-2019, 02:35 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,678
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

- مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ
(025) " أنسليم تورميدا" (عبد اللَّه المايوركي)

جهاد الترباني

هناك طريقة مستهلكة لإخفاء الحقائق التاريخية، كان الفراعنة القدماء أول من استخدمها، هذه الطريقة استخدمها مؤرخو الدولة الفرعونية الحديثة الممتدة في الفترة ما بين القرن السادس عشر قبل الميلاد والقرن الحادي عشر قبل الميلاد،
هؤلاء المؤرخون الخبثاء قاموا بفعلة غريبة، لا أعلم أحدًا من البشر صنعها قبلهم، فقد كان من عادة الفراعنة أن يدوِّنوا تاريخ ملوكهم وقصص انتصاراتهم وهزائمهم على جدران المعابد، إلا أن علماء الآثار الأوروبيون لاحظوا حديثًا أن هناك نقوشًا قد أزيلت من جدران بعض المعابد الفرعونية بشكل يبدو عليه أنه متعمد، الغريب في الأمر أن علماء الآثار لاحظوا أيضا أن الفراعنة حاولوا إخفاء تلك التشويهات على جدران معابدهم بإضافة نقوشٍ جديدة، فلم يحتج هؤلاء العلماء حتى لاستخدام "الكربون المشع" لاكتشاف زيف هذه التحريف، فلقد كانت النقوش الجديدة التي حلت محل النقوش القديمة بارزة بشكل فاضح للعيان، فلا سياق التاريخ ولا نوعية اللغة ولا مادة البناء كانت متناسقة مع بقية الهيكل البنائي، فلما راقب علماء الآثار سياق النقوش، استنتجوا أن هذه النقوش المحرفة استخدمها الفراعنة القدماء لإزالة نقش محدد لاسم معناه بالهيروغلوفية القديمة "ابن الماء"، فكلمة "ماء" بالهيروغليفي تعني "مووء"، وكلمة ابن تعني عندهم "سي"، فكان اسم ابن الماء هو الاسم الذي أطلِق على طفلٍ التقطه الفراعنة من ماء النيل، هذا الطفل هو نفسه ابن الماء "موسى"!

ليس الغرض من هذه المقدمة التاريخية هو الاستطراد في قصة موسى عليه السلام، فسوف نستعرض بشكل مفصل قصة نبي اللَّه موسى مع عدو اللَّه فرعون لاحقًا في معرض ترجمتنا لثلاثٍ سيداتٍ عظيماتٍ انضممن لقافلة المائة في هذا الكتاب، ولكن ما قصدته من هذه المقدمة، هو توضيح بعض أساليب التحريف التي يستخدمها كل من أراد تزييف الحقائق التاريخية لإخفائها عن عامة الناس، فالفراعنة أمروا بإزالة كل نقش كان قد نُقش عن (موسى بن فرعون)، قبل أن يتحول إلى (موسى عدو فرعون)، المضحك في الموضوع أن المزيفين في كل الأزمان يستخدمون هذه الطريقة الفرعونية المستهلكة، فالمعلوم لدينا نحن معشر المسلمين أن الإنجيل والتوراة قد حُرِّفا، وليس هذا افتراءً مني، بل هذا هو ما يقوله الرب الذي نعبده من خلال كلامه المحفوظ بين الدفتين إلى يوم الدين، فقد قال اللَّه عز وجل في الآية التاسعة والسبعين من سورة البقرة:
{ {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ } [79: البقرة].


فالتحريف في التوراة والإنجيل ليس حقيقة قرآنية فحسب، بل هو حقيقة تاريخية أقرها علماء التاريخ، فالمعروف أن (العبرانيين) قاموا بتدوين "العهد القديم" أو ما يسمى بـ "التوراة" لأول مرة بعد مرور أكثر من 900 سنة على موت موسى عليه السلام، فلك أن تتخيل كمية التحريف المتعمد والغير متعمد الناتج عن بعد "زمن التنزيل" عن "زمن التدوين"،

أما "الإنجيل" الذي أنزل على عيسى فقد اختفى، فالمعلوم أن عيسى من بني إسرائيل، ولغة بني إسرائيل هي العبرانية، فالمفروض أن يكون الإنجيل بلغة القوم المنزل عليهم كالعبرانية أو حتى الآرامية التي كانت لغة أهل فلسطين في ذلك الزمان، فعلى سبيل المثال لا الحصر، ما هو المعنى من أن يكتب كاتبٌ مصري كتابًا باللغة السنكرستية لينشره في صعيد مصر؟!!
فالمعروف تاريخيًا أن أقدم نسخة للعهد الجديد مكتوبة بالإغريقية القديمة، والتي لم يكن السيد المسيح يتكلم بها أصلًا، بل إن هذه النسخة ظهرت بعد عشرات السنوات من رفع اللَّه للمسيح! لذلك لا توجد أصلا نسخة أصلية للإنجيل يمكن لنا من خلالها أن نكتشف التحريف الواقع في الطبعات، ولكن يمكن القول مجازًا أن النسخة الإغريقية هي النسخة الأقرب (تاريخيًا) للأصل المفقود، في هذه النسخة بالتحديد، بحثت عن اسم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، والذي أخبرنا اللَّه بوجوده في الإنجيل باسم "أحمد" على سيبل الخصوص، فوجدت في إنجيل يوحنا الإصحاح السادس عشر الفقرة السابعة ما يلي:
"لكني أقول لكم إنه من الخير لكم أن أنطلق لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي"
وكلمة "المعزي" العربية هي تفسير ظهر جديدًا لكلمة "الفارقليط" الواردة في النسخة اليونانية الأصلية (المُترجم منها!) وهي "باراكلي طوس" المحرفة أصلًا عن الكلمة "بيركلوطوس" التي تعني أفضل التفضيل "أحمد". فالتحريف حصل من خلال تحويل يسير جدًا من اللفظة الأصلية " periklutos" ومعناها: أشهَر، أحمَد، أعرَف، أمجَد، أنبَل، إلى هذه الصيغة " periklutos"، ومعناها: المعزي!


ولشرح هذه المعلومة الخطيرة، ينبغي علينا أن نسافر إلى جزيرة "مايوركا" الإسبانية، لا لكي نتابع مباراة لكرة القدم بين فريقي "مايوركا" و"برشلونة" الإسبانيين، بل لنتابع مغامرة قام بها أحد عظماء أمة الإسلام المائة، ألا وهو (عبد اللَّه المايوركي) أو (عبد اللَّه المايورقي) الشهير بالـ "الترجمان"، والذي كان يُدعى في بلده إسبانيا قبل إسلامه باسم (أنسيلم تورميدا) (Anselm Turmeda)، أنسيلم تورميدا كان قسيسًا عظيم الشأن في إسبانيا، وكان من أكبر علماء النصارى في القرن الثامن الهجري.

ففي الوقت الذي كان فيه الصليبيون القشتاليون يكرسون جهودهم في نشر النصرانية المحرفة في ربوع بلاد الأندلس بعد احتلالهم لبلاد المسلمين الأندلسيين هناك، شرح اللَّه سبحانه وتعالى صدر رجل من أكبر علماء النصرانية في ذلك الزمان إلى الإسلام، فأسلم وجهه للَّه، وجاهد بيده ولسانه وقلمه في سبيل اللَّه، والآن لنبقى مع القصة العجيبة لهذا البطل الإسلامي الأوروبي، يرويها لنا بنفسه في تحفته الأدبية الرائعة "تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب"، يقول المايوركي رحمه اللَّه:
"اعلموا -رحمكم اللَّه- أن أصلي من مدينة "ميورقا" وهي جزيرة في البحر الأبيض المتوسط جنوب شرق إسبانيا اليوم، فتحها المسلمون سنة تسعين ومائتين للهجرة، إلى أن تغلب عليها العدو البرشلوني وخربها سنة (508) للهجرة.

واعلموا -رحمكم اللَّه- أن أصلي من مدينة ميورقا أعادها اللَّه للإسلام، وهي مدينة كبيرة تقع على البحر بين جبلين، يشقها واد صغير، وهي مدينة لها مرساتان عجيبتان ترسو بهما السفن الكبيرة للمتاجر الجليلة، والمدينة في جزيرة تسمى باسم المدينة ميورقا، وأكثر غاباتها زيتون وتين، وكان والدي محسوبًا من أهل حاضرة ميورقا، ولم يكن له ولد غيري، ولما بلغت ست سنين من عمري أسلمني إلى معلم من القسيسين قرأت عليه الإنجيل حتى حفظت أكثر من شطره في مدة سنتين، ثم أخذت في تعلم لغة الإنجيل وعلم المنطق في ست سنين، ثم ارتحلت من بلدي ميورقا إلى مدينة لاردا من أرض القصطلان (وهذه المدينة تسمى الآن كستلون) ومدينة القصطلان هي مدينة العلم عند النصارى في ذلك القطر، وفي هذه المدينة يجتمع طلبة العلم من النصارى، وينتهون إلى ألف وخمسمائة، ولا يحكم فيهم إلا القسيس الذي يقرءون عليه، فقرأت فيها علم الطبيعيات والفلك مدة تسع سنين، ثم تصدرت فيها أقرأ الإنجيل ولغته ملازمًا لذلك مدة أربع سنين، ثم ارتحلت إلى مدينة جلونيا من أرض الأندلس، وهي مدينة كبيرة جدًا، وهي مدينة علم عند جميع أهل ذلك القطر، ويجتمع بها كل عام من الآفاق أكثر من ألفي رجل يطلبون العلوم، فسكنت في كنيسة لقسيس كبير السن عندهم، وكبير القدر اسمه (نقلاو مرتيل) وكانت منزلته فيهم بالعلم والدين والزهد رفيعة جدًا، انفرد بها في زمنه عن جميع أهل دين النصرانية، فكانت الأسئلة في دينهم ترد عليه من الآفاق من جهة الملوك وغيرهم، ويصحب الأسئلة من الهدايا الضخمة ما هو الغاية -يعني النهاية- في بابه، ويرغبون في التبرك به وفي قبوله لهداياهم، ويتشرفون بذلك، فقرأت على هذا القسيس علم أصول النصرانية وأحكامه.
ولم أزل أتقرب إليه بخدمته والقيام بكثير من وظائفه حتى صيرني من أخص خواصه، وانتهيت في خدمتي له وتقربي إليه إلى أن دفع إلي مفاتيح مسكنه وخزائن ملكه ومأكله ومشربه، وصير جميع ذلك كله على يدي، ولم يستثن من ذلك سوى مفتاح بيت صغير بداخل مسكنه كان يخلو فيه بنفسه، والظاهر أنه بيت خزانة أمواله التي كانت تهدى إليه، واللَّه أعلم! فلازمته على ما ذكرت من القراءة عليه، والخدمة له عشر سنين، ثم أصابه مرض يومًا من الدهر، فتخلف عن حضور مجلس طلابه، وانتظره أهل المجلس وهم يتذاكرون مسائل من العلوم، إلى أن أفضى بهم الكلام إلى قول اللَّه عز وجل على لسان نبيه عيسى عليه السلام في الإنجيل: إنه يأتي من بعده نبي اسمه (الفارقليط).
فناقشوا هذه المسألة فيما ناقشوه لما تخلف كبيرهم القسيس، فبحثوا في تعيين هذا النبي من هو من الأنبياء، وقال كل واحد منهم بحسب علمه وفهمه، فعظم بينهم في ذلك مقالهم، وكثر جدالهم، ثم انصرفوا من غير تحصيل فائدة ومن غير الاتفاق على معنى معين لهذه الكلمة، ثم رجعت إلى القسيس نيقلا والذي كان مريضًا فقال لي: ما الذي كان عندكم اليوم من البحث في غيبتي عنكم، فأخبرته باختلاف القوم في اسم (الفارقليط) وأن فلانًا قد أجاب بكذا، وأجاب فلان بكذا، وسردت له أجوبتهم، فقال لي: وبماذا أجبت أنت؟! فقلت: بجواب القاضي فلان في تفسيره للإنجيل. فقال: قصرت وقربت! وفلان أخطأ، وكاد فلان أن يقارب، ولكن الحق خلاف هذا كله؛ لأن تفسير هذا الاسم الشريف لا يعلمه إلا العلماء الراسخون في العلم، وأنتم لم يحصل لكم من العلم إلا القليل.
فبادرت إلى قدميه أقبلهما، وقلت له: يا سيدي! قد علمت أني ارتحلت إليك من بلد بعيد، ولي في خدمتك عشر سنين، حصلت عنك فيها من العلوم جملة لا أحصيها، فلعل من جميل إحسانكم أن تمنو علي بمعرفة هذا الاسم، فبكى الشيخ وقال لي: يا ولدي! واللَّه لأنت تعز علي كثيرًا من أجل خدمتك لي وانقطاعك إلي، وفي معرفة هذا الاسم الشريف فائدة عظيمة، لكني أخاف أن يظهر ذلك عليك، فتقتلك عامة النصارى في الحين واللحظة، فقلت له: يا سيدي! واللَّه العظيم وحق الإنجيل ومن جاء به لا أتكلم بشيء مما تسره إلي إلا عن أمرك، فقال لي: يا ولدي! إني سألتك في أول قدومك علي عن بلدك، وهل هو قريب من المسلمين، وهل يغزونكم أو تغزونهم، لأختبر ما عندك من المنافرة للإسلام (يعني: حتى أكتشف حساسيتك وعداءك ولْفورك الشديد من دين الإسلام) فاعلم يا ولدي أن (الفارقليط) هو اسم من أسماء نبيهم محمد، وعليه نزل الكتاب الرابع المذكور على لسان دانيال عليه السلام، وأخبر أنه سينزل هذا الكتاب عليه، وأن دينه هو دين الحق، وملته هي الملة البيضاء المذكورة في الإنجيل،
قلت له: يا سيدي! وما تقول في دين هؤلاء النصارى؟! فقال لي: يا ولدي! لو أن النصارى أقاموا على دين عيسى الأول لكانوا على دين اللَّه؛ لأن عيسى وجميع الأنبياء دينهم دين اللَّه عز وجل، ولكنهم بدلوا وكفروا، فقلت له: يا سيدي! وكيف الخلاص من هذا الأمر؟! فقال: يا ولدي! بالدخول في دين الإسلام، فقلت له: وهل ينجو الداخل فيه؟ قال لي: نعم ينجو في الدنيا والآخرة، فقلت: يا سيدي! إن العاقل لا يختار لنفسه إلا أفضل ما يعلم، فإذا علمت فضل دين الإسلام فما يمنعك منه؟!
فقال لي: يا ولدي! إن اللَّه تعالى لم يطلعني على حقيقة ما أخبرتك به من فضل الإسلام وشرف نبي أهل الإسلام إلا بعد كبر سني، ووهن جسمي، ولا عذر لنا فيه بل هو حجة اللَّه علينا قائمة، ولو هداني اللَّه لذلك وأنا في سنك لتركت كل شيء ودخلت في دين الحق، وحب الدنيا رأس كل خطيئة، وأنت ترى ما أنا فيه عند النصارى من رفعة الجاه والعز، والترف، وكثرة عرض الدنيا، ولو أني ظهر علي شيء من الميل إلى دين الإسلام لقتلتني العامة في أسرع وقت، وهب أني نجوت منهم وخلصت إلى المسلمين فأقول لهم: إني جئتكم مسلمًا فيقولون: قد نفعت نفسك بنفسك بالدخول في دين الحق فلا تمن علينا بدخولك في دين خلصت به نفسك من عذاب اللَّه، فأبقى بينهم شيخًا كبيرًا فقيرًا ابن تسعين سنة لا أفقه لسانهم، ولا يعرفون حقي، فأموت بينهم جوعًا (هذا خيال فاسد من القسيس الذي تعود على الأموال والترف) وأنا والحمد للَّه على دين عيسى، وعلى ما جاء به يعلم اللَّه ذلك مني (وهذه خداعٌ خدع به القسيس نفسه ليبقى بجانب غرفته المليئة بالهدايا!) فقلت له: يا سيدي! أفتدلني على أن أمشي إلى بلاد المسلمين وأدخل في دينهم؟ فقال لي؛ إن كنت عاقلًا طالبًا للنجاة فبادر إلى ذلك تحصل لك الدنيا والآخرة، ولكن يا ولدي هذا أمر لم يحضره أحد معنا الآن، فاكتمه بغاية جهدك، وإن ظهر عليك شيء منه قتلتك العامة لحينك، ولا أقدر على نفعك إذا قتلوك أو حاولوا أن يؤذوك، وإذا قلت لهم حينئذ إن الذي دلني على هذا هو القسيس فلان فإنك لن ينفعك أن تنقل ذلك عني، فإني سوف أجحده إذا ذكرت ذلك عني وقولي مصدق عليك، وقولك غير مصدق علي. فقلت: يا سيدي! أعوذ باللَّه من سريان الوهم لهذا. وعاهدته بما يرضيه.
ثم أخذت في أسباب الرحلة وودعته، فدعا لي عند الوداع بخير، وزودني خمسين دينارًا ذهبًا، وركبت البحر منصرفًا إلى بلدي مدينة ميورقا، فأقمت بها مع والدي ستة أشهر، ثم سافرت منها إلى جزيرة صقلية، وأقمت بها خمسة أشهر وأنا أنتظر مركبًا يتوجه لأرض المسلمين، فحضر مركب يسافر إلى تونس، فسافرت فيه من صقلية، وأقلعنا عنها قرب مغيب الشفق، فوردنا مرسى تونس قرب الزوال، فلما نزلت بجوار تونس، وسمع بي الذين بها من أحبار النصارى في تونس -يعني: سمعوا بمقدمه، وأنه حاضر عندهم، وقد كان هو أكبر علماء النصارى في ذلك الوقت- أتوا بمركب وحملوني عليه معهم إلى ديارهم، وصحبت بعض التجار الساكنين -أيضًا- بتونس، فأقمت عندهم في ضيافتهم على أرغد عيش مدة أربعة أشهر. ثم بعد ذلك سألتهم: هل بدار السلطان أحد يحفظ لسان النصارى؟ وكان السلطان آنذاك مولانا (أبو العباس أحمد) رحمه اللَّه، فذكر لي النصارى أن بدار السلطان المذكور رجلًا فاضلًا من أكبر خدامه اسمه (يوسف)، وكان طبيبه ومن خواصه، ففرحت بذلك فرحًا شديدًا، وسألت عن مسكن هذا الرجل الطبيب، فدخلت عليه واجتمعت به، وذكرت له شرح حالي وسبب قدومي للدخول في الإسلام، فسر الرجل بذلك سرورًا عظيمًا بأن يكون تمام هذا الخير على يديه.
ثم ركب فرسه وحملني معه إلى دار السلطان، ودخل عليه فأخبره بحديثي واستأذنه لي، فأذن له، فمثلت بين يديه، فأول ما سألني السلطان عن عمري، فقلت له: خمسة وثلاثون عامًا. ثم سألني عما قرأت من العلوم فأخبرته، فقال لي: قدمت قدوم خير، فأسلم على بركة اللَّه. فقلت للترجمان -وهو الطبيب المذكور-: قل لمولانا السلطان: إنه لا يخرج أحد من دينه إلا ويكثر أهله الطعن فيه (يعني: أهل الدين الذي كان عليه سيطعنون فيه ويشنعون عليه انتقامًا منه) فأرغب من إحسانكم أن تبعثوا إلى الذين بحضرتكم من تجار النصارى وأحبارهم وتسألوهم عني، وتسمعوا ما يقولون في جنابي، وحينئذ أسلم إن شاء اللَّه تعالى. فقال لي بواسطة الترجمان: أنت طلبت ما طلب عبد اللَّه بن سلام من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حين أسلم (كان الصحابي الجليل عبد اللَّه بن سلام سيد اليهود وزعيمهم، فلما علم بقدوم رسول اللَّه أسلم وجهه للَّه، إلا أنه طلب من الرسول سؤال اليهود عنه، فقالوا له إنه سيدنا، فلما علموا بإسلامه قالوا إنه شرّنا وسفيهنا!).
يضيف عبد اللَّه الترجمان: "فأرسل السلطان إلى أحبار النصارى وبعض تجارهم، وأدخلني في بيت قريب من مجلسه، فلما دخل النصارى عليه، قال لهم: ما تقولون في هذا القسيس الجديد الذي قدم في هذا المركب؟ قالوا له: يا مولانا! هذا عالم كبير في ديننا، وقالت شيوخنا: إنهم ما رأوا أعلى من درجته في العلم والدين في ديننا. فقال لهم: وما تقولون فيه إذا أسلم؟! قالوا: نعوذ باللَّه من ذلك! ما يفعل ذلك أبدًا.

فلما سمع ما عند النصارى بعث إلي فحضرت بين يديه وشهدت شهادة الحق بمحضر النصارى، فصلبوا على وجوههم، وقالوا: ما حمله على هذا إلا حب التزويج؛ فإن القسيس عندنا لا يتزوج. وخرجوا مكروبين محزونين. فرتب لي السلطان -رحمه اللَّه- ربع دينار في كل يوم في دار مختص، وزوجني ابنة الحاج (محمد الصفار)، فلما عزمت على البناء بها أعطاني مائة دينار ذهبًا، وكسوة جيدة كاملة، فبنيت بها وولد لي منها ولد سميته (محمدًا) على وجه التبرك باسم نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم-".
وبعد ذلك تعلم بطلنا لغة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، ليؤلف بالعربية هذا الكتاب العظيم الذي يعد الأول من نوعه في إثبات نبوة رسول اللَّه من الكتاب المقدس نفسه، ثم إثبات تحريف الإنجيل من خلال الأدلة والبراهين، ليظل هذا الكتاب التحفة "تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب" المرجع الأول والأساسي لكل طلبة مقارنة الأديان عبر جميع العصور، فجزاك اللَّه كل خير يا أبا محمد عبد اللَّه بن عبد اللَّه المايوركي، لما قدمته للإسلام، فلقد فهمت كلمة السر التي لم يفهمها هرقل من قبلك: "أسلم تسلم"!


الغريب في الأمر أن قصة عبد اللَّه الترجمان تشبه إلى حدٍ بعيد قصة عظيمٍ آخر من عظماء أمة الإسلام، فمن جزيرة مايوركا الإسبانية إلى مدينة أصفهان الإيرانية، ينتقل بنا قطار العظماء المائة، لكي نسافر عبر الزمان والمكان، لنرافق رجلًا عظيمًا من الفرس، هو بحق أعظم من أنجبت أمة فارس عبر تاريخها القديم والحديث، إننا لا نتحدث عن كسرى من الأكاسر، ولا فيلسوفًا من فلاسفة الفرس، إننا نتحدث عن رجل فارسي كان صاحبًا للرسول العربي!
يتبع. . . . . . .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #23  
قديم 02-10-2019, 11:34 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,678
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

- مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

(026) الباحث عن السعادة" (سلمان الفارسي)


جهاد الترباني

أي بني، واللَّه ما أعلمه بقي أحدٌ على مثل ما كنا عليه آمرك أن تأتيه ولكن. . . . قد أظلك زمان نبي! "
(صاحب عمورية)
لن أبدأ سرد حكاية هذا البطل الإسلامي من ضِياع أرض فارس حيث وُلد، بل سأبدأ سرد حكايته من لحظة ميلاده الحقيقية، هناك في صحراء العرب، حيث الشمس المحرقة، ومن على قمة إحدى أشجار النخيل في يثرب، وبينما كان سلمان الفارسي يعمل عبدًا عند يهودي من يهود تلك المدينة الواقعة في أراضي الحجاز، سمع بطلنا رجلًا يتحدث مع سيده عن مهاجرٍ غريب قدم للتو من بلدة يقال لها مكة يقول أنه رسول من عند اللَّه، عندها سرت في جسم سلمان رعشة قوية هزت كل خليةٍ من خلايا جسمه، لم يستطع معها أن ينتظر حتى ينتهي من عمله ليتأكد من صحة الخبر، فأسرع ينزل من أعلى النخلة بلهفةٍ كاد يسقط من خلالها على من تحته، وما أن لامست قدماه الثرى حتى بادر بالسؤال عن ذلك الرجل الغريب، ليتفاجأ بلكمة شديدة تسقط عليه من سيده وهو يقول له: مالك ولهذا؟! أقبل على عملك! عندها استدار سلمان نحو سيده وقال له وعيناه تلمعان فرحًا: لا شيء. . . . إنما سمعت خبرا فأحببت أن أعلمه!

وقبل أن نكمل بقية هذه الحكاية الممتعة ونعرف ماذا فعل سلمان بعد ذلك، أستأذن القارئ الكريم لكي نسافر معًا إلى الوراء عبر الزمن، لنغوص أكثر في بحار التاريخ، نلتقط جواهرها المتلألئة، فقد ذكرت في بداية هذا الكتاب ثلاث خصائصٍ تميز بها جيل الصحابة عن باقي البشر، كان أولها هو "الاختيار الإلهي" لجيل الصحابة فردًا فردًا، ولعل قصة سلمان الفارسي خير مثالٍ على هذه الميزة، فقبل عشرين سنة من إسلام سلمان، خرج هذا الشاب الذي عاش حياته يبحث عن سر السعادة البشرية من قريته لكي يتفقد ضيعةً من ضياع أبيه، وسبحان اللَّه! فقد كانت تلك هي أول مرةٍ يخرج بها سلمان من قريته تلك، فلقد كان أبوه -وهو دهقان القرية- لا يتركه يخرج من البيت لحرصه الشديد عليه،

إلّا أن اللَّه أبى إلا أن ينضم سلمان الفارسي إلى ركب إخوته من الصحابة العرب حتى ولو كان في أعماق بلاد فارس وعلى بعد آلاف الأميال من مكة، ففي طريقه إلى الضيعة سمع سلمان ترانيمًا تخرج من كوخ صغير، فاقتاده فضوله لمعرفة مصدر تلك الترانيم، فوجد في الكوخ قسّيسين من نصارى فارس، وبعد محادثة طويلة معهم اعتنق سلمان النصرانية، وترك المجوسية التي كان يعمل فيها بنفسه على إشعال النار المقدسة لدى المجوس، وبعد أن عاد أخبر أباه بأنه أصبح نصرانيًا، فحبسه أبوه في البيت بالأغلال حتى يرجع لدين آبائه، إلّا أن سلمان استطاع الهرب ليرحل إلى أرض الشام، ليطلب من أعظم أسقف في الشام أن يعلمه أمور الدين مقابل خدمته له، وفعلًا أقبل سلمان على خدمته والتعلم منه، إلا أنه اكتشف أن ذلك الأسقف النصراني يجمع الصدقات من الناس ويكنزها لنفسه، فكرهه سلمان أشد الكره،
ولكن فقره وغربته أجبراه على أن يستمر في خدمته، وبعد أن مات ذلك الأسقف اللص، حزن عليه الناس أشد الحزن، وأخذوا يتباكون عليه، فأخبرهم سلمان بأمره، ودلهم على المكان السري الذي كان يخبئ فيه الأموال، فوجدوا جرارًا مملوءةً بالذهب والفضة، فصلبوا جثة ذلك الأسقف ومثّلوا بها، وعينوّا أسقفًا جديدًا مكانه، كان على عكس سابقه في الخير والتقوى، فأصبح سلمان تلميذا له، فلمّا حضرته الوفاة سأله سلمان: إلى من توصي بي؟ وما تأمرني؟ فقال له الأسقف: أي بني، واللَّه ما أعلم أحدًا اليوم على ما كنت عليه، لقد هلك الناس وبدَّلوا وتركوا أكثر ما كانوا عليه إلًا رجلًا بالموصل وهو على ما كنت عليه، فالحق به.
ثم مات الأسقف الطيب، فرحل سلمان لى أرض الموصل (شمال العراق) كما أوصاه سيده قبل وفاته، فرحب به الكاهن الموصلي، فصحبه سلمان إلى أن حضرته الوفاة، فسأله بماذا يوصيه قبل وفاته، فقال له القسيس الموصلي: أي بني، واللَّه ما أعلم رجلا على مثل ما كنا عليه إلا رجلا بنصيبين وهو فلان فالحق به. ثم مات صاحب الموصل، فرحل سلمان من جديد يقصد مدينة نصيبين (جنوب شرق تركيا الآن)، فوجد صاحب نصيبين، فأخبره بحكايته، فرحب به، فأقام عنده سلمان يتعلم منه حتى أتته المنية، فسأله سلمان عن وصيته فقال له: أي بني، واللَّه ما أعلم أحدًا بقي على أمرنا آمرك أن تأتيه إلا رجلًا بعمورية فإنه على مثل ما نحن عليه فاذهب إليه فإنه على مثل أمرنا.
وبعد أن مات سيده، أعد سلمان راحلته وهم بمتابعة مغامرته في البحث عن السعادة، فلحق بصاحب عمورية، فقص عليه مغامرته في البحث عن سر السعادة الإنسانية، فقال له صاحب عمورية: أقم عندي، فأقام سلمان معه يتعلم منه، حتى أزفت ساعة به، فلما حضر قال له سلمان: يا فلان إني كنت مع فلان فأوصى بي فلان إلى فلان وأوصى بي فلان إلى فلان ثم أوصى بي فلان إليك فإلى من توصي بي وما تأمرني؟
فقال له صاحب عمورية: أي بني واللَّه ما أعلمه أصبح على ما كنا عليه أحد من الناس آمرك أن تأتيه ولكنه قد أظلك زمان نبي هو مبعوث بدين إبراهيم يخرج بأرض العرب مهاجرًا إلى أرض بين حرتين (مجموعتين من الجبال) بينهما نخل به علامات لا تخفى يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة بين كتفيه خاتم النبوة فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل.
فمات صاحب عمورية الطيب، فمكث سلمان "بعمورية ما شاء اللَّه له أن يمكث، حتى مر به تجارٌ من قبيلة عربية، فعرض عليهم سلمان أن يأخذوا كل ما يملكه مقابل إيصاله إلى أرض العرب، فقبل التجار عرضه وهم يتساءلون كيف لرجلٍ أن يترك أرضًا جميلة مثل عمورية ليرحل إلى صحراء العرب القاحلة مُضحيًا بكل ما يملك من مال من أجل ذلك؟! فلمّا وصل سلمان إلى أرض العرب قام أولئك التجار الخونة ببيعه إلى رجل يهودي، فأصبح سلمان بذلك كالظمآن في الصحراء المقفرة، الذي يرى بعينيه واحة خضراء تطل عليه بمياهها الصافية، فلمّا اقترب منها فقد ساقيه، فلا هو بالذي هلك قبل أن يراها، ولا هو بالذي وصل إليها وارتوى بمياهها العذبة!
وعندما علم اللَّه أن سلمان قد استنفذ كل ما في استطاعته، جاء وقت الأمر الإلهي البسيط: "كن"! فشاء اللَّه بحكمة لا يقدر عليها غيره أن يقوم سيد سلمان اليهودي ببيعه لابن عمٍ له، ليحمله سيده الجديد إلى مدينة جديدة، ما إن وصل سلمان إليها حتى عرفها، فقد كانت هذه المدينة مدينة بين حرتين بها نخل كثير، لقد كانت هذه المدينة هي "يثرب"، والتي سوف يكون اسمها بعد سنواتٍ معدودةٍ. . . . "المدينة المنورة"!
وهنا لنا وقفة تأمل صغيرة. . . . فلماذا لم يأتِ ذلك الأمر الإلهي "كن" منذ البداية؟
أما كان ذلك سيكون اختصارًا للوقت والجهد؟ ألم يكن بمقدور اللَّه عز وجل أن ينقل سلمان من أصفهان إلى يثرب من دون أن يخوض تلك الرحلة الشاقة في كل تلك البلدان البعيدة؟ الحقيقة أن للَّه سننًا في الأرض لا تتغير، ومن أعظم سننه تلك أن نصر اللَّه لا يأتي إلا بعد أن يستنفد المسلم كل طاقته حتى ولو كانت ضئيلة، عند ذلك يأتي نصر اللَّه من باب لم يكن يتوقعه أحد، فمن كان يظن أن سيد سلمان اليهودي هو الذي سوف يوصله للمدينة بعد أن فقد هو حريته في التنقل؟ ومن كان يظن أن البحر سوف ينفلق لموسى ويغرق فرعون بعد سنوات من تعذيب فرعون لبني إسرائيل؟ ألم يكن اللَّه قادرًا على أن يهلك فرعون وملئه منذ البداية؟!


المهم أن سلمان بقي يعمل عند سيده حتى جاء ذلك اليوم الذي سمع فيه وهو في أعلى النخلة بأن رجلًا يزعم أنه نبي جاء من مكة إلى يثرب مهاجرًا، فأراد سلمان أن يتأكد من تلك العلامات الثلاث التي وصفها له صاحب عمورية الطيب "يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، بين كتفيه خاتم النبوة"، فأخذ شيئًا من الثمر وقدَّمه للرسول على أنه صدقة، فلم يأكل الرسول منه شيئًا، فقال سلمان: هذه واحدة! ثم أتاه ببعض الثمر على أنه هدية، فأكل منه، فقال سلمان: هذه ثانية! ثم جاء سلمان ليتأكد من العلامة الأخيرة، فوجد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بين أصحابه فحياه ثم استدار لينظر إلى ظهره ليرى خاتم النبوة الذي وصفه له صاحب عمورية، فلاحظ الرسول أن سلمان يريد أن يتثبت من شيئ وُصِف له، فألقى الرداء عن ظهره، فنظر سلمان الفارسي بين كتفي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فوجد خاتم النبوة! (خاتم النبوة عبارة عن علامة في جسد الرسول تقع بين كتفيه، وهي تشبه الشامة بحجم بيضة الحمامة).


عندها أخذ سلمان يبكي ويعانق رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ويقبله، فطلب منه الرسول الكريم أن يُهدِّأ من روعه وأن يقص عليه حكايته، فأخذ سلمان يقص على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مغامرته منذ البداية في بلاد فارس وحتى تلك اللحظة، فأعجب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بما سمع من سلمان، وسأله أن يقص حكايته على أصحابه، فقصَّ سلمان حكايته العجيبة تلك على الصحابة رضوان اللَّه عليهم، وقصصتها أنا عليكم طبقًا لما قصه سلمان نفسه لعبد اللَّه ابن عباس رضي اللَّه عنهم أجمعين.

ولكن. . . . . . هناك شيءٌ غريبٌ في هذه القصة!
ما هو ذلك الأمر الغامض الذي كان يقصده صاحب نصيبين بقوله لسلمان: "فإنه على مثل أمرنا"؟ ولماذا اختار هؤلاء القساوسة العيش متفرقين في أماكن مجهولة وبعيدة؟

وما قصة تلك المجموعة السرية التي كان ينتمي إليها هؤلاء؟ وما هو ذلك السر الخفي لهذه المجموعة الغامضة؟ ومن يكون ذلك العملاق الإسلامي الذي يُعتبر ومن دون أي مبالغة من أعظم رجال التاريخ البشري؟ وكيف أسلمت شعوب ألمانيا وفرنسا وانجلترا وهولندا وبلجيكا وإسبانيا والبرتغال والنمسا وسويسرا وإيطاليا بفضله؟ وكيف تحولت مدينة الفاتيكان نفسها إلى مدينة إسلامية بفضله؟ من تراه يكون ذلك البطل الليبي الغامض الذي جاء الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- شخصيًّا على ذكر أتباعه في رسالته لقيصر الروم هرقل؟!
يتبع. . . . . .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #24  
قديم 02-10-2019, 11:34 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,678
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

- مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

جهاد الترباني

(027) آريوس




"فإن توليت فعليكم إثم الآريسيّين"
" العالم كله صرخ وتعجب ليجد نفسه آريوسيًا! "
(القديس جيروم: أول مترجم للكتاب المقدس)
"وبقي قسيسٌ واحدٌ على الحق! "
(عروة بن الزبير)
كنت قد وعدت القارئ الكريم سابقًا أنني سوف آتي لاحقًا على ذكر أعظم شخصية أمازيغية على الإطلاق، وها قد جاء وقت الوفاء بهذا الوعد، وجاء معه أيضًا وقت الإجابة على تساؤلات محيرة تركتها معلقة إلى هذه الساعة، فما هو سر إسلام أقباط مصر بسرعة غريبة بعد أن طرد عمرو بن العاص الرومان منها؟ ولماذا لم يستغرق (عقبة بن نافع) وقتًا يذكر في فتح جل الشمال الأفريقي؟

وما السبب الأساسي لفتح المسلمين للأندلس؟ ومن قصة أولئك "الأريسيّين" الذين ذكرهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في رسالته الشهيرة لهرقل؟ هل هم فعلًا فلّاحو الروم كما ورد في بعض كتب التاريخ؟ الحقيقة أن هذا ليس صحيحًا على الإطلاق، فالآرسيون طائفة مجهولة تعمدت كتب التاريخ إغفالها لسبب سوف يتضح لاحقًا، ففهم تاريخ الآريسيين يفسر لنا حديثًا جميلًا رواه الإمام مسلم في صحيحه، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال يصف حال الأرض قبل بعثته: «إن اللَّه نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب»!! وليتسنى لنا معرفة هوية هؤلاء "البقايا" يجب علينا أولًا أن نلقي نظرة سريعة على حال الكرة الأرضية في نهاية القرن السادس الميلادي وبداية القرن السابع الميلادي، لنرى كيف كان وضع شعوب الأرض مباشرة قبل بزوغ شمس الدعوة المحمدية:
الرومان: كان الرومان يحكمون بلدانًا شاسعة في أوروبا وآسيا وأفريقيا، يحكمونها بالنار والحديد، ويفرضون عليها الضرائب الباهظة، ولعل كثيرًا من الذين يفتخرون بالمدرجات الرومانية (الحضارية!) في بلدانهم لا يعلمون أن هذه المدرجات والمسارح قد بنيت من قبل الرومان لكي تكون مكانًا يتسلى به الرومان الهمجيون وهم يرون الأسود وهي تنهش لحوم العبيد الذين يأتون بهم من مستعمراتهم.


الفرس: أما الفرس فحدث عنهم ولا حرج! فقد كان جل الفرس من عبّاد النار الذين انتشر فيهم الانحلال الأخلاقي بشكل ما عرفته شعوب الأرض قبلهم أو بعدهم، فقد كانت (المتعة) بالجنس شكلًا يميز الفرس عن باقي شعوب الأرض، فسقط الفرس في أقذر أنواع الرذيلة الحيوانية، وشاع فيهم زنى المحارم، فكان كسرى (يزدجرد الثاني) يزني بابنته، وكان كسرى (بهرام جوبين) يزني بأمه وأخته!!! ولم تستحل أمة من الأمم القديمة هذه الرذيلة إلا أمة فارس، بل كان الإغريق والرومان يعايرونهم بذلك، وقد قسم الفرس البشر إلى سبع طبقات، فعامة الشعب في المرتبة الدنيا حيث كانوا يربطونهم كالكلاب بالسلاسل في المعارك، بينما كان كسرى في قمة الهرم الاجتماعي حيث كان يعتبر نفسه (سيدًا) صاحبَ دماءٍ مقدسة!


الهنود: عبد الهنود كل ما خطر وما لم يخطر على بال البشر! فقد عبدوا كل شيئ من الكواكب إلى الأنهار مرورًا بالحيوانات والأشجار، بل إن بعضهم عبد أعضاء التناسل!! وسوف نتطرق لتاريخ الهند الديني والإجتماعي بالتفصيل في نهاية هذا الكتاب في معرض حديثنا عن عظيم إسلامي من أمة الهنود.


الصين: برزت في الصين ثلاث ديانات رئيسية هي:
1 - ديانة لاتسو: وتدعو إلى البعد الكامل عن النساء.
2 - ديانة كلونفوشيوس: وهي مادية بحتة.
3 - ديانة بوذا: وتدعو إلى الانعزال والزهد في الحياة.


العرب: كان جل العرب يعبد الأصنام التي أشركوها في عبادتهم للَّه، فكان لكل قبيلة صنمًا أو أكثر.
ومن بين كل هذه النماذج القاتمة التي غرق فيها بنو البشر، كانت هناك بقايا من الإنسانية مزروعة في وجدان طائفة من بقايا أهل الكتاب يقال لهم "الآريسيين"، أفراد هذه المجموعة كانوا يشهدون أنه لا إله إلا اللَّه، وأن عيسى نبي اللَّه، أي أنهم كانوا على دين الإسلام، أما عن سبب تسميتهم بالآريسيين فيرجع إلى القرن الرابع الميلادي، وبالتحديد إلى عام 325 م، فقد كان المسيحيون منذ بعثة عيسى وحتى ذلك العام يؤمنون بوحدانية اللَّه عز وجل، وبنبوة عيسى عليه السلام، إلى أن ظهر رجلٌ مصري يدعى (أثناسيوس)، هذا الرجل قام بتغيير الدين الذي جاء به المسيح عليه السلام، فأدخل فيه كثيرًا من العقائد الوثنية، وسبب ذلك أن أثناسيوس لم يكن مسيحيًا في بادئ الأمر، بل كان وثنيًا على دين الفراعنة القدماء، فقام بمزج المسيحية بالديانات الوثنية التي كان يعتقد بها قبل تنصره، فأدخل لأول مرة مبدأ (الثالوث المقدس) " The Trinity" على الدين المسيحي التوحيدي، وينص هذه المبدأ على أن اللَّه ذو طبيعة ثلاثية الأبعاد، كل بعد فيه يساويه، وكل بعد فيه لا يساوي الآخر! وإن كنت لم تفهم شيئًا من هذه الأحجية، فلا تقلق كثيرًا، لأن زملائي الأوروبيين "المسيحيين" أخبروني أنهم أيضًا لا يفهمونها!! وربما كان هذا هو السبب الذي دفع الكنائس مؤخرًا لمحاولة شرح هذا المبدأ الصعب وذلك بتوزيع رسومات هندسية (مثل هذا الشكل) لتحاول عبثًا شرح فكرة الثالوث المقدس.

ومع أن مادة الرياضيات كانت مادةً مفضلة لدي عندما كنت طالبًا في المدرسة، إلا أنني أعترف أن ما قرأته عن "نظرية فيثاغورس" و"مسلمة إقليدس" و"مسألة أبولونيوس" و"منحنى ديوكلوس" لا يمكنه تفسير ذلك المبدأ! فالموضوع معقد بعض الشيء! فلو كان لك ولدٌ لم يبلغ من العمر إلّا سنياتٍ معدودةٍ، فجلبت له ثلاث تفاحات وقلت له أن كل تفاحة من التفاحات الثلاث تساوي نفس الشيء، ولكن نفس هذه التفاحات الثلاث لا تساوي الشيء نفسه! فلا أشك حينها بأن ذلك الطفل سيأخذ إحدى تلك التفاحات الثلاث من يدك، ليقضم منها قضمة صغيرة، ليقذف رأسك بعدها بنفس تلك التفاحة المقضومة، قبل أن يذهب إلى أمه ليخبرها بان أباه قد فقد عقله!

والحقيقة أن أثناسيوس لم يأتِ بهذا المبدأ من فراغ، فلقد كانت فكرة الثالوث المقدس مغروسة في كيانه قبل أن يعتنق النصرانية، فلقد كان أثناسيوس يؤمن بالثالوث المقدس للفراعنة قبل أن يعتنق المسيحية (أوزريس الأب، حورس الإبن، إزيس الأم)، بل إن فكرة الثالوث تلك كانت سائدة في أغلب الديانات الوثنية، فقد كان للهنود ثالوثهم البرهمي المقدس (برهما: الإله، فشنو: المُخلص، سيفا: الروح العظيم)، وعند الفرس الثالوث الزردشتي المقدس: (الروح الصالحة، الكلمة الصالحة، العمل الصالح)، لذلك أراد أثناسيوس نشر ذلك المبدأ الجديد في المسيحية.


عند تلك اللحظة ظهر العملاق العظيم (آريوس) الذي كان قسًا أمازيغيًا يعيش في الإسكندرية بعد أن قدم إليها من مسقط رأسه ليبيا، فوقف آريوس بالمرصاد في وجه أثناسيوس، وأدحض افتراءات المثلثين بعلمه وفصاحته، فأنكر ما جاء به أثناسيوس بحجة في غاية البساطة، ملخصها أنه لم يرد في الإنجيل كلمة واحدة تنص بأن المسيح إله، ولم يرد في الانجيل أبدًا أنه قالَ للناس اعبدوني، فنشب خلاف كبير بين (أثناسيوس) وسيده بابا الإسكندرية آنذاك (ألكساندريوس الأول) من جهة، وبين (أريوس) ومن معه من المسلمين الموحدين من جهة أخرى، فأمر الإمبراطور الروماني الذي كان يحكم مصر (قسطنطين الأول) بعقد مؤتمر يجتمع فيه كل علماء النصارى لبحث أمر هذه البدعة التي جاء جها أثناسيوس، فاجتمع العلماء في "مجمع نيقية المسكوني" في مايو 325 م، وقامت المناظرات بين آريوس وأثناسيوس، فانتصر آريوس بالضربة القاضية بعقيدة التوحيد،

إلا أن الإمبراطور قسطنطين الذي كان وقتها وثنيًا رفض رأي آريوس، فقد كان قسطنطين نفسه يؤمن بالثالوث الروماني المقدس (اللَّه، الكلمة، الروح)، فأمر الإمبراطور قسطنطين القساوسة الموحدين وعلى رأسهم آريوس بالتوقيع على عريضة تنص على ألوهية المسيح، فرفض بطلنا الإسلامي العظيم آريوس التوقيع على وثيقة تنص على الشرك باللَّه، المضحك بالأمر أن الإمبراطور قسطنطين والذي كان وثنيًا في وقتها اعتمد "وثيقة الإيمان المسيحي" التى يؤمن بها النصارى إلى يومنا هذا! أما آريوس ومن معه من المسلمبن الموحدين فقد تم نفيهم إلى "البلقان"، قبل أن يأمر الإمبراطور بحرق جميع كتب آريوس وإعدام من يحتفظ بأي نسخة منها، عندها قامت الثورات الشعبية في أنحاء الإمبراطورية تطالب باطلاق سراح القس البطل آريوس، ليستجيب الإمبراطور لهذه الضغوطات، ليعود آريوس من منفاه إلى العاصمة القسطنطينية (إسطانبول) منتصرًا، قبل أن يقوم المثلثون بتسميمه، ليستشهد بطلنا في القسطنطينية بعد حياة طويلة قضاها في الجهاد في سبيل اللَّه، دافعًا حياته ثمنًا لرفعه لراية التوحيد.

وبعد أن موت آريوس قام الموحدون بنشر الإسلام في أنحاء أوروبا، فدخلت القبائل الجرمانية في الإسلام بتعاليم آريوس، وأصبحت كل شعوب أوروبا الغربية تقريبًا آريسية مسلمة تؤمن برسالة التوحيد، وساد الإسلام أغلب دول العالم، بل إن بعض العرب كان من النصارى الآريسيين! لعل (ورقة بن نوفل) كان أشهرهم، وهذا يظهر جليًا من سرعة اتباعه لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الذي كان يقرأ عنه في الإنجيل، ويظهر أيضًا من شعر ورقة الذي يقول فيه:
لَا تَعْبُدُنّ إلَهًا غَيْرَ خَالِقِكُمْ ... فَإِنْ دَعَوْكمْ فَقُولُوا بَيْنَنَا جَدَدُ


أما القارة الأوروبية فقد كانت قارة مسلمة على مذهب البطل الإسلامي آريوس، بل إن الإسلام الآريوسي أو الآريسي كان دين القارة الأوروبية والشام والشمال الأفريقي لسنين عديدة، إلا أن المضحك المبكي في هذه القصة حدث عندما جاء إمبراطور وثني اسمه (يوليانوس)، هذا الإمبراطور الروماني لم يكن مسيحيًا أصلًا حتى موته، فقام بدعم المثلثين من الأرثذوكس وغيرهم على حساب المسيحيين الموحدين، فانتشرت المسيحية المحرفة بحد السيف وآلات التعذيب، بعد أن قام المثلثون بقتل ما يزيد عن 12 مليون من الآريسيين الموحدين، فأخفى من بقي من الآريسيين إسلامهم (سر تخفي قسّيسي عمورية والموصل وحرّان في قصة سلمان!)، وكان معظم أقباط مصر مسلمين آريسيين، ما يفسر اعتناق الأقباط السريع للإسلام بعد أن جاءهم الصحابي الجليل عمرو ابن العاص ليحررهم من اضطهاد المثلثين لهم، فكان عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنه- بمثابة المحرر للمسيحيين من التعذيب والقتل والإرهاب.


أما البربر فقد كانوا موحدين مسلمين من أتباع آريوس البربري، فلما جاءت دعوة محمد الخاتمة أعلنوا اتباعهم لها بسرعة البرق لتوافقها مع عقيدة التوحيد التي يؤمنون بها أصلًا، وهذا ما يفسر السرعة الخرافية التي فتح فيها عقبة بن نافع الشمال الأفريقي، ورغم أن حاجز اللغة كان عائقًا أمام معرفتهم بقواعد الشريعة المحمدية لبعض الوقت، إلّا أنهم ما أن تعلموا العربية لغة القرآن حتى أصبحو قادة للإسلام! فإذا كنت أمازيغيًا وجاءك أحد المنصرين الأوروبيين يُذكرك بأصولك الأوروبية المسيحية فلا تكذبه، ولكن قل له أن أجدادك من البربر كانوا مسيحيين آريسيين يؤمنون بوحدانية اللَّه، وقم بعد ذلك بتذكير ذلك المنصر بأصوله المسيحية الأريسية التي دافع عنها بطل البربر آريوس، ثم ادعه أنت بدورك للإسلام!


أما الأندلس، فقد كانت آخر معقلٍ من معاقل الآريسية في أوروبا، وكان أهل الأندلس مسلمين آريسيين حتى قبل أن يُولد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، إلا أنه في عام 586 م قام الملك الإسباني (ريكاردو) باعتناق المذهب الكاثوليكي، ليأمر بعدها بفرضه على الشعب المسلم بحد السيف، بعد أن قتل أغلب المسلمين الآريسيين من الإسبان والبرتغاليين، ليضطر من بقي منهم لإخفاء إسلامه في انتظار فرج اللَّه، وفعلًا جاء فرج اللَّه بعدها بسنوات قليلة، والعجيب في الأمر أن المدقق لهذا التاريخ 586 م -وهو تاريخ سقوط آخر معقل من معاقل الإسلام على الكرة الأرضية- يجد أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يبلغ من العمر حينها 20 عامًا تقريبًا! فما هي إلّا سنيات قليلة حتى يشرق نور التوحيد من جديد على يديه، فيضيئ به دياجين ظلمات الشرك الحالكة، ليحمل طارق بن زياد البربري تلك الشعلة التي دافع عنها جده آريوس ليضيء بها ديار الأندلسَ من جديد، فيحرر إخوانه المسلمين الأوروبيين الآريسيين من براثن الظلم والاضطهاد التثليلثي.



ليبيا. . . . تلك الأرض التي أخرجت آريوس من قبل، أبت إلّا أن تُخرجَ من صحرائها القاحلة عملاقًا آخر من عمالقة الإسلام، ولكنه هذه المرة ليس من العنصر الأمازيغي البطل، بل من العنصر العربي القرشي، فمن تراه يكون ذلك الشيخ الليبي البطل الذي حمل السلاح وهو في السبعين من عمره، ليدوّخ به جيوش إيطاليا الفاشية في صحاري ليبيا، بعد أن دوّخ من قبل جيوش فرنسا العنصرية في أدغال أفريقيا السمراء؟ من هو ذلك الأسد الليبي الكبير الذي جعل من إيطاليا أضحوكة في أفواه الأوروبيين بعد أن عجزت جيوشها البرية والبحرية والجوية من إيجاد حل للغز هذا الشيخ العظيم؟!
يتبع. . . . . . .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #25  
قديم 08-10-2019, 07:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,678
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

- مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

جهاد الترباني

(027) آريوس




"فإن توليت فعليكم إثم الآريسيّين"
" العالم كله صرخ وتعجب ليجد نفسه آريوسيًا! "
(القديس جيروم: أول مترجم للكتاب المقدس)
"وبقي قسيسٌ واحدٌ على الحق! "
(عروة بن الزبير)
كنت قد وعدت القارئ الكريم سابقًا أنني سوف آتي لاحقًا على ذكر أعظم شخصية أمازيغية على الإطلاق، وها قد جاء وقت الوفاء بهذا الوعد، وجاء معه أيضًا وقت الإجابة على تساؤلات محيرة تركتها معلقة إلى هذه الساعة، فما هو سر إسلام أقباط مصر بسرعة غريبة بعد أن طرد عمرو بن العاص الرومان منها؟ ولماذا لم يستغرق (عقبة بن نافع) وقتًا يذكر في فتح جل الشمال الأفريقي؟

وما السبب الأساسي لفتح المسلمين للأندلس؟ ومن قصة أولئك "الأريسيّين" الذين ذكرهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في رسالته الشهيرة لهرقل؟ هل هم فعلًا فلّاحو الروم كما ورد في بعض كتب التاريخ؟ الحقيقة أن هذا ليس صحيحًا على الإطلاق، فالآرسيون طائفة مجهولة تعمدت كتب التاريخ إغفالها لسبب سوف يتضح لاحقًا، ففهم تاريخ الآريسيين يفسر لنا حديثًا جميلًا رواه الإمام مسلم في صحيحه، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال يصف حال الأرض قبل بعثته: «إن اللَّه نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب»!! وليتسنى لنا معرفة هوية هؤلاء "البقايا" يجب علينا أولًا أن نلقي نظرة سريعة على حال الكرة الأرضية في نهاية القرن السادس الميلادي وبداية القرن السابع الميلادي، لنرى كيف كان وضع شعوب الأرض مباشرة قبل بزوغ شمس الدعوة المحمدية:
الرومان: كان الرومان يحكمون بلدانًا شاسعة في أوروبا وآسيا وأفريقيا، يحكمونها بالنار والحديد، ويفرضون عليها الضرائب الباهظة، ولعل كثيرًا من الذين يفتخرون بالمدرجات الرومانية (الحضارية!) في بلدانهم لا يعلمون أن هذه المدرجات والمسارح قد بنيت من قبل الرومان لكي تكون مكانًا يتسلى به الرومان الهمجيون وهم يرون الأسود وهي تنهش لحوم العبيد الذين يأتون بهم من مستعمراتهم.


الفرس: أما الفرس فحدث عنهم ولا حرج! فقد كان جل الفرس من عبّاد النار الذين انتشر فيهم الانحلال الأخلاقي بشكل ما عرفته شعوب الأرض قبلهم أو بعدهم، فقد كانت (المتعة) بالجنس شكلًا يميز الفرس عن باقي شعوب الأرض، فسقط الفرس في أقذر أنواع الرذيلة الحيوانية، وشاع فيهم زنى المحارم، فكان كسرى (يزدجرد الثاني) يزني بابنته، وكان كسرى (بهرام جوبين) يزني بأمه وأخته!!! ولم تستحل أمة من الأمم القديمة هذه الرذيلة إلا أمة فارس، بل كان الإغريق والرومان يعايرونهم بذلك، وقد قسم الفرس البشر إلى سبع طبقات، فعامة الشعب في المرتبة الدنيا حيث كانوا يربطونهم كالكلاب بالسلاسل في المعارك، بينما كان كسرى في قمة الهرم الاجتماعي حيث كان يعتبر نفسه (سيدًا) صاحبَ دماءٍ مقدسة!


الهنود: عبد الهنود كل ما خطر وما لم يخطر على بال البشر! فقد عبدوا كل شيئ من الكواكب إلى الأنهار مرورًا بالحيوانات والأشجار، بل إن بعضهم عبد أعضاء التناسل!! وسوف نتطرق لتاريخ الهند الديني والإجتماعي بالتفصيل في نهاية هذا الكتاب في معرض حديثنا عن عظيم إسلامي من أمة الهنود.


الصين: برزت في الصين ثلاث ديانات رئيسية هي:
1 - ديانة لاتسو: وتدعو إلى البعد الكامل عن النساء.
2 - ديانة كلونفوشيوس: وهي مادية بحتة.
3 - ديانة بوذا: وتدعو إلى الانعزال والزهد في الحياة.


العرب: كان جل العرب يعبد الأصنام التي أشركوها في عبادتهم للَّه، فكان لكل قبيلة صنمًا أو أكثر.
ومن بين كل هذه النماذج القاتمة التي غرق فيها بنو البشر، كانت هناك بقايا من الإنسانية مزروعة في وجدان طائفة من بقايا أهل الكتاب يقال لهم "الآريسيين"، أفراد هذه المجموعة كانوا يشهدون أنه لا إله إلا اللَّه، وأن عيسى نبي اللَّه، أي أنهم كانوا على دين الإسلام، أما عن سبب تسميتهم بالآريسيين فيرجع إلى القرن الرابع الميلادي، وبالتحديد إلى عام 325 م، فقد كان المسيحيون منذ بعثة عيسى وحتى ذلك العام يؤمنون بوحدانية اللَّه عز وجل، وبنبوة عيسى عليه السلام، إلى أن ظهر رجلٌ مصري يدعى (أثناسيوس)، هذا الرجل قام بتغيير الدين الذي جاء به المسيح عليه السلام، فأدخل فيه كثيرًا من العقائد الوثنية، وسبب ذلك أن أثناسيوس لم يكن مسيحيًا في بادئ الأمر، بل كان وثنيًا على دين الفراعنة القدماء، فقام بمزج المسيحية بالديانات الوثنية التي كان يعتقد بها قبل تنصره، فأدخل لأول مرة مبدأ (الثالوث المقدس) " The Trinity" على الدين المسيحي التوحيدي، وينص هذه المبدأ على أن اللَّه ذو طبيعة ثلاثية الأبعاد، كل بعد فيه يساويه، وكل بعد فيه لا يساوي الآخر! وإن كنت لم تفهم شيئًا من هذه الأحجية، فلا تقلق كثيرًا، لأن زملائي الأوروبيين "المسيحيين" أخبروني أنهم أيضًا لا يفهمونها!! وربما كان هذا هو السبب الذي دفع الكنائس مؤخرًا لمحاولة شرح هذا المبدأ الصعب وذلك بتوزيع رسومات هندسية (مثل هذا الشكل) لتحاول عبثًا شرح فكرة الثالوث المقدس.

ومع أن مادة الرياضيات كانت مادةً مفضلة لدي عندما كنت طالبًا في المدرسة، إلا أنني أعترف أن ما قرأته عن "نظرية فيثاغورس" و"مسلمة إقليدس" و"مسألة أبولونيوس" و"منحنى ديوكلوس" لا يمكنه تفسير ذلك المبدأ! فالموضوع معقد بعض الشيء! فلو كان لك ولدٌ لم يبلغ من العمر إلّا سنياتٍ معدودةٍ، فجلبت له ثلاث تفاحات وقلت له أن كل تفاحة من التفاحات الثلاث تساوي نفس الشيء، ولكن نفس هذه التفاحات الثلاث لا تساوي الشيء نفسه! فلا أشك حينها بأن ذلك الطفل سيأخذ إحدى تلك التفاحات الثلاث من يدك، ليقضم منها قضمة صغيرة، ليقذف رأسك بعدها بنفس تلك التفاحة المقضومة، قبل أن يذهب إلى أمه ليخبرها بان أباه قد فقد عقله!

والحقيقة أن أثناسيوس لم يأتِ بهذا المبدأ من فراغ، فلقد كانت فكرة الثالوث المقدس مغروسة في كيانه قبل أن يعتنق النصرانية، فلقد كان أثناسيوس يؤمن بالثالوث المقدس للفراعنة قبل أن يعتنق المسيحية (أوزريس الأب، حورس الإبن، إزيس الأم)، بل إن فكرة الثالوث تلك كانت سائدة في أغلب الديانات الوثنية، فقد كان للهنود ثالوثهم البرهمي المقدس (برهما: الإله، فشنو: المُخلص، سيفا: الروح العظيم)، وعند الفرس الثالوث الزردشتي المقدس: (الروح الصالحة، الكلمة الصالحة، العمل الصالح)، لذلك أراد أثناسيوس نشر ذلك المبدأ الجديد في المسيحية.


عند تلك اللحظة ظهر العملاق العظيم (آريوس) الذي كان قسًا أمازيغيًا يعيش في الإسكندرية بعد أن قدم إليها من مسقط رأسه ليبيا، فوقف آريوس بالمرصاد في وجه أثناسيوس، وأدحض افتراءات المثلثين بعلمه وفصاحته، فأنكر ما جاء به أثناسيوس بحجة في غاية البساطة، ملخصها أنه لم يرد في الإنجيل كلمة واحدة تنص بأن المسيح إله، ولم يرد في الانجيل أبدًا أنه قالَ للناس اعبدوني، فنشب خلاف كبير بين (أثناسيوس) وسيده بابا الإسكندرية آنذاك (ألكساندريوس الأول) من جهة، وبين (أريوس) ومن معه من المسلمين الموحدين من جهة أخرى، فأمر الإمبراطور الروماني الذي كان يحكم مصر (قسطنطين الأول) بعقد مؤتمر يجتمع فيه كل علماء النصارى لبحث أمر هذه البدعة التي جاء جها أثناسيوس، فاجتمع العلماء في "مجمع نيقية المسكوني" في مايو 325 م، وقامت المناظرات بين آريوس وأثناسيوس، فانتصر آريوس بالضربة القاضية بعقيدة التوحيد،

إلا أن الإمبراطور قسطنطين الذي كان وقتها وثنيًا رفض رأي آريوس، فقد كان قسطنطين نفسه يؤمن بالثالوث الروماني المقدس (اللَّه، الكلمة، الروح)، فأمر الإمبراطور قسطنطين القساوسة الموحدين وعلى رأسهم آريوس بالتوقيع على عريضة تنص على ألوهية المسيح، فرفض بطلنا الإسلامي العظيم آريوس التوقيع على وثيقة تنص على الشرك باللَّه، المضحك بالأمر أن الإمبراطور قسطنطين والذي كان وثنيًا في وقتها اعتمد "وثيقة الإيمان المسيحي" التى يؤمن بها النصارى إلى يومنا هذا! أما آريوس ومن معه من المسلمبن الموحدين فقد تم نفيهم إلى "البلقان"، قبل أن يأمر الإمبراطور بحرق جميع كتب آريوس وإعدام من يحتفظ بأي نسخة منها، عندها قامت الثورات الشعبية في أنحاء الإمبراطورية تطالب باطلاق سراح القس البطل آريوس، ليستجيب الإمبراطور لهذه الضغوطات، ليعود آريوس من منفاه إلى العاصمة القسطنطينية (إسطانبول) منتصرًا، قبل أن يقوم المثلثون بتسميمه، ليستشهد بطلنا في القسطنطينية بعد حياة طويلة قضاها في الجهاد في سبيل اللَّه، دافعًا حياته ثمنًا لرفعه لراية التوحيد.

وبعد أن موت آريوس قام الموحدون بنشر الإسلام في أنحاء أوروبا، فدخلت القبائل الجرمانية في الإسلام بتعاليم آريوس، وأصبحت كل شعوب أوروبا الغربية تقريبًا آريسية مسلمة تؤمن برسالة التوحيد، وساد الإسلام أغلب دول العالم، بل إن بعض العرب كان من النصارى الآريسيين! لعل (ورقة بن نوفل) كان أشهرهم، وهذا يظهر جليًا من سرعة اتباعه لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الذي كان يقرأ عنه في الإنجيل، ويظهر أيضًا من شعر ورقة الذي يقول فيه:
لَا تَعْبُدُنّ إلَهًا غَيْرَ خَالِقِكُمْ ... فَإِنْ دَعَوْكمْ فَقُولُوا بَيْنَنَا جَدَدُ


أما القارة الأوروبية فقد كانت قارة مسلمة على مذهب البطل الإسلامي آريوس، بل إن الإسلام الآريوسي أو الآريسي كان دين القارة الأوروبية والشام والشمال الأفريقي لسنين عديدة، إلا أن المضحك المبكي في هذه القصة حدث عندما جاء إمبراطور وثني اسمه (يوليانوس)، هذا الإمبراطور الروماني لم يكن مسيحيًا أصلًا حتى موته، فقام بدعم المثلثين من الأرثذوكس وغيرهم على حساب المسيحيين الموحدين، فانتشرت المسيحية المحرفة بحد السيف وآلات التعذيب، بعد أن قام المثلثون بقتل ما يزيد عن 12 مليون من الآريسيين الموحدين، فأخفى من بقي من الآريسيين إسلامهم (سر تخفي قسّيسي عمورية والموصل وحرّان في قصة سلمان!)، وكان معظم أقباط مصر مسلمين آريسيين، ما يفسر اعتناق الأقباط السريع للإسلام بعد أن جاءهم الصحابي الجليل عمرو ابن العاص ليحررهم من اضطهاد المثلثين لهم، فكان عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنه- بمثابة المحرر للمسيحيين من التعذيب والقتل والإرهاب.


أما البربر فقد كانوا موحدين مسلمين من أتباع آريوس البربري، فلما جاءت دعوة محمد الخاتمة أعلنوا اتباعهم لها بسرعة البرق لتوافقها مع عقيدة التوحيد التي يؤمنون بها أصلًا، وهذا ما يفسر السرعة الخرافية التي فتح فيها عقبة بن نافع الشمال الأفريقي، ورغم أن حاجز اللغة كان عائقًا أمام معرفتهم بقواعد الشريعة المحمدية لبعض الوقت، إلّا أنهم ما أن تعلموا العربية لغة القرآن حتى أصبحو قادة للإسلام! فإذا كنت أمازيغيًا وجاءك أحد المنصرين الأوروبيين يُذكرك بأصولك الأوروبية المسيحية فلا تكذبه، ولكن قل له أن أجدادك من البربر كانوا مسيحيين آريسيين يؤمنون بوحدانية اللَّه، وقم بعد ذلك بتذكير ذلك المنصر بأصوله المسيحية الأريسية التي دافع عنها بطل البربر آريوس، ثم ادعه أنت بدورك للإسلام!


أما الأندلس، فقد كانت آخر معقلٍ من معاقل الآريسية في أوروبا، وكان أهل الأندلس مسلمين آريسيين حتى قبل أن يُولد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، إلا أنه في عام 586 م قام الملك الإسباني (ريكاردو) باعتناق المذهب الكاثوليكي، ليأمر بعدها بفرضه على الشعب المسلم بحد السيف، بعد أن قتل أغلب المسلمين الآريسيين من الإسبان والبرتغاليين، ليضطر من بقي منهم لإخفاء إسلامه في انتظار فرج اللَّه، وفعلًا جاء فرج اللَّه بعدها بسنوات قليلة، والعجيب في الأمر أن المدقق لهذا التاريخ 586 م -وهو تاريخ سقوط آخر معقل من معاقل الإسلام على الكرة الأرضية- يجد أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يبلغ من العمر حينها 20 عامًا تقريبًا! فما هي إلّا سنيات قليلة حتى يشرق نور التوحيد من جديد على يديه، فيضيئ به دياجين ظلمات الشرك الحالكة، ليحمل طارق بن زياد البربري تلك الشعلة التي دافع عنها جده آريوس ليضيء بها ديار الأندلسَ من جديد، فيحرر إخوانه المسلمين الأوروبيين الآريسيين من براثن الظلم والاضطهاد التثليلثي.



ليبيا. . . . تلك الأرض التي أخرجت آريوس من قبل، أبت إلّا أن تُخرجَ من صحرائها القاحلة عملاقًا آخر من عمالقة الإسلام، ولكنه هذه المرة ليس من العنصر الأمازيغي البطل، بل من العنصر العربي القرشي، فمن تراه يكون ذلك الشيخ الليبي البطل الذي حمل السلاح وهو في السبعين من عمره، ليدوّخ به جيوش إيطاليا الفاشية في صحاري ليبيا، بعد أن دوّخ من قبل جيوش فرنسا العنصرية في أدغال أفريقيا السمراء؟ من هو ذلك الأسد الليبي الكبير الذي جعل من إيطاليا أضحوكة في أفواه الأوروبيين بعد أن عجزت جيوشها البرية والبحرية والجوية من إيجاد حل للغز هذا الشيخ العظيم؟!
يتبع. . . . . . .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #26  
قديم 08-10-2019, 07:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,678
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

- مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

جهاد الترباني

(28) أسد الصحراء (عمر المختار)




الحكاية تبدأ في خيمة لإحدى القبائل البدوية التي يرجع نسبها إلى قبيلة قريش العدنانية، هناك قرر رجلٌ يدعى (المختار بن عمر) أن يصطحب زوجته (عائشة بنت محارب) لكي يحجّا معًا بيت اللَّه الحرام، ليتوفى المختار في طريقه إلى مكة تاركًا وراءه طفلًا يتيمًا اسمه عمر، ليتربى هذا الطفل في البيئة الصحراوية البدوية التي خرَّجت فرسان الصحابة من قبل، ليصبح عمر المختار فارسًا لا يشق له غبار.

وفي نهايات القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين انتقل عمر المختار إلى قلب أفريقيا ليجاهد مع إخوانه من مسلمي "تشاد" ضد الغزاة الفرنسيين، ليلقن فيها المختار جنرالات فرنسا دروسًا في فنون القتال العربي الأصيل، قبل أن يلقنهم ما تعلمه من دروس الكفاح المسلح الإسلامي ضد الغزاة! عندها ذاع صيت المختار في أرجاء إفريقيا، فانتقل بين القبائل الإفريقية ينشر الإسلام فيها، قبل أن يفرغ نفسه لكي يصبح معلمًا!

وفي يوم 29 سبتمبر من عام 1911 م أرسلت إيطاليا بارجاتها البحرية لاحتلال ليبيا، ليعود المختار من جديد إلى الجهاد المسلح، ولكن هذه المرة ضد الغزاة الطليان، فقام عمر المختار بتنظيم صفوف المجاهدين، وشن الغارات تلو الغارات ضد صفوف الغزاة، عندها تساءل عندها الطليان عن هوية ذلك الشبح المرعب الذي يباغت جنودهم من حينٍ إلى آخر، وبدأ اسم المختار يُتداول في صحف روما، فتغيرت أربع حكومات في إيطاليا نتيجة لهزائم الجيوش الإيطالية المتعاقبة على يد المختار ومن معه من المجاهدين الليبيين، فتحول عمر المختار إلى كابوسٍ يقض مضاجع الإيطاليين،

حتى أخذ (موسوليني) على عاتقه مهمة إنهاء أسطورة المختار التي باتت انتصاراته المتتابعة تسبب الإحراج لسمعة إيطاليا في أوروبا، فقرر زعيم الفاشية أن يلقي بورقته الأخيرة، فأرسل إلى ليبيا مجرم حربٍ يدعى (غرتسياني)، فقام هذا المجرم بتنفيذ خطة إفناء وإبادة لم يسبق لها مثيل في التاريخ، فكان أول شيءٍ قام به هذا الفاشي المجرم هو بناء أطول جدار سلكي شائك في العالم على الحدود الليبية المصرية، لتنقطع بذلك الإمدادات المصرية إلى المجاهدين في ليبيا، ثم قام مجرم الحرب هذا بإنشاء أكبر معسكر اعتقال في التاريخ، فسجن فيه ما يقرب من نصف عدد الشعب الليبي المسلم، فوضع ثمانين ألف ليبي وليبية في هذا المعسكر الذي كان يتسع أصلًا لعشرة آلاف نسمة فقط، ولم يكتفِ غرتسياني بذلك فحسب، بل وضع مواشيهم وإبلهم في ذلك المعسكر الضيق، فأصبح الناس وكأنهم في يوم الحشر، فمات الليبيون موتًا بطيئًا في محرقة حقيقية يأن لها التاريخ ويندى لها الجبين، ولم يبق من الـ 80 ألف ليبي إلّا 15 ألفًا في حالة يرثى لها من المرض والضعف، قبل أن يقوم غرتسياني بإلقاء نصف طن من القنابل على المسلمين المدنيين في مدينة "الكفرة" الليبية والتي قام فيها دعاة الحرية باغتصاب الفتيات المسلمات بالتناوب بينهم، أما كبار السن من الشيوخ والنساء المدنيين فقد كانوا يُقتادون على متن الطائرات مغلولي الأيدي والأرجل، قبل أن يقوم الطليان بإسقاطهم تباعًا من فوق الطائرات وهم يضحكون قائلين: لا تنسوا أن تطلبوا من نبيكم البدوي محمد أن يبعث لكم بالنجدة! ليتم رمي المسلمين من ارتفاع 400 متر على الصخور الصماء لتتفجر رؤوسهم أمام أعين أطفالهم، لكي يزرع الفاشيون فيهم الرعب والخوف، قبل أن يخطف دعاة حقوق الإنسان الأطفال من بين أحضان أمهاتهم، لإرسالهم إلى الفاتيكان لكي يعمِّدونهم هناك، ليصبح أولئك الأطفال الأبرياء نصاري، قبل أن يرسلهم الصليبيون مرة أخرى إلى ليبيا ليقتلوا آباءهم بأيديهم!

ونبقى الآن مع أحد الجنود الإيطاليين الشرفاء يذكر لنا في مذكراته صورًا للإرهاب الإيطالي الذي كان يراه بأم عينه: "وفي يومٍ من الأيام قام بعض الجنود بحرق حيٍ كاملٍ قرب بنك روما في مدينة طرابلس، فذهبت هناك لأجد أمامي الجثث الليبية المحترقة،
هناك وجدت شيخا ليبيًا ما زال على قيد الحياة بالرغم من أن النيران قد نالت من جسمه ما نالت، فلما رآني ذلك الشيخ، مد يده باتجاهي يطلب المساعدة مني، فوجدت راهبًا مسيحيًا يعمل في المستشفى العسكري الإيطالي، فطلبت منه المساعدة لحمل ذلك الليبي إلى المستشفى، فنظر إلى الراهب الكاثوليكي بابتسامة ساخرة وهو يقول لي: لا تقلق كثيرًا على هذا البدوي، سوف أهتم أنا بأمره، اذهب أنت إلى المركز وأبلغ القيادة بأن المهمة تمت بنجاح! فانطلقت إلى المركز لكي أوصل رسالة الكاهن الكاثوليكي وعيناي تراقبان ذلك الليبي الجريح وهو ما يزال رافعًا يده باتجاهي أنا بالذات طالبًا المساعدة، إلا أنني تركته لتنفيذ ذلك الأمر العسكري الذي تلقيته للتو، بعد أن تأكدت أن ذلك الكاهن المسيحي الطيب سوف يقوم بما يلزم لعلاجه.

وفعلًا قمت بتنفيذ الأمر العسكري، ثم ذهبت لكي أبيت تلك الليلة في المعسكر الرئيسي للقوات الإيطالية في طرابلس، ولكنني لم أستطع النوم مطلقًا! فلقد كانت صورة ذلك الشيخ الليبي تطاردني كلما أغمضت عيني للنوم، فمنظر يده المرفوعة باتجاهي طالبًا النجدة كان يلاحقني في كل مكان، فقررت حينها أن أذهب بنفسي إلى الحي المحترق في منتصف الليل لأطمئنَّ على ذلك الشيخ، وعندما وصلت هناك كدت أن أفقد عقلي! فلقد وجدت جثة ذلك العربي وقد تفحمت، ويده المتفحمة ما زالت مرفوعةُ كما تركتها، فأجهشت في البكاء بشكل هستيري، وقررت أن أرجع إلى المعسكر لأطلق النار على ذلك الكاهن الكاثوليكي المجرم، ثم أطلق النار على رأسي لأرتاح من عذاب ما أراه من فظائع يومية، إلَا أنني حين أمسكت بالمسدس بيدي تذكرت يد ذلك الليبي المسكين، فقررت أن أنقل جرائم الجيش الفاشي للعالم بأسره، فهربت من الجيش لأفضح أولئك المجرمين في الصحافة! ".

الحقيقة أن المرء يشعر بحالةٍ من الغثيان وهو يقرأ مثل هذه القصص المرعبة، ولقد كان لدي فيما وجدته من مراجع ومعلومات الكثير من صور الإرهاب البشع، إلّا أنني آثرت أن أتوقف عن ذكر المزيد منها، لكي لا يصاب القارئ بحالة من الغثيان كتلك التي انتابتني وأنا أكتب هذه الأسطر، ولكي أترك للقارئ قليلًا من الدموع التي قد تلزمه في نهاية هذا الكتاب عندما نأتي على ذكر فظائع محاكم التفتيش الرهيبة!

أما عمر المختار. . . . فقد كان في هذه الأثناء يتنقل مع بقية المجاهدين في صحراء ليبيا الحارقة ينصب فيها الكمائن للجنود الإيطاليين، ليحول ليبيا إلى كتلة من نار تحرق معسكرات إيطاليا الفاشية، موزعًا وقته بين الجهاد وقيام الليل، فكان المختار يختم القرآن مرةً كل أسبوع في نفس أيام القتال، وينام ساعتين أو ثلاث ساعاتٍ على الأكثر، حتى جاء ذلك اليوم الذي باغته فيه كمين إيطالي، ليصاب فيه فرسه، فيسقط عمر المختار على رمال الصحراء، عندها أخذ هذا الشيخ الكبير يزحف على بطنه فوق رمال الصحراء الملتهبة، ليعتقله مرتزقة الطليان، ليسرع غرتسياني ليقابل أسد الصحراء المرعب، الذي لطالما سمع عنه الأساطير، وأترككم هذه المرة مع غرتسياني نفسه يصف تلك المقابلة في كتابه "برقة المهدأة":


"وعندما حضر المختار أمام مكتبي كانت يداه مكبلتين بالسلاسل، وبالإجمال يخيل لي أن الذي يقف أمامي رجل ليس كالرجال العاديين، له منظره وهيبته، رغم أنه كان يشعر بمرارة الأسر، ها هو واقف أمام مكتبي أسأله ويجيب بصوت هادئ وواضح: فسألته قائلًا: لماذا حاربت بشدة متواصلة الحكومة الفاشستية؟ (فأجاب الشيخ): من أجل ديني ووطني! فقلت: ما الذي كان في اعتقادك الوصول إليه؟ فأجاب الشيخ: لا شيء إلا طردكم، لأنكم مغتصبون، أما الخرب فهي فرض علينا وما النصر إلا من عند اللَّه. فسألته: لما لك من نفوذ وجاه، في كم يوم يمكنك إن تأمر الثوار البدو بأن يسلموا أسلحتهم؟
يضيف غرتسياني: ما أن سألت المختار هذا السؤال حتى نظر إلي بنظرة أرعبتني وقال لي بثقة غريمة:
"إننا لا نستسلم أبدًا. . . . نموت أو ننتصر"


ويستطرد غرتسياني حديثه "وعندما وقف ليتهيأ للانصراف كان جبينه وضاءً كأن هالة من نور تحيط به فارتعش قلبي من جلالة الموقف! أنا الجنرال الذي خاض معارك الحروب العالمية والصحراوية ولقبت بأسد الصحراء! ورغم هذا فقد كانت شفتاي ترتعشان ولم أستطع أن أنطق بحرف واحد أمام هذا الرجل! فانهيت المقابلة وأمرت بإرجاعه إلى السجن لتقديمه إلى المحاكمة في المساء".

وتمت محاكمة المختار فعلًا بمحكمةٍ قررت مسبقًا إعدامه، وفي عام 1931 م تم إعدام هذا الشيخ الذي جاوز الخامسة والسبعين من عمره، واستشهد عمر المختار رحمه اللَّه أمام أنظار شعبه، ولكنه كان قد زرع روح الجهاد في قلوب الليبيين قبل رحيله كما زرعها ابن باديس في قلوب الجزائريين قبل رحيله أيضًا، على الرغم من أن أيًا منهما لم يرَ استقلال بلاده الذي جاء نتيجة لجهاده، فرحمك اللَّه يا أسد الصحراء، يا شيخ المجاهدين، يا سيدي عمر المختار!



عمر. . . . اسمٌ ارتبط ذكراه في وجدان كل مسلم باسم ثاني أعظم رجل في أمة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، هذا الاسم يعشقه المسلمون عشقًا. . . . فهو الاسم الذي ألهم الشعراء وأنصف الفقراء!
إيه يا ابن الخطاب!. . . . . . . ها قد وصلنا إلى ذكرك أيها الفاروق!
يتبع. . . . . . . .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #27  
قديم 08-10-2019, 07:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,678
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

- مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

جهاد الترباني
(29) عمر بن الخطاب




" كاسر ضلع كسرى" (عمر بن الخطاب)
{لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ}
(اللَّه)
فكرت مَليًا وأنا أتأمل هذا الاسم العملاق، ماذا عساني اكتب عن هذا المارد الإسلامي؟!
فتذكرت صنيع عمر بن الخطاب نفسه في أول يومٍ أسلم فيه. . . . حينها قام عمر بعملٍ عجيب يرويه هو لنا بنفسه قائلًا: "لمّا أسلمتُ تلك الليلة تذكرت أي أهل مكة أشد لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عداوة حتى آتيه فأخبره أني قد أسلمت، قلت: أبو جهل! فأقبلت حين أصبحت، حتى ضربت عليه بابه، فخرج إلي أبو جهل فقال: مرحبا وأهلا يا ابن أختي، ما جاء بك؟ فقلت: جئت لأخبرك أني قد آمنت باللَّه وبرسوله محمد وصدقت بما جاء به! فضرب الباب في وجهي".
فكان القرار: لن أكتب شيئًا عن حياة عمر بن الخطاب في هذا الكتاب!!!


بل سيكون عمر بن الخطاب هو الوحيد من بين العظماء المائة الذي سوف أفرد له صفحة واحدة فقط! سأكتفي فيها فقط بذكر اسمه! فذكر اسم عمر بن الخطاب يكفي لكي نزلزل به كيان كل كافرٍ ومنافق! فسل أكاسرة فارس من دمر إمبراطوريتكم؟ وسل حكام إيران الحاليين لماذا تحتفلون بيوم مقتله؟ ولماذا تعتبرونه عيدًا رسميًا لدولتكم؟ سلهم لماذا يبنون ضريحًا لقاتله أبي لؤلؤة؟ سلهم من الذي جعل (يزدجرد) طريدًا كالكلب التائه في فيافي آسيا؟ لا أعتقد وقتها أنك ستسمع إجابة منهم، ولكن الشيء الذي أنا متأكد منه، أنك سترى وجوهًا وقد اسودَّت من الغيظ، حينها تذكر قول اللَّه عز وجل: {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ}!



وإذا كان أصغر طفلٍ مسلمٍ في أقاصي جزر الفلبين يعرف قصص الفاروق الرائعة في الزهد والبطولة، فمن منّا يعرف قصة عمِّ الفاروق الذي سيبعث يوم القيامة كأمة وحده بين محمد وعيسى؟
يتبع. . . . . .
_____________________
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #28  
قديم 08-10-2019, 07:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,678
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

- مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

جهاد الترباني

(30) " عملاق التوحيد" (زيد بن عمرو)





قصة بطلنا الحالي تعود إلى العصر الجاهلي، وقتها كانت العرب تتخذ من الأصنام شركاءً للَّه، فصنع بعض العرب آلهتهم من الحجر، وصنعها آخرون من الخشب، ووصل الأمر ببعضهم إلى عبادة آلهةٍ مصنوعةٍ من التمر كانوا يأكلونها في وقت الجوع!
ومن بين ركام هذا الوضع الكئيب خرج رجلٌ من قبيلة قريش يقال له (زيد بن عمرو بن نفيل)، هذا الرجل نظر في حال العرب وما يعبدون من أوثان، فلم تستسغ فطرته السليمة هذا الأمر، فتوصل هذا العربي البدوي إلى نظريةٍ علميةٍ لم يتمكن فلاسفة الفرس أو علماء الإغريق من التوصل إليها، هذه النظرية العلمية التي وضعها هذا العبقري العربي من فوق رمال صحراء الجزيرة تسمى بـ "نظرية الشاة لإثبات توحيد اللَّه" وتتلخص هذه النظرية في كلمات بسيطة وجَّهها زيد بن عمرو إلى قومه قائلًا:
"الشاة خلقها اللَّه، وأنزل لها من السماء الماء، وأنبت لها من الأرض الكلأ، ثم تذبحونها على غير اسم اللَّه؟!"
بالرغم من بساطة هذه النظرية التي توصل إليها هذا العربي من خلال استخدام عقله فقط لتحليل عنصرٍ بسيطٍ من عناصر بيئته البدوية البسيطة، أرى أن هذه النظرية تفوق في أهميتها العلمية التجريبية كل ما كان (أفلاطون) و (أرسطو) و (سقراط) قد توصلوا إليه من نظريات تفسر سر "الوجود الإنساني"، ونحن هنا لا نتحدث عن نبي يوحى إليه بحقيقة الوحدانية، بل نتحدث عن رجلٍ عادي استخدم أهم نعمةٍ للإنسان -العقل- لاستنباط حقيقة الوجود التي شغلت البشر في كل العصور، وما زالت!


ولكي نفهم معنى التوحيد الذي توصل إليه بطلنا يجب علينا أن نطلب من بساط التاريخ أن يسافر بنا إلى أعماق الماضي في صحراء العرب، في ذلك الزمان أتى رجلٌ من "بلاد الرافدين"، وبالتحديد من مدينة "أوردا السومرية يقال له (إبراهيم بن آزر)، فدعى إبراهيم الناس إلى توحيد اللَّه، ليصبح العرب بعد ذلك موحدين، فسُمّي من كانوا على دين إبراهيم بـ "الحنيفيين"، ولكن مع مرور السنين ذهب رجلٌ من قبيلة خزاعة اسمه (عمرو بن لحي الخزاعي) في تجارة للشام، فرأى هناك أناسًا يسجدون للأصنام، فلما أنكر عليهم عبادتهم للأصنام من دون اللَّه قالوا له: إننا لا نعبد الأصنام كحجارةٍ وإنما نتقرب إلى اللَّه بأرواح الأولياء والصالحين التي تسكن بداخل هذه الأصنام، فراق لعمرو هذا التفسير، وطلب منهم أن يعطوه صنمًا، فأعطوه صنمًا يسمونه (هُبل)، فأخذه لقومه ونشر عبادة الأصنام بين العرب.


ولنا وقفة بسيطة هنا. . . . كما نرى من هذه القصة أن العرب كانوا يعرفون أن اللَّه هو الخالق، ولكن مشكلتهم كانت تتمثل في كونهم كانوا يتقربون إلى اللَّه بتلك الأصنام! وإذا كنت تستهجن على العرب القدامى عبادتهم للأصنام، فاسأل نفسك أسئلة تعرف أنت وحدك إجابتها: هل تتقرب إلى اللَّه بقبور الأولياء الصالحين كما تقرب العرب إلى اللَّه بالأوثان؟ هل تدعو (السيد البدوي) لكي يزوج لك ابنتك؟ هل تستغيث بـ (المرسي) لكي يفرج عنك الكرب؟ هل تطلب المدد من رسول اللَّه؟ هل تقول (واللَّه) أم تقول (والنبي) عند حلفانك؟!


المهم أن زيد بن عمرو أنكر على العرب عبادتهم للأصنام، وأنكر عليهم أيضًا عادة وأد البنات، فكان رحمه اللَّه يذهب إلى الرجل الذي يريد وأد ابنته فيقول له: لا تقتلها واتركها تعيش وأنا أكفيك مؤونتها! ثم بعد ذلك قرر زيد بن عمرو الرحيل إلى الشام لكي يفتش عن دين التوحيد الذي توصل إليه بعقله، وفي الشام لم يقتنع بدين اليهود، ولم يقتنع بدين النصارى أيضًا، ولكن عالمًا من اليهود وآخر من النصارى أخبراه أن دين التوحيد الذي ينشده هو دين إبراهيم الحنيف الذي لم يكن يعبد إلا اللَّه، عندها رفع زيد يديه إلى السماء وقال مناجيًا ربه: اللهم إني أشهدك أني على دين إبراهيم.

ثم رجع زيد إلى مكة، فأسند ظهره إلى الكعبة وصاح في الناس: "يا معشر قريش! واللَّه ما منكم على دين إبراهيم غيري" ثم وقف هذا العملاق الإسلامي حائرًا لا يعرف كيف يصلي للَّه، فأخذ يبكي من الحيرة وهو يقول: "اللهم إني لو أعلم أحب الوجوه إليك عبدتك به ولكني لا أعلم" فيخر ساجدًا أمام الكعبة!

وفي يومٍ من الأيام وبينما زيد بن عمرو في بلاد الشام المباركة، جاءه راهب نصراني علم بقصته، فأخبره أن نبيًا سوف يبعث قريبًا من بلاد العرب من ولد (إسماعيل ابن إبراهيم)، فرجع زيد إلى مكة يريد ذلك النبي، العجيب أن زيدًا كان يقابل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قبل البعثة ويخبره بأمره وما هو عليه من دين إبراهيم، ويروي العالم الفلسطيني الجليل الحافظ (ابن حجر العسقلاني) في كتابه الرائع "فتح الباري في شرح صحيح البخاري" روايةً عجيبةً يرويها (عامر بن ربيعة) يقول فيها: "قال لي زيد بن عمرو: إني خالفت قومي، واتبعت ملة إبراهيم وإسماعيل وما كانا يعبدان، وكانا يصليان إلى هذه القبلة، وأنا أنتظر نبيا من بني إسماعيل يبعث، ولا أراني أدركه، وأنا أومن به وأصدقه وأشهد أنه نبي، وإن طالت بك حياة فأقره مني السلام! قال عامر: فلما أسلمت أعلمت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بخبره قال: فرد عليه السلام وترَّحم عليه، وقال عليه الصلاة والسلام: «ولقد رأيته في الجنة يسحب ذيولا».

ثم خرج زيد بن عمرو إلى الشام مرة أخرى، فوجده أحد الرهبان النصارى وأخبره بأن نبي آخر الزمان الذي ينتظره قد ظهر بالفعل، فلم يصدق زيد ابن عمرو نفسه من شدة الفرح، فأسرع نحو مكة يريد ذلك النبي الذي عاش طيلة حياته يتمنى رؤيته وهو لا يعلم أنه هو نفسه محمد بن عبد اللَّه، ذلك الشاب الذي كان يقابله في شوارع مكة! وبينما زيد في طريقه إلى مكة فرحًا مسرورًا، حدثت المأساة!
فقد هجم عليه مجموعة من قطاع الطرق فقتلوه، فسالت الدماء منه كالشلال المتدفق، فلمّا أدرك أنه أصيب في مقتل، نظر عملاق التوحيد زيد بن عمرو بن نفيل إلى السماء وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، فدعى ربه دعاءً عجيبًا ما سمعت الأرض مثله من قبل، هذا الدعاء كان له أكبر الأثر في ميلاد عظيمٍ من أهم عشرة عظماء في تاريخ أمة محمد بن عبد اللَّه!
فما هو سر ذلك الدعاء العجيب؟ ومن هم أولئك العشرة الذين يُعتبرون أعظم عشرة رجال في تاريخ الإنسانية جمعاء بعد الأنبياء؟ وما هي حكاية ذلك الصحابي البطل الذي كان قائد فرسان المسلمين في معركة "أجنادين" المجيدة؟
يتبع. . . . . .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #29  
قديم 08-10-2019, 07:23 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,678
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

- مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

جهاد الترباني


(31) قائد سلاح الفرسان الإسلامي" (سعيد بن يزيد)




ما عرفت إنسانًا عاديًا في تاريخ الدنيا نفع ابنًا له بدعاءٍ بمثل ما نفع به زيد بن عمرو ابنه سعيدًا! فأن يدعو لك أبوك ربَّه في أمر من أمور الدنيا أو الآخرة فهذا شيءٌ جميل، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: إن كان ذلك الأب يمتلك في رصيده الإيماني ما يؤهله لكي يكون مستجابَ الدعوة كزيد بن عمرو! عندها يُطرح سؤالٌ آخر: ما هو الشيء الذي تعتقد أنه سيشغل تفكيرك وأنت على فراش الموت لكي توصي به أولادك وتدعو به ربك؟ لا شك أن الشيء الذي سيدور في ذهنك وأنت تموت هو نفس الشيء الذي كان يدور في ذهنك وأنت تعيش!
فإن كنت قد عشت حياتك في جمع المال وكنزه، فلا شك أنك ستفكر بتلك الدراهم التي جمعتها طيلة حياتك، وكيف أن أولادك سينفقونها في ملذاتهم بعد دفنك أنت تحت التراب! وإن كنت مغرمًا في حياتك بالفن السابع ومشاهدة المسلسلات على الشاشة الصغيرة، فإنك حتمًا ستتذكر وقتَ موتك بطلة مسلسلك الجميلة وهي تودع حبيبها في الحلقة الأخيرة!

أما في حالة زيد بن عمرو بن نفيل رحمه اللَّه فقد كان الوضع مختلفًا تمامًا! فقد كان ما يشغل كيان هذا الرجل في حياته هو البحث عن توحيد اللَّه، لذلك رفع زيد يده إلى السماء والدماء تسيل منه داعيًا ربه:
"اللهم إن كُنتَ حرمتَني من هذا الخير فلا تحرم منه ابني سعيدًا"
وفعلًا، استجاب اللَّه لدعائه، فلم يُسلم سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل فحسب، بل كان سعيدٌ سعيدًا بأن جعله اللَّه أحد أسعدِ عشرة سعداءٍ في تاريخ أمة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-! ولك أن تعلم أن أولئك العشرة هم أفضل بني البشر بعد الأنبياء مباشرة! هل علمت الآن ما صنعه دعاء زيدٍ الأب لسعيدٍ الابن؟


ولكن سعيدًا لم يكتفِ بكونه ابن عملاق التوحيد في الجاهلية زيد بن عمرو ابن نفيل، ولم يكتفِ بكونه من بين عشرة رجالٍ فيهم أبو بكر وابن عمه الخطاب وذو النورين عثمان بن عفان والبطل علي بن أبي طالب وطلحة الخير وابن عمة رسول اللَّه الزبير بن العوام وأمين هذه الأمة أبو عبيدة عامر بن الجراح وخال رسول اللَّه سعد بن وقاص والبطل الإسلامي عبد الرحمن بن عوف، بل اختار رضي اللَّه عنه وأرضاه أن يكون أحد أبطال هذه الأمة الذين فتح اللَّه عز وجل عليهم ممالك الأرض وخزائنها، فكان سعيد بن زيد قائد سلاح الفرسان في معركة "أجنادين" الباسلة، أمّا في "اليرموك" فقد كان هذا البطل من بين البدريين المائة الذين فتح اللَّه عليهم بلاد الشام، ولنبقى قليلًا مع سعيد بن زيد رضي اللَّه عنه وأرضاه ليصف لنا يوم اليرموك والجيش الرومي بنفسه:


"سار الروم أمامهم الأساقفة والبطاركة والقسيسون يحملون الصلبان وهم يجهرون بالصلوات فيرددها الجيش من ورائهم وله هزيم كهزيم الرعد، فلما رآهم المسلمون على حالهم هذه هالتهم كثرتهم وخالط قلوبهم شيء من خوفهم، عندها قام أبو عبيدة بن الجراح يصيح بأعلى صوته بالمسلمين: يا عباد اللَّه. . . . إن تنصروا اللَّه ينصركم ويثبت أقدامكم، اصبروا عباد اللَّه، فإن الصبر منجاة من الكفر، ولا تتكلموا إلا بذكر اللَّه عز وجل، وارفعوا الرماح، وتترسوا بالدروع، حتى آمركم إن شاء اللَّه تعالى، عند ذلك خرج جندي من صفوف المسلمين وقال لأبي عبيدة: يا أبا عبيدة. . . . يا أبا عبيدة. . . . . إني قد أزمعت على الشهادة، فهل لك من رسالة تبعث بها إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ فبكى أبو عبيدة عند سماعه ذلك وقال له والدموع تبلل لحيته: نعم. إذا لقيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فأقرئه مني ومن المسلمين السلام، وقل له: يا رسول اللَّه. . . . .
جزاك اللَّه عنا كل خير، إنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقًّا


يقول سعيد بن زيد: فما إن سمعت كلامه ورأيته يمتشق حسامه ويمضي إلى لقاء أعداء اللَّه حتى قفزت من على فرسي، واقتحمت إلى الأرض، وجثوت على ركبتي، وأشرعت رمحي، وطعنت أول فارس أقبل علينا فقتلته، ثم وثبت على العدو وقد انتزع اللَّه كل ما في قلبي من الخوف، فثار الناس في وجوه الروم، وما زالوا يقاتلونهم حتى كتب اللَّه للمؤمنين النصر".


واللَّه إن الإنسان لتأخذه الرعدة وهو يستمع لمثل هذه الحكايات عن أولئك الأبطال الذين ما عرف تاريخ البشر زجالًا مثلهم أبدأ، فلقد انتصرت كتائب النور الإسلامية بفضل رجالٍ من أمثال سعيد بن زيد بن عمرو رضي اللَّه عنه وعن أبيه على إمبراطورية الروم الجبارة في كل المعارك التي خاضوها ضدهم، فجزى اللَّه سعيدًا كل خير عن المسلمين عامة وعن أهل "دمشق" خاصةُ، هذه المدينة الإسلامية العظيمة التي كان هو أول أمير إسلامي لها في تاريخها، قبل أن يعتذر هذا المجاهد العظيم لأبي عبيدة عن الإمارة، بعد أن اشتاق للجهاد مرة أخرى، ليترك هذا البطل بن البطل كرسي الإمارة ليتحول إلى جنديٍ بسيط في جيش المجاهدين العرب المسلمين، ليعلن للدنيا بان كتائب النور الإسلامية جاءت لتحرير بني الإنسان!


وإن كنا قد تحدثنا عن عمِّ وابن عمِّ عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنهم أجمعين، فقد جاء الوقت لكي نذكر أخًا للفاروق ذا حظٍ عظيم بين عظماء أمة الإسلام المائة، فمن يا ترى يكون ابن الخطاب الذي لم يكن عمرًا؟ وما هي حكاية عمليته الفدائية في "حديقة الموت" يوم "اليمامة"؟ ولماذا كان المارد العملاق عمر ابن الخطاب يجهش في البكاء كالطفل كلما تذكره؟ وكيف قتل هذا العملاقُ الإسلامي العظيم خائنًا كان أشد خطرًا على الإسلام من (مسيلمة الكذاب) نفسه؟ وما هي حكاية حروب الردة؟ وهل ارتدت العرب فقط من أجل رفضهم دفع الأموال كما تعلمنا في مدارسنا؟!
يتبع. . . . . .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #30  
قديم 16-10-2019, 05:51 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,678
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

- مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

جهاد الترباني

(32) "صقر اليمامة" (زيد بن الخطاب)



ما أروعها من كلمات هذه التي تخترق الصدر لتسكن سؤدد القلب!
كلمات خرجت من وجدان عملاقٍ اسمه عمر بن الخطاب، لتحوله إلى طفل صغير يجهش في البكاء طلبًا لحنان أخيه الكبير! كلمات يتذكر المرء فيها لأول مرة أن هذا المارد الضخم الذي دكَّ حصون كسرى وقيصر كان طفلًا في يومٍ من الأيام! نعم. . . . حتى عمر بن الخطاب كان طفلًا يومًا ما!! ولعل ذلك الطفل بقي حيًا أسيرًا بين ضلوعه لا يجد مكانًا له في حياة هذا العملاق، إلّا في هذه اللحظة الذي يتذكر فيها أخاه الكبير! عندها يخرج هذا الطفل من بين ضلوعه وينادي بأعلى صوته بكلمات اختلطت فيها دموع عينه بحشرجات صدره: "أين أنت يا زيد؟ أين أنت يا أخي؟ ".


وواللَّه إن المرء ليستشعر من بين أحرف تلك الكلمات البليغة أيامَ الصبا التي تحدث عنها عمر، وياللعجب! فما كنت أتخيل يومًا أنني عندما أرسم صورة في مخيلتي للمارد عمر بن الخطاب فإنني سأراه فيها طفلًا صغيرًا! ولعمري إني لأرى عمرًا وهو طفلٌ صغيرٌ يسابق أخاه زيدًا الخطى في مراعي مكة وشمس الأصيل تتهادى عليهما في الأفق، حينها كان الأخ الكبير زيدٌ يبطئ من سرعته لكي يتسنى لأخيه الصغير عمر أن يسبقه، ولعلك كنت تعلم وقتها يا عمر بحيلة أخيك تلك، كنت تعلم يا عمر في قرارة نفسك أنه كان يسبقك دائمًا، ولكنك لم تكن تعلم حينها بأنه سيسبقك إلى الإسلام، وسيسبقك إلى الشهادة!


أعلم أن المفترض لهذا الكتاب التاريخي أن يبتعد عن العاطفة في سرده للوقائع التاريخية، وأنه يتوجب على كاتبه أن يعتمد في كتابته على الحقائق التاريخية المجردة من أي شكلٍ من أشكال العواطف الإنسانية، إلا أن عظيمنا الإسلامي الذي نحن في صدد الحديث عنه ليس رجلًا كباقي الرجال، بل هو نوعٌ خاصٌ من البشر الذين لا يمكن لك أن تفصل ذكر العاطفة عنهم أبدًا، كيف لا وعمر بن الخطاب نفسه تمنى أن لو كان بمقدوره نظم الشعر لكي يرثيه به! والحق أقول أنني كنت استغرب في البداية عن سر ضعف الفاروق كلمّا جاء ذكر أخيه زيد، وربما اعتقدت حينها أنها مجرد عاطفةٍ أخ لأخيه، وهذا جزء من الحقيقة لا أنكره، ولكنني عندما قرأت ترجمة هذا الإنسان العظيم فهمت سر ضعف الفاروق، فنحن في صدد ذكر بطل نادرٍ من أبطال أمة الإسلام. . . . . إنه الفدائي البطل زيد بن الخطاب رضي اللَّه عنه وأرضاه.


البداية كانت في بيت الخطاب بن نفيل بن عمرو، في هذا البيت نشأ زيد مع أخيه عمر تنشأة عربية صلبة، ليشاء اللَّه أن يسلم زيد قبل أخيه عمر، وفي معركة أحُد رأى عمر أن درع أخيه الكبير زيد قد سقطت منه وهو يقتحم صفوف المشركين اقتحام الأسود، فخاف عليه من أسنة الرماح، فخلع درعه من على صدره وصاح بأخيه: # يا زيد. . . . يا أخي. . . . خذ درعي فقاتل بها" فنظر إليه أخوه الكبير وهو يبتسم وقال له: "اني أريد من الشهادة مثل ما تريد يا عمر" عندها رمى عمر الدرع على الأرض وصار الاثنان يقاتلان الأعداء من دون أي دروع تحمي صدورهم!
وبعد أن مات رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ارتدت كثيرٌ من القبائل العربية التي لم تكن متعودةً على الوحدة، واعتبرت أن مشروع الوحدة قد انتهى بانتهاء حياة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، فمنهم من ادعى النبوة، ومنهم من أراد تقليل عدد الصلوات، ومنهم من رفض دفع الزكاة، فقام الصدِّيق بإرسال الجيوش تلو الجيوش إلى أصقاع الجزيرة العربية لمحاربة جيوش المرتدين.
وهنا لنا وقفة قصيرة مع حروب الردة. . . . . فهل كانت هذه الحروب من أجل أموال الزكاة أو كما يصورها بعض المستشرقين وأتباعهم من المنافقين من أجل الضريبة المالية؟
الحقيقة أن الإسلام أصبح بعد وفاة النبي على مفترق طرق، فإما أن يرضى المسلمون بإسقاط ركن من أركان الإسلام، فيكون مقدمة للمساومة التي ستسقط فيما بعد أركان الصلاة والحج والصوم بل وحتى الشهادتين، وإمّا مقاتلة أولئك المرتدين، أما العامل الاقتصادي فلم يكن أبدًا في الحسبان، بل لقد مات أغلب الصحابة وهم فقراء، وإنما ركز المستشرقون على السبب الاقتصادي بالتحديد لكي يشوِّهوا صورة الإسلام ويصورونه على أنه دينٌ مادي بحت!


وإذا جاء ذكر المرتدين جاء ذكر عدو اللَّه (مسيلمة الكذاب)، فلقد ظهر جنون هذا الرجل مبكرًا حتى قبل وفاة الرسول محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقد بعث هذا الأبله الكذاب رسالة إلى رسول اللَّه يقول فيها: "من مسيلمة رسول اللَّه إلى محمد رسول اللَّه، إني قد أُشركت في الأمر معك، فلنا نصف الأرض، ولكم نصف الأرض، أو تجعل لي الأمر من بعدك، ولكني أعلم أن قريشًا قوم لا يعدلون". فرد عليه أفصح إنسانٍ عرفته البشرية برسالةٍ قصيرةٍ يقول فيها:
«مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ، السَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ»
فادعى مسيلمة الكذاب النبوة وتبعه نفر من قومه، ولكن الغالبية من أهل اليمامة لم تصدقه، حتى حدث أمر خطير غيَّر من موازين القوى، فلقد ظهرت شخصية خطيرة، هي شخصية المجرم (الرجَّال بن عنفوة)! والحكاية تبدأ عندما ذهب الرجَّال ذات يوم الى الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- مبايعًا ومسلمًا، فلما تلقّى منه الاسلام عاد الى قومه، ولم يرجع الى المدينة الا إثر وفاة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- واختيار الصدّيق خليفة على المسملين، فنقل إلى أبي بكر أخبار أهل اليمامة والتفافهم حول مسيلمة، واقترح على الصديق أن يكون مبعوثه اليهم ليثبّتهم على الإسلام، فأذن له الخليفة، فتوجّه الرّجّال الى أهل اليمامة بتفويضٍ شخصي من الخليفة الإسلامي، فحدّثته نفسه الغادرة أن يحتجز له مكانا في دولة الكذّاب التي ظنّها مقبلة، وانتظر أهل اليمامة ما ستسفر عنه المفاوضات بين الرجّال رسول أبي بكر من جهة ومسيلمة الكذاب من جهة أخرى، فخرج الرجّال على أهل اليمامة وجمع الناس له ثم سار بين الناس يقول لهم إنه سمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: أنه أشرك مسيلمة بن حبيب في الأمر! وما دام الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- قد مات، فأحق الناس بحمل راية النبوّة والوحي بعده، هو مسيلمة! فارتد جُل أهل اليمامة بسبب هذا المجرم، وتم قتل من بقي من المسلمين على دينه، فكان خطر الرّجّال على الاسلام أشدّ من خطر مسيلمة ذاته، ذلك لأنه استغلّ إسلامه السابق، والفترة التي عاشها بالمدينة أيام الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، وحفظه لآيات من القرآن، وسفارته لأبي بكر خليفة المسلمين، فزادت بذلك أعين الملتفين حول مسيلمة زيادة طافحة بسبب أكاذيب الرّجّال هذا.

وكانت أنباء هذا الأفّاق المجرم تبلغ المدينة، فيتحرّق المسلمون غيظا من هذا المرتدّ الذي أضلَّ الناس ضلالًا بعيدًا، وكان أكثر المسلمين تغيّظا وتحرّقا للقاء الرّجّال بطل قصتنا الصحابي الجليل زيد بن الخطّاب رضي اللَّه عنه وأرضاه، فكلفه أبو بكر الصديق إمارة الجيش المتوجه إلى اليمامة، فاعتذر زيد رضي اللَّه عنه وأرضاه عن قبول الإمارة، وقال لأبي بكر أن الأمير لا ينبغي له أن يُقتل، وهذا شيءٌ لا يريده، فهو يريد الشهادة! وفعلًا توجه البطل زيد بن الخطاب رضي اللَّه عنه وأرضاه نحو اليمامة، وصورة ذلك المجرم الرجَّال لا تفارقه، حتى وصلت كتائب النور المحمدية إلى أعتاب اليمامة، فاتحد جيش (عكرمة بن أبي جهل) وجيش (شرحبيل بن حسنة) مع الجيش الإسلامي الموحد تحت إمرة القائد العام للقوات الإسلامية المجاهدة (خالد بن الوليد)،، فاختار المسلمون المارد الإسلامي العظيم زيد ابن الخطاب لتكون له مهمة حمل راية المسلمين.
وبدأت معركة اليمامة الأسطورية. . . . . .
وتجمع 100 ألفٍ من المرتدين أمام 21 ألف من المسلمين، واشتبك الطرفان، وقاتل المرتدون بشراسة، فكان أول من أصيب في المعركة الصحابي الجليل (أبو عقيلٍ الأنصاري) -رضي اللَّه عنه- بسهمٍ في كتفه شلَّ حركته، فوقف هذا الأنصاري البطل على قدميه ليسحب السهم من كتفه، فسالت دماؤه كشلال متفجر، فحمله (عبد اللَّه بن عمر) -رضي اللَّه عنهما- إلى خيمة العلاج مغشيًا عليه، وفي هذه الأثناء دارت رحى المعركة لصالح المرتدين، فارتفع نداءٌ من بين قعقعة السيوف: يا أنصار رسول اللَّه. . . . يا معاشر الأنصار. . . . اللَّه اللَّه. . . . والكرة على عدوكم. عندها فتح أبو عقيل عينيه وكأن زلزالًا أصابه، فتحامل على ساقيه يريد الوقوف والوصول إلى سيفه، فقال له الصحابي الجليل عبد اللَّه بن عمر: ماذا تريد يا أبا عقيل؟! فقال له أبو عقيل: ألم تسمع المنادي ينادي باسمي؟!! فقال عبد اللَّه: إنما يقول يا أهل الانصار ولا يعني الجرحى، فقال أبو عقيل: أنا من الانصار وأنا أجيبه واللَّه ولو حبْوًا! فتحزم أبو عقيل وأخذ السيف بيده اليمنى وخرج وهو ينادي بصوت كالرعد: يا أهل الانصار كرة كيوم حُنين وجعل يصيح بهم ويضرب من رأي من الكفار بسيفه، فقطعت يده المجروحة واستشهد رحمه اللَّه.

وأصبح المسلمون قاب قوسين أو أدنى من الهزيمة، عندها صاح حامل راية الإسلام زيد بن الخطاب رضي اللَّه عنه وأرضاه بالمسلمين بأعلى صوته: "أيها الناس. . . . عضوا على أضراسكم، واضربوا في عدوّكم، وامضوا قدما. . وواللَّه لا أتكلم حتى يهزمهم اللَّه، أو ألقاه سبحانه فأكلمه بحجتي" وفعلًا لم يفتح زيد فمه طيلة المعركة، بل أخذ يتلفت كالصقر يمينًا وشمالًا، باحثا عن الخائن الأعظم الرجّال بن عنفوة حتى أبصره، وهناك راح يأتيه من يمين، ومن شمال، وكلما ابتلع طوفان المعركة غريمه وأخفاه، غاص زيد وراءه حتى يدفعه الموج الى السطح من جديد، فأقدم زيدٌ عليه يسرع الخطى، فتقدم حُراسه المرتدون يحاولون صدَّ هجومه، ولم يعلم أولئك المساكين أنهم أمام ابن من أبناء الخطاب، فقام هذا المارد الخطابي بدك جماجمهم دكًا، حتى وصل إلى المطلوب الأول لدولة الخلافة الإسلامية الخائن القذر الرجّال بن عنفوة، ليضربه ضربةً بحسامه شقت رأسه إلى نصفين، فأراد زيد أن يكبر، إلا أنه عاهد اللَّه على ألّا يتكلم حتى ينتصر أو يستشهد، فكبر في قلبه، وكبر المسلمون في عنان السماء بعد رؤيتهم لعدو اللَّه وقد انفلق رأسه بضربة هذا المارد الإسلامي العظيم، ثم أخذ زيد يقاتل أعداء اللَّه، وقد دارت رحى المعركة بفضله لصالح المسلمين، هنالك وقد رأي زيد رياح النصر مقبلة، تمنّى لو يرزقه اللَّه الشهادة في يومه هذا، فهبّت رياح الجنة، فملأت نفسه شوقا، ومآقيه دموعا، فراح يضرب ضرب الباحث عن الشهادة، حتى انقضت عليه كتيبة كاملة من المرتدين بسيوفها ورماحها تمزق جسده تمزيقًا وهو لا يتأوه أو يفتح فمه بارًا بقسمه، ليسقط هذا البطل شهيدًا، فنادي خالدُ بن الوليد في الموحدين بأعلى صوته:
وامُحَمدّاه. . . وامُحَمدّاه. . . وامُحَمدّاه. . . وامُحَمدّاه
عندها ألقى اللَّه الرعب في قلب مسيلمة الكذاب، فهرب إلى حصن له سمي فيما بعد بـ "حديقة الموت"، فتبعته فلول المرتدين القهقرة، وأغلقوا على أنفسهم ذلك الحصن، فقام الصحابي الفدائي (البراء بن مالك) رضي اللَّه عنه وأرضاه، فقال للمسلمين المتحصنين خارج الحديقة: "يا معشر المسلمين، احملوني وألقوني عليهم في الحديقة"، وفعلًا تسلق هذا الفدائي السور وألقى بنفسه في الحديقة، فانقض عليه عشرات المرتدين يطعنونه بسيوفهم وهو يزحف والدماء تسيل منه نحو البوابة حتى فتحها، فاندفع المسلمون في حديقة الموت كالسيل الجارف يقتلون أعداء اللَّه قتلًا، ومن على بعد مسافة كبيرة، لاحظ الصحابي الجليل (وحشي بن حرب) رضي اللَّه عنه وأرضاه مسيلمة الكذاب يختبئ بين جنوده، فأراد وحشي أن يكفر عن ذنبه أيام جاهليته حينما قتل سيد الشهداء (حمزة بن عبد المطلب)، فقرر قتل أكذب كذابي الأرض مسيلمة الكذاب، فعالجه بضربة رمح ثاقبة، فثقب بها صدر مسيلمة، ليذهب ذلك الكذاب إلى مزبلة التاريخ على يد وحشي جزاه اللَّه خيرًا، لينتصر فدائيو الإسلام في هذه المعركة المجيدة.


وفي المدينة استقبلت كتائب النصر بالتكبير والتهليل، إلا أن عمر بن الخطاب كان يترقب الجنود العائدين يحاول أن يلمح ماردًا طويل القامة بين صفوفهم، ولكن دون جدوى، عندها اغرورقت عينا الفاروق بالدموع وهو يقول: "رحم اللَّه زيدًا، سبقني إلى الحسنيين، أسلم قبلي، واستشهد قبلي! ليظل زيد حيًا في قلب أخيه الصغير، وحتى بعد أن انتصر على الفرس في القادسية وعلى الروم في اليرموك فإن خيال حبيبه زيد لم يفارق فؤاده أبدًا فكان يقول دائمًا: "ما هبّت الصبا. . . . إلا وجدت منها ريح زيد! ".

الغريب في الأمر أن الناس في منطقة في "نجد" انبهروا جدًا ببطولة زيد بن الخطاب، فصاروا يأتون إلى قبره طلبًا لزيارته والترحم عليه في أول الأمر، ثم تطور الأمر بعد ذلك إلى التبرك بالقبر، وسنة بعد سنة أصبح الوضع خطيرًا للغاية، لدرجةٍ أن الناسَ باتوا يطوفون حول القبر ويذبحون عنده النذور ويطلبون من صاحب القبر أمور دنياهم وآخرتهم! واستمر الوضع كذلك حتى خرج من بين كثبان صحراء نجد عظيمٌ جديدٌ من عظماء هذه الأمة، ليجدد لها دينها بدعوته إلى التوحيد، ليصبح اسمه اسمًا مرعبًا لكل صاحب بدعةٍ إلى يوم الناس هذا!
يتبع. . . . . .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 211.84 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 205.77 كيلو بايت... تم توفير 6.07 كيلو بايت...بمعدل (2.86%)]