معاناتي ومشاكلي مع زوجتي الثانية - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         كلام جرايد د حسام عقل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 17 - عددالزوار : 33 )           »          تأمل في قوله تعالى: {وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: {وما قدروا الله حق قدره... } (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          بيان معجزة القرآن بعظيم أثره وتنوع أدلته وهداياته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          {إن كنتم تحبون الله فاتبعوني} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          { ويحذركم الله نفسه } (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          رمضان والسباق نحو دار السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          جدول لآحلى الأكلات والوصفات على سفرتك يوميا فى رمضان . (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 772 )           »          منيو إفطار 19 رمضان.. طريقة عمل الممبار بطعم شهى ولذيذ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          جددي منزلك قبل العيد.. 8 طرق بسيطة لتجديد غرفة المعيشة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > ملتقى مشكلات وحلول

ملتقى مشكلات وحلول قسم يختص بمعالجة المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 15-10-2021, 10:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,653
الدولة : Egypt
افتراضي معاناتي ومشاكلي مع زوجتي الثانية

معاناتي ومشاكلي مع زوجتي الثانية


أ. عائشة الحكمي



السؤال
الإخوة الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعدُ، فأرجو أنْ أجدَ لديكم حلاًّ لِمُشكلتي التي تُؤرِّقني وتُنغِّص عليَّ حياتي.

وهي أنِّي شابٌّ شاء الله سبحانه أنْ أتزوَّجَ زوجةً ثانيةً، وعرفتها وتقدَّمت إليها وتزوَّجتها، وكانت قبلَ الزواج كثيرةَ الزيارة لزوجتي الأولى لمعرفتها بها، وكانت تُكثِرُ السؤال عنِّي، فعرَفت أنها تميل إليَّ، علمًا بأنها تكبرني بعدة سنوات، وعرفتُ بعدَها أنها متعلِّقة بي؛ لكونها تريد شابًّا ملتزمًا محافظًا، وكان هذا الشيء يُصادف هَوًى في نفسي؛ لكوني كنت يومَها أمرُّ بظُروفٍ مع زوجتي الأولى، وفكَّرت حينها في الزواج بها، وشاء الله أنْ أهاتفها وأوضِّح لها كثيرًا من الأشياء التي أرغب فيها، وما كان منها إلا أنْ قالت: إنها سامعة مطيعة، تزوَّجت وبدَأتْ حياتُنا تسيرُ في أوَّل أيَّامنا على أحسن حال، ولكن سرعان ما بدأت الغيرة تُؤجِّج استِقرارنا، وبدا كلُّ شيء اتَّفقنا عليه ينحلُّ شيئًا فشيئًا، وكأنها تريدُ أنْ تتملَّك كلَّ شيء فيَّ، حتى تصرُّفاتي مع زوجتي الأولى، تريدها حسَب رأيها، وإذا لم يكن حسَب ما ترى، فهو الظُّلم في نظَرِها.
بعد زواجي منها ذهبتْ زوجتي الأولى إلى بيت أهلها في منطقةٍ أخرى، وتحت ضغطٍ من أهلها أقنَعُوها بضَرورة أنْ تَبقَى لديهم وألا ترجع معي، وأنْ أُؤمِّن لها مسكنًا لديهم مع أولادها، فوافقتُ بعدَ رفضٍ؛ رغبةً في الحِفاظ على أولادي واستِقرارهم، ولا سيَّما أنَّ زوجتي الأولى هذه حافظةٌ لكتاب الله، وأَثِقُ في حُسن تربيتها لأولادها، حتى لو لم أَكُنْ معهم، واستمرَّ الحال على ذلك؛ أذهب لزيارتهم مرَّةً في الشهر، ومع هذا تفتعلُ زوجتي الثانية أعظمَ المشكلات حتى لا أُسافر، وترى أنَّ زوجتي ناشز في نظرها، ونحو ذلك من هذا الكلام.
وطوال الأيَّام وأنا مع زوجتي الثانية التي ما فَتِئَتْ تتنكَّر لكلِّ العُهود والمواثيق التي بيننا، وأصبحت تصفُ زوجتي الأولى بكلِّ الأوصاف الفاضحة والقبيحة حتى تستثيرني، وأنا مع ذلك لا أزيد على أنْ أقول: إنَّ الله هو المطَّلع عليها، وهو الذي يتولَّى حِسابها، ومع الأيَّام بدَأتُ أشعُر بأنها ترى نفسها أرفَعَ منِّي، وأنَّني لا أُمثِّل شيئًا بجانبها، ومهما فعلتُ من أمور إيجابيَّة، فهي تحتقرُها وتزهد فيها، وتحبط نفسي بكلامٍ يُدمي القلب، حتى أنِّي إذا ألقيتُ كلمةً في مسجد تقول: لماذا تلقي كلمة وأنت تعلمُ أنَّك منافق؟ ونحو ذلك من الكلام الذي يصيب الشخص غيرَ الثابت والقويِّ بالخذلان والتكاسُل، وأنا أكتُم ذلك في نفسي، وأحيانًا أنفعل عليها، وأغضب وأهجُر، لعلَّها تحسُّ بشيءٍ من ذلك، ولكن كلَّما طالت مدَّة الهجر زادت وعاندت، فهي ترى أنَّ كلامها هو الصواب الذي لا يقبل الخطأ، وأيُّ شخص يذكُر لها أنها على خطأٍ، فهو في القائمة التي لا تتكلم معها أبدًا مهما كان ومهما صار، فأنا لا أعرف أحدًا غضبَتْ منه وصالحَتْه أبدًا، حتى لو كان من أهلها؛ فقد وقع بينها وبين أختها خصامٌ في أمر صغير، فغضبت عليها وهجرَتْها منذ سنين إلى الآن، طاعةُ الزوج لديها أشبه بالمذلَّة والعبوديَّة؛ فهي لا تطيع إلا فيما تريدُ، أما الشيء الذي لا تريده فترمي بكلامي عرض الحائط، وأنا مع ذلك أُمارس عليها أنواع العُقوبات النفسيَّة من الهجر والتجاهُل، ولكن دُون جدوى.
لي منها أطفال، وهي - فيما يبدو - تظنُّ أنَّ سكوتي وتجاهُلي لبعض تصرُّفاتها هو بسبب أطفالي، وأنها تُحاول الضغط عليَّ بهم؛ حيث إنَّني لا أستطيع تركَهم وفِراقهم، ولكن حتى لو كنت كذلك، فلن أرضى أنْ أعيش مدى الحياة على هذا الوضع!
من مشاكلي معها أنها قليلة التزيُّن والتجمُّل والتبعُّل، بل تمنُّ عليَّ بذلك ولو بعد مدَّة.
من مشاكلي معها أنَّني إنسان ملتزم وهي مرتبطةٌ بالمسلسلات والأفلام ارتباطًا إلى درجة الإدمان، فغالب الليالي لا تدخُل للنوم إلا بعد الثالثة قبل الفجر، وكم مرةٍ قد قُمت بتكسير جهاز الفضائيَّات؛ أكون بانتِظارها إلى ساعةٍ مُتأخِّرة، وأخرُج من غُرفتي وأقوم بتكسير الجهاز في حالة غضبٍ، وهي تتحجَّج بأنها في ضيقٍ "وطفش" ونحو ذلك!
من مَشاكلي معها أنَّها يستحيلُ أنْ تعيش دُون خادمةٍ أبدًا، وقد ذهبتُ في دورة عملٍ طويلة لدولةٍ أوربيَّة ورغبت أنْ يكونوا معي، وهي كذلك رغبت على أمل أنَّ الخادمة ستكونُ معنا، ولكن لم تُعط العاملة تأشيرة، فذهبَتْ زوجتي معي وأطفالي وكلَّ يوم ونحن في مَشاكل تزيدُ كلَّ يوم ولا تنقص، حتى تضطرني لإرجاعها، وكنت أعمَلُ كثيرًا من أعمال البيت؛ رغبةً في بَقاء أولادي بجانبي، ولكن رغم كلِّ ذلك قالت لي: إنْ لم تحجزْ لي وترجعني فسأتَّصلُ بالشرطة وأخبرهم أنَّك تحتجزني، حاولت إقناعها أنَّه يستحيلُ على أيِّ زوجةٍ أنْ تترُك زوجها في غُربة، ومع ذلك أصرَّت، فقلت لها: لن أمنعك، ولكن أنا لست راضيًا، فسافرَتْ مع أولادي وقالت: لماذا أضحِّي معك بحياتي وصحَّتي وأنت مَن ورَّطت نفسك في هذه الدورة؟
مشكلتي معها أيضًا أنها هاجرة لوالديَّ لأسبابٍ تافهة لا تُذكر، كثيرة التنقُّص لي ولأهلي، وترى أنها أرفع منِّي، وأنها لم تكن تعرفني قبلَ الزواج، وإلا لما تزوَّجَتْني.
أنا أمامَ سيلٍ من المشكلات التي يجرُّ بعضها بعضًا، وأعرف أنَّني أكثرت وأسهبت، ولكن هذا غيض من فيض، ولعلِّي أُخفِّفُ ما في نفسي قليلاً، فأنا إنسانٌ كَتُوم، وأعملُ في صَمت، ولا أتحدَّث بمشاكلي أبدًا، وكثيرٌ من الناس يظنُّ أنَّني أسعَدُ الناس، وأنا ملتزمٌ وطالبُ علمٍ، وصاحب مُؤهِّل شرعي، وقد أحلُّ كثيرًا من المشكلات، ولكن عجزتُ عن مشكلتي.
وللعِلم فزوجتي لا تُمارِسُ عمَلَها إلا قليلاً، وذكرتُ لها أنَّني لستُ بحاجةٍ إلى أنْ تعملي، فحالي المادي على أحسن حال - ولله الحمد.
آمُل إرشادي وتوجيهي؛ فقد عجزتُ وأُرهِقت من كثرة التفكير في أمرها؛ هل أُفارقها أو أتزوَّج عليها؟

ولكم الشكر والتقدير.


الجواب
بِسْمِ اللهِ المُلْهِم للصَّواب
وهو المُستعان

أيُّها الأخ الفاضل:
لا بُدَّ للمَصْدور أَن يَنْفُثَ؛ "فإنَّ الهُموم إذا ترادفتْ في القَلْب ضاقَ بها، فإنْ لم يفضْ منها شيءٌ باللِّسان، ولم يَسترِحْ إلى الشَّكوى، لم يلبثْ أنْ يهلكَ غمًّا، ويموتَ أسفًا"، كما يقول ابنُ حزم - رَحِمَه الله - في "طَوْق الحمامة"، ثمَّ إن لكلِّ داءٍ دواء، ولكلِّ كسرٍ جَبِيرة - بعونِ الله تعالى - فلا تُتْلِف نفسَك بالهمِّ والغمِّ.
أُذكِّرك بدايةً بأنكَ ما كتبتَ لنا هذه الاستشارة إلا وأنتَ فاقدٌ للصَّبر والاحتمال، وصدركَ يغلي، فليس من الحِكْمة - والحال كذلكَ - أنْ تتَّخِذ قَرارًا مصيريًّا كالطَّلاق أو التَّعدُّد مُباشرةً بعد الفَراغ من قراءةِ هذا الجَواب، بل ينبغي أن تَنْظُر في المُشكلة وحُلولها المُمكِنة برَوِيَّة، وتُجرِّب بعضَ طُرق التَّعامُل التي ستجدها في مواضعِها من هذا الجَواب - إن شاءَ اللهُ تعالى - على أنْ تُعطي عامِل الزَّمن حقَّه في مُداواة الجِراح، ولا تَعْجَل على النَّتيجة، ثم إذا استنفدتَ كافَّة الحُلول الشَّرعيَّة والنَّفسيَّة والاجتماعيَّة، أمكنكَ ساعتئذٍ أنْ تقرِّر مصيرَ هذه العَلاقة.
وقبلَ الشُّروع في بحثِ مُشكلتكَ مع الزَّوجة الثانية، أودُّ قبلَ ذلكَ أنْ أعرفَ مَصير الزَّوجة الأولى معكَ، هل رميتَها بسَهْم هَجْر عن قَوْسِ طَلاق أو قَوْسِ فِراق؟! أعني: هل هي مُطلَّقة أو مُعلَّقة؟! فقد تتبَّعتُ كلامكَ عنها ولم أجدْ ما يبين إنْ كنتَ قد طلَّقتها، وآخِر ما ذكرتَه بشأنها قولكَ: إنَّكَ تذهب لزيارتها مرَّة في الشَّهر!
زيارة، ومرَّة في الشَّهر!
حياة كهذه أشبه بجريمةٍ قد ارتُكبتْ بحقِّ العَدْل المنوط بالتَّعدُّد، وإذا كانت هذه هي حياة زوجتكَ معكَ حقًّا، فاسمحْ لي أن أقول: إنَّ ما يحدُث لكَ مع زوجتكَ الثَّانية هو بعض آثار هذا الظُّلم الواقع على زوجتكَ الأولى! ﴿ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [الحج: 10].

أيُّها الأخ الكريم:
أنتَ رجلٌ ملتزمٌ بدينكَ، وزوجتكَ الأولى امرأةٌ متديِّنةٌ، حافظةٌ لكتابِ الله، فأين أثرُ الدِّين والقُرآن في تعاملكما مع بعضكِما البَعْض؟! وأين أثرُ الدِّين في حِفْظ المِيثاق الغَلِيظ؟! لِمَ هذا الفصْل المُستمر بين العِبادات والمُعاملات بين المُلتزمين بالدِّين؟!
أخشى أنْ تكون ظلمتَ نفسكَ إذ أقبلتَ على التَّعدُّد تفتحه بمصراعيْه، ولستَ تملكُ مفتاحَ العدْل المنوط بهذا الباب الشَّرعي، وقد قال الله في كتابه العزيز: ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ﴾[النساء: 3].
قال القرطبيُّ في تفسير قوله - تعالى -: ﴿ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ﴾ [النساء: 3]: "أي: ذلك أقرَبُ إلى ألا تميلوا عن الحقِّ وتجوروا".
وقد مِلتَ أنتَ عن الحقِّ، وظلمتَ زوجتكَ بزواجكَ من صديقتِها، فدخلتَ بين العَصا ولِحائها وأفسدتَ ما بينهما، يغفرُ الله لكَ!
لستُ أقول ذلك اعتِراضًا على قدَرٍ مضى وانتهى، ولكنِّي أقوله لدوره الرَّئيس فيما آلَتْ إليه علاقتكَ بزوجتكَ الأولى، والحقُّ أنَّه يعسرُ على قلْبِ المرأة تقبُّل ظلِّ امرأةٍ أُخرى تشاركها قلبَ زوجِها وعقلَه وجسدَه، فكيف بها حين تكتشفُ أنَّ صديقتَها التي كانت يومًا تشكو إليها بعض ما بينها وبين زوجها هي صاحبةُ الظِّل المُقلِق؟!
وقد ظَلمتْ زوجتُكَ نفسَها بتَرْكِ بيتِها وحياتِها وذكرياتِها، مُؤثِرة الأهلَ على الدَّار وصَاحبِ الدَّار، مُكتفية من فهْم الدِّين بالعبادات من تلاوةٍ للقُرآن، وإقامة الصَّلوات، وصيام ستٍّ من شوَّال! وقد أعانها أهلها على ظُلم نفسِها بحبسِها عنكَ، وهذا دَيْدن الأهل إذا تدخَّلُوا بين الأزواج، فإنَّهم لا يدخلون بنيَّة "حكَمٍ من أهله وحكَمٍ من أهلها"، بل بنيَّة ردِّ الاعتبارِ والكرَامة!
ولأنِّي لا أعلم واقعَ الحالِ بينكَ وبين زوجتكَ الأولى، سأتوقَّف عند هذه النُّقطة على رجاء أنْ تتذكَّر - إنْ كانت الأولى باقيةً على ذمَّتكَ - قولَ اللهِ - عزَّ وجلَّ -: ﴿ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾ [البقرة: 229]، والإمساك بالمَعْروف لا يتحقَّق بزيارة إحدى الزَّوجتيْن مرَّةً واحدة في الشَّهر، وقضاء بقيَّة الشَّهر مع الأُخرى! إلا أنْ تكون الأولى راضية حقًّا بهذه الحال، وأسقطتْ عنكَ بعضَ حُقوقها عليكَ كالمبيت ونحوه؛ لقول الله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ﴾ [النساء: 128].
قال الطَّبريّ في "تفسيره": "يعني بذلك - جلَّ ثناؤه - ﴿ وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا ﴾ يقول: عَلِمتْ من زوجِها ﴿ نُشُوزًا؛ يعني: استعلاءً بنفسِه عنها إلى غيرها، أَثَرَة عليها، وارتفاعًا بها عنها؛ إمَّا لبغضة، وإمَّا لكراهةٍ منه بعض أشياء بها؛ إمَّا دمامتها، وإمَّا سنها وكِبَرها، أو غير ذلك من أُمورها ﴿ أَوْ إِعْرَاضًا؛ ﴾ يعني: انصرافًا عنها بوجهه أو ببعضِ مَنافعه، التي كانت لها منه ﴿ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا ﴾ يقول: فلا حرَج عليهما، يعني: على المَرأة الخَائِفة نشوزَ بعلِها أو إعراضَه عنها، أن يُصلحا بينهما صُلحًا، وهو أن تتركَ له يومَها، أو تضعَ عنه بعضَ الواجبِ لها من حقٍّ عليه، تستعطفه بذلكَ، وتستديم المقام في حباله، والتَّمسُّك بالعَقْد الذي بينها وبينه من النِّكاح، يقول: ﴿ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ﴾: يعني: والصُّلح بتركِ بعض الحقِّ استدامةً للحُرمة، وتماسُكًا بعقدِ النِّكاح، خيرٌ من طلَب الفُرْقة والطَّلاق".

وأمَّا الزَّوجة الثَّانية، فأودُّ بدايةً أنْ أذكُر شيئًا بشأنِ ما بينكما من فُروق:
زوجتكَ من بلَدٍ غير بلدك.
وأَسَنُّ منكَ.
وتختلف عنكَ في الالتزام بالدِّين.
كما تختلف عنكَ في الشَّخصيَّة والطِّباع.
وقد لا يكون لاختلافاتِ البيئاتِ وعادات البلديْن كبيرُ أثرٍ في حَياتِكما الزَّوجيَّة؛ بِحُكم التَّقارُب الشَّديد بين البلديْن، ولعلَّكَ من أبناء الشَّرقيَّة فليس ثمَّة فرق، وأمَّا فارق العُمر فأثرُه من النَّاحية الفسيولوجيَّة أكبر من تأثيره على النَّواحي الأخرى، حيث تهدأ الرَّغبة الجنسيَّة الجامِحة بعد سنِّ الأربعين، ويقلُّ معدَّل الأَيْضِ؛ بما يزيدُ من مُعدَّل السِّمَن، وما ينتجُ عن ذلك من أمراضٍ ومَتاعب، ورَهَل، وعدَم اتِّساق الجسَد، وما تُسبِّبه هذه التَّغييرات من مَتاعب نفسيَّة، ومن المُحتمل أنْ يتَّسع الفرْق بينكما خِلال السَّنوات الخمس القَادِمة إن لم تُعنَ زوجتُكَ بصحِّتها الجنسيَّة والنَّفسيَّة والجسديَّة، ويبقى فارقُ التَّفكير والتَّديُّن والشَّخصيَّة هو المؤثِّر السِّلبي الأكبر على حياتكما الزَّوجيَّة.
وبحكم أنَّكَ شخصٌ "كتوم" فإنَّكَ تُعالِج مُشكلاتكَ بواحدةٍ من طريقتين: إمَّا السُّكوت وكَبْت الألم، أو الانفِجار وإطلاقِ الغضَب، "وأنا أكتم ذلك في نفسي، وأحيانًا أنفعل عليها وأغضب"، والطَّريقة الثَّانية وليدة الأولى؛ لأنَّ الكبتَ يُولِّد الانفجار كما يُقال، وكلتا الطَّريقتيْن خاطئتان في عِلاج المُشكلات، وسأُحلِّل معكَ بعض تلك المواقف لتتبيَّن مواضعَ الخطأ في تُعاملك مع زوجتكَ:
- "من مشاكلي معها أنَّني إنسان ملتزم وهي مرتبطة بالمسلسلات والأفلام ارتباطًا إلى درجة الإدمان، فغالب الليالي لا تدخُل للنوم إلا بعد الثالثة قبل الفجر، وكم مرةٍ قد قُمت بتكسير جهاز الفضائيَّات؛ أكون بانتِظارها إلى ساعةٍ مُتأخِّرة، وأخرُج من غُرفتي وأقوم بتكسير الجهاز في حالة غضبٍ، وهي تتحجَّج بأنها في ضيقٍ "وطفش" ونحو ذلك".
لاحِظْ هنا أسلوب الكَبْت ثم الانفجار: "أكون بانتِظارها إلى ساعةٍ مُتأخِّرة، وأخرُج من غُرفتي وأقوم بتكسير الجهاز في حالة غضبٍ"، وسأتوقَّف قليلاً عند هذا المَوْقف؛ لأهميَّته في فِهْم المُشكلة ككُلٍّ.
اسمحْ لي أنْ أقول: إنَّكَ لم تقمْ بكسْرِ جِهاز الاستقبال لأنَّكَ "إنسان ملتزم"، فالواقع أنَّكَ رجلٌ مُلتزِم - بحمدِ اللهِ تعالى - ولكنَّي لا أستشفُّ من أسلوبكَ أنَّك من ذوي التَّنطُّع في الدِّين، وليس في هيئة كلماتكَ أنَّكَ من أهل التَّشدُّد الذين يُقدِمون على كسْر الأطباق الفضائيَّة بسبب فيلم أو مُسلسل! وهو أمر يُحسَب لكَ لا عليكَ لكنَّ التَّبرير بأنَّ كسرَ جهازِ الاستقبالِ بدافع الالتزام هو عندي مُجرَّد تبرير لا شُعوري لحجبِ الدَّافع الحقيقي لهذا التَّصرُّف المُتَهَوِّر في هذه السَّاعة المُتأخِّرة من الليل "أكون بانتظارها إلى ساعةٍ متأخرة"، ولعلَّك قد أدركتَ الدَّافع الحقيقيَّ حين اجتزأتُ لكَ السَّبب الحقيقيَّ من بين كلامكَ وهو: عدم الإشباع الجنسيِّ!
إنَّ الطَّاقة الجنسيَّة - أيُّها الأخ الفاضل - طاقةٌ عنيفةٌ، فإنْ لم يتمَّ إشباعها بالكامل انصَرفتْ إلى طاقاتٍ انفعاليَّة عنيفةٍ كالغضَب أو الاعتداء البدني أو الاعتداء الَّلفظي ونحو ذلك، هذه نُقطةٌ، ونُقطة أخرى تتعلَّق بتبرير زوجتكَ عن انصِرافها عنكَ بمُشاهدة الأفلام والمُسلسلات حتى الثَّالثة فجرًا بحُجَّة الضِّيق و"الطَّفش"! فهو أيضًا مُجرَّد تبرير لا شُعوري لتغطية الدَّافع الحقيقي وراء هذا التَّصرُّف، وهو فَراغ القَلْب قبل فراغ الوَقْت!
تكشفُ هذه المَواقِف المُتكرِّرة بينكما عن مَسافات شاسعة بين قلبيكما، وعن وُجود مُشكلة جنسيَّة - رُبمَّا - مع الطَّرَفِ الآخَر، وكلُّ واحدٍ منكما ينتظرُ من الآخَر أن يكتشفَ بنفسِه مدى تقصير الآخَر معه، وهو الخطأ الفَادِح الذي يرتكبه كثيرٌ من الأزواج فيما بينهم، فهذه المُشكلات لا يتمُّ مُعالجتها بالسُّكوت والصَّمت والتَّخاطر! بل بالمُصارحة الدَّافئة، وبالصِّدق الذي لا يجرح!
نحتاجُ أحيانًا إلى التَّعريض واستعمال الإشارة لحلِّ مُشكلاتنا مع الآخَرين، "واللَّبيب بالإشارة يفهم" كما يُقال، ولكن أين هم الأزواج الأَلِبَّاء الذين يفهمون بالإشارة؟! إنَّ فهمَ الإشارة يعتمدُ على ذكاءِ الطَّرَفِ الآخَر عاطفيًّا، ولستُ أرى عندَ كثيرٍ من النَّاس إلا سُيولاً من الغباء العاطفي قد طمرتْ على أفهامهم، ما يدفع بالطَّرف الآخَر إلى التَّصريح معه إلى حدِّ التَّجريح في كثيرٍ من الأحيان، لِمَجِيء هذا التَّصريح عَقِبَ ألَمٍ كبير ونفاد صَبْرٍ، فتأتي المُصارحة جافَّةً وقَاسِية وجَارِحة، وبدلاً من أنْ يكون أسلوب المُصارحة حلاًّ للمشكلة يستحيل سببًا من أسباب تفاقُم المُشكلات، وهذا ما يجعلني أُؤكِّد عليكَ اليومَ - بعد أنْ نفدَ صبركَ - أن تتنبَّه لأسلوبِ الحِوار والمُصارحة الذي ينبغي لكَ أنْ تنتهجه من الآن فصاعدًا، سواء مع زوجتكَ الحالية أو مع غيرها!
مُشكلة انتظارِ الأزواجِ بعضهم البعض لدُخول غُرفة النَّوْم هي مُشكلةٌ أليمة جدًّا، تُعاني منها الزَّوجات أكثر من الأزواج، وسواء كان المُنتظِر هو الزَّوج أو الزَّوجة، فالألمُ المرير واحدٌ، وحلُّ هذه المُشكلة لا يكون بمزيدٍ من الانتظار، ولا بالصَّمت وسكْبِ الدُّموع، بل بالمُصارحة والاتِّفاق على أوقاتٍ مُحدَّدة للنَّوْم والجُلوس معًا، وبشَرْحِ الحاجات النَّفسيَّة والعاطفيَّة والجنسيَّة بِمُنتَهى الشَّفافية، وبكثيرٍ من المودَّة والرَّحمة.
زوجتكَ على الأغلب مُنشغِلة بِمُشاهدةِ الأفلام، وأنتَ على الأغلب مُنشغِلٌ بتصفُّح الإنترنت، فلتتَّفِقا على وقتٍ مُحدَّد من كلِّ ليلة (على سبيل المثال: السَّاعة 12:30 بعد مُنتصف اللَّيل)، تلتَزِمان فيه بترْك كلِّ ما يشغلكما لتتَفرَّغا لبعضكما بقيَّةَ اللَّيل، وحتَّى لو لم يكن لأحدكما الرَّغبة في النَّوم، فلا بُدَّ من البَقاء مع الآخَر حتى ينام، ثم له أنْ يُكملَ وقته كما يشاء.
والأهمُّ من كلِّ هذا ألاَّ ينتهي اليوم وفي صَدْرِ أحدكما شُعورٌ بالاستياء أو الغَضَب، بل لا بُدَّ من المُصالحة والاسترضاء قبل الدُّخول في النَّوم، وقبل بدءِ يومٍ جديد.
- "طاعة الزوج لديها أشبه بالمذلَّة والعبوديَّة؛ فهي لا تطيع إلا فيما تريدُ، أما الشيء الذي لا تريده، فترمي بكلامي عرض الحائط، وأنا مع ذلك أُمارس عليها أنواع العُقوبات النفسيَّة من الهجر والتجاهُل، ولكن دون جدوى".
لا يحملنا الهَجْرُ والتَّجاهُل على طاعة أحدٍ! أتُراك تطيعُ رئيسكَ في العمل إن كان يتعمَّد تجاهلكَ وتهميشَ دوركَ؟! كلاَّ! وكذلك الزَّوجة لا تطيعُ زوجَها الذي يهجرها ويتجاهلها، ثم إنَّ الهجرَ لا يأتي قُبيل المَوْعظة؛ فقد قال الله - جلَّ ثناؤه -: ﴿ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ ﴾[النساء: 34]، فقَدَّم المَوْعظةَ على الهَجْرِ، فلِمَ قفزتَ إلى استعمالِ الوسيلة الثَّانية في التَّأديب؟!
ترادف كلمة "المَوْعِظَة" ما نصطلحُ على تسميته اليوم بـ"الحوار بين الأزواج"، ويعْضُدُ هذا التَّأويلَ قولُ الباري - عزَّ وجلَّ -: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾ [النحل: 125]، فهل حاوَرتَ زوجتكَ قبل أنْ تُجرِّب هجرَها وتجاهلَها؟!
تذكَّر - أيُّها الأخ الكريم - أنَّ تفكيرَ المرأة تفكيرٌ مُغلَّفٌ بالعاطِفة أكثر من كونه تفكيرًا عقلانيًّا صِرْفًا، لأجل ذلك كُنْ أنتَ صاحِبَ التَّفكير المنطقي الخالص في هذا الحوار، ولا تجتلبْ طاعتكَ بالغَصْب والغَضَب! فالطَّاعة لا تأتي إلا بالحُب والحُب والحُب!

لَوْ كَانَ حُبُّكَ صَادِقًا لأَطَعْتَهُ
إِنَّ المُحِبَّ لِمَنْ يُحِبُّ مُطِيعُ



وهذا يعيدُني إلى النُّقطة الأولى، وهي وجودُ مسافةٍ أو ثُلْمَةٍ في العلاقة العاطفيَّة بينكما، يجبُ الإسراع في رَدْمها.
- "وقد ذهبتُ في دورة عملٍ طويلة لدولةٍ أوربيَّة، ورغبت أنْ يكونوا معي، وهي كذلك رغبت على أمل أنَّ الخادمة ستكونُ معنا..." الموقف.
إنَّ التَّهديد بين الأزواج، ولأسبابٍ تافهة كهذه، أسلوبٌ غايةٌ في الشَّناعة، ولا يُعالج التَّهديد بالمُداراة؛ لأنَّ المُداراة تشجِّع على استِعمال التَّهَديد في المُستقبل، ولا يزال ذلك التَّهديد يبذر في القَلْب ضَغائنَ وأحقادًا تنمُو وتتسامَقُ مع الأيَّام، حتى تحْجب بأوراقها الشَّوكيَّة ما بين القُلوب! وكان حَرِيًّا بكَ أنْ تبترَ هذا التَّهديد وتجتثَّه من جُذوره؛ كي لا يتكرَّر مَرَّةً أُخرى، ولعلَّ من أفضل الوسائل لإصلاح المُشكلات الكبيرة انتهاج قاعدة: "عدم التَّواصلThe No Contact Rule "، وهي قاعدةٌ قاسية جدًّا، بيد أنَّها تفيد في إنهاء الألم القاسي كالحال الذي أنت عليه.
تُرادِفُ قاعدةُ عدم التَّواصل مفهومَ الهَجْر الشَّرعي، إلا أنَّه هَجْرٌ بمعنى الإلغاء التَّام للطَّرَفِ الآخَر! فلا تنتظرْ من زوجتكَ أنْ تطبخَ لكَ، ولا أنْ تحادثكَ وتسامركَ، ولا أنْ تَنام بقُربكَ... إلخ، مع الحِرْصِ على إظهارِ عدم التَّأثُّر بالبُعد، وأنَّ حياتكَ مُستمرَّة بدونها، ونجاحاتك العمليَّة في نموٍّ وازدِهار؛ لتعلمَ هي أنَّ حَياتكَ لا تتوقَّف على وُجودها في حَياتكَ، ومن شأن ذلك أنْ يعيدها إليكَ من تلقاء نفسها، فلا تُفكِّر في الأولاد الآن، ولا في الآلام النَّفسيَّة من وَراء بُعدك عنها؛ لأنَّكَ قد خسرتَ وتألَّمتَ بما فيه الكفاية، وآنَ الأوان لتغيير شكل حَياتكَ وإعادة رسمِها من جديد.
أتساءل: كيف تخشَى فِراق أولادكَ منها، ولا تخشَى فراق أولادكَ من الزَّوجة الأولى؟! أتجمعُ بين ظُلمين في آنٍ: ظُلم الزَّوجات وظُلم الأولاد؟!
أمَّا عن مُشكلات زوجتكَ، فسأضع بإزاء كلِّ مُشكلة مَسْلكًا جديدًا للتَّعامل معها، لكني أُذكِّرك بأنَّ مِفتاحَ تغيير زوجتكَ ليس بيدكَ، بل بيدها وحدَها، فإنْ لم ترغبْ زوجتكَ في تغيير نفسها فإنَّ جميعَ الحلول ستتبدَّد سُدًى، ولكن تبقى أجورُ الإصلاحِ في ميزان الحسناتِ - بمشيئة الله تعالى - ﴿ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ ﴾ [الأعراف: 170].
أوَّلاً: علاقة الزَّوجة الأولى بالثَّانية، وموقفكَ من الاثنتين:
رغم أنَّ العلاقة بين "الأختين" قد تمزَّقتْ، وبرغم أنَّ الأمرَ بينهما قد انتهى مُنذ إحدى عشرة سنة، إلا أنِّي أجدُ من الواجب التَّذكير بما يتَعيَّن عليكَ فعله إذا كانت لكَ زوجتان أو ثلاث أو أربع، (وإن كنتُ أرجو أنْ تكتفي بواحدة).
يَنْبَغِي لك أَن تحجبَ عن زوجتَيْك ما يجري بينكَ وبين الأُخرى، سواء ما يتعلَّق بمشاعركَ أو بمُشكلاتكَ أو بأولادكَ، ومهما كان عقلُ إحداهما، ووعيها، ونضجها، وحبُّك لها وحبُّها لكَ أعظمَ من الأخرى، مهما يكن - أيُّها الأخ الفاضل - فلا تُحدِّث إحداهما عن الأخرى، ولا تسألها بشأنها، ولا تستَشِرْها في أمرٍ يختصُّ بالأخرى، بل ينبغي إن أنتَ دخلتَ بيت الأولى أنْ تتركَ كلَّ هُمومكَ، ومُشكلاتكَ، وانفِعالاتكَ تجاه الثَّانية من "حُب، غضَب، شَوْق، قهر... إلخ"، في بيت الثَّانية وحدها، لا أنْ تحملَها معكَ إلى بيتِ الأولى والعكس صَحيح، ولا يحقُّ لإحدى زوجتيْكَ أنْ تتدَّخلَ في حياةِ الأُخرى، ولا تسمح أنتَ بهذا التَّدخُّل؛ لأنَّ هذا التَّدخُّل لا يخرج غالبًا عن أنْ يكون مجرَّد غِيبةٍ، كما أنَّه لا يصلحُ في بناء العلاقات الزَّوجيَّة، وقد أخطأتَ كثيرًا عندما سمحتَ لزوجتكَ الثَّانية أنْ تجترئَ على الأولى، وتطعنَ في ظهرها إلى حَدٍّ لستُ أدري ما أُسَمِّيه! كما أخطأتَ كثيرًا حين قُلتَ لها: "إن الله هو المطَّلع عليها، وهو الذي يتولَّى حِسابها"، فجواب كهذا ينطوي تحتَه التَّأييد باطنًا لمطاعنها، وإن كان ظاهره الدِّفاع عن الأولى، وكان من المُفترض بكَ أنْ تمنَعَها من إبداء رأيها من الأصل، لا أنْ تصغي إليها ثم تقف موقف المُبرِّر أو المُدافع!
يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 15-10-2021, 10:21 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,653
الدولة : Egypt
افتراضي رد: معاناتي ومشاكلي مع زوجتي الثانية

ثانيًا: عدم تشجيعها لتصرُّفاتك الإيجابيَّة:
لا نستطيع أنْ نقطفَ عناقيدَ المَدْح من ألسنة النَّاس ولا من أقرب النَّاس، إن لم يُسقِطوها في مسامعِنا من تِلقاء ألسنتهم؛ ولا معنى لأيِّ مَدِيح إنْ لم ينبع من قَلْب المادح، والمهم هنا أنْ تقفَ على الأسبابِ التي تدفَعُ بزوجتكَ لقول هذا الكلام لكَ!
لِمَ تقول امرأةٌ لزوجِها بأنَّه مُنافق؟! لا شكَّ أنَّ هُناك شِجارًا وتلاحيًا قد سبقَ ذلك القوْل منها، وهذا يعيدُني إلى النُّقطة نفسها: نُضوب المَوَدَّة! فوَراء كُلِّ مُشكلة بينكما جَفافٌ شديدٌ في المَشاعر، وهذا الجفاف له أسبابُه العَديدة، منها هذه الخِلافات والمُشاحنات المُستمرَّة بينكما.
التَّعوُّد والنَّمطيَّة في الحياة الزَّوجيَّة من السُّموم والعِلَل التي تفتكُ بجسَد العَلاقة الزَّوجيَّة، فاعمَلا على تجديد الحُب بينكما قدر المُستطاع، ولا تنتظرَا أنْ تتَّقدَ المودَّة بينكما من تِلقاء نفسها، بل اعمَلا على الدَّوام على إبقائها مُتَّقدةً، فالزَّواج حياةٌ جميلة تستحقُّ منكما التَّضحية من أجلها.
بصفةٍ عامَّة ينبغي أنْ نمتلئ بالثِّقة بالنَّفس، ولا ننتظر مَدِيحًا أو ثَناءً من أحدٍ، لأنَّ أكثرَ النَّاس يَذمُّون ولا يمدَحون، فلا تحفل بالتَّثبيط، وكُنْ دائمًا كما يقول شاعر الأطلال: "وَاثِق الخُطْوَةِ يَمْشي مَلِكًا".

ثالثًا: كلامها صواب لا يقبل الخَطأ:
ثمَّة عوائق تحولُ بين زوجتكَ وبين تقبُّل أفكاركَ وآرائكَ؛ منها: مَشاعِر الاستياء الَّتي تشعرُ بها مثلما تشعر أنتَ بها، ولا بُدَّ من تنقية الجوِّ العاطفي من هذه المَشاعرِ الأليمة عبْر التَّنفيس الانفِعالي، وصدِّقني متى شعرَتْ زوجتُكَ بأنَّكَ قد أصغيتَ إليها بكلِّ ودِّ واهتمام، فستكون على أتَمِّ الاستعداد للإصغاءِ إليكَ، وتفهُّم مطالبكَ، وتقبُّل آرائكَ وإنْ لم تقتنعْ بها، فأصغِ إلى زوجتكَ، دعْها تتكلَّم وتُحرِّر أفكارَها، وتُنفِّس عن مَشاعِرها دُون أنْ تناقشها في عواطفها المُتألِّمة، بخاصَّة إذا تلمَّستَ في كلامها "لُغة الشَّكوى"، دعْها تشتكي - أيُّها الفاضل - فإذا لم تصغِ أنتَ إليها، فمَن إذًا؟!
أيضًا من أسباب تصلُّب الآراء: المرحلة العُمريَّة التي تعيشها؛ ففي سنِّ الأربعين يصعُب كثيرًا تغيير الأفكار والآراء، فلتضعْ ذلك في الاعتِبار، مُضافًا إليه سِمات شخصيَّتها، وما تصطبغ به من عِناد وتصلُّب، فلا بُدَّ إذًا من انتهاجِ الحِكْمة في الحِوار، مع البُعد عن لُغة الانفعال والتَّحدِّي، ومُراعاة عامل الوَقْت والمَكان.

رابعًا: قليلة التزيُّن والتَّجمُّل والتَّبعُّل:
صدِّر لزوجتكَ الاهتمام بالتَّزيُّن والتَّجمُّل وتجمَّلْ أنتَ لها، احرصْ على نظافتكَ الشَّخصيَّة، ورائحتكَ، والعناية بلحيتكَ، والبسْ بأناقة، وتعطَّر، ولا يكُن اهتمامكَ بنفسكَ فقط عند ذهابكَ لمقرِّ عملكَ، أو لحضور حفل زفاف، أو زيارة عائليَّة!
أيضًا شراء العُطور والثِّياب وأدوات الزِّينة كهدايا ممَّا يُعالج هذه المُشكلة، لكن ثمَّة مُلاحظة على هذه النُّقطة أودُّ ذكرها هُنا، وهي المُتعلِّقة باختلاف الأذواق، أحيانًا لا تنجح فكرة شراء العُطور والثِّياب لحلِّ المُشكلة بسبب اختلاف الذَّوْق بين الزَّوجيْن، فقد يحبُّ الزَّوج مثلاً أن ترتدي زوجته القميص الأصفر، وهي لا ترى هذا اللَّون مُناسبًا لها فلا ترتديه، وقد ترتديه لمرَّة واحدة فقط مجاملةً لزوجها ثم يبقى الثَّوب الأصفر في الخِزانة بقيَّة العُمر! أو قد يشتري لها قميصًا طويلاً وهي تحبُّ القصير! أو عطرًا شرقيًّا وهي تحب العطور الفرنسيَّة وهكذا، فتبقى مثل هذه الهدايا النَّفيسة مجرَّد هدايا، ولا يُستفاد منها في حلِّ المُشكلات؛ لذا وقبل أن تشتري الهديَّة لزوجتكَ اعرفْ ذَوْقها الخاص - ولا شَكَّ أنَّكَ تعرفُه الآن بِحُكم العِشْرة - ثم حاوِل الجَمْع بينه وبين ذوقكَ؛ كي يتحقَّق الهدفُ المنشود من وَراء هذه الهديَّة.
لا تَنْسَ أيضًا إخبارَ زوجتكَ بتَفضِيلاتكَ الجماليَّة بشكلٍ واضح: "الشَّعر الطَّويل أو القصير، الثَّوب الأحمر أو الأسود، رائحة الورد أو الصَّندل"، ونحو ذلك، وامتَدِحها إذا رأيتَ فيها شيئًا يُعجِبكَ، ولا تكتفِ بالابتِسام أو بمفرداتٍ عامَّة: "إِنَّكِ لجميلة، حُلوة، قمَر!..."، ولكن أخبرها "بالتَّفاصيل" الجميلة التي أعجبتكَ بها؛ كي تلتفتَ إليها وتُركِّز عليها بالاهتمام؛ كسواد الكُحل في عينيها، أو رائحة العطر في شَعْرها، أو قميصها الحريري، ونحو ذلك! امتَدِحْها ولو كَذِبًا! فهنا موضعُ الكذب الحلال، ويا عجبًا للرِّجال؛ كيف يتحرَّون الصِّدق في مثل هذه المواضع!
ثمَّة مُشكلة قد تحولُ دُون التَّقدُّم في الإصلاح، وهي التَّعوُّد، فإنَّ إحدى عشرة سنةً من الزَّمن كفيلةٌ بترسيخ العادات السَّيِّئة التي لم يتمَّ تصحيحها منذُ البداية، فقد تعوَّدتْ زوجتُكَ على ألا تتزيَّن وتتجمَّل، ويبدو أنَّكَ لم تُنبِّهها على ذلك؛ أملاً في أن تتنبَّه من تِلقاء نفسِها! وهذا لا يحدُث غالبًا، فيثبِّت الصَّمْتُ والأملُ الكَذُوب هذا الخطأَ الفادِح على مَرِّ السِّنين؛ لذا فلا بُدَّ من الصَّبر لإحْداث التَّغيير.

خامسًا: إدمانها على المُسلسلات والأفلام:
كانت زوجتُك امرأةً عامِلة (طبيبة) وجدولها مُمتلئ بالأشغال، أمَّا الآن فهي ربَّة بيتٍ تقضي جلَّ وقتها بشكلٍ نمطيٍّ، ومُمِلٍّ، وكان من المفترض أنْ تكون لديها بدائل عن مِهنة الطِّب تقومُ بعملها بعد زَواجِها، وأنْ ترسمَ لنفسها أهدافًا لما بعدَ الزَّواج، فالزَّواج لا يُعطِّل الحياة، ولكن زوجتكَ مَن عطَّلتْ نفسَها بنفسِها، وتصرَّفت كأيِّ امرأةٍ عاميَّة لم تحظَ بفُرصةٍ للتَّعليم، فأصبح التِّلفاز شغلَها الشَّاغل! وحَلُّ هذه المُشكلة ليس في كسر جِهاز الاستِقبال، بل في تشجيعِها على الإنتاج من داخِل المَنْزل، بخاصَّة في الأمور المُتعلِّقة بالنَّاحية الطِّبيَّة، لا أعني أنْ تعودَ إلى مُزاوَلة العمل في المُستشفى، ولكن شَجِّعْها على البحثِ العلميِّ من خِلال الإنترنت، وحُضور النَّدوات الطِّبيَّة في المنطقة التي تعيشون فيها، وعادةً ما تقومُ الجامعاتُ ومَراكزُ البحث العلمي بعقْد النَّدوات والمُؤتمرات العِلميَّة، وإقامة البرامج الصِّحيَّة التَّثقيفيَّة، وتنظيم فعاليَّات لأيَّامٍ مُحدَّدة في السَّنة؛ كاليوم العالميِّ للسُّكَّري، واليوم العالميُّ للطِّفل، واليوم العالميُّ للكُلَى... إلخ، بشَكلٍ دوريٍّ، فاحرِصْ أنتَ وزوجتكَ على حُضورها ولا تكن أنانيًّا! لا تسعَ لتطوير نفسكَ ومهاراتكَ، وتحبس زوجتكَ عن الدُّنيا، فأنتَ أوُّل المُتضرِّرين، وما قلتُه هنا مجرَّد اقتراح صَغِير أمام قائمةٍ طويلة يمكنكَ أنْ تُفكِّر فيها لعِلاج زوجتكَ من إدمان الأفلام والمُسلسلات.
سؤال أُوجِّهه إليكَ: ما الذي في الأفلام يجذبُ زوجتكَ إليه أكثر ممَّا يجذبها إليكَ؟! نحتاجُ كثيرًا لمُراجعة أنفسنا قبلَ أنْ نلومَ الآخرين على تصرُّفاتهم، أليس كذلك؟!

سادسًا: لا تعيشُ بدون خادمةٍ:
إنْ كان وجودُ الخادِمة ممَّا يُسهِمُ في حَلِّ المُشكلة، فلا بأسَ بوُجودها، أمَّا إفساد الرَّحلات والسَّفر بسبب الخادِمة، فهذا الذي تُلامُ عليه زوجتكَ، وقد عَقَّبت على الموقفِ الذي حدَث معك في السفر، ومع ذلك أنصحكَ هنا بالتَّغافل قليلاً، فثمَّة أمورٌ في علاقتكما أكبر من موضوع الخادمة، وينبغي تصحيحُها أولاً، ثم يمكن عبر الحوار الهادئ الاتِّفاقُ فيما بينكما على مسألة الخدم.

سابعًا: هجرها لوالدكَ وتنقُّصكَ وأهلكَ:
اسمحْ لي عندَ هذه النُّقطة بالذَّات أنْ أقول: إنَّ شَخصيَّتكَ بحاجةٍ إلى تطويرٍ! أنتَ شخصٌ لطيف جدًّا وتتجنَّب المُشكلات، حتى أصبحتْ تستهدفكَ بسهامها! وهذا اللُّطف قد قادَكَ إلى مُنحدرٍ صَعْبٍ في التَّعامل مع الآخَرين، وإلى خَسارة بيتيْن، وآنَ الأوان لتُقوِّم نفسَكَ بنَفسِكَ، وتُصحِّح أخطاءَك، وتُطوِّر ذاتك، من خِلال الدَّورات والقِراءات، والتَّعلُّم الذَّاتي، أنصحكَ هنا بقراءة كتاب "لا تكُن لطيفًا أكثر من اللازم"؛ من تأليف: ديوك روبنسون، فإنِّي آمل أنْ يعجبكَ ويفيدكَ.
واعلَمْ - هُديت - أنَّ النساءَ غير زوجتك كثيرٌ، بعدد ما في الأرض من إناثٍ، وأمَّا والداكَ فمِمَّن لا يُعْتاضُ عنه!
والداكَ - أيُّها الأخ الكريم - خطَّان أحمران لا يُسمَحُ لأحدٍ كائنًا مَن كان بتجاوُزهما، وكان حَرِيًّا بكَ أنْ تحدِّد هذه الخطوط والحدود منذ البداية.
ما ينبغي أنْ تعيه زوجتكَ الآن أنَّها غير مُطالَبةٍ بِحُبِّ والديْك، ولكن من واجبها الصِّلة والإكرامُ والاحترامُ لهما، بقطْع النَّظر عن مشاعرها تجاههما، وافعَلْ أنتَ الشَّيءَ نفسه مع والدَيْها، اسأَلْ عنهما، وحُثَّها على التَّواصل بهما إنْ كانَا على قيد الحياة.
ومرَّةً أُخرى أقولُ لكَ: صَدِّرْ لزوجتكَ الأخلاقَ الحميدة، وحَدِّدْ مواقفكَ في تعامُلها معكَ ومع والدَيْكَ، وقوِّ شخصيَّتكَ، وتذكَّر أنَّ احترامَ الآخرين لنا منبعُه احترامنا لذَواتِنا، وعدَم السَّماح لهم بتجاوُز الحُدود المرسومة بيننا وبينهم، ثم إذا استنفدتَ كافَّة الحُلول دُون فائدة، يكونُ أمامكَ خيارَا الطَّلاق والزَّواج الثَّالث، ولكلٍّ منهما تفصيلٌ:
أوَّلاً: الطَّلاق:
مُشكلتنا الحقيقيَّة أنَّنا نُسيءُ فهْم الطَّلاق، ونتلاعبُ به، ولا نُحسِنُ استخدامه لحلِّ المُشكِلات الزَّوجيَّة، وهذا ما يدفعني للوقوف قليلاً لشَرْح هذه الكلمة التي جُرِّدت من معانيها الدَّالَّة عليها!
يُعرِّفُ بات كونرواي الطَّلاق بقوله: "الطَّلاق هو مَوْت حَضَارةٍ صغيرة، يُعلِنُ أحدُ الزَّوجين حَرْبًا على الآخَر"! وهذا التَّعريف يُلامس الواقع إلى حَدٍّ كبيرٍ متى ما كان الطَّلاق بائنًا بينونةً كُبرى، وأمَّا الطَّلاق بمفهومه الشَّرعي، فليس إلا فُرصة جديدة لإعادة إعمار هذه الحَضارة الصَّغيرة!
حين يقول ربُّ العزَّة والجَلال: ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ﴾[البقرة: 229]، فالمعنى: أنَّ فُرصتين أمامَ الأزواج للتَّفكير في مَصِير حَياتهم الزَّوجيَّة، فالطَّلاق بهذا المعنى مُجرَّد انفِصالٍ جنسيٍّ، لا أقولُ: انفصال جسدي؛ لأنَّ الزَّوجة تبقَى في البيْت بعد طَلاقها؛ لقول الله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴾ [الطلاق: 1].
فهي لا تنفصل عن زوجها بجسدِها بالكامِل، وهذا ما يُؤكِّد على أنَّ مفهومَ الطَّلاق الشَّرعيِّ ليس الفِراق الأبدي، بل فُرصةٌ طويلة لمراجعة الذَّات.
وفي "لسان العرب": "الطالِقُ من الإِبل: التي طُلِقت في المرَعى، وقيل: هي التي لا قَيْد عليها"، فالطَّلاق هو حلٌّ من قيدٍ موجع؛ كي تُفكِّر المرأة بشكلٍ أفضل، فلا تبتَئِسُ من كلمة الطَّلاق إذا سمعَتْها من زوجها!
وصحيحٌ أنَّ الطَّلاق مُؤلِمٌ نفسيًّا للمرأة، إلا أنَّه بهذا الفِهْم أشدُّ إيلامًا للرَّجل من النَّاحية الجسديَّة؛ لأنَّه يُرغِمه على العَيْش مع امرأة في بيتٍ واحدٍ من دون أنْ يمسَّها أو يلمسها لمدَّةٍ قد تصلُ إلى ثلاثة أشهُر! وهذه واحدةٌ من الحِكَمِ الرَّائعة لقَضاء المرأة عِدَّتها في بيت زوجها؛ كونه أدعى لعودة المياه إلى مَجارِيها، فدِينُنا حريصٌ على إبقاء العَلاقة الزَّوجيَّة لا على حلِّها كما يتوهَّم مَن يستعملُ هذه الكَلِمة في هدم البيُوت!
لو أنَّ النَّاس فهموا الطَّلاق على حقيقته، ولو أنَّ كلَّ زوجةٍ لزمَتْ بيتها إذا طُلِّقتْ، ما كنَّا نُعاني من ارتفاع مُعدَّلات الطَّلاق بين الأزواج بهذا الشَّكل المُخيف، وإذا فهمتَ - أيُّها الأخ الكريم - معنى الطَّلاق بهذا المعنى الذي شرحتُه لكَ آنفًا، أمكنني ساعتئذٍ أنْ أقول لكَ: جرِّب الطَّلاق كآخِر الحُلول، شريطة أنْ تَعِيَ زوجتكَ الكريمة أيضًا هذا المعنى؛ ليتحقَّق الهدَف المنشودُ من الطَّلاق كما شرَعَه الله - عزَّ وجلَّ - ثم يكون الأمرُ بعد ذلك كما يقول - تعالى -: ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾ [البقرة: 229].

ثانيًا: الزَّواج الثَّاني:
قبلَ الإقْدام على زَواجٍ ثانٍ أو ثالثٍ أو رابع، لا بُدَّ من حَلِّ بعض النِّقاط الفاصلة؛ لضَمان نجاح هذا الزَّواج:
التَّعلُّم من الأخطاء السَّابقة: لقد تزوَّجتَ الثَّانية إِثْرَ خِلافاتٍ بينكَ وبين الأُولى، ولم تترُكْ لعقلكَ فُرصة التَّفكير في العَواقب، بل ألقيتَ أَزِمَّة أمركَ إلى قلبكَ وهواكَ؛ ولهذا قلتُ لكَ منذ البداية: لا تتَّخذ أيَّ قرارٍ اليوم؛ كي لا يتكرَّر الأمرُ مرَّة ثانيةً، فأنتَ تعيشُ اليوم خِلافات زوجيَّة مع الزَّوجة الثَّانية مثلما كنتَ تعيشها من قبلُ مع الأولى! فهل تريد أنْ تتزوَّج إِثْر كلِّ خِلاف؟! تخيَّرِ الزَّوجة الصَّالحة التي تُشاكلكَ قبلَ الإقبال على الزَّواج، وحَتْمًا ستقرُّ عينكَ بواحدة.
من الأسباب الأخرى التي تدفَعُني بنُصحكَ بعدَم التَّعدُّد هذا التَّفسيرُ اللَّطيف لمعنى ﴿ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ﴾ [النساء: 3]، فعند ابن كثيرٍ: "قال بعضهم: ذلك أدنى ألا تكثر عيالكم، قاله زيدُ بن أسلم وسفيان بن عيينة والشَّافعيُّ - رحمهم الله - وهو مأخوذٌ من قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً ﴾ [التوبة: 28]؛ أي: فقرًا، ﴿ فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ ﴾[التوبة: 28]...".
وقد أصبَحَ لديكَ عيالٌ من الزَّوجتيْن، وسيكونُ لكَ - بمشيئة الله - عيالٌ من ثالثة، فما مصيرهم؟!
الأبناء: قبل أنْ تُقرِّر الارتباطَ بامرأةٍ فكِّر في الرِّباط الذي يجمَعُ بين أبنائكَ من زوجتيكَ، فهؤلاء الصِّغار اليوم ذوو قُلوبٍ بيضاء، لا غِلَّ فيها ولا حَسَد، لكنَّهم إذا كبروا ستفسد قلوبهم، وسيعسر عليكَ الجمعُ بينهم، وعندما يكبرون ويُدرِكون حقيقةَ أحوالهم، سيلومونكَ وحدَك على هذه الفُرقة؛ وستتَسبَّب في تشويه صُورة التَّعدُّد في أذهانهم، وكنتُ قد قلتُ لكَ بضَرورة الفصْل بين حياة الزَّوجتيْن، إلا أنَّ حياةَ الأبناء ممَّا ينبغي جمْع شمله، والسَّماح لهم بزيارة بعضهم بعضًا خِلال زياراتكَ لأمَّهاتهم، وفصل مُشكلات أمَّهاتهم عن علاقاتهم ببعضهم البعض؛ لأنَّه لا ذنبَ لهم في كلِّ ما يجري.
وإذا تزوَّجتَ امرأةً ثالثة، فأخبِرْها بذلك، ولا تُقبل على الزَّواج بمنتهى الأنانيَّة، بل فَكِّرْ في مصير هؤلاء الأولاد معكَ، ومَن لا تَقبَل بأولادكَ واجتماع شَمْلِهم، فأنتَ عنها في غِنى!
القِيَم المُشترَكة: من المهم أنْ تبحثَ عن امرأةٍ تُشارككَ أفكاركَ، وتطلُّعاتكَ، واهتماماتكَ، امرأة تُشاكلكَ في تديُّنكَ وقِيَمكَ ومَبادئكَ، امرأة تُقاسمكَ الآمال والآلام والأحلام، وحَذارِ أنْ ترتبطَ بامرأةٍ على غير منهجكَ وفي نيِّتكَ إصلاحها وهِدايتها؛ لأنَّكَ مهما فعلتَ فلن تهديها؛ ﴿ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾ [البقرة: 272]، ولن تُغيِّرها إلا أنْ يشاء الله؛ ﴿ وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [التكوير: 29].
العَلاقة الحميمة: إذا تزوَّجتَ وعاشَ معكَ أبناؤكَ أو أبناء الزَّوجة الثَّالثة - إذا سبَق لها الزَّواج - فمن المهمِّ رسمُ حُدود العلاقة الحميمة منذُ البداية، والاتِّفاق على أوقاتٍ مُحدَّدة لنوم الأطفال، وتخصيص غُرَفٍ خاصَّة للَّعِبِ والنَّوم؛ للإبْقاء على العلاقة الحميمة مُتَّقدةً دُون مُشكلاتٍ أو مُنغِّصات.
ولولا أنَّ هذا الشَّرح لم يكن من ذِكره بُدٌّ، لاقتضبتُ الكلام واختصرتُ الجواب، ولكن يمنَعُني ضميري عن كَتْم عِلْمٍ قد يفيد في إصلاح بيتٍ أو حلِّ مشكلةٍ، فعسى الله أنْ ينفَعَكَ به، ويصلح لكَ زوجَكَ، ويُباركَ لكَ في مالكَ وعِيالكَ، ويقرَّ عينيكَ بِمَنْ تحبُّكَ وتُرضيكَ، آمين.

والله - سبحانه وتعالى - أعلمُ بالصَّواب، والحَمْدُ لله وسَلامٌ على عِباده الذين اصْطَفَى.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 95.25 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 92.91 كيلو بايت... تم توفير 2.34 كيلو بايت...بمعدل (2.46%)]