من درر الأعلام - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3943 - عددالزوار : 386364 )           »          عرش الشيطان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          أسلحة الداعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 66 - عددالزوار : 16164 )           »          لماذا يرفضون تطبيق الشريعة؟! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          واحة الفرقان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 15 - عددالزوار : 3118 )           »          الأيادي البيضاء .. حملة مشبوهة وحلقة جديدة من حلقات علمنة المرأة المسلمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          التوبـة سبيــل الفــلاح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          حقيقة العلاج بالطاقة بين العلم والقرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          طرق تساعد على تنمية ذكاء الطفل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 98 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى حراس الفضيلة

ملتقى حراس الفضيلة قسم يهتم ببناء القيم والفضيلة بمجتمعنا الاسلامي بين الشباب المسلم , معاً لإزالة الصدأ عن القلوب ولننعم بعيشة هنية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29-06-2021, 01:59 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,560
الدولة : Egypt
افتراضي من درر الأعلام

من درر الأعلام - عوامـــــل إصـــــــــــلا ح المجتمع

وائل رمضان



الشيخ: عبد العزيز بن عبدالله بن باز -رحمه الله

المجتمع في أشد الحاجة إلى الإصلاح، وفي أشد الحاجة إلى أن يسير على النهج القويم، وأن يأخذ بالعوامل والأسباب والوسائل التي بها صلاحه، وأن يسير على النهج الذي سار عليه خيرة هذه الأمة، خليل الرحمن وصفوته من عباده، سيدنا محمد بن عبدالله -عليه الصلاة والسلام.

العوامل التي بها صلاح المجتمع

ومعلوم أن العوامل التي بها صلاح المجتمع، هي العوامل التي قام بها إمام المرسلين، وخاتم النبيين - صلى الله عليه وسلم-، وقام بها صحابته الكرام وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون المهديون، ومن معهم من الصحابة -رضي الله عن الجميع-، وجعلنا من أتباعهم بإحسان، ومن المعلوم أن هذه العوامل قام بها نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - في مكة أولا، ثم في المدينة، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا الذي صلح به أولها، كما قال أهل العلم والإيمان، والمعنى: أن الذي صلح به أولها وهو اتباع كتاب الله وسنة رسوله الكريم - صلى الله عليه وسلم - هو الذي يصلح به آخرها إلى يوم القيامة.

السبيل إلى الإصلاح

ومن أراد صلاح المجتمع بغير الطريق والوسائل والعوامل التي صلح بها الأولون فقد غلط، وقال غير الحق، فليس إلى غير هذا من سبيل، إنما السبيل إلى إصلاح الناس وإقامتهم على الطريق السوي، هو السبيل الذي درج عليه نبينا -عليه الصلاة والسلام-، ودرج عليه صحابته الكرام ثم أتباعهم بإحسان إلى يومنا هذا، وهو العناية بالقرآن العظيم، والعناية بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ودعوة الناس إليهما والتفقه فيهما، ونشرهما بين الناس عن علم وبصيرة وإيضاح ما دل عليه هذان الأصلان من الأحكام في العقيدة الأساسية الصحيحة.

أصلان مهمان

- أصلان وأساسان مهمان: هما أساس الإسلام، وأساس صلاح هذه الأمة، من أخذ بهما واستقام عليهما عملاً وعلماً ودعوةً وصبرًا، استقام له أمره وأصلح الله به الأمة، على قدر جهاده وقدرته وأسبابه، ومن أضاعهما أو أضاع أحدهما ضاع وهلك.

- الأصل الأول: بيان حدود الله

- الأول: بيان المحارم التي يجب على المجتمع الإسلامي الحذر منها، وبيان الحدود التي حدها الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، حتى يقف عندها، كما قال -عز وجل-: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا} (البقرة:187)، وهي المحارم نهى عن قربانها باقتراف المعاصي، كما نهى عن تعدي الحدود التي حدها لعباده وهي ما فرضه عليهم، وألزمهم به من العبادات والأحكام.

الأصل الثاني: الدعوة إلى التوحيد

والثاني: هو أول عمل فعله النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأول أساس رسمه، أنه دعا الناس إلى توحيد الله، وإخلاص العبادة له، هذا أول عمل، وهذا أول أساس تكلم به ودعا إليه وسار عليه، هو دعوة الناس إلى توحيد الله، وإرشادهم إلى تفاصيل ذلك، والكلمة التي دلت على هذا المعنى هي قول: «لا إله إلا الله»، هذه هي الأساس المتين، ومعها شهادة أن محمدًا رسول الله.

الواجب على طلبة العلم

فالواجب على طلبة العلم-وهم أمل الأمة بعد الله عز وجل في القيادة المستقبلة، وهم رجال الغد- أن يقودوا السفينة بحكمة وإخلاص وصدق، وأن يعنوا بالأساس، وأن يعرفوا العامل الوحيد العظيم الذي عليه الارتكاز، الذي يتبعه ما سواه، وهو العناية بتوحيد الله والإخلاص له، والعناية بالإيمان بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، وأنه رسول الله حقاً، وأن الواجب اتباعه، والسير في منهاجه، وأن صحابته هم خير الأمة، وهم أفضلها، فيجب حسن الظن بهم، واعتقاد عدالتهم، وأنهم خير الأمة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنهم حملة السنة وحملة القرآن، فوجب السير على منهاجهم والترضي عنهم جميعاً، واعتقاد أنهم خير الناس، وهم أفضل الناس بعد الأنبياء، كما ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم وهناك أحاديث أخرى دلت على ذلك.

تعظيم أمر الله ونهيه

ويجب على طالب العلم أن يعظم أمر الله ونهيه، وأن يستقر خوف الله في قلبه، فوق جميع الأشياء، وأن يعظم أمره ونهيه، وألا يبالي بما يرجف به المرجفون ضد الحق وأهله ثقة بالله، وتصديقاً لما وعد رسوله محمداً - صلى الله عليه وسلم- الرسل كافة كما في قوله -جل وعلا-: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُ مْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّ كُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيد} (إبراهيم:13- 14) الآية، فطالب العلم العالم والموجه، والقائد البصير لا يبالي بإرجاف عباد القبور، ولا بإرجاف الخرافيين، ولا بإرجاف من يعادي الإسلام من أي صنف، بل يصمد في الميدان، ويصبر ويعلق قلبه بالله، ويخافه -سبحانه-، ويرجو منه النصر -جل وعلا-، فهو الناصر وهو الولي -سبحانه وتعالى-، وقد وعد أن ينصر من ينصره فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (محمد:7) ويقول -سبحانه-: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} (الروم:47)، لكن بالشرط وهو التمسك بدين الله، والإيمان به، والإيمان برسوله - صلى الله عليه وسلم -، والاستقامة على دين الله.

وعد الله -عز وجل

هذا هو السبب، وهذا هو الشرط في نصر الله لنا، كما قال -عز وجل-: {وَلَينصرن اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} (الحج:40-41)، وفي الآية الأخرى يقول -سبحانه-: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَن َّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنّ َ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنّ َهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} (النور:55)، فهذا وعده -عز وجل- لمن استقام على الإيمان والهدى والعمل الصالح: أن الله يستخلفه في الأرض ويمكن له دينه، ويؤمنه ويعيذه من شر الأعداء ومكائدهم وينصره عليهم.

تحقيق شهادة أن محمداً رسول الله

ومن تحقيق شهادة أن محمداً رسول الله تعظيم سنته، والدعوة إليها وتنفيذ مقاصدها، والتحذير من خلافها، وتفسير القرآن الكريم بها فيما قد يخفى من آياته، فإنه يفسر بالسنة ويوضح بها، فالسنة توضح القرآن وتبينه وتدل عليه، وتعبر عنه، كما قال: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (النحل:44)، هذا الأساس العظيم يجب أن يكون منه المنطلق للدعاة المخلصين، والمصلحين في الأرض، الذين يريدون أن يتولوا إصلاح المجتمع والأخذ بيده إلى شاطئ السلامة، وسفينة النجاة، كي يرتكز هذا الإصلاح على أعظم عامل، وهو الإخلاص لله في العبادة والإيمان برسوله -عليه الصلاة والسلام-، وتعظيم أمره ونهيه، باتباع شريعته والحذر مما يخالفها.

الدعوة إلى فرائض الله -عز وجل

ثم بعد ذلك ينظر في العوامل الأخرى التي هي تابعة لهذا الأساس، فيدعو إلى أداء فرائض الله من صلاة وزكاة وصوم وحج، وغير ذلك، وينهى عن محارم الله من الشرك وما دونه من سائر المعاصي والشرور، ويسعى بالإصلاح بين الناس بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله وإصلاح ذات البين، إلى غير ذلك، فهو ساع بكل جهده إلى إقامة أمر الله في أرض الله، وإلى ترك محارم الله والوقوف عند حدود الله، وإلى الحذر من البدع المحظورة في الدين، هكذا يكون المصلح الموفق يأخذ العوامل عاملاً عاملاً مع مراعاة الأساس المتين، وهو تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله علماً وعملاً، فهو يعلمها الناس ويعمل بها في نفسه، فيوحد الله، ويخصه بالعبادة وينقاد لشريعته خلف رسول الله محمد - صلى الله عليه وسلم -، يتلقى السنة ويعظمها كما عظمها الصحابة، ويسير على نهجها وعلى مقتضاها مع كتاب الله كما سار الصحابة، فإن علم الصحابة من كتاب الله ومن سنة رسوله -عليه الصلاة والسلام-، ما عندهم كتب أخرى، وإنما جاءت الكتب بعدهم.

الإخلاص والصدق

وكل عامل من عوامل الإصلاح يتطلب إخلاصًا وصدقًا، والعوامل تتعدد بحسب ما تدعو إليه، وما تنهى عنه، فأنت تجتهد في اختيار العامل الذي تقوم به، العامل الشرعي الذي عرفت أصله، وعرفت مأخذه من كتاب الله، ومن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، فأنت تدعو الناس إلى دين الله، وإلى أداء فرائض الله، وإلى ترك محارم الله على الطريقة التي سلكها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والعوامل والمجتمعات تختلف، فالمجتمع المحارب للدين، الذي ليس فيه قائد يعينك على الإصلاح والتوجيه تعمل فيه كما عمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مكة، تدعو إلى الله بالحسنى وبالأسلوب الحسن، وبالكلمات اللينة، حتى يدخل ما تقول في القلوب، وحتى يؤثر فيها فيحصل بذلك انجذاب القلوب إلى طاعة الله وتوحيده، وتتعاون مع إخوانك ومن سار على نهجك في دعوة الناس وإرشادهم بالطرائق اللينة في المجتمعات التي يمكن حضورها حتى يثبت هذا الإيمان في القلوب، وحتى ينتشر بين الناس بأدلته الواضحة.

التناصح والتواصي بالحق

وعلى الداعي أيضا إلى الله -سبحانه- والراغب في الإصلاح أن يراعي عاملين آخرين، سوى العاملين السابقين وهما: عامل التناصح والتواصي بالحق مع إخوانه وزملائه ومع أعيان المجتمع وقادته، وعامل الصبر على ما قد يقع من الأذى من الأعيان أو غيرهم، عملاً بما دلت عليه السورة السابقة وهي قوله -سبحانه-: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (العصر:1-3)، وكل من سلك مسلك الرسل من الدعاة والمصلحين، نجح في دعوته، وفاز بالعاقبة الحميدة والنصر على الأعداء ومن سبر ذلك، ودرس أخبار المصلحين وسيرتهم علم ذلك وتحققه.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 29-06-2021, 02:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,560
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من درر الأعلام

من درر الأعلام
- العناية بالشخصية المسلمة

وائل رمضان





الشيخ: عبدالله السبت - رحمه الله
في عصرنا هذا تتنازع شباب الأمة أمور شتى، ودعاة يدعونهم للضلالة، ويجملون لهم طريق الغواية؛ ليحرفوهم عن الجادة، والسلف قد عنوا عناية خاصة بالشخصية المسلمة تعليمًا وتربية، وقد تنكب القوم عن دربهم، فكانت النتيجة التي نشاهد آثارها، ولذلك كان لزامًا العناية بالشخصية المسلمة.

والناظر لشخصية الأمة اليوم يرى تباينًا في شخصيتها، وصدق الله إذ يقول: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} الآية.
من تَخبَّطه الشيطان
من الأمة من تخبطه الشيطان، فاتخذ لنفسه ثوبًا غير ثوب الإسلام، نسجه بالبدع والخرافة، وخاطه بالهوى والانحراف، وهو يحسب أنه يحسن صنعاً، ومنهم من تتصارعهم مذاهب شتى، فشخصيتهم إسلامية، ولكنهم خلطوا عملاً صالحًا وآخر سيئًا.
ومنهم من أصّل لنفسه منهجًا مغايرًا للهدي النبوي الشريف تنطعاً، فهو لا يعرف إلا منهجه ودليله: «خالف تعرف»، وهو لا يعرف إلا أسلوب القهر والانفراد بالرأي، وفرض مبدأ القمع باسم الإسلام.
أصحاب الفكر المستنير
ومنهم من يدعي أنه من أصحاب الفكر المستنير، فيدعون إلى الحوار وتجديد الفكر الإسلامي في إطار حرية الفكر والتعبير؛ لصياغة واقع حضاري يواكب معطيات العصر دون الانقطاع عن قيم التراث، وهم والله كاذبون ويتلاعبون بالألفاظ والمصطلحات، ويدّعون فقه الواقع، والحقيقة أنهم يهدمون أكثر مما يبنون، ويذوبون أكثر مما يتميزون، وهم أجهل الناس بفقه الواقع، {مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ}.
الانتساب لمنهج السلف
ومنهم من انتسب إلى منهج السلف (منهج الصحابة)، وحُقَّ له الانتساب، واتخذوهم قدوة لهم يهتدون بهديهم، ويسيرون على طريقتهم، أليس الصحابة هم أعلم الناس بسنة نبيهم - صلى الله عليه وسلم - وهديه وأخلاقه وغزواته وما يتصل به؟ قال -تعالى-: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}، وقوله - صلى الله عليه وسلم - لما سئل عن الفرقة الناجية: من هي يا رسول الله؟ قال: «الجماعة». وفي رواية «ما أنا عليه وأصحابي»، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «لا عيب على من أظهر مذهب السلف وانتسب إليه واعتزى إليه، بل يجب قبول ذلك منه بالاتفاق، فإن مذهب السلف لا يكون إلا حقاً».
لهذه الأمة شخصية واضحة
فإن الله -سبحانه وتعالى- لما أرسل رسوله - صلى الله عليه وسلم - أراد -جل وعلا- أن تكون هذه الأمة أمةً مميزة ظاهرة بارزة تخالف الأمم كلها في كل شيء، أراد أن تكون لهذه الأمة شخصية واضحة، ولذلك كان من حرصه -صلوات الله وسلامه عليه- مخالفة اليهود والنصارى والمشركين في كل شيء، حتى قالت اليهود: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه، كما في حديث أنس -رضي الله عنه- أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوها في البيوت، فسأل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأنزل الله -تعالى-: {وَيَسألونك عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} الآية، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اصنعوا كل شيء إلا النكاح» الحديث، فبلغ ذلك اليهود، فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه، فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر فقالا: يا رسول الله، إن اليهود تقول كذا وكذا، أفلا نجامعهن؟ فتغير وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى ظننا أنْ قد وجد عليهما، فخرجا فاستقبلهما هدية من لبن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأرسل في آثارهما، فسقاهما، فعرفا أن لم يجد عليهما.
المخالفة في كل شيء
فالمخالفة لهؤلاء في كل شيء: في الصلاة، في النعال، وفي فرق الشعر، حتى في هيئة اللباس، وذلك لتكون هذه الأمةُ أمةً مميزة، وهذا التميز لا يرضى عنه أعداء الله، ولذلك وضع الله -عز وجل- لنا القاعدة الثابتة، فقال -تعالى-: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم}، فلا تصدق أن اليهود والنصارى سيرضون عنك في يوم من الأيام، إلا أن تكون مثلهم، أما هم فلا يمكن أن يكونوا مثلك إلا إذا أسلموا، فمن جاملك من اليهود والنصارى أو المشركين؛ فإنما هو يجامل لإفساد دينك، وأما الرضى عنك فلن يكون.
الصحابة تربوا على التميز
والصحابة - رضوان الله عليهم - تربّوا على التميز، فوجدت في الأمة شخصية مميزة يعرف بها المسلم في كل شيء: في حياته، في أكله، وفي شربه، وفي لباسه وبيته، فهو مميز، وهذه الشخصية السنية حافظ عليها الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين-، وحافظ عليها من تبعهم من أئمة الدين.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 07-07-2021, 04:09 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,560
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من درر الأعلام

من درر الأعلام
وجــــوب الرجــــوع إلى السنة وتحريــــم مخالفتها



وائل رمضان


الشيخ: محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله
إن من المتفق عليه بين المسلمين الأولين كافة، أن السنة النبوية -على صاحبها أفضل الصلاة والسلام- هي المرجع الثاني والأخير في الشرع الإسلامي، في نواحي الحياة كلها من أمور غيبية اعتقادية، أو أحكام عملية، أو سياسية، أو تربوية، وأنه لا يجوز مخالفتها في شيء من ذلك لرأي أو اجتهاد أو قياس، كما قال الإمام الشافعي -رحمه الله- في آخر (الرسالة): «لا يحل القياس والخبر موجود»، ومثله ما اشتهر عند المتأخرين من علماء الأصول: «إذا ورد الأثر بطل النظر»، «لا اجتهاد في مورد النص»، ومستندهم في ذلك الكتاب الكريم، والسنة المطهرة.
والقرآن يأمر بالاحتكام إلى سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - منها قوله -تعالى-: {فَإِنَّ الذِّكْرَ*ى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} (الذاريات:55)، وقوله -تعالى-: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّـهُ وَرَ*سُولُهُ أَمْرً*ا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَ*ةُ مِنْ أَمْرِ*هِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّـهَ وَرَ*سُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا} (الأحزاب:36)، وقوله -عز وجل-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّـهِ وَرَ*سُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (الحجرات:1)، وقوله -تعالى-: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّـهَ وَالرَّ*سُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِ*ينَ} (آل عمران:32)، وقوله -تعالى-: {وَأَرْ*سَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَ*سُولًا وَكَفَى بِاللَّـهِ شَهِيدًا. مَّن يُطِعِ الرَّ*سُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّـهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْ*سَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} (النساء:80). وقوله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّ*سُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ* مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُ*دُّوهُ إِلَى اللَّـهِ وَالرَّ*سُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ* ذَلِكَ خَيْرٌ* وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (النساء:59)، وقوله -تعالى-: {وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَرَ*سُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِ*يحُكُمْ وَاصْبِرُ*وا إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الصَّابِرِ*ينَ} (الأنفال:46)، إلى غير ذلك من الآيات المباركات.
الأحاديث الداعية إلى اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم
دعت أحاديث عدة إلى اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - في كل شيء، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى»، قالوا: ومن يأبى؟ قال: «من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى» (أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاعتصام)، وعن أبي موسى - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنما مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قومًا فقال: يا قوم إني رأيت الجيش بعيني، وإني أنا النذير العريان، فالنجاء النجاء، فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا، فانطلقوا على مهلهم فنجوا، وكذبت طائفة منهم، فأصبحوا مكانهم، فصبحهم الجيش، فأهلكهم واجتاحهم، فذلك مثل من أطاعني فاتبع ما جئت به، ومثل من عصاني وكذب بما جئت به من الحق» (أخرجه البخاري ومسلم). وعن أبي رافع - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله: «لا ألفين أحدكم متكئًا على أريكته، يأتيه الأمر من أمري، مما أمرت به أو نهيت عنه، فيقول: لا أدري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه وإلا فلا» (رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه وابن ماجه والطحاوي وغيرهم بسند صحيح)، وعن المقدام بن معدي كرب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله: «ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حرام فحرموه، وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله، ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السباع، ولا لقطة معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه، فإن لم يقروه، فله أن يعقبهم بمثل قراه» (رواه أبو داود والترمذي والحاكم وصححه وأحمد بسند صحيح)، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله: «تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهم (ما تمسكتم بهما) كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض» (أخرجه مالك مرسلًا، والحاكم مسندًا وصححه).
ما تدل عليه النصوص السابقة
في هذه النصوص من الآيات والأحاديث أمور مهمة جدًا يمكن إجمالها فيما يلي:
- أنه لا فرق بين قضاء الله وقضاء رسوله، وأن كلًّا منهما، ليس للمؤمن الخيرة في أن يخالفهما، وأن عصيان الرسول كعصيان الله -تعالى-، وأنه ضلال مبين.
- أنه لا يجوز التقدم بين يدي الرسول كما لا يجوز التقدم بين يدي الله -تعالى-، وهو كناية عن عدم جواز مخالفة سنته، قال الإمام ابن القيم في (إعلام الموقعين) (1/ 58): «أي: لا تقولوا حتى يقول، وتأمروا حتى يأمر، ولا تفتوا حتى يفتي، ولا تقطعوا أمرًا حتى يكون هو الذي يحكم فيه ويمضي».
- أن الرضى بالتنازع، بترك الرجوع إلى السنة للخلاص من هذا التنازع؛ سبب مهم في نظر الشرع لإخفاق المسلمين في جميع جهودهم، ولذهاب قوتهم وشوكتهم.
- التحذير من مخالفة الرسول لما لها من العاقبة السيئة في الدنيا والآخرة.
- استحقاق المخالفين لأمره الفتنة في الدنيا، والعذاب الأليم في الآخرة.
- وجوب الاستجابة لدعوة الرسول وأمره، وأنها سبب الحياة الطيبة، والسعادة في الدنيا والآخرة.
- أن طاعة النبي سبب لدخول الجنة والفوز العظيم، وأن معصيته وتجاوز حدوده سبب لدخول النار والعذاب المهين.
- أن من صفات المنافقين الذين يتظاهرون بالإسلام ويبطنون الكفر أنهم إذا دُعُوا إلى أن يتحاكموا إلى الرسول وإلى سنته، لا يستجيبون لذلك، بل يصدون عنه صدودًا.
- وأن المؤمنين على خلاف المنافقين، فإنهم إذا دعوا إلى التحاكم إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - بادروا إلى الاستجابة لذلك، وقالوا بلسان حالهم وقالهم: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} (النور:51)، وأنهم بذلك يصيرون مفلحين، ويكونون من الفائزين بجنات النعيم.
- وأن سنته - صلى الله عليه وسلم - هي بيان لما أنزل إليه من القرآن.
- وأن القرآن لا يغني عن السنة، بل هي مثله في وجوب الطاعة والاتباع، وأن المستغني به عنها مخالف للرسول عليه الصلاة والسلام غير مطيع له، فهو بذلك مخالف لما سبق من الآيات.
- أن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله، وكذلك كل شيء جاء به رسول الله مما ليس في القرآن، فهو مثل ما لو جاء في القرآن لعموم قوله: «ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه».
- أن العصمة من الانحراف والضلال إنما هو التمسك بالكتاب والسنة، وأن ذلك حكم مستمر إلى يوم القيامة، فلا يجوز التفريق بين كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - تسليمًا كثيرًا.
لزوم اتباع السنة
هذه النصوص المتقدمة من الكتاب والسنة كما أنها دلت دلالة قاطعة على وجوب اتباع السنة اتباعًا مطلقًا في كل ما جاء به النبي، وأن من لم يرضَ بالتحاكم إليها والخضوع لها فليس مؤمنًا، فإني أريد أن ألفت نظركم إلى أنها تدل بعموماتها وإطلاقاتها على أمرين آخرين مهمين أيضًا:
تشمل كل من بلغته الدعوة
- الأول: أنها تشمل كل من بلغته الدعوة إلى يوم القيامة، وذلك صريح في قوله -تعالى-: {لِأُنذِرَ*كُم بِهِ وَمَن بَلَغَ} (الأنعام:19)، وقوله: {وَمَا أَرْ*سَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرً*ا وَنَذِيرً*ا} (سبأ:28)،
تشمل كل أمور الدين
- والثاني: أنها تشمل كل أمر من أمور الدين، لا فرق بين ما كان منه عقيدة علمية، أو حكمًا عمليًا، أو غير ذلك.
تحكُّم الخلف في السنة بدل التحاكم إليها
ثم خلف من بعدهم خلف أضاعوا السنة النبوية وأهملوها، بسبب أصول تبناها بعض علماء الكلام، وقواعد زعمها بعض علماء الأصول والفقهاء المقلدين، كان من نتائجها الإهمال المذكور الذي أدى بدوره إلى الشك في قسم كبير منها، ورد قسم آخر منها لمخالفتها لتلك الأصول والقواعد، فتبدلت الآية عند هؤلاء، فبدل أن يرجعوا بها إلى السنة ويتحاكموا إليها، فقد قلبوا الأمر، ورجعوا بالسنة إلى قواعدهم وأصولهم، فما كان منها موافقًا لقواعدهم قبلوه، وإلا رفضوه، وبذلك انقطعت الصلة التامة بين المسلم وبين النبي - صلى الله عليه وسلم -، وخاصة عند المتأخرين منهم، فعادوا جاهلين بالنبي وعقيدته وسيرته وعبادته، وصيامه وقيامه وحجه وأحكامه وفتاويه، فإذا سُئلوا عن شيء من ذلك أجابوك إما بحديث ضعيف أو لا أصل له، أو بما في المذهب الفلاني، فإذا اتفق أنه مخالف للحديث الصحيح وذكروا به لا يذكرون، ولا يقبلون الرجوع إليه لشبهات لا مجال لذكرها الآن، وكل ذلك سببه تلك الأصول والقواعد المشار إليها.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 04-08-2021, 12:38 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,560
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من درر الأعلام

من درر الأعلام
- واجب الشباب تجاه دينهم


وائل رمضان

الشيخ: عبد العزيز بن عبدالله بن باز -رحمه الله

الشباب لهم شأن كبير؛ لأنهم عصب الأمة وقوتها بعد الله -تعالى-، ويرجى فيهم الخير العظيم والنصر لدين الله في مستقبل الزمان إذا استقاموا وتثقفوا في الدين، كما يرجى فيهم النفع للأمة والرفع من شأنها وإعلاء دين الله وجهاد أعدائه، وعلى الشباب واجب كبير في نصر الحق وأهله ومكافحة الباطل والدعاة إليه.

فالواجب على كل شاب مكلف أن يهتم بدينه وأن يعتني به وأن يتفقه فيه من طريق الكتاب والسنة بواسطة العلماء المعروفين بالعلم والفضل وحسن العقيدة، حتى يستقيم على دينه على بصيرة ويدعو إليه على بصيرة، وحتى يدع ما حرم الله عليه على بصيرة، وطريق ذلك العناية بالقرآن الكريم حفظا وتدبرا وتعقلا والإكثار من تلاوته؛ لأنه صراط الله المستقيم، وحبله المتين، وذكره الحكيم، ولأنه الهادي إلى كل الخير، كما قال -سبحانه-: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ (الإسراء:9) وقال -تعالى-: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًىَ وشِفَاءٌ} (فصلت:44) وقال -جل وعلا-: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبَابِ} (ص:29).

الاعتناء بسنة النبي - صلى الله عليه وسلم

وعلى الشباب أيضا وغيرهم من المسلمين أن يعتنوا بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهي أحاديثه وسيرته، ويتفقهوا فيها ويحفظوا ما تيسر منها، ويدعوا الناس إلى ذلك؛ لأنها الوحي الثاني والأصل الثاني من أصول الشريعة بإجماع أهل العلم كما قال -تعالى-: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} (النجم:1-4) وقال -سبحانه-: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} (النور:54) وقال -عز وجل معظما شأن الكتاب والسنة في آخر سورة الشورى-: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} (الشورى:52-53) فأخبر -سبحانه- في هذه الآية الكريمة أن القرآن والسنة روح تحصل به الحياة للعباد، ونور تحصل به الهداية لمن شاء الله منهم.


التفقه في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم

فجدير بأهل العلم من الشباب وغيرهم أن يعضوا على كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - بالنواجذ، وأن يتفقهوا فيهما، وأن يهتدوا بهما إلى صراط الله المستقيم الموصل إليه وإلى دار كرامته وجنته، وأن يسيروا على ذلك في المدارس والجامعات وفي الحلقات العلمية وغير ذلك من مجالس العلم، مع سؤال علماء الحق عما أشكل عليهم في الأحكام، كما قال -تعالى-: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} (النحل:43).

حفظ الوقت والعناية به

وعلى الشباب حفظ الوقت والعناية به حتى لا يصرف إلا فيما ينفع ويفيد، ويلتحق بذلك العناية بالدروس والإقبال عليها، وسؤال الأساتذة عما يشكل فيها، والمذاكرة مع الزملاء في ذلك حتى يكون الطالب قد حفظ وقته واستعد لما يقوله الأستاذ ويشرح له، ولا يجوز له أن يتكبر عن المذاكرة مع زميله والسؤال لأستاذه، كما لا ينبغي أن يستحيي في طلب العلم والسؤال عن المشكلات، قال الله -تعالى- في سورة الأحزاب: {وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} (الأحزاب:53) وقالت أم سليم الأنصارية -رضي الله عنها-: يا رسول الله، إن الله لا يستحيي من الحق فهل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: نعم إذا هي رأت الماء. متفق عليه. والمراد بالماء المني، وقال مجاهد بن جبر التابعي الجليل: «لا يتعلم العلم مستح ولا مستكبر» رواه البخاري في صحيحه معلقا مجزوما به.

العمل بالعلم

ومن الواجب على الشباب وغيرهم العمل بالعلم، وذلك بأداء الواجبات والحذر من المحرمات؛ لأن هذا هو المقصود من العلم، ومن أسباب رسوخه وثباته في القلوب، ومن أسباب رضاء الله عن العبد وتوفيقه له. ومن المصائب العظيمة أن بعض الناس يتعلم ولكنه لا يعمل، ولا شك أن ذلك مصيبة كبيرة، وتشبه بأعداء الله وأمثالهم من علماء السوء الذين غضب الله عليهم بسبب عدم عملهم بعلمهم. يقول بعض السلف -رضي الله عنهم-: «من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم» ويدل على هذا قوله -سبحانه-: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} (محمد:17) وقوله -عز وجل-: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى} (مريم:76) فمن اهتدى زاده الله هدى وزاده علما وتوفيقا.

الحرص على العلم والفقه

فالواجب على الشباب خصوصا، وعلى كل مسلم عموما، أن يعتني بهذا الأمر، ويكون في دراسته حريصًا على العلم والفقه في الدين والعمل بذلك، حافظا لوقته معتنيا بالمذاكرة والدراسة والسؤال عما أشكل عليه ناصحا لله ولعباده، فالشاب الناشئ في العبادة له شأن عظيم في فقهه وعلمه ونصحه؛ لكونه قد تربى على العلم والفضل والعمل والعبادة والخير فيكون بذلك نافعا لنفسه نافعا لعباد الله من أساس شبابه حتى يلقى ربه.

العناية بالصلاة

ووصيتي لكم أيها الشباب ولكل مسلم تقوى الله في كل شيء، والعناية بالصلاة خصوصا، والمحافظة عليها في وقتها في الجماعة في المساجد مع المسلمين، وهذا من أهم واجبات الشباب وواجب كل مسلم ومسلمة، فالصلاة هي عمود الإسلام، «من حفظها حفظ دينه ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع» كما تقدم، وهي أول شيء يسأل عنه العبد يوم القيامة، فإن صحت فقد أفلح ونجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله»، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: «بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت»، وهي الركن الثاني من أركان الإسلام، ويقول أيضا -عليه الصلاة والسلام-: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر»، ويقول أيضا - صلى الله عليه وسلم -: «بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة».

وطنوا أنفسكم على الخير

ومن الواجبات العظيمة بر الوالدين والإحسان إليهما، وصلة الرحم، وإكرام الضيف، وصدق الحديث، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأداء الأمانة والنصح لكل مسلم، مع الحذر من جميع ما حرم الله مثل: الزنا والسرقة وشرب المسكر وأكل الربا، وسائر ما حرم الله من: الغيبة وشهادة الزور والكذب وغير هذا مما حرم الله. فالواجب على الشباب وعلى كل مسلم ومسلمة الحذر من ذلك، فعليكم أيها الشباب أن توطنوا أنفسكم على الخير، وأن تجاهدوها في هذا المقام حتى تؤدوا ما أوجب الله، وحتى تبتعدوا عما حرم الله عليكم، ومن ذلك الحذر من المخدرات وسائر المسكرات؛ فإن شرها عظيم، وفسادها كبير، فيجب البعد عنها والحذر من مجالسة أهلها؛ لأن المجالسة تجر إلى أخلاق الجليس، فالواجب صحبة الأخيار والحذر من صحبة الأشرار.

العناية بالزملاء والإخوان

ومن الأخلاق الكريمة العناية بالزملاء والإخوان وعدم التكبر عليهم والعناية بالجار والإحسان إليه؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- أوصى بذلك، وهكذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال الله -عز وجل-: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ} الآية (النساء:36) وقال - صلى الله عليه وسلم -: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه» إلى غير ذلك من أخلاق المؤمنين. قال - صلى الله عليه وسلم -: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».

العناية بطاعة الله ورسوله

ومن الأخلاق الكريمة العظيمة العناية بطاعة الله ورسوله في الأوقات جميعها، والمحافظة على ذلك، والحفاظ على الوقت، وأن يأمر بطاعة الله وترك ما نهى عنه، والعناية بالأخلاق الكريمة من بر للوالدين وصلة الرحم وإيثار للمسلم وعدم الغيبة والنميمة، والحرص على حفظ اللسان عما لا ينبغي، والإكثار من ذكر الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الخير والتحذير من الشر.


التعود على الأخلاق الكريمة

وهكذا المؤمن، وهكذا الشاب المتعلم، يجب أن يعود نفسه هذه الأخلاق الكريمة، ويجب أن يتعود البعد عما حرمه الله والحذر عما حرم الله، فإن العبد متى نشأ على شيء في الغالب يشيب عليه ويموت عليه. في سنة الله على عباده أنه -سبحانه- إذا وفق العبد في شبابه على الخير والاستقامة فإن الله -سبحانه- يوفقه للثبات عليه والوفاة عليه. فليحرص المؤمن والشاب الصالح على الثبات على الحق والسير عليه ومصاحبة الأخيار الذين يعينونه على الخير والحذر من صحبة الأشرار والزملاء الذين يعينونه على الشر.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 20-09-2021, 10:05 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,560
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من درر الأعلام

من درر الأعلام

الأمانة ضالة المؤمن

وائل رمضان


عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين

سمى الله عباده مؤمنين، والمؤمن هو الذي يراعي هذه الأمانة، ويعمل بها ويوثق وثاقها،والأمانة من الأمن أو الإيمان؛ فهو مؤمن ومؤتمَن، ولأجل هذا وُصف بأنه من أهل الأمن والإيمان الذين يؤدون الأمانة حق الأداء، وذلك في قوله -تعالى-: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِم ْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ}، والأمانة هنا عامة فيما يتعلق بالعبد من حقوق ربه، ومن حقوق عباد الله. وصف الله المؤمنين بأنهم يرعونها، أي يقومون بها حق القيام، ويؤدونها حق الأداء، فإذا كانوا كذلك فإنهم من عباده المفلحين الذين ذكرهم الله في قوله: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ}.

ويجب على العبد أن يكون قائمًا بهذه الأمانة في كل حالاته؛ لأنها من الحقوق التي أمرهم بها، وهي العهد المذكور في هذه الآية: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِم ْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ }، ويدخل في هذا العهد المعاهدات والعقود التي بين العبد وبين ربه، وبينه وبين العباد، وقد أكد الله أمر العهود بقوله: إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا يعني: الوفاء به، ولكن أهمها عهد الله، قال -تعالى-: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ}، فعهد الله من أكبر الأمانات التي ائتُمِن عليها العباد، فمن كان مؤمنًا حق الإيمان فإنه يراعي هذه الأمانة في كل حالاته.

الأمانة بين العبد وربه

إن الأمانة هي العبادات والشرائع التي كلفنا الله بها -سبحانه وتعالى- وما أعظم هذا التكليف! ولكن متى عرفنا أننا إذا قمنا بأداء هذه الأمانة حَقَّ قيام، حصل لنا الأجر وحصل لنا الثواب العظيم؛ فإنه يلزم وينبغي أن نقوم بها، فلا يجوز التكاسل والتأخر في أدائها، وهذه الشرائع والعبادات من الأمانة، وكل إنسان مؤتمن فيما بينه وبين ربه على هذه الحقوق التي لا يطلع عليها إلا رب العباد، فلا أحد يراقبك سوى ربك الذي ائتمنك على هذه العبادات: ائتمنك على الطهارة والصلاة، وائتمنك على الأذكار، وعلى القراءات التي في الصلاة، وائتمنك على الصيام، وائتمنك على أداء الحقوق المالية والزكاة، والكفارات، وائتمنك على ترك الذنوب وتجنب المعاصي التي حرمها عليك، ووكّل كل ذلك إلى قلبك ومعتقدك، ولا يطّلع عليه أحد سوى الله -تعالى- فالناس لا يعرفون، ولكنك تعرف من نفسك أن ربك لا يخفى عليه شيء.

الأمانة عامة لكل العبادات

وبهذا نعرف أنَّ الأمانة عامة لكل العبادات التي فرضها الله على الناس، وإنما كانت تلك أمثلة، وهي على سبيل الاختصار وليست على سبيل الحصر، ومن الأمانة أيضًا الإخلاص في الأعمال -وهذا من أهم الأمانات التي يجب على العبد مراعاتها - فمثلًا: إذا أراد الإنسان الصلاة أو الحج أو الجهاد، أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفعل ذلك أمام الناس، فإن الناس يمدحونه على ما ظهر منه، ويعتقدون أنه رجل صالح، لأجل هذه الأعمال الصالحة، ولكن إذا كان قلبه مُصِرًّا على شك، أو على رياء أو سمعة، أو طلب مدح الناس له، أو نحو ذلك، كان هذا العمل باطلا ولا يطلع على بطلانه سوى ربه، فالإخلاص أمانة يفسده الرياء، وكذلك العبادة تبطل بالإخلال بشيء من شروطها، وقد ذكّر الله عباده باطّلاعه عليهم حتى يراقبوه، ويراعوه فيما بينهم وبينه، فإذا خلا أحدهم عرف أنه لا يغيب عن ربه طرفة عين؛ لذلك أكّد الله تذكير الإنسان باطلاعه عليه، كما في قوله -تعالى-: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.

أداء الحقوق

ومن تذكر قُرب ربه واطلاعه عليه، فإن ذلك يحمله على أن يؤدي حقوقه التي ائتمنه عليها، ولا يخاف إلا الله، ولا يخاف من العباد أحدًا، أما إذا قام بخلاف هذا فإنما أداها للناس لا لربه، فيجب في أداء الأمانة أن يراقب الإنسان فيها ربه؛ لأنه يعلم أن ربه هو الذي فرضها عليه، وهو الذي يحاسبه ويثيبه عليها، كما أنه عالم به، قال -تعالى-: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}، كيف لا يعلمه وهو خلقه؟! وهو الذي ركب أعضاءه، ومنحه هذا القلب، وأرسل إليه هذه الوساوس، فكيف لا يعلمه؟! إنه يعلم كل شيء، بل يعلم أخفى ما يكون! قال -تعالى-: {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} أي: ما هو أخفى من السر، فهذه الأدلة تحمل العبد على أداء هذا الحق.

تذكير العبد برؤية ربه ومراقبته

ولقد أكثر الله -تعالى- من تذكير العبد برؤية ربه ومراقبته، كما قال -تعالى-: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ.. الآية}، وهناك الكثير من الآيات تذكر العباد أنهم بمرأى منه ومسمع، كقوله -تعالى-: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى}، فإذا تذكر الإنسان هذه الخصلة (وهي قرب ربه ومعيَّته)، حمله على أن يؤدي الأمانة قاصدًا بها وجهه، سواء كان في السر أو في الجهر، أو كان فيما يطلع عليه الناس أو لا يطلعون عليه.

وقد وكل الله أيضًا بالعبد كرامًا كاتبين، وهم الملائكة، قال -تعالى- {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} وهما الملكان اللذان يكتبان حركاته وأعماله وأقواله، حتى إن الله أطلعهم على ما يعمله القلب؛ لأن للقلب أعمال، لا يُطَّلع عليها الناس فلا أحد يعرف بإخلاص قلب صاحبه أو شكه أو حسده أو محبته للمسلمين، لا يطلع على هذا إلا الله -تعالى-، وأعمال القلوب أمانة جعل للملائكة سلطانًا عليها يتصلون بها، كما في قوله -تعالى-: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ}، والفعل شامل لفعل القلب والبدن، والأمانة فيه بين العبد وربه، وبينه وبين العباد مطلوبة.

الأمانة فيما بين العبد والعباد

تشمل الأمانة فيما بينك وبين عباد الله، حقوق العباد وودائعهم التي يودعونكها، أو يأتمنونك عليها، سواء كانت أموالًا أم أعراضًا أم غيرها، والخيانة من أعظم خصال المنافقين، كما في الحديث المشهور وهو قوله: «آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمِن خان»، فجعل من خصال المنافق خيانة الأمانة، أعني أنه إذا ائتمنه أحد لن يراعي هذا الائتمان، بل يخون ما ائتمن عليه من حقوق، كما في قوله -تعالى-: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ}.

رعاية حقوق الآخر

فبعض الناس قد يعطيك حقًّا من حقوقه، ولا يُشهد عليك، ولا يكتب عليك وثائق، تصديقًا منه لك وإحسانًا للظن بك، فعليك أن تراعي حقه، وأن تحذر كل الحذر أن تخونه متى ائتمنك، فإذا اقترضت من إنسان مالًا، وكان هذا الإنسان واثقًا بك، مصدقًا لك، ولم يشهد على هذا الدين ولم يكتبه، فاعتبر هذه الأمانة هي المذكورة في قوله -تعالى-: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} يعني: ائتمنه على ماله، وعلى دينه، وعلى وديعته أو نحو ذلك، {فليؤدِّ} أي: ذلك المؤتمَن الأمانة إلى صاحبها.

وهي أيضًا المذكورة في قوله -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} قيل: إن هذه الآية نزلت في مفتاح الكعبة عندما أخذه النبي - صلى الله عليه وسلم - من عثمان بن طلحة، وكانت حجابة البيت لبني عبد الدار وهو منهم، فلما فتح الرسول مكة طلب المفتاح من عثمان فقال عثمان أمانة؟ قال: نعم، فلما أخذه النبي - صلى الله عليه وسلم - طلبه منه العباس، وقال: أعطني إياه حتى تضم إلي السقاية والسدانة؛ فأنزل الله الآية الكريمة.

وذلك لأن الرسول- صلى الله عليه وسلم - قد أخذه من بني عبد الدار أمانة، فأمره الله أن يرده إليهم، وجعل ذلك من أداء الحقوق التي هي حقوق الأقدمية؛ وذلك لأن لهم الأقدمية للسدانة وخدمة وحجابة هذا البيت، فاستحقوا أن يكونوا هم أهل الحجابة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - ردّ عليهم تلك الأمانة، والآية عامة في الأمانات، وإن نزلت في هذا خاصة؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

الأمانات فيما بين العباد كثيرة

وعلى كل حال فإن الأمانات فيما بين العباد كثيرة، تدخل فيها الأسرار، وتدخل فيها الأموال، فإن ائتمنك إنسان على سر بأن أفضى إليك بكلام فيما بينه وبين نفسه، أو فيما بينه وبين أهله، وائتمنك عليه وحذرك من إفشائه، فإياك وإفشاءه! فإن ذلك من الأمانات؛ حيث إن هذا الإنسان قد وثق بك، ووثق بأنك لن تفشي سره، وهو بهذا قد ائتمنك، فلا تخنه في ذلك.

لا تجازِ صاحب الخيانة بمثلها

فإذا أفشى إنسان سرك الذي ائتمنته عليه، فلا تجازِ صاحب الخيانة بمثلها، فإن هذا لا يجوز، فقد ورد ذلك عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - فعن الحسن بن سمرة -رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أدِّ الأمانة إلى مَن ائتمنك، ولا تخُن من خانك»، فأمرك أن تؤدي الأمانة إلى كل إنسان ائتمنك على مال أودعه عندك، أو أقرضك إياه ولم يُشهد، أو أدانك ولم يكتب ولم يتوثق، أو أعطاك حقًّا من حقوقه وأمرك بحفظه، وهو الوديعة، أو ما أشبه ذلك، فهذه الأمانة بينك وبينه عليك أن تؤديها.

ولو خانك إنسان في دينك أو مالك أو عرضك، فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمّد هذه الخيانة، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعاية وسببًا لبزوغ هذا الأداء والتخلق بهذا الخلق العظيم.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 116.52 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 112.75 كيلو بايت... تم توفير 3.77 كيلو بايت...بمعدل (3.24%)]