شرح حديث: رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثة أيام، ثم نهى عنه - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12670 - عددالزوار : 222161 )           »          يوم المرأة العالمي وعيد الأم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          نحو مجتمع إسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          الأم نبع الحنان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          عَدي بن حاتم - قصة إسلامه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          الأخبار المستقبلية في القرآن الكريم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          كيف نقرأ قرناً من الصراع؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          الإمام أبو حنيفة قادح زناد الفكر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          صرخة في وجه الفساد الاجتماعي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          من حسنت بدايته حسنت نهايته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 22-04-2024, 04:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,464
الدولة : Egypt
افتراضي شرح حديث: رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثة أيام، ثم نهى عنه

شرح حديث: رخَّص رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثة أيام، ثم نهى عنها

الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد


عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: رخَّص رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثة أيام، ثم نهى عنها؛ رواه مسلم.

المفردات:
سلمة بن الأكوع: هو سلمة بن الأكوع، واسمه سنان، أو سلمة بن عمرو بن الأكوع بن عبدالله بن قُشير بن خزيمة بن مالك بن سلامان بن أسلم بن أفصى الأسلمي، أسلم قديمًا مع أبيه وأخيه عامر، وصحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعًا، وقد غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات منها الحديبية وخيبر وحنين ويوم القرد، وكان جَهْوَريَّ الصوت، خرج سلمة يومًا يريد الغابة فلقي غلامًا لعبدالرحمن بن عوف، فسمعه يقول: أخذت لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قلت: مَن أخذها؟ قال: غطفان، قال سلمة: فانطلقت فناديت: يا صباحاه، يا صاحباه، حتى أسمعت مِن بين لابتيها، ثم مضيت فاستنقذتها منهم، وكان سلمة من أهل الشجرة أصحاب بيعة الرضوان رضي الله عنهم، قال ابن سعد في الطبقات: أخبرنا هشام أبو الوليد الطيالسي قال: حدثنا عكرمة بن عامر، عن إياس بن سلمة، عن أبيه قال: قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديبية، ثم خرجنا راجعين إلى المدينة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خير فرساننا اليوم أبو قتادة، وخير رجالتنا سلمة))، وقد اعتزل رضي الله عنه الناس، ونزل الربذة.

قال البخاري: باب (التعرُّب في الفتنة) حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا حاتم عن يزيد بن أبي عبيد، عن سلمة بن الأكوع أنه دخل على الحجاج، فقال: يابن الأكوع، ارتددتَ على عقبَيْك، تعرَّبت؟ قال: لا، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذِن لي في البدو.

وقد أخرج مسلم هذا الحديث أيضًا قال البخاري: وعن يزيد بن أبي عبيد قال: لَمَّا قُتِل عثمان بن عفان خرج سلمة بن الأكوع إلى الربذة، وتزوج هناك امرأةً وولدت له أولادًا، فلم يزل بها حتى قبل أن يموت بليالٍ فنزل المدينة؛ اهـ.

وتوفي سنة أربع وسبعين بالمدينة رضي الله عنه.

رخَّص؛ أي: أباح.

عام أوطاس؛ أي: سنة غزوة أوطاس، وكانت بعد فتح مكة في شوال سنة ثمان من الهجرة، وأوطاس وادٍ في ديار هوازن من أودية الطائف قرب حُنَين، نزله المشركون لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم انتقلت المعركة إلى حنين، ثم لما انهزم المشركون عسكر بعضُهم في أوطاس، فتمَّت هزيمتهم فيها على يد أبي موسى الأشعري رضي الله عنه بعد استشهاد أبي عامر الأشعري رضي الله عنه فيها.

في المتعة؛ أي: في النكاح المؤقت، كان الرجل يقول للمرأة: متِّعيني من نفسك مدَّة كذا وكذا.

ثلاثة أيام؛ أي: استمرَّ الترخيص لمدة ثلاثة أيام، أو أن مدَّة التمتُّع بالنساء كانت ثلاثة أيام.

ولفظ مسلم: ثلاثًا.

ثم نهى عنها؛ أي: حرمها صلى الله عليه وسلم.

البحث:
لم يقع في هذا الحديث أنهم تمتَّعوا من النساء في أوطاس، وإنما الذي في هذا الحديث أن الرخصة في المتعة وقعت عام أوطاس، وعام أوطاس هو عام فتح مكة، فإن مكة فتحت في أواخر رمضان، وأوطاس كانت في شوال من نفس السنة، وقد وقع في الحديث رقم 25 الذي يلي هذا الحديث عن علي رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة عام خيبر، وكذلك في الحديث رقم 26 الذي يليه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء، وعن أكل الحُمُر الأهلية يوم خيبر.

وأما الحديث الذي يليه وهو الحديث رقم 27، وهو حديث ربيع بن سبرة، عن أبيه - فليس فيه هنا تحديدُ الوقت الذي أبيحت فيه، ولا الوقت الذي حرمت فيه، وخيبر كانت في صفر من السنة السابعة للهجرة، فقد كانت قبل أوطاس بأكثر من عام، وقد وقع في بعض ألفاظ حديث سبرة عند مسلم ما يفيد أن الترخيص في المتعة والنهي عنها كان في فتح مكة، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك وهو قائم بين الركن والباب، وليس هناك كبيرُ تعارض بين الترخيص فيها وتحريمها عام أوطاس أو فتح مكة؛ لأن فتح مكة كان في عام أوطاس.

وقبل أن نتكلَّم في تحقيق هذا المقام نسوق إليك الأحاديث الصحيحة الثابتة في شأن الترخيص في المتعة وتحريمها، فقد روى البخاري ومسلم - واللفظ لمسلم - عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس لنا نساء، فقلنا: ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك، ثم رخَّص لنا أن ننكح المرأةَ بالثوب إلى أجل، ثم قرأ عبدالله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [المائدة: 87]، كما روى البخاري ومسلم من حديث علي رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المتعة عام خيبر.

كما روى البخاري ومسلم من حديث علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء، وأكل الحُمُر الأهلية يوم خيبر.

كما روى البخاري من طريق أبي جمرة قال: سمعت ابن عباس يُسأل عن متعة النساء فرخَّص، فقال له مولى له: إنما ذلك في الحال الشديد، وفي النساء قلة، أو نحوه، فقال ابن عباس: نعم.

كما روى البخاري ومسلم - واللفظ للبخاري - من حديث جابر بن عبدالله وسلمة بن الأكوع قالا: كنا في جيش فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((إنه قد أذِن لكم أن تستمتعوا فاستمتعوا)).

وفي لفظ مسلم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أذِن لكم أن تستمتعوا؛ يعني: متعة النساء.

وفي لفظ للبخاري من حديث سلمة بن الأكوع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أيما رجل وامرأة توافقا فعِشرةُ ما بينهما ثلاثُ ليالٍ، فإن أحبَّا أن يتزايدا أو يتتاركا تتاركا))، فما أدري أشيء كان لنا خاصة أم للناس عامة، قال أبو عبدالله: وقد بيَّنه علي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه منسوخ؛ اهـ.

كما روى من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: استمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر.

كما روى مسلم من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث.

وفي لفظ لمسلم من طريق أبي نضرة قال: كنت عند جابر بن عبدالله فأتاه آتٍ، فقال: ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتينِ، فقال جابر: فعلناهما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نهانا عنهما عمر، فلم نعد لهما.

ثم ساق مسلم حديث سلمة بن الأكوع باللفظ الذي ساقه المصنف في البلوغ، إلا أنه قال: ثلاث، ولم يقل: ثلاثة أيام.

ثم ساق مسلم من حديث سلمة رضي الله عنه قال: أذِن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمتعة، فانطلقت أنا ورجل إلى امرأة من بني عامر كأنها بكرة عيطاء، فعرضنا عليها أنفسنا، فقالت: ما تعطي؟ فقلت: ردائي، وقال صاحبي: ردائي، وكان رداء صاحبي أجود من ردائي، وكنت أشبَّ منه، فإذا نظرت إلى رداء صاحبي أعجبها، وإذا نظرت إليَّ أعجبتُها، ثم قالت: أنت ورداؤك يكفيني، فمكثت معها ثلاثًا، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن كان عنده شيء من هذه النساء التي يتمتَّع فليخلِّ سبيلها)).

وفي لفظ لمسلم عن الربيع بن سبرة أن أباه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتح مكة قال: فأقمنا بها خمس عشرة - ثلاثين بين ليلة ويوم - فأذن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في متعة النساء، فخرجت أنا ورجل من قومي ولي عليه فضل في الجمال، وهو قريب من الدمامة، مع كل واحد منا بردٌ، فبردي خَلَقٌ، وأما برد ابن عمي، فبُرد جديد غضٌّ، حتى إذا كنا بأسفل مكة أو بأعلاها، فتلقتنا فتاة مثل البكرة العنطنطة، فقلنا: هل لك أن يستمتع منكِ أحدنا؟ قالت: وماذا تبذلانِ؟ فنشر كلُّ واحد منا بُردَه، فجعلت تنظر إلى الرجلين ويراها صاحبي تنظر إلى عطفها، فقال: إن برد هذا خَلَقٌ، وبردي جديد غضٌّ، فتقول: بُرد هذا لا بأس به ثلاث مرار أو مرتين، ثم استمتعت منها، فلم أخرج حتى حرَّمها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي لفظٍ قالت: وهل يصلح ذاك؟

وفي لفظ لمسلم من حديث سبرة أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((يا أيها الناس، إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرَّم ذلك إلى يوم القيامة، فمَن كان عنده منهن شيء فليخلِّ سبيله، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئًا)).

وفي لفظ: قال رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم قائمًا بين الركن والباب يقول:...؛ الحديث.

وفي لفظ عن سبرة رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة، ثم لم نخرج منها حتى نهانا عنها.

وفي لفظ عن سبرة بن معبد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم عام فتح مكة أمر أصحابه بالتمتُّع من النساء، قال: فخرجت أنا وصاحب لي من بني سُلَيم، حتى وجدنا جارية من بني عامر كأنها بكرة عيطاء؛ فخطبناها إلى نفسها وعرضنا عليها بُرْدَيْنا، فجعلَتْ تنظر فتراني أجمل من صاحبي، وترى برد صاحبي أحسن من بردي، فآمرت نفسها ساعةً، ثم اختارتني على صاحبي فكُنَّ معنا ثلاثًا، ثم أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بفراقهن.

وفي لفظ لمسلم عن سبرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة.

وفي لفظ له أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى يوم الفتح عن متعة النساء.

وفي لفظ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة زمان الفتح متعة النساء.

كما روى مسلم من طريق ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن عبدالله بن الزبير قام بمكة، فقال: إن ناسًا أعمى الله قلوبَهم كما أعمى أبصارهم، يُفتُون بالمتعة - يُعرِّض برجل - فناداه، فقال: إنك لجلف جاف، فلَعَمْري، لقد كانت المتعة تفعل على عهد إمام المتقين (يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فقال له ابن الزبير: فجرِّب بنفسك، فوالله لئن فعلتَها لأرجمنك بأحجارك، قال ابن شهاب: فأخبرني خالد بن المهاجر بن سيف الله أنه بينا هو جالس عند رجل جاءه رجلٌ فاستفتاه في المتعة فأمره بها، فقال له ابن أبي عمرة الأنصاري: مهلًا، قال: ما هي والله لقد فعلت في عهد إمام المتقين، قال ابن أبي عمرة: إنها كانت رخصةً في أول الإسلام لمَن اضطر إليها؛ كالميتة والدم ولحم الخنزير، ثم أحكم الله الدين ونهى عنها، قال ابن شهاب: وأخبرني ربيع بن سبرة أن أباه قال: قد كنت استمتعت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأةً من بني عامر ببردينِ أحمرين، ثم نهانا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن المتعة، قال ابن شهاب: وسمعت ربيع بن سبرة يحدث ذلك عمر بن عبدالعزيز وأنا جالس، وفي لفظ لمسلم عن سبرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة، وقال: ألا إنها حرام من يومكم هذا إلى يوم القيامة، ومَن كان أعطى شيئًا فلا يأخذه.

ثم روى مسلم من طريق يحيى بن يحيى، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عبدالله والحسن ابنَي محمد بن علي، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر، وعن أكل لحوم الحُمُر الإنسية.

وأخرج من طريق محمد بن علي رحمه الله أنه سمع علي بن أبي طالب يقول لفلان: إنك رجلٌ تائه، نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بمثل حديث يحيى بن يحيى عن مالك.

ثم أخرج مسلم من طريق محمد بن علي، عن علي أنه سمع ابن عباس يُليِّن في متعة النساء، فقال: مهلًا يا ابن عباس فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها يوم خيبر وعن لحوم الحمر الإنسية.

وفي لفظ من طريق محمد بن علي أنه سمع علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول لابن عباس: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإنسية؛ اهـ.

وقوله في حديث سبرة (كأنها بكرة عيطاء)، العيطاء هي الطويلة العُنُق في اعتدال وحسن قوام، والعيط طول العنق.

وقوله في الرواية الأخرى (مثل البكرة العنطنطة)، هي بمعنى العيطاء، وقيل: هي الطويلة فقط.

وقد أخرج البخاري في كتاب الحيل من طريق محمد بن علي أن عليًّا رضي الله عنه، قيل له: إن ابن عباس لا يرى بمتعة النساء بأسًا، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها يوم خيبر وعن لحوم الحمر الإنسية.

ولا يفهم من حديث ابن مسعود الذي سقتُه في أول هذه الأحاديث أنه كان يبيح المتعةَ، فقد ذكر الإسماعيلي أنه وقع في رواية أبي معاوية عن إسماعيل بن أبي خالد: ففعله، ثم ترك ذلك، قال: وفي رواية لابن عُيينة عن إسماعيل: ثم جاء تحريمها بعد، وفي رواية معمر عن إسماعيل: (ثم نسخ).

قال الحافظ في الفتح: وقد أخرجه أبو عوانة من طريق أبي معاوية، عن إسماعيل بن أبي خالد، وفي آخره: ففعلنا، ثم ترك ذلك، وقول جابر: فنهانا عمر فلم نعد لهما.

قال الحافظ في الفتح: فإن كان قوله "فعلنا" يعمُّ جميع الصحابة، فقوله: "لم نعد"، يعم جميع الصحابة أيضًا، فيكون إجماعًا؛ اهـ.

وقول جابر في بعض ألفاظ حديثه: استمتَعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، أما الاستمتاع في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد ثبتت الأحاديث الصحيحة المتقدِّمة في الترخيص فيها، ثم تحريمها ونسخها إلى يوم القيامة.

وأما قوله: (وأبي بكر وعمر)، فإنما كان ذلك من بعض الأفراد الذين لم يعلموا بالتحريم والنسخ، ويؤيد ذلك قوله: فنهانا عمر، فلم نعد؛ فإن عمر رضي الله عنه عندما أعلن النهي عنها بسبب وقوع عمرو بن حريث فيها، كان عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وغيرهما من أئمة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم موجودين ووافقوا عمر رضي الله عنه على إعلان تحريمها، ولا شك أن عليًّا لا يوافق عمر رضي الله عنهما إلا وهو مطمئن أن ذلك هو حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تقدَّمت الروايات الصحيحة الثابتة وهي من بعض آل البيت عن علي رضي الله عنه عند البخاري ومسلم بالنص على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرَّم المتعة بعد الترخيص فيها.

وأما ما كان من ابن عباس رضي الله عنهما، فإن ما رواه البخاري من طريق أبي جمرة قال: سمعت ابن عباس يُسأل عن متعة النساء فرخَّص، فقال له مولى له: إنما ذلك في الحال الشديد، وفي النساء قلة أو نحوه، فقال ابن عباس: نعم.

وفي رواية الإسماعيلي: قال ابن عباس: صدق، وقد أخرج الخطابي والفاكهي من طريق سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: لقد سارت بفُتياك الرُّكبان، وقال فيها الشعراء؛ يعني: في المتعة، فقال: والله ما بهذا أفتيت وما هي إلا كالميتة لا تحلُّ إلا للمضطر، وأخرجه البيهقي من وجه آخر عن سعيد بن جبير، وزاد في آخره: ألا إنما هي كالميتة والدم ولحم الخنزير، وقد نقل غير واحد من أهل العلم أن ابن عباس رضي الله عنهما رجع عن فتياه بإباحة المتعة، قال الشوكاني في نيل الأوطار: وقد روى الرجوع عن ابن عباس جماعةٌ؛ منهم محمد بن خلف القاضي المعروف بوكيع في كتابه (الغرر) من الأخبار بسنده المتصل إلى سعيد بن جبير، قال: قلت لابن عباس: ما تقول في المتعة، فقد أكثر الناس فيها حتى قال فيها الشاعر؟ قال: وما قال؟ قال:
قد قلت للشيخ لما طال محبسُهُ
يا صاح، هل لك في فتوى ابنِ عباسِ
وهل ترى رُخصة الأطراف آنسةً
تكونُ مثواك حتى مصدرُِ الناسِ

قال: وقد قال فيه الشاعر؟ قلت: نعم، قال: فكرهها؛ اهـ.

وقد روى الطبراني في الأوسط من طريق إسحاق بن راشد، عن الزهري، عن سالم: أُتي ابن عمر، فقيل له: إن ابن عباس يأمر بنكاح المتعة، فقال: معاذَ الله، ما أظن ابن عباس يفعل هذا؟! فقيل: بلى، قال: وهل كان ابن عباس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا غلامًا صغيرًا، ثم قال ابن عمر: نهانا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما كنا مسافحين، قال في التلخيص: إسناده قوي.

وروى الدارقطني عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((هدم المتعةَ الطلاقُ والعدةُ والميراثُ))؛ إسناده حسن؛ اهـ.

والظاهر أن المتعة أُبِيحَت، ثم حرِّمت، ثم أبيحت، ثم حرمت، وكانت إباحتها ضرورةً، فكانت تُقدَّر بقدرها، إلى أن أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها حرمت إلى يوم القيامة.

قال النووي: والصواب المختار أن التحريم والإباحة كانا مرتين، وكانت حلالًا قبل خيبر، ثم حرمت يوم خيبر، ثم أبيحت يوم فتح مكة، وهو يوم أوطاس؛ لاتصالهما، ثم حرمت يومئذٍ بعد ثلاثة أيام تحريمًا مؤبَّدًا إلى يوم القيامة.

ثم قال النووي: قال القاضي: واتفق العلماء على أن هذه المتعة كانت نكاحًا إلى أجل، لا ميراث فيها، وفراقها يحصل بانقضاء الأجل من غير طلاق، ووقع الإجماع بعد ذلك على تحريمها؛ اهـ.

وعمر رضي الله عنه لم يكن يحرِّم المتعة اجتهادًا، بل استنادًا إلى تحريم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أخرج ابن ماجه من طريق أبي بكر بن حفص، عن ابن عمر قال: لما ولي عمر خطب، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لنا في المتعة ثلاثًا، ثم حرَّمها، وأخرج ابن المنذر والبيهقي من طريق سالم بن عبدالله بن عمر، عن أبيه قال: صعِد عمر المنبر، فحمِد الله وأثنى عليه، ثم قال: ما بال رجال ينكحون هذه المتعة بعد نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تعلَّق بعضُ أهل الأهواء لاستباحة المتعة بأقوال مرسلة، وأخبار منقطعة، كما زعموا أن قوله تعالى: ﴿ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ﴾ [النساء: 24]، ينصُّ على إباحة المتعة، قال الفخر الرازي في تفسير قوله تعالى: ﴿ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ﴾ [النساء: 24]: في هذه الآية قولان: أحدهما وهو قول أكثر علماء الأمة أن قوله تعالى: ﴿ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ ﴾ [النساء: 24] المراد منه ابتغاء النساء بالأموال على طريق النكاح، وقوله: ﴿ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ﴾ [النساء: 24]، فإن استمتع بالدخول بها آتاها المهر بالتمام، وإن استمتع بعقد النكاح آتاها نصف المهر، والقول الثاني: أن المراد بهذه الآية نكاح المتعة، وهي عبارة عن أن يستأجر الرجل المرأة بمال معلوم إلى أجل معين فيجامعها، واتفقوا على أنها كانت مباحة في ابتداء الإسلام، ثم قال: أما ابن عباس، فعنه ثلاث روايات:

إحداها القول بالإباحة المطلقة، قال عمارة: سألت ابن عباس عن المتعة: أسفاح هي أم نكاح؟ قال: لا سفاح، ولا نكاح، قلت: فما هي؟ قال: هي متعة، كما قال تعالى، قلت: هل لها عدة؟ قال نعم، عدتها حيضة، قلت: هل يتوارثان؟ قال: لا.

والرواية الثانية عنه: أن الناس لمَّا ذكروا الأشعار في فتيا ابن عباس في المتعة، قال ابن عباس: قاتلهم الله، إني ما أفتيت بإباحتها على الإطلاق، لكني قلت: إنما تحل للمضطر كما تحلُّ الميتة والدم ولحم الخنزير له.

والرواية الثالثة: أنه أقرَّ بأنها صارت منسوخةً، روى عطاء الخراساني عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿ اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ ﴾ [النساء: 24]، قال: صارت هذه الآية منسوخةً بقوله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ﴾ [الطلاق: 1]، وروى أيضًا أنه قال عند موته: اللهم إني أتوب إليك من قولي في المتعة والصرف.

ثم ساق الفخر الرازي أدلةَ تحريم المتعة من وجوه: الأول: أن الوطء لا يحل إلا في الزوجة أو المملوكة؛ لقوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ﴾ [المعارج: 29، 30]، وهذه المرأة لا شك أنها ليست مملوكةً وليست أيضًا بزوجة، ويدلُّ عليه وجوه:
أحدهما أنها لو كانت زوجة لحصل التوارث بينهما؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ ﴾ [النساء: 12]، وبالاتفاق لا توارث بينهما.

ثانيهما: ولثبت النسب؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ((الولد للفراش))، وبالاتفاق لا يثبت.

وثالثهما: ولوجبت العدة عليها؛ لقوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ﴾ [البقرة: 234]؛ اهـ.

ثم قال الفخر الرازي: الحجة الثانية أن عمر ذكر هذا الكلام (يعني المنع من المتعة) في مجمع الصحابة، وما أنكر عليه أحد؛ فالحال ههنا لا يخلو؛ إما أن يقال: إنهم عالمين بحرمة المتعة فسكتوا، أو كانوا عالمين بأنها مباحة، ولكنهم سكتوا على سبيل المداهنة، أو ما عرَفوا إباحتها ولا حرمتها فسكتوا، لكونهم متوقفين في ذلك، والأول هو المطلوب، والثاني يوجب تكفير عمر وتكفير الصحابة؛ لأن من علم أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بإباحة المتعة، ثم قال: إنها محرَّمة محظورة من غير نسخ لها، فهو كافر بالله، ومَن صدَّقه عليه مع علمه بكونه مخطئًا كافرًا، كان كافرًا أيضًا، وهذا يقتضي تكفيرَ الأمَّة وهو على ضدِّ قوله: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ ﴾ [آل عمران: 110]، والقسم الثالث: وهو أنهم ما كانوا عالمين بكون المتعة مباحةً أو محظورةً، فلهذا سكتوا فهذا أيضًا باطل؛ لأن المتعة بتقدير كونها مباحة تكون كالنكاح، واحتياج الناس إلى معرفة الحال في كل واحد منهما عام في حقِّ الكل، ومثل هذا يمنع أن يبقى مخفيًّا، بل يجب أن يشتهر العلم به، فكما أن الكل كانوا عارفين بأن النكاح مباح، وأن إباحته غيرُ منسوخة وجب أن يكون الحال في المتعة كذلك، ولما بطل هذان القسمان، ثبت أن الصحابة إنما سكتوا عن الإنكار على عمر رضي الله عنه؛ لأنهم كانوا عالمين بأن المتعة صارت منسوخةً في الإسلام، ثم ذكر الفخر الرازي الأحاديث الصحيحة الثابتة في تحريم المتعة ونسخها، وقد سقتها فيما تقدَّم، وما توفيقي إلا بالله.

ما يستفاد من ذلك:
1- تحريم نكاح المتعة.

2- وأنه منسوخ إلى يوم القيامة.

3- أن المتعة رخص فيها، ثم حرمت، ثم رخص فيها، ثم حرمت على التأبيد.

4- أن إباحتها كانت عام أوطاس وهو عام فتح مكة.

5- وأن إباحتها كانت لمدة ثلاثة أيام.

6- وأن إباحتها لم تكن إلا في السفر وقتئذ.

7- وأنها لم تُبَح للمقيمين أبدًا.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 67.06 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 65.34 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (2.55%)]