مقومات التواصل مع الآخر في (سيرة شجاع) - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4412 - عددالزوار : 849998 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3942 - عددالزوار : 386186 )           »          الجوانب الأخلاقية في المعاملات التجارية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 57 )           »          حتّى يكون ابنك متميّزا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 53 )           »          كيف يستثمر الأبناء فراغ الصيف؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          غربة الدين في ممالك المادة والهوى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 59 )           »          أهمية الوقت والتخطيط في حياة الشاب المسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 58 )           »          الإسلام والغرب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 58 )           »          من أساليب تربية الأبناء: تعليمهم مراقبة الله تعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          همسة في أذن الآباء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 50 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها > ملتقى النقد اللغوي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 06-11-2021, 04:25 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي مقومات التواصل مع الآخر في (سيرة شجاع)

مقومات التواصل مع الآخر في (سيرة شجاع)


د. طه حسين الحضرمي





دراسة في البنية والدلالة


يسعى هذا المبحث الموسوم بـ"مقومات التواصل مع الآخر في (سيرة شجاع) دراسة في البنية والدلالة" إلى جَلاء الأسس الفنيَّة لرواية (سيرة شجاع)[1] ودلالاتها المضمونيَّة، وذلك بدراسة بنية صِراع المنظومات من خِلال دراسة أيديولوجيا النص الروائي المنبَثِقة من النموذج العاملي، ثم جَلاء لدلالة التي تُنتِجها هذه البنية، وذلك في نصٍّ يمتح من التاريخ من جهة، وينسج الخيالي من جهة أخرى.

تُثِير رواية "سيرة شجاع" التي نشَرَها علي أحمد باكثير سنة 1955م شيئًا من التركيز قضيَّة من أهمِّ القضايا الحضاريَّة، ألا وهي (مقومات التواصل مع الأمم الأخرى)، ولا سيَّما المحاربة، وفى إطار هذه القضيَّة يحتَدِم الصِّراع الداخلي في دار الإسلام؛ للفوز بمركز اتِّخاذ القَرار بهذا الشأن؛ لهذا تتشابَك العلاقات وتتجابَه وفقًا للخطَّة الأساسيَّة التي تُشكِّل حجر أساس الخطاب الروائي في هذه الرواية، بيد أنَّ هناك تساؤلَيْن يبرزان أمامَنا، وهما: كيف أنتج باكثير هده الدلالة؟ وما البنية التي امتَطاها لتحقيقها؟ وهما تَساؤُلان جَدِيران بالعِناية، ولا سبيلَ إلى ذلك إلا بالحديث عن هذه البنية من خِلال طرائق الاتِّجاهات النقدية الحديثة، ولا سيَّما البنيويَّة وما يُحِيط بها من مناهج ألسنيَّة حديثة تعتَنِي بأدبيَّة الأدب، دُون الوقوع في حَبائلها التي تُنادِي إلى عزْل المؤلف عن إبداعه وهُمومه الفكرية عمومًا؛ لهذا يسعى هذا البحث إلى إبراز أدبيَّة رواية (سيرة شجاع) من خِلال تتبُّع أنسِجَتها الداخليَّة بواسطة البنية العميقة لها، التي تنتج الدلالة الأدبيَّة، وذلك من خلال دراسة بنية صِراع المنظومات من خِلال الصِّراع الذي يَدُور بين الشخصيَّات، مُستَفِيدين من النموذج العاملي لغريماس، ثم دِراسة الدلالة التي تُنتِجها هذه البنية.

بنية صراع المنظومات في سيرة شجاع

الحديث عن الأفكار التي تُشكِّل العمل الأدبي هو حديثٌ عن البنية التأليفيَّة العميقة له، وصِراع المنظومات في هده الرواية معقَّد ومتشعِّب، ويتَّخذ عدَّة أشكال، على سبيل التراكُم الكمي؛ لأنَّ مضمونَه واحد، فأغلَبُ الشخصيَّات لا تستقرُّ على منظومةٍ واحدةٍ، باستثناء نور الدين وأتْباعه، وملك الفرنجة وجنوده، ويُشكِّل شجاع المحور الأساس في هذا الصِّراع؛ لهذا رأى الباحث أنَّ هذه الرواية تقومُ على عددٍ لا حصرَ له في الملفوظات، بيد أنَّنا سننتَقِي منها الملفوظات الجوهريَّة التي تُشكِّل الملفوظ العام للرواية المتمثِّل في العتبة الأساسيَّة (سيرة شجاع) وما تُثِيره من تأويلاتٍ، وهذه الملفوظات المُنتَقاة بعنايةٍ استقرائيَّة تبدو في بنيتها السطحيَّة وحداتٌ مستقلَّة قائمة بذاتها، وكأنَّ كلَّ واحدة منها تُشكِّل قصَّة منفردة، ولكنَّها عند اندِماجها في علاقات النموذج العاملي تتحدَّد وظيفتها في التناسُق العام للبنية العميقة للرواية؛ لهذا جعَل الباحث هذه الملفوظات على شكْل جملٍ مفتاحيَّة تُضِيء النصَّ؛ ليَلِجَ من خِلالها إلى البنية العميقة للنصِّ، وهي على النحو الآتي:
1- العاضد يُحافِظ على عرشه وعرش آبائه بكلِّ السبل.
2- شاور يسعى إلى كرسي الوزارة المتمثِّل في الجاه والمكانة الاجتماعيَّة.
3- ينتصر شجاع على عواطفه من أجل واجبه الأسمى.
4- جماعة المصلحين يُناضِلون من أجل الإصلاح ومحاربة الفساد.

فعلى متن الجمل الأربع السابقة يتجلَّى صِراع المنظومات في هذه الرواية متمثِّلة في الصراع بين الشخصيَّات الرئيسة على النحو الآتي:
أولاً: العاضد:
من خِلال الجملة المفتاحيَّة الأولى "العاضد يحافظ على عرشه وعرش آبائه بكلِّ السبل"، نَلِجُ إلى أهمِّ عاملٍ في شبكة العلاقات في هذه الرواية، فالعاضد يُشكِّل في هذا الصراع الجبهة الرئيسة، أو هو بمنزلة عمود يتشكَّل الصراع حوله على شكلٍ دائري، فيتحرَّك ذات اليمين وذات الشمال، فتارةً يكون الوزير عن يمينه؛ أي: في صفِّه، وأخرى عن شماله؛ أي: خارجًا عن منطومته - وإنْ كان في الوزارة - ففي مستهلِّ الرواية نَراه قد أشعل فتيل الصراع بين الوزير شاور وبين ضرغام المتطلِّع إلى الوزارة، الذي قام العاضد بدَفْعِه من وَراء الستار للوثوب على شاور؛ لما رآه من سُطوع نجمه وتقرُّبه إلى الشعب بالإصلاح والعمران، وهذا دَيْدَنُ العاضد مع وزرائه، فشاور جاء بالطريقة نفسها، فقد وقف العاضد إلى جانبه للوثوب على رزيك بن طلائع الذي سار على خُطى والده الوزير طلائع بن رزيك في إظهاره الإصلاح، فيُهزَم شاور أمام ضرغام، فيفرُّ إلى الشام مستنجدًا بنور الدين، عندما علم العاضد بذلك خطَر بباله الاستنجادُ بالفرنجة؛ خوفًا على ملكه من نور الدين، فعرض الأمر على وزيره ضرغام الذي رفَض هذا الاقتراح وعدَّه خيانةً للدِّين والوطن[2]، فأسرَّها العاضد في نفسه ولم يُبدِ سخطه على ضرغام، فيضطر إلى مجاراته والتوقُّف عن مناقشته، ثم يعرض الأمر على دهاقين القصر، الذين يُؤيِّدونه على ضرورة الاستعانة بالفرنجة؛ للتخلُّص من الخطر المحدق لهم من نور الدين ومن طُغيان ضرغام[3]، وفي أثناء ذلك يرسل ضرغام رسالةً إلى نور الدين يعلمه فيها أنَّه على استعدادٍ للتحالُف معه على قتال الفرنج، فيعلم العاضد بأمر الرسالة فيزيد موجدةً على ضرغام، فيُقرِّر التخلِّي عنه في أقرب فُرصة، وهكذا يتخلَّى عنه في حربه ضد شاور، لتنتهي الحرب بهزيمة ضرغام.

والحوار الآتي بين العاضد وشاور - بعد أنْ عادت المياه بينهما إلى مجاريها - يجلو سياسة العاضد التي يتبعها مع وزرائه للحِفاظ على عرشه: "يسرُّني أنْ قد عدت، فآثرتني على ضرغام من زمن بعيد.
هذه عادتي يا شاور، أولي الوزير ثقتي على قدر ما يستقيم ويلخص"[4].

وهكذا يكون موقفه مع أتْباع نور الدين بين الشدِّ والجذب؛ فلا هو يدينهم، ولا هو يقصيهم، فتارة يُوغِر صَدر شاور عليهم، وأخرى يُزَعزِع ثقة أسد الدين في شاور، ومن جهةٍ أخرى تراه متأرجحًا بين الفرنجة وبين نور الدين، ولا يطمئن باله إلا عند سلامة عرشه من الزوال.

ثانيًا: شاور:
نَلِجُ إلى شخصية شاور من خلال الجملة المفتاحيَّة الثانية: "شاور يسعى إلى كرسيِّ الوزارة المتمثِّل في الجاه والمكانة الاجتماعيَّة"، فهذه الشخصيَّة من الشخصيَّات المركَّبة؛ فهي حجَرُ أساس صِراع المنظومات؛ فالسياسة والدَّهاء يُوجِّهان خطَّ سيره، فهو يتحالَف مع نور الدين للعَوْدة إلى كرسي الحكم، وعندما يسطَعُ نجمه يطمس بأشعته الباهرة وجْه العاضد، ويواري أسد الدين وأصحابه في الظلمات، ثم يبدأ التمرُّد على نور الدين، ويبدأ تمرُّده بنقص العهد الذي عقَدَه سرًّا مع أسد الدين؛ اتِّقاءً لشرِّ العاضد، بأنْ يفضي كلاهما للآخَر ما يقوله العاضد، ويبدأ أوَّل الوهن حينما بدأ العاضد بإيغار صدره على أسد الدين، بأنْ أوعز إليه بالتحلُّل من الشرط الذي أمضاه على نفسه لأسد الدين، فلم يُفضِ لأسد الدين بذلك، فيتَّسع الشرخ بين الاثنين حينما يخفي شاور الرسالة التي وردت إليه من ملك الفرنجة عن أسد الدين، فتكون ثالثة الأثافي، حينما يتقاعَس عن نصرة جيش أسد الدين الذي حاصَرَه الفرنجة في بلبيس، وكان قد تعهَّد له بإمداده بالرجال والمؤن، فيتحقَّق أسد الدين أنَّ شاور قد خان[5].

ومما يُميِّز هذه الشخصية أنها تتلوَّن مع أحداث الرواية، فهي تتلبَّس لكلِّ حدَث ما يُناسبه.

ثالثًا: شجاع:
تتجلَّى شخصيَّة شجاع في الجملة المفتاحيَّة الأخيرة: "ينتصر شجاع على عَواطفه من أجل واجبه الأسمى"، في أثناء حصار الفرنج لبلبيس، فهو ينشئ فرقة أسماها (فرفة الموت) تُغِير على الفرنج ليلاً، بَيْدَ أنَّ شجاعًا مضطرب في مبدأ أمره في علاقته بالمنظومتين المتصارعتين، فهو وطنيٌّ حتى النخاع، ومجاهدٌ حتى الموت، وبارٌّ بوالدَيْه إلى درجة التقديس؛ لهذا يعيش صِراعًا عنيفًا بعيد الغور في أعماقه، فهو أميَلُ إلى منظومة أبي الفضل وأسد الدين وصلاح الدين بعقله وإحساسه بواجبه، ولكنَّ قلبه أسيرُ طاعة والديه، ولا سيَّما والده شاور، الذي يرى فيه منذ نعومة أظفاره المثَل المحتذى، فيجدُ له المسوغ بعد انكِشاف خِيانته ويلتمس له الأعذار حتى بعد انجلاء الغمة عن عينيه، فيسأل الله له التوبة والأوبة، وهو على فِراش الموت، بعد أنْ تسبَّب في موته.

وبظُهور هذه الشخصيَّة على صَفحة الأحداث، يتَّخذ الصِّراع شكلاً آخَر، فشاور يُمارِس على ابنه سطوة الأبوَّة الطاغية، فيأمره بالتزام الطاعة العمياء، فيعيش شجاع أسوَأ أيام حَياته حين انجِلاء خِيانة والده، وعلى الرغم من ذلك يقول لأسد الدين: "قولوا ما شِئتُم إلا أنْ تصموه بالخيانة"[6]، ويقول لزوجته سمية: "أبي يا سمية سيجعل الناس يقولون: إنَّه خائن"[7]، على الرغم من كلِّ ذلك، يُقاوِم العالم أسرَه في هذه المسألة، فهو ينظُر إلى والده من منظوره، ولا يَراه خائنًا - وإنْ كان يعدُّ ما يعمله والده أمرًا مريبًا - فينشأ صِراعٌ صامت بينه وبين أبيه بسبب ما قام به في أثناء الحِصار، فيغضب الوالد ويغلظ القول لابنه البار الذي كره أنْ يُسِيء الأدب مع أبيه، فيسكُت ولا يرد عليه[8]، فتحدُث المواجهة التي كان يخشاها شُجاع، وهي اشتِعال الحرب بين المنظومتين؛ شاور يُحالفه الفرنجة، وأسد الدين يحالفه الشعب المصري، سيكون الظهور لجيش أسد الدين، وتدور الدائرة على شاور وحُلَفائه الفرنجة، بَيْدَ أنَّ شُجاعًا ينسحب من هذه المعركة قبل اندلاعها، وهذا حدث يجلي موقفًا أيديولوجيًّا جليًّا يتبنَّاه شجاع، يقومه شاور قائلاً: "لو كانت هفوة منه يا زبيدة لوهبتها له، ولكنَّها لوثة مُتأصِّلة لا فكاك له منها ولا فكاك لي منه"[9].

ثم وقَع الصُّلح بين المنظومتين، وكان رسول السلام بينهما شجاعًا - الذي كان همه الأكبر اتحاد المسلمين على قتال الفرنج - ولهذا دلالته الأيديولوجيَّة، هو تصوير الصراع الذي يُعانيه شجاع بين عاطفته تجاه والده، وواجبه تجاه دينه.

وتبدَأ مرحلة جديدة في سيرة شجاع، هي مرحلةُ مقاومة وجودِ الفرنجة في مصر، فتكون الفسطاط مَكمَن هذه المقاومة، فتبدأ الاغتيالات في وضح النهار؛ ممَّا يجعَل الفرنجة يعدلون سياسة الإرهاب التي يُمارِسونها تجاه الشعب المصري من خَطف وهتْك لأعراض النساء، بسياسة تضليلهم عن حقيقةِ ما يُبيِّتونه لهم، فتقطَّعت الأسباب بين شاور والفرنجة إلى حين، فيؤوب إلى العاضد، الذي يستبشر شرًّا من نهوض الفسطاط، فيوعز إلى شاور بحرقها للقضاء على القوَّة الشعبيَّة الناهضة؛ لكيلا تكون عونًا لجيش أسد الدين، يغادر ملك الفرنجة مصر بعد أنْ علم بقُرب مجيء جيش أسد الدين - بعدما استنجد العاضد بنور الدين - وقد أبدى شجاع سرورًا بالغًا، فلامَه أبوه على ذلك قائلاً: "اقتصد ويلك من ولدٍ قليل البر، أتقعد في الظل وتترك أباك قائمًا وحده في الشمس.
بل سنقعد يا سيدي جميعًا في الظل.
هيهات! إنَّ أسد الدين بريد أنْ ينزع العمامة التي تقي رأسي ضربة الشمس، أوَقَدْ نسيت عداوته لي؟!"[10].

ويبدأ العهد الجديد بقُدوم أسد الدين للمرَّة الثالثة، فتخفت أضواء شاور وتتلألأ أنوار أسد الدين، فينسحب شاور بصمتٍ - على غير عادته - وقد قَرَّ قرارُه على الخيانة، وهكذا تنكَشِف سوأة شاور أمام ابنه البار، ويزول السحر، كما يكتشف المؤامرة الثلاثيَّة التي حاكَها (زعيم الخلافة من قصر العاضد - شاور - ملك الفرنج) لاغتيال قادة العهد الحديد (أسد الدين - صلاح الدين- أبو الفضل الحريري) فيفشلها، ويكون الثمن حياته، لتنتهي هذه السيرة.

رابعًا: المصلحون:
وتُشكِّل الجملة الرابعة: "جماعة المصلحين يناضلون من أجل الإصلاح ومحاربة الفساد" المفتاح الرئيس للرواية، جماعة الإصلاح تسعى إلى محاربة كلِّ فاسد وكلِّ خائن وكلِّ قاعد عن جهاد الفرنجة والوقوف إلى حالة كلِّ مصلح وكلِّ أمين وكلِّ مجاهد، وهذه الجماعة تتجلَّى من خلال صور متعدِّدة في الرواية نملكها ثلاث تيَّارات:
التيَّار الأول: الوزير ضرغام: ينتمي إلى منظومة المصلحين، ويتجلَّى هذا الانتماء في منطوقه وفي سلوكه، فهو يعفو عن شجاع عندما آنَسَ منه صلابةً في الحق، وقوَّة شكيمة، ويعفو عن الخطيب الذي دعا لنور الدين، فيقول له: "فما ينبغي أنْ أعاقبك على كلمة حقٍّ قلتها، ودعوة صالحة دعوتها للمجاهدين في سبيل الله"[11]، وتتَّضح أمانته في كفِّ أيدي إخوته عن أموال الأمَّة، ومساواته في الأعطيات بين جنده وجند شاور الذين حاربوه؛ معلِّلاً ذلك بأنهم جميعًا جند الدولة، وفي مواقفه الصارمة تجاه التحالُف مع الفرنجة، وعده مثل هذه التحالُفات خيانة للأمَّة؛ لهذا كلِّه كان يُعظِّم نور الدين ويسعى إلى محالفته في قتال الفرنجة، لا محاربته، وجرَّاء هذه المواقف العقائدية الثابتة، وافتقاره إلى سياسة شاور ودهائه، كانت هزيمته ثم هلاكه، فعندما فشلت المفاوضات بينه وبين أسد الدين الذي كان يُحسن الظنَّ بشاور، يقول ضرغام مخاطبًا شجاع: "فاشهد إذًا أنَّني نصحت لديني ووطني، وأبرأت ذمَّتي إلى الله، وأنَّ أباك هو المسؤول"[12].

التيَّار الثاني: أبو الفضل الحريري وجماعته المصلحين: وهذه جماعة سريَّة يقودُها بحنكةٍ متدربة التاجرُ أو الفضل الحريري، وتسعى في الخفاء إلى إشاعة الإصلاح بين الناس ومحاربة الفساد؛ لهذا ينصَح أبو الفضل شاور بالهروب إلى الشام والاستنجاد بنور الدين على الرغم من تَزعزُع ثقته بشاور وقلى أمله فيه "ولكنه لم يفقدهما جملةً، فما زال يرى في شاور أجرأ وزيرٍ على مناهضة القصر للحدِّ من طغيانه، ويرى في عهده أصلح عهد لنموِّ الحركة السريَّة التي يقومُ بها هو وأصحابه"[13].

أمَّا عدم وقوفه إلى جانب ضرغام فله تأويلاتٌ؛ منها: أنَّ باكثير أراد أنْ يبين القدرات البشريَّة لأبي الفضل التي تعتمد بشكلٍ أساس على الظاهر وتوكل البواطن إلى الله - عزَّ وجلَّ - ومن ذلك أنَّ ضَعْفَ ضرغام السياسي وقوَّته العسكريَّة لم يشفَعَا له في الانتصار، وهذه إشارةٌ ذكيَّة من باكثير؛ لهذا يُصوِّر باكثير الحيرة التي وقَع فيها أبو الفضل حينما سمع من شجاع أحوالَ الرجل ولا سيَّما ما يتَّصل بالإصلاح ومحاربة الفرنجة في أسلوبٍ تعبيري بديع، وذلك بالدخول إلى أعماق أبي الفضل من خلال (الأسلوب غير المباشر الحر)[14] "أما أبو الفضل فلم يشترك في الحديث إلا قليلاً، بل كان صامتًا طول الوقت يستمع ويفكر فيما يسمع، ولا سيَّما فيما رواه شجاع من قصة ضرغام، وذلك العرض الذي عرضه على أسد الدين وشاور، فقد اهتمَّ به اهتمامًا عظيمًا، إلا أنَّه لم يبد لهم رأيًا فيه، أو يعلق عليه بشيء، أحقًّا كان ضرغام بتلك الصورة اللامعة، أمَّا ما عامل به شجاعًا من الرقة والكرم فإنَّه على روعته غير مُستَغرَب كثيرًا من ضرغام، فقد أُثِرَ عنه من الفعال ما ينمُّ على شهامة وأريحيَّة، ولكن أحقًّا كان ينوي أنْ يعاهد أسد الدين على محاربة الفرنج والبدء أولاً باسترداد عسقلان من أيديهم؟ ثم أحقًّا كان من الحرص على ذلك بحيث يقبل أنْ ينزل لخصمه شاور عن الوزارة بعد استنقاذ عسقلان؟ إنْ كان ذلك حقًّا فقد أخطأ أسد الدين وأساء شاور"[15].

ومن هنا تتَّضح شخصيَّة أبي الفضل الذي يفصل بين الشخصي والعام، والعبرة عنده بالإصلاح العام والشامل؛ لهذا لم يُعلِّق على تزكية نجم الدين الخبوشاني لضرغام بنفي صفات الشهامة والعفَّة والوفاء لآل رزيك عن ضرغام، وإنما قال: "قد باع نفسه للعاضد بعد ذلك"[16].

التيَّار الثالث: المجاهدون: ويتمثَّل هذا التيَّار غيابيًّا في نور الدين وحضوريًّا في أسد الدين وصلاح الدين، وتسعى هذه الجماعة إلى محاربة الفرنجة بشكلٍ عام وإقصائهم عن بلاد الإسلام عامَّة وبلاد الشام ومصر خاصَّة، والوقوف إلى جانب كلِّ مسلم في مشارق الأرض ومغاربها، فيأتون إلى مصر في أوَّل أمرهم بدعوة من شاور - وفق نصيحة أبي الفضل - ليساندوه وينصروه على عدوِّه ضرغام، ثم يستقرُّ بهم المقام في مصر بعد صولات وجولات تنتهي باستِئصال رؤوس الفساد والخونة، وذلك بإقصاء العاضد عن العرش والقبض على شاور.

لهذا نجد أنَّ المصلحين يُمثِّلون المنظومة المناهضة لمنظومة الفرنجة على النطاق الواسع، ولكل مَن يلتفُّ حولها على النطاق الضيق، سواء أكان العاضد أم شاور، وهمُّها أولاً وأخيرًا هو لَمُّ شمل المسلمين لقتال الفرنجة بعد إصلاحهم، وهكذا تكون علاقتهم بالعاضد وشاور قائمةً على دعائم هذا المفهوم، ويظلُّ الصراع بين المنظومتين على هذا الأساس، وفي هذا الإطار تتغيَّر مواقف العاضد وكذلك شاور من الطرف إلى الطرف، أمَّا مواقف هذه المجموعة فثابِتٌ لا يتغيَّر، ويظلُّ الصراع بين المنظومتين على النِّطاق الواسع محتدِمًا في الأعمِّ الأغلب، أمَّا في الإطار الضيِّق فيظلُّ بين شدٍّ وجذب، حتى تهدَأ الأمور بين الفريقين، وتستقرَّ الأوضاع في السفر الثالث، فيُصبِح الكلُّ في أمان؛ العاضد مستقرٌّ على عرشه، وشاور على رأس حُكومته، وجيش أسد الدين معسكرٌ في أرض اللوق، وأصبح السلام سائدًا بين أسد الدين وشاور، وظلَّ الأمر هكذا فترةً من الزمان، حتى تغلغل أسد الدين وصحبه في وجدان الشعب المصري، فبدأ عهدٌ جديد، سبيله إلى الحكم الثورة البيضاء، التي لم تتلطَّخ رأيتها بأيَّة بقعة حمراء، فانسحب البساط من تحت شاور شيئًا فشيئًا؛ فلزم داره، وفقد العاضد على أثرها قدرته على تدبير المكايد، ورسم الخطط من رواء الستار، ثم بدأ أسد الدين عهده بالإصلاح الشامل؛ لبناء دولة قويَّة في مصر قوامها القضاء على الفساد ومحاربة الفرنجة، وفي هذه المرحلة يتَّخذ شاور من خندق العاضد مَلجأً يَلُوذ به؛ هُروبًا من سَطوة أسد الدين، وهُروبًا من بطش الشعب المصري، الذي التفَّ حول رجال العهد الجديد، يقول العاضد معلقًا على الأوضاع السائدة:
" فأنت أولى بنا ونحن أولى بك من هؤلاء.
صدقت يا مولاي، القريب قبل الغريب"[17].

وهذا الخندق هو خندق الفساد والخيانة وعدم الانتماء، أمَّا أسد الدين فينحاز إلى خندق أهل الفسطاط مع أبي الفضل وجماعة المصلحين، وفي أثناء ذلك تأتي أوامر نور الدين ببقاء جيش أسد الدين في مصر؛ ليكون حاميةً دائمة، ويوافق العاضد على ذلك بسهولة؛ بغية الحِفاظ على عرشه، أمَّا شاور فلم يوافق على ذلك إلا بعد لجاجٍ وجدال، فيختلط المعسكران (مصر - الشام) فكان نسيج هذا الاختلاط، قتال الفرنجة.


وقد بدَأ العهد الجديد تباشيره بإعادة بناء الفسطاط، وعزل قُضاة المذهب الفاطمي وتوحيد القَضاء في القطر المصري كله على المذهب السني؛ لأنَّه مذهب عامَّة المصريين، فهان أمرُ إعادة بناء الفسطاط على العاضد أمام هذا الأمر الجلل حتى قال: "قد كنت أخشى من تجديد الفسطاط على القاهرة، فهاهُم أولاء اليوم قد حولوا القطر كله إلى فسطاط"[18]، فتَبُوء كلُّ محاولات تشويه هذا العهد وتقويض دعائمه بالفشل، فيكون ثمن بقاء هذا العهد هو حَياة شجاع.

وتتَّضح مفاهيم هذه المنظومة من خلال ربط أبي الفضل قضيَّة (الصلاح أو الفساد) بقتال الفرنجة، حينما يقول: "أرجو أنْ يوافق (أي: نور الدين) ولا سيَّما إذا شرَح له شاور حقيقةَ الحال في مصر ووجوب إصلاحها وتقويتها، خشية أنْ تقع في أيدي الفرنج"[19].

وعلى ضوء المعطيات السابقة نستَطِيع بناء النموذج العاملي وفق الترسيمة الآتية:


ويمكن إيضاح هذه الترسيمة من خلال عواملها الزوجية الثلاثة كالآتي:
المزدوجة الأولى: المرسِل والمرسَل إليه:
العلاقة بين أبي الفضل الحريري (المرسِل) وبين والأمة الإسلامية المتمثِّلة في أهل مصر وبلاد الشام (المرسَل إليه) علاقة ديناميكيَّة متَّصفة بالحركة الدائمة، فأبو الفضل هو المؤثِّر في شجاع (الذات) وهو المؤثِّر في نور الدين وأسد الدين، وهو المؤثِّر في جماعة المصلحين (المساعدون)، وله تأثير كبير في بعض الأحيان على شاور (المعارض)، كما له تأثيرٌ كبير في قطاع عريض من أهل مصر (الفسطاط، بلبيس، الإسكندرية)؛ فهو لهذا في حركةٍ دائبة لا يهدأ ولا يستكين حتى يُحقِّق الحرية التامَّة لأمَّته من الطُّغيان والبغي والاستِعباد وتدخل الفرنجة في شُؤون الأمة؛ لهذا يستجيبُ له عموم مَن يرسل إليهم رسالته الإصلاحيَّة الشاملة من الخاصَّة المتمثِّلة في نور الدين وأسد الدين وشجاع دائمًا، وشاور إلى حين.

المزدوجة الثانية: الذات والموضوع:
العلاقة بين (الذات) شجاع و(الموضوع) الإصلاح علاقة مُتشعِّبة لها اتِّصال بالمرسِل (أبو الفضل) والمعارض (شاور)، وتُشكِّل هذه العلاقة العاملة بين الذات والموضوع المِفصَل المهمَّ في الرواية، فلا وجودَ للرواية القائمة على (سيرة شجاع) من غيرها، فشجاع يعيش شدًّا وجذبًا بين عاملين (المرسل) أبي الفضل و(المعارض) شاور، ويتَّضح هذا من الصفحات الأولى للرواية حينما أنكَر أبو الفضل على شاور وأولاده صَنِيعَهم في أموال الأمَّة، فلم يستَجِبْ أحدٌ منهم له سِوى شجاع أصغر أولاد شاور، الذي استَمَع لنُصحِه فكفَّ أو اقتصد، فقد "كان أطهرهم نفسًا، وأرقَّهم شعورًا، وأميلَهم إلى الخير والاستقامة، ولأنَّه كان كثير التردُّد على بيت أبي الفضل شديد الإعجاب به والتوقير له، ولأنَّه فوق ذلك كله يحبُّ سمية"[20].

بَيْد أنَّ (ذات الحالة) شجاعًا يدخُل في علاقة ضديَّة بين هذين العاملين (أبي الفضل) وأبيه (شاور) فعندما يغيبُ عنه تأثيرُ أبي الفضل ويقوى تأثيرُ أبيه عليه يدخُل مع الموضوع المرغوب فيه (الإصلاح) في حالة (انفِصال) المرموز له بعلامة (v):
شجاع v الإصلاح

وعندما يحصل العكس يدخُل في حالة (اتصال) المرموز له بعلامة (^):
شجاع ^ الإصلاح

ومفهوم الإصلاح[21] يتجلَّى في عدَّة صور على الصعيدين: الفردي والجماعي، من خِلال شخصيَّة (شجاع)، فهناك إصلاحٌ على الصعيد الفردي فهو يعيش صِراعًا شخصيًّا لإصلاح سياسة والده الخاصَّة تجاهه المتَّسِمة باستِغلال طاعته العَمياء، وذلك فيما له صلةٌ برغبَتِه في الإصلاح بالعدل، وجرَّاء سياسة والده العامَّة تجاه قَضايا الأمَّة (الإخلال بالأمانة) ومسوغة في الاستسلام لكلا السياستين (بر الوالدين)، فإذا كان البرُّ مطلوبًا في الجانب الفردي ممَّا لا ضرر للأمَّة فيه، فإنه يُعَدُّ مفهومًا خاطئًا في قَضايا الأمَّة، ولا سيَّما في خيانة شاور واتِّصاله بالفرنجة؛ وفقًا للقاعدة الإسلامية (لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق)، فمن هنا ينشأ صراعٌ مرير في أعماق شجاع، تجعله متنقلاً من حالة عدم التوازن إلى حالة التوازن وفقًا لبُعدِه عن الموضوع المرغوب فيه (الإصلاح) وقُربه منه؛ لهذا يعيش متوازنًا مع موضوعه عندما يكون في ظلِّ تأثير أبي الفضل عليه (المرسل والمساعد)، ويعيش حاله عدم توازن عندما يكونُ في ظلِّ تأثيره والده (شاور) عليه (المعارض)، وتنتهي سِيرته وهو في حالة التوازن بعد اتِّضاح الرؤية عنده.

المزدوجة الثالثة: المساعدة والمعارضة:
هذه العلاقة علاقة تكميليَّة تبعيَّة وليست علاقة أساسيَّة؛ فهي تعمل في النموذج العاملي بوصفها عُنصرًا مساعدًا؛ لهذا ليس بينهما ازدواجٌ جدلي مثلما هو حاصل في المزدوجتين السابقتين، فهما عُنصران لهما صلةٌ مباشرة بالذات (شجاع) فأحدهما (المساعد) المتمثِّل في أبي الفضل وجماعته والمجاهدين، الذين يعينونه على بلوغ غايته المنشودة في (الإصلاح) بكلِّ الطرائق والوسائل، أمَّا الآخر (المعارض) المتمثل في العاضد بطريقةٍ غير مباشرة ووالده شاور والفرنجة، الذين يحاولون إعاقته عن بلوغ تلك الغاية، فمن هنا تنشأ علاقة ديناميكيَّة بينهما وبين شجاع ابتداءً من وقوع شجاع أسيرًا في يد ضرغام ووقوعه أسيرًا في يد الفرنجة، وحتى مقتله بيد خادِم والده (ياقوت).

وبهذا نخلص إلى أنَّ النموذج العاملي بوصفه هيكلاً عامًّا يحيلُ على الصيغة التنظيمية المجرَّدة للنص؛ لهذا يمكن إسقاطُه على عُموم النصوص السرديَّة، ولكن الترسيمة العاملية هي التي تُحوِّل هذه العمومية إلى الخصوصيَّة؛ لأنَّ كلَّ نصٍّ سردي يملك من المقوِّمات والعناصر ما يجعَلُه متميزًا عن غيره من النصوص، وهذا الأمر هو الذي يُميِّز دراسة البنية في أيِّ نصٍّ من النصوص، وعدم التنبُّه إلى هذه الخصوصيَّة يجعَل الباحث يقَع في فخِّ تجريد النصوص والتعامُل معها بوصفها نصًّا واحدًا؛ لهذا تسعى الترسيمة العامليَّة إلى إبراز هذه الخصوصية؛ ممَّا يُضفِي على النصِّ وحدات دلاليَّة تمنح النموذج العاملي بُعدَه الاختلافي؛ لتُشكِّل هذه الوحدات الدلاليَّة فيما بعدُ شَفراتها الخاصَّة في إنتاج الدلالة، وبالنظَر إلى مُعطَيات الترسيمة العامليَّة وما أنتجَتْه من وحداتٍ دلاليَّة في (سيرة شجاع)، نجدُ أنَّ المبدع (باكثير) كانت له خصوصيَّته الإبداعيَّة المرتكزة على المرجعيَّة الجماليَّة (فن الرواية) والمرجعية الثقافية (التصوُّر الإسلامي)، فهو يعالج في هذه الرواية موضوعًا له صلة بالتدافُع الحضاري من خلال التواصل مع الآخر "فنسق الوحدات الدلالية يُعبِّر عن الطريقة التي تقومُ بواسطتها ثقافةٌ ما، بتقطيع الكون المدرك وبلورة شكل مضموني محدَّد"[22]، ولهذا نظَر باكثير إلى الصِّراع الدائر بين الذات (شجاع الذي يُمثِّل منظومة المصلحين) والآخر (المتمثِّل في المنظومة المعادية للمصلحين داخليًّا وخارجيًّا) من خلال تصوُّره الإسلامي لهذا الصراع الذي يتشكَّل في ثنائيَّات ضديَّة على النحو الآتي:
شجاع
(م)
الآخر
V

V
الإصلاح
(م)
الإفساد (داخلي)
الأمانة
(م)
الخيانة (داخلي)
جهاد الفرنجة
(م)
القعود عن الجهاد (داخلي)
فرقة الموت
(م)
الحصار والاعتداء (خارجي)




يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 06-11-2021, 04:26 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مقومات التواصل مع الآخر في (سيرة شجاع)

المبحث الثاني

دلالة مقومات الصراع في سيرة شجاع

شاعَ بين البنيويِّين في دَرْسِهم النظري الحديثُ عن البنية بوصفها دالاًّ ومدلولاً حسب ثنائيَّة سوسير الشهيرة، وهذا حقٌّ لا مِراء فيه؛ بَيْدَ أنَّ كثيرًا من ممارساتهم التطبيقيَّة للنصوص تكاد تخلو من الحديث عن الدلالة إلا بوصفها شكلاً بحتًا، وهذا أمرٌ غريب؛ لأنَّه لا أدبَ دون رؤية، ووقَف على النقيض منهم بعض دعاة الأدب الإسلامي الذين تطرَّفوا في تطبيق مفهوم الأدب الإسلامي في بعض النصوص بوصفه مضمونًا فحسب؛ لهذا وقَعُوا في فخِّ الفصل بين الشكل والمضمون، وهو مفهومٌ لا يستقيم على ساقين لا بُدَّ للأدب منهما، فهؤلاء أخَذوا الشق الثاني من المفهوم (الإسلامي)، وغفلوا أو تغافلوا عن الشق الأول (الأدب) بكلِّ ما يحمله من تجليات، وهذا أمرٌ غريب؛ لأنَّه لا وجود لأدبٍ دون شكل فني.

أمَّا البنيويُّون فقد تنبَّه إلى خللهم بعض نقَّادهم من ذوي الاتجاهات الأيديولوجيَّة ومن أبرزهم بيير زيما وذلك في كتابه "النقد الاجتماعي" الذي سعى من خِلاله إلى تأسيس علم اجتماعٍ للنص الأدبي؛ لهذا يرى الدكتور صلاح فضل أنَّ أدبيَّة النص الأدبي "هي التي تُحدِّد طبيعة علاقته بِمُبدِعه ومُتلقِّيه والمجتمع الذي تنبَثِق فيه، وبهذا لا تصبح الأدبية - كما يُسِيء فهمها البعض - طريقة للتحلُّل من الوظيفة الاجتماعيَّة للأدب، بل هي أداته الأولى عبر اللغة والتقنية، في التأثير والفعالية"[23].

أمَّا الخلل الذي وقَع فيه بعض أنصار الأدب الإسلامي فقد تنبَّه إليه الدكتور عماد الدين خليل بمنهجيَّةٍ منضبطة[24]؛ فأشار إلى أهميَّة العناية بأدبيَّة النص الأدبي في إطار المفهوم الإسلامي للأدب، وكذلك فعَل الأستاذ ياسر الزعاترة[25]؛ لهذا يرى الباحث إمكانيَّة الإفادة من المناهج الغربيَّة الحديثة في تحليل النصوص ذات الاتجاه الإسلامي لجلاء الأسس الفنيَّة التي تقومُ عليها، دُون الوقوع في فخِّ خَلفيَّاتها الفلسفيَّة؛ وذلك تأكيدًا على فنيَّة كثيرٍ من نصوصنا الإبداعيَّة وأدبيَّتها، وردًّا ضمنيًّا على مَن يرى فيها أنها خاليةٌ من الفنيَّة والأدبيَّة؛ لهذا جاء مصطلح الأدب الإسلامي حاملاً في أحشائها كلَّ مفاهيم أدبية الأدب، وكلَّ مفاهيم وظيفة الأدب السامية الخلاقة المنبعثة من رسالة الإسلام الخالدة؛ لهذا ينبغي رأب الصدع الواقع بين الشكل والمضمون في أذهان كثيرٍ من أنصار الأدب الإسلامي، وهذه الدراسة المتواضعة محاولةٌ يسيرة إلى رأب هذا الصدع، وأديبنا علي أحمد باكثير من أدبائنا الذين حملوا همَّ هذه الأمة في الحل والترحال، وروايته "سيرة شجاع" تستقي أحداثها من تاريخ الإسلام، مُصوِّرة مقومات التواصل مع الآخر، وذلك من خلال تصوير التعامل مع العدو الداخلي المتمثِّل في المنافقين والتعامل مع العدو الخارجي المتمثِّل في الغزاة والمحتلين، لهذا تحمل في أحشائها معاني وإشارات متداولة بين المسلمين، وهي إشارات ينثرها المبدِع إلى الأجيال الجديدة، بَيْدَ أنَّ (باكثير) لا يُعِيد صياغة التاريخ ولا ينتج منه صيغة أخرى، بل يُقِيم كيانًا روائيًّا ينفصل أحيانًا عن الأصل الذي انبَثَق منه وربما كان موازيًا له، مستخدمًا من خِلاله مفردات هذا الأصل، بَيْدَ أنَّه يُكوِّن عالمه الروائي المكتمل الخاص به، الذي يحمل في أحشائه شفراته النصيَّة ودلالاته الخاصَّة التي تسعى إلى جَلاء رؤيته للإنسان وللحياة وللكون عمومًا من خِلال تصوره الإسلامي لها.

الصِّراع في هذه الرواية صِراعٌ ذو وجهين، فهو ينبثق من الداخل إلى الخارج، من خلال ثنائيَّات هرميَّة تنطَلِق من القاعدة إلى القمَّة، على النحو الآتي:
الأمانة
#
الخيانة
الإصلاح
#
الإفساد
محاربة الفرنجة
#
القعود عن محاربتهم

وهي مسألةٌ جديرة بالعناية، وتفصح عن وعي سياسي غاية في الأهميَّة عند الأستاذ باكثير، وما (مسرح السياسة) عنَّا ببعيد، بَيْدَ أنَّ هناك حديثًا شائقًا عن رمزيَّة هذه الرواية، وهذا أمرٌ وارد تُؤيِّده الشواهد الواقعية المتَّصلة بتوقيت كتابة الرواية، وبالنظر إلى الهمِّ الذي يحمله الأستاذ باكثير على كاهله تجاه أمَّته وعُروبته ووطنيَّته، الذي تفيضُ به أعماله الإبداعيَّة، بوصفه رائدًا من روَّاد الأدب الإسلامي، وهو أمرٌ مُغْرٍ، لكن في اعتقاد الباحث أنَّ المبدع (باكثير) كان أكثَر استشرافًا للمستقبل، وذلك في وضعه مؤشرات الصراع مع الغرب من خلال صِراعنا الداخلي، وهذا ما تُؤيِّده مدلولات واقعنا الراهن؛ لهذا تنحو هذه الرمزية منحى أعمق ممَّا ذهب إليه بعض الباحثين[26]، فهي رمزيَّة كليَّة وليست رمزيَّة جزئيَّة؛ لأنَّ الصراع في الرواية ليس بين مجموعات بشريَّة مستقلَّة عن بعضها، بقدر ما هو صِراعٌ حضاري خارجي بين ثقافتين، وصِراعٌ داخلي بين مفهومين للإسلام: مفهوم الجهاد الحق، ومفهوم الاستسلام للعدو والانغمار في ثقافته؛ لهذا كان باكثير يُحلِّق في سماءٍ تقاصَرت دونها رقاب معاصريه من المثقفين والأدباء الذين صوَّروا الصراع بين الشرق والغرب من خلال الفرد لا الجماعة والأمَّة؛ ممَّا يجعل الصراع في نظرهم لا يعدو أنْ يكون خاضعًا لمبدأ الأحادية التي تنفرد به الأمم المحارِبة حتى تُسَيطِر على العالم كله، وهو ما تسعى إليه العولمة، وذلك من خِلال إعادة تشكيل العالم وفْق نموذج يُقرِّره الواحد المنتصِر، وهو صراع لا يقبل الندِّيَّة، وهو مفهومٌ مخالف لما يدعو إليه باكثير في روايته "سيرة شجاع"، المنطلق من المفهوم الإسلامي للصراع القائم على توحيد الصفوف، ونبْذ التنازع، مستشرقًا في ذلك قوله - تعالى -: ﴿ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾ [الأنفال: 46]، وقوله - جلَّ شأنه -: ﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الْإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾ [هود: 88]، ثم منطلقًا من وجوب مُدافعة العدوِّ بكلِّ السبل والوسائل اتِّباعًا لقوله - تعالى -: ﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [البقرة: 190]، وهي منطلقاتٌ شرعيَّة اتَّكأ عليها باكثير في إنتاج دلالة روايته هذه.

مقومات التواصل مع الآخر:
المقصود بالآخَر هنا هو كلُّ ما هو غريبٌ غير مألوف، أو هو كلُّ (غيري) بما له علاقةٌ بالذات أو الثقافة ككل، وهو كلُّ ما يُهدِّد الوحدة والصفاء[27]، أمَّا التواصل فالأصل فيه الفهم والاحترام المتبادَل لآراء الآخر ووجهات نظره، بغضِّ النظر عن توافر عناصر الاتِّفاق أو المحبَّة، والآخَر في هذه الرواية يرفض هذا المفهوم للتواصُل، فالآخر الداخلي المتمثِّل في (العاضد ووزيره شاور) يسعى إلى مركز اتِّخاذ القرار دون العودة إلى المرجعيَّة التي تحكُم الجماعة الإسلاميَّة، أمَّا الآخَر الخارجي المتمثِّل في (الفرنجة) فيسعى إلى طمْس الهويَّة الثقافيَّة للأمَّة وسحقها ثم الاستيلاء على ثرواتها؛ لهذا يتجلَّى هذا الآخَر في رواية "سيرة شجاع" في صورتين:
الأولى: الآخر المسلم المخالف، مُتمثِّلاً في (العاضد) ووزيره (شاور).
الثاني: الآخر الكافر المحارب، مُتمثِّلاً في (الفرنجة).

ووفقًا للنموذج العاملي ينبَثِق هذا الآخَر من خلال خانة المعارضة، والأصل في الإسلام هو قَبول الآخَر ومحاورته، وقد اتَّبع باكثير قواعد للتواصُل مع هذا الآخَر نابعة من تصوُّره الإسلامي لهذا الآخر، من خِلال الصورتين السابقتين على النحو الآتي:
الصورة الأولى: مقومات التواصل مع الآخر المسلم المخالف:
الأصل في العلاقة بين المسلمين الائتلافُ وعدم التنازع؛ امتثالاً لقول الله - تعالى -: ﴿ وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾ [الأنفال: 46].

ومعلومٌ بالضرورة أنَّ معظم الخلاف إنما هو نابعٌ من البغي بتأويلٍ أو بغير تأويلٍ، فمن هنا كان من ثمرات الاختلاف والتنازُع الفشَل وذهاب الريح وتفتُّت وحدة المسلمين وانكِسار شوكتهم، حتى يسهُل على عدوِّهم الدخيل التحكُّم بأمرهم وإذلالهم، بَيْدَ أنَّ هناك اختلافًا في أمرٍ مذموم كالخيانة والإفساد، كما حصل من اختلاف جماعة المصلحين مع العاضد وشاور باتِّصالهم بالفرنجة والتعاون معهم لمصالح دنيويَّة؛ لهذا اتَّخذ الاختلاف سبيلاً غير السبيل، ولكنَّه سبيلٌ يتَّكِئ على مقومات شرعيَّة مُرتَّبة تدريجيًّا، منها:
1- حسن الظن بالآخَر وعدم البغي عليه:
فحينما يتَّهم شاور العاضد باتِّصاله بالفرنجة بعد حادثة ابن الخياط يقول له صلاح الدين: "ولكن ما يدريك يا أبا شجاع أنَّ العاضد هو الذي بعثه؟ لِمَ لا يكون هذا الرجل [يعني: ابن الخياط] جاسوسًا من جواسيس الفرنج؟"[28].

2- التثبُّت وعدم التعجيل:
يُطالِب شاور أسد الدين بخلع العاضد بتُهمة الخيانة فيقول له أسد الدين: "كلاَّ يا شاور، ليس عندي أمرٌ من نور الدين بخلعه، ولن أقبل على ذلك من تلقاء نفسي إلا في حالةٍ واحدة... إذا تبيَّن لي أنَّ في بقائه خطرًا من جهة أعدائنا الفرنج"[29].

3- درء المفاسد أولى من جلب المصالح:
وهذه قاعدةٌ شرعيَّة جليلة المنافع، فحين يقترح صلاح الدين على أسد الدين جمع الأثافي الثلاثة (العاضد وشاور وابن الخياط) على صعيدٍ واحد لسماع أقوالهم بشأن الاتِّصال بالفرنجة، يستنكر أسد الدين هذا الاقتراح: "ويلك ماذا تقول؟ أتريد أنْ تثير فتنة في البلد ولَمَّا يمضِ على قدومنا غير أيام"[30].

ونجدُ مثلَ ذلك عندما يَرفُض أسد الدين مُقتَرح شاور بقتل العاضد أو اعتقاله فيردُّ عليه قائلاً: "اليوم، والعدوُّ على الأبواب؟ كلاَّ يا شاور، لا أوافق على هذا أبدًا، لتكوننَّ فتنة في البلد"[31].

4- البحث عن وسائل لتجاوز الاختلاف:
وهذا الأمر هو مربط الفرس في هذه الرواية، فسعي شجاع الدائم يصبُّ في هذا الاتجاه، وهو مطلبٌ شرعي لا ريب فيه، بَيْدَ أنَّ شجاعًا يذهب به الشطط مذهبًا بعيدًا عندما يغضُّ الطرف عن أخطاء والده القاتلة بحجَّة السعي إلى لَمِّ شمْل المسلمين وقبل ذلك بحجَّة برِّه بوالده، وهذا هو الموضوع الذي يرغَب فيه شجاع من مبدأ الرواية حتى مُنتهاها، بَيْدَ أنَّه عندما تنجَلِي الغمامة من عينَيْه بدَفْع حَياته ثمنًا لهذا الموضوع المرتكِز على الإصلاح، فهو يسعى في الصفحات الأولى للرواية للإصلاح بين ضرغام وجيش نور الدين الذي جاء منتصرًا لشاور، فيخيب سعيه في هذا الصلح، وتذهب نفسه حسرات على مصير الوزير الصالح ضرغام بعد أنْ تناوشَتْه سيوفُ إخوانه من المسلمين بسبب شاور، ويسعى شجاع ثانيةً إلى رأب الصدع الذي وقَع بين أبيه شاور وأسد الدين بعد فعلة شاور من قطع المدد والمؤن على جيش أسد الدين وهو مُحاصَر من الفرنجة في بلبيس[32].

ويصنع شجاع مثلَ ذلك للصلح بين شاور وأسد الدين بعد جَلاء حِصار الإسكندرية فيخيب مسعاه فيهما[33]، وهذا السعي الحثيث للصُّلح ولَمِّ شمل المسلمين لقتال الفرنجة هو الأمَل الذي يعيش لأجله شجاع، ويلخص هذا الأمر سيرته المليئة بالأحداث، فيكون آخر كلامه: "انظروا! انظروا! ذلك ابني يقود جيش مصر، أسد الدين ضرغام يقود جيش التحرير، الله أكبر، الله أكبر! انهزم جيش العدو وانتصر جيش مصر، انتصر العرب، وانتصر المسلمون"[34].

5- عدم الركون إلى الذين ظلموا:
إذا كان حُسن الظن والتثبُّت ومُراعاة المصالح والسعي إلى وسائل تجاوُز الخِلاف مَطالب شرعيَّة يدعو إليها دِيننا الحنيف، فإنَّ ذلك لا يعني الرُّكون إلى الذين ظلَموا والثقة بهم؛ ﴿ وَلاَ تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لاَ تُنْصَرُونَ ﴾ [هود: 113]، ويذهب غيرُ واحدٍ من المفسرين أنَّ الرُّكون هو المداهنة والرضا بأعمالهم؛ يقول سيد قطب - رحمه الله - في تفسير هذه الآية: "لا تسندوا ولا تطمئنُّوا إلى الذين ظلموا، من الجبَّارين الطغاة الظالمين، أصحاب القوَّة في الأرض، الذين يقهرون العباد بقوَّتهم ويُعبِّدونهم لغير الله من العبيد، لا تركَنُوا إليهم؛ فإنَّ رُكونكم إليهم يعني إقرارهم على هذا المنكر الأكبر الذي يُزاوِلونه ومُشارَكتهم إثم ذلك المنكر العظيم"[35].

فجماعة المصلحين لم يركَنُوا إلى العاضد مطلقًا، كما أنهم لم يركنوا إلى شاور حينما شكُّوا في نواياه، بَيْدَ أنهم كانوا يُدارُونهما حتى حين؛ لهذا لم يقبلوا خطَّة شاور في مواجهة الفرنجة، ففنَّد صلاح الدين هذا الرفض بقوله: "ولكن شاور يَزعُم أنَّه مُتخوِّف من خيانة العاضد؛ فقد ثبَت أنَّ في العاصمة صديقًا للعدوِّ، قد يكون العاضد، وقد يكون شاور نفسه، فإنْ يكن شاور فلا ريب أنَّه أراد أنْ يكيدنا بخطته، وإنْ يكن العاضد فلن يعجزه أنْ يحدث حدثًا حين يرى أصدقاءه قد صاروا على أبواب القاهرة، إذًا لن يعدم من الجيش مَن ينشقُّ بهم على شاور"[36].

وبعد بيان خيانة شاور وحرقه للفسطاط حاول التودُّد إلى أسد الدين "وظن شاور أنَّ في وسعه أنْ يستعيد ثقةَ أسد الدين إذا تودَّد إليه كما اقترح عليه ابنه شجاع، فيُصالحه على شيء ويرضيه بما يريد، فاستجاب له أسد الدين في الظاهر، وكان حريًّا أنْ يستجيب له في الباطن كذلك لو لم يكن متفقًا مع أبي الفضل وجماعته على وجوب اطراح شاور، وعدم الاعتماد عليه، والمُضِي في عملهم دون التعرُّض له بخير أو شر حتى يبدي هو صفحته، فإنْ سكت سكتوا عنه وتركوه، وإنْ قاوم أو حاول أنْ يُعَرقِل ضربوه على يده وأزاحوه عن الطريق"[37].

الصور الثانية: مقومات التواصل مع الآخر الكافر المحارب:
يرى بعض الدارسين أنَّ العدوان على المسلمين هو السبب الأول لوجوب إعلان الجهاد في تاريخ التشريع الإسلامي[38]؛ لقوله تعالى: ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ﴾ [الحج: 39]، ولقوله - تعالى -: ﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [البقرة: 190]، والآخر المحارب في هذه الرواية مُعتَدٍ على أراضي المسلمين، وقد انبت رواية سيرة شجاع على ثلاثة مقومات من مقومات التواصل[39]:
الأول: الجلاء من دار الإسلام أو القتال:
فنور الدين في قتالٍ مستمرٍّ مع الفرنجة؛ لجلائهم من أرض فلسطين، والذود عن بلاد الشام، وأسد الدين في قتالٍ مع الفرنجة؛ لجلائهم من أرض مصر، ولم يَتحقَّق جلاء الفرنجة من دار الإسلام كلِّه إلا فيما بعدُ، وفي الرواية إشارةٌ مستقبليَّة إلى هذا الجلاء وذلك على لسان شجاع في خاتمة الرواية وهو في النزع الأخير استشرافًا للمستقبل: "انظروا! انظروا! ذاك ابني يقود جيش مصر، أسد الدين ضرغام يقود جيش التحرير، الله أكبر، الله أكبر، انهزم جيش العدو وانتصر جيش مصر، انتصر العرب، وانتصر المسلمون"[40].

والتدافُع سنَّة ماضية؛ لهذا كان الجهاد في الإسلام صورةً من صور الإصلاح، وفيه نفع للعباد والبلاد، فمن هنا كان سعي المجاهدين حثيثًا لردِّ عدوان الفرنجة عن بلاد مصر في المرَّتين الأخيرتين اللتين جاءت فيهما جيوشُ نور الدين إلى مصر؛ لأنها التجارة الرابحة في الدارين؛ يقول - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الصف: 10-13]؛ لهذا كان الصراع مريرًا بين المسلمين والفرنجة؛ لأنَّه كان يعتمد مبدأ فرْض الأحادية من جانب الفرنجة لتنفرد بالهيمنة على العالم كله بلغة العصر، وهذا ما نشاهده اليوم من محاولة إعادة تشكيل العالم وفقًا للنموذج الأمريكي الذي يفرض ممارسات القطب الأوحد بفرض هويَّته ومرجعيَّاته، وطمس هويَّة الآخر وإلغاء خصوصيَّاته بما يسمَّى اليوم بالعولمة، وكأنني بباكثير كان يستشرف من سجف الغيب مستطلعًا إلى ما سيصير إليه العالم الإسلامي بانطوائه في ظلِّ رداء الآخر، بَيْدَ أنَّه - رحمه الله - لم يكن متشائمًا؛ لأنَّه جعل الرواية تمتدُّ فنيًّا بما يسمَّى بالنهاية المفتوحة على أمل الخلاص وتوحيد صفوف الأمَّة وهزيمة الآخر المعتدي.

الثاني: المعاهدات والأمان:
ويندرج هذان الأمران في عقد الهدنة والمصالحة مع العدوِّ المعتدي، والمعاهدة شرعًا هي: "مصالحة أهل الحرب على ترْك القتال مدَّة معيَّنة بعِوَض أو غيره"[41]، وبهذا نرى مشروعيَّة عقد المعاهدات مع الآخر المعتدي، بَيْدَ أنها مشروطةٌ بأنْ تكون مؤقَّتة لا دائمة حتى تزول الأسباب الداعية إلى وقْف القتال، والتي منها ضعف المسلمين ونَفاذ المؤن منهم وانقِطاع المدد وسواها ممَّا قرَّرَه الفقهاء، وقد ورد الصُّلح من جهة المجاهدين مع الفرنجة في موضعين: في حصار بلبيس، وفي حصار الإسكندرية، وفي كلا الموضعين كان المجاهدون في موضع القوَّة في عقد هذه المصالحة، بل كان العدوُّ يسعى إليها، فكانت بلا عِوَضٍ، وكان في نيَّة المسلمين الاستعدادُ الكامل لقتال الفرنجة والعزم الأكيد على معاودة الكرَّة، فيظهر أسد الدين في المرَّة الأولى وحدة صفوف المسلمين وقوَّتهم والتِفافهم تحت راية الجهاد، فيقول مخاطبًا رسول (مري) الذي أظهر شفقته على أهل مصر: "نحن والمصريين [كذا] شيءٌ واحد، يجمعنا الجنس واللسان والوطن والدين، ثم يجمعنا العدوُّ الدخيل الذي هو أنتم، وأنا وجماعتي ما جئنا إلا لقتالكم وتحصين هذا الوطن العربي منكم، أمَّا بلبيس فما دخلناها إلا برضا أهلها، وطلبهم، وقد أعانونا بكلِّ ما يقدرون في سبيل الله لا في سبيلنا، فليحتفظ ملككم مري برثائه وبكائه لأولئك الذين لقوا مصرعهم منكم والذين تنتظرهم مصارعهم بعدُ في الرمال، فالنصر مُحقَّق لنا لا لكم، وكأني بالمدد من نور الدين قد جاء اليوم أو غدًا؛ وإذًا فلن ينجو منكم رجل واحد ليروي الكارثة لأصحابه"[42].

فها هنا تتَّقد الكلمات قوَّة وصَلابة، فبعدَ يومين من هذا الكلام عقد الصلح بين الفريقين، ليرحل الفرنجة من بلاد مصر حامِلين معهم الخزي والعار، ومكَث أسد الدين وجُنده ستَّة أيام يواسون فيها أهل بلبيس، ثم قفل راجعًا إلى بلاد الشام، وفي المرَّة الثانية كانت الهدنة بعد فكِّ حصار الإسكندريَّة "ووقَّع (مري) أسد الدين وثيقة الصلح، وكلاهما يُكاتِم الآخر ما في نفسه من العزم الأكيد على معاودة الكرَّة في أقرب فرصة مواتية، ولكنْ لغرض مختلف، أمَّا مري فليستولي على مصر ليتقوى بها على نور الدين، وأمَّا أسد الدين فليخلصها من وزيرها الخائن فيؤمنها من الوقوع في أيدي الفرنج، ثم ليُوقِظ هذا البلد العظيم من سباته الطويل حتى تنطلق منه يومًا كتائب التحرير وجحافل القوَّة والمجد، فتعصف بالفرنج وتخرجهم من أرض الشام إلى الأبد"[43].

أمَّا معاهدة شاور لهم فجاءت من موقف ضعف؛ لهذا كان الصُّلح معهم على عِوَضٍ[44]، وفي ذلك إشارةٌ خفيَّة إلى الفرق بين المخلص المعتصم بدِينه وإيمانه والخائن المنتكِس بنِفاقه وكُفره.

الثالث: الاستعانة بغير المسلمين:
يندرج هذا المقوم ضِمن بابٍ من أهمِّ أبواب العقيدة الإسلامية المعروف بالموالاة والمعاداة، وقد كان باكثير واضحًا في تصوير هذه القضيَّة؛ فعندما استعان شاور بالفرنجة لقتال جيش نور الدين المسلم قال الراوي: "وأسرع جنود شاور وجنود حُلَفائه فعسكروا حذاء عسكر أسد الدين من البر الشرقي، فأصبح النيل يفصل بين المعسكرين، وكأنَّ هذا النهر العظيم باعتراضه بينهما وفصله بين جند الحق وجند الباطل قد أراد أنْ يُشهد الله ويُشهد الناس ويُشهد التاريخ إلى أيِّ الفريقين انحاز شاور بجند مصر"[45].

وصنيع شاور هذا يدخُل في باب اللجوء إلى الكافرين والاستعانة بهم على كسر شوكة المسلمين، وهو من أشدِّ أنواع الموالاة للكفَّار وأخطرها بإجماع العلماء، وقد عدَّه بعض أهل العلم ناقضًا من نواقض الإسلام، مستشهدًا بقوله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [المائدة: 51]، وقد استنصر شاور بالكفار ضد جيش مسلم مجاهد، وهو جيشٌ تابع للملك المجاهد العادل نور الدين الزنكي، وهذا من أعظم الذنوب والخطايا، ويرى ابن حزم - رحمه الله - أنَّ مَن يفعل ذلك هالكٌ في غاية الفسوق[46].

واستمرَّت هذه الموالاة بين شاور والفرنجة؛ فبعد توقيع معاهدة الصلح بين الفرنجة وأسد الدين، مكث (مري) في القاهرة بعد مُغادرة أسد الدين، ثم أخَذ يُطالِب بتنفيذ الميثاق الذي وقَّعه العاضد، فلمَّا اعترض شاور بأنَّ اتِّفاق الإسكندريَّة يجبُّ ما قبله أجابه (مري) بأنَّ اتِّفاق الإسكندرية يلغي الجانب العسكري فقط، وأنَّه لا شأن له بالجانب التجاري، ثم قال بأنَّه لن يبرح البلاد إلا إذا وضع الاتِّفاق موضع التنفيذ وأومأ لشاور بطرفٍ خفي بأنَّه إذا عارَض فسيعتمد على العاضد، فلم يكن أمام شاور إلا الرُّضوخ، حينها ترك (مري) حاميةً للدِّفاع عن مصالحه التجاريَّة المزعومة، وعندما أشار شجاع إلى هذه الاتِّفاقيَّة بوصفها اتِّفاقيَّة لتيسير التجارة وتبادُل البضائع والسلع في حواره مع أسد الدين غضب الأخير، ثم قال: ((ويلك! هنا ضربة السيف في سواء العنق، وطعنة الخنجر في حبَّة القلب، ألم تعلموا ألاَّ بقاء لهم في بلادنا إلا بذلك؟ ألم تعلموا أنَّ مَن يحالفهم في ساحات القتال أقل خيانة وأهون إثمًا ممَّن يعاملهم في الأسواق؟ ألا لعنة الله على مَن فعل هذا ولعنة اللاعنين"[47]؛ لهذا كان أهل الفسطاط أشدَّ الناس مقاطعة لبضائع الفرنجة، بل وتجاوزوا ذلك إلى معاقبة كلِّ مَن تُسوِّل له نفسه من المسلمين بالتعامُل معهم[48].

وهكذا نجد باكثير قد وضع علامات بارزة في طريق التواصل مع الآخر المسلم المخالف (الخائن)، والآخر الكافر المعتدي؛ حتى تهتدي بها الأجيال المسلمة على مرِّ العصور في أسلوب روائي شائق.

وبهذا نخلص إلى أنَّ (باكثير) في تصويره لعلاقتنا بالآخَر أيًّا كان اتجاهه، كان ينطلق من تصوُّره الإسلامي لكيفيَّة الصراع مع هذا الآخر المخالف، وفي الرواية إضاءاتٌ أخرى بينة إلى حتمية الصراع بيننا وبين العدو الصِّهيَوْني الباغي، وإلى عدالة قضيَّتنا الفلسطينيَّة، وفيها إضاءةٌ عن الفتنة الطائفيَّة في ديار الإسلام، وأنها فتنة وراءها أيادٍ خفيَّة تسعى إلى خلخلة الأمن والاستقرار والمعايشة السلمية التي دامَتْ مئات السنيين بين المسلمين وأهل الذمَّة، وفيها إضاءة عن الحذر من اختراق الآخَر للصفِّ الإسلامي، وإلى القوَّة الكامنة في الشعوب الإسلاميَّة إذا وجدت مَن يرشدها إلى سواء السبيل.

والرواية عمومًا رسالة ذات مضمون يحتاج إلى إنعام النظر وإرجاعه كرَّتين؛ لتسبين السبيل أمامنا فنسير على طريق الحب في تعاملنا مع الآخَر المخالف، وهكذا نرى أنَّ باكثير - رحمه الله - كان من كتاب الفعل المضارع الذي يستقي من ماضيه ما يُنِير به سبل الأجيال المستقبليَّة، وهذه ذكرى ﴿ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾.

وآخِر دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيِّد المرسلين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأصحابه الغرِّ الميامين.

من أبحاث (مؤتمر علي أحمد باكثير ومكانته الأدبية)،
المنعقد بالقاهرة في 18 – 21 جمادى الآخرة 1431هـ


[1] سيرة شجاع، علي أحمد باكثير، مكتبة مصر، القاهرة، 1985م.

[2] ينظر: سيرة شجاع، ص45.

[3] نفسه، ص46.

[4] نفسه، ص84-85.

[5] نفسه، ص123.

[6] نفسه، ص132.

[7] نفسه، ص134.

[8] نفسه، ص141.

[9] نفسه، ص173.

[10] نفسه، ص215.

[11] نفسه، ص49.

[12] نفسه، ص59.

[13] نفسه، ص26، 27.

[14] وهو أسلوب يجمع بين الأسلوبين التقليديين: المباشر، وغير المباشر، ويعطي هذا الأسلوب الكاتب حريَّة أكبر في نسج كلام الشخصية داخل كلام الراوي، وقد عُرِفَ هذا الأسلوب فيما بعد بالمونولوج الداخلي؛ لأنه يعبر بطريقة مباشرة وبلا وساطة عن مشاعر الشخصية وعواطفها وتأمُّلاتها، وهذا الأسلوب يخلو من علامات التنصيص والشرطة التي تقدم الكلام المحكي ويخلو من بعض الخصائص النحويَّة فلا يشتمل على ضمير المتكلم والمخاطب، كما يتميَّز بأنَّه يخلو من فعل القول أو ما يأتي في معناه.

[15] سيرة شجاع، ص67.

[16] نفسه، ص31.

[17] نفسه، ص228.

[18] نفسه، ص240.

[19] سيرة شجاع، ص35.

[20] نفسه، ص26.

[21] آثَر الباحث أن يجعل الموضوع يَدُور في إطار الإصلاح؛ لما لهذا المفهوم في الإسلام من قدرٍ عظيم من العناية، فالإصلاح مفهوم حضاري يحيلُ على الخير وتقويم الاعوجاج، وهو ما ينبغي فعله ممَّا فعله منفعة، فدعوة الإسلام قائمةٌ على هذا المفهوم سواء مع المسلمين أو مع غير المسلمين من محاربين ومستأمنين وأهل ذمَّة وغيرهم.

[22] سيمولوجية الشخصيات السردية، ص198.

[23] شفرات النص، صلاح فضل، دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع، القاهرة، ط1، 1990م، ص8.

[24] ينظر: ترشيد خطوات الأدب الإسلامي، عماد الدين خليل، مجلة الأدب الإسلامي [4-8]، العدد الثاني والخمسون، 1427هـ-2006م.

[25] ينظر: قراءات نقدية في أعمال إبداعية إسلامية، ياسر الزعاترة، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1993م، ص82.

[26] على سبيل المثال ينظر:
- روايات علي أحمد باكثير التاريخية، مصادرها، نسيجها الفني، إسقاطاتها، أبو بكر البابكري، إصدارات جامعة صنعاء، 2005م، ص225 وما بعدها.
- الرواية التاريخية عند باكثير، أحمد عبدالله السومحي [405-436] ضمن كتاب: محاضرات النادي الأدبي الثقافي بجدة، المجموعة الثانية، كتاب النادي الأدبي الثقافي (30)، مطابع دار البلاد، جدة، ط1، 1406هـ/1985م، ص424 وما بعدها.

[27] ينظر: دليل الناقد الأدبي، ميجان الرويلي وسعد البازعي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء - بيروت، ط5، 2007م، ص21.

[28] سيرة شجاع، ص105.

[29] نفسه ص91، وينظر: ص131.

[30] نفسه، ص108.

[31] نفسه، ص121.

[32] ينظر: ص131 وما بعدها.

[33] ينظر: ص155 وما بعدها، وينظر الصفحات: 169، 173، 180، 186، 188.

[34] نفسه، ص339.

[35] في ظلال القرآن، دار الشروق، القاهرة، ط10، 1981م، المجلد الرابع، ص1931م-1932م.

[36] سيرة شجاع، ص120.

[37] نفسه، ص224.

[38] ينظر: الجهاد والقتال في السياسة الشرعية، محمد خير هيكل، دار البيارق، بيروت، ط2، 1996م، المجلد الأول، ص607.

[39] لم يجد الباحث في هذه الرواية تواصل الحوار الحضاري بل وجد تواصلاً من نوع آخر قائم على التدافع؛ لقوله - تعالى -: ﴿ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [البقرة: 251].

[40] سيرة شجاع، ص339.

[41] الجهاد والقتال في السياسة الشرعية، المجلد الثالث، ص1472.

[42] سيرة شجاع، ص128.

[43] نفسه، ص181.

[44] نفسه، ص211.


[45] نفسه، ص153.

[46] ينظر: الاستعانة بغير المسلمين في الفقه الإسلامي، عبدالله بن إبراهيم الطريقي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2، 1414هـ، ص73.

[47] نفسه، ص158.

[48] نفسه: ص190.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 112.92 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 110.54 كيلو بايت... تم توفير 2.38 كيلو بايت...بمعدل (2.11%)]