|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية
القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية اجتهد علماء الأمة وفقهاؤها في تدوين القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال الخيرية الوقفية وتصنيفها منذ القرن الثاني، ففي كتاب المدونة للإمام مالك بن أنس (ت179هـ) ذكر ضوابط فقهية عدة، ونما هذا التأصيل في العهود الإسلامية، وخصصت له مصنفات مستقلة. ولما كانت تلك القواعد والضوابط منثورة بين طيات الكتب المطولة؛ مما لا يسع كل متتبع البحث عنها ومراجعتها والأخذ منها في كتب المصنفين من العلماء في هذا الباب الواسع؛ تملكني الدافع لجمع ما تفرق من كل ذلك، ونظمه وتصنيفه بحلة ميسرة، لتضبط ما يطرأ من مسائل ووقائع في مجال العمل، وليسهل على من جند نفسه لخدمة العمل الوقفي والخيري، الأخذ فيها، والالتزام بأحكامها التي استقيتها من الكتب الفقهية والتصانيف الوقفية والخيرية. وعملت على نقل شروحها من أقوال أهل الاختصاص، وأضفت إليها من الأمثلة المعاصرة لتكون دليلا عمليا ومنهجا تطبيقيا، مبنيا على قواعد وضوابط شرعية، وأحكام مرعية، خدمة للعاملين في القطاع الخيري والوقفي، وسأخص في كل مقال قاعدة أو ضابط شرعي خيري أو وقفي، وأبدؤها بالقاعدة الآتية: لا ثواب إلا بنية الصدقة والوقف عبادة يتقرب بها العبد إلى الله تعالى، ولا يترتب عليها ثواب إلا على حسب نية الفاعل وقصده، وقاعدة (لا ثواب إلا بنية) تنبني على قاعدة كلية جامعة هى قاعدة: (الأمور بمقاصدها). لا ثواب إلا بنية(1)، قاعدة أدلتها وفيرة، وأشهرها ما روي بالسند إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه، قال: سمعت رسول الله [ يقول: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» (2) ودلالة هذا الحديث أن الأعمال لا تصح شرعًا ولا تعد إلا بالنية، وأنها الفاصلة فى صحة العمل وعدم صحته. فمن أراد أن يتطوع، بأن يقدم أضحية للفقراء فعليه أن ينوي عند الشراء أنها أضحية(3). ومن أراد بالوصية والوقف التقرب إلى الله، فإنه يثاب على ذلك(4)، وإن قصد غير ذلك كأن يقال عنه كريم، فلا ثواب له. فإنفاق المال بنية السمعة والرياء لا يثاب عليه(5). والوقف يصح دون نية، لكن ليس له ثواب إلا إذا نوى التقرب إلى الله تعالى (6). قال ابن القيم- رحمه الله- «فأما النيَّة فهي رأس الأمر وعموده، وأساسه وأصله الذي عليه يبنى، فإنها روح العمل وقائده وسائقه، والعمل تابع لها يبنى عليها، ويصح بصحتها، ويفسد بفسادها، وبها يستجلب التوفيق، وبعدمها يحصل الخذلان، وبحسبها تتفاوت الدرجات في الدنيا والآخرة»(7). الهوامش: 1- الأشباه والنظائر لابن نجيم 19. 2- رواه البخارى في صحيحه برقم ( ا ). ومسلم في صحيحه برقم (5036). 3- ابن نجيم: الأشباه والنظائر: 34. 4- ابن نجيم: الأشباه والنظائر: 34-35. 5- القواعد الفقهية ودورها في إثراء التشريعات الحديثة للسرحان، ص 36. 6- الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 23. 7- أعلام الموقعين 4/255.
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
رد: القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية
القواعد الأصولية والفقهية المنظِّمة للعمل الخيري – نوازل العمل الخيري
تتضمّن هذه الحلقات تعريفًا مختصرًا بعلم القواعد الفقهية وعلاقته بغيره من علوم الفقه، وتنويهًا بأهميّته، كما يتضمّن تقرير أهميّة التأصيل الشرعيّ لمؤسسات العمل الخيري، في مجالاتها الإداريّة والعملية وأعمالها الميدانية، لا في أرضيّة العمل الخيريّ النظريّة العلميّة فقط، كما تتضمّن -فضلا عن ذلك- سردًا وشرحًا لأهمّ القواعد الفقهيّة التي يتّسع مجال تطبيقها، وتكثر الأنواع المندرجة تحتها في مجال الأعمال الخيرية. 1- الأصل في الأشياء الإباحة
2- ما لا يتمّ الواجب إلا به فهو واجب
3- للوسائل أحكام المقاصد
4- النفل أوسع من الفرض
5- الترك فعلٌ
6- ما حُرّم سدًّا للذّريعة أُبيح للمصلحة الرّاجحة
7- كل اسم ليس له حدٌّ في اللّغة ولا في الشّرع فالمرجع فيه إلى العرف
8- الأصل براءة الذمّة
اعداد: عيسى القدومي
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
رد: القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية
القواعد الأصولية والفقهية المنظِّمة للعمل الخيري – نوازل العمل الخيري ( 2 )
تتضمّن هذه الحلقات تعريفًا مختصرًا بعلم القواعد الفقهية وعلاقته بغيره من علوم الفقه، وتنويهًا بأهميّته، كما يتضمّن تقرير أهميّة التأصيل الشرعيّ لمؤسسات العمل الخيري، في مجالاتها الإداريّة والعملية وأعمالها الميدانية، لا في أرضيّة العمل الخيريّ النظريّة العلميّة فقط، كما تتضمّن -فضلا عن ذلك- سردًا وشرحًا لأهمّ القواعد الفقهيّة التي يتّسع مجال تطبيقها، وتكثر الأنواع المندرجة تحتها في مجال الأعمال الخيرية. الاجتهاد لا يُنقض بالاجتهاد هذه قاعدة أصوليّة متفقٌ عليها، وتوضيحها: أنّ «اجتهاد المجتهد في المسائل الظنيّة التي لم يرد فيها دليلٌ قاطعٌ، لا يُنقض باجتهاد مثله إجماعاً، أي في المسائل التي يسوغ فيها الاجتهاد؛ لأنه لو نُقض الأوّل بالثاني لجاز أن يُنقض الثاني بالثالث؛ لأنّه ما من اجتهاد إلا ويجوز أن يتغير، وذلك يؤدّي إلى عدم الاستقرار، ويلزم التسلسل»، وهذه القاعدة ليست قاصرةً على حُكم الفقيه المجتهد والقاضي فقط، بل يدخل فيها كلّ مكلّف، سواءً كان شخصاً حقيقيًّا أم اعتباريًّا كالشّركة والجمعيّة والمؤسّسة، وذلك فيما يسوغ فيه الاجتهاد من غير المجتهد. ممّا يتخرّج على القاعدة القرارات الإداريّة التي تُتّخذ في مرحلةٍ ما من عمر المؤسّسة، التي قد يكون ترتّب عليها بعض النّفقات والإجراءات التنفيذيّة، لا يلزم الرجوع عنها بإبطال آثارها إذا تبيّن أنّها كانت خطأ، وإنما يُتحوّل عنها لاتخاذ المسلك الصحيح في المرحلة المستقبليّة. وكذا المجتهد في تقييم استحقاق جهةٍ ما من مال الزكاة، أو في انطباق شروط بعض الواقفين عليها، ثم يتبيّن له خطأ الاجتهاد الذي عمل به مدّةً، يلزمه تصحيحه ولا يلزمه تصحيح آثاره، ولا يضمن شيئاً بسببه، إذا كان ممّا يسوغ منه ويُقبل. التكليفُ مشروطٌ بالتمكُّن من العلم والقدرة على الفعل التكليف: هو إلزامُ مقتضى خطاب الشارع، فيكون المعنى أنّ مقتضى الخطاب الشرعيّ في ذمّة المكلّف لا يثبت إلا بعد علمه به، وبلوغه إيّاه، وقدرته على إنفاذه والامتثال له، والمراد بمقتضى الخطاب هنا هو الأحكام التكليفيّة الخمسة من وجوبٍ واستحبابٍ وكراهةٍ وتحريمٍ، وكذا الإباحة، لأنّها مقتضى الخطاب إذا كان الخطابُ خطابَ تخيير. ونحن إذا نظرنا في مسألة القدرة المشروطة في القاعدة وجدنا أنّها أصلاً تؤول إلى العلم، لأنّ ما تعذّر العلمُ به لم تكن ثمّة قدرةٌ على الامتثال له. ميدان هذه القاعدة لذلك فالكلام في هذه القاعدة ليس هو الكلام المشهور للأصوليّين عند تحريرهم لشروط التكليف، إذ يجمعون على اشتراط العلم عند تعدادهم لشروط المكلَّف، أو شروط المكلَّف به، وإنّما ميدان هذه القاعدة هو الجواب على السؤال الآتي: هل يثبت أثرُ الخطابِ الشرعيّ في ذمّة المكلّف قبل بلوغه إيّاه؟ بمعنى أنْ يُطالَبَ بقضاءِ ما يكلّفه به الخطابُ عن الفترةِ التي كانت قبل بلوغه؟ أم لا أثر للخطابِ مطلقاً قبل بلوغه، ولا يمكن أن تترتّب عليه مطالبةٌ إلّا بعد بلوغه المكلَّفَ؟ الرّاجح الثاني، وهو ما تنصّ عليه القاعدة. من ثمرات القاعدة ومن ثمراتها مثلاً: من لم يبلغه الخطابُ بالصّلاةِ، هل يُؤمَر بقضاء ما فاته من الصّلوات التي كانت بين يوم بلوغه إلى اليوم الذي بلغه فيه الخطاب لأنّه مطالبٌ منذ أن صحّ خطابُه وإن لم يبلغه الخطاب؟ أم لا حكم ولا أثر للخطاب الشرعيّ إلّا بعد بلوغه وسماعه والعلم به؟ الراجح الثاني. ما يتخرج عن هذه القاعدة ويتخرّج على هذه القاعدة كثيرٌ من الفروع والأنواع: إذا تعامل المسلم -شخصاً حقيقيًّا أو اعتباريًّا- بمعاملةٍ كان يراها صحيحةً باجتهادٍ ممّن يسوغ منه، أو استفتاء، ثمّ ظهر له أنّ الصحيح بطلانها، لم يحرم عليه الانتفاع بآثارها والالتزام بحكمها. وكذا ناظر الوقف، أو الوصيّ على المال، إذا تصرّف تصرُّفاً من مضاربةٍ أو مزارعةٍ أو تأجيرٍ، ثمّ تبيّن له خطأ اجتهاده أو بطلانه، لم يكن ضامناً لآثاره إذا كان محتاطاً بما يكفي لإبراء ذمّته. الإنفاق لا يحتمل التأخير هذه القاعدة من القواعد الحاكمة على زمن التصرُّف، فالواجب على المُنْفق إعطاء ما وجب عليه من النفقة في وقتها المحدد المعتاد، ففي حالات النكبات والنوازل العامّة والكوارث، فإن تقديم المساعدات الفورية من طعام وشراب وأغطية وأماكن الإيواء مقَدَّم على ما دونه من الأعمال الخيرية؛ لأن في ذلك حفظ النفس، والإنفاق على مثل هذه الأساسيات واجب لا يحتمل أدنى تأخير. ولا يجوز تأخير صرف مستحقات أهل العوز والحاجة، الذين يُصرف لهم مخصصات شهرية من المؤسسات الخيرية؛ لأن في ذلك ضررا وتضييقا عليهم، فلا بدّ من تلافيه طالما كان ذلك ممكنًا، وكذلك صرف مستحقات العاملين في المؤسسات الخيرية، أمر لا يحتمل التأخير، لكون تأثيره على مسيرة المؤسسة الخيريّة يكاد يكون سريعاً ومباشراً. إنّما يُؤمر بالانتظار إذا كان مفيداً قد يُشرع ويجوز تأخير إيصال الحقّ، وأداء الواجب، إذا كانت تتحقّق بذلك الانتظار منفعةُ أن يلاقي الواجب محلّه الصحيح الكامل شرعاً، أمّا إذا لم يكن في التأخير مصلحةٌ راجحةٌ كهذه، فإنّه لا يجوز. ومن التطبيقات على ذلك: مستحقّو الزكاة، فإنّ الزكاة تُدفع من صاحب المال في وقتٍ مخصوصٍ لا يجوز أن يؤخّرها عنه، وهو اكتمالُ الحول القمريّ، لكن المؤسّسة الخيريّة التي تستلم هذا المال وتنوب عن دافعه في إيصاله إلى المستحقّ، لها أن تنتظر وتتربّص مدةً لتجد من هو متصفٌ بصفات الاستحقاق الكاملة، وهذا الانتظار والتأخير إنّما يُتصوّر أن يكون مفيداً في ظروفٍ دون ظروف، كأن يُنتظر وصول موجاتٍ جديدةٍ من النازحين والمنكوبين إلى بلدٍ ما، من بلدٍ يُتوقّع مجيئهم منها لاضطرابٍ فيها، أمّا في الأحوال الاعتياديّة فلا معنى لهذا الانتظار؛ لأنّ مجيء المستحقّ توهّم، وقد سبق أنّ التوهّم لا عبرة به. كلُّ متصرف على الآخر فعليه أن يتصرّف بالمصلحة نفاذ ما يصدر عن الحاكم أو من يتولّى أمرًا من الأمور التي تتعلّق بتدبير أمور النّاس وسياستهم، ينبغي أن يكون متعلِّقاً بتحقيق المصلحة لهم، ودفع المفسدة عنهم، وهذا يشمل الوالي، والقاضي، ووليَّ البنت، ومتولِّي الوقْف، والوصيَّ، وغيرهم. فتصرُّف القُضاة في أموال الأيتام، والأوقاف، وكذا قُضاة الاختصاص الذين يتولَّوْن إصدار الأحكام في قضايا المؤسّسات الخيريّة نفسها، سواءً كان ذلك في فترة نشاطها وعطائها، أم عند مرحلة حلِّها، إما على إثر الخلافات، أو لغير ذلك من الأسباب، هم أيضاً مُطالبون بمراعاة المصلحة الشرعيّة في ذلك، والمطالبة نفسها تتعدّى أيضاً إلى مشرِّعي القوانين الخاصة بالجمعيّات الخيريّة.اعداد: عيسى القدومي
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
رد: القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية
القواعد الأصولية والفقهية المنظِّمة للعمل الخيري – نوازل العمل الخيري ( 3 )
تتضمّن هذه الحلقات تعريفًا مختصرًا بعلم القواعد الفقهية وعلاقته بغيره من علوم الفقه، وتنويهًا بأهميّته، كما يتضمّن تقرير أهميّة التأصيل الشرعيّ لمؤسسات العمل الخيري، في مجالاتها الإداريّة والعملية وأعمالها الميدانية، لا في أرضيّة العمل الخيريّ النظريّة العلميّة فقط، كما تتضمّن -فضلا عن ذلك- سردًا وشرحًا لأهمّ القواعد الفقهيّة التي يتّسع مجال تطبيقها، وتكثر الأنواع المندرجة تحتها في مجال الأعمال الخيرية. التنـزه عن مواطن الريبة أولى التوضيح: الأجدر بالمسلم أنْ يبتعد عن مواضع التُّهَم التي تسبب الشك في حاله، أو تفضي إلى اتهامه بما لا يليق به؛ ولا شكّ أنّ العامل في المؤسسات الخيرية، بحُكم ما يمنحه العمل من الصلاحية والثقة على المستوى الاجتماعي، بما يتوفّر له من الاطّلاع على الحاجات المستورة للفقراء، وما يحتاجه هو من التحقُّق من صدق تلك الاحتياجات، وما يتبع ذلك من العلاقات المباشرة مع أهلها، كلُّ ذلك يجعله عُرضة للرِّيبَةِ والشكوك، إذا لم يلتزم بما وُضع له من قواعد وأصول شرعية ومهنيّة، ولوائح وتعليماتٍ إداريّة. فإطالة الكلام مع النِّساء من أهل العَوَز والحاجة، في كلِّ ما زاد عن حاجة العمل من مواطن الرِّيبة التي يجتنبها العامل الموفّق، كذلك التساهل في الاختلاط بالنِّساء من غير حاجة، وفي مواطن يمكن تجنُّبُه فيها، والأمر ذاته في سؤالهنّ عمّا لا منفعة فيه ولا حاجة للاطّلاع عليه، فكلّ ذلك باب مفسدةٍ عظيمةٍ يجعل من ولجه عرضةً للتهمة، فيتعيّن اجتنابه وإغلاقه والابتعاد عنه. لكلِّ مجتهدٍ نصيب التوضيح: كلُّ من كان أهلاً للاجتهاد وتقدير الصواب في مجالٍ ما، فإنّ له نصيبًا من الثواب والأجر ولا بدّ، إذا صلحت نيّته لله -تعالى-؛ لأنّه لا يكون ثوابٌ إلا بنيّة، هذه إحدى قواعد باب الاجتهاد الأصوليّة، وأصلها قول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «إذا حكمَ الحاكمُ، فاجتهدَ فأصابَ، فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأَ، فله أجرٌ».فقد تُنتقد المؤسسات الخيريّة في باب تقديراتها للأنصبة والحصص التي تفرضها شهريًّا للأسر المتعفِّفة وأهل الحاجات، ولن تعدم دوماً داعياً إلى الزيادة أو النُّقصان، ولا شكّ أن الانتقاد بهدف التصويب جيّد ومطلوب، أما الإهدار والانتقاص فلا يجوز؛ لأنّ التقديرات تُقرّر بناء على البحث والتفتيش والتنقيب من مؤهَّلين ومتخصِّصين، وهؤلاء يجوز لهم إبداء الرأي وتقرير ما يرونه مناسباً، وهم مأجورون في خطئهم وصوابهم، لذا لابدّ من الحفاظ عند محاولات النّقد والتصويب، على الحدّ الأعلى من الأخلاقيّات الأخويّة؛ لأنّ المؤهَّل إذا أخطأ، فغاية أمره أنّه سُلب الأجرَيْن واستقرّ له الأجر، ومثل هذا لتصويب عمله سبيلٌ غير سبيل علاج تصرُّفات المعتدين والمقصّرين والمهملين. المعتدي في الصدقة كمانعها التوضيح: هذا نصُّ حديثٍ شريفٍ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وفي بيان من هو المعتدي في الصدقة، وكيفيّة اعتدائه، أقوال:
الاشتغال بغير المقصود إعراض عن المقصود التوضيح: هذه قاعدةٌ كبيرةُ المعنى تتعلّق بخُلُق الالتزام بالمطلوب، والاستقامة عليه، والحذر من الشواغل والجواذب التي تجذب المكلَّف بعيداً عن خطِّ الصواب، وتشغله عن واجب الوقت، فـ «إنّ الأعمال والأحكام المطلوبةَ شرعاً لها مقاصد محدّدة، وأوقاتٌ خاصة أحياناً، فإن اشتغل الشخص بشيء غير مقصودٍ شرعاً من الفعل، فهذا يدلُّ على إعراضه عن المقصود المطلوب، ويتحمل نتائج تصرفه»، فإذا كلَّفت المؤسسة الخيرية أحد موظّفيها بعملٍ، على أنّ له أجراً معيّناً عليه، فلم يقم به، أو تساهل فيه بما أفضى إلى تضييعه وتفويت المصلحة المقصودة منه، استحقّ بذلك حرمانَه ممّا وُعد به، وترتيب كلِّ ما يستحقُّه من العقوبات الإداريّة على تصرُّفه. لا عبرة للتوهم التوضيح: التوهُّم لا يصلح مستنداً لبناء الأحكام الشرعيّة، كما لا يصلح مستنداً لتأخير الأحكام الثابتة شرعاً وقضاءً عن وقت تنفيذها، والتوهُّم هو: إدراكُ الشيءِ مع احتمالِ ضدٍّ راجحٍ، أو هو: إدراك الطّرف المرجوح من طرَفَيْ أمر مترَدَّدٍ فيه، فكلُّ مُدْرَكٍ على هذا النّحو موهومٌ أو متوهّمٌ، وحكمُه في الشّرع ألا عبرةَ به، بمعنى لا اعتدادَ ولا اعتبار، فلا يمنع حكماً، ولا يعطّل حقًّا، ولا يؤخّر قضاءً، ولا يشوّش على استحقاق. فإذا رأت المؤسسة الخيريّة أن تتصرّف ببعض التبرعات المادّيّة بالبيع، وعُرضت عليها الأسعار المعتادة في السوق لتلك السِّلَع، لا تُؤخَّر المصلحة الخيريّة بناء على توهُّم أن يأتي عرضٌ آخر بسعر أفضل، لأنّ الخروج الفاحش عن المعتاد نادرٌ موهوم، ولا سيما بعد التحرّي والتوقّي واتخاذ التدابير اللّازمة، فإنّ الاعتماد على التوهّم على الرغم من ذلك سيؤول إلى تعطيل المصلحة وتأخير الإجراء النافع، ومن ثم الإضرار بالصالح العام. تبدُّل سبب الملك قائمٌ مقام تبدُّل الذّات التوضيح: هذه قاعدةٌ عريقةٌ تحتها فروعٌ كثيرةٌ مهمّةٌ، وهي تنتمي إلى قواعد نظريّة الملك في الفقه الإسلامي، مؤدّاها أنّ السبب أو العلّة التي يُملَك بها المال، إذا تغيّر، فهو في قوّة ومنزلةِ وحُكم وتأثيرِ تغيُّر عين المال، فكأنّه صار مالاً آخر غير الأوّل، ولا يخفى عند النّظر في نصّ هذه القاعدة ومعناها أنّ ميدان تطبيقها هو الحكم على مشروعيّة تملُّك المال عند تنقُّله بين أيدي النّاس بأسبابٍ مختلفةٍ في الحكم بين المشروعيّة وعدمها. فمن تطبيقاتها: من كان ذا مالٍ حرامٍ، كسبه من الاتّجار في المحرّمات كالخمر والمخدّرات، أو من مهنةٍ يغلب عليها الحرام غلبةً بيّنةً كتعاطي المعازف والتمثيل ونحو ذلك، فإنّ كسبَه محكومٌ عليه بالحُرمة والخُبث، لكنّه إذا تبرّع به لمستحقٍّ للصّدقة، أو لمؤسّسةٍ خيريّة، فلا تثريب على الآخذ في قبولها والتصرّف فيها؛ لأنّ المتكسّب كسبَ بسببٍ محرّم، فقد كسبَها الآخذ بسببٍ مباحٍ صحيحٍ وهو التبرّع أو الهبة، فلمّا اختلف سبب التملُّك وعلّة الانتقال، انتقل حكم المال من الحرمة إلى الحلّ، فصار كما لو أصبح مالاً آخر تماماً، وذلك بحسب ما تقتضيه القاعدة وتدلّ عليه. العدلُ مأمورٌ به في جميع الأمور التوضيح: العدل ضدّ الظّلم، وأصل الظّلم نقص الحقّ، ووضع الشيء في غير موضعه تعدّياً، فيكون المعنى: المأمور به شرعاً في كلّ حالٍ ووقتٍ وحينٍ هو أداء الحقوق على وجه الكمال، وتوفية الحاجات للمحتاجين، وإيتاء الحقوق للمستحقّين، من غير نقصٍ ولا شطط، وهذه القاعدة على هذا المعنى من أصول الشريعة وقطعيّاتها وأركانها؛ إذ يدلّ على وجوب العدل في كل الأمور ما لا يحصى من النّصوص، وقد طوّر بعض أهل العلم صياغتها على نحوٍ أوسع فقال: «العدلُ واجبٌ والفضل مسنون».اعداد: عيسى القدومي
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
رد: القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية
القواعد الأصولية والفقهية المنظِّمة للعمل الخيري – قواعد التفاضل في برامج العمل الخيري
تتضمّن هذه الحلقات تعريفًا مختصرًا بعلم القواعد الفقهية وعلاقته بغيره من علوم الفقه، وتنويهًا بأهميّته، كما يتضمّن تقرير أهميّة التأصيل الشرعيّ لمؤسسات العمل الخيري، في مجالاتها الإداريّة والعملية وأعمالها الميدانية، لا في أرضيّة العمل الخيريّ النظريّة العلميّة فقط، كما تتضمّن سردًا وشرحًا لأهمّ القواعد الفقهيّة التي يتّسع مجال تطبيقها وتكثر الأنواع المندرجة تحتها في مجال الأعمال الخيرية، واليوم نتحدث عن قواعد التفاضل في برامج العمل الخيري. الخير مراتب، والمعروف مَرَاقٍ، وكلّها يتدرّج العاملُ فيها ويتقلّب بحسب قدرته ووُسعه وعلمه بين أعلاها وأدناها، والأصلُ في كلّ سالكٍ إلى الله وقاصدٍ لخدمة الإسلام والمسلمين، وساعٍ في رفعة الأمّة الإسلاميّة، أن يعتني بمعالي الأمور ويترفّع عن دناياها وسفاسفها، ويتطلّب من الخير أعلاه، ومن المعروف أرقاه، ويعتني بتمييز الفاضل عن المفضول، فيلزم الأعمال الفاضلة ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، ولمّا كانت الأعمال الخيريّة ذات تأثيرٍ اجتماعيٍّ عام، فإنّ التزامَ القائمين على الأعمال الخيريّة باختيار الفاضل دومًا، من شأنه أن يزيد في بصمة المؤسّسات الخيريّة في الحياة العامّة، ويضاعف من قدرتها على النّفع والإصلاح والتأثير الإيجابيّ، ومن القواعد التي يُستعان بها على معرفة الوجوه الفاضلة من المفضولة في عمل الخير: 1- النّفع المتعدِّي أفضل من القاصر
2- خير الأمور أوساطها
3- يقدَّم في كل ولاية من هو أقوم بمصالحها
4- لكلّ عمل رجال
5- الولاية الخاصة أقوى من الولاية العامة
6- الأصل عند اجتماع الحقوق أن يُبدَأ بالأهم
اعداد: عيسى القدومي
__________________
|
#6
|
||||
|
||||
رد: القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية
القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية نكمل في هذا العدد ما بدأناه من ضوابط وقواعد للعمل الخيري والوقفي ليسهل على من جند نفسه لخدمة هذه الأعمال والمشاريع، الأخذ بها، والالتزام بأحكامها التي استقيتها من الكتب الفقهية والتصانيف الوقفية والخيرية. «الإحسان إلى الأبرار أولى من الإحسان إلى الفجار» (1)، ضابط من ضوابط الصرف في المؤسسات الخيرية والأعمال الخيرية، فالإحسان إلى الغير مطلب شرعي وصفة من صفات المؤمنين، وقد يكون هذا الغير مسلمًا برًا أو مسلمًا فاجرًا، فالإحسان إلى المسلم البر أولى على العموم من الإحسان إلى المسلم الفاجر، إلا إذا كان الإحسان إلى هذا الأخير فيه مظنة التأثير عليه ورجوعه عن فجوره. سئل ابن تيمية - رحمه الله - عن إعطاء الزكاة للمبتدع، فقال: «المزكِّي عليه أن يتحرى بزكاته أهل الدين الملتزمين بالشريعة، أما أهل الفجور فلا ينبغي أن يعانوا على فجورهم بالزكاة» (2). ففي صدقة الفرض يقدم المسلم التقي الورع على المسلم الفاسق الفاجر، وفي صدقة التطوع يقدم المسلم عموما على الكافر. وصاحب الحاجة أولى بالتقديم من ممن لا حاجة له: فالعطية كما تكون بحسب التقوى والصلاح، تكون أيضا بحسب الحاجة، فيقدم المسلم التقي ذي الحاجة على المسلم التقي ذي الحاجة الأقل. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يأكل طعامك إلا تقي» (3). فالصدقة والإحسان وإن كانا يجوزان للبَر والفاجر، والمسلم والكافر، إلا أن المسلم مقدَّم على الكافر، والمسلم البَر أولى من الفاجر. فمن كان من المسلمين مسرفاً على نفسه في المعاصي مرتكباً للكبائر فإنه لا يعان على ذلك لا بصدقة ولا بغيرها، بل يحرم على المرء الدفع إليه منها، إذا كان سيستعين بها على معصية الله. جاء في أسنى المطالب من كتب الشافعية، في باب صدقة التطوع: يحرم دفع صدقة التطوع إلى العاصي بسفره أو إقامته إذا كان فيه إعانة له على ذلك، وكذا يحرم دفعها إلى الفاسق الذي يستعين بها على المعصية وإن كان عاجزاً عن الكسب(4). فالإنسان ينبغي له أن يتحرى بصدقته المستحقين من أهل الدين والصلاح، وأما من أظهر فجوراً فإنه يستحق العقوبة والهجر فكيف يعان على فجوره ومعصيته!. وتَصرف من تولى أمر الصدقة منوط بالمصلحة، جاء في الأشباه والنظائر: «تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة، وهذه القاعدة نص عليها الشافعي، وقال: «منزلة الإمام من الرعية منزلة الولي في اليتيم»، فالإمام إذا قسم الزكاة على الأصناف يحرم عليه التفضيل، مع تساوي الحاجات.. ومن فروع ذلك أنه لا يجوز له - أي الإمام - أن يقدم في مال بيت المال غير الأحوج على الأحوج»(5). وأضاف السيوطي: «وإنما وظيفة الإمام القسمة، والقسمة لا بد أن تكون بالعدل، ومن العدل: تقديم الأحوج والتسوية بين متساوي الحاجات» (7). ولا شك أن الإحسان إلى عباد الله الواجب منه هو الإنصاف، والقيام بما يجب عليك للخلق بحسب ما توجَّه عليك مِن الحقوق. قال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } (النساء:36)، فأمر بالإحْسَان إلى جميع هؤلاء. فعلى العاملين في المؤسسات الخيرية والتطوعية أن يتقوا الله فيما ائتمنوا عليه، وأن يحسنوا للناس، وأن يكونوا منصفين في توزيع مساعداتهم، فالمتبرعون قد أمنوهم على أموالهم لتوضع في أيدي أصحاب الحاجة ومن يستعين بها على أمر دينه ودنياه، وأن يقدم الأحوج ذو الدين والخلق والتعفف. الهوامش: 1- فقه الأولويات، دراسة في الضوابط، محمد الوكيلي، المعهد العالمي للفكر الإسلامي – ط1، 1997، ص 261. 2- مجموع الفتاوى: (25/87) 3- سنن أبي داود: (4832)، سنن الترمذي: (2395)، مسند أحمد: (3/38) عن أبي سعيد الخدري، - رضي الله عنه. 4- أسنى المطالب، باب صدقة التطوع ( 1/406 ). 5- الأشباه والنظائر في قواعد وفروع الفقه الشافعي، جلال الدين السيوطي، دار الكتب العلمية، لبنان ط1، (1413-1983م)، ص 121. 6- الأشباه والنظائر، ص 122. 7- سورة النِّساء: الآية 36. اعداد: عيسى القدومي
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |