|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
وقفات مع أحكام زكاة الزروع والثمار
وقفات مع أحكام زكاة الزروع والثمار رمضان صالح العجرمي 1- وقفات مع فريضة الزكاة. 2- مسائل في زكاة الزروع والثمار. الهدف من الخطبة: التذكير بهذه الفريضة العظيمة من فرائض هذا الدين وبيان بعض من الأحكام المتعلقة بفقه زكاة الزروع والثمار. مقدمة ومدخل للموضوع: أيها المسلمون عباد الله، فإن من نعم الله تعالى على عباده نعمة الأرض التي فرشها الخالق بين أيديهم وجعلها قرارًا، وأجرى في مناكبها عيونًا وأنهارًا، فأنبتت زروعًا وثمارًا، بعد أن أرسل الله السماء مدرارًا، وأمرنا أن نشكره على هذه النعمة، فقال تعالى: ﴿ وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ * وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ * لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ ﴾ [يس: 33 - 35]، ووعد الشاكرين بالمزيد، فقال تعالى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7]، وإن من شكره سبحانه تعالى على نعمة الزروع والثمار: إخراج زكاتها، وحديثنا اليوم بإذن الله تعالى عن زكاة الحبوب والثمار، ونحن في زمن الحصاد؛ تنويرًا للسائلين عن زكاتها، وتذكيرًا للغافلين، ولنا مع هذه الفريضة العظيمة الجليلة عدة وقفات: الوقفة الأولى: معنى الزكاة: الزكاة في اللغة: النماء، والزيادة والبركة. وفي الاصطلاح: حق واجب شرعًا في مال مخصوص بلغ نصابًا معينًا، بشروط مخصوصة لطائفة مخصوصة، في وقت مخصوص. الوقفة الثانية: حكم الزكاة والأدلة على ذلك، والحكمة منها: لقد أجمع المسلمون على فرضية الزكاة، وأنها الركن الثالث من أركان الإسلام، وأما الأدلة فمنها: قوله تعالى: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾ [البقرة: 43]، وقوله تعالى: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾ [البينة: 5]، وقوله تعالى: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 110]، وقوله تعالى: ﴿ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ﴾ [التوبة: 5] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت))، وفي حديث جبريل المشهور: ((الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلًا))، وقد أجمع المسلمون على كفر من جحد الزكاة، وأجمعوا أيضًا على قتال من منع إخراجها بخلًا، وأنه آثم ومرتكب لكبيرة من الكبائر لكن لا يخرجه ذلك من الإسلام. والزكاة شرعت وفرضت لحكم سامية وجليلة، فمنها: 1- تطهير نَفْس المزكِّي من البُخْل والشُّحِّ، والأخلاق الذميمة، وجعله في صفوف المحسنين الذين يحبهم الله ويحبهم الناس؛ كما قال الله تعالى: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [التوبة: 103]، وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر: 9]، وقال تعالى: ﴿ وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [المائدة: 93]. 2- ومنها: أنها سبب نماء المال، وحلول البركة فيه؛ كما قال الله تعالى: ﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ [سبأ: 39]. 3- وفي أدائها شكرًا لله تعالى على ما أسبغ على العبد من النعم؛ كما قال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7]. الوقفة الثالثة: فضائل وأهمية الزكاة: فإن للزكاة منزلة عظيمة في دين الإسلام؛ فقد قرنها الله تعالى بالصلاة فى أكثر من ثلاثين موضعًا، وجعلها من أعمدة هذا الدين، ومن ذلك قول الله تعالى: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 110]، وقوله تعالى: ﴿ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ﴾ [التوبة: 5]. وهي من أمور الدين المهمة التي يجب معرفتها، ومن أولويات الداعي إلى الله تعالى في دعوته، وتعليم الناس؛ فقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذًا إلى اليمن، وقال له كما في الصحيحين: ((أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تُؤخَذ من أغنيائهم فتُرد على فقرائهم)). وضرب الله تعالى الأمثلة لبيان عظيم أجرها وثوابها، فلا تسأل عن الخير العظيم في الدنيا والآخرة؛ كما قال تعالى: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 261]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ﴾ [الروم: 39]. وبيَّن الله تعالى أن إخراجها من صفات عباد الله المؤمنين؛ كما قال تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ ﴾ [المؤمنون: 1 - 4]، وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ﴾ [المعارج: 24، 25]. وإن إخراجها لهو برهان على صدق إيمان المزكِّي؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((والصدقة برهان)). الوقفة الرابعة: الترهيب الشديد من منع الزكاة والتهاون فيها: فقد جاء الوعيد الشديد في حق مانعي الزكاة، وهذا الوعيد في الدنيا والآخرة؛ فأما في الدنيا فقد ذكر الله تعالى في كتابه أحوال السابقين الذين أنعم عليهم بنعمة الزروع والثمار وسعة الأرزاق ورغد العيش؛ لكنهم انقسموا إلى قسمين: فمنهم من شكر هذه النعمة وأدَّى حقَّ الله تعالى فيها؛ فحَلَّت البركة في ماله؛ كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((بينما رجل يمشي في فلاة من الأرض، فسمع صوتًا في سحابة: اسق حديقة فلان، فتنحى ذلك السحاب فأفرغ ماءه في حرة، فإذا شرجة من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كله، فتتبع الماء، فإذا رجل قائم في حديقته يحول الماء بمسحاته، فقال له: يا عبد الله، ما اسمك؟ قال: فلان، للاسم الذي سمع من السحاب، فقال: يا عبد الله لم تسألني عن اسمي؟ فقال: إني سمعت صوتًا في السحاب الذي هذا ماؤه يقول: اسق حديقة فلان لاسمك، فما تصنع فيها؟ فقال: أما إذ قلت هذا، فإني أنظر إلى ما يخرج منها فأتصَدَّق بثلثه، وآكل أنا وعيالي ثلثًا، وأرد فيها ثلثه))، وصدق الله جل في علاه إذ يقول: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7]. ومنهم من جحدها والعياذ بالله ولم يؤدِّ حقَّ الله تعالى فيها، فعاقبه الله تعالى بمحق بركة ماله؛ ومن هؤلاء الذين جحدوا نعم الله تعالى عليهم، قوم سبأ الذين أعطاهم من فضله وأسبغ عليهم من نعمه؛ كما قال الله تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ ﴾ [سبأ: 15 - 17]، ومن هؤلاء أصحاب البستان الذين قَصَّ الله تعالى علينا خبرهم: ﴿ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلَا يَسْتَثْنُونَ * فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ ﴾ [القلم: 17 - 20]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا معشر المهاجرين، خصال خمس إن ابتُليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن)) وذكر منها: ((ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا)). وأما في الآخرة فإنه يعذب بأمواله التي منع زكاتها؛ فالجزاء من جنس العمل؛ كما قال الله تعالى: ﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ [آل عمران: 180]، ويدل على ذلك ما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من آتاه الله مالًا فلم يؤدِّ زكاته مثل له شجاعًا أقرع (أي: ثعبانًا عظيمًا) كريه المنظر، له زبيبتان يطوقه يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزمتيه (يعني: شدقيه) ثم يقول: أنا مالك، أنا كنزك. ثم تلا: ﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ [آل عمران: 180]، وقال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ﴾ [التوبة: 34، 35]، وفي الحديث: ((ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي حقَّها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار))، وقال عن الإبل: ((إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر أوفر ما كانت، لا يفقد منها فصيلًا واحدًا، تطؤه بأخفافها، وتعضه بأفواهها، كلما مَرَّ عليه أولاها، ردَّ عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة))، وقال عن البقر والغنم: ((ولا صاحب بقر ولا غنم لا يؤدي منها حقَّها، إلا إذا كان يوم القيامة، بطح لها بقاع قرقر، لا يفقد منها شيئًا، ليس فيها عقصاء، ولا جلحاء، ولا عضباء، تنطحه بقرونها، وتطؤه بأظلافها)). الوقفة الخامسة: الأموال التي تجب فيها الزكاة: فقد حدَّد الشرع الأموال التي تجب فيها الزكاة ونصابها والقدر الواجب فيها، وهي أربعة أنواع: النوع الأول من الأموال التي تجب فيها الزكاة: النقدان؛ الذهب والفضة وما يقوم مقامهما من الأوراق النقدية التي يتعامل بها الناس اليوم. النوع الثاني: عروض التجارة؛ وهي السلع المعروضة للبيع طلبًا للربح. النوع الثالث: بهيمة الأنعام من الإبل والبقر والغنم. النوع الرابع: الخارج من الأرض؛ كالحبوب، والثمار، والمعادن، والركاز. فمن أنواع الزكوات الواجبة التي يجب على المسلمين إخراجها زكاة الزروع والثمار وهما من الخارج من الأرض؛ كما قال الله تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأنعام: 141]، وأما أهم الأحكام والمسائل المتعلقة بزكاة الزروع والثمار فهذا ما سنتعرف عليه في الخطبة الثانية بإذن الله تعالى. نسأل الله العظيم أن يبارك لنا في زروعنا وثمارنا وسائر أرزاقنا. الخطبة الثانية (أحكام ومسائل زكاة الزروع والثمار) وفيها عدة مسائل:1- حكم الزكاة عن الزروع والثمار والأدلة على ذلك. 2- شروط وجوب زكاة الزروع والثمار. 3- نصاب زكاة الزروع والثمار. 4- متى تجب زكاة الزروع والثمار؟ 5- مقدار زكاة الزروع والثمار. 6- زكاة الزروع في الأرض المستأجرة. 7- لمن تصرف الزكاة؟ 8- الأصناف الذين لا يجوز صرف الزكاة لهم. المسألة الأولى: حكم الزكاة عن الزروع والثمار والأدلة على ذلك: فإن الزكاة على الزروع والثمار واجبة كسائر الأموال التي تجب فيها الزكاة، والدليل قول الله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ * الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 267، 268]، وقوله تعالى: ﴿ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ﴾ [الأنعام: 141]، وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((فيما سقت السماء والعيون، أو كان عَثَريًّا العُشْر، وفيما سقي بالنضح نصف العُشْر)). المسألة الثانية: شروط وجوب زكاة الزروع والثمار: فإن زكاة الزروع والثمار واجبة في كل ما يُكال ويُدَّخر من الحبوب والثمار (يعني في كل ما يُكال ولا يفسد بالادِّخار) فالحبوب: هي كل مكيل مدخر؛ من شعير وقمح وفول وعدس وذرة ونحو ذلك. والثمر: هو التمر والزيتون والزبيب. وذلك بشرطين اثنين: أن تبلغ نصابًا، وأن يكون النصاب مملوكًا له وقت وجوب الزكاة. المسألة الثالثة: ما هو نصاب زكاة الزروع والثمار؟ نصاب الزروع والثمار: خمسة أوسق، والدليل قوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: ((ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صَدَقة))، والوسق مقداره: ستون صاعًا بصاع النبي صلى الله عليه وسلم؛ فيكون نصاب الحبوب والثمار: (خمسة أوسق × ستين صاعًا يساوي ثلاثمائة صاع) وتقدير هذا النصاب بالكيل المعروف هو خمسون كيلة (أي حوالي: أربعة أرادب وربع). ويلاحظ أن هذا النصاب يقدر بعد تصفية الحبوب من قشورها، وكذلك يقدر بعد جفاف الثمار، فلو قدر بخمسة أوسق أو أكثر وجب عليه الزكاة في هذه الزروع والثمار. وتجب زكاة الزروع والثمار على كل صنف من الأصناف الواجب فيها الزكاة على حدة إذا بلغ خمسة أوسق؛ فلا يضم القمح إلى الشعير، ولا التمر إلى الزبيب، حتى يكمل النصاب؛ لكن إذا كان الصنف الواحد منها له أنواع فإنه يضم بعضها إلى بعض؛ مثل التمر فإن له أنواع عديدة (السمان والزغلول والأمهات وغيرها) فإنه يضم بعضه إلى بعض عند تقدير النصاب، أو كان عنده زرع من نوع واحد في أماكن مختلفة فعليه أن يجمع كل ما عنده، فإذا بلغ نصابًا أخرج زكاته. المسألة الرابعة: متى يجب إخراج زكاة الزروع والثمار؟ تجب الزكاة إذا ظهر الصلاح والنضج في الثمار أو اشتداد الحبة في الحبوب، ولا يشترط حَوَلان الحول في زكاة الزروع والثمار؛ لأن هذا النوع من أموال الزكاة نماء في نفسه فتخرج منه الزكاة عند كماله، والدليل قول الله تعالى: ﴿ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ﴾ [الأنعام: 141]. المسألة الخامسة: المقدار الواجب إخراجه في زكاة الزروع والثمار: فإذا كانت قد سقيت بغير تكلفة (كالنبات الذي يشرب من الأمطار ومياه الأنهار، وكذلك النبات الذي يشرب بعروقه الطويلة فيستغني بذلك عن السقي) فإنه يجب فيها إخراج العُشْر (يعني 10% من إجمالي هذه الزروع أو الثمار، وذلك بأن تقسم إجمالي عدد المحصول على العدد عشرة، والناتج هو ما يجب إخراجه). وأمَّا إذا كانت هذه الزروع أو الثمار قد سقيت بتكلفة (كأن تُسقى بآلات الري وغيرها) فإنه يجب فيها إخراج نصف العشر (يعني 5% فقط من قيمة هذه الزروع أو الثمار وذلك بأن تقسم إجمالي عدد المحصول على العدد عشرين، والناتج هو ما يجب إخراجه). والدليل على ذلك: ما رواه مسلم وغيره عن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((فيما سقت الأنهار والغيم العشور، وفيما سقي بالسانية نصف العشور))، وعن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((فيما سقت السماء والعيون، أو كان عَثَريًّا العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العُشْر)). مع مراعاة أن يخرج الزكاة من الأنواع كلها، أو تخرج من الأحسن ولا يخرج من الرديء منها؛ لقول الله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ ﴾ [البقرة: 267]. المسألة السادسة: زكاة الزروع في الأرض المستأجرة: فإن الزكاة واجبة على صاحب الزرع سواء كان هو مالك الأرض التي يزرعها، أو كان قد زرعها بمعاملة جائزة (كالإيجار والهبة) وأما مالك الأرض فإن الزكاة تكون في قيمة إيجار هذه الأرض إذا بلغ نصابًا وحال عليه عام هجري كامل. المسألة السابعة: لمن تُصرَف الزكاة؟ وهذه المسألة من أهم مسائل الزكاة؛ لأن البعض قد يحتاط في الزكاة، ولا يحتاط في هذا الآخذ للزكاة؛ فإن للزكاة مصارف معينة ومحددة، وتكَفَّل الله تعالى بقسمتها، ولم يوكل ذلك إلى ملك مُقَرَّب، ولا لنبيٍّ مُرسَل، وبَيَّنها وحصرها سبحانه وتعالى في قوله: ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 60]، فأما الفقراء: فهم الذين لا يجدون ما يسدُّ حاجتهم وحاجة من يعولون؛ فهؤلاء يعطون من الزكاة ما يكفيهم سنةً كاملةً، وأما المساكين: فهم الذين لا يجدون إلا نصف كفايتهم أو أكثر، فهؤلاء يعطون من الزكاة ما يسدُّ حاجاتهم الضرورية لمدة سنة، وأما العاملون عليها: فهم الذين يبعثهم الإمام ليجمعون الزكاة من أصحابها ويوزعونها لمن يحتاج إليها؛ فهؤلاء يعطون من الزكاة بقدر أجرة المثل حتى ولو كانوا أغنياء، وأما المؤلفة قلوبهم: فهم قوم يعطون من الزكاة تأليفًا لقلوبهم على الإسلام إن كانوا كُفَّارًا، أو تثبيتًا لإيمانهم إن كانوا من ضعاف الإيمان، وأما في الرقاب: فهو العبد المسلم، أو الأمة يتم شراؤه من مال الزكاة ليصبح حرًّا، ويدخل فيه الأسير المسلم الذي أسَرَه الكُفَّار فيُعطى من مال الزكاة من أجل فكِّ أسْرِه. وأما الغارم: فهو الذي تحَمَّل دَيْنًا لإصلاح بين جماعتين فيعطيهما المال من أجل فكِّ الخلاف بينهما فيعطى من الزكاة تشجيعًا له على هذا العمل، أو الشخص الذي عليه دَيْن وليس معه المال لسَدِّ هذا الدَّيْن، فيعطى من مال الزكاة لسدِّ دينه. وأما في سبيل الله: فالمراد بهم الغزاة في سبيل الله المتطوعين الذين ليس لهم راتب في بيت المال فيعطون من الزكاة سواء كانوا أغنياء أو فقراء. وأما ابن السبيل: فهو المسافر المنقطع عن بلده فيعطى من الزكاة ما يوصله إلى بلده؛ بشرط أن يكون سفره سفرًا مباحًا، ولا يكون سفر معصية. المسألة الثامنة: في حَدِّ الذين لا يجوز صرف الزكاة لهم: فإن الزكاة لا يجوز إعطاؤها لغني ولا لقوي مكتسب؛ كما في سنن أبي داود عن عبيدالله بن عدي بن الخيار قال: أخبرني رجلان أنهما أتيا النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وهو يقسم الصدقة، فسألاه منها، فرفع فينا البصر وخفضه فرآنا جلدين، فقال: ((إن شئتما أعطيتكما ولا حَظَّ فيها لغني ولا لقوي مكتسب))، ولا يجوز إعطاؤها للأصول والفروع ممن تجب عليه نفقتهم، والأصول هم: الأُمُّ والأب والأجداد والجدات. والفروع هم: الأولاد وأولاد الأولاد. ولا يجوز للمسلم أن يعطي الزكاة لزوجته؛ لأنها تلزمه النفقة عليها. ولا يجوز إعطاؤها للكفار والمشركين إلا إذا كانوا من المؤلَّفة قلوبهم. وختامًا: فهذه بعض المسائل الأخرى تتعلق بزكاة الزروع والثمار: 1- لا يُشترط في زكاة الزروع والثمار حَوَلان الحول باتفاق العلماء؛ وإنما يُشترط فقط بلوغ النصاب وهو خمسة أوسق. 2- لا يُشترط لوجوب الزكاة في الزروع والثمار أن تكون للبيع بل تجب فيها الزكاة، ولو كانت من أجل أن يأكل منها صاحبها وأولاده وأهله. 3- زكاة الزروع والثمار التي على صاحبها دَيْن: تجب الزكاة فيها إذا بلغت نصابًا، ولو كان صاحب هذا المحصول مدينًا، أو كانت الأرض التي زرعها مرهونة؛ لعموم قوله تعالى: ﴿ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ﴾ [الأنعام: 141]، وعموم قوله صلى الله عليه وسلم: ((فيما سقت السماء والعيون أو كان عَثَريًّا العُشْر، وفيما سقي بالنضج نصف العُشْر))؛ [فتاوى اللجنة الدائمة]. 4- هل تخصم تكاليف الزراعة أم لا؟ قال العلماء: تخرج زكاة الحبوب والثمار إذا بلغت نصابًا فأكثر بقطع النظر عما أنفق على المزرعة من مصروفات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر عُمَّاله بخرص الثمار على أهلها ثم يأخذ الزكاة بموجب الخرص، ولا يسألهم عن نفقاتها؛ [فتاوى اللجنة الدائمة]. نسأل الله العظيم أن يبارك لنا في زروعنا وأموالنا. ملحوظة: 1- المادة العلمية بهذا الترتيب ستكون طويلة جدًّا بالنسبة إلى خطبة الجمعة؛ فخذ منها ما يناسب وقت الخطبة أو الدرس، والتركيز في هذه الأيام على أحكام زكاة الزروع والثمار. 2- قصة سبأ وأصحاب البستان يُكتفى فيهما بسرد وقراءة الآيات فقط؛ لئلا يطول الوقت.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |