|
ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
أروع ما قالته زوجة لزوجها
أروع ما قالته زوجةٌ لزوجها عامر الخميسي "كلا... والله لا يُخزيك الله أبدًا... إنك لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتصدُق الحديث، وتحمِل الكَلَّ، وتَكْسِب المعدوم، وتَقري الضيف، وتُعين على نوائب الحق". مررتُ على السيرة النبوية مستعرضًا بعضَ مدوناتها، فما وجدت كلماتٍ لامرأة أقوى من هذه الكلمات. إنها كلمات خالدة راسخة في التاريخ رسوخَ الجبال الراسية، لا يمكن لأحد سمِعها أن ينساها، وهي كلمات فيها من البلاغة والقوة، والصرامة والتثبيت ما تندهش منه العقول، وتَحارُ فيه الألباب، وهي أعظم كلماتٍ قالتها امرأة لزوجها، وكل من مرَّ بها، ووقف عندها متأمِّلًا، يطرب بسمع قلبه لوقْعِها. أتخيَّل الحبيب صلى الله عليه وسلم ينزل من غار حراء يرتجف، لا تحمله رِجلاه، يسارع الخطو من شدة ما وقع به ومعه من قِبل أعظم أملاك السماء، يُلاحق أنفاسه، والرِّعدة تهُزُّ جنبيه، لكن إلى أين؟ لمن سيشكو؟ أين سيلتجئ؟ لمن سيحكي قصة ضغطة الْمَلَك في الغار؟ من سيتفهم مشاعره ويصب البرد على مواقد قلبه؟ لا يوجد على الأرض من أحد سوى خديجة! خديجة مهبِط الحب، والمستقر الآمن، والحِضن الدافئ، هي فقط وحدها ستفهم كلماته، وتشعر بنبض قلبه، وتعرف وَجَعَه، وتدرك جيدًا ما الذي يعانيه. يصِل النبي صلى الله عليه وسلم بيته، فتكون في استقباله خديجة، دخل عليها رضي الله عنها، يقول: ((زمِّلوني، زمِّلوني))؛ أي: غطوني بالثياب ولُفُّوني بها، طلب ذلك ليسكن ما حصل له من الرعدة؛ من شدة هول الأمر وثِقَلِه، فقد رأى ما ارتاع له صلى الله عليه وسلم، فغطَّتْهُ حتى ذهب عنه الرَّوع. غطته ليحصل له الدفء؛ لأن أطرافه تكاد أن تصطك من برد قارس، نزل به وهي في أثناء ذلك مشفقة على حاله. غطته بالثياب، وقبل ذلك غطته بعاطفتها الجياشة، ومشاعرها الحنونة، وصدرها الرحب، وعطفها الجميل، وقلبها الممتلئ بحبه. تلكم هي خديجة، كانت زوجًا مغرمة، وكانت له أمًّا حانية، وأختًا لطيفة، وكان في رحابها يجد سكون الروع، وطمأنينة القلب، وهدوء النفس، وثبات الجسد، وكان ذلك الموقف الذي واجهه النبي صلى الله عليه وسلم هو أول موقف له مع العالم العلوي، وهو أصعب موقف؛ وقد نزل عليه حينها: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ﴾ [العلق: 1] مدوِّيَة في الخافقين، معلنة بدايةَ بَعثٍ جديد لأهل الأرض. هنا نرى تريُّث وحكمة السيدة الفاضلة أمِّنا خديجةَ رضي الله عنها؛ إذ نفذت الطلب ابتداءً، فالخائف لا ينبغي أن يُسأَل حتى يهدأ، ويذهب عنه ما يجد. بعد أن سكنت نفسه صلى الله عليه وسلم، وهدأ رَوعه، حدَّثها بشأن الْمَلَك الذي نزل عليه؛ فقال لها معبرًا عن خشيته: ((لقد خشيت على نفسي)). وهنا يتجلى دور المرأة والزوجة الصالحة في التخفيف عن زوجها صلى الله عليه وسلم بطمأنته، والتسرية عنه، من جراء هذه المقابلة الشديدة مع جبريل، وتثبيت قلبه، وبث السكينة والأمن فيه بكل ما أُوتيت من قوة وحكمة وعقل. "كلا، والله ما يخزيك الله أبدًا". تثبِّت أم المؤمنين خديجة قلبَ زوجها الحبيب صلى الله عليه وسلم بهذا الحرف الرادع، والاسم الجامع، والنفي القاطع؛ كونها تعلم أن له مستقبلًا حافلًا بالعظائم والخير والبركات، وقد يكون نبيَّ آخر الزمان من خلال رؤى رأتها خديجة قديمًا، ومن خلال كلام بعض الرهبان فيه، ومن خلال بركات تجارته، ووصف غلامها ميسرةَ تلك الكرامات التي حفَّت به أثناء الرحلة، وعلامات كثيرة يصعب التفصيل فيها في هذه العُجالة؛ فهي سيدة عاقلة بلغ بها عقلها المنزلَ الأعلى، ليتخذها الحبيب صلى الله عليه وسلم رفيقة لدربه. "كلا، والله ما يخزيك الله أبدًا". من أين لكِ هذا خديجة؟ كيف عرفتِ؟ ثم العجيب يمينكِ هذه المغلَّظة، كيف تجرأتِ على التلفظ بها؟ لقد استدلت خديجة بما عرفته من حاله ومقاله عليه الصلاة والسلام بالاستقراء؛ إذ جَرَتِ السنن الإلهية أن من اتصف بتلك المكارم والصفات العليا من الأخلاق لا يحصل له الخزيُ ولا الحزن. لن يخذلك الله؛ فلطالما أكرمت عباده، لن يحزن قلبك؛ ما دام يحمل الخير للناس. بيَّنت له أن الله لن يخزيه لعلَّة واضحة جليَّة؛ وهي مواظبته الشديدة على جملة من السلوكيات الاجتماعية الفاضلة، وصفات من المثل العليا الكريمة، فلن يخزيَ الله من صَدَقَ الحديث، ووَصَلَ الرَّحِمَ، وحَمَلَ الكَلَّ، وأكرم الضيف، وعفا عمن أساء إليه، وأعان على نوائب الدهر. عجبًا! تتحدث إلى زوجها كعالمة متخصصة في سنن الله ونواميسه في الخليقة. وقد صدقت فِراستها، فهي بكلماتها تلك تسبق ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: ((صنائع المعروف تقي مصارع السوء والآفات والهَلَكات، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة)). "كلا، والله ما يخزيك الله أبدًا". ستزول الشدة، وتنتهي المحنة، ويذهب الخوف، ويختفي القلق، وستمضي في الحياة بهذا القلب الخيِّر، يفيض منه النور إلى البشر، فيفتح الله به قلوبًا غُلفًا، وعيونًا عُميًا، وآذانًا صُمًّا. "إنك لَتَصِلُ الرَّحِم". بالإحسان إلى أقربائك، فأنت سند أهلك وعمومتك، ونصير أقاربك، من قطعك وصلته بمالك ومعروفك، أو خدمته بجاهك، ولم يرَوا منك إلا كل خير وصلاح، وبرٍّ وإحسان، فأنت لكبيرهم ابنٌ، ولصغيرهم أبٌ، ولصاحبهم أخٌ. "وتصدُق الحديث". فأنت المعروف المشتهر بينهم بلقب "الصادق الأمين"؛ حيث لم يحُزْ على هذا اللقب أحدٌ بمكة سواك. صادق فلا تكذب أبدًا، ولا تغُشُّ أبدًا، ولا تشهد الزور ولا تدلِّس، ولم يُعهَد عنك كذبة واحدة في حياتك. وقد شهِد لك قومه بذلك إذا قالوا: "ما جربنا عليك كذبًا قط". وأنت الأمين في إيصال كل حق يلزم أداؤه إلى الناس، تحفظ ودائع الناس فلا تفرِّط فيها، حتى وهم يحاربونك ويجاهرونك بالعداوة، أماناتهم عندك. "وتحمِل الكَلّ". أي: تعطي الكَلَّ ما لا يجده عند غيرك، تقوم على حاجته وتُعينه، فلا يمضي من عندك إلا وقد قضيت مسألته، ويسَّرت عسيره، وأسعدت قلبه. والكَلُّ هو العاجز عن القيام بمصالحه؛ كالضعيف، والأرملة، والمنقطع، واليتيم. "وتَكسب المعدوم". أي: تكسِب المالَ المعدومَ إذ تحصِّله بعملك وعرق جبينك، وجهدك وكدِّك، وتصلح أن تكون بمعنى: وتبذل من هذا المال للمحتاج أو المعدوم وهو الْمُعدِم؛ أي: المحتاج العاجز عن الكسب، كأنه معدوم أو ميت لا تصرف له، لا يتحرك مع الناس، ولا يباشر الأعمال؛ لأنه لا مال له، فتكسبه المالَ، وتزوِّده بما يحتاج، وهذا من كرمك ونبلك. "وتَقري الضيف". أي: تُهيِّئ له طعامه ونُزَله وضيافته، إذا نزل بدارك وحلَّ بحضرتك، وإن بات عندك، بات آمنًا عزيزًا، مطمئنًّا وإن انصرف، انصرف مكرمًا مسرورًا، يخبر أهله بما أتحفته به. والقِرى هو ما يُقدَّم للضيف من طعام وشراب، وما يحتاجه حال وجوده عند مُضيِّفِه. "وتُعين على نوائب الحق". يأتيك المكروب فتفرج كربته، والمظلوم فتقف معه في مظلمته، والمكسور فتجبر كسره، فأنت طبيب المجروحين، ونصير البائسين، وأمل المحرومين. والنوائب جمع نائبة؛ وهي الحادثة أو النازلة الكبيرة، وإنما قالت: "نوائب الحق"؛ لأن النائبة قد تكون في الخير، وقد تكون في الباطل، فالإنسان قد ينوبه شيء يحتاج إلى ما يعينه على غيره، وقد يكون محقًّا، وقد يكون مُبْطلًا، فيُعان بما يحقق له ما ينفعه، دون ما يضره. فهي تصفه هنا أنه من رجال النجدات، وصانعي الخيرات، وأهل المروءات، وأصحاب الفزعات. قال الإمام النووي في شرح مسلم: "قال العلماء رضي الله عنهم: معنى كلام خديجة رضي الله عنها: إنك لا يصيبك مكروه؛ لِما جعل الله فيك من مكارم الأخلاق، وكرم الشمائل، وذكرت ضروبًا من ذلك، وفي هذا دلالة على أن مكارم الأخلاق، وخِصال الخير سببُ السلامة من مصارع السوء". فمن أراد أن يتولَّاه الله تعالى، ويُيَسِّر له أسباب النجاة والفلاح، ويفتح له قلوب الخلق، وينجو في المحن، ويتخلص أوقات الشدة، فليلزم هذه الخصال الحميدة، ويداوم على هذه المزايا الكريمة. وقد كانت خديجة رضي الله عنها في غاية الذكاء والعقل الراجح؛ إذ فعلت ثلاثة أمور بسرعة، هي أنفع ما يقدم للمصاب: أولها: الإسعافات الأولية؛ حيث قامت بتدفئته، وذاك يعد من الإسعافات الأولية. ثانيها: تقوية معنوياته، وبثُّ الأمل فيه؛ حتى لا تنهار قوته، فيضعُف وتنهار مناعته، وهكذا يفعل الأطباء، وقد فعلت خديجة هذا؛ حيث بثَّت فيه كلمات من أقوى كلمات الحياة، بل أقوى ما قالته امرأة لزوجها تثبِّته وتُطمئنه. ثالثها: عرضه بعد ذلك مباشرة على الطبيب المختص، وهكذا خديجة فعلت؛ فقد قدمت له ما يحتاج من إسعافات أولية، ثم بثَّت القوة في روحه، ثم قامت بعرضه مباشرة على ابن عمها ورقة بن نوفل، فهو المختص بعلم أهل الكتاب، وما عرض للنبي صلى الله عليه وسلم ليس مرضًا جسديًّا، بل هي أمور تختص بالنفس، وأمور الغيب، وورقةُ جديرٌ بتحليل المشهد، وصناعة الوصفة المناسبة لما ألمَّ به، وقد أثبت هذا ورقة فقال: "إن هذا الناموس الذي نزل على موسى"، إلى آخر ما حصل في ذلك العرض.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |