|
ملتقى الإنشاء ملتقى يختص بتلخيص الكتب الاسلامية للحث على القراءة بصورة محببة سهلة ومختصرة بالإضافة الى عرض سير واحداث تاريخية عربية وعالمية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#151
|
||||
|
||||
رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (153) مثنى محمد هبيان القسم الأول من أسئلة آية البقرة 186 ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌۖ أُجِيبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِۖ فَلۡيَسۡتَجِيبُواْ لِي وَلۡيُؤۡمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمۡ يَرۡشُدُونَ١٨٦﴾ [البقرة: 186 ] السؤال الأول:هذه الآية جاءت بين آيات الصيام، فلماذا؟ الجواب: بعد هذه الآية قال تعالى: ﴿ أُحِلَّ لَكُمۡ لَيۡلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمۡۚ ﴾ [البقرة:187] وهذا يدل على أنّ الصيام من دواعي الإجابة، ووقوع هذا الدعاء بين آيات الصيام إرشاد العباد إلى أنْ يلحوا بالدعاء ويكثروا منه؛ لأنّ الصائم مجاب الدعوة في صومه وعند فطره، فإذن وقوع هذه الآية بين آيات الصوم إرشاد للعباد إلى أنّ هذه فرصة ودعوة لهم إلى الدعاء؛ إذ إن الصائم لا ترد دعوته. السؤال الثاني: مع الآيات التي تبدأ بقوله تعالى (يسألونك) يأتي الجواب بـ (قل) على الأغلب، وهنا في الآية جاء الجواب مباشرة من دون (قل) فما دلالة ذلك؟ الجواب: في هذه الآية لم يقل الله: فقل لهم إني قريب، وإنما تكفل تعالى بالإجابة مباشرة، على نحو ما خاطبهم مباشرة في قوله عز وجل﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ ﴾ [البقرة:183] وما قال: قل لهم: كُتب عليهم الصيام، كذلك في الدعاء لم يقل: قل لهم، وإنما قال: ﴿ فَإِنِّي قَرِيبٌۖ ﴾ [البقرة:186] مع أنه في آيات أخرى عندما يكون هناك سؤال، يقول: قل، مثلاً ﴿ وَيَسَۡٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡمَحِيضِۖ قُلۡ هُوَ أَذٗى ﴾ [البقرة:222] أمّا في هذه الآية فتكفل الله تعالى بالإجابة مباشرة، هو سبحانه وتعالى يُدعى بلا واسطة، وهو يجيب مباشرة. السؤال الثالث: لِم لمْ يربط إجابة الدعاء في الآية بمشيئة الله كما في آية الأنعام: 41؟ الجواب: قال تعالى: ﴿ أُجِيبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ ﴾ [البقرة:186] لم يقل: إنْ شئتُ أو إنْ شاءَ ربك، كأنه أجاب وقطع بالإجابة، بينما نلاحظ في آية أخرى: ﴿ بَلۡ إِيَّاهُ تَدۡعُونَ فَيَكۡشِفُ مَا تَدۡعُونَ إِلَيۡهِ إِن شَآءَ وَتَنسَوۡنَ مَا تُشۡرِكُونَ٤١﴾ [الأنعام:41] فلم يقطع بالإجابة، بينما في آية الصيام فالإجابةُ لا بد أنْ تكون بواحد من ثلاثة: إمّا يعجل له، أو يُدّخر له، أو يرد عنه بمقدارها من الأذى، كما في الحديث. السؤال الرابع: ما دلالة استخدام (إذا) بدل (إنْ) في الآية؟ الجواب: استخدام (إذا) في الآية؛ لأنه سبحانه وتعالى أراد أنْ يكثر الناس من الدعاء ويلحوا فيه؛ لأنّ (إذا) تفيد الكثير والمقطوع به ولم يقل: (إنْ)؛ لأنّ (إنْ) تستعمل للشك والنادر والمستحيل الوقوع، أمّا (إذا) فهي لمقطوع الوقوع أو كثير الوقوع. شواهد قرآنية: ـ ﴿ كُتِبَ عَلَيۡكُمۡ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ ﴾ [البقرة:180] هذا مقطوع الوقوع فاستعمل (إذا). ـ ﴿ وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱقۡتَتَلُواْ ﴾ [الحُجُرات:9] هذه قليلة فاستعمل (إن). السؤال الخامس: ما دلالة قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ ﴾ وقوله: ﴿ إِذَا دَعَانِۖ ﴾ في نفس الآية؟ الجواب: قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ ﴾ وقوله ﴿ إِذَا دَعَانِۖ ﴾ فيه إشارة أنّ المطلوب من العبد الإكثار من الدعاء؛ ولذا عليه أنْ يكثر من الدعاء، وفيه أيضاً أنّ الدعاء شرط الإجابة، كما قال تعالى: ﴿ أُجِيبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِۖ ﴾ فجعل الله تعالى الدعاء شرط الإجابة. السؤال السادس: ما فائدة تقديم الإجابة على طلب الدعاء؟ الجواب: قدّم الإجابة على الدعاء من باب التوكيد، ومثاله قولك: إذا جئت إليّ أُكرمك، فأنت هنا بنيت الخبر على المجيء، لكن عندما تقول: أكرمك إنْ جئتني، تكون قد بنيت الخبر على الإكرام. وهنا في هذه الآية ربنا بنى على الإجابة، فالإجابة بفضل الله متحققة، والله تعالى يريد من العباد أنْ يدعوه، والدعاء شرط الإجابة. وفي هذه الآية قدّم الاستجابة على الإيمان؛ لأنّ الاستجابة عبارة عن الانقياد والاستسلام، والإيمان عبارة عن صفة القلب، وهذا يدل على أنّ العبد لا يصل إلى نور الإيمان إلا بتقدم الطاعات والعبادات. والله أعلم.
__________________
|
#152
|
||||
|
||||
رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (154) مثنى محمد هبيان القسم الثاني الأخير من أسئلة آية البقرة 186 ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌۖ أُجِيبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِۖ فَلۡيَسۡتَجِيبُواْ لِي وَلۡيُؤۡمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمۡ يَرۡشُدُونَ١٨٦﴾ [البقرة: 186 ] السؤال السابع:قوله تعالى: ﴿أُجِيبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ﴾ وليس (أجيب الداعي)، فما دلالة ذلك؟ الجواب: قوله تعالى: ﴿أُجِيبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ﴾ وليس (أجيب الداعي)؛ لأنّ الدعوة هي المطلوبة بالذات، يجيب ما تريد أنت، أي: يجيب الدعوة. وربنا يغضب إذا لم يدعه العبد، ويحب الملحاح في الدعاء، وقد غضبَ ربُنا على أقوام لأنهم لم يدعوه، قال تعالى: ﴿وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَآ إِلَىٰٓ أُمَمٖ مِّن قَبۡلِكَ فَأَخَذۡنَٰهُم بِٱلۡبَأۡسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمۡ يَتَضَرَّعُونَ٤٢فَلَوۡلَآ إِذۡ جَآءَهُم بَأۡسُنَا تَضَرَّعُواْ﴾ [الأنعام:42-43] وقوله: ﴿وَلَقَدۡ أَخَذۡنَٰهُم بِٱلۡعَذَابِ فَمَا ٱسۡتَكَانُواْ لِرَبِّهِمۡ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ٧٦﴾ [المؤمنون:76] وقوله: ﴿قُلۡ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلۡفَلَقِ١﴾ [الفَلَق:1] أي: ادعُ وقلها لا في نفسك فقط؛ لأنه عندما يقول العبد: (أعوذ) يعني أنه يحتاج لمن يعينه فينبغي أنْ يقولها. السؤال الثامن: جاء جواب السؤال في الآية في قوله تعالى: ﴿فَإِنِّي قَرِيبٌۖ ﴾ ولم يقل: (قل) فما دلالة ذلك؟ الجواب: جاء جواب السؤال في قوله: ﴿فَإِنِّي قَرِيبٌۖ ﴾ ولم يقل: (قل)؛ لأنّ (قل) هنا يحتاج إلى مدة وإنْ كانت قصيرة فهي لا تتناسب مع القرب في الإجابة، فأراد ربنا سبحانه وتعالى أنْ يجعل القرب في الإجابة عن السؤال دون وساطة، فجعل الجوابَ منه لعباده مباشرة، وجاءت الفاء في الجواب ﴿فَإِنِّي﴾ لتفيد السرعة والمباشرة الفورية التي تتناسب مع هذا العطاء الرباني العظيم، فقال تعالى: ﴿فَإِنِّي قَرِيبٌۖ﴾. ونلاحظ أنه لا يوجد غنة أو انفصال بين كلمة ﴿قَرِيبٌۖ﴾ وكلمة﴿أُجِيبُ﴾لأنّ بينهما إظهار شفوي، مما يدل على سرعة الإجابة. والله أعلم. السؤال التاسع: لماذا في هذه الآية تقدّم جواب الشرط على فعل الشرط؟ الجواب: آـ في هذه الآية تقدّم جواب الشرط على فعل الشرط، ومعناه: أنّ الله تعالى يجيب دعاء العبد حتى قبل أنْ يبدأ بالدعاء. ب ـ وفي الآية لفتةٌ أخرى: أنه في سياق القرآن كله عندما تأتي الآية فيها (وإذا سألك) أو (يسألونك) يأتي الردّ من الله تعالى لرسوله (قل) إلا في هذه الآية فقد جاء الردّ مباشرة من الله تعالى لعباده في خطاب مباشر ليس بين الله تعالى وعباده أي وسيط، حتى لو كان الرسول الكريم ﷺ، فما على العبد إلا الدعاء، والله تعالى يجيب دعاء عباده؛ فسبحانه وتعالى. السؤال العاشر: ما الفرق بين ذكر الياء وعدم ذكرها في ﴿عِبَادِي﴾ و﴿ عِبَادِ﴾ [الزُّمَر:17]؟ الجواب: هذه ظاهرة في القرآن، (عبادي وعبادِ)، فأكثر الكلمتين مبنى أوسعهما معنى؛ وبيان ذلك أن كلمة (عبادي) أكثر من (عبادِ) في العدد؛ لأنها (عبادي) تشمل كل العباد، وذلك مناسب لسعة الكلمة وطولها وسعة المجموعة. قال تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌۖ﴾ كل العباد تسأل، هذا لا يخص عبداً دون عبد. وقال تعالى: ﴿وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ ٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُۚ﴾ [الإسراء:53] فكل العباد مكلفون أنْ يقولوا التي هي أحسن. أمّا قوله تعالى: ﴿فَبَشِّرۡ عِبَادِ١٧ٱلَّذِينَ يَسۡتَمِعُونَ ٱلۡقَوۡلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحۡسَنَهُۥٓۚ﴾ [الزُّمَر: 17 - 18] ما قال: يستمعون الحسن وإنما أحسنه، وهؤلاء قليل. السؤال الحادي عشر: ما دلالة حرف الفاء في قوله تعالى: ﴿فَلۡيَسۡتَجِيبُواْ لِي﴾؟ الجواب: الفاء لطلب سرعة الاستجابة إلى الله والإيمان به ودعائه، وفي ذلك مسائل: آـ كأنه تعالى يقول: أنا أجيب دعاءك مع أني غني عنك مطلقاً، فكن أنت مجيباً لدعائي مع أنك محتاج إليّ من جميع الوجوه، فما أعظم هذا الكرم!!! ب ـ إجابة الله عبده فضل منه ابتداء، وأنه غير معلل بطاعة العبد. ج ـ قوله تعالى: ﴿فَلۡيَسۡتَجِيبُواْ لِي وَلۡيُؤۡمِنُواْ بِي﴾ تبين أنّ الاستجابة عبارة عن الانقياد والاستسلام، والإيمان عبارة عن صفة القلب، وهذا يدل على أنّ العبد لا يصل إلى نور الإيمان وقوته إلا بتقدم الطاعات والعبادات. السؤال الثاني عشر: هل هناك فرق بين: (أجاب واستجاب)؟ الجواب: الفعلان: أجاب واستجاب بمعنى واحد، وقال أهل المعنى: الإجابة من العبد لله الطاعة، وإجابة الله لعبده إعطاؤه إياه مطلبه. السؤال الثالث عشر: ما الدروس المستفادة من قوله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي﴾ في الآية؟ الجواب: 1 ـ قوله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي﴾ يدل على أنّ العبد لله، وقوله ﴿فَإِنِّي قَرِيبٌۖ ﴾ يدل على أنّ الرب للعبد. 2 ـ لم يقل: (العبد مني قريب) بل قال: أنا منه قريب، وفي ذلك سر نفيس، فإنّ العبد ممكن الوجود فهو من حيث هو، هو في مركز العدم وحضيض الفناء فلا يمكنه القرب من الرب، أمّا الحق سبحانه فهو القادر من أنْ يقرب بفضله وبرحمته من العبد، فالقرب من الحق إلى العبد لا من العبد إلى الحق، فلهذا قال: ﴿فَإِنِّي قَرِيبٌۖ﴾. 3 ـ حذف الياء من (الداع) و (دعان) حتى لا يشعر العبد بطول الزمن بين الدعاء والإجابة. السؤال الرابع عشر: هناك إشكال: نرى الداعي يبالغ في الدعاء والتضرع فلا يجاب، فلماذا؟ الجواب: الآية وإنْ كانت مطلقة إلا أنها قد وردت آيات أخرى مقيدة، نحو قوله تعالى: ﴿ بَلۡ إِيَّاهُ تَدۡعُونَ فَيَكۡشِفُ مَا تَدۡعُونَ إِلَيۡهِ إِن شَآءَ ﴾ [الأنعام:41] فترك المشيئة له سبحانه من وجوه: آ ـ الداعي لا بدّ له من شروط الدعاء المعروفة، مثل: التوبة، والإقلاع عن المعاصي، وكسب الحلال، والبعد عن الحرام، وطيب المأكل والمشرب، والإخلاص والتذلل لله. جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، قوله: «ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلى السماء يقول: يا رب يا رب، ومطعمه حرام وملبسه حرام وغُذي بالحرام فأنّى يستجاب له» رواه مسلم. ب ـ الداعي لا بدّ أنْ يجد من دعائه عوضاً، إمّا إسعافاً بطلبه إذا وافق القضاء، فإن لم يتم ذلك فسكينة في نفسه وانشراح في صدره وصبر يسهل معه احتمال البلاء الحاضر. ج ـ قال الله: ﴿ٱدۡعُونِيٓ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ﴾ [غافر:60] ولم يقل: في الحال، فإذا استجاب له بعد حين ولو في الآخرة كان الوعد صادقاً. يقول الله في الحديث القدسي: «ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام وتفتح لها أبواب السماء، ويقول الرَّبُّ: وعزتي لأنصرنَّكَ ولو بعد حين»[أخرجه الترمذي وابن ماجه وأحمد]. د ـ قوله تعالى: ﴿فَلۡيَسۡتَجِيبُواْ لِي وَلۡيُؤۡمِنُواْ بِي﴾ لم يقل للعبد: أجب دعائي حتى أجيب دعاءك، وهذا تنبيه على أنّ إجابة الله عبده فضل منه ابتداء، فالله يجيب الدعاء وهو في غنى عن العبد، بينما العبد محتاج إلى الله. والله أعلم.
__________________
|
#153
|
||||
|
||||
رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (155) مثنى محمد هبيان ﴿أُحِلَّ لَكُمۡ لَيۡلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمۡۚ هُنَّ لِبَاسٞ لَّكُمۡ وَأَنتُمۡ لِبَاسٞ لَّهُنَّۗ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمۡ كُنتُمۡ تَخۡتَانُونَ أَنفُسَكُمۡ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡ وَعَفَا عَنكُمۡۖ فَٱلۡـَٰٔنَ بَٰشِرُوهُنَّ وَٱبۡتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمۡۚ وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلۡخَيۡطُ ٱلۡأَبۡيَضُ مِنَ ٱلۡخَيۡطِ ٱلۡأَسۡوَدِ مِنَ ٱلۡفَجۡرِۖ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّيۡلِۚ وَلَا تُبَٰشِرُوهُنَّ وَأَنتُمۡ عَٰكِفُونَ فِي ٱلۡمَسَٰجِدِۗ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَقۡرَبُوهَاۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ ءَايَٰتِهِۦ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ١٨٧﴾ [البقرة: 187] السؤال الأول:ما دلالة كلمة (اللباس) في الآية ﴿هُنَّ لِبَاسٞ لَّكُمۡ وَأَنتُمۡ لِبَاسٞ لَّهُنَّۗ﴾ [البقرة:187]؟ الجواب: جاءت هذه الآية لتعبر عما تحمله تلك العلاقة المقدسة بين الرجل والمرأة، وما يمثله كل واحد منهما لصاحبه، وذلك بتشبيه كل واحد منهما باللباس للآخر. اللباس الذي يستر العورات ويدفئ صاحبه ويمنع عنه الأذى والضرر إلى غير ذلك من المنافع الكثيرة، فلو أردت أخي المؤمن وضع كلمة مكان (لباس) لما أدّت إلى المعنى المراد، ولما وسعت ذلك الشمول الذي احتوى عليه ذلك التشبيه الرائع. السؤال الثاني: ما أنواع اللباس وما منظومة اللباس التي ذكرت في القرآن؟ الجواب: الثوب: هو الثوب الظاهر الذي يستر العورة، وله معنيان: ـ معنوي: خُلق ـ تقوى ـ مروءة، كقوله تعالى: ﴿ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرۡ٤﴾ [المدَّثر:4]. ـ مادي: لما نلبسه. اللباس: وهو يدل على السَّتر المادي والمعنوي ـ وهو الذي يستر السوءة ـ وقد ينزع اللباس نزعاً بالقوة، فاللباس يواري السوءة الحسية والمعنوية. شواهد قرآنية: ﴿ وَلِبَاسُ ٱلتَّقۡوَىٰ ﴾ [الأعراف:26] يعني كل عبادة فيها جانب خفي وتوقير. ﴿ هُنَّ لِبَاسٞ لَّكُمۡ وَأَنتُمۡ لِبَاسٞ لَّهُنَّۗ﴾ [البقرة:187] ماديٌّ ومعنويٌّ هو عدم إظهار سيئات الزوج أو الزوجة. ﴿ يَنزِعُ عَنۡهُمَا لِبَاسَهُمَا ﴾ [الأعراف:27]. ﴿ فَأَذَٰقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلۡجُوعِ وَٱلۡخَوۡفِ ﴾ [النحل:112]. ﴿ قَدۡ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكُمۡ لِبَاسٗا يُوَٰرِي سَوۡءَٰتِكُمۡ وَرِيشٗاۖ ﴾ [الأعراف:26]. ﴿ وَلِبَاسُ ٱلتَّقۡوَىٰ ذَٰلِكَ خَيۡرٞۚ ﴾ [الأعراف:26] أي: أنْ تؤديها خالصة لله وقلبك مخلص. أنواع اللباس: 1ـ الجلباب: ثوب له أكمام ويقفل من الأمام ﴿ يُدۡنِينَ عَلَيۡهِنَّ مِن جَلَٰبِيبِهِنَّۚ ﴾ [الأحزاب:59]. 2ـ كساء: هو الثوب الذي يُلقى على الكتف ﴿ وَٱكۡسُوهُمۡ ﴾ [النساء:5]. 3ـ خمار: غطاء الرأس ﴿ وَلۡيَضۡرِبۡنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّۖ ﴾ [النور:31]. 4ـ سربال: كل شيء غليظ يقي من الحر أو البرد أو الضرب ﴿ سَرَٰبِيلَ تَقِيكُمُ ٱلۡحَرَّ وَسَرَٰبِيلَ تَقِيكُم بَأۡسَكُمۡۚ ﴾ [النحل:81]. 5ـ ريش: هو ما يدل على الترف وهو حلال مالم يؤد إلى الخيلاء ﴿ يُوَٰرِي سَوۡءَٰتِكُمۡ وَرِيشٗاۖ ﴾ [الأعراف:26]. 6ـ سابغ: كل شيء واسع وتام ومريح، ومنه: إسباغ الوضوء ﴿ وَأَسۡبَغَ عَلَيۡكُمۡ نِعَمَهُۥ ﴾[لقمان:20]. 7ـ مزمل: طريقة لبس الكساء إذا لف الإنسان نفسه بكسائه ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمُزَّمِّلُ١﴾ [المزَّمل:1]. 8ـ إزار: ومنه المئزر، وهو معروف، والأصل في الأزر هو القوة ﴿ ٱشۡدُدۡ بِهِۦٓ أَزۡرِي٣١﴾ [طه:31]. 9ـ غطاء: ما يُتغطى به، والغطاية: ما تغطت به المرأةُ من حشو الثياب تحت ثيابها كالغلالة ونحوها. وفي الحديث: أنه عليه السلام نَهَى عن أن يغطيَ الرجلُ فاه في الصلاة. قال ابن الأثير: من عادة العرب التلثم بالعمائم على الأفواه، فنهوا عن ذلك. 10ـ دثار: المدثر هو المتدرع بدثاره كالملتف باللحاف مثلاً ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمُدَّثِّرُ١﴾ [المدَّثر:1]. 11ـ فراش: ما يوطئ من متاع البيت، ومنه المفروشات. قال تعالى: ﴿ مُتَّكِِٔينَ عَلَىٰ فُرُشِۢ بَطَآئِنُهَا مِنۡ إِسۡتَبۡرَقٖۚ ﴾ [الرحمن:54]، ﴿ وَفُرُشٖ مَّرۡفُوعَةٍ٣٤﴾ [الواقعة:34]. السؤال الثالث: ما الفرق بين (لا تقربوها) و(لا تعتدوها) في الاستعمال القرآني؟ الجواب: 1ـ القاعدة في القرآن الكريم أن الله تعالى يستعمل في النواهي: ﴿ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَقۡرَبُوهَاۗ﴾ [البقرة:187] ومع الأوامر يستعمل ﴿ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَعۡتَدُوهَاۚ ﴾ [البقرة:229]. وبناء على هذه القاعدة يتبيّن الفرق. 2ـ الحدّ هو الحاجز ونهاية الشيء الذي إنْ تجاوزه المرء دخل في شيء آخر، وشُبِّهت الأحكام بالحد؛ لأنّ تجاوزها يُخرج من حِلٍّ إلى منع. السؤال الرابع: ما الفرق بين قوله تعالى: ﴿ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ ءَايَٰتِهِۦ ﴾ [البقرة:187] و ﴿ وَيُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِۚ ﴾ [النور:18]؟ الجواب: 1ـ نستعرض بعض الآيات: قال تعالى: ﴿ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ ءَايَٰتِهِۦ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ١٨٧﴾ [البقرة:187]. وقال أيضاً: ﴿ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَتَفَكَّرُونَ٢١٩﴾ [البقرة:219]. وقال أيضاً: ﴿ وَيُبَيِّنُ ءَايَٰتِهِۦ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ٢٢١﴾ [البقرة:221]. 2ـ وردت في القرآن الكريم كلمة (آية)84 مرة، وكلمة (آيات) 295 مرة، وكلمة (آياتنا) 92مرة، وكلمة (آياته) 38مرة، وكلمة (آياتي) 14مرة، وكلمة (الآيات) 33 مرة. 3ـ المقارنة هنا بين كلمتي ﴿ ٱلۡأٓيَٰتِۚ ﴾ و﴿ ءَايَٰتِهِۦ ﴾ والاستعمال القرآني لهما هو أنّ (الآيات) عامة (وآياته) فيها إضافة إلى الهاء العائدة لله للتشريف والتعظيم؛ لذلك هي أخصّ وأهم، بينما الآيات أعم. ولذلك نجد القرآن الكريم يستعمل كلمة: ﴿ ءَايَٰتِهِۦ ﴾ [البقرة:187] للمواطن الأهم والآكد من المواطن الأخرى، فاستخدمها القرآن الكريم في الأحكام المختصة في أحكام الحلال والحرام والمواضع الأهم. شواهد قرآنية: آية البقرة ـ 187 ﴿ ءَايَٰتِهِۦ ﴾. آية البقرة ـ 219 ﴿ ٱلۡأٓيَٰتِ ﴾. آية البقرة ـ221 ﴿ ءَايَٰتِهِۦ ﴾. آيتا النور 58ـ و ـ 59﴿ ٱلۡأٓيَٰتِ ﴾ و ﴿ ءَايَٰتِهِۦ ﴾. آية النور 61 ﴿ ٱلۡأٓيَٰتِ ﴾. نجد من دراسة الآيات القرآنية أعلاه ما يلي: 1ـ آية البقرة: 187 فيها أحكام عن الصوم وتفاصيله وهو أمر هام في الإسلام فجاء في آخرها: ﴿ ءَايَٰتِهِۦ ﴾. 2ـ آية البقرة: 219 ليس فيها أحكام تحريم الخمر بشكل واضح وإنما بيّن أنّ إثمه أكبر من نفعه وكذلك الميسر، وأنّ ما ينفقونه هو العفو، أي: ما زاد، فاستعمل ﴿ ٱلۡأٓيَٰتِ ﴾. 3ـ آية البقرة: 221 فيها أحكام بعدم التزاوج مع المشركين والمشركات، فجاء في آخرها بلفظة ﴿ ءَايَٰتِهِۦ ﴾ وهذا حكم هام بعدم الزواج والتزويج من المشركين والمشركات. 4ـ آية النور 58 فيها قوله تعالى: ﴿ وَٱلَّذِينَ لَمۡ يَبۡلُغُواْ ٱلۡحُلُمَ مِنكُمۡ ثَلَٰثَ مَرَّٰتٖۚ﴾ [النور:58] بينما في الآية 59 ﴿ َإِذَا بَلَغَ ٱلۡأَطۡفَٰلُ مِنكُمُ ٱلۡحُلُمَ فَلۡيَسۡتَٔۡذِنُواْ ﴾ [النور:59] وطلب الاستئذان في الآية الثانية أقوى وأهم من الآية الأولى؛ لأنّ الأطفال هنا قد بلغوا الحلم فجاء فيها ﴿ ءَايَٰتِهِۦ ﴾ بينما جاء بكلمة ﴿ ٱلۡأٓيَٰتِ ﴾ في آية النور الأولى. 5ـ آية النور:61 الموضوع يتعلق فيما إنْ أكل من بيوت الأقرباء وربما لا يأكل، فأمر الأكل مباح وليس مؤكداً؛ فجاء بكلمة ﴿ ٱلۡأٓيَٰتِ ﴾ والله أعلم. السؤال الخامس: ما دلالة اختلاف الفاصلة في آيات البقرة: [ 187ـ 221ـ 242ـ 266]؟ وكيف نميز بينهم في الحفظ؟ الجواب: أولاً ـ لنستعرض الآيات: قوله تعالى: ﴿ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ ءَايَٰتِهِۦ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ١٨٧﴾ [البقرة:187] الفاصلة (يتقون). قوله تعالى: ﴿ وَيُبَيِّنُ ءَايَٰتِهِۦ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ٢٢١﴾ [البقرة:221] الفاصلة (يتذكرون). قوله تعالى: ﴿ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ٢٤٢﴾ [البقرة:242] الفاصلة (تعقلون). قوله تعالى: ﴿ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَتَفَكَّرُونَ٢٦٦﴾ [البقرة:266] الفاصلة (تتفكرون). ثانياً ـ حفظ كلام الله تعالى إنما يتأتّى بالتكرار والمراجعة؛ لأنّ الآيات كما وُصفت كأنها الإبل الشاردة، لكن الإنسان يحاول أنْ يجد رابطة ما بين الآية وخاتمتها؛ حتى لا تلتبس عليه، ولا نقول هذه الآيات متشابهة، وإنما هي متقاربة متماثلة، وذكرنا سابقاً أنّ المتشابه هو الذي معناه مفهوم ولكن فيه مساحة للغيب. ثالثاً ـ بشكل عام الآيات قد تكون للخطاب نحو: (لعلكم تتقون) أو للغيبة نحو: (لعلهم يتقون) وخطاب الغيبة يكون عادة عندما يريد الله أنْ يكون الحُكم عاماً مطلقاً وليس للمخاطبين في جزئية معينة. ﴿ لَعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ ﴾ 1ـ وردت في سورة البقرة في أربعة مواضع في الآيات: [ 21- 63-179-187]. 2ـ التقوى هي تجنب مخالفة أوامر الله. 3ـ تأتي هذه الفاصلة: ﴿ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ ﴾ ﴿ لَعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ ﴾ عندما يكون السياق بالأوامر: افعلوا أو لا تفعلوا. ﴿ لَعَلَّكُمۡ تَتَفَكَّرُونَ ﴾ 1ـ وردت في سورة البقرة مرتين في الآيات:[ 219 -266]. 2ـ تأتي هذه الفاصلة عند طلب التفكر إمّا بضرب مثل، وإمّا يكون جواباً عن سؤال حتى يتفكر الإنسان في الإجابة. 3ـ يلاحظ أن الآيتين: [ 219-266] تتعلقان بالمال. ﴿ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ 1ـ التذكر هو الاتعاظ، أي: بأنْ تكون له عظة بذلك. 2ـ وردت في سورة البقرة في مكان واحد في الآية (221) كما وردت في باقي القرآن في ستة مواضع هي: [إبراهيم 25ـ القصص 43ـ 46ـ 51ـ الزمر 27ـ الدخان 58]. 3ـ تأتي هذه الفاصلة في سياق حُكمٍ مخالفٍ للأعراف والتقاليد عندهم، فعند ذلك يُطلب منهم أنْ يكون لهم بهذا القرآن عظة وعبرة فلا يخالفوه. السؤال السادس: لماذا حذف فاعل ﴿ أُحِلَّ ﴾ [البقرة:187] وبناه للمجهول في الآية؟ الجواب: حذف الفاعل وبناه للمجهول عند التحدث على الرَّفَث، وهو ما يحسن ألا يقترن بالتصريح بالفاعل فقال: ﴿ أُحِلَّ ﴾ [البقرة:187]. والله أعلم.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |