17-08-2022, 07:02 PM
|
|
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة :
|
|
التخطيط قطار الناجحين
التخطيط قطار الناجحين
الشيخ محمد كامل السيد رباح
الحمد لله الملك القدوس السلام، مبدع الأكوان على أساس التخطيط والنظام. نحمده سبحانه وتعالى على بديع صنعه في غاية الدقة والاتقان، وأشهد أن لا إلاه إلا الله وحده لا شريك له شهادة دالة على الوحدانية ومعظمة لذاتك العلية، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمدًا عبدك ورسولك الذي أرسلته هاديا لكل العالمين، اللهم صل وسلم عليه كل آن وحين واجعله شفيعا لنا يوم الدين.
أما بعد:
مقدمة
يُعَدُّ التخطيط ضرورةً من ضرورات الحياة للإنسان، وذلك بسبب خوفه المستمر من المجهول، والأخطار، والكوارث التي تُحدِّق به؛ لذا حتَّمت عليه الظروف توخي الحيطة والحذر لمواجهة ذلك المجهول، فبدأ يُخطط لنشاطاته المختلفة؛ للتغلُّب على ذلك المجهول وما يتعلق به من متغيرات وتقلبات في ظروف البيئة الطبيعية التي يعيش فيها؛ من تعاقب الليل والنَّهار، وتتابع الفصول الأربعة صيفًا وشتاءً، وربيعًا وخريفًا؛ لذا فالإنسانُ يَهدف بالتخطيط إلى تنظيم شؤون حياته، ولتطويع المستقبل المجهول لأهدافه وأغراضه.
يعتبر التخطيط من أهم الوظائف الإدارية بالمقارنة مع بقية الوظائف الأخرى كالتنظيم والتوجيه والرقابة. والتخطيط يسبق أي عمل تنفيذي آخر، فمن خلال التخطيط نستطيع أن ننفذ أي بقية الوظائف الإدارية الأخرى.
لذا تعد عملية التخطيط من أهم وظائف المدير في أي منظمة، من خلال التخطيط يتم تحديد أهداف المنظمة ورسالتها، عن طريق إعداد وتنفيذ ومتابعة وتقييم مجموعة من الخطط والبرامج لتحقيق نتائج معينة باستخدام إمكانيات وموارد محددة في ظل ظروف بيئية قائمة.
والتخطيط عمل فكري؛ حيث يعتمد المخطط على خبراته ومهارته في دراسة الوضع الراهن للمنشأة، ومحاولة معرفة الظروف المحيطة بالمنشأة؛ سواء كانت هذه الظروف خارجية، أو داخلية لبلورة الحقائق والمعلومات المتاحة؛ ليتمكن من وضع الخطة التي تتناسب مع الأنشطة المراد تحقيقها، وقد دعا الإسلام إلى الأخذ به، وجعله نظامًا لحياة المسلم؛ لأنه لا غنى عنه، ولقد جاء الحث عليه أمرًا صريحًا في القرآن؛ قال تعالى: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 60].
وفي الأثر: "إن قامت القيامة وبيد أحدكم فسيلة، فاستطاع ألا تقوم حتى يغرسها، فليغرسها فله بذلك أجر".
وهنا ندرك المنزلة الرفيعة التي خص بها النبي صلى الله عليه وسلم التخطيط؛ إذ يفهم من الحديث أن التخطيط للعمل واجب في أشق الظروف، بغض النظر عما إذا كان سيجني فائدة هذا العمل أم لا؛ فالمسلم الحق هو الذي ينجز العمل الذي استعد له من بدايته إلى نهايته طالما وسعه ذلك أي عمل مهما كان صغيرًا ومتواضعًا، لا يمكن أن يكتب له النجاح ما لم يكن منظمًا، وكثير من الطاقات قد تُهدَر وتضيع في غياب التنظيم.
أي عمل مهما بلغت درجة الحماس له لا يصل إلى نهايته إلا إذا قام على ركيزة من الفكر السليم والتقدير الصحيح، وإعداد الوسائل المناسبة للوصول إلى الغاية وعندها يستطيع العمل أن يصل إلى مداه.
ويعتبر التخطيط إحدى النعم والمميزات التي وهبها الله تعالى للبشر، وميَّز بها العقل البشري؛ بعض الدول تعتبره علمًا مبتكرًا لم يعرف إلا في عصرنا هذا؛ وهذا غير صحيح فقد جاء القرآن الكريم منذ قرون مضت داعيًا إليه، وضرب لنا أمثلة على ذلك؛ نجد هذا في التخطيط المحكم الذي أنقذ أمة في سورة سيدنا يوسف؛ وكذلك في سورة الكهف نجد ذي القرنين كيف أنه بدقة تخطيطه حول أمة كانت لا تفقه قولًا إلى أمة عاملة تبني سدًّا، وحثنا الرسول على التفكير العقلي المنطقي المسبق قبل الإقدام على العمل، وهو الدعامة التي يقوم عليها أي عمل جديد يحتاج إلى تخطيط مسبق ومنسق، وخطة محكمة بعد التوكل على الله سبحانه وتعالى؛ لقوله: (اعقلها وتوكَّل), على العاقل أن يتخذ الأسباب ثم يتوكل على الله وقد قال عمر بن الخطاب: "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا".
ونأمُل من الله أن يكون تخطيطنا جميعًا سليمًا؛ سواء في حياتنا الأسرية، أو غيرها.
إن المسلم يخطط تخطيطًا بعيدًا يتجاوز الحياة الدنيا بالتخطيط لآخرته ومصيره بعد موته، فيتعلم لأجل ذلك التخطيط لحياته الدنيا؛ ليكتمل النظام في جميع جوانب حياته، والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لأن تدع أولادك أغنياءَ، خير لك من أن تدعهم عالة يتكففون أيدي الناس)، وقوله عليه الصلاة والسلام في ضرورة التخطيط: (خذ من شبابك لهرمك، ومن صحتك لمرضك، ومن غناك لفقرك).
فالمسلم يخطط لاستمرارية الحسنات بعد الموت، ويخطط للنجاة يوم القيامة، ويخطط للحفاظ على ما اكتسب من الحسنات.
إن ديننا الإسلامي جاء بتشريعات وعبادات تعيننا على التخطيط لأنشطتنا، وحفظ أوقاتنا، فعلى سبيل المثال أوقات الصلوات الخمس تقسم لنا اليوم والليلة تقسيمًا يتلاءم مع حياة البشر وأعمالهم، فصلاة الفجر وصلاة المغرب تفصلان النهار عن الليل، وصلاة الظهر والعصر تعطينا تجزيئًا للنهار - (أوله، وسطه، آخره) - وصلاة العشاء تقسم بين أول الليل وبقيته، وإذا جئنا نتأمل في أوسع الأوقات بين صلاتين، وجدنا ما بين الفجر والظهر، وهو وقت للإنتاج والعمل، وكذلك ما بين العشاء والفجر، وهو الراحة والنوم.
تعريف التخطيط:
أمَّا مفهوم التخطيط في الإدارة الإسلامية، فيعرفه الدكتور فرناس عبدالباسط بأنه: "أسلوب عمل جماعي، يأخذ بالأسبابِ لمواجهة توقعات مستقبلية، أو يعتمد على منهج فكري عقدي يؤمن بالقدر ويتوكل على الله، ويسعى لتحقيق هدفٍ شرعي، هو عبادة الله وتعمير الكون"، ويرى الدكتور حزام المطيري أنَّ هذا التعريف يلغي الدورَ الفردي في التخطيط؛ لهذا يورد تعريفًا آخر أكثر شمولية، فيقول: إنَّ التخطيط الإسلامي هو "التفكير والتدبر بشكل فردي وجماعي في أداء عمل مستقبلي مشروع، مع ربط ذلك بمشيئة الله تعالى، ثم بذل الأسباب المشروعة في تَحقيقه، مع كامل التوكل والإيمان بالغيب فيما قضى الله وقدره على النتائج "عُرِّف التخطيط الإسلامي بعِدة تعاريف، إلا أن كلها تدور حول: "إعمال الفكر في رسم أهداف مشروعة، مع تحديد الوسائل المتاحة وفق الموارد المتاحة شرعًا، وبذل الطاقات في استثمارها؛ لتحقيق الأهداف في أقل وقتٍ ممكن، مع تعليق النتائج بقضاء الله وقدره".
معنى التخطيط في الإسلام وقيل: إنه الاستخدام الأمثل للموارد والإمكانيات والظروف في تنمية الفرد المسلم في كل جوانبه؛ مما يجعله قادرًا على أداء دوره في عمارة الأرض، وهو عبادة الله تعالى.
يقول أحد الكتاب: "والمجتمع الإسلامي في جميع عصوره قد شهد صورًا كثيرة من التخطيط، ولم يكن ثمة خلاف بينه وبين التخطيط المعاصر، إلا في الوسائل وحجم الخطة، ولكنه في واقعه كان يشتمل على عناصر الإعداد والتنفيذ، ويدخل في كافة نشاطات الدولة السياسية والدينية، والاجتماعية والاقتصادية والحربية، بل ويتميز عن أي تخطيط آخر بأن السياسات العامة والمبادئ والأسس التي يقوم عليها في الدولة المسلمة هي من صُنع الله سبحانه وتعالى.
أهمية التخطيط:
للتخطيط أهمية بالغة؛ حيث إنه المنهج العلمي لسير العمل في ضوء خطوات متتابعة، وإن سوء التخطيط أو غياب التخطيط، يجعل الأمور تسير في عشوائية وارتجالية؛ مما يؤدي إلى سوء استغلال الأموال، وكذلك ضياع الجهود سُدًى.
ومن أهم فوائد التخطيط:
• المساعدة على التأكد من الهدف الذي يراد تنفيذه ووضوحه.
• المساعدة على التعرف على مواطن الضَّعف والقوة؛ مثل: مستوى الكفاءات، صلاحية الأنظمة, جودة السلعة أو الخدمة مستوى التسويق, كمية الإنتاج.
• تقريب الخيال إلى شبه واقع؛ مما يساعد على حسن اختيار البديل الأكثر مناسبة لتنفيذ الهدف.
• توضيح مراحل العمل وخطوات التنفيذ.
• يستطيع المدراء من خلاله إدراك المزايا التي يمكن الحصول عليها بعد عملية تنفيذ المشروع.
• معرفة المطلوب من المال والأيدي العاملة والمواد ومدة التنفيذ.
التخطيط وتأثيره في حياتنا:
التخطيط هو خير مُعين للنجاح والوصول إلى تحقيق الأهداف، فليس تحديد الهدف هو أهم ما في الأمر، بل الأهم هو خطة للسعي وراء تحقيقه والالتزام بهذه الخطة، والتخطيط هو أساس النجاح، فإذا فشِلت في التخطيط، فقد خطَّطت للفشل.
يقول براين تريسي "كل دقيقة تقضيها في التخطيط توفر لك 10 دقائق في التنفيذ، وهذا يعطيك 1000% من العائد المستثمر من بذل الطاقة ".
فالتخطيط يؤهلك لاستغلال أي مورد في حياتك الاستغلال الأمثل، واستخراج أقصى طاقة منه، كما يجعلك تستغل وقتك الاستغلال الأمثل.
المجتمعات المتقدمة، والدول المتحضرة، ترسم سياستها المستقبلية في التعليم والصحة والعمران وسائر المجالات، على أساس نسبة النمو السكاني، فإذا كانت نسبة النمو مثلًا 2 في المائة أو أقل أو أكثر، فإن ذلك يعني التخطيط لإعداد مدارس تستوعب هذه الزيادة بعد سنوات، وكذلك تهيئة التعليم الجامعي، والخدمات الصحية، وفرص العمل، وحتى تخطيط الشوارع والمدن، وكذلك فإن العوائل المتحضرة المهتمة بمستقبل أبنائها، تضع الخطط والبرامج لضمان نجاح الأبناء وتقدمهم، منذ الأيام الأولى لولادتهم وقدومهم للحياة، هناك إحصائية تقول: إن 80 % مما نقوم به من العمل المثمر إنما ينتج حقيقة من 20% من الوقت المصروف، بمعنى أننا إذا أردنا أن ننجز عملًا يستغرق 10 دقائق نصرف في إنجازه ساعة كاملة! وذلك نتيجة لسوء التخطيط أو عدمه!
حقًّا إنها كارثة!
ورحم الله أمير الشعراء حين قال:
دقات قلب المرء قائلة له:
إن الحياة دقائق وثوانِ
إن غياب التخطيط - سواءً على مستوى الأفراد، أو الجماعات - يؤدي إلى عدم وضوح الأهداف، والخلط في تحديد الأولويات، وفِقدان تحديد الوجهة غياب التخطيط السليم، يعني ضَعف التقويم والمحاسبة، وتطوير المنجزات!
إننا بحاجة أن ننتقل من مرحلة (عمل ما في الإمكان) إلى مرحلة (عمل ما يجب أن يكون)!!
إن أُمتنا بأمَسِّ الحاجة إلى التخطيط الدقيق، الذي يبني مجدها، ويقيها - بإذن الله - مصارع السوء، وكل تخطيط لا يبنى على فَهمٍ عميق لمجريات الأحداث، وتصور متكامل للواقع من جميع جوانبه، سيدخله خلل إن لم ينقلب تخبطًا لا تخطيطًا.
أهم عناصر التخطيط من المنظور الإسلامي النبوي:
1- تحديد الأهداف: في قوله عز وجل: ﴿ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الملك: 22].
2- تحديد الأولويات: ويتجلَّى ذلك في دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث بدأ بأهله قبل غيرهم: ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ﴾ [الشعراء: 214].
ويتَّضح من خلال وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بن جبل - رضي الله عنه - عندما بعثه إلى اليمن فبدأ بالأهم فالأهم: (التوحيد - الصلاة - الزكاة).
3- استثمار جميع الموارد المتاحة: يتضح في قوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ [الملك: 15].
4- بذل الأسباب والوسائل المشروعة: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾ [الأنفال: 60].
"المؤمن القوي خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خيرٌ، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تَعجِز".
5- تعليق النتائج بمشيئة الله تعالى: وذلك بعد تفريغ الجهد في الأخذ بالأسباب والتوكل على الله تعالى: ﴿ وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ﴾ [الكهف: 23 - 24].
6- التوفيق الإلهي: (وإن أصابك شيءٌ، فلا تقل: لو أني فعلت كذا كان كذا، ولكن قُل: قدر الله وما شاء فعل، فإن "لو" تفتح عمل الشيطان)؛ مما يدعو إلى التفاؤل والمثابرة والانطلاق بجد وعزيمة لا تعرف اليأس والإحباط.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|