شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي - الصفحة 13 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4437 - عددالزوار : 871810 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3969 - عددالزوار : 403905 )           »          تفسير (الجامع لأحكام القرآن) الشيخ الفقيه الامام القرطبى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 309 - عددالزوار : 14163 )           »          ظاهرة التشكيك في الأحاديث الصحيحة!! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 58 )           »          الدعوة إلى الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 62 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 50 - عددالزوار : 2931 )           »          تجــديد الخطـــاب الدعــــوي في المرحلـة القادمـة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 160 )           »          أزمــــة النخـــــب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 55 )           »          من شبهات اليهود وأباطيلهم «أن المسلمين بنوا المسجد الأقصى مكان الهيكل الذي بناه الملك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 58 )           »          شبابنا والخروج من التيه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 54 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #121  
قديم 18-07-2021, 09:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,836
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(باب صلاة الجماعة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (117)

صـــــ(1) إلى صــ(17)

شرح زاد المستقنع - باب صلاة الجماعة [3]

أحكام صلاة الجماعة كثيرة ومتنوعة، ينبغي على المسلم أن يعلمها ويلم بها،
ومنها:
حكم القراءة للمأموم، سواء في الجهرية أم في السرية، وحكم متابعة المأموم لإمامه، ومشروعية التخفيف في صلاة الجماعة، وتطويل الركعة الأولى أكثر من الثانية،
ومنها:
حكم خروج المرأة إلى المسجد وغيرها من المسائل.
[تابع أحكام صلاة الجماعة]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيقول المصنف رحمه الله: [ولا قراءة على مأموم].
هذه المسألة فيها خلاف بين العلماء رحمة الله عليهم: - فمن أهل العلم من يرى وجوب قراءة الفاتحة على المصلي، سواء أكان منفردا أم كان في جماعة،
وذلك لظاهر قوله عليه الصلاة والسلام: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)،
وقوله عليه الصلاة والسلام:
(أيما صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج)، والقاعدة في الأصول أن (أي) من ألفاظ العموم؛ حيث لم يفرق بين المأموم والمنفرد.وذهبت طائفة من العلماء إلى سقوط الفاتحة وراء الإمام مطلقا في السرية والجهرية.وذهبت طائفة ثالثة إلى وجوبها في السرية على المأموم دون الجهرية؛ فإن الإمام يحملها عنه في الجهرية، كما درج على ذلك المصنف رحمه الله، وهي رواية عن الإمام أحمد رحمة الله عليه.
أما الذين قالوا بسقوطها عن المأموم وراء الإمام فيحتجون بحديث جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة)، كما هو مذهب الحنفية ومن وافقهم،
ويحتجون أيضا بما رواه أبو داود وأحمد في مسنده:
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن) قالوا: الضمين: هو الحميل الذي يضمن الشيء ويتحمله، فهو يحمل عن المأموم، وبناء على ذلك لا تلزم المأموم قراءة الفاتحة، فهذا مذهب من يرى الإسقاط، سواء في جهرية أم سرية.
وهناك من يرى التفصيل فيقول: إن كانت جهرية سقطت القراءة؛
لقوله سبحانه وتعالى:
{وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون} [الأعراف:204]،
وفي السرية يقرأ لحديث:
(أيما صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج)، الحديث،
وقوله عليه الصلاة والسلام:
(لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)، فعملوا بالنص في السرية، وأما في الجهرية،
فقالوا:
إنه مأمور بالإنصات، فيلزمه الإنصات ولا يقرأ.والذي يترجح -والعلم عند الله- القول بوجوبها مطلقا، سواء أكانت الصلاة سرية أم جهرية، في جماعة أم منفردا،
وذلك لما يلي:
أولا: لعموم قوله عليه الصلاة والسلام: (أيما صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج ... ) الحديث، ولم يفرق.
كما أن الصلاة في قوله:
(لا صلاة لمن لم يقرأ) نكرة في سياق النفي، والقاعدة أنها تفيد العموم.ثانيا: النص الصحيح الصريح القوي في هذا، وهو أنه لما صلى النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه فارتج عليه قال: (لعلكم تقرءون وراء إمامكم؟ قالوا: نعم.قال: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب)،
وقد قال بعض العلماء المتأخرين:
إن هذا الحديث منسوخ بحديث: (من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة)،
وهذا القول ضعيف من وجوه:
الوجه الأول: أن حديث: (من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة) ضعيف عند جماهير المحدثين، والضعف فيه من القوة بمكان.
الوجه الثاني: أنه لو قيل بتحسينه فهناك قاعدة في الأصول تقول: (إن النسخ لا يثبت بالاحتمال)؛ لأنا لا ندري أي الحديثين أسبق.
الوجه الثالث: أن متن هذا الحديث وهو: (من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة) لا يقوى على معارضة متن: (لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب)؛
فإن قوله:
(لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب) دل على أن هناك قراءتين: قراءة الفاتحة، وقراءة ما بعد الفاتحة التي هي السورة،
فقال:
(لا تفعلوا
-أي: في السورة- إلا بفاتحة الكتاب)
، فاستثناها،
وفي الحديث الآخر لم يقل: فكل قراءة الإمام له قراءة.
وإنما قال:
(فقراءة الإمام له قراءة)، والقراءة إنما تكون لما بعد الفاتحة، وتبقى الفاتحة على الأصل.وهذا أنسب الوجوه عند جمع من العلماء؛ لأنه يجمع بين النصين،
ولذلك يقولون: لا يقوى التخصيص ولا المعارضة إلا إذا استويا دلالة وثبوتا،
فحديث:
(من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة) أضعف ثبوتا؛
لأن غاية ما قيل فيه:
إنه حسن لغيره، وحديث (أيما صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج) وحديث: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)، وكذلك حديث: (لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب) أقوى صحة من هذا الحديث، فهذا من جهة السند.أما من جهة المتن فعمومات صريحة، حتى إن بعض العلماء يرى أن النص العام قطعي الدلالة على أفراده ثم إن القاعدة في الأصول أن صورة السبب قطيعة الدخول في الحكم.وصورة السبب وردت في صلاة الفجر وهي جهرية،
وبناء على ذلك تعتبر الصلاة الجهرية قطعية الدخول في هذا الحكم:
(لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب)،
وحديث:
(من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة) متردد، فلا ندري أقراءة الفاتحة هي المرادة به أم قراءة ما بعد الفاتحة، فهو لا يقوى على المعارضة.وبناء على ذلك فالذي تطمئن إليه النفس القراءة،
ولذلك فقد روى البيهقي بسند صحيح في كتابه النفيس: (القراءة وراء الإمام) أن أبا هريرة سئل: متى أقرأ إذا عجل الإمام؟ قال: اقرأها في سكتات الإمام قال: فإن عجزت؟
قال: اقرأها وقول الله تعالى: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون} [الأعراف:204] عموم تستثنيى منه الصلاة؛ لأن القرآن إذا قرئ فالاستماع له واجب،
وقوله عليه الصلاة والسلام:
(أيما صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج) يدل على الوجوب واللزوم ويدل على أنه ركن من أركان الصلاة، كما هو قول من يقول باعتبار الفاتحة، فوجوب الفاتحة آكد من وجوب الاستماع.
وثانيا: أن الاستماع منفصل ووجوب الفاتحة متصل، والقاعدة أن الواجبات أو الفروض إذا تعارضت ينظر إلى جهاتها، فيقدم باختلاف الجهات، فلما كانت عين الفاتحة على المأموم متصلة به، والاستماع إلى غيره منفصل عنه قدم المتصل بوجوبها على المنفصل، ولذلك ترجح القول بالوجوب على العموم.
حكم قراءة المأموم الفاتحة خلف الإمام

[استحباب قراءة الفاتحة للمأموم أثناء سكوت الإمام أو إسراره]
قال رحمه الله: [وتستحب في إسرار إمامه وسكوته وإذا لم يسمعه لبعد لا لطرش]؛ لأنهم لا يرون وجوبها.
قوله:
[في إسراره] أي: في الصلاة السرية.
وقوله: [وسكوته] أي: في حال سكتات الإمام، فإذا أراد أن يقرأ الفاتحة فلا يقرأها في الصلاة الجهرية على مذهب من يرى أنها لا تقرأ في الصلاة الجهرية.وقوله: [وإذا لم يسمعه لبعد لا لطرش].كأن هذا المذهب قائم على كونه يسمع قراءة الإمام، ولذلك يعتبر الاستشهاد بالآية أضعف من الاستشهاد بالحديث الذي هو نص في موضع النزاع،
فقالوا: لما كان وجوب أو إسقاط الفاتحة مبنيا على سماع قراءة الإمام فإنه لو كان بعيدا لن يسمع؛ لأنه في القديم لم تكن هناك وسائل تعين على نقل الصوت مثل الأجهزة الموجودة الآن، فكان الصف قد يصل إلى مائتين أو ثلاثمائة أو أربعمائة أحيانا فلا يسمع الصوت، ولذلك اختلفوا فيما لو أن إنسانا أراد أن يصلي الفجر والصف طويل وليس هناك مكبر صوت، فإذا اقترب من الإمام يسمع القراءة سيكون في الصف الثاني أو الثالث، فهل الأفضل أن يكون في الصف الأول مع عدم سماع القراءة، أم يكون قريبا من الإمام مع تخلفه في الصف؟ فهذا مسألة خلافية في صلاة الفجر، فبعضهم يرى أن استماعه للقرآن وتأثره به لفضل القراءة في صلاة الفجر أفضل؛
لقوله تعالى:
{إن قرآن الفجر كان مشهودا} [الإسراء:78] فيستثنون صلاة الفجر.
وبناء على ذلك قالوا: إذا كان بعيدا لا يسمع الإمام لا لطرش
-والأطرش: هو ثقيل السمع- فمثل هذا يبقى على الأصل، أما من لا يسمع لبعد فيستحب له القراءة.
[دعاء الاستفتاح]
قال رحمه الله: [ويستفتح ويستعيذ فيما يجهر فيه إمامه].
قوله:
[ويستفتح] أي: يقرأ دعاء الاستفتاح.
وذلك لقوله عليه الصلاة والسلام: (إنما جعل الإمام ليؤتم به)،
قالوا:
فيسن أن يقرأ دعاء الاستفتاح ولذلك لما سأل أبو هريرة رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دعاء الاستفتاح علمه، ولم ينكر عليه ذلك،
ولم يقل:
هذا خاص بي.وهنا مسألة مهمة،
وهي أنه: إذا قلنا بمشروعية الاستفتاح وراء الإمام فلو جئت في صلاة الظهر أو العصر، أو أي صلاة والإمام قبل الركوع بقليل، بحيث يغلب على ظنك أنك لو قرأت الاستفتاح لم تستطع قراءة الفاتحة فحينئذ تترك الاستفتاح، وبمجرد تكبيرك تبدأ بقراءة الفاتحة؛ لأننا عهدنا من الشرع تقديم الواجب على ما هو دونه،
كما في الحديث:
(إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة)، فعلمنا أن الشرع يقدم الأهم على المهم، وبناء على ذلك فإنه يقدم قراءة الفاتحة ويشتغل بها،
قال بعض العلماء:
لو كبر وقرأ الاستفتاح وركع الإمام ولم يقرأ الفاتحة ولم يتمكن منها لم تجزه الركعة، وعليه قضاؤها؛ لأنه حينما أدرك القدر الذي تقرأ فيه الفاتحة فوجبت عليه قراءتها، وهذا إذا أدرك وقتا يغلب على ظنه أنه لو قرأ الاستفتاح وراء الإمام فاتته الركعة، فتسقط عنه من هذا الوجه.
فإذا كان الأصل في إسقاط القراءة عن المأموم الاستماع في الجهريات أو غير الجهريات بناء على أن الإمام يتحمل قالوا:
يبقى دعاء الاستفتاح على ما هو عليه، ويبقى التعوذ، فيستفتح ويستعيذ بالله عز وجل من الشيطان، ثم يبقى ساكتا منصتا لقراءة الإمام إذا كان يقرأ، أو ينتظر تكبير الإمام، وإذا قرأ على الاستحباب فلا حرج عليه، لا على الحتم والإيجاب.
[سبق الإمام بالركوع أو السجود]
قال رحمه الله:
[ومن ركع أو سجد قبل إمامه فعليه أن يرجع ليأتي به بعده].ذلك لأن الله عز وجل أوجب على المأموم متابعة الإمام، ويحرم على المأموم أن يسابق إمامه، ويكره له أن يوافقه،
قال صلى الله عليه وسلم:
(إنما جعل الإمام ليؤتم به ... ) الحديث.
أي:
إنما شرع الله الإمام من أجل أن يؤتم به،
فقوله:
(ليؤتم به) بمثابة التعليل،
كقوله:
(إنما فعلت هذا لتأتموا بي)، فاللام تعليلية،
أي:
إنما شرع الله الإمامة في الصلاة لكي يكون الإمام بمثابة القدوة لمن بعده، فيوقع فعله بعد فعله، ولا يوقعه قبله.
وقال أئمة اللغة:
الإمام: مأخوذ من الأمام والأمام هو الخط الذي يخط في أول الباب عند البناء؛ لأنه يعول عليه ويبنى عليه، فصلاة المأموم لما كانت واقعة وراء الإمام كأنها بنيت على صلاة إمامه، ولذلك لا يجوز للمأموم أن يسبق الإمام، فإن سبقه أعاد.
قال رحمه الله: [فإن لم يفعل عمدا بطلت].
أي:
إن سبقه في ركن فركع قبله، ولم يرجع لكي يتابع الإمام ويكبر ويركع بعده بطلت صلاته، وحينئذ يلزمه أن يستأنف الصلاة، لكن لو أنه ركع قبل الإمام ولم يشعر، إما لغلبة هم أو حزن عليه، أو فرح، أو انشغال ذهن، فلم يشعر إلا وقد كبر وركع،
فلم يفاجأ إلا والإمام قال:
(الله أكبر) وركع، فقالوا في هذه الحالة يرجع ويكبر وراء الإمام ويدركه في الركوع، وهكذا الحال لو شعر قبل أن يكبر الإمام.فإنه يرجع مباشرة إلى حالته مع الإمام، ولا يبقى على حالة السبق والتقدم؛ لأن ذلك مما نهى الله عز وجل عنه.
ومن الأدلة التي تدل على عظم هذا الأمر قوله عليه الصلاة والسلام: (أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار)، والقاعدة في الأصول أنه إذا ورد الوعيد بعقوبة دينية أو دنيوية أو أخروية فإن هذا مشعر بالإثم وبكون الفعل ذنبا وهذا من دلائل المنهيات وأنها تدل على التحريم، ويعتبر العلماء رحمة الله عليهم سبق الأئمة بالأركان كبيرة من الكبائر؛ لورود الوعيد على من سبق الإمام، واختص الرفع من الركوع لكثرة البلوى به؛ لأن الانحناء في الركوع غالبا ما يكون فيه مشقة، فالركوع ليس كالسجود، ولذلك يعجل الناس في مثله لقربهم من الاعتدال، ولخفته عليهم، فخص الركوع بهذا،
فلذلك يقولون:
لا فرق بين ركن الركوع وغيره من سائر الأركان، فالشرع قصد أن يرتبط المأموم بإمامه، وكونه يورد هذا الوعيد على هذا الفعل يدلنا على أنه كبيرة من كبائر الذنوب، ولذلك عده جمع من الأئمة والعلماء -منهم صاحب الزواجر- أنه من كبائر الذنوب وهذا بناء على ثبوت ضابط الكبيرة فيه.
قال رحمه الله: [وإن ركع ورفع قبل ركوع إمامه عالما عمدا بطلت].
أي: بطلت صلاته، سواء أتم الركعة ورفع قبله أم ركع عامدا ولم يرفع أو ينتظره حتى رفع، فكل ذلك يوجب بطلان صلاته بالعمد.
قال رحمه الله:
[وإن كان جاهلا أو ناسيا بطلت الركعة فقط].يعذر بالجهل -عند من يقول بالعذر بالجهل- أن يكون جاهلا بالاقتداء، وبعد ذلك رأى الناس يتابعون الإمام فرجع إلى المتابعة، فإنه في هذه الحالة يعذر عند من يقول بعذره، وهذا خاصة في الناس الذين هم حديثوا عهد بإسلام،
فمثلا شخص قيل له: صل مع الجماعة وعرف أنه يقرأ ثم يركع ثم يرفع، فجاء وسبق الإمام في الركوع، فرأى أن أصحابه لم يركعوا، فعلم أن الذي فعله خطأ، ثم رجع والتزم مع الإمام، فإن هذا يعتبر عذرا عند طائفة وجمع من أهل العلم رحمة الله عليهم.
وقوله:
[أو ناسيا].
أي:
أو ناسيا كونه مع الإمام، فيظن أنه لوحده، وهذا يحصل مع غلبة الفرح، أو غلبة الترح، أو الحزن، أو يكون منصرف الذهن -نسأل الله السلامة والعافية- فيسهو عند الانتهاء من القراءة، فلا يفاجأ إلا وهو راكع يظن أنه لوحده، ثم يتذكر أنه مع الإمام، فإنه يرجع ويتابع الإمام على الصورة التي ذكرنا.
قال رحمه الله: [وإن ركع ورفع قبل ركوعه، ثم سجد قبل رفعه بطلت إلا الجاهل والناسي].ومن فعل هذا يلزمه في هذه الحالة قضاء هذه الركعة بعد سلام الإمام، كأنه لم يدرك الإمام في هذه الركعة، فإن كان قد صلى مع الإمام أربع ركعات -كصلاة الظهر- فإنه يلغي هذه الركعة، ويصبح حاكما على نفسه بأنه مدرك لثلاث ركعات، كأنه سبق بركعة كاملة؛ لأنه إذا سبق الإمام في الأركان الثلاثة فقد سبقه في أغلب الركعة، فحينئذ تلغى هذه الركعة، ويلزمه قضاؤها كاملة.
قال رحمه الله: [ويصلي تلك الركعة قضاء].
أي:
بعد سلام الإمام يقوم ويأتي بهذه الركعة قضاء،
والفرق بين قولك:
إنه يتمها،
وقولك: يقضيها هو أنه إن قلت: يتمها ففي هذه الحالة -إذا كان في الظهر- يأتي بالفاتحة وحدها،
لكن إذا قلت: يقضيها وكان في الركعات الأول فإنه يأتي بالفاتحة والسورة؛ لأن القضاء يحكي الأداء، فكأنه لم يفته شيء مع الإمام، ويعتبر كأنه يؤديها حال قضائه على الصورة المعتبرة حال متابعته للإمام.
[مشروعية التخفيف بالمصلين]
قال رحمه الله:
[ويسن لإمام التخفيف مع الإتمام].من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم التخفيف، والتخفيف ضد التطويل، والمراد به الرفق بالناس؛ لأن شريعتنا شريعة رحمة ويسر،
قال صلى الله عليه وسلم:
(إنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين)،
وقال:
(أنا رحمة مهداة)،
وفي التنزيل قوله سبحانه وتعالى:
{وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} [الأنبياء:107]، وهذا يتضمن أن الشعائر والشرائع التي بعث بها صلوات الله وسلامه عليه فيها رحمة، وليس فيها عنت ولا عذاب، ولذلك ثبت من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن الأفضل والأكمل والأصل التخفيف من قبل الإمام؛
لقوله عليه الصلاة والسلام:
(إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف)، فهذا أمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويدل على أن السنة والأصل هو التخفيف على الناس؛ لأن التطويل عليهم ينفرهم من الصلاة مع الجماعة، وقد حدث هذا لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين هم أفضل الأمة، فقد أخبر رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يتأخر عن الصلاة بسبب تطويل إمامهم، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فوعظ موعظة -
قال الراوي: ما رأيت أشد منه في تلك الموعظة- وقال: (إن منكم منفرين)،
وقال لـ معاذ لما اشتكاه الرجل في تطويله لما صلى بالناس البقرة في العشاء قال:
(أتريد أن تكون يا معاذ فتانا)،
أي:
هل تريد فتنة الناس عن دين الله؟! وصرفهم عن دين الله! فالدين يسر والشريعة شريعة رحمة، فعندما يأتي الإمام ويطول على الناس، وإذا دخل المحراب لا يشعر بالضعيف ولا بكبير السن، ولا يشعر بالسقيم والمريض وذي الحاجة، فهذا يدل على غفلته وعدم فقهه بسنة نبيه صلوات الله وسلامه عليه، ولذلك ثبت في الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام من هديه أنه كان يطيل فما يمل من إطالته، ويخفف فما يخل في تخفيفه صلوات الله وسلامه عليه،
ولذلك قال أنس:
ما صليت وراء أحد أتم ولا أخف صلاة من رسول الله صلى الله عليه وسلم.ودخل في صلاة الفجر - وكان يقرأ من الستين إلى المائة آية، كما في الصحيح من حديث أبي برزة وجابر في صلاة الفجر-
فلما سمع بكاء صبي قرأ:
{إنا أعطيناك الكوثر} [الكوثر:1]،
فلما سلم قال:
(إني سمعت بكاء صبي فأشفقت على أمه)، وهكذا الحال إذا صلى الإمام بالناس ورأى أن الوقت وقت إزعاج، وأنهم في حالة من التعب والإعياء فليخفف عنهم، كأن يكونوا في سفر، ونزلوا بعد عناء السفر، فيجب على الإمام أن يخفف ويقرأ قراءة محببة إلى النفوس، وتكون إمامته بهم تدل على رحمته وشفقته، فهذا من خيرية الإمامة، ولذلك يرزق أمثال هؤلاء القبول وحب الناس والدعاء بظهر الغيب، وترى الناس يقبلون على مواعظهم، ويتأثرون بهم؛ لأنهم يحسون أنهم يريدون الخير ويتلمسون أحوال الناس، بل والغريب أن الإنسان إذا تعود التخفيف على الناس بدون أن يكون تخفيفا زائدا عن الحد، ثم أطال في بعض صلواته لتطبيق السنن في التطويل في بعض المناسبات فلن تجد أحدا يكرهه؛ لأنه يعلم أنه يحب الرحمة والتيسير، وأنه إنما فعل هذا على سبيل التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم فيحب السنة، لكن إذا ألف التطويل على الناس ولو جاء بسنة نفروا منه، وتجدهم لا يحبون ذلك منه، وأشد ما يكون هذا في الخطب؛ فإن الخطب إذا كانت طويلة جدا ومزعجة فإن الناس لا تتيسر لهم الاستفادة، وربما ينفرون، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقصر الخطبة، ولو جئت إلى بعض خطبه المأثورة عنه عليه الصلاة والسلام تجده لم يتجاوز الصفحة، ولو تتبعت المرويات في خطبة حجة الوداع التي بين فيها شرائع الإسلام وشعائره فإنها لا تتجاوز صفحة ونصف صفحة، وهكذا الأئمة وغيرهم كانوا على هذا الحال، فخير الكلام ما قل ودل، وكان آخذا بمجامع قلوب الناس موجبا لحبهم لهذا العلم الذي يكون في الخطب والمواعظ، نسأل الله العظيم أن يرزقنا الائتساء والاقتداء بنبيه صلى الله عليه وسلم.وقوله: [مع الإتمام]؛
لأن التخفيف على حالتين: الحالة الأولى: التخفيف مع التقصير.
الحالة الثانية: التخفيف مع الإتمام، كأن يقرأ فيهز بقراءته القلوب، فيعطي الحروف حقها من صفة لها ومستحقها، ويعرب كتاب الله ويفصله ويبينه، فيقرأ السور المناسبة، ثم إذا ركع سبح ثلاث تسبيحات تدل على طمأنينته، كذلك إذا رفع من الركوع قرأ هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الأذكار وحافظ عليها، وما تقوم به الأركان، فهذا كله من الكمال، فيخفف مع التمام والكمال؛
لحديث أنس: (ما صليت وراء أحد أتم ولا أخف صلاة من رسول الله صلى الله عليه وسلم).
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #122  
قديم 18-07-2021, 09:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,836
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(باب صلاة الجماعة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (118)

صـــــ(1) إلى صــ(17)

[تطويل الركعة الأولى على الثانية]
قال رحمه الله: [وتطويل الركعة الأولى أكثر من الثانية].من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم التخفيف،
وقال بعضهم:
الأصل التطويل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بالأعراف في صلاة المغرب، كما كان يقرأ المرسلات والطور صلوات الله وسلامه عليه.ولكن هذا محل نظر؛ فإن المفردات لا تدل على العموم، ولذلك ولو سلم أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل هذا فإن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم كانت قراءة مرتلة لا يشعر الناس معها بالملل ولا بالسآمة، وكان عليه الصلاة والسلام لا يمل في إطالته، ولو سلم هذا فإن له خصوصيات عليه الصلاة والسلام، ولذلك لما صلى معه الصحابي في الركعة الواحدة في قيام الليل قرأ البقرة والنساء والمائدة في ركعة واحدة، وهذا إنما يكون بقوة نفسه عليه الصلاة والسلام، أما كون الإنسان يأتي يريد أن يقرأ سورة الأعراف، ويحاول أن يتكلف في أحكام التجويد، أو يقرأ -مثلا- سورة المرسلات ويتكلف فيها، أو يقرأ فجر يوم الجمعة سورة السجدة والإنسان بالتجويد، ويحاول أن يتكلف ويتقعر ويترنم ويشق على العجزة وعلى المسلمين وكبار السن فهذا ليس من السنة، إنما السنة أن القراءة إذا كانت لجزء طويل فيرتل، والدليل على هذا واضح؛ إذ القراءة على مراتب معروفة، وهي التجويد والتدوير والترتيل والحدر،
كما قال الناظم:
إن القراءة على مراتب أربع قد فصلت للراغب ترتيلنا والحدر والتدوير كذلك التجويد يا فصيح فلو جاء يجود سورة الأعراف وقت المغرب فيخرج الوقت وما انتهى من الأعراف، ولذلك كان للنبي صلى الله عليه وسلم مناسبات في القراءة، فمن كانت عنده قدرة على القراءة بحيث يقرأ للناس في فجر يوم الجمعة ويرتل وتكون قراءته بالحدر الذي يعطي به أيضا للقرآن حقه من التأثر بالآيات فهذا شيء طيب، ولذلك تجد الناس يرتاحون إذا قرأ الإمام بالحدر وأعطى الآيات حقها من التأثر، هذا من أفضل ما يكون؛ لأنه لا يشق على الناس، ويطبق السنة، ويتأثر بكتاب الله، أما لو جاء يتكلف بالإتيان بأحكام التجويد، ويحاول أن يتقعر في الآيات ويبالغ فيها فهذا يشق على الناس كثيرا، ولذلك ينبغي أن نطبق السنة من جميع وجوهها، فعندنا سنة قراءة السجدة والإنسان في الجمعة -مثلا-
أو قراءة الأعراف في المغرب لكن عندنا قوله صلى الله عليه وسلم:
(إذا أم أحدكم الناس فليخفف)، وهذا أمر والأمر للوجوب، ويدل على اللزوم، خاصة وأن هناك مفاسد، فلذلك ينبغي الالتزام بمثل هذه السنة، فيفعل هذه السنن دون أن يؤدي إلى إحراج الناس أو الإضرار بهم.ومن السنة -ونبه عليه المصنف- تطويل الركعة الأولى وتقصير التي بعدها، فهذا من السنة، والتطويل للأولى والتقصير في الثانية من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.ولكن ينبغي أن ينبه على أمر، فإن العبرة بالآيات لا بعدد الآيات، فقد تكون السورة آياتها قليلة ولكن قراءتها تأخذ وقتا، ولربما تكون السورة كثيرة الآيات ولكنها سهلة تقرأ بسرعة، ويمكن للإنسان أن يقرأها في وقت أقل من التي هي أطول منها، فإذا نظرت إلى سورة الأعلى مع الغاشية فإنك تجد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بهما، فإنك إذا نظرت إلى سبح تجد في آياتها ما يحتاج إلى التأخر، ولكن الغاشية تجد فيها سهولة في الانسياب في الآيات، وهذا يختلف باختلاف الحروف ومخارجها كما هو معروف، وكذلك تجد -مثلا- سورة الليل إذا قرنتها بسورة الشمس، وقد تجد سورة أقل في الآيات ولكنها تحتاج إلى معالجة مثل العاديات، بحيث يطول وقتها أكثر،
فقال العلماء:
العبرة بالوقت والقدرة على الأداء، وليست العبرة بالقدر، فإن كان في قراءة الأولى مسترسلا بحيث يستطيع أن يقرأ القدر الأكثر فحينئذ يؤخر، وإذا كانت الثانية أقل فإنه يجعل القليل للثانية والكثير للأولى.ويجوز له أن يجمع في الوقت بين الأولى والثانية، فلو جعل وقت الأولى والثانية متناسبا فإنه لا حرج عليه؛
لأن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه قرأ:
{إذا زلزلت الأرض زلزالها} [الزلزلة:1] في الركعة الأولى،
وقرأ في الركعة الثانية:
{إذا زلزلت الأرض زلزالها} [الزلزلة:1]،
فأخذ العلماء منه دليلا على مسألتين:
المسألة الأولى: جواز تكرار السورة في الركعتين.
المسألة الثانية: جواز العدل بين الركعتين، بحيث تكون الأولى والثانية بقدر واحد،
وبناء على ذلك قالوا:
لو كانت السورة ثلاثين آية فإنه يقرأ في الركعة الأولى خمس عشرة آية، وفي الركعة الثانية خمس عشرة آية.فبناء على ذلك يكون قد عدل بين الركعتين، ولو جعل للركعة الأولى عشرين آية وللثانية عشر آيات فحسن، ولا حرج عليه، والأمر واسع في هذا كله.ومن السنة أيضا أن يطيل الأوليين ويخفف الأخريين؛
فإن سعدا رضي الله عنه وأرضاه الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم:
(ارم فداك أبي وأمي)، وكان من المبشرين بالجنة، اشتكاه أهل الكوفة إلى عمر،
حتى قالوا:
إنه لا يحسن كيف يصلي وهذا يدل على أن الإنسان لا يسلم من الناس، فلما جيء إلى عمر وبلغت الشكوى، أمر محمد بن مسلمة أن يأتي به إلى المدينة، فجاء إلى المدينة،
فقال له:
لقد قالوا: إنك لا تحسن أن تصلي.
قال: والله ما كنت آلوا أن أصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أطيل في الأوليين، وأركض في الأخريين.فدل على أن هدي النبي صلى الله عليه وسلم تطويل الركعتين الأوليين وتخفيف الركعتين الأخريين.
قالوا:
لأنه كان يقرأ فيهما بالفاتحة وحدها، كما في حديث ابن عباس،
وكان أحيانا ربما قرأ بالفاتحة وسورتي:
(قل يا أيها الكافرون) و: (قل هو الله أحد)، كما كان يفعل ذلك في صلاة الظهر، وثبت وصح عنه ذلك.
قال رحمه الله:
[ويستحب انتظار داخل ما لم يشق على مأموم].هذه المسألة اختلف فيها العلماء، فإذا كنت راكعا وأنت إمام فسمعت الداخل فهل تنتظر هؤلاء الداخلين أو لا تنتظر؟
فللعلماء أقوال في هذه المسألة أشهرها قولان:
القول الأول: ينتظر؛ لأنه من التعاون على البر والتقوى واستدلوا بالعمومات التي فيها الرفق والتيسير،
وقال عليه الصلاة والسلام:
(اللهم من ولي من أمور المسلمين شيئا فرفق بهم فارفق به).
قالوا:
فهذا من الرفق.
القول الثاني: لا ينتظر؛ لأنه أطال الصلاة من أجل الداخل لا لله جل وعلا.
وبناء على ذلك قالوا:
لا يشرع هذا.ولأنه يفتح باب المحاباة، ويعين على التكاسل عن الصلاة.إلى غير ما ذكروا من العلل.والذي يظهر أنه لا حرج أن يطيل قليلا إذا رأى أكثر الناس يأتون، فيزيد في القراءة لا في الركوع؛ لأن هدي النبي صلى الله عليه وسلم -كما في صلاة الظهر-
أنه:
(كان يصلي حتى لا يسمع قرع النعال)، فدل على أنه كان يراعي حال الناس، فيكون التطويل في القراءة، فإذا ركع بعد تطويله في القراءة فالأفضل إذا كان لا يوجد مشقة على الناس وأحب أن ينتظر ولا حرج، وإن وجدت مشقة فإنه لا ينتظر.
[حكم خروج المرأة إلى المسجد]
قال رحمه الله: [وإذا استأذنت المرأة إلى المسجد كره منعها، وبيتها خير لها].الاستئذان استفعال من الإذن، والإذن: هو السماح بالشيء،
يقال:
أذن له إذا أحل له الشيء وسمح له به، واستأذنت،
أي:
طلبت الإذن.فالحل للمرأة أن يسمح لها زوجها بالخروج،
وهذا فيه دليل وهو حديث ابن عمر في الصحيح:
(إذا استأذنت أحدكم امرأته المسجد فلا يمنعها)،
وقال:
(لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)،
وفيه دليل على مسائل:
المسألة الأولى: أنه لا يجوز للمرأة أن تخرج من بيتها إلا بإذن زوجها؛ لأنها إذا كانت وهي خارجة إلى الصلاة تستأذن فمن باب أولى إذا خرجت لأمور الدنيا، وهذا أمر يقصر فيه كثير من النساء، فلا يجوز للمرأة أن تخرج من بيتها إلا بإذن زوجها، وينبغي على المرأة أن تسمع وتطيع،
فلو قال لها زوجها:
لا تخرجي فلا تخرج، ولا تراجع ولا تحاول؛ لأن الزوج ربما كانت عنده أعذار، لا يستطيع أن يبينها،
كما قال الإمام مالك رحمه الله:
ليس كل الناس يستطيع أن يبين عذره.وقد تكون عنده حمية أو يريد لها الخير،
كما قالت فاطمة رضي الله عنه:
خير للمرأة أن لا ترى الرجال ولا يراها الرجال.
المسألة الثانية: من سماحة الشرع أنه جعل الأمر للزوج،
ولكن قال:
(لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)،
فإذا قالت له:
أريد أن أصلي، أو أريد أن أشهد التراويح أو التهجد فإنه يعينها على الخير، وينبغي للزوج أن يكون حكيما؛
لأن الشيطان ربما دخل عليها وقال لها:
هذا يمنعك من الخير،
فيزين لها أن زوجها أحد رجلين:
الأول: أنه إنسان يشك فيها والعياذ بالله؛ لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم،
يقول العلماء:
إنه يدخل الشك والوساوس على المرأة والمرأة ضعيفه،
فإذا منعها من الخير قالت: الصلاة لا أحد يمنع منها، فليس هناك سبب إلا الشك فيدخلها الشيطان من هذا الباب،
فكان من حكم الشرع: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله).
الثاني:
أنه إذا ضعيف الإيمان؛ لأنه لو كان قوي الإيمان لأحب لها الخير كما يحبه لنفسه، ولذلك منع الشرع من منعهن،
ولما قال بلال بن عبد الله بن عمر:
والله لنمنعهن أقبل عليه ابن عمر فسبه سبا سيئا،
قال الراوي:
ما سمعته سبه مثله قط،
قال:
أقول لك: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: والله لنمنعهن.
أي: تجرأ على السنة! فهذا يدل على أن المسلم ملزم باتباع السنة.ولكن يجوز للزوج أن يمنعها إذا علم أو غلب على ظنه الوقوع في الفتنة والمحظور، كأن يغلب على ظنه وجود الفساق والفجار، وأنها قد تتعرض لما لا يحمد عقباه، فمن حقه أن يمنعها؛ لأن الله لم يجعل الأمر بيده إلا لكي يتقي الله عز وجل، ومن تقوى الله سبحانه وتعالى منعها عند وقوع الفتن، ولذلك أثر عن عمر رضي الله عنه أنه ضرب عجيزة امرأته لما خرجت إلى الصلاة،
وقال:
إن الناس قد تغيروا، فأصرت عليه أن تخرج فتركها، فلما كانت الليلة الثالثة ضرب عجيزتها،
أي:
ضربها على عجيزتها وهي مارة، وكانت النساء على حياء وخجل، وكانوا يعرفون أن المرأة الحرة،
فيقولون:
لو ضربت بالسوط على ظهرها لم تلتفت من كمال عفتها وحيائها.
حتى إن العلماء لما تكلموا على توبة الزانية من الزنا قالوا: توبتها أن تترك ماشية، ثم يصاح وراء ظهرها، فإن التفتت فما زالت في ضعف العفة؛ لأن من كمال عفة المرأة الحية أنها لا تلتفت ولا تنظر إلا في أرضها، وقد يبلغ بها أن تتعثر وتسقط، ولكن سقوط الجسم أهون من سقوط الهوى والردى، ولذلك كن بهذه المثابة.وإذا أذن لها فعليها أن تخرج تفلة، بمعنى أنها لا تخرج متعطرة ولا متبرجة، وإلا منعها وأخذ على يدها، فإن لم يفعل فهو آثم، وبناء على ذلك فمن حقه أن يمنعها في مثل هذه الأحوال، وكذلك الحال إذا كان طريقها غير آمن، فإنها قد تكون صالحة ولكن غيرها غير صالح، فيشرع للزوج أن يحبسها.
وقوله:
[وبيتها خير لها] لنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلاتها في مخدعها خير لها من صلاتها في بيتها، وصلاتها في بيتها خير لها من صلاتها في مسجد حيها، وصلاتها في مسجد حيها خير لها من صلاة المسجد الجامع)، وهذا مبالغة في ستر المرأة.
الأسئلة
التطويل في الركعتين الأوليين ليس خاصا بالقراءة فقط
q هل التطويل في الركعتين الأوليين مختص بالقراءة فقط كأم هو عام في سائر الأركان كالركوع والسجود؟

a المحفوظ من هديه -بأبي هو وأمي صلوات الله وسلامه عليه- أن قراءته وركوعه وسجوده ورفعه من السجود كل ذلك كان قريبا من المساواة، وهذا هو هديه صلوات الله وسلامه عليه، ولذلك وصفت صلاته بالتمام، فإذا فعل الإنسان هذا ووسعه ذلك فإنه يفعل، لكن إذا كان فيه مشقة على الناس فإنه يقتصر على حد الإجزاء، ففي التسبيح يقتصر على ثلاث، وكذلك أيضا في الرفع من الركوع يقرأ الدعاء المأثور: (ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد) إلى آخره، ويجعل صلاته موزونة حتى يدرك السنة بصورتها إن لم يدرك حقيقتها، فإنه يدرك فضل صورة السنة، فيكون مدركا للسنة من وجه؛ لأن الله لا يضيع عمل العامل، فهذا من إدراك جزء السنن كما يقرره جمع من الأصوليين رحمة الله عليهم.والله تعالى أعلم.
[دعاء الاستفتاح لمن دخل والإمام يقرأ الفاتحة]
Qمن أدرك الإمام وهو يقرأ الفاتحة فهل ينصت، أم يقرأ دعاء الاستفتاح؟

a إذا أدركت الإمام وهو يقرأ الفاتحة تنصت، ويسقط دعاء الاستفتاح لفوات المحل والانشغال بالواجب؛ فإن مرتبة دعاء الاستفتاح دون مرتبة وجوب الإنصات، وبناء على ذلك يسقط دعاء الاستفتاح لمكان المتابعة، ولوجود قراءة، ويشتغل الإنسان بالاستماع على ظاهر النص.والله تعالى أعلم.

[حكم صلاة الراتبة بعد السلام من الفريضة]

q ما حكم صلاة الراتبة بعد السلام من المكتوبة مباشرة؟

a هذا فيه حديث في يوم الجمعة، حيث ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن يصل الصلاتين ببعضهما حتى يتكلم أو ينصرف على الأقل من مكانه، لا أن تقوم مباشرة بعد سلامه من صلاة الجمعة، فهذا هذا منهي عنه في حديث معاوية رضي الله عنه وأرضاه.فالسنة أن يأتي بالأذكار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك يتسنن ويتنفل بما شاء، وكان من هديه عليه الصلاة والسلام الاستغفار وقول: (اللهم أنت السلام ... ) إلى آخره، وكذلك أيضا: (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) كما في حديث معاذ، ثم يشرع في الأذكار والمعقبات التي لا يخيب قائلهن، ثم إذا انتهى من المعقبات وقال تمامهن: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على شيء قدير، بعد ذلك يقول: اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت.ثم بعد هذا يتسنن إذا أحب ذلك، والأفضل أن يؤخر السنة إلى بيته.وقال بعض الحفية: إنه يصل الصلاة بالصلاة.ولهم في هذا حديث ضعيف: (صلاتان لا لغو بينهما)، والحديث ضعيف، لكن لو صح فإنه يجاب عنه بأن قوله: (صلاتان) المراد به صلاة فريضة وفريضة، كصلاة الظهر والعصر، وقوله: (لغو بينهما) أي: لا يغتاب الناس، ولا يقول النميمة، ولا يسب، ولا يشتم، ولا يفعل الحرام؛ لأنها موجبة للرحمة وللخير، فيشمل الفريضة مع الفريضة، وهذا يدل على أن صلاته الأولى مقبولة؛ لأن الرجل إذا كان يصلي الصلاة ويتبعها بالصلاة الثانية لا ذنب بينهما فإن هذا -كما يقول جمع من العلماء- من علامات القبول، وأن صلاته تنهاه عن الفحشاء والمنكر، وهذا بأفضل المنازل عند الله سبحانه وتعالى، فمن أفضل المنازل أن يصل إلى درجة أن تكون صلاته تنهاه عن الفحشاء والمنكر، ومن دلائل ذلك أن تجده يصلي الصلاة ويعقبها بالصلاة لا لغو بينهما، فهذا يدل على أنه بخير المنازل، وأن صلاته نهته عن الفحشاء والمنكر، نسأل الله العظيم أن يبلغنا هذه المنزلة، وأن يجعلنا من أهلها بمنه وكرمه.والله تعالى أعلم.
[قراءة آيات معينة في صلاة العشاء]
q هل ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءة سور أو آيات معينة في صلاة العشاء؟

a نعم ورد عنه.وأخذوا من قول النبي صلى الله عليه وسلم لـ معاذ: (هلا قرأت بهم بـ: (سبح اسم ربك الأعلى)، و (والليل إذا يغشى)، و (والشمس وضحاها)) على الروايات التي وردت، ولذلك يقولون في هذه السور: هذا هو الذي يقرأ في صلاة العشاء؛ لأن الشكوى كانت من معاذ في صلاة العشاء، وأمره أن يقرأ هذه السور في صلاة العشاء، فدل على أنها السنة، وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم: (والتين والزيتون) كما جاء من حديث البراء رضي الله عنه وأرضاه، فالأمر في هذا واسع، والناس يختلفون، فقد يصلي الإنسان العشاء مع جمع لكن على حرج ومشقة، وقد يصلي بجمع على سعة وجلد، كشباب وراءهم عمل ولا شغل، ويكونون متهيئين للإطالة فيطيل بهم، فهذا من الأفضل.ومن أفضل ما تكون الصلاة إذا طولت القراءة فيها، فإن بعض العلماء يقول: إن قوله عليه الصلاة والسلام: (صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة) المراد به أن السبع والعشرين درجة للصلاة الجهرية؛ لأن فيها قراءة للقرآن وتأثر الناس به، وكلما كان استماع الإنسان مع التأثر وحضور القلب والخشوع وحب هذه الآيات المنزلة من الله سبحانه وتعالى وحبه للعمل بها والتأثر بها كلما كان أرفع درجة وأعظم حظا، ولذلك يرى بعض العلماء أن السبع والعشرين مختصة بالصلاة الجهرية، كصلاة الفجر وصلاة العشاء وصلاة المغرب كله لمكان القراءة.وعلى العموم فإن قراءة العشاء تكون على الوصف الذي ذكرناه، ولكن إذا كان هناك مجال للإطالة، كأن يكون الإنسان مع جمع ورفقة تحب الإطالة وترتاح لقراءته، ويرى أن هذا فيه خير لهم، فإنه يطيل، ونعم الإطالة أن يشتغل الإنسان بكتاب الله عز وجل، فلا يزال بخير ما وقف بين يدي الله عز وجل، نسأل الله العظيم أن يوفقنا لحسن الصلاة وكمالها.

حكم من أفطر رمضان جاهلا بوجوبه عليه

q امرأة لما بلغت كانت تجهل وجوب الصيام عليها، ولم تصم طيلة عامين، فماذا عليها، وهل تعذر بالجهل؟

a يجب عليها قضاء الشهرين، قضاء الشهر من السنة الأولى وقضاؤه من السنة الثانية، وفي هذا تفريط ولو ادعت الجهل، خاصة في هذه الأزمنة الذي أمكن فيها سؤال العلماء والرجوع إليهم.وكون المرأة تجلس هكذا لا تسأل ولا تراجع العلماء، وتبلغ ولا تبحث عن أحكام دينها ولا تسأل، ثم تقول: إنها جاهلة فمثل هذا الجاهل يلزم بعاقبة التقصير، ويقال له: تقضي ما فاتك.فليس هذا الجهل بعذر؛ لأنه يمكنها أن تسأل وقد قصرت، والواجب على من أسلم أن يعلم شعائر الإسلام، وأن يتفقه كما ندب الله عباده إليه، فقال سبحانه وتعالى: {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين} [التوبة:122]، فندبهم إلى هذا، قال العلماء: يتعين طلب العلم على من بلي بالعبادة والمعاملة، فمن أراد أن يصلي صار فرضا عليه أن يسأل عن أحكام الصلاة، ومن أراد أن يزكي صار فرضا عليه أن يسأل عن أحكام الزكاة.أما أن يجلس ويترك الزكاة السنة والسنتين والثلاث، ولا يسأل وهو يعلم أن هذا من دينه فإنه في هذه الحالة يلزم بعاقبة تقصيره، ويتحمل وزر ذلك.والله تعالى أعلم.

[ضابط الموالاة في الوضوء]
q ما هو ضابط الموالاة في الوضوء؟

Aالموالاة: وقوع الشيء وهو يلي الشيء الذي قبله.والضابط عند العلماء رحمة الله عليهم في الموالاة: أن تغسل يدك -مثلا- ثم بعد غسل اليد مسح الرأس، قالوا: يشترط في صحة مسح الرأس أن لا تنشف اليد، والتنشيف يختلف باختلاف الصيف والشتاء، فقالوا: ننظر للزمان المعتدل، فلو أن إنسانا توضأ وغسل كفيه فمضمض واستنشق، ثم غسل وجهه، ثم غسل يديه فانقطع الماء من الصنبور، أو انتهى الماء الذي معه فنزل من دور إلى دور يبحث عن الماء، أو ذهب يبحث عن الماء، أو ذهب إلى مكان آخر فيه ماء، والمسافة التي بين المكان الأول للذي يتوضأ فيه والمكان الثاني الذي يوجد فيه الماء يسيرة جدا بحيث تبقى نداوة العضو، ويبقى أثر الماء عليه، فحينئذ شرط الموالاة لم يذهب، ويصح منه أن يبتدئ من الموضع الذي انتهى إليه فيغسل ما بعده.وبناء على ذلك يكون شرط الموالاة أن لا ينشف العضو في الزمان الواحد، لكن لو فرض أنه في شدة البرد ينشف بسرعة، وفي شدة الحر يكون فيه شيء من الرطوبة والنداوة للجسم، خاصة إذا لم ينشف، فيتأخر في الصيف ويبادر في الشتاء، قالوا: في هذه الحالة ننظر إلى الزمان المعتدل، فمثلا: الزمان المعتدل دقيقتان إلى ثلاث دقائق فنقول: لو كان في شدة الصيف أو شدة الشتاء فالعبرة بثلاث دقائق، أو العبرة بالدقيقين.وهذا يرجع إلى غلبة ظن الإنسان، أما العضو فما زال الماء عليه.والله تعالى أعلم.
[عدم اشتراط الطهارة للأذان]
q هل تشترط الطهارة للأذان؟

a الطهارة للأذان لا تشترط، وبناء على ذلك يجوز للإنسان أن يذكر الله في الأذان ولو لم يكن متوضئا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن وهو على غير وضوء، فمن باب أولى الأذان الذي هو دون القرآن؛ لأن القرآن أفضل، وقد جاء في الأثر: (فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه)، كما في الصحيح، فإذا كان القرآن الذي هو أفضل الأذكار وأشرفها وأعظمها لا تشترط له الطهارة لتلاوته فمن باب أولى الأذان الذي هو دون ذلك، وبناء على هذا يصح الأذان من المحدث، ولكن ليس الإشكال هنا، فالإشكال أنه إذا دخل المسجد وأذن سيضطر إلى الخروج بعد الأذان، وهذا أمر منكر يقع حتى من بعض طلاب العلم؛ فإن الإنسان إذا سمع الأذان وهو في المسجد لا يخرج ولو إلى مسجد أفضل من المسجد الذي هو فيه، بل يجب عليه أن يبقى في المسجد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الخروج بعد الأذان، حتى إن ابن مسعود رضي الله عنه لما رأى رجلا خرج بعد الأذان قال: أما هذا فقد عصى الله ورسوله فلا يجوز الخروج بعد الأذان إلا لمن كان محدثا، قالوا: فهذا محدث، ويكون حدثه عالما به قبل الأذان، فكأنه يتعاطى أسباب التقصير، بخلاف من أحدث أو تذكر أنه محدث بعد الأذان، لكن إذا أحدث قالوا: يضع يده على فيه كما ورد في السنة، ثم يخرج أما أن الإنسان يؤذن ثم يخرج من المسجد، خاصة ما يجعله بعض المؤذنين الآن -أصلحهم الله- من التساهل في مثل هذه الأمور، فتجده لا يحضر إلا عند الإقامة، فيؤذن ثم يخرج، وقد يخرج خارج المسجد، وقد يخرج إلى مصالح دنيوية، وهذا من بالغ الغفلة -نسأل الله السلامة والعافية- وبسبب تقصير كثير من الناس في تعظيم شعائر الله عز وجل بعد أن كان الأئمة والمؤذنون لا يفارقون المساجد، وترى الرجل منهم وتعرفه كحمامة المسجد، وإذا أردت أن تبحث عن إنسان منهم وتعلم أين هو فانظر إليه في المسجد، فلا يؤذن للصلاة إلا وجدته في الصفوف الأول حريصا عليه، أو قريبا من المسجد، لكن الآن قد تجده يؤذن ثم يخرج في صلاة الفجر ويجلس مع أصحابه أو أولاده، ثم لا يخرج إلا وقت الإقامة، كأنه أمر من أمور الدنيا، نسأل الله السلامة والعافية.فينبغي التناصح في مثل هذا، حتى لطلاب العلم الذين يخرجون بعد الأذان، ولو كانوا أئمة لا يخرجون، فإذا أرادوا أن يخرجوا فعليهم أن يخرجوا قبل الأذان.نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يوفقنا للسداد والرشاد، وأن يلهمنا لما فيه مرضاته، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #123  
قديم 15-08-2021, 11:25 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,836
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(باب صلاة الجماعة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (119)

صـــــ(1) إلى صــ(18)

شرح زاد المستقنع - فصل: الأولى بالإمامة [1]
مما يتعلق بصلاة الجماعة: أحكام الإمامة، ويقدم فيها الأقرأ للقرآن العالم فقه الصلاة، ثم الأكبر سنا، ثم الأقدم هجرة، ثم يقرع فمن خرجت قرعته تقدم، وهناك أئمة أحق من غيرهم؛ كصاحب البيت، وإمام المسجد الراتب.ويقدم الحر والحاضر والمقيم والبصير على غيره، ولا تصح الصلاة خلف الكافر، ولا خلف امرأة أو خنثى.
أحكام الإمامة
[تقديم أقرأ الناس للإمامة في الصلاة]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فيقول المصنف عليه رحمة الله: [فصل: الأولى بالإمامة الأقرأ العالم فقه صلاته] الإمامة منصب شريف ومقام عزيز منيف لا ينبغي لكل أحد أن يتصدر له، ولا ينبغي لكل أحد أن يكون فيه إلا إذا كان أهلا لهذا المقام، فحينئذ يجوز له أن يتقدم على الناس، وأن يتشرف بهذا المكان الذي يكون فيه مؤتمنا على صلاتهم، وإقامة هذه الشعيرة لهم، والناس تقتدي بالأئمة، فكلما كان الإمام على صلاح وتقوى لله عز وجل وعلم بالشريعة وفقه في الدين ومعرفة بهدي النبي صلى الله عليه وسلم كلما كان ذلك أدعى لحبه وحب الصلاة وراءه، والتأثر بقراءته ومواعظه وخطبه، الأمر الذي يكون له أحمد العواقب، وأحسن الثمرات، ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم الأمة أن تهيئ لهذا المقام من توفرت فيه شروط الأهلية، فقال صلى الله عليه وسلم -كما في حديث أبي مسعود في الصحيح-: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله).فأمرنا عليه الصلاة والسلام أن نقدم الأقرأ لكتاب الله عز وجل، والسبب في ذلك أن الغالب في الإنسان إذا شرفه الله وكمله وفضله بحفظ كتابه فالأصل فيه أن يكون من أهل كتاب الله العالمين به، العاملين بما فيه، ومثل هؤلاء أئمة يقتدى بهم إذا كان القرآن إماما لهم في القول والعمل والاعتقاد،
ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:
(يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله).فلما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لا يحفظ كتاب الله عز وجل إلا من علمه وعمل به كان ذلك أدعى لتقديم هؤلاء الخيرة البررة الذين هم صفوة الله عز وجل من الخلق، أعني العلماء بكتاب الله العاملين به.فالمصنف رحمه الله بعد أن بين لنا حكم صلاة الجماعة، والمسائل المتعلقة بمباحث صلاة الجماعة شرع في بيان من الذي يقدم للإمامة لكي يصلي بالناس جماعة،
فقال رحمه الله:
[الأولى بالإمامة الأقرأ] وفي هذه النسخة [العالم فقه صلاته]،
وفي غيرها الإطلاق:
[الأقرأ]، وهذه المسألة اختلف العلماء رحمهم الله فيها،
ولذلك لا بد من بيان المراد بقولهم:
(الأقرأ) ثم بعد ذلك نبين أقوالهم وأدلتهم، والراجح من الأقوال والأدلة.فلفظ (الأقرأ) اختلف العلماء رحمهم الله فيه على قولين: قال بعض العلماء: الأقرأ: هو الأكثر أخذا للقرآن، والمراد بذلك أن يكون حفظه أكثر من غيره، والسبب في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال ذلك فهم منه الصحابة هذا الفهم، كما في الحديث في الصحيح أن سالما مولى أبي حذيفة رضي الله عنهما كان يؤم المهاجرين والأنصار،
وذلك في المدينة قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم قال الراوي:
وكان أكثرهم قرآنا.
فقوله: كان أكثرهم قرآنا، أي: كان حفظه أكثر.وكذلك استدلوا بحديث عمرو بن سلمة،
ففي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فارقه قوم أبي سلمة قال لهم:
(وليؤمكم أكثركم قرآنا) قال: فرجعوا فنظروا فإذا أنا أكثرهم أخذا للقرآن، فقدموني.ووجه الدلالة أنه علق التقديم على كثرة الحفظ، فدل على أن المراد بالأقرأ الأكثر حفظا للقرآن، وعلى هذا يقدم حافظ القرآن كله على من حفظ ثلاثة أرباعه، ويقدم من حفظ ثلاثة أرباع القرآن على من حفظ النصف ولو كان أكثر ضبطا لأحكام التجويد والترتيل، فهذا هو الوجه الأول، فالعبرة عندهم بكثرة الحفظ، ولكن يلاحظ أنهم يرون مع كثرة الحفظ أن يكون ضابطا لما ينبغي أو يشترط لصحة التلاوة واعتبارها.
القول الثاني يقول: إن المراد بالأقرأ الأتقن في مخارج الحروف وضوابط القراءة، وهو المجود لكتاب الله عز وجل الذي يحسن ترتيله ويحسن تحبيره وتتأثر الناس بقراءته أكثر،
وهذا القول يعتمد على ظاهر اللفظ في قوله:
(يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله)؛ فإن اللغة العربية تدل على أن (الأقرأ) أفعل تفضيل، والمراد به أنه فضل على غيره بحسن التلاوة وحسن الأداء للقراءة،
فقالوا:
المهم عندنا أن يكون محبرا لكتاب الله عز وجل، وعلى هذا الوجه.فلو اجتمع حافظ للقرآن كله وحافظ لنصف القرآن، والذي يحفظ نصف القرآن أكثر ضبطا لأحكام القراءة، والناس تتأثر بقراءته أكثر،
ويحسن تحبيره وتجويده قالوا:
يقدم على من هو أكثر حفظا منه.والذي يظهر -والعلم عند الله- أن العبرة بكثرة الحفظ، وليس المراد التحبير وحسن النغمات والمبالغة في التجويد، وعلى هذا فلو اجتمع من هو أكثر حفظا للقرآن مع من هو أحسن أداء وأحسن ترتيلا وتجويدا فإنه يقدم الأحفظ؛ لأن الصحابة رضوان الله عليهم فهموا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدل على أنه هو المعول وعليه العمل.وإذا عرفنا ما هو المراد بالأقرأ فq لو اجتمع عندنا رجلان أحدهما أقرأ، سواء أكان أكثر أخذا للقرآن أم أكثر ضبطا للقرآن، والآخر أفقه، بمعنى أنه يعلم أحكام الصلاة وما يكون فيها من أحكام السهو ونحوه، وما يطرأ فيها من الطوارئ التي يحتاج الأئمة فيها إلى جبر النواقص والزوائد، أو كان عالما بالأحكام الشرعية من عبادات ومعاملات، فهل نقدم الأقرأ أو نقدم الأفقه؟
في ذلك قولان للعلماء:
القول الأول: ذهب الإمام أحمد رحمة الله عليه، ووافقه جمع من المحدثين، وبه قال بعض أصحاب الإمام أبي حنيفة والإمام الشافعي رحمة الله على الجميع إلى أن الأقرأ لكتاب الله يقدم على الأفقه.القول الثاني -وهو قول الجمهور-: أن الأفقه يقدم على الأقرأ، فلو اجتمع حافظ للقرآن ومن هو أكثر منه علما وفقها في الدين فإنه يقدم الأفقه والأعلم بالحلال والحرام على الحافظ لكتاب الله عز وجل.واستدل الذين قالوا بتقديم الأقرأ بظاهر حديث أبي مسعود رضي الله عنه وأرضاه في الصحيح،
وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله)، ووجه الدلالة من هذا الحديث واضح، حيث قال: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة)،
قالوا: فقدم الأقرأ على الأعلم بالسنة فدل على أن القارئ مقدم على الفقيه.وأصحاب القول الثاني احتجوا بحديث أبي بكر رضي الله عنه في إمامته،
كما في الصحيح من حديث أم المؤمنين عائشة وغيرها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(مروا أبا بكر فليصل بالناس)، ووجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم أبا بكر، وكان أبو بكر رضي الله عنه من أعلم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم،
ولذلك قالوا:
قدم لفقهه لا لقراءته؛ لأن أبيا رضي الله عنه أعلم منه بالقراءة، ومع هذا قدم النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر، فدل هذا على أن الأفقه مقدم على الأقرأ، وهناك أدلة أخرى، ولكن المعول على هذين الدليلين، فالأول حديث أبي مسعود رضي الله عنه، والثاني حديث أبي بكر في إمامته.
ومما علل به الجمهور لمذهبهم أن قالوا:
إن الأقرأ نحتاج إليه للقراءة، والقراءة تتعلق بركن واحد وهو القيام.وأما بالنسبة للأفقه فنحتاج إليه في أركان الصلاة؛ فإن الصلاة قد يطرأ فيها السهو، فتطرأ فيها الزيادة ويطرأ فيها النقص، وتختلج الصلاة على الناس، فإذا كان الأفقه موجودا أو هو الإمام فإن ذلك أدعى لتعليم الناس، وهو أعرف وأعلم بما ينبغي فعله على الإمام في مثل هذه الأحوال الطارئة.فكأن الفقه يحتاج إليه لأركان، والقراءة يحتاج إليها لركن، فقدم ما يحتاج إليه لأركان على ما يحتاج إليه لركن واحد.والذي يترجح -والعلم عند الله- هو القول بتقديم الأقرأ لكتاب الله، وذلك لظاهر السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم.ثانيا: أن سالما مولى أبي حذيفة -كما في الصحيح- كان يؤم المهاجرين والأنصار، وفيهم عمر رضي الله عنه وأرضاه، وأما إمامة أبي بكر رضي الله عنه فإنها لم تتمحض بإمامة الصلاة، وإنما قصد منها الإشارة إلى استخلافه رضي الله عنه وأرضاه، فخرج الدليل عن موضع النزاع، ولذلك يعتبر تقديم الأقرأ لكتاب الله هو المعول عليه، لكن ينبغي أن ينبه على أن الأقرأ يقدم إذا كان عنده إلمام بضوابط الصلاة، وليس المراد أن يقدم مطلقا حتى ولو كان جاهلا ببعض الضوابط، كالأمور التي تطرأ في السهو ونحوه.
فقول المصنف رحمه الله: [الأولى بالإمامة الأقرأ]،
أي:
أقرأ الناس لكتاب الله عز وجل.والسبب في هذا ظاهر؛ فإن القرآن يشرف أهله، ويرفع من مكانتهم في الدنيا والآخرة،
وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(خيركم من تعلم القرآن وعمله)، وما أوتي أحد عطاء أشرف ولا أكمل -بعد الإيمان بالله عز وجل- من حفظ كتاب الله عز وجل والعمل بهذا الكتاب؛ فإنه نور في قلبه، ونور له في حشره، ونور له بين يدي ربه ولذلك إذا أنعم الله على العبد بهذا الكتاب فإنه يشرفه ويكرمه، ولم يبق إلا أن يكرم قارئ القرآن ما في قلبه، فيصونه -أو يصون نفسه- عن الأمور التي لا تليق بمثله.وقوله: [العالم فقه صلاته] هذا إضافة في بعض النسخ، فنقدم الأقرأ إذا كان عنده إلمام بفقه الصلاة، لكن لو كان عندنا إنسان يحفظ القرآن ولكنه يجهل أحكام الصلاة، ولربما يقع الناس في لبس في صلاتهم فحينئذ لا يقدم؛ لأنه قد يعرض صلاة الناس للفساد.
قال رحمه الله تعالى:
[ثم الأفقه].(ثم) تقتضي الترتيب، فيقدم بعد الأقرأ الأفقه، والأفقه: أفعل،
من فقه الشيء:
إذا فهمه.
ويقال: إن الفقه يختص بالمعضلات، ولا يكون إلا في المسائل الدقيقة، والفقه شرف ونعمة عظيمة ينعم الله عز وجل بها على من شاء من عباده،
كما قال صلى الله عليه وسلم:
(من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين
[الأدلة على تقديم الفقيه للإمامة]
أما الدليل على تقديم العالم بالحلال والحرام فحديث أبي مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة).
والعلم بالسنة يكون على ثلاثة أضرب:
الأول: أن يحفظ السنة ويكون من حفاظها، وهذا الذي يسميه العلماء الحافظ والمحدث، وهو الذي يسند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحفظ الأحاديث، ويكون عالما بما قاله عليه الصلاة والسلام.
الثاني: أن يعرف، أو يفهم ويفقه عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأحكام التي تتضمنها هذه الأحاديث، ولكن حفظه للأحاديث قليل، وليس عنده حفظ للأحاديث، ولكن إذا جاء النص من الأحاديث يحسن فهمه، ويحسن تخريجه، ويعرف ما تعارض من الأحاديث وكيفية الجواب عنها، وكيف الخروج من إشكالها، فالأول حافظ للحديث، والثاني فقيه بالحديث.
الثالث:
من جمع الله له بين الحسنيين فحفظ الأحاديث مع الفهم، فيكون عنده إلمام بما قال عليه الصلاة والسلام، بحيث يحفظ الأحاديث والآثار، وعنده شغف وتلهف لمعرفة ما ورد من هدي النبي صلى الله عليه وسلم القولي والفعلي والتقريري، ثم كذلك إذا جاءته السنة فإنه يعرف كيف يفهمها، وعلى أي محمل يحملها عليه، فهذه أشرف المراتب، وهي أعلى مراتب السنة، فيكون حافظا لها فقيها بما فيها من المعاني، وكل هذه المراتب مراتب شرف.وأما المرتبة الأولى -وهي مرتبة الحفظ-
فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيها: (نضر الله امرأ سمع مقالتي فحفظها -
وفي رواية:
فوعاها- فأداها كما سمعها)
،
فقوله:
(نضر الله) قال بعض العلماء: هو من النضارة، وهي الحسن.وقال بعض العلماء: يحشر أهل الحديث وهم بيض الوجوه لهذا الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم،
أي:
نضر الله له وجهه في الآخرة.
وقال بعض العلماء:
بل الحديث على إطلاقه،
أي: نضر الله وجهه في الدنيا والآخرة.فمن حفظ حديثا من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وبلغه فإنه داخل تحت هذا الفضل، فمن شاء فليستكثر، ومن شاء فليستقل،
ولذلك قال عليه الصلاة والسلام:
(نضر الله) وأطلق،
وقال بعض العلماء:
لأهل الحديث نور في وجوههم بحفظهم لسنة النبي صلى الله عليه وسلم.وأما فقه الأحاديث فهذا هو المقصود في النصوص،
كما قال الله تعالى:
{كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته} [ص:29]، ولم يجعله للحفظ وحده، وإنما قال: {ليدبروا آياته} [ص:29].وقد عتب على بني إسرائيل حين حفظوا ولم يعملوا،
فقال تعالى:
{مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا} [الجمعة:5]، فالمهم مرتبة الفقه والعمل، وإذا جمع الله للعبد الحسنيين فقد حاز تلك الفضيلتين، فلو اجتمع من يحفظ الأحاديث ومن يحفظ القرآن فإننا نقدم من يحفظ القرآن، ثم لو اجتمع من يحفظ السنة أكثر ومن هو أقل منه حفظا للسنة فإننا نقدم من هو أحفظ للسنة.
[تقديم الأكبر في السن للإمامة عند التساوي في الحفظ والعلم]
قال رحمه الله: [ثم الأسن] الأسن: مأخوذ من السن،
والمراد بذلك:
الأكبر سنا، فلو كان عندنا رجلان كلاهما حافظ للقرآن، وكلاهما فقيه أو عالم بالحلال والحرام من السنة، فحينئذ استوت مرتبتهما في الكتاب والسنة، فنرجع إلى التفضيل بالسن، والسبب في ذلك أن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم منعقد على تفضيل الكبير وإكرامه وإجلاله،
كما قال صلى الله عليه وسلم:
(ليس منا -
أي: ليس على هدينا الكامل- من لم يوقر كبيرنا)
، فتوقير الكبار وإجلالهم ومعرفة قدرهم شأن الفضلاء، فلا يجلهم إلا الكرام ولا يحتقرهم إلا اللئام، فالكبير له حق على الصغير، ومن هنا قدمت الشريعة الإسلامية الكبير في السن حتى في الإمامة، فلو كان أحدهم أسن فإنه يقدم.
قال العلماء:
الدليل على التقديم بالسن حديث مالك بن الحويرث، وذلك أن مالكا هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه رجل من قومه،
فجلسا قرابة عشرين يوما فقال:
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حليما رحيما رفيقا بأصحابه، فرأى أنا قد اشتقنا إلى أهلنا،
فقال:
(ارجعوا إلى أهليكم فعلموهم، وإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكما وليؤمكما أكبركما)، ووجه الدلالة أن مالكا رضي الله عنه والذي معه اجتمعا في الحفظ والفهم، فعلما وسمعا القرآن، وسمعا السنة، فاستوت مرتبتهما في العلم،
فقال: (وليؤمكما أكبركما).
قال العلماء:
في هذا دليل على التقديم للإمامة بالسن، فلو اجتمعت مراتب المتقدمين علما بالقرآن والسنة فإننا نقدم بالسن.وهذا يدل على ما ينبغي من تقديم الكبار وإجلالهم،
وقال العلماء: تقديم الكبار له فضيلة، فإن الكبير -خاصة إذا كان كبير السن ضابطا لصلاته- يكون أخشع في الصلاة وفي القراءة؛ لأنه قريب من الآخرة، فيتأثر أكثر من تأثر الشاب الحدث.
ثانيا: أن كبير السن أكثر هيبة وأكثر إجلالا، فتهاب الناس المحراب، وتهاب المنبر، وتحس بهيبته ورهبته إذا تقدم كبار السن والأجلاء والعقلاء.
الأمر الثالث: أنهم أناس لهم بصيرة ولهم علم ومعرفة بالحوادث وبما يكون، فإذا وقع أمر ما على الناس واحتاجوا إلى من عنده تجربة ومعرفة وجدوا عند الإمام ما يعينهم على صلاح دينهم ودنياهم، فهذه كلها أمور تدل على حكمة الشريعة في تقديم الأكبر سنا، ولكن إذا استوت مرتبة العلم بكتاب الله والعلم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال رحمه الله تعالى:
[ثم الأشرف].
الأشرف:
مأخوذ من الشرف، والشرف يرجع إلى النسب؛ فإن الإنسان إذا شرف نسبه فكان من أهل البيوت الشريفة، وفضله الله عز وجل بنسبه فإنه يقدم، وهذا مذهب بعض العلماء، والصحيح أن النسب لا دخل له في التقديم بالإمامة، ولكن على سبيل الاستحباب، فلو وجد من ينتسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وله شرف النسب فإنه يقدم،
كما في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الأئمة من قريش)، ففضل بالنسب،
وقالوا:
لأنه لما يكون نسيبا فإن الناس تهابه وتجله وتكرمه، وكل ذلك المراد منه أن تتهيأ الأمور التي تعين على إجلال الإمامة وتشريفها وتشريف من يقوم بها.فالصحيح أن الشرف لا يقدم به،
أي:
أنه لا يلزم بالتقديم به كما تقدم في القراءة وفي السنة وفي السن، فلو اجتمع عندنا من هو أتقى لله عز وجل، ومن هو أشرف فإننا نقدم الأتقى لله عز وجل،
قال علي رضي الله عنه لما نزل قوله تعالى:
{يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم} [الحجرات:13] قال: ذهب النسب اليوم.ولكن قوله هذا معناه -كما قال العلماء-: ذهبت المفاخرة بالنسب، لكن لو وجد إنسان عنده دين وصلاح وأعطاه الله شرف النسب فإنه يقدم؛ لأن الله جمع له بين الحسنيين، وشرفه بهاتين الفضيلتين، فهو مقدم على من دونه.
[تقديم الأقدم هجرة والأتقى للإمامة]
قال رحمه الله تعالى: [ثم الأقدم هجرة].وهذا ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم،
في قوله:
(فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلما) وهذه رواية صحيح مسلم، ومعنى (أقدمهم سلما): أي: إسلاما.ويمكن الآن أن ينظر إلى التزام الشخص واستقامته وهدايته، فلو كان كلا الشخصين حافظا للقرآن عالما بالسنة، ولكن أحدهما أقدم وأسبق في الالتزام وسنهم سواء؛ فإننا نقدم من نشأ في طاعة الله عز وجل على من هو دونه؛
ولذلك له شرف السبق والالتزام بدين الله عز وجل فحملوا عليه رواية الصحيح:
(فأقدمهم سلما)،
وقال صلى الله عليه وسلم:
(فإن كانوا في السلم سواء فأقدمهم هجرة) وفي رواية الأشج في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فأقدمهم سنا) بدل (سلما)، وعليها حملت الرواية بتقديم الأسن، ثم بعد السن جاء التفضيل من جهة الهجرة، وكانت الهجرة -ولا زالت- سنة من السنن،
فقال صلى الله عليه وسلم:
(لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها)، ولذلك الهجرة باقية، وإذا كان أحدهم أقدمهم هجرة فإنه يقدم لسبقه إلى الإسلام، وابتلائه في ذات الله عز وجل، وصبره على هذا الابتلاء أكثر من غيره، وهذا يدل على أن التقديم كله من جهة الدين، وهذا شرف للإنسان من جهة الدين لا من جهة الدنيا.
قال رحمه الله تعالى: [ثم الأتقى].
الأتقى:
أي: الأكثر تقوى لله عز وجل، وهذا بلا إشكال؛ لأن الله تعالى يقول: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} [الحجرات:13]، وتقديم النبي صلى الله عليه وسلم أشخاصا للإمامة ومفاضلته بين المتقدمين يدل على أن الأتقى لله عز وجل مقدم؛ فإن الأتقى لله عز وجل ينفع الله بقراءته، وينفع الله بمواعظه، وينفع الله بهديه واستقامته، بخلاف الفاسق الفاجر المتهالك المتهافت، فإنه قد يدعو الناس إلى الرذائل، وقد يستخف الناس بالحرام بسبب وجود هذا الفاجر والعياذ بالله، وقد ترى هذا الفاجر وهو إمام يصلي بالناس يفعل أمورا لا تليق بمثله، فيشين الإمامة ويجعل الناس في نفرة من دين الله عز وجل، ولكن الأتقى لله عز وجل على العكس من ذلك؛ فإنه لا يزال الإنسان يتمسك بشريعة الله عز وجل ويلتزم بدين الله حتى يتأثر به من يراه، ويحبه من يسمع قوله ويرى هديه،
كما قال سبحانه وتعالى:
{إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا} [مريم:96] أي: سيجعل الله لهم في القلوب حبا.ولكن بالإيمان والعمل الصالح، فإذا كان الإمام تقيا نقيا يخاف الله عز وجل ورعا بعيدا عن الحرام فإن هذا أدعى لتأثر الناس به واقتدائهم به.
[العمل بالقرعة عند التنازع على الإمامة]
قال رحمه الله تعالى:
[ثم من قرع].
أي:
من أصابته القرعة، فلو كان عندنا جماعة تقدموا للإمامة حفظهم لكتاب الله على حد سواء، وكلهم عالم بالسنة بمرتبة واحد، وكلهم في سن واحد، والتزامهم واحد، وتقواهم وديانتهم وصلاحهم واحد فإننا حينئذ نرجع إلى التفضيل بالقرعة، والسبب في ذلك أن القرعة تخرج عند المشاحة، وقد عمل بها العلماء والأئمة والسلف رحمة الله عليهم، واعتبرها العلماء رحمهم الله حتى في مسائل عديدة مسائل القضاء، فإذا تشاح القوم فإن الناس سيفترقون بسبب أن كل طائفة تريد فلانا أن يتقدم، فتقع فتنة ويقع شر، ولذلك يقرع، أي: تكتب أسماؤهم، ثم بعد ذلك يؤخذ بالقرعة، فمن خرج اسمه فقد اختاره الله عز وجل، فيقدم على غيره.
[صاحب البيت أحق بالإمامة من غيره]
قال رحمه الله تعالى:
[وساكن البيت وإمام المسجد أحق إلا من ذي سلطان].
قوله:
(وساكن البيت) لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ولا يؤمن الرجل في داره، ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه)، فدل على أن صاحب البيت أحق،
وهذا فيه حكم ذكر العلماء رحمهم الله منها:
أولا: أحقيته بالدار.
ثانيا: أنه ربما كان يحتاج في ضيافته للناس إلى أن يستعجل، وإذا تقدم الإنسان الذي ليس وراءه مثل هذه الأمور فقد يجحف برب البيت، فحينئذ يقدم للإمامة صاحب الدار، وشرط هذا ألا يكون فيه ما يمنع من إمامته، فإذا كان أهلا للإمامة قدم، وإلا تقدم من هو أهل على الصفة التي ذكرنا، إلا من ذي سلطان؛ فإن السلطان إمام للإنسان ولو في بيته، كالأمير ونحو ذلك، فإنه يلي أمره ويقدم؛ لأنه ولي أمر الإمامة العامة، فمن باب أولى أن يلي ما دون ذلك، وهذا هو الأصل، وبناء على ذلك يتقدم عليه، وفيه استثناء حديث السنن، فإذا حضر على بساطه، أو في بيته يتقدم عليه،
وقال العلماء:
ينبغي لصاحب البيت إذا رأى من هو أعلم وأفقه منه أن يقدمه ويشرفه بالإمامة، وهو مثاب على ذلك؛ لأنه من إنزال الناس منازلهم.
[إمام المسجد أحق بالإمامة من غيره]
قال رحمه الله تعالى:
[وإمام المسجد أحق إلا من ذي سلطان].
إمام المسجد هو الذي يسميه العلماء: الإمام الراتب.والإمام الراتب سواء أكان من قبل ولي الأمر كما يحصل الآن، حيث يكون الإنسان مرتبطا بالإمامة ومعينا فيها، فهو أحق ويقدم على غيره، أم كان راتبا لأن أهل الحي أحبوه، ورضوا به أن يتقدمهم، فهو إمام راتب، فيقدم ولا يتقدم عليه أحد إلا بإذنه.أما الدليل على تقديمه فإن النبي صلى الله عليه وسلم -كما في الحديث الصحيح- لما تأخر في قباء ليصلح بين حيين من بني عوف جاء إلى المسجد وقد تقدم أبو بكر يصلي، فسبح القوم فلم يلتفت أبو بكر -وكان رضي الله عنه خشوعا في صلاته مقبلا-، فلما أكثروا عليه التشويش التفت فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب يتأخر، فأشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن مكانك، فتأخر رضي الله عنه وأرضاه.وهذا لمكان أحقية النبي صلى الله عليه وسلم مع النبوة ومع الولاية، وأحقيته كذلك بالإمامة الراتبة ولذلك استنبط العلماء رحمهم الله أنه إذا حضر الإمام الراتب في الركعة الأولى حق له أن يتقدم، وهذا نص عليه غير واحد من السلف، فلو حضر أثناء إمامة هذا المستخلف الذي وضع من قبل الناس، أو تقدم من نفسه وحضر الإمام الراتب فمن حقه أن يؤخره ويتقدم ويتم بالناس صلاتهم، وهذا مذهب طائفة من العلماء، وتدل عليه السنة.وذهب بعض العلماء إلى تخصيص ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم،
وذلك لقول أبي بكر:
(ما كان لـ ابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم.
قالوا:
كان يتأول آية الحجرات.والصحيح أنه على ظاهره، وإمام الحي إذا حضر فإن إمامة من دونه إنما كانت لضرورة وحاجة، وما أبيح للضرورة والحاجة يبطل بزوالها، فيتأخر ويتقدم الإمام الراتب، وهذا إذا كان في الركعة الأولى، أما إذا كان في أثناء الركعة الثانية والثالثة فمن حقه أن يتقدم، ثم الناس يثبتون بعد تمام صلاتهم، ويتم كصلاة الخوف، ولكن نظرا لجهل كثير من الناس وعدم معرفتهم بالسنن وحدوث التشويش، إذ قد يحدث هذا إرباكا في المسجد، فحينئذ إذا اقتصر الإمام وبقي في آخر القوم فلا حرج، ولكن لو أراد الفضل فله أن يتقدم؛ لأن صلاته بالناس لها فضل، ولا إيثار في الفضل؛ لأنه إذا تأخر فقد آثر غيره بهذا الفضل، ولذلك قالوا: لو رضي أن يتنازل عن هذا فلا حرج.
وقوله: [إلا من ذي سلطان] هو لمكان الولاية كما قلنا.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #124  
قديم 15-08-2021, 11:26 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,836
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(باب صلاة الجماعة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (120)

صـــــ(1) إلى صــ(18)

[استحباب بعض العلماء لبعض صفات الإمام]
قال رحمه الله تعالى:
[وحر وحاضر ومقيم وبصير ومختون ومن له ثياب أولى من ضدهم].
قوله: [وحر].هذه من باب الأفضلية، فالحر يقدم على العبد والرقيق؛ لأن الرق يكون بسبب الكفر، كما هو معلوم أنهم يؤخذون في الجهاد ويضرب عليهم الرق، فلمكان النقص الموجود في الرقيق يقدم عليه الحر، فهو أولى، ولكن ليس هناك نص، بل لو كان العبد حافظا لكتاب الله عز وجل، أو عالما بالسنة فإنه يقدم ولو كان مولى أو عبدا،
خلافا لمن قال:
إنه لا يؤم العبد، وهذا قول ضعيف،
والصحيح أن القرآن يقدمه وعلمه يقدمه ولذلك لما سئل بعض السلف رحمة الله عليهم عن إمامة العبد قال: سبحان الله! ومن لا يصل وراء عكرمة؟ ثم ذكر غيره ممن كان من الموالي كـ نافع وغيره، فمن الذي لا يستطيع أن يصلي وراء هؤلاء الأئمة الأجلاء، فالإسلام وإن كان قد ضرب الرق عليهم فإن هذا لا يعني عدم إعطائهم حقوقهم إذا كانوا أهلا لهذه الإمامة بحفظهم لكتاب الله عز وجل وعلمهم بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وفقههم في الدين، فإنهم يقدمون ولو كان فيهم شائبة الرق.
وقوله: [وحاضر].
قالوا:
يقدم الحاضر على البادي.والسبب في ذلك غلبة العلم في الحاضر أكثر من البادي، ولكن لو كان من بالبادية أعلم وأفقه فإنه يقدم، والصحيح أنه لا تمنع إمامة البادي إذا كان عالما أو فقيها أو عارفا بالسنة؛ لأن العبرة في الإمامة بالأوصاف التي ذكرناها، وأما ما ذكره العلماء رحمة الله عليهم من هذه الأوصاف فهذه كلها أمور اجتهادية،
والنص الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم سلما، فإن كانوا في السلم سواء فأكبرهم سنا) يدل على التفضيل بهذه الأمور، وأما ما عداها فإنه لم يرد به نص مما اجتهد به العلماء رحمهم الله، كالعبد والحاضر ونحو ذلك، فكل هذا مما لا نص فيه، بل قد تجد غير الحاضر أكثر ديانة واستقامة، وأبعد عن المعاصي والفواحش من غيره، وأكثر تمسكا بالدين، وقد يكون على فطرته التي فيها استقامة في الأخلاق، وكمال في العقل، فالعبرة بالديانة والاستقامة، بغض النظر عن كون هذا حاضرا أو غير حاضر، فهذا كله لا تأثير له مع وجود الدين والاستقامة والعلم بأحكام الصلاة.
وقوله: [ومقيم].
قالوا: يقدم المقيم على المسافر، والسبب في ذلك أن المسافر سيقصر الصلاة،
وبناء على ذلك قالوا: ربما اختلجت على الناس صلاتهم؛ لأنه سيصلي ركعتين في الرباعية، فإذا تقدم بالناس وصلى بهم فإنهم يظنون أنه وهم فربما سبحوا له، وربما سلم بعضهم معه؛ لأن الناس بعضهم فيه غفلة فيدخل في الصلاة ولا يعي عدد ما صلى،
فإذا قال الإمام:
(السلام عليكم) ظن أنه على الكمال فسلم معه،
ولذلك قالوا:
يقدم المقيم على المسافر.وكل ذلك من باب الاجتهاد، ولكن المسافر إذا كان على علم، وكان حافظا لكتاب الله عز وجل، وأحب القوم أن يقدموه فإنه يقدم.
وقوله: [وبصير].
قالوا:
البصير يقدم على الأعمى.وهذا لا نص فيه، وإنما هو اجتهاد من العلماء رحمة الله عليهم،
ولكن قالوا:
إن وجد من هو أعمى ومن هو بصير، فإن البصير ربما يكون أرفق بالناس.ولكن الحقيقة أن العبرة بالديانة والاستقامة، وأما البصير والأعمى فهما على حد سواء؛ فإنه لا يفضل بينهما إلا بنص من كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وكم من أعمى قد كف بصره ولكن استنارت بصيرته، والعمى عمى القلب، ولذلك إذا جمع الله للإنسان الفقه في كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم فهو مقدم ولو كان كفيف البصر.
وقوله: [ومختون].
قالوا: يقدم على الأقلف وهو غير المختون؛ لأن غير المختون تنحبس النجاسة في الموضع المعروف، ولذلك يكون المختون أكمل طهارة من غير المختون، وهذا ذكره العلماء رحمة الله عليهم من باب الاحتياط للصلاة، وعندهم كلام في إمامة الأقلف، ولكن ليس هناك نص على بطلانها وعدم صحتها، والصحيح أنه يجوز أن يصلي بالناس،
ومثاله:
أن يسلم رجلان، ثم أحدهما اختتن، وكلاهما حفظ القرآن، أو حفظا مع بعضهما من كتاب الله عز وجل وسنة النبي صلى الله عليه وسلم فكان علمهم على حد سواء، ولكن أحدهم اختتن والثاني لم يختتن،
فقالوا:
نقدم المختون.وفي مثل هذا يستقيم، فيقدم المختون على غير المختون؛ لأن هذا تقديم من جهة الدين، والسبب في ذلك أنه التزم بشرع الله أكثر من غير المختون؛ فإنه بادر واختتن، ولذلك يكون هنا التقديم من جهة الدين، ويعتبر زيادة في تقوى الله عز وجل، والتزاما بحدود الله سبحانه وتعالى.
وقوله: [ومن له ثياب].لأن شرط صحة الصلاة ستر العورة، فإذا وجد العاري وغير العاري فإن الذي يؤم هو الذي قد ستر عورته، ولا يتقدم العاري؛ لأنه إذا تقدم انكشف، وتكون إمامته سببا في انكشافه ولذلك يتقدم غير العاري على العاري.
وقوله:
[أولى من ضدهم].ولا يشترط أن يكون العري كاملا، فلو كان أحدهم عنده ثوب كامل، وآخر عنده ثوب يستر العورة، والثاني عنده ثوب إلى نصف العورة فإننا نقدم من كمل ستر عورته على من هو دونه.
[حكم الصلاة خلف الكافر والفاسق]
قال رحمه الله تعالى:
[ولا تصح خلف فاسق ككافر].بعد أن بين لنا رحمه الله من الذي يقدم للإمامة ومراتب الأئمة والمفاضلة بينهم شرع رحمه الله في حكم إمامة من لا تصح الصلاة وراءه،
فقال رحمه الله
: [ولا تصح خلف فاسق ككافر].
والفاسق:
مأخوذ من قولهم: فسقت الرطبة، أو الثمرة عن قشرها إذا خرجت،
فأصل الفسق في لغة العرب:
الخروج، وسمي الفاسق فاسقا لأنه خارج عن طاعة الله -والعياذ بالله-، وذلك بعصيانه والتمرد عليه سبحانه وتعالى،
والفسق يكون على حالتين:
الأولى: أن يصل بالإنسان إلى الكفر والعياذ بالله، فإن الكافر يوصف بكونه فاسقا لأنه على أعلى درجات الفسق والخروج عن طاعة الله عز وجل.
الثانية: أن يكون دون حد الكفر، بمعنى أن فسقه لا يخرجه من الإسلام، ولذلك تجد في القرآن وصف الكفار بالفسق؛ لأنهم خرجوا عن طاعة الله عز وجل على أكمل ما يكون عليه الخروج.فأما إذا كان الإمام كافرا فالصلاة لا تصح وراءه بإجماع العلماء؛ لأن إمامة الكافر لا تجوز، ولا يجوز تقديمه، ومذهب طائفة من أهل العلم رحمة الله عليهم أنهم يلزمون بإعادة الصلاة فلو أن كافرا قدم للصلاة بالناس ولم يعلموا إلا بعد خمس سنوات فإنهم يلزموا بإعادتها خمس سنوات، ووقع هذا في بعض الأماكن، حيث قدموا بعض الكفار فصلوا وراءه أكثر من خمس سنوات، ثم تبين أنه كافر فأعادوا صلاتهم خمس سنوات، وهذا يكون بالترتيب في الفروض على الصفة التي ذكرناها في قضاء الفوائت.فلا تجوز إمامة الكافر، ولا يجوز تقديمه، ولا تجوز الصلاة وراءه.
وبناء على ذلك قال رحمه الله: [ولا تصح خلف فاسق ككافر].والفاسق الذي يرتكب الكبائر أو يصر على الصغائر ضد العدل،
فالعدل:
الذي لا يرتكب الكبيرة ولا يصر على الصغيرة.
كما قيل: العدل من يجتنب الكبائر ويتقي في الأغلب الصغائر فالذي يرتكب الكبائر ولو كبيرة واحدة، أو يصر على الصغائر ويداوم عليها يوصف بكونه فاسقا، فلا تصح الصلاة وراءه، واختلف العلماء رحمهم الله في هذه المسألة، فلو أن إنسانا فاسقا تقدم وصلى بالناس، فهل صلاتهم وراءه صحيحة أو ليست بصحيحة؟
فللعلماء قولان فيها:
القول الأول: الصلاة وراء الفاسق صحيحة، ما دام أن فسقه لم يخرجه عن الإسلام، وبه قال جمهور العلماء، وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية وبعض أصحاب الإمام أحمد رحمة الله على الجميع.
القول الثاني:
الصلاة وراء الفاسق باطلة لا تصح إمامته، ولا تصح الصلاة وراءه، وهو مذهب الإمام أحمد رحمة الله عليه.واستدل الذين قالوا بصحة الصلاة وراء الفاسق بأدلة، أولها: حديث أبي هريرة رضي الله عنه في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطأوا فلكم وعليهم)،
ووجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(وإن أخطأوا فلكم -
أي: لكم صلاتكم كاملة- وعليهم)
: أي عليهم خطؤهم.فبين أنه لا علاقة للإنسان بفسق الإمام أو صلاحه، فالعبرة بصلاتك،
فقال:
(يصلون لكم، فإن أصابوا -أي: إن كانوا صالحين- فلكم ولهم -
أي: الصلاة على ما هي عليه- وإن أخطئوا -أي: كانوا على خطأ- فلكم -أي: صلاتكم لكم وعليهم خطؤهم-.
وهذا الحديث نص واضح في صحة إمامة الفاسق.
الدليل الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا ذر رضي الله عنه أن يصلي مع الجماعة،
وقال: (صلها معهم فإنها لك نافلة)، كما في الصحيح، ووجه الدلالة أنه صحح صلاته وراء الفساق، وأثبت كونها نافلة؛ إذ لو كانت باطلة لم تكن نافلة ولا فريضة.
الدليل الثالث: هدي السلف وإجماع السلف الصالح رحمة الله عليهم، فإن ابن عمر وأنس بن مالك رضي الله عن الجميع صليا وراء الحجاج، ومع ذلك لم يحكم أحدهما ببطلان الصلاة وراءه، ولم ينكر عليهما أحد، فدل على أن الصلاة وراء الفاسق صحيحة.
الدليل الرابع من العقل: قالوا: الفاسق صلاته في نفسه صحيحة،
أي:
مجزئة لنفسه، فمن باب أولى أن تجزئ إمامته لغيره.
وتوضيح ذلك أنهم قالوا للحنابلة: الفاسق لو صلى الظهر وصلى العصر فهل تطالبونه بإعادة الظهر والعصر؟ قالوا: لا.قالوا: ما دام أن صلاته صحيحة في حق نفسه فمن باب أولى أن تصح في حق غيره.أما بالنسبة لمن قال بعدم صحة الصلاة وراء الفاسق ففي الحقيقة ليس لهم دليل واضح صحيح صريح يدل على بطلان الصلاة وراء الفاسق.ولكن لهم أصول،
منها: أنه إذا تقدم الفاسق وأم بالناس فإنه لا يؤمن أن يحملهم على المحرمات، أو يدعوهم إلى المنكرات، ثم إن هذا فيه انتقاص من مكانة الإمامة، وامتهان لهذه الإمامة التي تقوم عليها أعظم شعائر الدين بعد الشهادتين وهي الصلاة، ولهم في ذلك اجتهادات، لكن الصحيح ما ذهب إليه الجمهور وهو أن الصلاة وراء الفاسق صحيحة، وأن الفاسق له صلاته، فكما أن صلاته صحيحة في حق نفسه فمن باب أولى أن تصح في حق غيره.
فقوله رحمه الله:
[ولا خلف فاسق ككافر] جمع به رحمه الله بين هذه المسائل: أولا: عدم صحة الصلاة وراء الفاسق، وهذا مذهب مرجوح.
ثانيا: عدم صحة الصلاة وراء الكافر، وهذا يكاد يكون إجماعا.ثالثا: الدليل في قوله: [خلف فاسق ككافر] قياس.
أدلة تقديم الفقيه للإمامة
[حكم صلاة الرجال خلف امرأة أو خنثى]
قال رحمه الله تعالى: [ولا امرأة وخنثى للرجال] أي: ولا تصح الصلاة وراء امرأة،
أي:
الرجال أن تكون إمامتهم امرأة، فلا تجوز إمامة المرأة للرجال، وهذا بإجماع العلماء رحمهم الله، لكن شذ بعض العلماء -وينسب الشذوذ إلى الطبري وداود -
فقالوا:
يجوز أن تؤم المرأة الرجال.وهذا قول شاذ، ففي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)،
وقال في الحديث:
(استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة)، فخير الأمور الصلاة، فإذا لم تصح إمامتها فيما هو دونها، وورد الوعيد فيما دونها فمن باب أولى في الصلاة نفسها، فلا تقدم المرأة للإمامة بالرجال، ولأنها إذا تقدمت بالرجال فتنت أو فتنت، أو اجتمعت الفتنتين، فكانت الإمامة فتنة لها في نفسها وفتنة لغيرها، فلا تتقدم المرأة على الرجال.
قوله: [وخنثى] كذلك الخنثى؛ لأن الخنثى محكوم بكونه أنثى، ولا يؤم الرجال، وإنما يؤم من هو مثله، أو يؤم من هو دونه وهي المرأة.
الأسئلة
[الفرق بين الإمامة والأذان من حيث الفضل]
q أيهما أفضل: الإمامة أم الأذان؟
a اختلف العلماء رحمهم الله في ذلك: فمذهب الجمهور أن الإمامة أفضل، وذلك لأن الإمامة هي المقصد، والأذان وسيلة للإمامة والصلاة جماعة، ولأن الإمامة يشترط فيها من الفضائل ما لا يشترط في الأذان، ويشترط لصحة الصلاة نفسها ما لا يشترط لصحة الأذان، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أم، وأم من بعده الخلفاء الراشدون، وكذلك أيضا لم يحفظ عنه عليه الصلاة والسلام نص صحيح بتقديم الأذان على الإمامة، ولهذا قالوا بتقديم الإمامة على الأذان.القول الثاني: الأذان أفضل.وهو رواية عن الإمام أحمد رحمة الله عليه اختارها جمع من أصحابه، وقيل: إنها هي المذهب، فالأذان أفضل من الإمامة.واحتجوا بما أثر عن عمر رضي الله عنه أنه قال: لولا الخلافة لأذنت، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين)، وهو حديث أبي داود وأحمد في مسنده عن أبي هريرة.قالوا: هذا يدل على أن الأذان أفضل من الإمامة، وقال صلى الله عليه وسلم: (إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت للصلاة فارفع صوتك بالنداء؛ فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا حجر ولا شجر إلا شهد له يوم القيامة)، وكذلك ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (أطول الناس أعناقا يوم القيامة المؤذنون) قالوا: هذا يدل على فضل الأذان، وأنه أفضل من الإمامة.والصحيح أن الإمامة أفضل من الأذان؛ لأن الله اختارها لنبيه عليه الصلاة والسلام، ولم يحفظ في حديث واحد أنه تولى عليه الصلاة والسلام الأذان.وأما كونه يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم الدلالة على فضل الأذان فإن هذا لا يدل على أنه أفضل من الإمامة، ألا ترى الصلوات النوافل وردت فيها أحاديث بفضلها، ولم يرد بخصوص صلاة الفرائض كصلاة الفجر والعشاء والمغرب مثل الأحاديث التي وردت في النوافل، ولذلك الإمامة مقدمة من وجوه عديدة، فإن الإنسان إذا نظر إلى ما للإمامة من مسئولية ومن تحمل أعباء أدرك ذلك، ولما فيها من الفضل، كما قال بعض السلف: من صلى بالناس كتب له أجره.يعني أن الإمام له أجر من يصلي وراءه قلوا أو كثروا، وهذا فضل عظيم، مع ما في مواعظهم وتذكيرهم؛ فإن الإمام يذكر الناس في الخطب، وفي المواعظ العابرة، وفي المناسبات المقتضية لذلك، وهذا التذكير فيه حياة للقلوب، ودلالة على الخير، وانشراح للصدور، وهداية إلى سبيل الله عز وجل، والله تعالى يقول: {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله} [فصلت:33]، فإن (من): بمعنى (لا)، أي: ولا أحد أحسن قولا ممن دعا إلى الله.وقد يقول قائل: إن هذه وردت في المؤذن! فنقولك هذا قول مرجوح، وإنما هي عامة.وعلى هذا نقول: المؤذن داع إلى شيء معين وهو الصلاة، والإمام الخطيب داع إلى أشياء، بل داع إلى شعائر الإسلام كلها، فإن قلت بتفضيل المؤذن لكونه يدعو إلى الصلاة فإن الإمام يقوم بها، وإن قلت إنه يدعو فإن الإمام يدعو إلى الصلاة، ويدعو إلى ما هو أعظم وأجل، كدعوته إلى توحيد الله عز وجل، وخطبته في الناس وتذكيره، فالذي يظهر -والعلم عند الله- أن القول بترجيح الإمامة أولى وأحرى، وأن الإمامة لها فضل عظيم.وقوله عليه الصلاة والسلام: (اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين) دليل لنا لا علينا؛ فإن قوله: (اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين) يدل على فضل الإمام؛ لأنه لعظم مسئوليتها صرف الدعوة إلى أن يعينهم على أدائها حتى يكون أجرهم أكثر، وقال عليه الصلاة والسلام: (واغفر للمؤذنين) فلخفة أعباء الأذان كان الدعاء لهم بما يناسبهم، وقال بعض العلماء: إنما هو دعاء بما يناسب الحال لا علاقة له بالتفضيل، والذي يظهر -والله أعلم- أن تفضيل الإمامة أولى وأحرى، وذلك لما ذكرناه من الوجوه التي بنيت على النقل والعقل والقول بتفضيلها، وهذا هو الذي تطمئن إليه النفس.والله تعالى أعلم.
[حالات المأمومين أثناء سهو الإمام]
q إذا قام الإمام لركعة خامسة فهل المسبوق بركعة يصلى معه الخامسة وهي له رابعة، أم ماذا يفعل؟

a إذا قام الإمام لخامسة فحينئذ الناس على ثلاثة أقسام: القسم الأول: من منهم تامة صلاته ويعلم بخطأ الإمام، فحينئذ يجب عليه أن يبقى في التشهد، ويترك الإمام يتم الخامسة ويتشهد معه ويسلم، أي: يتشهد ويطيل في الدعاء حتى ينتهي الإمام من الركعة الخامسة الزائدة، فأنت معذور لأن الواجب عليك أربع، والإمام معذور لأنه مأمور إذا شك أن يتم الخامسة، وأما المأموم فيبقى على ما هو عليه وصلاته صحيحة.القسم الثاني: من يكون غير عالم بزيادة الإمام، فتلزمه متابعة الإمام ولا يجوز له أن يبقى؛ لأنه ملزم بالمتابعة حتى يتيقن أنها الخامسة فيجلس كالطائفة الأولى، وبناء على ذلك إذا لم تعلم هذه الزيادة، ولم تدر هل زاد أم لم يزد.فالأصل أنك تتابع، فتصلي معه، فإن تبين أنها خامسة فصلاتك صحيحة؛ لأنك كالإمام لمكان العذر بالسهو.القسم الثالث: هم الذين سبقوا بأجزاء من الصلاة، أو بكل الصلاة، فهؤلاء يتابعون الإمام ويصلون معه الركعة الخامسة؛ لأنهم مأمورون بالاقتداء بالإمام، والإمام معذور فيما زاد، وبناء على ذلك: ركعة الإمام صالحة له وصالحة لمن وراءه، فلو أنك علمت أنها زائدة وقد فاتتك ركعة دخلت وراءه وأتممت وسلمت معهم، فتسلم معه لأنه قد تمت لك أربع ركعات، فأنت مأمور بالصلاة أربعا، ومأمور بمتابعة الإمام، فتابعت الإمام فيما يشرع لا فيما يمنع، والطائفة الأولى إنما تعذرت عليها المتابعة لأنها في الممنوع لا في المشروع، والله تعالى أعلم.
[حكم الصلاة في مسجد فيه قبر]
q ما حكم الصلاة في المسجد الذي به قبر؟

a لا تجوز الصلاة في القبور، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لعن الله اليهود والنصارى، واتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)، وقالت أم المؤمنين رضي الله عنها: يحذر مما صنعوا.أي: يحذر أمته أن تصنع كما صنعت اليهود والنصارى.فإن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الصحيح يبين لنا أنه لا يجوز اتخاذ القبور مساجد، فلا تجوز الصلاة على قبر، ولا عند قبر، ولا بين القبور، وكذلك لا تجوز الصلاة إلى القبور، كأن تكون جدرانها متصلة بالمساجد.وهذا القول قال به جماهير السلف رحمة الله عليهم، وقال جمع منهم بعدم صحة الصلاة، وأنها باطلة ولو صلى في المقابر فإن صلاته غير صحيحة.ويستثنى من هذا الصلاة على الجنازة في القبر إذا دفن وقبر، فقال بعض السلف بجواز الصلاة على الميت بعد قبره، ثم اختلفوا في المدة فقال بعضهم: في حدود ثلاثة أشهر.وقال آخرون: في حدود ستة أشهر.وقال آخرون: ما لم يبل.فهي ثلاثة أقوال للعلماء الذين يقولون بجواز الصلاة على القبر بعد دفنه، وإن كان الأقوى والأولى من ناحية الدليل أن الصلاة على القبر مختصة بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لما صلى على المرأة التي كانت تقيم المسجد قال: (إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله ينورها بصلاتي عليهم)، فهذا يقتضي التخصيص كما يقول الجمهور، حيث قال: (ينورها بصلاتي)، وهذه رواية مسلم، لكن لو أن إنسانا صلى على قبر يتأول قول من يقول بالجواز فلا حرج.فالشاهد أنه لا تجوز الصلاة في المسجد الذي فيه قبر لعدم صحة الصلاة فيه، ولأنه ذريعة إلى الشرك والعياذ بالله؛ فإن الصلاة على القبور أو عند القبور تفضي إلى تعظيمها، وقد حدث الشرك أول ما حدث في قوم نوح بتعظيم الصالحين، وذلك حينما صوروا صورهم، ثم جاء من بعدهم جيل فعبدوهم والعياذ بالله، وكان السبب في عبادتهم تعظيم الأوائل لهم.فالصلاة عند القبر تعظيم له، فقد يعتقد أن هذه البقعة لها فضل ولها مزية، ولذلك إذا فتح هذا الباب للجهال فإنهم يسترسلون ويقعون في الشرك -والعياذ بالله-، كما هو واقع في بعض الأماكن -نسأل الله السلامة والعافية-؛ فإنه لما بنيت المساجد على القبور طافوا واستغاثوا بها، وذبحوا ونذروا لها -نسأل الله السلامة والعافية- حتى إنهم يعظمونها كتعظيمهم لبيت الله الحرام -نسأل الله السلامة والعافية-، بل إن بعضهم لو دعي إلى تعظيم شيء من هذه الأمور فإنه قد يعظمها أكثر من البيت، فلو دعي للحلف عند قبر فلان من الصالحين ودعي للحلف عند الكعبة لربما وجد أن الحلف عند قبر الصالح أشد وأعظم من الحلف عند البيت، وقيل لرجل: أتحلف بالله؟ فحلف بالله أيمانا مغلظة أنه ما فعل.فقيل له: احلف بفلان الصالح؟ قال: لا.فأصبح -والعياذ بالله- تعظيمه لهذا أكثر من تعظيمه لله، وهذا بسبب الجهل، وبسبب التساهل في الذرائع التي تفضي إلى الشرك، فلا تجوز الصلاة في القبور أو عندها أو الصلاة إليها.والله تعالى أعلم.

[حكم من صلى بالناس وهو محدث وعلم ذلك بعد الصلاة]

q لو صلى الإمام بجماعة وهو محدث، ولم يعلم إلا بعد انتهاء الصلاة، فهل يخبر المأمومين ويعتبر من واجبات الإمامة بيان هذا الأمر؟

a إذا صلى الإمام وهو محدث ثم تبين له بعد الصلاة وبعد تمام الصلاة أنه كان محدثا فصلاة من وراءه صحيحة، ولا يلزمه أن يخبرهم، بل يقتصر على الوضوء إذا كان محدثا حدثا أصغر، أو الغسل وإعادة الصلاة إن كان محدثا حدثا أكبر، وقد جاء عن عمر رضي الله عنه وأرضاه -كما روى مالك في الموطأ- أنه صلى بالناس الصبح -أي: الفجر- ثم انطلق إلى مزرعة له بالجرف -وهي من ضواحي المدينة- فلما جلس على الساقية -أي: على القنطرة التي فيها الماء- رأى أثر المني على فخذه، فقال: ما أراني إلا أجنبت وصليت وما اغتسلت.وهذا بعد طلوع الشمس، ثم اغتسل رضي الله عنه، وفي رواية قال: إنا لما أصبنا الودك لانت العروق.اغتسل رضي الله عنه وصلى، ولم يأمر الناس بالإعادة.قالوا: وهذا القول هو قول جمهور العلماء رحمة الله عليهم، وله أصل في حديث أبي هريرة الذي ذكرناه في صحيح البخاري: (يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطأوا فلكم وعليهم) أي: لكم صلاتكم صحيحة وعليهم خطؤهم.ولكن لا يجوز للإمام أن يتقدم بالناس وهو محدث، ولا يجوز للمأموم أن يأتم به إذا علم حدثه، أو رأى عليه نجاسة، فإنك إذا رأيت حدثه وعلمت كونه محدثا، أو رأيت الإمام وقد دخل وقضى حاجته وانتقض وضوؤه، أو سمعت منه ما يوجب انتقاض وضوئه، ثم رأيت منه الذهول والنسيان، فتقدم بالناس وصلى فلا يجوز لك أن تأتم به، وإن ائتممت به فذهب طائفة من العلماء إلى أن الصلاة باطلة ولا تصح.وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #125  
قديم 15-08-2021, 11:55 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,836
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(باب صلاة الجماعة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (121)

صـــــ(1) إلى صــ(21)

شرح زاد المستقنع - فصل: الأولى بالإمامة [2]
من المسائل المتعلقة بالإمامة:
من هم الذين تصح خلفهم الصلاة والذين لا تصح خلفهم الصلاة؟ وهنا بيان للذين لا تصح الصلاة خلفهم،
وهم:
الصبي غير البالغ، إلا أن فيه خلافا والصحيح الجواز،
ومنهم:
الأخرس والعاجز عن الركوع أو السجود أو القيام أو القعود.وتصح الصلاة خلف من به سلس البول بمثله، ولا تصح خلف محدث ولا متنجس، ولا أمي لا يحسن القراءة.وهناك من تكره إمامتهم في الصلاة ذكرهم العلماء في باب الإمامة.
[تابع أحكام الإمامة]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله: [ولا تصح خلف فاسق ككافر، ولا امرأة وخنثى للرجال، ولا صبي لبالغ].ما زال المصنف رحمه الله يبين لنا الأمور التي تؤثر في الإمامة، فبين رحمه الله من لا تصح إمامته، وذكرنا عدم صحة إمامة الكافر بالمسلمين وبينا وجه ذلك، ثم تعرض رحمه الله لإمامة الفاسق، وبينا أن مذهب الحنابلة رحمة الله عليهم وجمهور أهل العلم على أن الصلاة خلف الفاسق صحيحة؛
لثبوت الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطأوا فلكم وعليهم)،
أي:
لكم صلاتكم كاملة وعليهم خطؤهم.
وقال العلماء:
إن الفاسق تجزئه في حق نفسه، ولذلك تصح إمامته لغيره.وبينا أن السلف الصالح رحمة الله عليهم كانوا يصلون خلف الفساق وما كانوا يبطلون الصلاة، كما هو فعل أنس بن مالك وعبد الله بن عمر رضي الله عن الجميع.ثم بعد ذلك ذكرنا إمامة المرأة للرجال،
وقلنا:
لا تصح إمامة المرأة للرجال، وأما إمامتها للنساء فللعلماء فيها قولان.
وأما الدليل على أن المرأة لا تؤم الرجال:
فقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)، فالنساء جبلن على الضعف الذي هو كمال لهن في أمورهن الخاصة، وجعل الله هذا الضعف رفقا بهن وبغيرهن، وفيه خير لهن ولغيرهن، ثم جعل في الرجل ما لم يجعله للمرأة من إمامة الرجال لافتتان الرجال بها وافتتانها بهم، ولذلك يضيع المقصود من الإمامة والصلاة من قصد القربة إلى الله عز وجل، وبناء على ذلك لا تصح إمامة المرأة للرجال، وشذ داود والطبري رحمة الله عليهما، فقالا بصحة إمامة المرأة للرجال،
وذلك لعموم قوله عليه الصلاة والسلام:
(يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله).وهذا القول ضعيف لمعارضته للسنة الصحيحة التي دلت على عدم ولاية المرأة، والإمامة ولاية، والصلاة كذلك من أعظم الأمور، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (لن يفلح قوم ولو أمرهم امرأة).
وأما بالنسبة لاحتجاجهم بعموم قوله عليه الصلاة والسلام: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) فمحل نظر؛ لأن لفظ (القوم) يطلق بمعنى الرجال،
كما في قوله تعالى:
{لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء} [الحجرات:11]، فقيل: إن القوم يطلق ويراد به الرجال خاصة،
بدليل عطف النساء عليه بعد ذلك بقوله تعالى:
(ولا نساء من نساء)، فلم تجتزئ الآية بذكر القوم حتى خصصت ذكر النساء، فدل على أن القوم يطلق ويراد به الرجال.
وأيضا قول الشاعر:
فما أدري ولست إخال أدري أقوم آل حصن أم نساء؟
فقوله: أقوم آل حصن أم نساء؟
أي: هل هم رجال أم نساء؟ فدل على إطلاق القوم وإرادة الرجال وحدهم، وهذا هو لسان العرب الذي نطق به القرآن، وكذلك نطقت به السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم.وبناء على ذلك لا تؤم المرأة الرجال، ولكن يردq هل المرأة تؤم النساء؟
في هذه المسألة قولان:
فقالت الحنابلة والشافعية رحمة الله عليهم: إن المرأة تؤم النساء.
واحتجوا بحديث أبي داود في سننه وعند أحمد في مسنده:
(أن أم ورقة استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم -وكانت امرأة صالحة- أن تؤم أهل دارها، فأذن لها -عليه الصلاة والسلام- بذلك)، وكان يؤذن لها رجل أعمى كفيف البصر،
قال الراوي:
فلقد رأيته قد سقط حاجباه فكان يؤذن لها، ثم تؤم أهل دارها، فدل على أنها تؤم النساء مثلها.وقالت الحنفية والمالكية رحمة الله عليهم: إن المرأة لا تؤم النساء.وهذا قول ضعيف،
وقد احتجوا بقوله عليه الصلاة والسلام:
(آخروهن حيث أخرهن الله)، وهو حديث ضعيف.
وقوله عليه الصلاة والسلام:
(خير صفوف النساء آخرها وشرها أولها)،
فقالوا:
إن الإمامة تكون فضلا، ولكن على هذا الوجه تكون بخلافه فتعارض مقصود الشرع من تأخير النساء.والصحيح جواز إمامة المرأة للنساء، وبناء على ذلك فلا حرج أن تصلي المرأة بمثلها من النساء.ثم قال رحمه الله: [ولا صبي لبالغ].
أي:
لا تصح إمامة الصبي للبالغ.
والصبي لا يخلو من حالتين:
الحالة الأولى: أن يكون غير مميز، وهو الصبي الطائش الذي لا يضبط أمور الصلاة ولا يعيها ولا يعقلها، فهذا لا يؤم البالغين بالإجماع.
والحالة الثانية: أن يكون الصبي يميز،
والمميز للعلماء فيه ضابطان:
فمنهم من يضبطه بالسن فيقول: هو الذي بلغ سبع سنين، وهو المميز، فمن كان دون سبع سنين فليس بمميز.
واحتجوا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم:
(مروا أولادكم بالصلاة لسبع)، فدل هذا الحديث على أن سن السبع هو سن التمييز، وأن الصبي يؤمر بالصلاة لسبع، وما دون سبع لا يؤمر لها، فدلنا على أن السبع فاصل بين التمييز وعدمه.وهناك قول ثان ضبط الصبي المميز بضابط الحال،
فقالوا:
الصبي المميز هو الذي يفهم الخطاب ويحسن الجواب.
أي:
إذا كلمته فهم ما تريد،
وإذا أجابك أحسن الجواب على الوجه الذي تطلب والفرق بين القولين: أن الصبي قد يكون قوي الذكاء فيحسن الجواب والخطاب وعمره خمس سنوات، أو ست سنوات؛ فحينئذ -على القول الأول- ليس بمميز، وعلى القول الثاني هو مميز، والصحيح اعتبار السن.
فقوله:
[ولا صبي لبالغ] أي: ولا تصح إمامة الصبي، والصبي من هو دون البلوغ، ومحل الخلاف في المميز، واختلف العلماء لو أن صبيا كان حافظا لكتاب الله عز وجل، وأم البالغين فهل تصح إمامته أو لا تصح؟ وجمهور العلماء على أن الصبي لا يؤم البالغين، وأنه لا يؤم البالغين إلا البالغ.وبهذا القول قال فقهاء الحنفية والمالكية والحنابلة رحمة الله على الجميع.
القول الثاني: إن الصبي إذا كان أحفظ القوم فإنه يؤم البالغين ولا حرج في ذلك، وبهذا القول قال الإمام الشافعي، وهو كذلك قول لطائفة من أصحاب الإمام أحمد رحمة الله على الجميع.
والذين قالوا: لا يؤم الصبي البالغين احتجوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم خاطب البالغين فقال في الحديث الثابت في الصحيح: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) يخاطب البالغين، فدل على أنه لا يؤم البالغين إلا واحد منهم.وقالوا أيضا: إن الصبي كالمجنون؛ لأن الصبي لم يبلغ الحلم ولم يكتمل عقله،
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:
(رفع القلم عن ثلاثة) ثم قال: (وعن الصبي حتى يحتلم)، فأخبر أنه لا يبلغ الحلم والعقل، وهذا معروف ومجمع عليه، فالصبي لا عقل عنده بمعنى الكمال،
وبناء على ذلك قالوا: إنه كالمجنون وهذا ضرب من القياس والنظر.
الوجه الثالث: قالوا: إن الصبي إذا أم البالغين فإنه متنفل؛ لأن الصلاة ليست بواجبة عليه، والذين يصلون وراءه من البالغين مفترضون، ولا يؤم المتنفل المفترض.فهذه هي أوجه من قال بعدم صحة إمامة الصبي للبالغين.أما الذين قالوا بصحة إمامة الصبي للبالغين فاحتجوا بحديث عمرو بن سلمة -وهو ثابت في الصحيح- أنه قال: كانت العرب تلوم بإسلامها فتح مكة ومعنى هذه العبارة: أن العرب كانوا يقولون: اتركوا هذا الرجل وقومه، وكانوا يجلون قريشا ويقدرونها ويعظمون أمرها،
وكانوا يقولون: أهل الحرم -
أي:
أهل مكة- لا يقصدهم ظالم إلا آذاه الله عز وجل، ولا يسلم من نقمة الله عز وجل.
فقالوا: إن كان محمد ظالما فسيكفيكم أمره ظلمه لقريش، وإن كان على حق وغلبهم أسلمنا وأطعنا، فقال عمرو بن سلمة: كانت العرب تلوم بإسلامها فتح مكة.
أي: تنتظر ما الذي سيجري بين محمد وأهل مكة، فلما فتحت مكة ظهر أن النبي صلى الله عليه وسلم دينه دين حق؛ لأنه لو لم يكن على حق لما فتحت له مكة،
كما قال الله تعالى:
{إذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا} [النصر:1 - 2]، قال: فقدم أبي وقومي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعلمهم ما شاء الله أن يعلمهم من أمور الإسلام وشرائعه.قال: ثم قال عليه الصلاة والسلام: (صلوا صلاة كذا في حين كذا وكذا وليؤمكم أكثركم قرآنا)، والرواية في الصحيح تقول: فرجعوا فنظروا فإذا أنا أكثرهم أخذا للقرآن فقدموني.
قالوا:
وهذا الحديث فيه أن عمرو بن سلمة وهو غلام ابن تسع سنوات قد أم هؤلاء البالغين، وكان في عصر التشريع والوحي، فلو كانت إمامة الصبي للبالغين لا تصح لما أجاز النبي صلى الله عليه وسلم لهم ذلك.
ووجه هذا أنهم قالوا:
إن عموم قوله: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) يدل على أن الصبي إذا كان حافظا للقرآن فإنه يقدم.
وناقش الجمهور هذا الحديث من وجوه:
فكان الإمام أحمد رحمة الله عليه إذا ذكر هذا الحديث -كما نقل عنه الإمام ابن قدامة وغيره-
يقول:
أي شيء هذا؟ أي شيء هذا؟ دعه فإنه ليس ببين.والسبب في هذا أن حديث عمرو بن سلمة فيه إشكال،
ووجهه أنه يقول: (كنت أؤمهم) وكان من التابعين ولم يلق النبي صلى الله عليه وسلم، فكان إذا سجد بدت عورته كما في رواية البخاري،
فقالت امرأة:
استروا عنا است قارئكم.فالإمام أحمد فطن إلى هذا المأخذ؛ إذ إن الإنسان لو صلى مكشوف العورة بالاختيار لبطلت صلاته، فدل على أنهم مجتهدون وهم قريبوا العهد بالجاهلية كما هو ظاهر الرواية في الصحيح،
فكان رحمه الله يقول:
أي شيء هذا؟ دعوه فإنه ليس ببين.أي: إذا أخذ على ظاهره من أنهم اجتهدوا؛ لأنه قال: فرجعوا فنظروا.
فقوله: (فنظروا) واضح في الدلال على أنهم اجتهدوا.كما رد الجمهور على هذا الحديث
[حكم إمامة الأخرس]
قال رحمه الله: [وأخرس].أي: ولا تصح الإمامة من أخرس، وهو الذي لا ينطق، وكل من كان مبتلى بالخرس -على أحد الوجهين- فإنه لا يتقدم الناس، والسبب في ذلك أن الإمام يتحمل القراءة،
قال صلى الله عليه وسلم:
(الإمام ضامن)، فالأخرس لا يستطيع القراءة، فكيف يتحمل عن الناس قراءتهم؟ وكيف يقوم بواجبات الصلاة وأركانها المشتملة على قراءة الفاتحة، وهكذا بالنسبة لأذكار الانتقال من التكبير والتسميع ونحو ذلك؟ فلا تصح إمامة الأخرس.
[حكم إمامة العاجز عن الركوع أو السجود]
قال رحمه الله:
[ولا عاجز عن ركوع أو سجود أو قعود أو قيام].
هذه كلها أركان للصلاة، فالقيام مع القدرة والركوع والسجود والجلوس كلها من أركان الصلاة،
فقالوا:
إذا كان الإمام عاجزا عن القيام أو الجلوس أو الركوع أو السجود فإنه لا يصلي بغيره، والسبب في ذلك أنه معذور في نفسه وغيره غير معذور، فعذره لا يتعدى إلى الغير،
ومن ثم قالوا:
لا يؤم العاجز عن القيام والعاجز عن الركوع والسجود غيره،
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى جالسا في موضعين:
الموضع الأول: حينما وقع من على فرسه وجرح شقه الأيمن، قال أنس -كما في صحيح مسلم-: (سقط رسول الله صلى الله عليه وسلم من على فرس فجحش شقه الأيمن -
أي:
جرح-، فصلى قاعدا فصلى وراءه أصحابه قياما،
فلما سلم قال:
لقد كدتم أ، تفعلوا فعل الأعاجم.

ثم قال عليه الصلاة والسلام:
إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا.وإذا رفع فارفعوا،
إلى أن قال:
وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعين)، فهذا يدل على أنهم يقتدون بالإمام إذا كان جالسا، وبناء على ذلك قالوا: إذا كان معذورا وهو الإمام الراتب جاز أن يصلي بالناس قاعدا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إمام راتب.والذين يقولون بالمنع من إمامة من يعجز عن الركوع والسجود والقيام السبب عندهم أن العجز مختص به والإمام ضامن، وبناء على ذلك لا يكون الناقص ضامن للكامل، وعلى هذا لا يحمل ولا يضمن للناس صلاة فلا يصح أن يتقدم بهم،
وهناك حديث:
(لا يؤمن أحد بعدي جالسا)، وهو حديث ضعيف.قال رحمه الله: [إلا إمام الحي المرجو زوال علته، ويصلون وراءه ندبا].هذه المسألة فيها خلاف،
فقال بعض العلماء:
لا يؤم الإمام الجالس أو القاعد مطلقا، سواء أكان إمام حي أم غيره.ويحتجون بالحديث الذي ذكرناه،
ومنهم من قال:
يؤم الإمام ولو كان جالسا إذا كان إماما راتبا أو إمام الحي فإنه يؤم جالسا ويصلي الناس وراءه، واختلفوا في المأمومين على قولين،
فقيل:
يصلون قياما.وقيل: يصلون جلوسا مثله.
فالذين قالوا:
يؤم ويصلي الناس وراءه جلوسا يحتجون بحديث أنس، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما سقط من على الفرس وصلى جالسا عتب على الصحابة أن صلوا وراءه قياما،
وبناء على ذلك قالوا:
إن هذا يدل على أن الإمام لا يصلى وراءه إلا بالصفة التي هو عليها،
فإن صلى معذورا جالسا صلينا وراءه جلوسا لقوله عليه الصلاة والسلام:
(وإن صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعين).
القول الثاني يقول:
لا يصلون وراءه جلوسا، وإنما يصلون وراءه قياما؛ لأن الإمام معذور في حق نفسه ومن وراءه غير معذور، فهو مخاطب بأن يقوم كما أمره الله، فيبقى العذر مخصوصا بصاحبه ويبقى غيره على القيام، فقيل لهم: كيف تجيبون عن حديث أنس؟
قالوا:
حديث أنس كان في أول الأمر، ثم نسخ بصلاته عليه الصلاة والسلام في مرضه.فإنه لما مرض مرض الموت وتقدم أبو بكر ليصلي بالناس جاء النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة ثم قعد فصلى، فصلى أبو بكر بصلاته يسمع الناس، فكان النبي صلى الله عليه وسلم جالسا والصحابة من ورائه قياما،
فقالوا:
هذا وقع في آخر إمامة أم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة، ويؤكدون هذا بأن النصوص قوية في الدلالة على مخاطبة المكلف بالقيام، فنبقي هذه النصوص التي أوجبت القادر على القيام على دلالتها، ثم يستثنى الإمام لمكان العذر، وتكون صورة الصلاة كصورة إمامته عليه الصلاة والسلام في هذه الواقعة التي كانت آخر حياته، بل كانت آخر إمامة وقعت منه عليه الصلاة والسلام للصحابة.
وجمع الإمام أحمد رحمة الله عليه بين هذه النصوص فقال:
إذا كان إمام الحي المرجو زوال علته فإنهم يصلون وراءه جلوسا -على الصفة التي ذكرناها، ويكون ذلك ندبا كما ذكر العلماء رحمة الله عليهم، وهذا بأمره عليه الصلاة والسلام- وأما إذا كان طرأ عليه العذر أثناء الصلاة فإنهم يصلون وراءه قياما.
فجمع بين الحديثين بأن قوله عليه الصلاة والسلام:
(إذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعين) عام سواء أبتدأ الصلاة جالسا أم طرأ عليه الجلوس أثناءه، وأما حديث مرض الموت فإن الجلوس من الإمام طرأ ولم يكن في أول الصلاة؛ لأن الذي استفتح الصلاة إمام قائم وهو أبو بكر، والجلوس طرأ بعد هذه الإمامة،
وبناء على ذلك يقول:
كأنه وجب عليهم أن يقوموا في مرض الموت، وبقي حديث أنس على العموم.فكأنه يرى أنه لا يصلي المأمومون وراء الإمام قياما إلا في حالة واحدة، وهي أن يستفتح الصلاة بهم وهو صحيح ثم يشتد عليه مرضه فيجلس، فإذا استفتح بهم الصلاة وهو صحيح واشتد عليه المرض وجلس فيصلي المأمون وراءه قياما، وأما في غيرها، كأن يصلي من بداية الصلاة جالسا فيصلي الناس وراءه جلوسا.فهذا في الحقيقة فيه الجمع بين النصوص وهو أقوى الأقوال -إن شاء الله- وأقربها إلى الصواب.
وقوله: [ويصلون وراءه جلوسا ندبا].لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر، فصرف الأمر من الوجوب إلى الندب لوجود حديث مرض الموت؛ لأنه معارض لحديث الأمر، فحملوا الأمر على أنه محمول على الندب، وأكدوا هذا بأن الصحابة لما صلوا وراء النبي صلى الله عليه وسلم قياما لم يؤثمهم.
وقالوا:
إن هذا يدل على أن الأمر للندب والاستحباب، وليس للحتم والإيجاب.
قال رحمه الله:
[وإن ابتدأ بهم قائما ثم اعتل فجلس ائتموا خلفه قياما وجوبا].هذا على ظاهر حديث مرض الموت، فإن الصحابة بقوا على حالتهم وهم قائمون، ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم عليهم ذلك،
وبناء على ذلك نقول:
إذا دخلت المسجد والإمام الراتب يريد أن يصلي جالسا واستفتح الصلاة جالسا فصل وراءه جالسا،
ودليلك حديث أنس: (وإذا صلى جالسا فصلوا وراءه جلوسا أجمعين)، وأما إذا دخلت والإمام يستفتح الصلاة وليست به علة، ثم طرأ عليه المرض، أو طرأ عليه العذر فاحتاج للجلوس فإنك تبقى على القيام حتى تتم الصلاة لحديث مرض الموت.
[حكم إمامة من به سلس البول]
قال رحمه الله: [وتصح خلف من به سلس البول بمثله].بعد أن ذكرنا المعذور في الأركان انتقل إلى المعذور في الشروط، فابتدأ بالمعذور في شرط الطهارة.فلو كان الإمام به علة، أو به مرض كسلس البول، فهذا المرض -في الأصل- يقتضي أنه معذور، وبناء على ذلك فإن طهارته لا تأتي على الوجه الكامل، وإنما رخص له أن يتوضأ عند دخول وقت كل صلاة، وإلا فإنه غير متوضئ؛ لأن السلس لا يمكنه من إبقاء طهارته على ما هي عليه، فكأنك تصلي وراء إنسان محدث،
وبناء على ذلك قالوا: هذا عذر في حق نفسه أن يصلي وبه سلس، والإمام -خاصة على مذهب الحنابلة والحنفية- يحمل الفاتحة عن المأموم، ويحمل الأركان،
فقالوا:
لا بد وأن يكون على صفة يكون بها حصول براءة الذمة، وهي أن يكون متطهرا، فلا يكون محدثا، أو في حكم المحدث،
فقالوا: صحيح أن الشرع عذره أن يصلي وبه سلس البول، ولكن عذره في حق نفسه، ولم يأتنا دليل أن من به سلس يصلي بالناس، وعلى هذا فإنه لا يصح أن يصلي بغيره، وإنما يصلي بمن هو مثله، فلو وجد إنسان به سلس البول إماما به سلس بول فإنه يصلي معه؛ لأن حالتهما واحدة، فيبني المثل على مثله، أما القوي فلا يبنى على الضعيف.
[حكم صلاة المأمومين خلف محدث]
قال رحمه الله: [ولا تصح خلف محدث].
قوله: [ولا تصح خلف محدث] عموم، سواء أحدث حدثا أصغر أم أكبر، وصورة ذلك أن يعلم المأمومون أن إمامهم محدث، فإن علموا أن إمامهم محدث فإنه لا يجوز لهم أن يأتموا به، ولو وقع الحدث أثناء الصلاة وتابعوه بركن واحد بعد الحدث بطلت صلاتهم، وإنما يلزمهم بمجرد حدث الإمام أن ينووا مفارقته.فلو أن إماما تقدم، ثم أحدث أثناء صلاته وإمامته، سواء في أول الصلاة أم في وسطها أم في آخرها قبل تمامها، فالذي يفعله الإنسان هو أنه إذا أمكن أن يستخلف فلا إشكال، لكن لو كان جاهلا، أو لا يمكنه الاستخلاف فإنك تنوي المفارقة، وتنوي مفارقته كأنك منفرد، وتحتسب لنفسك ما كان من صلاتك، وبناء على ذلك لو أحدث في الركعة الثانية وأنت في الظهر فتتم الثانية ثم الثالثة والرابعة وتسلم، وهذا إذا أحدث وعلمت بحدثه أثناء الصلاة، أما لو علمت بحدثه قبل الصلاة فلا يجوز لك أن تأتم بإمام محدث، وبناء على ذلك لو ائتم به وهو يعلم بحدثه قبل الصلاة بطلت صلاته.وهناك صورة ثالثة وهي لو أن هذا الإمام كان محدثا ولم يعلم المأمومون إلا بعد انتهاء الصلاة، كما لو قام إلى صلاة الفجر يظن أنه على غير جنابة، فتوضأ ثم صلى بالناس، وبعد أن سلم وانتهى تبين له أنه محدث، أو أحدث حدثا أصغر ثم نسي أنه محدث، فتذكر أنه على طهارة ولم يذكر الحدث الذي بعد طهارته، ثم تقدم وصلى بالناس، وبعد أن صلى تذكر أنه أحدث قبل صلاته،
فللعلماء في هذه المسألة قولان:
القول الأول: إذا كان الإمام محدثا ولم يعلم المأمومون بحدثه إلا بعد الصلاة فإن صلاتهم صحيحة.وبهذا قال جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة وطائفة من أهل الحديث.أي أن الإمام إذا صلى بالناس ناسيا للحدث، ثم لم يتذكر إلا بعد انتهاء الصلاة فإن صلاة المأمومين وراءه صحيحة، ولو كان بعد تسليمه مباشرة.
القول الثاني:
إن صلاة المأمومين فاسدة وتلزمهم الإعادة حتى ولو بعد سنوات وبهذا القول يقول فقهاء الحنفية رحمة الله على الجميع.
واستدل الجمهور على صحة صلاة المأمومين بما ثبت في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الأئمة:
(يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطأو فلكم وعليهم)،
فوجه الدلالة من هذا الحديث أن قوله:
(وإن أخطأوا فلكم) أي: لكم صلاتكم كاملة، (وعليهم) أي: عليهم خطؤهم.وهذا عام يشمل خطأ الشروط وخطأ غيرها.
وبناء على ذلك يقولون: إن هذا يدل على صحة الصلاة وراء الإمام المحدث.وكذلك احتج الجمهور بإجماع الصحابة، وذلك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه -كما روى مالك عنه في الموطأ- صلى بالناس الفجر ثم انطلق إلى مزرعته بالجرف بضاحية المدينة، فلما جلس على الساقية -على قنطرة الماء-
نظر إلى فخذه فإذا هو بأثر الماء من الاحتلام فقال:
ما أراني إلا أجنبت وصليت وما اغتسلت.فقام رضي الله عنه مباشرة واغتسل وأعاد صلاة الفجر بعد طلوع الشمس، ولم يأمر الناس بالإعادة، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة رضوان الله عليهم.فهذه سنة راشدة عن خليفة راشد في نفس المسألة المتنازع عليها، ولم ينكر عليه أحد من فقهاء الصحابة وأجلائهم، وبناء على ذلك فكأنه إجماع منهم أن الإمام إذا صلى بالناس وهو لا يعلم بحدثه فإن صلاتهم صحيحة، ولا تلزمهم الإعادة.وأما الذين قالوا بأنه تلزمهم الإعادة فإنهم احتجوا بما جاء عن علي رضي الله عنه أنه صلى بالناس الفجر، ثم رأى أثر الاحتلام، فأمر مناديا أن ينادي في الناس بإعادة صلاة الفجر.ووجه الدلالة أن عليا أعاد الصلاة، ولم تكن الإعادة لازمة حتى ألزم الناس بها.والذي يترجح في نظري -والعلم عند الله- هو القول بعدم الإعادة، وأن الصلاة صحيحة؛ لظاهر الأدلة من السنة والآثار عن الصحابة رضوان الله عليهم، وأما ما احتج به أصحاب القول الثاني من أثر علي ففيه كلام، ولو صح فإنه معارض بما هو أقوى، ويحتمل أن عليا لم يبلغه حديث أبي هريرة رضي الله عنه،
ونقول:
إن فعل عليا قد عارضه فعل عمر، ولا شك أن عمر رضي الله عنه محدث ملهم مقدم؛ لأنه إذا تعارضت آراء الصحابة نظر إلى الفضائل، ففضل عمر رضي الله عنه لا شك أنه مقدم على فضل علي رضي الله عن الجميع.وبناء على هذا فإن الذي يترجح هو القول بصحة الصلاة، وأن المأمومين لا تلزمهم الإعادة، ودرج على هذا المصنف رحمه الله، وهو قول الجمهور كما قلنا.
[حكم صلاة المأمومين خلف متنجس]
قال رحمه الله: [ولا متنجس يعلم ذلك، فإن جهل هو والمأموم حتى انقضت صحت لمأموم وحده).
قوله: [ولا متنجس] أي: ولا تصح الصلاة وراء متنجس يعلم بنجاسته، كإنسان -مثلا- كان على ثوبه بول، أو غيره من النجاسات، فإنك إذا رأيت النجاسة في ثوب الإمام فإن أمكنك أن تريه النجاسة وينصرف ويستخلف فلا إشكال، فلو أن النجاسة في طرف كمه فإنك تتقدم إلى جوار الإمام وتسحب كمه لتريه -لأنها حركة لمصلحة الصلاة- حتى يستخلف وتصح صلاة من وراء.وإذا تعذر عليك إعلامه، أو كان الإمام جاهلا فحينئذ بمجرد رؤيتك للنجاسة والخلل في الإمام فإنك تنوي مفارقته -
أي:
تنوي أنك منفرد-، وتتم لنفسك وصلاتك صحيحة، أما لو رأيت النجاسة وبقيت وراءه عالما بنجاسته التي في ثوبه فإن صلاتك وراءه باطلة، وتبطل بأداء ركن واحد بعد العلم.قوله: [فإن جهل هو والمأموم حتى انقضت صحت لمأموم وحده].
هنا مسألتان: المسألة الأولى: أن يصلي الإمام وهو محدث غير عالم بحدثه؛ فلا إشكال أنه يطالب الإمام بالإعادة ولا يطالب المأمومون.
الحالة الثانية:
أن يصلي بنجاسته التي لا يعلمها حتى ينتهي من الصلاة فلا يعيد هو ولا المأمومين.فإذا كان الإمام محدثا فحينئذ تلزمه الإعادة؛
لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)، وأما إذا كان في ثوبه أو بدنه نجاسة لا يعلمها، فإن الإعادة لا تلزمه ولا تلزم المأمومين،
والسبب في ذلك حديث أنس الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم:
(أنه صلى بالصحابة فخلع نعاله أثناء الصلاة، فخلع الصحابة نعالهم، فلما سلم -عليه الصلاة والسلام-
قال:
ما شأنكم؟
قالوا:
يا رسول الله! رأيناك خلعت فخلعنا.

فقال عليه الصلاة والسلام:
أما إنه قد أتاني جبريل فأخبرني أنهما ليستا بطاهرتين)،
أي:
خلعتهما لعذر، وهو وجود النجاسة.ووجه الدلالة من هذا الحديث -وهو دقيق- أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعد الصلاة من بدايتها، حيث كبر تكبيرة الإحرام، ويحتمل أنه فعل بعض الركعات، ومع ذلك لم يستأنف الصلاة بعد العلم بالنجاسة، وإنما بنى، فكما صحت أجزاء الصلاة والإحرام بتكبيرة الإحرام التي هي الركن، فكذلك تصح الصلاة في كمالها إذا علم بعد السلام،
وبناء على ذلك يفرق في الإمام بين أمرين:
الأول: أن يكون محدثا ولا يعلم بحدثه أو لا يتذكر أنه محدث إلا بعد الصلاة.فإنه حينئذ تلزمه الإعادة.
والثاني:
أن يكون الإمام عليه نجاسة في بدنه أو ثوبه ولا يعلم بها، أو كانت في المكان الذي يصلي به ولا يعلم بها إلا بعد انتهاء الصلاة، فصلاته وصلاة من وراءه صحيحة.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #126  
قديم 15-08-2021, 11:55 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,836
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(باب صلاة الجماعة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (122)

صـــــ(1) إلى صــ(21)

[حكم إمامة الأمي]
قال رحمه الله:
[ولا إمامة الأمي، وهو من لا يحسن الفاتحة، أو يدغم فيها ما لا يدغم، أو يبدل حرفا، أو يلحن فيها لحنا يحيل المعنى إلا بمثله].
أي: ولا تصح إمامة الأمي، والأمي نسبة إلى أمه، أي: الإنسان الذي لا يقرأ ولا يكتب.والأمية وصف لهذه الأمة،
والعلماء رحمة الله عليهم يقولون: الأمية وصف شرف لهذه الأمة.على خلاف ما يظن بعض المتأخرين -وخاصة في هذه الأزمنة- أن الأمية وصف ذلة، أو وصف نقص.فهذا ليس بصحيح، بل الأمية وصف شرف لهذه الأمة،
قال تعالى: {الذي بعث في الأميين رسولا منهم} [الجمعة:2]، وقال عليه الصلاة والسلام -كما في الصحيحين-: (إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا).
وانتبه رحمك الله: فإن الأمية لا تستلزم الجهل، وفرق بين الأمية والجهل؛ لأن الإنسان قد يكون أميا لا يقرأ ولا يكتب وهو عالم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان إمام العلماء وقدوتهم صلوات الله وسلامه عليه وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب، فليست الأمية مستلزمة للجهل، وفرق بين الجهل والأمية،
إلا أنهم قالوا:
الغالب في الشخص إذا بقي على حاله منذ أن ولدته أمه أن يكون جاهلا أي: أنه يكون به الجهل، ولكن ليس هذا مطردا، فكم من علماء لا يقرؤون ولا يكتبون، وكم من كفيف البصر لا يقرأ ولا يكتب، ومع ذلك قد يكون أعلم الناس وأعرفهم بالحلال والحرام.فعدم القراءة والكتابة الذي هي وصف الأمية لا يستلزم الجهل،
ولذلك قالوا:
إن الأمية وصف شرف لهذه الأمة، وليست بوصف نقص.ف (الأمي) الذي يجهل، فالجاهل الذي لا يعلم أحكام الصلاة ولا يعرف ما يقرأ فإنه لا تصح صلاته إلا بمثله،
وبعض العلماء يضع ضابطا للأمي فيقول:
هو من لا يحسن الفاتحة.وهذا ضابط خاص بالإمامة وهو الصحيح، فالمراد بالأمي: الذي لا يحسن الفاتحة، وبناء على ذلك إذا كان لا يحسن الفاتحة فإنه لا تصح صلاته إلا بمثله أو من هو دونه،
ولكن إذا كان أعلم منه فللعلماء قولان:
قال بعض العلماء: إذا أم الأمي غيره ممن هو أحسن منه وأعلم منه بطلت صلاة من وراءه وصحت صلاة الأمي.
وقال الحنفية: إذا حضر القارئ والأمي في الصلاة بطلت صلاة الأمي ومن وراءه والقارئ معه؛ لأن الواجب أن يقدم القارئ، وكانوا معذورين قبل حضور القارئ، فلما حضر القارئ بطل عذرهم، ووجب عليهم أن يأتموا بالقارئ؛ لأنه عندهم، والإمام لا بد وأن يكون على وجه يضمن به،
لقوله عليه الصلاة والسلام: (الإمام ضامن)، وبناء على ذلك لا تصح إمامة الأمي إلا بمثله أو من هو دونه.
قوله:
[وهو من لا يحسن الفاتحة، أو يدغم فيها ما لا يدغم، أو يبدل حرفا].هذا كله من صفات الأمي فمن ذلك أن لا يحسن الفاتحة، أو يدغم ما ليس يدغم، فتجده يغير في أوضاع الحروف وصفاتها التي هي من حقوق الحرف، فإذا كان بهذه الصفة فلا تصح إمامته،
ولو كان يبدل المعنى ويلحن لحنا يحيل المعنى كأن يقول:
(أهدنا الصراط المستقيم)،
أو يقول:
(إياك نعبد)، فإن (إياك) و (إياك) معناهما مختلف؛
فإنه إذا قال: (إياك) خرج عن المعنى المقصود، ويعتبر لحنا محيلا للمعنى، فتبطل صلاته، فإذا صلي وراء مثل هذا تبطل صلاة من وراءه، ويعذر إذا كان جاهلا وليس هناك من يعلمه.أما لو كان هذا الأمي يمكنه أن يتعلم وقصر في التعليم فإنه تبطل صلاته وصلاة من رواءه وتلزمه الإعادة مدة تقصيره.فلو كان الأمي في بادية بعيدا عن الناس، وليس عنده من يعلمه فإنه يعذر، وبناء على ذلك يعتبر بعده وعدم وجود من يعلمه عذرا له، لكن لو فرض أنه كان بموضع قريب من العلماء ويمكنه أن يأتيهم، أو جاء أناس من أهل العلم إلى الموضع الذي هو فيه وأمكنه أن يصحح قراءته فقصر وترك التصحيح، ولم يتعرض لهم بشيء ليتيسر له أن يصحح قراءته ولم يفعل؛ فتعتبر صلاته وصلاة من وراءه باطلة؛ لأنه غير معذور حينما كان عاجزا عن إتقان الفاتحة،
لكنه لما تيسر له أن يتقنها قالوا:
فإنه يأثم، ويكون عليه إثمه وإثم من يصلي وراءه -نسأل الله السلامة والعافية-.
وقالوا:
لو صلى بالناس عشر سنوات بهذه الصفة تلزمه الإعادة عشر سنوات.فالأمر جد عظيم، فإذا كان يلحن في الفاتحة لحنا يحيل المعنى ويمكنه أن يجلس مع العلماء ولا يتعلم، أو جاءه عالم، أو من يستطيع أن يصحح له قراءته فامتنع وتكبر، أو استنكف، أو اعتذر بأعذار لا تغني فإنه يأثم ويتحمل وزره ولو مرت عليه سنوات، نسأل الله السلامة والعافية.
قوله:
[أو يلحن فيها لحنا يحيل المعنى].
هذا كما لو قال: (أنعمت عليهم).
فإذا قال:
(أنعمت عليهم) أو: (إياك نعبد) أو: (أهدنا الصراط المستقيم)، أو أبدل حرفا بحرف، أو أدغم بعض الحروف ببعضها يجعل في موضع لا يصح فيه الإدغام فإنه في هذه الحالة يعتبر لحنا مؤثرا، وهكذا إذا لحن، أو كان في لسانه علة يبدل بها حرفا مكان حرف،
كأن يقول:
أهدنا الشراط.بدل الصراط، فإنه في هذه الحالة يكون إبداله مؤثرا، وهكذا بالنسبة للتمتام والفأفاء ونحوهم ممن فيه آفة في لسانه لا تمكنه من إعطاء الحروف حقوقها من الصفات المعتبرة.
وقوله: [إلا بمثله].
أي:
إذا أم الأمي مثله صحت.
قال رحمه الله:
[وإن قدر على إصلاحه لم تصح صلاته].
أي: وإن قدر على إصلاح خطئه لم تصح صلاته؛ لأنه مفرط ويلزم بعاقبة تفريطه، وهذا -نسأل الله السلامة والعافية- من التكبر والاستنكاف عن الحق، ومثل هذا لا يجوز أن يقدم إذا كان يلحن لحنا يحيل المعنى وهناك من يستطيع أن يقرأ بدون لحن، فيجب على الناس أن يقدموا القارئ، وإذا لم يقدموه فإنهم يأثمون.
[من تكره إمامته للناس]
قال رحمه الله: [وتكره إمامة اللحان والفأفاء والتمتام، ومن لا يفصح ببعض الحروف، وأن يؤم أجنبية فأكثر لا رجل معهن أو قوما أكثرهم يكرهه بحق].
أي:
الذي يلحن لحنا لا يحيل المعنى، أما لو كان لحنا يحيل المعنى فكما تقدم في الأمي.
وقوله: [والفأفاء والتمتام].
الفأفاء:
الذي إذا جاء يقرأ يكثر من الفاء أثناء حديثه بقوله: (ف ف ف)، فتجده يرددها مرات.والتمتام في التاء، فتجده إذا أراد أن يتكلم يتأخر ويأتي بالتاء مكررة.
قوله: [ومن لا يفصح بعض الحروف].
كأن يقول: (الشراط) بدل الصراط، أو تكون صفات الحروف متداخلة عنده بطبيعة لسانه، أو يكون فيه عجمة، كأن يقول في (الرحمن): الرهمن، بالهاء، فهذا أيضا يعتبر إبدال حرف بحرف، وهكذا بالنسبة للراء إذا كان ألثغ.قوله: [وأن يؤم أجنبية فأكثر لا رجل معهن].
أي: ويكره له أن يؤم أجنبية فأكثر لا رجل معهن، وذلك لأنه منهي عن الدخول على النساء والخلوة بهن إذا لم يكن من المحارم،
قال عليه الصلاة والسلام:
(إياكم والدخول على النساء.
قالوا:
يا رسول الله! أرأيت الحمو؟
قال:
الحمو الموت)،
وإذا خلا بأجنبية فإنه منهي عن هذه الخلوة لقوله عليه الصلاة والسلام:
(ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما)، وقال: (ألا لا يخلون رجل بامرأة) فهذا نهي،
قالوا:
وبناء على ذلك لا يصلي الرجل الأجنبي بالمرأة الأجنبية على خلوة؛ لأنه قد يخرج عن مقصود الصلاة إلى الفتنة.وقوله: [أو قوما أكثرهم يكرهه بحق].
لقوله عليه الصلاة والسلام:
(وأن يؤم القوم وهم له كارهون)، وفي هذا الحديث وعيد شديد، حتى عد بعض العلماء هذا من الكبائر.
والكراهة تنقسم إلى قسمين:
إما تكون كراهة مشروعة، وإما أن تكون كراهة غير مشروعة.فالكراهة المشروعة التي تكون لخلل في الإمام لدينه، أو يكون إنسانا يعسر عليهم ويؤذيهم ويخرج عن حدود السنة، فتجده يطول عليهم وأسلوبه منفر، فمثل هذه الكراهة شرعية،
ولذلك لما جاء الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إنه يتأخر عن الصلاة مما يطول فلان قال عبد الله فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعظ موعظة أشد من تلك الموعظة وقال: (إن منكم منفرين) فأقر الرجل حينما كره من هذا الإمام إطالته، ولما شكي بـ معاذ في الإطالة لم يعتب على الشاكي في ذلك، وإنما سمع شكواه،
وعنف معاذا وقال له: (أفتان أنت يا معاذ)، فهذه كراهة مشروعة، فكون الإمام إذا دخل المحراب نسي من وراءه، فلم يرحم الشيخ الكبير، ولا يراعي السقيم، ولا يراعي ذا الحاجة، ولربما يكون المسجد في مكان فيه الناس في شغل فلا يراعي أوضاعهم، ويحاول أن يطول بهم ويعنفهم، وقد تكون فيه شدة وغلظة وعنف فمثل هذا يكره كراهة جبلية لا يستطيع الإنسان أن يمسك عنها نفسه، خاصة وأنه على خلاف السنة، وعلى خلاف هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ومثل هذا لا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار إليه،
فقال:
(إن منكم منفرين)، فإذا كرهوه لهذا الوجه من وجود العنف والمشقة والإضرار بهم فالكراهة شرعية، ومثل هذا ينطبق عليه الوعيد الشديد،
وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة لا تجاوز صلاتهم رءوسهم قيد شبر:
-أي: لا تقبل منهم نسأل الله السلامة والعافية، ولا ترفع إلى السماء- رجل أم قوما وهم له كارهون، وعبد أبق عن سيده حتى يعود إليه، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط)
، فهؤلاء الثلاثة لا تجاوز صلاتهم رءوسهم قيد شبر، فنسأل الله السلامة والعافية.وإذا كان الإمام لا يبالي فالأمر أشد وأعظم،
فإذا قيل له:
إن الناس يكرهونك.
أو: لا تطول على الناس ولا تؤذهم،
قال:
من أعجبه فالحمد لله، ومن لم يعجبه فلينصرف.فهذه جرأة، ومثل هذا على خطر، فينبغي عليه أن يتقي الله عز وجل، وأن يراقب نفسه، وأن يستشعر أنه على نقص وأنه بشر، وقد يكون من الإنسان الخطأ وهو لا يدري، فالعين لا ترى ما بها إلا بالمرآة، فالإنسان لا يستطيع أن يرى ما بعينه إلا بمرآة، والمرآة هم الناس،
فإذا جاءك الناس وقالوا لك: إنك تطول أو جاءك أكثر من شخص، أو شخص تثق بدينه وبأمانته فاعذر الناس وأنصفهم من نفسك.وأما الكراهة غير الشرعية فهي التي تكون من أناس متساهلين في أمور دينهم والإمام يدعوهم إلى السنة، ويدعوهم إلى طاعة الله عز وجل فيكرهونه لأنه يدعوهم إلى الخير، ويكرهونه لأنه يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويكرهونه؛ لأنه لا يحابيهم، ويصدع بالحق، فهذه الكراهة وجودها وعدمها على حد سواء،
ومثل هذا ينطبق عليه قوله عليه الصلاة والسلام:
(من أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس)، فهذا على خير وعلى سنة ورشد، فإن كان الإمام مكروها فإنه لا يقدم على الناس من يكره؛ لأنه إذا تقدم على الناس من يكره لا ترتاح الناس للصلاة وراءه، ولا تتأثر بقراءته، ولا تتأثر بمواعظه، وفي هذا صرف للناس عن الخير، ولذلك عاتب النبي صلى الله عليه وسلم معاذا، وأمره أن يهيئ لنفسه ما يدعو إلى قبول إمامته وحبه والإقبال عليه.
[حكم إمامة ولد الزنا والجندي]
قال رحمه الله:
[وتصح إمامة ولد الزنا والجندي إذا سلم دينهما].تصح إمامة هذين إذا كانا على ديانة واستقامة، فولد الزنا الذنب ذنب غيره وليس بذنبه،
وقد قال تعالى:
{ولا تزر وازرة وزر أخرى} [الأنعام:164]، وكره بعض العلماء أن يقدم ابن الزنا للإمامة بالناس، وهذا قول فاسد؛
فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله)، وقد يكون على صلاح وديانة واستقامة، والذنب ذنب غيره وليس بذنبه هو، وليس عليهم من وزر والده شيء، وما ورد من أنه لا يدخل الجنة فباطل وقول مردود مصادم للنصوص الصحيحة الصريحة في كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا قول شاذ لا يعول على مثله، وهذا قول رده العلماء وأبطلوه؛ لأنه يصادم النصوص الصحيحة الصريحة في كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف يضيع الله صلاحه وقد صلح واستقام؟! وقد أخبر الله تعالى أنه يخرج الحي من الميت، فقد أخرج عكرمة من رأس الكفر أبي جهل، فلذلك لا يمتنع أن يخرج العبد الصالح من أصل فاسد، وقد يكون الرجل زنى ثم تاب إلى الله فتاب الله عليه، وهكذا بالنسبة لأمه، فالمقصود: أن ولد الزنا تصح إمامته إذا استقام،
لكن بعض العلماء يقول:
إذا وجد غيره وهو مثله
-أي: في مثل حاله- يقدم عليه؛ لئلا يغتابه الناس، ولأجل صيانة الإمام إذا وجد غيره، أما إذا لم يوجد غيره، أو كان أفضل الموجودين فخليق بها، ونعما هو عليه.
وقوله:
[والجندي].كذلك الجندي تصح إمامته ويصلي بالناس إذا كان على استقامة وخير.
حكم صلاة من يصلي قضاء خلف مؤد والعكس
قال رحمه الله:
[ومن يؤدي الصلاة بمن يقضيها وعكسه].
مثال ذلك:
لو أنك دخلت على أخيك وهو يصلي العصر -
خاصة عند من يقول:
إنه يجوز أن تصلى الظهر وراء العصر- وأنت تنوي الظهر قضاء فإنه يجوز ذلك ولا حرج فيه، فصلاتك مقضية وراء مؤد، وهكذا لو قضى الظهر فجئت وصليت وراءه العصر أداء صح هذا، فيصح الأداء خلف القضاء والقضاء خلف الأداء إذا اتحدت صورة الصلاتين، وبناء على ذلك لا حرج، ويعتبر العلماء هذا مع اختلاف النية لحديث معاذ رضي الله عنه الثابت في الصحيح حينما كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء، وينطلق إلى قومه يصلي بهم العشاء فهو متنفل وهم مفترضون، فاختلفت نيته معهم، وقالوا: فلا يؤثر أن ينوي القضاء وينوي غيره الأداء، أو ينوي هو الأداء وغيره ينوي القضاء، فلا حرج في هذا.
وقوله:
[وعكسه].
أي:
كذلك لو صلى أداء وصليت وراءه قضاء فلا حرج، وهكذا بالنسبة لصلاة الظهر، فلو أن إنسانا نسي صلاة الظهر البارحة ولم يذكرها إلا اليوم، ودخل عليك وأنت تصلي الظهر، فإنه هو قاض وأنت مؤد، فيصح القضاء خلف الأداء، ولو ابتدر هو بصلاة الظهر وصلاها بنية القضاء، ثم دخلت عليه بعده فنويت وراءه الأداء صح ذلك ولا حرج.
[حكم صلاة مفترض خلف متنفل]
قال رحمه الله:
[لا مفترض بمتنفل].
أي:
لا يصح أن يصلي المفترض وراء إمام متنفل.
وهذه المسألة فيها قولان للعلماء:
القول الأول يقول: يجوز أن يصلي المفترض وراء المتنفل.وبهذا القول قال فقهاء الشافعية وجمع من أصحاب الإمام أحمد، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله على الجميع.
القول الثاني: لا يصح أن يؤم المتنفل المفترضين.وبهذا القول قال جمهور العلماء من المالكية والحنابلة والحنفية.أما الذين قالوا بصحة صلاة المفترض خلف المتنفل فاحتجوا بحديث معاذ الذي سبقت الإشارة إليه الثابت في الصحيح أنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم عشاء، ثم ينطلق إلى قومه فيصلي بهم وهو متنفل وهم مفترضون.
وفي الرواية عن جابر:
(هي له تطوع ولهم فريضة)، ووجه الدلالة أن هذا وقع من معاذ رضي الله عنه وعلمه النبي صلى الله عليه وسلم وأقره على ذلك، فدل على صحة إمامة المتنفل بالمفترض.وذهب الجمهور -كما قلنا- إلى عدم صحة إمامة المتنفل بالمفترض،
واحتجوا بقوله عليه الصلاة والسلام:
(إنما جعل الإمام ليؤتم به إلى أن قال: فلا تختلفوا عليه)، فوجه الدلالة أن هذا نهي، فإذا كانوا ناوين للفريضة وراءه فقد اختلفوا عليه، وبناء على ذلك لا يصح أن يوقع الفريضة مع إمام متنفل، ثم إن الفريضة أقوى من النافلة، وقد عهدنا بناء الضعيف على القوي لا بناء القوي على الضعيف، خاصة أن الإمام ضامن.ثم أجابوا عن حديث معاذ بوجوه،
فقالوا:
إن حديث معاذ محمول على أنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم النافلة ويأت قومه فينوي الفريضة.وهذا مردود وباطل، خاصة وأنه يصادم الراوية الصحيحة عن جابر أنه كان ينوي وراء النبي صلى الله عليه وسلم الفريضة ثم يصلي بقومه نافلة.ولا يعقل أن معاذا رضي الله عنه -وهو الفقيه- يضيع صلاته وراء النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الفريضة أفضل.كما أجابوا -أيضا-
عن حديث معاذ بقولهم:
سلمنا في حديث معاذ أن قومه مفترضون وهو متنفل،
ولكن نقول:
قد نهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.ولذلك يقول فقهاء الحنفية أنه منسوخ.
وبناء على ذلك لا يصلح للاحتجاج به لرواية السنن:
(إما أن تصلي معنا أو تصلي مع قومك)،
فقالوا:
فهذا يدل على أن هذا الفعل منسوخ.وهذا باطل؛ لأن الرواية متكلم في سندها، وبناء على ذلك لا يسلم النسخ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم في الرواية الصحيحة أنكر عليه الإطالة، ولم ينكر عليه إمامته بقومه وهو متنفل،
وإنما قال:
(أفتان أنت يا معاذ؟)، ثم بين له السبيل الأمثل والسنة في إمامة الناس، فدل هذا على أن النبي صلى الله وسلم قد أقره على إمامته، وأن إمامته صحيحة، وأن هذا الفعل يعتبر في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم من جهة الإقرار؛ أي أنه مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم إقراره، وعلى هذا يعتبر القول بجواز إمامة المتنفل للمفترض هو القول الراجح، فالصحيح أنه لا حرج للمتنفل أن يؤم المفترضين،
ولهذه المسألة نظائر وصور منها: لو أنه دخل وراء متنفل فإن اتحدت صورة الصلاة فلا إشكال، وإن اختلفت فلا، وبناء على ذلك لو أنه دخل والمتنفل يصلي التراويح فإنه يجوز له أن يصلي وراءه العشاء، سواء أكان مسافرا فيسلم بتسليم الإمام أم كان مقيما فبعد تسليمه من الركعتين يقوم ويأتي بركعتين كأنه مسبوق، وهكذا الحال بالنسبة لبقية الصور، أما لو اختلفت صورة الصلاتين، كأن تكون المغرب وراء العشاء، أو العشاء وراء المغرب فإنه لا يصح الائتمام في هذه الحالة؛ لأنه يؤدي إلى اختلاج الصلاة، والمحفوظ من إقراره عليه الصلاة والسلام إنما هو في اتحاد صورة الصلاتين، أما في الاختلاف فإنه لم يثبت، فيبقى الأصل في متابعة الإمام على ما هو عليه.
وأما ما استدل به من قال بالمنع من قوله عليه الصلاة والسلام: (فلا تختلفوا عليه)، فإنه محمول على الاختلاف في الأفعال، وليس المراد به الاختلاف في النيات؛ لحديث معاذ الذي دل على تخصيص هذا الأمر.
[حكم صلاة الظهر خلف من يصلي العصر وغيرها]
قال رحمه الله:
[ولا من يصلي الظهر بمن يصلي العصر أو غيرها].هذا بناء على المذهب الذي يقول: إنه لا يصلى مع اختلاف النيات.والصحيح أنه يجوز أن يصلي مع اختلاف النية، أما لو كانت نيتك النافلة والإمام مفترض فإنها تصح بالإجماع، كأن تكون قد صليت الظهر، ثم دخلت المسجد والإمام يصلي، فإنك تصلي وراءه الظهر، فهي لك نافلة ولهم فريضة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك الصحابيين، كما في حديث خيف منى، وهو ثابت في الصحيح، وكذلك أمر أبا ذر رضي الله عنه لما أخبره عن الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها.
الأسئلة
[حكم الأذان للمرأة]
q إذا صلى النساء جماعة فهل يجوز أن تؤذن إحداهن وتقيم؟

a باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد.فالثابت في سنة النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر أن يؤذن لـ أم ورقة الشهيدة وكانت تسمى الشهيدة؛ لأنها استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في خروجها لبدر فمنعها عليه الصلاة والسلام فأخبرته أنها تريد الشهادة، فقال لها: (امكثي في بيتك وستأتيك الشهادة)، فمكثت حتى توفي النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أبو بكر وعمر، حتى إذا كان زمان عثمان قام غلامان من غلمانها فغطاها بقطيفة حتى ماتت، فصدقت فيها معجزة النبي صلى الله عليه وسلم، فهذه المرأة الكريمة الفاضلة رضي الله عنها وأرضاها أمرها أن يؤذن لها، فدل على أن الأذان ليس للنساء، ومن ثم قالوا: ليس على النساء أذان ولا جماعة، وإنما هو للرجال.والغالب في صوت المرأة أنه فتنة، وبناء على ذلك فإن الأذان إنما يكون لرجل يؤذن لها على ظاهر السنة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم.والله تعالى أعلم.

[استخلاف الإمام غيره في الصلاة إذا خرج منها]

q إذا خرج الإمام من الصلاة بسبب تذكره أنه محدث واستخلف، فهل يستأنف النائب أم يبني؟

a يبني ولا يستأنف، وهذا هو المقصود من الاستخلاف، فيبني على الصلاة ولا يستأنف، وظاهر حديث أبي بكر رضي الله عنه في إمامة النبي صلى الله عليه وسلم في مرض الموت يدل على الاستخلاف في صورة العكس.والله تعالى أعلم.
[حكم من وجد ببدنه أو ثيابه نجاسة أثناء الصلاة]
q من علم أن ببدنه نجاسة، أو بثوبه أثناء الصلاة وهو إمام فماذا يفعل؟

a هذا فيه تفصيل، فإذا كان الماء قريبا، وأمكنه أن يصل إليه دون أن ينحرف عن القبلة فإنه يجوز له أن يمضي إلى الماء، وأن يغسل هذه النجاسة، ثم يبني على صلاته ويستمر، كأن يكون بجواره صنبور ماء، أو بجواره وعاء فيه ماء وأمكنه أن يأخذ منه ويغترف دون أن ينحرف عن القبلة، فإن الجماهير على أن له ذلك ويتم صلاته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم خلع نعليه، فخلع النعال فعل لإزالة النجاسة، فلما خلع النعال وفعل فإنه كذلك يخلع النجاسة عن ثوبه بالغسل؛ لأن الإذن بالشيء إذن بلازمه، فلما أذن له بأن يزيل نجاسته أذن له بلازم ذلك من الأفعال التي لا يخرج بها عن كونه مصليا ولا ينحرف بها عن القبلة.أما لو كان الإمام بعيدا عن الماء، أو يتعسر عليه، أو لا يمكنه أن يصل إلى الماء إلا بفعل كثير، أو ينحرف عن القبلة فإنه يستأنف ولا يبني، وبناء على ذلك يقطع الصلاة ويخرج منها، ويستخلف غيره إن كان إماما.والله تعالى أعلم.
حكم الصلاة خلف الفاسق فسقا أكبر
q إذا كان الإمام فاسقا فسقا أكبر، كأن يكون ممن يستغيث بالقبور ويقع في الشركيات، فهل تجوز الصلاة خلفه؟

a لا تجوز الصلاة وراء كافر، وهكذا الحكم فيمن ثبت شركه، فإنه لا يصلى وراءه، أي: إذا ثبت أن في عقيدته خللا يوجب بطلان صلاته فإنه لا يصلى وراءه، إنما المراد الفسق الذي لا يخرج عن الملة، أما لو كان فسقه -والعياذ بالله- أكبر مخرجا عن الملة فإنه لا يصلى وراءه.
[حكم من فاتته بعض تكبيرات صلاة الجنازة]
q كيف يقضي المصلي صلاة الجنازة إذا دخل مع الإمام بعد التكبيرة الثالثة؟

a إذا دخل المصلي مع الإمام في صلاة الجنازة بعد التكبيرة الثالثة فإنه إذا سلم الإمام لا تخلو الجنازة من حالتين عند المحققين من العلماء، فإن كانت الجنازة تترك برهة لقضاء من فاتته الصلاة لكي يقضي فحينئذ يكبر ويقول الأذكار التي بين التكبيرات، أما لو كانت ترفع -كما هو الحال في غالب الجنائز الآن- فإنه يوالي بين التكبيرات ويسلم، وهذا اختيار جمع من أهل العلم رحمة الله عليهم.ووجهه أن الصلاة إنما شرعت بحضور الجنازة، ولذلك لا يصلى في المسجد قبل حضور الجنازة، وإنما يصلى بعد حضورها، وبناء عليه فرفعها يعتبر موجبا لانتهاء الصلاة عليها، فمتى ما رفعت من المسجد، أو من الأرض فقد انتهت الصلاة عليها، فيوالي بين التكبير، فإن فاتته تكبيرتان فعند سلام الإمام يقول: الله أكبر.الله أكبر.السلام عليكم ورحمة الله.وإن فاتته ثلاث تكبيرات فإنه عند سلام الإمام يقول: الله أكبر.الله أكبر.الله أكبر.السلام عليكم ورحمة الله، فيوالي بين التكبيرات ولا يقول الأذكار التي بينها.والله تعالى أعلم.
[حكم صلاة المغرب خلف من يصلي العشاء]
q شخص مسافر أراد أن يؤخر صلاة المغرب جمع تأخير مع صلاة العشاء، وعندما حضر وقت صلاة العشاء، فهل يصلي العشاء مع الجماعة ثم يصلي المغرب؟

a يصلي العشاء بنية النفل، ثم يقيم للمغرب ويصليها، ثم يصلي العشاء، ووجه ذلك أن صلاة العشاء لا تصح قبل المغرب، فقد قال تعالى: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} [النساء:103]، وثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قضى الصلوات مرتبة، وقال: (صلوا كما رأيتموني أصلي)، وبناء على ذلك لا يصح إيقاع فريضة قبل فريضة إلا إذا كانت مرتبة على الوجه الذي وقعت عليه.وعلى هذا فلو قلنا له صل العشاء ثم صل المغرب فقد خالفنا مقصود الشرع من مراعاة الترتيب، حيث لا يخاطب بصلاة العشاء إلا بعد أن تبرأ ذمته بصلاة المغرب، وعلى هذا قال العلماء يدخل بنية النافلة في العشاء، ثم بعد ذلك يقيم للمغرب فيصليها، ثم يصلي بعد ذلك العشاء، وهذا إذا كان المسجد لا يسع أكثر من جماعة، أما لو كان مسجدا سابلا كمساجد السفر التي على طرقات السفر فإنك تقيم للمغرب وتحدث جماعة ثانية للمغرب وتصلي بمن شئت؛ لأن المساجد السابلة رخص فيها تكرار الجماعات، شريطة ألا يشوش بعضها على بعض.والله تعالى أعلم.
[مسألة مضاعفة صلاة الفرض والنافلة في المسجد الحرام]
q هل الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة في الفريضة والنافلة، أم ذلك خاص بالفريضة؟

aهذه المسألة فيها وجهان للعلماء: أصحهما أن المضاعفة في مسجد مكة والمدينة والمسجد الأقصى شاملة للفرض والنفل لقوله عليه الصلاة والسلام: (صلاة في مسجدي هذا بألف صلاة)، فإنها نكرة، والقاعدة في الأصول أن النكرة تفيد العموم.فشملت الفريضة والنافلة.وقال جمع من أهل العلم: إن المضاعفة تختص بالفريضة دون النافلة، واحتجوا بوجوه.أولها وأقواها حديث رمضان، حينما أم النبي صلى الله عليه وسلم بالصحابة في قيام الليل، ثم في الليلة الثالثة امتنع من الخروج.وقال: (صلوا في بيوتكم، فإن خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة)، ووجه الدلالة أنه صرفهم عن صلاة القيام في المسجد إلى صلاتها في البيت، فدل على أن المضاعفة مختصة بالفريضة دون النافلة وأكدوا ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الرواتب في بيته، ولم يكن يصليها في مسجده إلا ما ورد من الاستثناء في صلاة الجمعة البعدية، فقالوا: إن هذا كله يؤكد أن النوافل الأفضل فيها أن تكون في البيوت، وأن المضاعفة هذه المساجد مختصة بالفرائض دون النوافل.والذي يترجح القول الأول الذي هو للجمهور، وهو أن المضاعفة شاملة للفرض والنافلة لعموم الحديث الذي ذكرناه، وهذا أولا.ثانيا: الاستدلال بحديث: (فإن خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة)، الذي يظهر أنه لا تعارض بين النصين؛ فإن المضاعفة في قوله عليه الصلاة والسلام: (صلاة في مسجدي هذا بألف صلاة فيما سواه) مضاعفة متجهة إلى العدد، وحديث: (فإن خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة) راجع إلى البعد عن الرياء، فانفكت الجهة بين النصين، والقاعدة في الأصول أنه لا يحكم بالتعارض إلا إذا اتحد مورد النصين.أي: أن يأتي حديث ويقول: بألف صلاة، وحديث يقول: هي بصلاة وبناء على ذلك لا نسلم أن الحديثين متعارضان، وإنما كل منهما في جهة، ويؤكد هذا قوله عليه الصلاة والسلام: (إذا صلى أحدكم فليجعل من صلاته في بيته؛ فإن الله جاعل له من صلاته في بيته خيرا)، وهذا من جهة بعده عن الرياء وعمارته لهذا البيت حتى لا يكون كالقبر الذي لا يصلى فيه، فالذي يظهر -والله أعلم- أن المقصود بذلك إحياء البيوت بالذكر؛ لكي لا تشابه القبور، ولكي تعود بالبركة والخير عليه وعلى أهل بيته، وأما بالنسبة لمضاعفة الصلاة في المساجد فهي باقية على عمومها لثبوت السنة فيها على العموم.والله تعالى أعلم.وصلى الله وسلم وبارك على نبيه وآله وصحبه وسلم.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #127  
قديم 15-08-2021, 12:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,836
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(باب صلاة الجماعة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (123)

صـــــ(1) إلى صــ(21)

شرح زاد المستقنع - فصل: يقف المأمومون خلف الإمام
يجب على المأمومين التأخر خلف الإمام إن كانوا جماعة، والواحد يقف عن يمينه إلا المرأة فخلفه، ولا يجوز لمنفرد أن يصلي خلف الصف وحده إلا المرأة، ولا تعتبر المصافة مع الكافر والمحدث والمرأة، ومن وجد فرجة دخل فيها وإلا جذب من يصلي معه، ولابد من سماع لمن صلى في المسجد أن يسمع الإمام، وإن لم يره، وإن كان خارج المسجد فلابد أن يرى الإمام وتكره الصلاة بين السواري، وهناك آداب ينبغي للإمام أن يتحلى بها.
تابع أحكام الإمامة
[موقف المأموم من الإمام]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فيقول المصنف عليه رحمة الله: [فصل: يقف المأمومون خلف الإمام] تقدم في المواضع السابقة بيان جملة من الأحكام المتعلقة بالإمام، وما ينبغي أن يكون عليه من صفات قبل إمامته للناس، وكذلك حال إمامته.وهنا شرع المصنف في مسألة مهمة من مسائل الإمامة وصلاة الجماعة، وهي التي تعرف بموقف المأموم مع الإمام، وذلك أن الجماعة تتحقق بواحد مع الإمام، ولا تكون الجماعة لواحد منفرد.وعلى هذا يرد السؤال عن موقف الواحد مع الإمام، وعن موقف الاثنين، وعن موقف الثلاثة وأكثر.ثم بعد ذلك يرد السؤال عن موقف الرجال وموقف النساء وموقف الصبيان والخناثى، ونحو ذلك من الأحكام المتعلقة بالمواقف.
قال رحمه الله:
[يقف المأمومون خلف الإمام].السنة للمأموم أن يقف وراء الإمام، وهذا إذا كان المأمومون أكثر من واحد،
والأصل في ذلك قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح:
(إنما جعل الإمام ليؤتم به).والإمام -كما يقول العلماء رحمهم الله-: مأخوذ من الأمام، وهو الخط الذي يخط في أول الدار؛ فكأنه ينبني عليه غيره، ولذلك يكون متقدما متميزا على غيره بهذا التقدم، ولا يكون مساويا للمأمومين، فهذا في الأصل.
فقوله:
(إنما جعل الإمام ليؤتم به)، معناه أن يكون المأموم تبعا للإمام، وهذا يشمل ما يكون في الأفعال وما يكون في الصورة، فصورة المأموم في موقفه، فالأصل إذا كان المأمومون أكثر من واحد أن يكونوا وراء الإمام، أما لو كان المأموم واحدا فسيرد التفصيل في أحكامه، لكن الأصل في المأموم أن يقف وراء الإمام.
وقوله:
[يقف المأمومون] عبر فيه بالجمع، وهذا يقتضي أن موقف الجماعة يكون وراء الإمام إذا كانوا اثنين فأكثر، وإذا وقف الاثنان عن جانبه الأيمن صحت صلاتهم؛ لأنه موقف معتبر.وفي الصحيح من حديث ابن عباس رضي الله عنهما،
أنه لما قام عليه الصلاة والسلام بعد هوي من الليل وتوضأ ووقف قال ابن عباس:
(فقمت فصنعت مثل ما صنع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم جئت فقمت عن يساره فأدارني فجعلني عن يمينه).فدل على أن ميمنة الإمام موقف، لكن إذا كان المأمومون أكثر من واحد فإنهم يقفون وراء الإمام، فلو وقف الاثنان عن يمينه فقد وقفا في موقف معتد به شرعا فيصح ائتمامهم.
قال رحمه الله تعالى: [ويصح معه عن يمينه] هذا يقع في الأحوال التي قد توجد فيها حاجة، أو توجد فيها ضرورة، كما لو كان المكان لا يتسع أن يتأخر المأمومون عن الإمام، فإذا كان المكان لا يتسع أن يتأخر المأمومون عن الإمام فإنهم يقفون ويصلون عن يمينه، ثلاثة كانوا أو أكثر، ولو كان صفا طويلا فلا حرج، كأن يكون هناك ممر وليس هناك متسع أن يكون الإمام متقدما، فحينئذ يقفون عن يمينه.
وقال بعض العلماء:
إنهم لو جعلوا الإمام أمامهم ثم تأخروا قليلا عنه، وجعلوا فسحة بينهم وبينه فإنه لا حرج، واغتفروا هذا الفاصل اليسير، لكن شدد فيه بعض العلماء؛ لأنه بمثابة قطع الصف.فالحاصل أنهم لو كانوا محتاجين ووقفوا عن يمينه فلا حرج، وهكذا إذا كانت ثم مشقة، بأن قطع الإنسان الصفوف وجاء ووقف عن يمين الإمام فلا حرج.
قال رحمه الله تعالى:
[أو عن جانبيه].يعني عن جانبي الإمام، فإنه لا حرج في أن يقف المأمومان أحدهما عن يمينه والثاني عن يساره، وهذا ثابت في حديث أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه صلى بـ علقمة والأسود صاحبيه، فأقام أحدهما عن يمينه والثاني عن يساره، ورفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم.وإن كان هذا الحديث فيه إشكال في رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنه إن صح موقوفا فـ ابن مسعود ناهيك به علما وفقها، وهذا مذهب الحنفية رحمة الله عليهم، فيرون أن الاثنين يقف أحدهما عن يمينه والثاني عن يساره.وخالفهم الجمهور رحمة الله عليهم فقالوا -وهو الصحيح-: إن الاثنين يقفان وراء الإمام؛ لحديث جابر وجبار فإنه لما قام جابر عن يمينه صلى الله عليه وسلم وجاء جبار دفع صلوات الله وسلامه عليه بصدورهما وراءه، كما في الحديث الصحيح، فدل على أن الاثنين يقفان وراء الإمام، ولا يقفان بحذاء الإمام عن يمينه وعن يساره.وأما حديث ابن مسعود فالذي يظهر -والعلم عند الله، كما هو جواب طائفة من المحققين- أنه كان في أول الإسلام، وهي الصلاة المكية، ثم نسخت بالتشريع المدني.والسبب في ذلك أن ابن مسعود لما صلى بـ علقمة والأسود رحمة الله عليهما ركع فطبق بين يديه،
والتطبيق: هو أنه حينما يركع يجعل كفه اليمنى مع كفه اليسرى مجموعتين غير متداخلتين
-أي: بدون تشبيك-، ويجعلهما بين الفخذين.وكانت الصلاة بهذه الصفة كالتعظيم لله سبحانه وتعالى، ثم نسخت بوضع الكفين على الركبتين وإلقامهما، كما في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم معنا في صفة الركوع.فكانت سنة مكية أنه إذا صلى الإمام يجعل أحد المأمومين عن يمينه والثاني عن يساره، ثم نسخ هذا بحديث جابر وجبار،
وكما يقول العلماء:
إنه يستفاد من رواية الراوي ما يدل على النسخ، فلما كان ابن مسعود من أحفظ الناس للتشريع المكي، وهو من أسبق الصحابة رضوان الله عليهم وأعرفهم بالفقه المكي،
وحديث جابر وجبار إنما كان بالمدينة قالوا:
هذا يشير إلى أنه كان منسوخا، بدليل أن جبارا لما جاء وقف عن اليسار، فدل على أنه كان معهودا في أول الأمر أن يقف أحدهم عن يمينه والثاني عن يساره، وهذا هو أعدل الأوجه وأقواها في الجواب عن هذه السنة الواردة، والتي حفظها عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه.فالخلاصة أن الاثنين فأكثر يقفون وراء الإمام، والأصل في ذلك حديث أنس (إنما جعل الإمام ليؤتم به)، فلو أنه وقف الإمام بينهم لم يكن ائتماما بالصورة،
ولذلك قالوا:
يتقدم ويتأخران.
قال رحمه الله تعالى:
[لا قدامه].
أي:
لا يجوز للمأموم أن يتقدم على الإمام،
وذلك لنص الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(إنما جعل الإمام ليؤتم به)، فلو تقدم عليه لم يأتم به، وإنما صار المأموم كأنه إمام لإمامه، وهذا خلاف المقصود شرعا.ثم إن تقدم المأموم على الإمام فيه مفاسد، ومن أعظمها أنه تختلف عليه أفعال الإمام، ولربما يحصل منه اختلاج في صلاته، والسبب في ذلك واضح، فلو صلى وراء الإمام رباعية وسها الإمام ولم يجلس للتشهد الأول فقام ووقف، فإن المأموم سيجلس للتشهد؛ لأن ظنه أن الإمام جلس للتشهد، فلا يشعر إلا والإمام راكع، وحينئذ تختلف صلاة المأموم مع إمامه.
قال رحمه الله تعالى:
[ولا عن يساره فقط].الدليل على أن اليسار ليس بموقف حديث ابن عباس رضي الله عنهما، فإن ابن عباس لما بات عند خالته ميمونة رضي الله عنه وعنها قال: (فلما كان هويا من الليل قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى إلى شن فتوضأ، ثم قمت فصنعت مثلما صنع فقمت عن يساره فأدارني عن يمينه).ووجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم حرك ابن عباس، وحصل هذا الفعل لمصلحة الصلاة، فدل على أن يسار الإمام ليس بموقف، وأنه إذا وقف المأموم في يسار الإمام وجب أن يحوله إلى يمينه.
[بطلان صلاة المنفرد خلف الصف غير المرأة]
قال رحمه الله تعالى:
[ولا الفذ خلفه أو خلف الصف إلا أن يكون امرأة].
أي: لا تصح صلاة الفذ إذا وقعت خلف الصف، فإنه إذا صلى منفردا خلف الصف لم تصح صلاته، إلا المرأة، فإن النص ورد باستثنائها.
أما الدليل على أن المنفرد لا تصح صلاته خلف الصف فحديث وابصة بن معبد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(لا صلاة لمنفرد خلف الصف).
وكذلك حديث علي بن شيبان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم انفتل من صلاته ورأى رجلا يصلي وحده فقال له:
(استقبل الصلاة -أي: أعد الصلاة- فإنه لا صلاة لمنفرد خلف الصف)، فدل على أن من صلى وراء الصف ركعة كاملة فأكثر أن صلاته باطلة وتلزمه الإعادة.
قوله:
[إلا أن يكون امرأة] أي: إلا أن يكون الواقف امرأة، وهذا الأصل فيه حديث أنس رضي الله عنه -وهو ثابت في الصحيحين- أن النبي صلى الله عليه وسلم زار أم حرام بنت ملحان رضي الله عنها وأرضاها، قال أنس: فقال لنا: (قوموا فلأصلي لكم) -وهذا في الضحى-
قال أنس:
(فقمت إلى حصير قد اسود من طول ما لبس فنضحته، فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من خلفنا).ووجه الدلالة أن العجوز
-أي: المرأة- صلت وراءهم وهذا يدل على أن المرأة إذا انفردت فصلاتها صحيحة،
وعلى هذا قالوا:
إن عموم قوله: (لا صلاة لمنفرد خلف الصف) يخصص، وتستثنى منه المرأة لثبوت الحديث الصحيح باستثنائها، وللشرع في ذلك حكم،
منها:
دفع المفاسد باختلاط الرجال مع النساء.
[موقف إمامة النساء]
قال رحمه الله تعالى:
[وإمامة النساء تقف في صفهن].ذكرنا أن النساء يشرع لهن أن تكون بينهن جماعة، وأن تكون إمامتهن منهن، ولا حرج في ذلك؛ لحديث أم ورقة الأنصارية رضي الله عنها، حيث أذن لها النبي صلى الله عليه وسلم أن تصلي بأهل دارها.فلما أذن لها عليه الصلاة والسلام أن تصلي بأهل دارها دل هذا على أن المرأة تكون إماما، ولكن للنساء، وعلى هذا يردq حيث عرفنا أن موقف المأموم يكون وراء الإمام فهل هذا الحكم عام للرجال والنساء؟ والجواب أنه يختص بالرجال دون النساء، أما النساء فلو كانت الإمامة منهن فإنها تقف بينهن ولا تقف أمامهن، وهذا فعل أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وكذلك أم سلمة رضي الله عن الجميع، وروى ذلك سعيد بن منصور في السنن.
فقالوا:
إنه لا يمكن أن تفعل أم المؤمنين رضي الله عنها وهي الفقيهة الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها وعن أبيها، لا يمكن أن تفعل هذا دون توقيف من النبي صلى الله عليه وسلم.ثم إن مقاصد الشرع تؤكد هذا، حيث إن المرأة إذا صلت بين النساء كان هذا أستر لها وأحفظ، بخلاف ما لو تقدمت عليهن، ولأن للرجال درجة على النساء، وفرق ما بين النساء والرجال، فقدم الرجال لأمن الفتنة، وتأخرت النساء لوجود الفتنة.
[ترتيب المأمومين خلف الإمام]
قال رحمه الله تعالى: [ويليه الرجال ثم الصبيان ثم النساء كجنائزهم].
أي: يلي الإمام الرجال،
والأصل قوله عليه الصلاة والسلام:
(ليلني منكم أولو الأحلام).فدل على أن السنة أن يلي الإمام الكبار والعقلاء، خاصة أهل العلم والحلم والعقل والفضل، ويكون هذا المكان -الذي هو خلف الإمام مباشرة- لأمثال هؤلاء.والمطلوب أن يبكروا، وأن يبادروا بالحضور لا أن يتأخروا ويتخطوا رقاب الناس، أو تحجز لهم أماكن، فإن المساجد لا يجوز فيها حجز الأماكن إلا لمن خرج لضرورة وحاجة بعد أن يجلس وينال حق المكان، أما أن يحجز لأمثال هؤلاء الأماكن ويمنع منها من سبق فهذا لا يجوز، وهذا من الظلم الذي يعتبر أذية للناس، والله تعالى منع أن يمنع الإنسان أحدا أن يصلي في مساجده، فإذا جاء شخص إلى الصف الأول مبكرا فهذا حقه، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (من سبق إلى شيء فهو أحق به).
وبعض الناس يفهم من قوله:
(ليلني منكم أولو الأحلام) أنه يحجز ما وراء الإمام للكبار وأهل العقل ونحوهم، وهذا ليس بصحيح، فإن الناس في المساجد على حد سواء.ولذلك من سبق فهو أحق،
وإنما مراده عليه الصلاة والسلام في قوله: (ليلني منكم أولو الأحلام) أن يبادروا وأن يبكروا بالمضي، حتى يكون ذلك أدعى لحفظ صلاة الإمام.والسبب في الأمر بأن يليه الرجال وأهل العقل أنه ربما طرأت أمور، بمعنى أن الإمام قد يسهو، وكذلك أيضا ربما يصيبه السهو في القراءة، فيحتاج إلى من يرد عليه، وكذلك ربما التبس عليه الأمر ماذا يصنع في صلاته، فإذا كان وراءه من يعقل ويفهم فإنه ينبهه.ثم إنه يكون على درجة من الوعي والإدراك لما يفعله الإمام، بخلاف العوام وهيشات الناس فإنهم دون ذلك لانشغالهم بمصالحهم، وبعدهم عن استشعار الصلاة مثل أولي الأحلام والنهى.فيتقدم الرجال، ثم بعد الرجال الصبيان، كما ورد في حديث أنس وأبي موسى الأشعري رضي الله عن الجميع، فكان صلى الله عليه وسلم يكون الرجال وراءه، ثم وراءهم الصبيان، ثم من بعد ذلك النساء، فهذه هي سنة النبي صلى الله عليه وسلم.والخناثى يكونون بين الرجال والنساء، ولا يكون الخناثى مع النساء ولا مع الرجال؛ لأنهم لم يبلغوا درجة الرجال، وليس بمتحقق أنهم نساء، فهم بين الأمرين، ونظرا لهذا يكون موقفهم بينهما، أي بين الرجال والنساء.
وقوله: [كجنائزهم].يعني مثلما تقدم في الجنائز.
[صلاة المنفرد خلف الصف وما يتعلق بها]
قال رحمه الله تعالى: [ومن لم يقف معه إلا كافر أو امرأة أو من علم حدثه أحدهما أو صبي في فرض ففذ].هذا نوع من التسلسل في الأفكار، ومن عادة الفقهاء رحمة الله عليهم أنهم يذكرون لك الأصل، وبعد تقريرهم للأصل يبينون ما استثني من الأصل، أي يبين الأصل الذي دلت عليه النصوص، ثم بعد ذلك يرد السؤال في الأحوال الطارئة.
فنحن لو قلنا:
إن المنفرد لا تصح صلاته خلف الصف، فهذا يأتي على صور، فإن كان المنفرد جاء وصلى وحيدا وراء الصف فلا إشكال في أن هذا انفراد حقيقي.وهناك نوع ثان وهو الانفراد الحكمي،
وصورة ذلك:
أن يصلي معه صبي، أو يصلي معه كافر، أو يصلي معه محدث يعلم بحدثه، فهؤلاء وإن كانت صورة حالهم أنهم مؤتمون، ولكنهم في الحقيقة وجودهم وعدمهم على حد سواء، فإن الكافر لا تصح صلاته، والصبي لا تعتبر مصافته على هذا القول الذي درج عليه المصنف رحمه الله،
والمحدث كذلك صلاته غير صحيحة لقوله صلى الله عليه وسلم:
(لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ).فمعنى ذلك أن المحدث الذي يصلي بجانبه لا صلاة له، وإذا كان لا صلاة له فإنه حينئذ لا تعتبر مصافته، فوجوده وعدمه على حد سواء.وأما الكافر فإنه لا إشكال أن الكافر وجوده وعدمه على حد سواء، والمحدث لا إشكال أن وجوده وعدمه على حد سواء،
وبقي عندنا اثنان:
أحدهما الصبي، والثاني المرأة.فلو فرضنا أنك جئت والإمام في ركعة من الركعات، فجئت وكبرت وبجوارك صبي ليس هناك غيره، وأنت وإياه دون الصفوف، فهل تعتد بهذه الركعة وتصح صلاتك، وتعتبر في حكم من دخل الصف، أم أن وقوف الصبي بجوارك وجوده وعدمه على حد سواء فأنت منفرد، ولو كنت في الظاهر مع غيرك؟a هذه المسألة فيها قولان للعلماء: فالجمهور على أن الصبي يعتبر من صلى بجواره غير فذ وصلاته صحيحة.وذهب بعض الحنابلة رحمة الله عليهم -ونص البعض أنه هو مذهب الإمام أحمد - إلى أنه لا يعتد بالصبي، وأنه يلزمه أن يعيد صلاته إذا لم يأت بالغ يعتد بموقفه.والصحيح مذهب الجمهور أن وقوف الصبي معك معتد به؛
لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع)، فدل على صحة الصلاة واعتبارها منهم، وأمر بضربهم عليها لعشر.
والدليل الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما وقف ابن عباس عن يساره أداره عن يمينه، فدل على أنه معتد بموقفه، إذ لو لم يكن لموقفه اعتداد لما كان لإدارته من فائدة؛ لأنه يستوي أن يقف هنا أو هنا إذا كان لا يعتد به.فدل على أن الصبي يعتبر وقوفه مع الإنسان رافعا لوصف الفردية،
كذلك أيضا مما يؤكده حديث أنس في الصحيحين: (وصففت أنا واليتيم وراءه، والعجوز من ورائنا) فقوله: (وصففت أنا واليتيم وراءه) يدل على أن الصبي يعتبر رافعا لوصف الانفراد.إذ لو لم يكن رافعا لقدم النبي صلى الله عليه وسلم أنسا يصلي بجواره،
فلو قال قائل:
إن أنسا ربما كان صبيا، أو صغير السن،
فجوابه: ولو قلنا بذلك! ألا تراه عليه الصلاة والسلام أخرهما، فدل على أنهما اثنان، وإذا كانا اثنين فمعنى ذلك أنه معتد بوقوف اليتيم مع أنس، فبوقوف أنس مع اليتيم صارا بمثابة الصف، وعلى هذا فمن وقف بجوار صبي صحت صلاته، ولا يعتبر منفردا على الصحيح.
وأما المرأة ففيها خلاف أيضا:
فمن العلماء من قال: إن المرأة إذا وقفت بجوار الرجل وهو فذ فصلاته صحيحة، ويرتفع عنه الوصف المؤثر الموجب لبطلان صلاة الفذ؛ لأنه ليس بفذ.وهذا مذهب المالكية والشافعية وطائفة من أصحاب الإمام أحمد رحمة الله على الجميع.
والقول الثاني يقول:
إن وقوف الرجل بجوار المرأة لا يعتبر رافعا لوصف الفذ،
بل هو فذ وشدد الحنفية وقالوا:
لو وقف الرجل بجوار امرأة، أو صف الرجل بجوار النساء ولو كان معه رجال من الطرف ونساء من الطرف، ولو امرأة واحدة بالغة بطلت صلاة الرجال الذين صفوا والنساء.وقد ذكرنا هذه المسألة من قبل، وبينا أن الصحيح أن الرجال إذا حاذوا النساء لا تبطل صلاة الرجال؛ لأنه ليس ثم دليل على أن المرأة إذا وقفت بجوار الرجل تبطل صلاته، لكن المسألة التي معنا هي أنه لو وقفت المرأة مع الرجل فإنه فذ على الصحيح، وهو المذهب، والسبب في ذلك واضح، وهو أن الشرع أمر المرأة في هذه الحالة أن تتأخر، فإن تقدمت وصافت الرجل فإن هذا التقدم منهي عنه شرعا، والمنهي عنه شرعا لا يعتد به ولا يحتسب، فصار وجوده وعدمه على حد سواء.
[الدخول في الفرجة والتفصيل فيه]
قال رحمه الله تعالى:
[ومن وجد فرجة دخلها وإلا عن يمين الإمام].
أي: من وجد فرجة في الصف فمن حقه أن يدخل، بل يجب عليه أن يسد ما بين الصفوف من الفرج، وهذا هو الأصل، حتى لا يتخلل الشيطان.وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإلزاق الكعب بالكعب والمنكب بالمنكب، وكل ذلك حتى لا يتخلل الشيطان، وبناء عليه فمن وجد فرجة فإنه يحاول أن يتمكن منها ويدخل.والفرجة فيها تفصيل، فالفرجة في بعض الأحيان تكون دون الشخص، فلو وجد فرجة ولكنها دونه بحيث لو دخل في الصف فإنه يضايق الناس فهذا لا يدخل في الصف لوجود الحرج والأذية، والذين سبقوا أحق بذلك.والحل في هذه الحالة أنه إذا وجدت الفرجة سحب بعضهم بعضا، والعبرة بجهة الإمام، فإن كانت الفرجة عن اليمين والإمام في المنتصف فإن معنى ذلك أن ينسحبوا إلى جهة اليسار؛ لأن العبرة بجهة الإمام، وإن كانت الفرجة في اليسار والإمام في المنتصف فإنهم ينسحبون إلى جهة اليمين، فيسحب بعضهم بعضا إلى جهة اليمين حتى تصير الفرج في الأطراف.
فإن صارت الفرجة في الطرف ففيها تفصيل: فإن كانت الفرجة تسع الرجل أثم من تأخر من الرجال في الصف الذي يليه، وإن كانت الفرجة لا تسع بأن كانت لا يمكن دخول الرجل فيها فإنهم يعذرون في ذلك، ولا تؤثر شيئا، كما لو صلوا وانتهى حد الصف عند هذا القدر.
قوله:
[وإلا عن يمين الإمام].
أي:
إن وجد الفرجة دخل حتى لا يصلي منفردا، وإلا صلى عن يمين الإمام حتى تصح صلاته، ويصح له أن يأتي عن يمين الإمام، ولا حرج عليه.
[حكم جذب المنفرد لشخص من الصف]
قال رحمه الله تعالى: [فإن لم يمكنه فله أن ينبه من يقوم معه] إذا جئت فوجدت الصفوف مكتملة بينك وبين الإمام، ولا تستطيع أن تتخطى هذه الصفوف، ولم تجد فرجة أمامك، فلك أن تنبه من أمامك،
قالوا:
فإذا أمسك الساحب بطرف ثوبه يتراجع، وإذا رجع كان هذا من التعاون على البر والتقوى، ولا إثم عليه.
وقالوا: إنه إذا رجع فقد أعان على صحة صلاة، خاصة إذا لم يوجد شخص آخر، فإعانته على صحة الصلاة له فيها الأجر؛ لأن الصلاة لهذا المنفرد لا تصح إلا مع وجود من يقوم معه، وهذا قد فعل السبب الذي صحت به صلاته فكان له كأجره؛ لأنه أعان على خير.وقد ورد في هذا حديث عند الحاكم، ولكن تكلم في إسناده ولم يخل من مقال، ففي هذا رواية معضلة،
وفيه رواية مرسلة وهي رواية الجذب:
أي أنه يجذب أحدا من الصف،
وقال بعض العلماء:
إنه لا يجذب، وإذا جذب أحدا فإنه يأثم، ولا ينبغي للمجذوب أن يستجيب لمن يجذبه.وإن كان الأقوى والأشبه أنه إن جذبه واستجاب فبها ونعمت، وإن لم يجذبه فإنه يصلي، فإن جاء أحد فبها ونعمت، وإن لم يجئ أحد فإنه يستقبل صلاته ويصليها.
وشدد بعض العلماء حتى قال ابن حزم الظاهري: إنه إذا لم يجد أحدا فإنه يرجع إلى بيته، وهذا أمر الصعوبة منه بمكان؛ فإن المساجد بنيت لإقامة الجماعة، وكونه يؤمر بالرجوع إلى بيته فيه مخالفة لمقصود الشرع.والذي يظهر -والله أعلم- أنه يحاول الجذب حتى يجد من يستجيب،
فإن رجع الإنسان بالجذب فعلى حالات: الحالة الأولى: أن تمكث معه بقية الصلاة ولا يأتي أحد فلا إشكال، فتصير الفرجة التي حدثت في الصف يمكن سدها بجذب بعض الناس لبعض حتى تصير في طرف الصف، ويصير الناس معذورين بهذا، وأنت معذور بتصحيح صلاة من معك.
قالوا: إن مفسدة الفرجة أهون من مفسدة فساد الصلاة وهذا صحيح؛ فإنك لو تأملت أنه لو سحب صارت فرجة فإن هذه الفرجة يمكن سدها لو حضر شخص معه، وإذا لم يمكن سدها وبقيت فإن مفسدتها أهون من مفسدة فوات الصلاة على هذا المصلي.وعلى هذا فإن لم يجئ أحد وبقيت معه فلا إشكال، فلك أجر إعانته على صحة صلاته، وإن جاء أحد تقدمت إلى الفرجة وسددتها؛
لأن القاعدة تقول:
(ما شرع لعذر بطل بزواله)،
وبعضهم يقول:
(ما جاز لعذر بطل بزواله)، وهذا جاز لعذر -وهو تصحيح صلاته معك- وقد صحت، ثم لما جاء الثاني زال العذر، فحينئذ يبطل تأخرك عن الصف، فتتقدم للصف الذي كنت فيه.قال رحمه الله تعالى: [فإن صلى فذا ركعة لم تصح].
قيل:
لم تصح صلاته،
وقيل:
لم تصح الركعة التي صلاها دون الصف، وعلى هذا لو أدركه أحد في الركعات الباقية فإنه يقضي هذه الركعة وحدها، فتبطل الركعة التي دون الصف ويلزم بإتمامها،
وقال بعض العلماء:
بل تبطل جميع الصلاة.
حكم الركوع فذا قبل الدخول في الصف
قال رحمه الله تعالى:
[وإن ركع فذا ثم دخل في الصف، أو وقف معه آخر قبل سجود الإمام صحت].هذه مسألة اعترض بها الجمهور على القائلين بأن صلاة الفذ لا تصح،
فالإمام أحمد رحمة الله عليه يقول:
من صلى فذا أو منفردا دون الصف بطلت صلاته إلا المرأة.فاعترض عليه بحديث أبي بكرة، وحاصل حديث أبي بكرة أنه (دخل والنبي صلى الله عليه وسلم راكع، فخاف أن يرفع النبي صلى الله عليه وسلم فكبر دون الصف، ثم دب ودخل في الصف،
فلما سلم عليه الصلاة والسلام قال: من فعل كذا وكذا؟
قال أبو بكرة:
أنا.
قال: زادك الله حرصا ولا تعد)،
فروي في لفظ الحديث:
(لا تعد)، (ولا تعد)، (ولا تعد).وأقوى الروايات: (ولا تعد) قيل معناها: لا تعد إلى التأخر عن الصلاة حتى لا تضطر إلى مثل هذا الفعل.وهذا عند من يرى صحة هذا الفعل وبقاء التشريع به.
وقيل: ولا تعد إلى مثل هذا الفعل مرة ثانية.
وقيل:
لا تعد إلى الإسراع؛ لأنه كأنه أسرع بعد ركوعه فصار فيه تشويش؛ لأن المساجد كانت في الرمال، ومشي الناس بسرعة يزعج المصلين.
ولذلك قالوا:
هذا هو المقصود من قوله (ولا تعد)، وأما (ولا تعد)، و (ولا تعد) فلا إشكال فيهما.فعلى هذا اعترض الجمهور،
فقالوا:
أنتم تقولون: إن المنفرد إذا صلى خلف الصف بطلت صلاته، وهذا أبو بكرة قد كبر تكبيرة الإحرام وركع ودب إلى الصف، فانعقد ركنه دون الصف! فلو كانت صلاة الفذ لا تصح لبطلت صلاته، ولأمره عليه الصلاة والسلام بإعادتها.
والجواب عن ذلك ما قاله الإمام أحمد حيث قال:
أبقي حديث (لا صلاة لمنفرد خلف الصف) على عمومه، وأستثني من فعل فعل أبي بكرة وهذا هو الفقه، وهو الجمع بين النصوص على حسب دلالتها،
فأعمل رحمة الله عليه عموم قوله:
(لا صلاة لمنفرد خلف الصف)، واستثنى حالة أبي بكرة،
وقال:
لا إشكال فيمن فعل فعل أبي بكرة، فإني أصحح صلاته، بمعنى أنه يكبر ثم يدب إلى الصف.
قال: وفي حكمه ما لو ركع وجاء رجل معه وركع قبل أن يرفع الإمام فإنه تصح صلاته وتجزيه.وهذا القول لا شك أن السنة تدل عليه، خاصة أنه مسلك أصولي صحيح، فأنت إذا تأملت حديث (لا صلاة لمنفرد خلف الصف) وجدت أن هذا العموم دخله التخصيص، والدليل على ذلك أنه استثني منه المرأة فيما ذكرناه من حديث أنس، فإذا استثنيت المرأة فمعنى ذلك أنه عام مخصص، فلا مانع أن تخصص منه الأحوال في جنس ما قيل بالعموم فيه، أعني الرجال.
[حكم الاقتداء بالإمام مع رؤيته وعدمها]
يقول رحمه الله:
[فصل: يصح اقتداء المأموم بالإمام في المسجد وإن لم يره].هذا كما في الأعمى، فإنه يصح اقتداؤه به، خاصة أنه إذا كان داخل المسجد فإنه سيرى من يقتدي بالإمام، وسيعلم بأفعال الإمام من جهة المأمومين الذين يصلون معه.
قال رحمه الله تعالى: [ولا من وراءه إذا سمع التكبير وكذا خارجه إن رأى الإمام أو المأمومين].
أي: كذلك إذا لم ير من وراءه، بشرط سماعه للتكبير، وهذا أحد المذاهب عن العلماء رحمة الله عليهم،
فيقولون: المهم عندنا أن يكون في المسجد، كما هو مذهب الحنابلة، ووافقهم الشافعية رحمة الله على الجميع.
فيقولون:
ما دام أنه داخل مسجد واحد وموضع واحد يصلي مع الإمام، فيستوي ألا يراه ويرى المأمومين، أو لا يراه ولا يرى المأمومين، لكن المهم أن يسمع الصوت.
قوله:
[وكذا خارجه إن رأى الإمام أو المأمومين].ظاهر السنة أن الصلاة تصح إذا رأى المأموم الإمام أو المأمومين.
فيقولون: إن هذا يدل على أن الأصل أن يرى الإمام أو من يقتدي بالإمام داخل المسجد؛ لأنه إذا لم ير الإمام لم يأمن أن تختلج أفعاله، ولا يأمن عند سهو الإمام ألا يدري ماذا يصنع، كما لو سها في الرباعية فقام الإمام بدل أن يجلس للتشهد، فإنه لا شك إذا لم ير الإمام ولا من يقتدي بالإمام أن يقع منه هذا اللبس.
لكن قالوا: إنه يصح الاقتداء ولو لم ير أحدا قياسا على الأعمى.وأكدوا هذا بحديث الحجرة أيضا، فإنهم ائتموا بالنبي صلى الله عليه وسلم وهم يسمعون صوته ولا يرون شخصه،
قالوا:
لأن الحجرة مع المسجد كالشيء الواحد، فاستثني هذا.فهذا حاصل ما قيل إذا كان داخل المسجد، أما إذا كان خارج المسجد فجماهير أهل العلم لا يصححون الصلاة إلا برؤية الإمام، أو من يقتدي بالإمام، ولا يكون هذا إلا باتصال الصفوف؛ لأنها هي الإمامة الحقيقية، وهي السنة والهدي والاقتداء.أما لو كان لا يرى الإمام ولا يرى المأمومين وهو منفصل عن المسجد، كأن يكون في بيت بينه وبين المسجد طريق، أو بينه وبين المسجد بيوت، ويسمع عن طريق الأجهزة الموجودة الآن فإنه لا يصح اقتداؤه ولا تصح متابعته.وهكذا لو سمع عن طريق الأجهزة التي تنقل، كالراديو ونحوه، فإنه لا تصح صلاته؛ لأنه غير مؤتم حقيقة بالإمام.
فلذلك قالوا: لابد وأن يرى الإمام أو من يقتدي بالإمام.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #128  
قديم 15-08-2021, 12:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,836
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(باب صلاة الجماعة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (124)

صـــــ(1) إلى صــ(21)

[حكم ارتفاع الإمام على المأمومين]
قال رحمه الله تعالى:
[وتصح خلف إمام عال عنهم].إن كانت الأرض التي يقف عليها الإمام والمأموم واحدة فلا إشكال، وهذا الأصل في موقفه عليه الصلاة والسلام.لكن هناك حالة يرتفع فيها الإمام ويكون المأموم أنزل منه، وحالة يكون الإمام في أرض هي أدنى في الارتفاع من أرض المأموم.فأما إذا علا الإمام فإنه لا يعلو إلا من ضرورة وحاجة؛
لأن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت أنه في حديث أبي العباس سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه وأرضاه قال لامرأة من الأنصار:
(انظري غلامك النجار يعمل لي أعوادا أكلم الناس عليها) فصنع أعواد المنبر، قال سهل: (فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام عليها فكبر
-أي: كبر تكبيرة الإحرام على المنبر- ثم ركع، ثم رفع -وهو على المنبر- ثم نزل القهقرى فسجد في أصل المنبر، ثم رفع ثم سجد، ثم رفع ثم صعد المنبر، ثم كبر فركع، ثم رفع، ثم رجع القهقرى وسجد في أصل المنبر،
ثم قال:
إنما صنعت هذا -
أي:
كوني صليت على المنبر- لتأتموا بي)
، واللام للتعليل،
أي:
من أجل أن تأتموا بي فتروني، (لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي).
فللعلماء في هذا وجهان:
فمنهم من قال: لا حرج عندي في ارتفاع الإمام عن المأمومين، ولا بأس بذلك؛ لأن السنة دلت عليه فلا حرج.
ومنهم من قال:
لا يجوز للإمام أن يرتفع عن المأمومين، وإن ارتفع من غير حاجة فإنه يأثم.وشدد بعضهم فقال بعدم صحة الصلاة والاقتداء إذا كان الارتفاع بدون حاجة، خاصة إذا قصد به الكبر والترفع، والعياذ بالله.وأكدوا هذا بما جاء عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه مع ابن مسعود، فإن حذيفة حينما صلى بأصحابه وهو على دفة الدكان القديمة وقف عليها رضي الله عنه والمأمومون وراءه، فلما رآه ابن مسعود جاء وجذبه فأنزله،
فلما سلم قال:
ألم تعلم أنهم كانوا ينهون عن هذا؟
قالوا:
فدل على أنه منهي عنه، وأنه لا يجوز،
قال: قد علمت، أو تذكرت حينما جذبتني.فدل على أن ارتفاع الإمام عن المأمومين الأصل فيه الحظر والمنع.وهذا القول هو الصحيح، فلا يرتفع الإمام عن المأمومين إلا إذا وجدت حاجة،
لقوله عليه الصلاة والسلام:
(لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي)، فكأنه ارتفع بقصد التعليم،
فقالوا: لو زار عالم أناسا لا يعرفون هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة، فأحب أن يكون في موضع يراه الجميع فيعلمون صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في انتقاله وفي وقوفه وفي ركوعه وسجوده، فصلى على نشز أو مرتفع فلا حرج.ويكون بقدر المنبر، فلا يرتفع ارتفاعا فاحشا؛ لأنه هو الهدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأن الحاجة تتحقق بمثل هذا،
فقالوا: لا حرج.أما إذا لم توجد الحاجة فلا.
قال رحمه الله تعالى:
[ويكره إذا كان العلو ذراعا فأكثر كإمامته في الطاق].ذلك لأنهم حزروا وقدروا منبره عليه الصلاة والسلام -الذي هو ثلاث درجات- بهذا القدر؛ لأنه لا يقل عن ثلاثة أشبار،
وبناء على ذلك قالوا:
لا يزيد على ذراع،
فإذا زاد على ذراع قالوا:
إنه في هذه الحالة يكون مكروها.ونص بعض العلماء على حرمته؛
لقوله:
كانوا ينهون عن ذلك.والأصل في النهي أنه يحمل على أعلى درجاته، إلا إذا دل دليل على ما هو أدنى من ذلك، أعني الكراهة.
قوله: [كإمامته في الطاق] الطاق هو: المحراب،
أي: دخلة المحراب، وكان السلف كـ ابن مسعود وغيره يشددون في ذلك ويمنعون منه، خاصة أن في القديم ما كان هناك سماعات، فإذا دخل الإمام في الطاق داخلا لم يروه، وبناء على ذلك تخفى على بعض الناس الذين هم في أطراف الصف أفعاله،
ولذلك قالوا:
لا يصلي داخل الطاق، وكرهوا ذلك، وشدد فيه بعض أئمة السلف كالإمام مالك رحمة الله عليه وغيره.
[حكم تطوع الإمام في موضعه]
قال رحمه الله تعالى:
[وتطوعه موضع المكتوبة إلا من حاجة] أي: لا يتطوع الإمام موضع المكتوبة، وهذا فيه تفصيل،
فبعضهم يقول:
الإمام لا يصلي النافلة في موضع إمامته.وهذا القول وجيه، وسبب ذلك أن المحفوظ من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا صلى بالناس وانتهى من الأذكار ينصرف.
يقول العلماء:
الحكمة في ذلك -والله أعلم- أن الإنسان إذا تقدم على الناس تميز وصار له فضل، وحينئذ يكون الناس وراءه، وهذا الفضل شرع لحاجة وهي الإمامة، ثم أعطي قدر الأذكار، فبقي ما عداها على الأصل، فلا ينبغي له أن يبقى في موضع إمامته.ولذلك شدد العلماء رحمة الله عليهم، وبعض المتقدمين شددوا على الإمام أن يطول في الأذكار ويطيل الجلوس في المحراب، ولا يتذكر أنه متقدم على الناس؛ لأن هناك أناسا لهم فضلهم ولهم مكانتهم، فلا يتقدم عليهم إلا بقدر ما أذن له الشرع بالتقدم.وهذه من آداب الإمامة التي ينبغي أن يتنبه لها الإمام، وقد كان من هديه عليه الصلاة والسلام أنه لا يبقى في موضعه إلا بعد صلاة الفجر، فكان عليه الصلاة والسلام يجلس -كما ثبت في الصحيح- ويتحلق حوله أصحابه، واستثنى بعض العلماء إذا وجدت حاجة كالتعليم، كأن يكون عند الإمام درس علم ونحو ذلك، ويكون في موضع المحراب،
قالوا:
لا حرج في هذا.وإن كان بعضهم يستحب له أن ينتقل.
فالشاهد أنهم قالوا:
لا يتطوع في موضع المكتوبة، وجاء فيه حديث ضعيف عند ابن حبان، أو ابن ماجة ينهى عن التطوع في موضع المكتوبة.واختلف الأئمة في تعليل ذلك،
فقال بعض العلماء:
إنما هو للتميز -كما ذكرنا-،
وقال بعضهم: لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يوصل بين الصلاتين، فلا يصل بين الصلاتين حتى يتكلم، أو يفعل فعلا يخرج به عن الصلاة، وهذه من سماحة الإسلام، حتى يخرج المسلم عن رهبنة النصارى والغلو في العبادات.
ولذلك قالوا: إنه لا يصل الصلاة بالصلاة، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن وصل الصلاتين ببعضهما ما لم يتكلم أو يعمل، قالوا لا يصلي حتى يكلم أحدا، أو ينتقل من موضعه،
وقالوا:
فإذا انتقل من موضعه صلى ولا حرج عليه.
وقال بعض الأئمة في تعليل ذلك:
إنه إذا صلى في موضع المكتوبة فإنه يشهد الموضع له بالصلاة، فإن أراد أن يصلي النافلة فليستكثر من الخير وليتقدم أو يتأخر أو يتيامن أو يتياسر، وقد حفظ عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يصلي على يمين منبره، وهو الموضع الذي ورد في الصحيح أنه كان يتحرى الصلاة عنده عليه الصلاة والسلام.فهذا يدل على أن الإمام لا يتعطن،
كأنهم يقولون:
إنه إذا صلى في هذا الموضع كأنه تعطنه؛ لأنه إمام يصلي المكتوبة ويصلي النافلة في هذا الموضع،
قالوا: كأنه تعطن، وقد نهي عن تعطن المواضع في المساجد.فهذا حاصل ما ذكر في تنفله في موضع المكتوبة، وإن كان الأشبه أن المراد به ألا يتميز على الناس، وألا يتقدم عليهم، فبعد انتهائه من الأذكار يدخل إلى بيته متأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم ويصلي الراتبة، إلا ما ورد فعله منها في المسجد، أو يصلي في أي ناحية من المسجد، حتى لا يكون متميزا على الناس.
[حكم إطالة الإمام القعود في موضعه بعد الصلاة وكيف ينصرف]
قال رحمه الله تعالى:
[وإطالة قعوده بعد الصلاة مستقبل القبلة].السنة للإمام إذا صلى بالناس وانتهى أن يستغفر وهو مستقبل القبلة ولا يلتفت.
والسبب في هذا أنه يمكث بقدر ما يقول: أستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله ثلاثا،
قالوا:
لاحتمال أن تكون الصلاة فيها نقص، واحتمال أن يكون قد سها في صلاته، فإذا انتقل مباشرة فإنه لا يكون بحالة أكمل مما لو بقي في موضعه.ولذلك كان من هديه عليه الصلاة والسلام أنه لا يتحول مباشرة، فعلى الإمام أن يبقى،
قالوا: فيه مصالح،
منها:
قضية تدارك ما فات، سواء أكان بسجود سهو، أم بقضاء ركعة بقيت وسلم قبل أن يفعلها،
وكذلك أيضا قالوا:
إنه قد يكون هناك نساء يردن الانصراف، فإذا عجل فإنه لا يأمن الفتنة،
ولذلك قالوا:
لا يبادر بالانصراف.وقد كان من هديه عليه الصلاة والسلام أنه يتأخر في انصرافه قليلا ليتمكن النساء من الانصراف، كما ورد في الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام.فهذا من آداب الإمامة، فإذا ثبت أنه لا يستعجل فكذلك أيضا لا يتأخر، فلا يبقى معطيا للناس ظهره؛ لأنها صفة لا تليق؛ لما فيها من الانتقاص؛ لأن تولية الظهر للشيء انتقاص له.ولذلك وصف الله عز وجل من أعرض عن القرآن بأنه اتخذه وراءه ظهريا، فإذا كان الإنسان معطيا لغيره ظهره فإن هذا لا يكون إلا بقدر الحاجة، فلما وجدت الحاجة بالإمامة وانتهت الإمامة فإنه ينفتل إلى الناس ويستقبلهم.
وللعلماء أوجه في جهة الانصراف:
فقيل: السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يكثر الانصراف عن يساره،
وقال:
(لا يجعل أحدكم للشيطان حظا من صلاته)،
قالوا:
إذا انصرف فلا ينصرف دائما عن يمينه وإنما ينصرف عن يساره،
وقال بعض العلماء:
بل ينصرف عن يمينه كابتداء انفتاله من الصلاة؛ لفضل اليمين وشرفه، ثم إذا قام وهب إلى بيته، أو هب إلى موضع درسه، أو إلى موضع في المسجد فإنه يكون انصرافه عن اليسار تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم.وهذا ضعيف؛ لأن بيت النبي صلى الله عليه وسلم كان في اليمين بعد أن ينفتل، ولم يكن في اليسار.فلو كان انصراف النبي صلى الله عليه وسلم دائما المراد به عن يمينه ثم ينفتل عن يساره، لأصبح في هذا مشكلة أنه عن يساره سينفتل إلى الجهة الغربية في المدينة، والجهة الغربية جهة الخوخات في المسجد، وهي بيت أبي بكر الصديق رضي الله عنه وعلي رضي الله عنه وغيرهما من الصحابة، وليس ببيته وحجراته عليه الصلاة والسلام، ولم تكن إلا حجرة بعض نسائه عند باب الرحمة، وهي الجهة الغربية،
ولا يمكن أن يقصدها ابن مسعود في إخباره عن أكثر انفتاله عليه الصلاة والسلام في قوله:
(أكثر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه وسلم ينفتل عن يساره).والذي يظهر أن الإنسان لا يجعل حظا للشيطان، فينفتل تارة عن يمينه وتارة عن يساره، والناس تنكر هذه السنة، فإحياؤها طيب، ومستحب أن يحيي الإنسان هذه السنة، والأفضل أن يسبق ذلك بتنبيه للناس حتى لا يحدث تشويشا عليهم.
قال رحمه الله تعالى:
[فإن كان ثم نساء لبث قليلا لينصرفن].هذا من باب الرفق بهن حتى يكون ذلك أدعى لسترهن وأبعد عن فتنته.
[حكم الصلاة بين السواري]

قال رحمه الله تعالى:
[ويكره وقوفهم بين السواري إذا قطعن الصفوف] الصلاة بين السواري قد جاء فيها حديث أنس رضي الله عنه أنهم كانوا يطردون عنها طردا.
وقال بعض العلماء:
إنه لا تجوز الصلاة بين السواري، واختلفوا،
فقال بعضهم: إنما نهي عن الصلاة بين السواري لأنها تقطع الصفوف، وهذا وجه للتعليل.والوجه الثاني أنها كانت موضع الأحذية، وليست موضع العبادة، ولذلك منع منها تنزيها وتشريفا للصلاة، كما هو معهود في غير ما مثال من الشرع.
فلذلك قالوا: لا يصلى بين السواري لهذا، وإنما يصلى في الصف التالي، واغتفر بعض العلماء رحمة الله عليهم القاطع اليسير والقاطع المضطر إليه كقاطع المنبر ونحوه،
قالوا:
إن هذا يغتفر، وهكذا إذا كان القاطع يسيرا لا يمنع العلم بأطراف الصلاة، كما كان في المسبوقات القديمة التي تكون للأئمة ونحوهم.
قالوا:
إن هذه القياسر ونحوها تستثنى ولا حرج فيها، خاصة إذا كانت قدر شبر ونحوه،
أي: يسيرة،
قالوا:
إن هذا يغتفر ولا حرج فيه.
الأسئلة
[حكم التقدم على الإمام من غير جهته في الكعبة]
q الصلاة في الحرم المكي أمام الصف الأول مما يلي الكعبة في غير جهة الإمام هل تعتبر من التقدم على الإمام أم لا؟
a باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فمن صلى داخل المسجد الحرام فإنه على حالتين: الحالة الأولى: أن يكون في الجهة التي فيها الإمام.والحالة الثانية: أن يكون في غير جهة الإمام.فأما من كان في جهة الإمام فإنه لا يجوز له أن يتقدم على الإمام، وهذا هو الأصل الذي ذكرناه وقررناه.توضيح ذلك: لو صلى الإمام في الجهة التي تلي باب الكعبة وكان بينه وبين الكعبة ثلاثة أذرع، فلا يجوز لأحد أن يتقدم على هذا القدر، وإنما يكون وراء الإمام.وأما بالنسبة للجهات الأخر فإنه يجوز له أن يكون على بعد ذراع من الكعبة، ولا حرج عليه في ذلك، وهذا قول جماهير العلماء، وأفتى به طائفة من السلف رحمة الله عليهم، وكان معروفا في مكة في أزمنة الأئمة رحمة الله عليهم، ونقله الإمام الشافعي رحمه الله، قالوا: إن هذا لم يكن أحد ينكره، أي: التقدم في غير جهة الإمام.والسبب في ذلك أن غير جهة الإمام لا يكون الإنسان فيها مطالبا بالتأخر عن الإمام؛ إذ لو قلنا: إنهم مطالبون بالتأخر إلى حد الإمام لوجب عليهم أن يرجعوا ويصلوا وراءه فتتعطل الجهات الأخر، فلما أذن بالصلاة في الجهات الأخر استوى أن يكونوا قريبين أو بعيدين.والأمر الثاني: أن المفسدة التي من أجلها نهي عن التقدم على الإمام غير موجودة في هذه الحالة، والسبب في ذلك أنهم في الجهة هذه يرون الإمام أو من يقتدي بالإمام، وعلى هذا قالوا: إنه إذا لم يره بشاخص الكعبة فإن أطراف الصف يرون، فينتقل العلم بطرف الصف.وإذا ثبت أنه يجوز في الجهة التي هي غير جهة الإمام أن يتقدم فلو كان الإمام من جهة الباب، أو من جهة المقام بينه وبين الكعبة متر حيث يجوز أن يكون بينك وبين الكعبة قدر ذراع، فيجوز أن تكون أقرب إلى الكعبة، فإنه يرد السؤال: هل العبرة في الصف الأول بمن يلي الإمام من حده دائرا على الكعبة؟ أم العبرة في الصف الأول في غير جهة الإمام بمن كان أقرب للكعبة؟ وجهان للعلماء: أصحهما وأقواهما أن من كان أقرب للكعبة فإنه هو الصف الأول؛ لأنه لما أذن بالشرع بتقدمهم فإنه يعتبر صفهم هو الأول، ولا يستقيم أن يقال عن صف: إنه الصف الأول، وقد تقدم عليه غيره؛ لأن الوصف لا يتحقق، لقوله عليه الصلاة والسلام: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول).فالصف الأول من غير جهة الإمام الذي أذن به الشرع هو أقرب الصفوف إلى الكعبة، فكما أن الصف الأول من جهة الإمام أقربها إليه كذلك من غيرها الصف الأول أقربها إلى الكعبة، وهو أولى الأقوال وأقواها إن شاء الله تعالى.
[حكم القصر إذا سافر دون مسافة القصر]
q إذا وصل المسافر إلى ضاحية أو قرية من قرى مدينته التي لا تبعد عنها مسافة القصر، فهل له أن يقصر الصلاة إذا قفل راجعا من سفره؟

a من خرج من مدينته إلى موضع دون مسافة القصر فإنه لا يقصر الصلاة، فلا بد في جواز القصر من وجود المسافة، وهذا هو مذهب طائفة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وتدل عليه السنة في ظاهرها.أما دليل السنة فقوله عليه الصلاة والسلام: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم)، فوصف مسيرة اليوم بكونها سفرا، ولو كان ما دون اليوم يسمى سفرا لمنع النبي صلى الله عليه وسلم أن تسافر.الأمر الثاني: أن الصحابة رضوان الله عليهم أفتوا بذلك، فإن ابن عباس رضي عنه سئل وهو بمكة عن قصر الصلاة إلى مر الظهران وما قرب من مكة فقال: لا، إنما يقصر إلى عسفان وجدة والطائف، وكانت عسفان وجدة والطائف على مسافة القصر.ولذلك قالوا: إن هذا يدل دلالة واضحة على أن مسافة القصر مؤقتة، ويؤكد هذا السنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى أحد وهي بضاحية المدينة ولم يقصر الصلاة، ومكث بالخندق وهي تبعد ميلين عن المدينة إبان عهده عليه الصلاة والسلام ولم يقصر الصلاة، وخرج إلى بني النضير خمسة عشر يوما وحاصرهم ولم يقصر الصلاة، وخرج إلى بني قريظة وصلى بأصحابه العصر ولم يقصر الصلاة، وكلها ضواح، مع أنه في حكم المسافر؛ لأنه حينما نزل على بني قريضة إنما قصد حصارهم وحربهم، وهذا سيكون بلا شك أنه في حكم السفر، ومع ذلك لم يقصر الصلاة، حتى إن الإمام ابن حزم الظاهري مع تمسكه بظواهر النصوص والتزامه بها رحمة الله عليه يقول: علمنا من سنة النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يقصر في القليل والكثير، وإنما كان يقصر في المسافة.فدل على أنه يؤقت السفر بالمسافة، وهذا هو الذي أفتى به جمهور العلماء، وعليه العمل، فالعبرة في السفر بالمسافة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى ضواحي المدينة لم يقصر.وعلى هذا إذا كان المكان الذي تريد قصده دون مسافة القصر كضاحية فإنك لا تقصر، لكن لو أنك قصدت مدينة بعيدة، كأن تخرج من مكة إلى المدينة، ثم لما خرجت من مكة نزلت بعد بعدك عن مكة بعشرة كيلو مترات، أو بخمسة كيلو مترات في موضع أو في ضاحية حل لك أن تقصر.فمتى خرجت عن آخر عمران مكة جاز لك أن تترخص بالقصر في السفر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بالمدينة أربعا وبذي الحليفة العصر ركعتين.فدل على أن القصر يكون بمجاوزة آخر العمران، وهي سنة النبي صلى الله عليه وسلم كما يفهم من حديث أبي بصرة الغفاري رضي الله عنه وأرضاه.والله تعالى أعلم.

[حكم إعادة تحية المسجد عند الخروج والدخول للمسجد]

qيصلي كثير من الطلاب مع الجماعة في الصف الأول، ثم يصعدون للحلقات في الدور الثاني، فهل عليهم إعادة تحية المسجد مرة أخرى؟

a هذا فيه تفصيل، فإن خرجوا من باب المسجد ودخلوا من باب ثان صاعدين إلى المسجد فالسنة واضحة: (إذا دخل أحدكم المسجد)، ولم يفرق صلى الله عليه وسلم بين طول العهد وقصر العهد، والأصل في العام أن يبقى على عمومه.فلو قيل: إنه إذا كان حديث العهد جاز، وإن كان طال العهد لم يجز، أو: إذا خرج بالنية جاز له أن يدخل ولا يصلي فإن هذا فيه نظر؛ لأنه إذا خرج وكان خروجه قريبا ورجع فإنه يحتاج إلى تأقيت يفرق فيه بين القليل والكثير، وهذا ليس فيه دليل من الشرع، ولذلك يقولون: تأقيت بدون مؤقت.وقالوا: إن التفريق بين كونه قريبا وبعيدا مبني على الاستحسان، والأصل أن إعمال عموم النص أولى من إعمال الاستحسان في مثل هذا، خاصة وأنه شرع على وجه التعبد؛ فقال: (إذا دخل أحدكم المسجد)، ولم يفرق بين هذا وذاك.وقال بعض العلماء: لو خرج بكامل جسمه ثم رجع مباشرة لزمه أن يعيد تحية المسجد، أما لو خرج من المسجد ناويا الرجوع، أو خرج من المسجد على نية أن يبقى فهذا مبني على إلغاء الظاهر وإعمال النية والباطن.وتوضيح ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: (إذا دخل أحدكم المسجد)، علق هذا على ظاهر المكلف ولم يعلقه على نيته.وما من إنسان يخرج من المسجد -إذا كان عبدا صالحا أو يريد الخير- إلا وفي نيته غالبا أن يعود إليه، ولذلك ورد في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: (ورجل قلبه معلق بالمساجد).بل قل أن تجد إنسانا صالحا يخرج إلا وفي نيته أن يعود إلى الفرض الذي بعده، وعلى هذا تسقط تحية المسجد، والذي يظهر والله أعلم أن العبرة بعموم النص، وما ورد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (إذا دخل أحدكم المسجد)؛ حيث لم يفرق النبي صلى الله عليه وسلم بين دخول يطول الفصل فيه ودخول يقصر فيه الفصل، ولم يفرق بين كونه ناوي الرجوع، أو غير ناو.والله تعالى أعلم.
[حكم قطع الطواف لصلاة الجنازة]
q من كان يطوف فهل له أن يقف ويصلي على الجنازة، أم يمضي في طوافه؟

a الذي يظهر -والعلم عند الله- أنه يتم طوافه ولا ينشغل بصلاة الجنازة، أما لو كان الطواف فرضا كطواف الإفاضة ونحوها من الأطوفة الواجبة واللازمة كطواف الوداع فلا إشكال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وصف الطواف بالبيت بأنه صلاة، ولا يترك الصلاة المفروضة اللازمة لما هو دونها في المرتبة، فإن الصلاة على الجنازة من فروض الكفايات، وقد قام حقها بصلاة غيره عليها، فلا يترك الفرض العيني المتعلق به إلى فرض قد سقط عنه بفعل غيره، ولذلك يبقى في طوافه ولا يقطع.ولكن إذا أقيمت صلاة فريضة فإنه ينسحب ويصلي، ثم إذا صلى الفريضة كالعصر والظهر ونحوها ورجع فهل يرجع من أول الطواف، أو يرجع من الموضع الذي قطع فيه؟ أصح الأقوال أنه يرجع من الموضع الذي قطع فيه.وبناء على ذلك يرجع إليه ويتم طوافه، والأحسن أن يبتدئ من بداية الشوط الذي قطعه على سبيل الندب والاستحباب لا على سبيل الحتم والإيجاب.والله تعالى أعلم.
[نصائح وتوجيهات لطلبة العلم]
q نود ذكر ما ينبغي أن يكون عليه طالب العلم من حيث ضبط المسائل ومراجعتها؟

a أولا: أوصي الإخوان وأوصي الجميع ونفسي بتقوى الله عز وجل، فيتقي الإنسان ربه، وهذا العلم يراد به ما عند الله سبحانه وتعالى.وكان العلماء رحمة الله عليهم يوصون دائما بالإكثار من التواصي بالإخلاص في العلم، فإن الله يضع البركة فيه، ويكثر خيره، وينمي ما فيه من نفع المسلمين بحسن نية صاحبه.فينوي الإنسان بهذا العلم أن ينقذ نفسه من الضلال، وأن يعمل به، وأن يعلمه الناس، وأن يكون في نيته ألا يبخل على أحد بحكمة رزقه الله علمها، فهذا من أفضل ما يكون في توفيق الإنسان، وكلما صلحت نية طالب العلم كان ذلك أدعى لتوفيق الله ورحمته به.فإن الله اختار القلوب للنظر، ففي الحديث: (إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى ألوانكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)، فأر الله من نفسك حسن النية.الأمر الثاني: لا تعجب، ودائما كن في احتقار وانتقاص لنفسك؛ فإن الله يرفع قدرك، قال بعض السلف: والله ما جلست مجلسا أظن نفسي أني أعلى القوم إلا خرجت وأنا أدناهم، وما جلست مجلسا أرى نفسي أصغر القوم إلا خرجت وأنا أعلاهم.فإذا احتقر الإنسان نفسه وقال: من أنا، وأخذ يظن بنفسه أنه دون الناس رفع الله قدره، وجعل بين الناس حبه والثقة بما يقول.الأمر الثالث: أن تضبط هذا العلم حق ضبطه، فتأخذه كما ينبغي أن يأخذه طالب علم بجد واهتمام وصدق كما قال تعالى: {يا يحيى خذ الكتاب بقوة} [مريم:12]، فيحتاج العلم إلى عزيمة، ولا يكون بكسل أو خمول أو توان، فتأخذ العلم بهمة صادقة وعزيمة على الخير وحب للانتفاع به.قال صلى الله عليه وسلم: (منهومان لا يشبعان: طالب علم وطالب دنيا)، فأر الله منك الجد والاجتهاد والصبر والتحمل.ولذلك موسى عليه السلام لما بلغه أن هناك من هو أعلم منه قال: {لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا} [الكهف:60] ومعنى (حقبا) أي: إلى آخر الدهر حتى أبلغ هذا الذي هو أعلم مني.وهذا يدل على الهمة الصادقة في العلم، فإن وجدت من هو عالم ويوثق بدينه وما عنده من العلم فخذ العلم كما ينبغي أن يؤخذ، فتكون عندك الهمة الصادقة فيه، والجد والاجتهاد والتفاني فيه، وبقدر ما تضحي للعلم يضع الله لك البركة والخير والنفع للمسلمين.فمن تعب اليوم فإنه يجني الثمار غدا، فيجنيها في الدنيا والآخرة، ويجنيها من الله سبحانه وتعالى في عاجل أمره وآجله؛ لأن المعاملة مع الله رابحة على أتم الوجوه وأكملها.الأمر الرابع: أول ما تعنى به تطبيق العلوم بعد أن تعلمها وتعرف حلالها وحرامها، فتعمل بهذا العلم الذي علمته، ولذلك قالوا: اعمل بالحديث ولو مرة تكن من أهله.فإذا علمت أن الله أحل فأحل، وإذا علمت أن الله حرم فحرم، وكن عاملا بهذا العلم، فإذا وفقك الله للعمل بما علمت فإن الله يرزقك علم ما لم تعلم.قالوا: من عمل بما علم رزقه الله علم ما لم يعلم، أي: رزقه ما لم يكن له على الحسبان، وفتح الله له البركة؛ لأن العمل توضع بسببه البركة في علم العالم.الأمر الآخر الذي أحب أن أوصي به بعد العمل: أن تدعو الناس، وتهدي الناس إلى هذه السنن، وتحس أنها في رقبتك أمانة، فتبين للناس حلال الله وحرامه، وتدعوهم بالتي هي أحسن إلى أن يعملوا بالحلال وأن يحلوه، وأن يجتنبوا الحرام ويبتعدوا عنه وينبذوه.فمن خير المنازل الدعوة إلى الله عز وجل بالعلم، حتى تكون ممن عناهم الله عز وجل بقوله: {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا} [فصلت:33].وينبغي عليك أن تتنبه لأمور: أولا: شيء لا تعلمه لا تتكلم فيه؛ فإن الله عز وجل إذا أراد أن يسلم العبد من تبعة هذا العلم رزقه الأمانة فيه، فلا تتكلم إلا بقدر ما علمت، وكلما كان طالب العلم دقيقا من أول طلبه للعلم، فلا يتكلم إلا في حدود ما يعلم كان أدعى لضبطه للعلم، وأدعى -أيضا- لسلامته من تبعة العلم.فإن الإنسان تزل قدمه بكلمة واحدة، وقد يمقت الله العبد بكلمة من غضبه حينما يفتري على الله كذبا فيقول: هذا حلال، والله حرم، أو: هذا حرام، والله أحل، خاصة إن كان عن جهل وجرأة على الله، نسأل الله السلامة والعافية.قال الله تعالى: {ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا} [الأنعام:21]، فلو وقفت أمام الناس والخلق أجمعين يسألونك عن شيء لا تعلمه فقل بكل عزة وإباء: الله أعلم، فمن قال: لا أدري، فقد أنفذت مقاتله، ويكون الله أعلم في قلبك من كل أحد، ولا تبال بأحد.ولو ضاقت عليك الأرض بما رحبت فلا تقل في دين الله وشرع الله ما لا تعلم أبدا، فلا تتقدم، فإنك إن فعلت فقد تقحمت النار على بصيرة، نسأل الله السلامة والعافية.ومن كانت عنده الجرأة على الاجتهادات والخوض في الآراء وكثرة الجدل حتى يحدث لنفسه أقيسة وفروعا فقد زلت به القدم -نسأل الله السلامة والعافية- إن عاجلا أو آجلا، وقل أن يسلم من مكر الله به والعياذ بالله، فينبغي أن تكون أمينا.فاتق الله يا طالب العلم، فإن الناس إن جلست بين يديك تريد علما صادقا، ولا تريد الكذب، ولا تريد الغش، ولا تريد إحلال الحرام وتحريم الحلال، وإنما تريد الأمانة.وقد قال تعالى: {ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين} [الأحقاف:4]، قال بعض العلماء: في هذه الآية دليل على أن العالم لا يكون صادقا إلا إذا تتبع الأثر.ولذلك تجد في بعض الأحيان بعض الكتب تنقل ولا تزيد، حتى إن الكلمات مكررة، وهذا يدل على أمانة العلماء، وهم قادرون على أن ينظروا، وأن يجتهدوا، وأن يفرعوا، وأن يؤصلوا، ولكن الخوف من الله حبسهم.فينبغي لطالب العلم أن يكون بهذه المثابة، فلا تتكلم في شيء لا تعلمه، وإذا أصبحت من الآن لا تخطو خطوة إلا وأمامك دليل وحجة من كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم فأنت على خير.والوصية التي أحب أن أنبه عليها أيضا أنك لا تدخل في مماراة السفهاء ومجادلة العلماء، فلا تتعلم العلم لتماري به السفهاء، أو تجادل به العلماء، فمن تعلم العلم ليماري به السفهاء أو ليجادل به العلماء أو ليصرف وجوه الناس إليه فليتبوأ مقعده من النار.وليكن أهم شيء عندك رضوان الله العظيم، وأهم شيء أن الله يرضى عنك حينما علمت فعملت وعلمت ودعوت، فإذا بلغت هذا وضع الله في قلوب العباد الثقة بعلمك، ووضع الله في قلوب العباد حبك، وتجد من تيسير الله لك في العلم، حتى إنه في بعض الأحيان تقول: (الله أعلم) فتخاف الله عز وجل وتتورع، فلا تجاوز مكانك حتى يفتح الله عليك بالحق فيها، وهذا مجرب، فربما تتذكر أدلة ونصوصا في المسألة، وكأن الله يمتحنك، وكأن الله يبتليك ويختبرك، فإذا كنت بهذه المثابة فإن الله يفتح عليك.ثم عليك أن تشوب العلم بالصلاح والتقوى والورع، فكلما نظرت إلى الله سبحانه وتعالى كيف علمك وفهمك وهداك وأرشدك فينبغي أن تشكر هذه النعمة؛ فإن الله تأذن بالزيادة لمن شكر، وتأذن بمحق البركة لمن كفر.ولذلك يقول العلماء: قرينان لا يمكن أن يكون الإنسان إلا على واحد منهما، إما شكر وزيادة، وإما كفر -والعياذ بالله- فمحق للبركة وخسارة، فإذا أردت أن يبارك الله لك في هذا العلم فدائما اذكر فضل الله عليك، وأثن على الله بما هو أهله.ودائما ينبغي أن تدمع عينك، خاصة إذا كنت في خلوة بينك وبين الله، فتقول: يا رب: لك الحمد، علمتني وكنت جاهلا، وهديتني وكنت ضالا، وأرشدتني وكنت حائرا.إلى غير ذلك.فلا تزال تثني على الله وتصعد منك هذه الكلمات، ففي الحديث: (إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها).فلربما أنك تجلس خاليا فتذكر ولو مجلسا واحدا جلسته، ولو فتوى واحدة سمعتها من أهل العلم، فإن الله يرفعك بها درجات، فإن شكرت بارك الله لك.والوصية الأخيرة: أن تتأدب مع العلماء والسلف الصالح رحمة الله عليهم، فأنت لم تتعلم العلم لكي تضع نفسك في مكان لست بأهله، فلا تكن جريئا على تخطئة الأسلاف، وكذلك بيان عوارهم وانتقاصهم، وإنما تأدب مع السلف الصالح والأئمة، وتأدب مع من هو أعلم منك.وإن جلست في مجلس وهناك من هو أعلم منك فأعط الزمام له، قال صلى الله عليه وسلم: (كبر كبر)، فاحفظ حق من هو أكبر منك، ومن هو أسبق منك، ولا تتعال على الناس، فإن الله سبحانه وتعالى يقول: {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين} [القصص:83].نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعل علمنا نافعا، وعملنا صالحا خالصا لوجهه الكريم، ونسأله سبحانه وتعالى أن يبارك لنا فيما علمنا وعملنا، وأن يجعله خالصا لوجهه ليس فيه لأحد سواه حظ ولا نصيب؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #129  
قديم 24-09-2021, 03:05 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,836
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(باب صلاة الجماعة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (125)

صـــــ(1) إلى صــ(16)

فصل: أعذار ترك صلاة الجماعة
المرض هو أحد الأعذار التي يعذر بها صاحبها عن ترك صلاة الجمعة والجماعة، وقد قسم العلماء المشقة فيه إلى مشقة مقدور عليها ومشقة غير مقدور عليها،
ومن الأعذار التي يعذر بها صاحبها عن التخلف عن صلاة الجمعة والجماعة:
مدافعة أحد الأخبثين، وحضرة الطعام مع الحاجة إليه، وكذلك الضرورة التي يقاس عليها بعض الأعذار وغيرها، ولأهل الأعذار كالمريض كيفية خاصة في الصلاة كما جاء في حديث عمران بن حصين رضي الله عنه.
أعذار ترك صلاة الجمعة والجماعة
[المرض]بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين،
أما بعد:
فيقول المصنف عليه رحمة الله: [فصل: ويعذر بترك جمعة أو جماعة مريض].
قوله: [يعذر بترك] أي: بالتخلف.فالجمعة والجماعة لا تجب على المريض الذي لا يستطيع شهودها وحضورها، والسبب في ذلك أن تكاليف الشرع مبنية على التيسير على الناس، لا على التعسير عليهم.وقد بعث الله نبيه رحمة للعالمين، ولم يبعثه -صلوات الله وسلامه عليه- بما فيه حرج ومشقة لا يطيقها الناس، والمرض فيه مشقة وحرج.ولذلك لما مرِض عليه الصلاة والسلام لم يشهد الجماعة،
كما في الصحيحين أنه قال: (مروا أبا بكر فليصل بالناس)، فتخلف عليه الصلاة والسلام عن شهود الجماعة، فأخذ العلماء من هذا دليلاً أن من كان مريضاً يُعذر بترك الجماعة.والمرض له أحوال، فتارةً يمتنع الإنسان بالكلية عن شهود الجماعة، كأن يكون مشلولاً أو به ألم لا يطيق معه الخروج من بيته، فهذا يُعذر، ويعتبر وجود مثل هذا الأذى رخصة له في ترك الجمعة والجماعة.
وتارة يكون مرضه يستطيع معه الخروج، ولكن يتضرر بالخروج؛ فتارة يزداد عليه المرض، كأن يكون مصاباً بالزكام، فلو خرج في شدة البرد زاد عليه زكامه، ولربما ساءت صحته، واشتدت عليه علّته، وتارةً يستطيع الخروج ولا يزداد المرض، ولكن يجد الأذى والمشقة في النقلة، كأن يكون مرضه في قدميه، فلو سار عليهما أو حمل بين اثنين فإنه يتضرر بالمشي.ففي الحالة الأولى اختار بعض العلماء والمحققين أنه إذا خاف زيادة المرض، وغلب على ظنه أن المرض يزداد والعلة تشتد فإنه يترك شهود الجماعة، فلو أنه أصابه الزكام، وغلب على ظنه أنه لو خرج لهذه الصلاة تشتد عليه العلة ويعظم عليه البلاء فإنه يتخلف.
وهكذا لو كان خروجه فيه المشقة والحرج والأذية، أما لو كانت به مشقة يستطيع أن يتحملها فعليه أن يخرج،
ولذلك يقول العلماء:
المشقة مشقتان: مشقة مقدور عليها، ومشقة غير مقدور عليها، فالمشقة غير المقدور عليها لا يكلف معها إجماعاً وإذا كان الإنسان لا يطيقها، ولا يمكنه أن يأتي بالشيء مع وجودها، فلو أن إنساناً أصابه مرض لا يستطيع معه القيام ألبتة -كالشلل- فإنه لا يكلف إجماعاً بالقيام.
والمشقة المقدور عليها تنقسم إلى قسمين:

الأول: أن تكون مقدوراً عليها وفيها حرج وضيق وعناء.
الثاني:
أن تكون مقدوراً عليها، ولا يلحق الإنسان بها حرج ولا ضيق.فمثال الأول -إذا أصابته المشقة وأجحفت به- أن يكون في سفر وتشتد عليه المخمصة، فلو كان في سفر وهو صائم، فإنه في حال السفر يمكنه أن يصبر على الصيام، ولكن تصل نفسه إلى الضيق والحرج، فهذا يرخص له في الفطر.
ومثال الثاني: مشقة الخروج لصلاة الفجر، فإنه يترك النوم ويخرج، ومشقة الوضوء في الشتاء، فإنه يكلف بها،
فأصبحت المشقة ثلاثة أقسام:
الأول: ما لا يُقدر عليه، كالمخمصة التي تفضي به إلى الموت.فهذه يسقط فيها التكليف، وينتقل إلى الرخصة بأكل الميتة.
الثاني:
مشقة مقدور عليها مع الحرج، كالصوم في السفر، فيخير بين الفعل والترك، والرخصة له أن يترك، فالإنسان في السفر يخير بين أن يفطر ويصوم.
الثالث:
مشقة مقدور عليها بدون حرج، فيلزم فيها بالتكليف،
ولذلك قال العلماء:
سميت التكاليف تكاليفاً لوجود الكلفة والمشقة فيها.وبناءً على ذلك فالمريض الذي إذا خرج من بيته أجحف به الخروج وحصل له العناء والضررله أن يترك شهود الجماعة، ولا حرج عليه في ذلك.أما لو كان يطيق -ولو مع يسير المشقة- فإنه يشهد،
فقد قال ابن مسعود رضي الله عنه:
(ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم نفاقه، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف).فهذا يدل على حرصهم رضي الله عنهم على شهود الجماعة، ويدل على تأكدها ولزومها.
[مدافعة أحد الأخبثين]
قال رحمه الله تعالى: [ومدافع أحد الأخبثين] أي: يعذر بترك الجماعة من كان يدافع أحد الأخبثين.والمدافعة: مأخوذة من دفع الشيء، والمراد به كفه.وهناك (دفع) و (رفع)،
والعلماء يقولون في القاعدة المشهورة:
(الدفع أسهل من الرفع).
وسأل بعضهم:
ما الفرق بين الدفع والرفع؟
فقالوا:
الدفع لما لا يقع، والرفع لما وقع.فأنت ترفع شيئاً قد وقع وحصل، كأن ترفع شيئاً على الأرض، فإنه بعد سقوطه على الأرض يرفع.وأما بالنسبة للدفع فإنه يكون لشيء لا يراد وقوعه،
فمدافعة الأخبثين المراد بها:
أن يكون حاقناً بالبول أو الغائط أو بهما معاً، فمثل هذا لا يستطيع أن يكون مستحضراً للخشوع في صلاته، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم من يدافع الأخبثين أن يصلي حال مدافعته للأخبثين،
فقال صلى الله عليه وسلم:
(لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان)، والأخبثان -كما قلنا-: البول والغائظ.
ومدافعة الأخبثين تكون على صور:
الصورة الأولى: أن تكون إلى درجة لا يعي الإنسان معها الصلاة، بأن تشتد عليه، وتبلغ به إلى مقام تذهله عن صلاته، وكذلك عن خشوعه وموقفه بين يدي ربه.
الصورة الثانية: أن تكون في بدايتها، بحيث يطيق الصبر إلى انتهاء الصلاة، فيرجع إلى صلاته تارة ويغيب عن صلاته تارة.فإن وصلت به إلى حد لا يستطيع معه أن يدرك صلاته فإن صلاته لا تصح في قول طائفة من العلماء، وهو مذهب الظاهرية، وكذلك قال به الإمام مالك، وكذلك قال به بعض السلف رحمة الله على الجميع.فإذا وصلت المدافعة إلى درجة لا يعي معها صلاته، فإن صلاته غير صحيحة، ويُلزم بإعادة الصلاة.
والقول الثاني: صلاته مكروهة، وتقع مجزئة؛ لأنه صلى وهو متوضئ وغير محدث، وإنما كانت مدافعة الأخبثين متعلقة بالخشوع، وفوات الخشوع لا يؤثر في ذات الصلاة، وإنما يؤثر في كمالها وحصول الأجر فيها، وهذا مذهب الجمهور.
وهذا المذهب يقول:
لا يستلزم فوات الخشوع بطلان الصلاة، فغاية ما هو فيه -أي: الذي يدافع الأخبثين- أنه لا يعي صلاته، بمعنى أنه لا يخشع فيها الخشوع المعتبر.
وبناءً على ذلك قالوا: إن صلاته صحيحة.والحقيقة أنه إذا دافع مدافعة يذهل فيها عن صلاته بالكلية فإن القول بالإعادة من القوة بمكان.وأما إذا كانت المدافعة يسيرة، بأن تغلبه تارة ويرجع تارة إلى الصلاة، فإن الظاهرية يقولون ببطلان الصلاة، وبعض أهل الحديث يوافقهم، والجمهور على صحة الصلاة،
وقالوا:
لكن يُكره له أن يصلي على هذه الحالة.والصحيح أنه إذا كان في بداية المدافعة بحيث يرجع إليه الشعور تارة ويغيب عنه تارة فإن صلاته صحيحة.
والدليل على ذلك ما ثبت في الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال لأم المؤمنين عائشة:
(أميطي عنا قرامك هذا؛ فإنه لا تزال تصاويره تعرض في صلاتي)،
فقوله:
(أميطي) أي: أزيلي.(قرامك) القرام: هو الستارة، وكانت فيها صور،
فقال:
(أميطي عنا قرامك هذا؛ فإنه لا تزال تصاويره تعرض في صلاتي)، ولم يبطل صلاته ولم يقطعها.فدل على أنه إذا فاء تارة وغلبه فذلك لا يؤثر في الصلاة، وفي الصحيح أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في خميصة لها أعلام،
فأمر عليه الصلاة والسلام فقال:
(اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم؛ فإنها ألهتني آنفاً عن صلاتي، وائتوني بأنبجانية أبي جهم)، فهذا الحديث يدل على أن من ذُهل عن صلاته بحيث يفيء تارة ويغلب تارة فصلاته صحيحة.وبناءً على ذلك يفرق فيمن يدافع الأخبثين بهذا التفريق، فإن غلبته المدافعة إلى درجة لا يعي معها الصلاة بالكلية فإنه حينئذٍ يعيد، وأما إذا كان تغلبه تارةً وتارةً يغلبها فإنه تصح صلاته وتجزيه، لما ذكرنا من الأحاديث.فمن يدافع الأخبثين إذا أقيمت الصلاة يشرع له أن يخرج ويتوضأ، أو يعيد وضوءه، والسبب في ذلك واضح إذا كانت المدافعة قوية؛ لأن صلاته محكوم ببطلانها، أما إذا كانت المدافعة يسيرة فإنه يصلي.
وقال بعض العلماء: لا حرج أن يخرج من المسجد وأن يعيد وضوءه في هذه الحالة ولو كانت يسيرة.
[حضرة الطعام مع الحاجة إليه]
يقول المصنف:
[ومن بحضرة طعام محتاج إليه] الطعام قد يكون غداءً أو عشاءً،
وحضور الطعام مع الصلاة هو المعبر عنه في الحديث في قوله في حديث أم المؤمنين عائشة:
(لا صلاة بحضرة طعام)، وحضور الطعام كمال نضجه واستوائه وتهيؤه لتناوله، فالمراد بذلك أن تحضر الصلاة في حال حضور الطعام.بمعنى أن يكون فعل الجماعة للصلاة وقت وضع الطعام بين يديه، أو يكون مشغولاً بالأكل فتقام الصلاة أثناء اشتغاله بالأكل، فإذا كان الطعام يحتاج إليه وتتعلق نفسه به فإنه حينئذٍ ينصرف إلى الطعام؛
لقوله عليه الصلاة والسلام:
(إذا أقيمت الصلاة وحضر العشاء فابدأوا بالعشاء).وهذا من سماحة الشريعة، وفيه دليل على كمال منهجها ورحمة الله عز وجل بعباده؛ فإن الإنسان ضعيف، إذ لو صلى وهو بحضرة الطعام تنشغل نفسه فيفوته الأجر، فأُذِن له أن يشتغل بالطعام.
وقوله: [محتاج إليه] خرج به الطعام الذي لا يحتاج إليه، فلو دعي إلى صلاة العِشاء، وكان بحضرة طعام لا يحتاج إليه، كأن يكون في شبع، أو يكون شراباً كالشاهي أو نحوه، كما هو موجود في زماننا الآن فإنه ينصرف إلى الجماعة، ولا يجوز له أن يتخلف عنها.أما إذا كان محتاجاً إليه، كمن أصابه الجوع وحضرته صلاة العصر والطعام بين يديه فإنه يتخلف، وينبغي أن يُنبه أنه لا يجوز اتخاذ هذا وسيلة لترك الجماعة، كأن يُهيئ طعامه عند حضور الصلوات بقصد التخلف عنها، فإنه يعامل بنقيض قصده،
وقد قال صلى الله عليه وسلم:
(إنما الأعمال بالنيات).فإذا نوى مخالفة الشرع وتفويت هذه الفريضة عليه من شهود الصلاة مع الجماعة فإنه يأثم بهذا الفعل،
وقال طائفة:
لا يرخص له.فتسقط الرخصة عنه معاملة له بنقيض قصده، والمعاملة بنقيض القصد الفاسد معروفة شرعاً ومعهودة عند العلماء رحمة الله عليهم.فالمقصود أن حضور الطعام المراد به نضجه وتيسر أكله له مع تعلق نفسه به، فإن كان الطعام لم ينضج بعد فإنه ينصرف إلى صلاته، وكذلك إذا كانت نفسه لا تتعلق بهذا الطعام، بمعنى أنه في شبع ولا يجد الحاجة لهذا الطعام، فيجب عليه شهود الجماعة إعمالاً للأصل.
[الخوف من ضياع المال أو فواته]
قال المصنف:
[وخائف من ضياع ماله أو فواته أو ضرر فيه] أي: يرخص للإنسان إذا كان عنده مال ويحرس هذا المال ويقوم عليه أن يتخلف عن الجماعة إذا خاف بذهابه إليها أن يسرق هذا المال، أو يضيع عليه.فمن كان عنده مال أمانة، أو ماله هو يملكه، ولا يستطيع أن يدخله معه فإنه يرخص له في ترك الجماعة لوجود الضرر.
وقد نبه الشرع بالنهي عن الصلاة بحضرة الطعام على اعتبار حاجة الإنسان، والمال من حوائجه، ولذلك لا حرج عليه في قول جماهير أهل العلم رحمة الله عليهم في ترك الجماعة، خاصة إذا كانت هناك جماعة أخرى كأهله وزوجه ونحو ذلك.
فإن خاف على ماله، أو مال يكون أمانة عنده فإنه حينئذٍ يُشرع له أن يحفظ المال، وأن يتخلّف لوجود الحاجة،
والحاجة تنزل منزلة الضرورة للقاعدة التي تقول:
(الحاجة تنزَّل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة).وهذا بالنسبة لفوات المال، ويكون أيضاً ضياع المال في حكم الفوات، كأن يكون عنده دابة ولا يجد مكاناً يحفظ فيه هذه الدابة، فإن أقيمت الصلاة وإذا تركها فإنها تضيع فحينئذٍ يجوز له أن يتخلف عنها، خاصة إذا كان في سفر وفواتها يضر به ويجحف.
[الخوف من موت قريب إذا تركه بمفرده]
يقول المصنف: [أو موت قريبه].
أي: إذا خاف موت القريب فإنه يُشرع له أن يتخلف لمداواته والقيام عليه وتجهيزه للصلاة عليه، وقد أُثر عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه لما سمع الصارخ على ابن عمه -وقد كان خرج للجمعة- ترك الجمعة، وانصرف إليه وأقام حاله.وهذا من باب التيسير، وبناءً على ذلك فإذا أقيمت الصلاة والإنسان يخاف على والدته أو على والده أن يموت، أو كان في شدة المرض يحتاج إلى قيامه عليه ورعايته له، فلا حرج عليه أن يتخلف للقيام عليه ورعايته.
وكذا لو غلب على ظنه أنه لو ترك المريض وذهب فإنه يموت، أو ربما يحصل له ضرر، كالأطباء في بعض الأحوال التي يقومون فيها على المرضى، فيشرع لهم أن يتخلفوا عن الجماعة في الحالات الطارئة.
فالأطباء الذين يستقبلون الحالات التي تطرأ على الناس، ويغلب على الظن فيها فوات الأنفس يشرع لهم أن يصلوا جماعة مع بعضهم، وأن يتخلفوا عن الجماعة العامة إحياءً للأنفس إذا غلب على ظنهم وجود الضرر أو التلف.
وهكذا بالنسبة لمن يحفظ الأموال وخاصة عند وجود الفساد، فإنه يُشرع لهم أن يتخلفوا لوجود الحاجة، وهكذا الخوف على العرض، فإذا كان الإنسان في سفر ومعه زوجه أو معه أخته، وهو في موضع لا يجد فيه أين يضع أهله، ويخشى لو فارقهم أن يُعتدى عليهم، أو يحصل الضرر عليهم، فإنه يجوز له أن يصلي معهم جماعة، ولا حرج عليه في مثل هذه الأحوال.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #130  
قديم 24-09-2021, 03:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,836
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(باب صلاة الجماعة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (126)

صـــــ(1) إلى صــ(16)

[الخوف على النفس من ضرر أو سلطان]
يقول المصنف: [أو على نفسه من ضرر أو سلطان].إذا خاف على نفسه من ضرر فإنه يجوز له -في قول جماهير العلماء- أن يتخلف عن الجماعة، وذلك لأنه إذا تعارض حق الله وحق العبد فحقوق الله مبينة على المسامحة، وحقوق العباد مبنية على المشاحة والمقاصة.
ولذلك أباح الله عز وجل للعبد أن يأكل من الميتة في حال خوفه على نفسه، فسقط التكليف بالحرمة، فإذا خاف على نفسه سقط التكليف بوجوب شهادة الجماعة، وجاز له أن يتخلف.والأمثلة التي ذكرها إنما هي أمثلة أنواع، وليست أمثلة تقييد، فإذا خاف على نفسه الضرر من أي جهة كانت فإنه يشرع له ويجوز له أن يتخلف دفعاً لهذا الضرر، فإن الشرع دفع الضرر عن المكلف كما في الصوم، وكما في المخمصة.
ولذلك قالوا: إن الشرع قصد المحافظة على الأنفس فيخفَّف في شهود الجمعة والجماعة، فيصليها في بيته إذا خاف الضرر، ولا حرج عليه في هذه الأحوال.
قالوا:
وأصول الشريعة تدل على هذا؛
لأن الله سبحانه وتعالى يقول:
{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286]، وهذا ليس في وسعه أن يعرض نفسه للهلاك والتلف.
وكذلك أيضاً يقول تعالى:
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107]، فلو أُلزِم بشهودها كان ضررا يخالف القصد الذي بُنيت الرسالة عليه من الرحمة بالناس،
وقد قال عليه الصلاة والسلام:
(إن خير دين الله أيسره)،
وقال:
(إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين).فلو أوجبنا عليه شهود الجماعة مع وجود هذه الأضرار كان هذا مخالفة للأصول التي دلت عليها هذه النصوص من كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فاستنبط الجماهير رحمة الله عليهم من هذا الحكم بجواز التخلف عن شهود الجماعة في مثل هذه الأحوال.
[ملازمة غريم]
قال رحمه الله تعالى:
[أو ملازمة غريم ولا شيء معه] ملازمة الغريم تكون على حالتين: الأولى: أن يكون الإنسان معذوراً بالتخلف عن سداد الدين.
الثانية: أن يكون غير معذور.فإن كان معذوراً لا يجد السداد والغريم يسيء إليه، فيؤذيه بالكلام، أو يتسبب في التضييق عليه، أو الاستعداء عليه، بحيث يكون سبباً في لحوق ضرر به، أو يخاصمه أمام الناس،
فيقول له:
يا ظالم.يا مماطل.أو يؤذيه بدون حق فيجوز له أن يتخلف في هذه الأحوال.والسبب في ذلك -كما يقول العلماء رحمة الله عليهم- أنه لو خرج لحقت به المشقة والحرج،
والله يقول:
{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78]، فإن الإنسان إذا أوذي أمام الناس وانتقصت كرامته، وأوذي بسبه وشتمه قد يكون الأذى والضرر عليه أكبر مما لو أُوذِي بجرحه والضرر في جسده.
ولذلك قالوا: جرح اللسان أعظم من جرح السنان.فالمقصود أن الإنسان إذا خاف من أذية صاحب الدين وكان مظلوماً بهذه الأذية وليس عنده سداد شرع له التخلف.أما لو كان عنده سداد ويستطيع أن يدفع فإنه ظالم؛
لقوله عليه الصلاة والسلام:
(مطل الغني ظلم يحل عرضه وعقوبته) فإذا امتنع عن السداد وهو قادر عليه، وعنده ما يتمكن به من سداد الحقوق التي عليه فإنه لا يشرع له أن يتخلف عن الجماعة، بل يجب عليه أن يخرج، وإذا أُوذِي فإنه يستحق الأذية بإذن الشرع بذلك.
[فوات الرفقة]
قال رحمه الله تعالى:
[أو فوات رفقة] إذا كان في سفر وكان فوات الرفقة قد يعرضه للهلاك فقد قالوا: يشرع له أن يترك الجماعة.أما لو كانت هناك رفقة بديلة عن هذه الرفقة، أو يستطيع أن يمشي وحده ولا حرج عليه فإنه حينئذٍ يتخلف ويصلي، فإن أدركهم فبها، وإلا أقام حق الله عز وجل عليه بشهود الجماعة.
[غلبة نعاس]
قال رحمه الله تعالى:
[أو غلبة نعاس] مثال هذا: لو أن إنساناً اشتغل من الصباح الباكر، فجاء قبل صلاة الظهر وإذا به في شدة الإعياء والإرهاق، ثم إنه غلب على ظنه أنه لو نزل إلى المسجد فإنه سينتظر بقدر ربع ساعة إلى ثلث ساعة وهو في غاية الإرهاق، وغلب على ظنه أنه لو نزل لا يعي الصلاة من شدة ما يجد من العناء والتعب، أو قد لا يستطيع ذلك إلا بعناءٍ شديد ومشقة، فحينئذٍ يصلي في موضعه، ولا حرج عليه في التخلف عن الجماعة.
[الأذى بمطر أو وحل]
قال رحمه الله تعالى: [أو أذى بمطر أو وحل] وذلك لما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر من هديه عليه الصلاة والسلام أنه إذا نزل المطر وحضرت الصلاة كان ينادي المنادي: (الصلاة في الرحال الصلاة في الرحال).
وهذا بعد قوله: حي على الصلاة.وهذا من سماحة الشرع ويسره، وذلك أن الخروج في المرض أو في المطر لا يخلو من وجود الضرر والأذية،
ولذلك يقولون:
إذن الشرع بالتخلف عن الجماعة في حال المطر يدل على اعتبار الأضرار مرخِّصة في ترك الجماعة.فكون الشرع مع وجود المطر يأذن في ترك الجماعة ينبِّه على أنه لو وُجِد الضرر الذي ذكرناه من خوف النفس والخوف على الأموال ونحوها يُشرع له التخلف؛ فإنها في مقام ضرورة، أو مقام حاجة قد تكون أشد من أذية المطر وما يكون فيه من مشقة.
وبعض العلماء يقول: يسير المطر وكثيره سواء، وهذه سنة ضائعة اليوم إلا ممن رحم الله، وينبغي للمؤذنين أن يحيوها، وأن يُنبه على المؤذنين بإحيائها، فإن الأذان يؤذن -سواءٌ هناك مطر أم لم يكن هناك مطر- وقل أن تسمع هذه السنة،
بحيث يقال:
الصلاة في الرحال.فينبغي إحياء هذه السنة والتنبيه عليها،
وأنه إذا وجد المطر يقول المؤذن: (الصلاة في الرحال الصلاة في الرحال) لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان من هديه ذلك، وقد فعل ذلك ابن عمر رضي الله عنهما وأرضاهما، ورفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.ولذلك لا يقتصر على الأذان وحده، وإنما يدخل هذه العبارة؛ لأنها من ألفاظ الأذان المشروعة.والمطر إن كان شديداً فقولاً واحداً أنه يتخلف ويعذر بالتخلف عن الجمعة والجماعة.
وأما إذا كان يسيراً فقال بعض العلماء: إن يسيره لا يوجب الترخيص، وإنما يوجب الترخيص إذا كان فيه ضرر.بمعنى أن يكون شديداً.وإن كان ظاهر النص على أنه يُرخص في المطر مطلقاً، والاحتياط أنه إذا كان يسيراً وأمكن الإنسان أن يشهد معهم الجماعة دون وجود ضرر فإنه يشهدها.
قوله: [أو وحل].هو الذي يكون ناتجاً عن المطر، كالطين الذي يكون في الطريق، فإذا كان طريقه فيه وحل فحينئذٍ لا حرج أن يتخلف عن الجماعة؛ لأن الشرع لما أذن بالصلاة في البيوت مع وجود المطر فإن الوحل أثر من الآثار التي أوجبت الرخصة.
[الريح الشديدة البرودة في الليلة المظلمة]
قال رحمه الله تعالى:
[أو بريح باردة شديدة في ليلة مظلمة].الريح فيها حرج ومشقة، وخروج الناس مع وجود الريح في شدة البرد يُضر بهم، وقد يتسبب في حصول الضرر بالإنسان،
ولذلك قالوا: يشرع له أن يتخلف عن الجماعة إذا كانت الريح باردة، والريح الساخنة التي تسمى بالسموم يمكن الصبر عليها، ويمكن اتقاؤها وإذهاب حرها بما يكون من الملابس ونحوها.والريح الباردة أقوى في الإضرار بالجسد من الحارة، ولذلك رخِّص في الباردة دون الحارة،
فالأمر الأول: أن تكون الريح باردة.
الأمر الثاني: أن تكون شديدة، فإذا كانت يسيرة وجب عليه أن يشهد الجماعة؛ لأنه الأصل.الثالث أن تكون في ليلة مظلمة، والسبب في ذلك أن الضرر بها يكون أبلغ ما يكون إذا كان بهذه الصفة، أما لو كانت الريح باردة وشديدة، ويمكنه أن يخرج ويرى فحينئذٍ يخرج، فقوله: [مظلمة] إشارة إلى أنه لا يرى الطريق، فلما كان الشرع يأذن بالتخلف عن الجماعة مع وجود المطر الذي يعيق السير كان تنبيهاً إلى الريح الشديدة الباردة وما في حكمها.
قالوا:
فحينئذٍ يتخلف، لكن بشرط أن يكون متأذياً، أو متضرراً ببرودة هذه الريح وشدتها وكونه في ليلة ظلماء، أما لو اتقى الريح بركوب سيارة، أو كان عليه ما يحفظه من الأذى والضرر فإنه يشهد الجماعة، ولا يتخلف عنها؛ لأن العلة في مثله ليست بمتحققة، فيشهد الجماعة ويصلي مع الناس.
وهذا كله من سماحة الشرع وتيسير الله عز وجل على عباده، والعلماء ذكروا هذه الصور، وهي إما منصوص عليها كمدافعة الأخبثين والصلاة بحضرة الطعام ونحوها من الأعذار التي نص عليها.وإما أن تكون في حكم المنصوصة، كالخوف على النفس، وما يوجب الحرج على الإنسان، سواء أكان ذلك في نفسه أم في ماله، فإنه يجوز له أن يتخلف للمعنى الذي استنبط من النصوص.فعندنا أعذار نصية وأعذار اجتهادية، فالأعذار النصية مثلما ذكرناه، والأعذار الاجتهادية آخذة حكم الأعذار المنصوصة؛ لأن الشرع ينبه بالشيء على مثله،
كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخاطب أبا موسى:
(اعرف الأشباه والنظائر).
فإنه قد ينبه الشرع على شيء لكي يكون أصلاً لغيره، فلما نبه الشرع على المطر، وكان ذلك موجباً للترخيص في ترك الجمعة والجماعة كان أصلاً في دفع كل ما فيه ضرر لشهود الجماعة.
الأسئلة
[أكل الثوم أو البصل ونحوهما ومدى تأثير ذلك في حضور الجماعة]
qهل يعذر من أكل ثوماً أو بصلاً في ترك الجمعة والجماعة على ظاهر حديث النهي عن أكلهما قبيل الصلاة؟

aباسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فمن أكل الثوم والبصل فإنه لا يشهد الصلاة في المسجد؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا -أو ليعتزل مسجدنا- وليقعد في بيته، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم)، وحينئذٍ يصلي في بيته، ولكن هناك فرق بين من أكل الثوم والبصل من غير عذر ومن كان معذوراً، فإن المعذور يكتب له أجره كاملاً، وأما من أكل الثوم والبصل من غير عذر فقد فاته الأجر.ومن أمثلة المعذور: من أكله للتداوي، بمعنى أن الطبيب أمره بأكل الثوم والبصل للدواء فأكله، أو أكل دواءً له رائحة نتنة ومضرة، فإنه حينئذٍ يكون في حكم المريض، ويُكتب عمله كاملاً ولا ينقص أجره، والله تعالى أعلم.
[قياس مدافعة الريح بمدافعة الأخبثين]
qهل تنزل مدافعة الريح منزلة من يدافع الأخبثين وتأخذ نفس الحكم؟

aمدافعة الريح قال بعض العلماء بالرخصة فيها، ونص بعض العلماء على أن من يدافع الريح فإنه آخذ حكم من يدافع الأخبثين ولكن في الريح فرق بينه وبين البول والغائط، ولذلك يجعلون ضرر البول والغائط أعظم من الريح، فيخففون في البول والغائط ولا يخففون في الريح.وهنا مسألة ذكرها بعض العلماء، فلو أن إنساناً فيه بعض الأمراض، وإذا وقف استطلقت بطنه، أو كان معه الريح، وإذا صلى جالساً فإنه لا يحصل معه شيء من ذلك، فهل نقول له: صل جالساً حتى لا ينتقض وضوءك، أو نقول له: صل قائماً ولو انتقض وضوءك؟ وهذا إذا كان معه المرض باستمرار، أو يكون المرض لا يستطيع معه أن يحافظ على طهارته، فالصحيح أنه يصلي قائماً ولو استطلقت بطنه بالريح، وهذا يتفرع على مسألة اعتنى العلماء رحمهم الله بها وهي مسألة الازدحام.والازدحام يكون على صور: منها:
ازدحام الفروض مع الفروض، وازدحام الشروط مع الشروط، وازدحام الواجبات مع الواجبات، وازدحام الفروض مع الشروط، وازدحام الشروط مع الواجبات، وازدحام الفروض مع الواجبات، فهذه من مسائلها التي تكلم عليها الأصوليون.فمن مسائل الازدحام ازدحام الركن -وهو هنا القيام والركوع- مع شرط الصحة وهو الطهارة، فلو قلنا له:
صل قاعداً حتى لا ينتقض وضوؤك، فإننا قدمنا شرط الصحة على الأركان فأسقطنا الأركان واعتبرنا الشرط، والركن أقوى من الشرط.وحينئذٍ يُقدَّم الركن على الشرط، فالصحيح أنه يصلي قائماً ولو استطلق بطنه ولا حرج عليه في ذلك، والله تعالى أعلم.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 420.03 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 414.15 كيلو بايت... تم توفير 5.88 كيلو بايت...بمعدل (1.40%)]