المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد - الصفحة 13 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 88 - عددالزوار : 24290 )           »          تحت العشرين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 65 - عددالزوار : 8572 )           »          آفاق التنمية والتطوير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 19 - عددالزوار : 4982 )           »          خواطر الكلمة الطيبة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 22 - عددالزوار : 1696 )           »          أهمية الشعور بالمسؤولية وتحملها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          فقه النبوءات والتبشير – عند الملِمّات وضوابطه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 69 )           »          ذنوب القلوب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 3794 )           »          اصطحاب الأطفال إلى المساجد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          الكفت المنهي عنه في الصلاة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          سجود المسبوق مرَّة أخرى في آخر صلاته بعد أن سجد مع الإمام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #121  
قديم 15-12-2022, 10:15 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,412
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن

المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الثانى

سورة الاحزاب

من صــ 807 الى صـ 811
(الحلقة 121)


141 - قال اللَّه تعالى: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

1 - أخرج الترمذي والنَّسَائِي عن أم سلمة - رضي الله عنها - أنها قالت: يغزو الرجال ولا تغزو النساء وإِنَّمَا لنا نصف الميراث فأنزل الله: (وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ)، قال مجاهد: وأنزل فيها (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ) وكانت أم سلمة أول ظعينة قدمت المدينة مهاجرة.
2 - وأخرج الترمذي عن أم عُمارةَ الأنصارية أنها أتت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: ما أَرى كل شيء إلا للرجال وما أرى النساء يذكرن بشيء؟ فنزلت هذه الآية: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ).
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية. وقد ذكر جمهور المفسرين هذين الحديثين لكن منهم من ذكرهما جميعًا كالبغوي وابن عاشور.
ومنهم من ذكر حديث أم سلمة كالطبري وابن عطية وابن كثير.
ومنهم من ذكر حديث أم عمارة كالقرطبي.
قال السعدي: (لما ذكر تعالى ثواب زوجات الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعقابهن لو قُدِّر عدم الامتثال وأنه ليس مثلهن أحد من النساء ذكر بقية النساء غيرهن ولما كان حكمهن وحكم الرجال واحدًا جعل الحكم مشتركًا فقال: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ) اهـ.
وقال ابن عاشور: (فالمقصود من أصحاب هذه الأوصاف المذكورة النساء وأما ذكر الرجال فللإشارة إلى أن الصنفين في هذه الشرائع سواء ليعلموا أن الشريعة لا تختص بالرجال لا كما كان معظم شريعة التوراة خاصًا بالرجال إلا الأحكام. التي لا تتصور في غير النساء، فشريعة الإسلام بعكس ذلك الأصل في شرائعها أن تعم الرجال والنساء إلا ما نُص على تخصيصه بأحد الصنفين، ولعل بهذه الآية وأمثالها تقرر أصل التسوية فأغنى عن التنبيه عليه في معظم أقوال القرآن والسنة، ولعل هذا هو وجه تعداد الصفات المذكورة في هذه الآية لئلا يتوهم التسوية في خصوص صفة واحدة) اهـ.
* النتيجة:
أن الحديث المذكور وإن كان لا يخلو من مقال في إسناده إلا أنه يعتضد بأقوال المفسرين، وسياق القرآن، مع بعض الشواهد الحديثية كحديث أم سلمة وابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مما يجعل القول بأنه سبب نزولها ممكناً واللَّه أعلم.
* * * * *

142 - قال الله تعالى: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

أخرج النَّسَائِي والبخاري وأحمد، والترمذي، عن أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: جاء زيد يشكو امرأته إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأمره أن يمسكها فأنزل الله - عزَّ وجلَّ - (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ).
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول الآية. وقد ذكر هذا جمهور المفسرين كالطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير والسعدي والشنقيطي وابن عاشور.
قال ابن العربي: (وإِنَّمَا كان الحديث أنها لما استقرت عند زيد جاءه جبريل: أن زينب زوجك ولم يكن بأسرع أن جاءه زيد يتبرأ منها فقال له:
اتق اللَّه وأمسك عليك زوجك فأبى زيد إلا الفراق وطلقها وانقضت عدتها وخطبها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على يدي مولاه زوجها وأنزل اللَّه القرآن المذكور فيه خبرهما) اهـ.
وقال السعدي: (وكان سبب نزول هذه الآيات أن اللَّه تعالى أراد أن يشرع شرعاً عاماً للمؤمنين، أن الأدعياء ليسوا في حكم الأبناء حقيقة من جميع الوجوه وأن أزواجهم لا جناح على من تبناهم في نكاحهن، وكان هذا من الأمور المعتادة التي لا تكاد تزول إلا بحادث كبير فأراد الله أن يكون هذا الشرع قولاً من رسوله وفعلاً وإذا أراد اللَّه أمراً جعل له سبباً وكانت زينب تحت زيد فقدر اللَّه أن يكون بينها وبين زيد ما اقتضى أن جاء زيد يستأذن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في فراقها قال اللَّه: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ) اهـ بتصرف.
قال الشنقيطي بعد ذكر أقوال العلماء: (التحقيق إن شاء الله في هذه المسألة هو ما ذكرنا أن القرآن دلَّ عليه، وهو أن الله أعلم نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأن زيدًا يطلق زينب وأنه يزوجها إياه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهي في ذلك الوقت تحت زيد فلما شكاها زيد إليه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له: (أمسك عليك زوجك واتق الله) فعاتبه اللَّه على قوله: أمسك عليك زوجك بعد علمه أنها ستصير زوجته هو - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر: (لم تختلف الروايات أنها نزلت في قصة زيد بن حارثة وزينب بنت جحش) اهـ.
* النتيجة:
أن الحديث المذكور سبب نزول الآية الكريمة لصحة سنده، وصراحة لفظه وموافقته لسياق القرآن، وإجماع المفسرين عليه.
* * * * *





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #122  
قديم 15-12-2022, 10:21 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,412
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن

المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الثانى

سورة الاحزاب

من صــ 812 الى صـ 818
(الحلقة 122)


143 - قال اللَّه تعالى: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

أخرج الترمذي عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: لو كان رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كاتمًا شيئًا من الوحي لكتم هذه الآية: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ)، بالعتق فأعتقته (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ) - إلى قوله - (وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا) وإن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما تزوجها قالوا: تزوج حليلةَ ابنه، فأنزل الله تعالى: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ)، وكان رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تبناه وهو صغير فلبث حتى صار رجلاً يقال له: زيد بن محمد فأنزل الله: (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ)، فلان مولى فلان، وفلان أخو فلان (هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ)، يعني أعدل.
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة. وقد اختلفت عبارات المفسرين وتباينت بين التفسير والنزول.
فالبغوي والقرطبي قد ذكرا سبب النزول.
قال البغوي: (ثم إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما تزوج زينب قال الناس: إن محمدًا تزوج امرأة ابنه فأنزل الله - عزَّ وجلَّ - (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ)
يعني زيد بن حارثة، أي ليس أبا أحد من رجالكم الذين لم يلدهم فيحرم عليه نكاح زوجته بعد فراقه إياها) اهـ.
وقال القرطبي: (لما تزوج زينب قال الناس تزوج امرأة ابنه فنزلت الآية، أي: ليس هو بابنه حتى تحرم عليه حليلته، ولكنه أبو أمته في التبجيل والتعظيم وأن نساءه عليهم حرام. فأذهب الله بهذه الآية ما وقع في نفوس المنافقين وغيرهم وأعلم أن محمداً لم يكن أبا أحد من الرجال المعاصرين له في الحقيقة) اهـ.
وأما الطبري وابن عطية فكلامهما محتمل للنزول والتفسير معاً.
قال الطبري: (يقول تعالى ذكره ما كان أيها الناس محمد أبا زيد بن حارثة، ولا أبا أحد من رجالكم الذين لم يلده محمد فيحرم عليه نكاح زوجته بعد فراقه إياها ولكنه رسول الله وخاتم النبيين) اهـ محل الشاهد.
ثم ساق بعض الآثار التي تدل على نزولها في زيد.
وقال ابن عطية: (أذهب الله تعالى في هذه الآية ما وقع في نفوس منافقين وغيرهم من نقد تزويج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زينب زوجة دعيه زيد بن حارثة لأنهم كانوا استعظموا أن تزوج زوجة ابنه فنفى القرآن تلك البنوة) اهـ.
وأما ابن كثير والسعدي فحديثهما عن الآية حديث تفسير.
قال ابن كثير: (نهى أن يقال بعد هذا زيد بن محمد أي لم يكن أباه وإن كان قد تبناه) اهـ.
وقال السعدي: (ما كان الرسول محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أبا أحد من رجالكم أيها الأمة، فقطع انتساب زيد بن حارثة منه من هذا الباب) اهـ.
وعندي - والله أعلم - أن الأمر مشكل لأني إن نظرت في إسناد الحديث الذي معنا وجدت فيه راوياً متروكاً مع انقطاع في سنده وهذا يعني أن وجود الحديث كعدمه وإن نظرت إلى قولي ابن كثير والسعدي وجدت قولاً حسناً جميلاً ولكن قد يعكر عليه أن الله قَطَعَ انتساب زيد للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل ذلك بقوله تعالى: (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ) فما الفائدة من قطع النسب هنا مرة أخرى بقوله: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ)؟
فالجواب: يمكن أن يقال إن قوله: (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ) الغرض منها قطع التبني المشهور بين الناس.
ولما ذكر نكاحِ زيد إياها وتزويجها برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في قوله: (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا) أشكل هذا على بعض الناس باعتبار أن التبني وإن أبطله الله إلا أن زيداً كان ابنه في السابق فكيف تزوج امرأته؟
فبين اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يكن أبا أحد قط من رجالكم لا في السابق ولا في الحاضر سواءً أكان زيداً أم غيره. بقوله: (مَا كَانَ) وحينئذٍ يكون الغرض من النفي هنا دفع الإشكال الناتج عن تزوجه بزينب امرأة مولاه، وبهذا يظهر الفرق بين الآيتين.
لكن يبقى النظر هل قال أحد: تزوج حليلة ابنه؟
الظاهر - والله أعلم - أن هذا إما أن يكون وقع. أو كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخشاه؛ لأن عدداً من مقاطع الآيات تشير إلى هذا مثل قوله تعالى: (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ) وقوله: (مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ)، وقوله: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ) وهذه المقاطع كلها في آية التزوج وما بعدها مما يدل عل أن الخشية من الناس كانت بسببها.
* النتيجة:
أن الحديث المذكور لا يصح أن يكون سبباً لنزولها لما فيه من الضعف الشديد، لكن سياق الآيات، وأقوال المفسرين يدل على أن لهذا الكلام أصلاً واللَّه أعلم.
* * * * *

144 - قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (50)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

أخرج الترمذي عن أم هانئ بنت أبي طالب قالت: خطبني رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاعتذرت إليه فعذرني ثم أنزل اللَّه تعالى (إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ) قالت: فلم أكن أَحلُّ له لأني لم أُهاجر كنت من الطلقاء.
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية. وقد ذكر هذا الحديث جمهور المفسرين عند تفسيرها كالبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.
قال البغوي: (اللاتي هاجرن معك إلى المدينة فمن لم تهاجر منهن معه لم يجز له نكاحها) اهـ.
ثم ساق الحديث الذي معنا.
وقال ابن العربي بعد سياق الحديث: (وهو ضعيف جدًا ولم يأتِ. هذا الحديث من طريق صحيح يحتج في مواضعه بها) اهـ.
وقال في موضع آخر: (ولهذا المعنى نزلت الآية في أم هانئ بأنها لم تكن هاجرت، فمنع منها لنقصها بالهجرة) اهـ.
والظاهر - والله أعلم - أن الحديث المذكور ليس سبباً لنزول الآية الكريمة لما يلي:
1 - أن إسناد الحديث ضعيف جداً لا يصح الاحتجاج به على نزول الآية بسبب القصة.
2 - أن الحديث تناول قضية نكاح أم هانئ فقط بينما الآية تناولت إحلال أزواجه اللاتي آتاهن أجورهن، وما ملكت يمينه، وقريباته المهاجرات، والواهبات من البعيد حصر نزولها بسبب واحد، مع كثرة الأحكام التي تضمنتها.
3 - أن الآية - والحال ما ذُكر - لم تعالج القضية في الماضي لأنها انتهت باعتذارها، وعذره إياها. ولم تعالجها في المستقبل لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يتزوج بعد فتح مكة.
وبناءً على ما تقدم فالظاهر - واللَّه أعلم - أن الآية نزلت ابتداءً لبيان أحوال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في النكاح ما الذي يحل ويحرم، وما الذي يخصه ويعم غيره.
ولعل مما يؤكد هذا أنه يبعد خفاء هذا على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع حاجته إليه، حتى فتح مكة، نعم قد يتأخر نزول الآية، لكن العلم حاصل قبل نزولها واللَّه أعلم.
* النتيجة:
أن الحديث المذكور ليس سببًا لنزول الآية لضعف سنده وعدم التوافق بين القضية ونزول الآية واللَّه أعلم.
* * * * *



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #123  
قديم 15-12-2022, 10:30 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,412
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن

المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الثانى

سورة الاحزاب

من صــ 819 الى صـ 827
(الحلقة 123)

145 - قال الله تعالى: (تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا (51)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

أخرج البخاري ومسلم عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كنت أغار على اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأقول: أتهب المرأة نفسها؟ فلما أنزل الله تعالى: (تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ) قلت: ما أُرى ربك إلا يسارع في هواك.
ولفظ أحمد والنَّسَائِي: فأنزل الله - عزَّ وجلَّ -: (تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ).
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في تفسير هذه الآية، وقد ذكر جمهور المفسرين هذا الحديث عند تفسيرها كالطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير.
والظاهر - واللَّه أعلم - أن الحديث المذكور ليس سبباً لنزول الآية الكريمة، وكلام أكثر المفسرين يدور حول معنى الآية وليس على سبب نزولها.
قال القرطبي: (واختلف العلماء في تأويل هذه الآية وأصح ما قيل فيها التوسعة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ترك القسم، فكان لا يجب عليه القسم بين زوجاته) اهـ.
وقال ابن كثير: (تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ) أي من أزواجك لا حرج عليك أن تترك القسم لهن فتقدم من شئت وتؤخر من شئت وتجامع من شئت وتترك من شئت هكذا يروى عن ابن عبَّاسٍ ومجاهد والحسن وقتادة وأبي رزين وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهم، ومع هذا كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقسم لهن، ولهذا ذهب طائفة من الفقهاء من الشافعية وغيرهم إلى أنه لم يكن القسم واجبًا عليه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واحتجوا بهذه الآية الكريمة، ثم ذكر حديث البخاري عن عائشة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يستأذن في يوم المرأة منا بعد أن أُنزلت هذه الآية: (تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ) فقالت لها معاذة، ما كنت تقولين؟ قالت: كنت أقول له: إن كان ذاك إليَّ فإني لا أُريد يا رسول اللَّه أن أُوثر عليك أحداً. فهذا الحديث عنها يدل على أن المراد من ذلك عدم وجوب القسم وحديثها الأول يقتضي أن الآية نزلت في الواهبات. ومن هاهنا اختار ابن جرير أن الآية عامة في الواهبات، وفي النساء اللاتي عنده أنه مخير فيهن إن شاء قسم وإن شاء لم يقسم وهذا الذي اختاره حسن جيد قوي وفيه جمع بين الأحاديث) اهـ.
وقال السعدي: (وقال كثير من المفسرين: إن هذا خاص بالواهبات له أن يرجي من يشاء ويؤوي من يشاء. أي إن شاء قبل من وهبت نفسها له وإن شاء لم يقبلها) اهـ.
وبهذا يتبين أن أكثر المفسرين يدورون على معنى الآية والمراد منها دون سبب نزولها ومع هذا فإنه لا يوجد قضية معينة نزلت الآية معالجةً لها وتكون سبب نزولها.
وإذا أضفتَ إلى هذين أمراً ثالثًا إسنادياً وهو أن التصريح بالنزول غير محفوظ تحققت حينئذٍ أن الآية لم تنزل على سبب، بل نزلت مقررةً ما لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الخصائص في النكاح واللَّه أعلم.
* النتيجة:
أن الحديث الذي معنا ليس سبب نزول الآية، حيث لم يثبت التصريح بالنزول، ولم يوجد حدث يستدعي النزول، مع إعراض أكثر المفسرين عن ذكر السببية، والله أعلم.
* * * * *

146 - قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

1 - أخرج البخاري، وأحمد ومسلم والترمذي والنَّسَائِي عن أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: لما تزوج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زينب بنت جحش دعا الناس طعموا ثم جلسوا يتحدثون، قال: فأخذ كأنه يتهيأ للقيام فلم يقوموا فلما رأى ذلك قام، فلما قام قام من قام معه من الناس وبقي ثلاثة، وإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جاء ليدخل فإذا القوم جلوس، ثم إنهم قاموا فانطلقوا، قال: فجئت فأخبرت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنهم قد انطلقوا فجاء حتى دخل، فذهبت أدخل فأرخى الحجاب بيني وبينه وأنزل الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ) - إلى قوله - (إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا).
2 - أخرج البخاري وأحمد والنَّسَائِي عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال عمر:
وافقت اللَّه في ثلاث، أو وافقني ربي في ثلاث، قلت: يا رسول الله، لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى، وقلت: يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر فلو أمرت امهات المؤمنين بالحجاب فأنزل اللَّه آية الحجاب، قال: وبلغني معاتبة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعض نسائه فدخلت عليهن، قلت: إن انتهيتن أو ليبدلن اللَّه رسوله خيراً منكن، حتى أتيت إحدى نسائه، قالت: يا عمر، أما في رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما يعظ نساءه حتى تعظهن أنت؟ فأنزل الله: (عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ).
3 - أخرج البخاري وأحمد عن عائشة - رضي الله عنها - زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالت: كان عمر بن الخطاب يقول لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احجب نساءك، قالت: فلم يفعل، وكان أزواج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخرجن ليلاً إلى ليلٍ قِبَل المناصع، فخرجت سودة بنت زمعة، وكانت امرأة طويلة، فرآها عمر بن الخطاب وهو في المجلس، فقال: عرفناك يا سودة حرصاً على أن ينزل الحجاب قالت: فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - آية الحجاب.
وفي لفظ للبخاري ومسلم عنها - رضي الله عنها - قالت: فأوحى اللَّه إليه ثم رفع عنه وإن العَرْق في يده ما وضعه، فقال: (إنه قد أُذن لكن أن تخرجن لحاجتكن).
4 - أخرج البخاري والنَّسَائِي عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: نزلت آية الحجاب في زينب بنت جحش، وأطعم عليها يومئذٍ خبزاً ولحمًا، وكانت تفخر على نساء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكانت تقول: إن الله أنكحني في السماء.
5 - أخرج النَّسَائِي عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كنت آكل مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حيساً في قعب فمر عمر، فدعاه فأكل فأصابت أصُبعه أُصبعي فقال: حسِّ أو (أوه) لو أُطاع فيكن ما رأتكن عين فنزل الحجاب.
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة، وقد ذكر جمهور المفسرين هذه الأحاديث أو بعضها على اختلاف بينهم.
فأما الطبري فقد ساق الأحاديث ولم يتعقبها بشيء لكنه بدأ بذكر حديث أنس في قصة زينب بنت جحش - رضي الله عنها -.
وأما الباقون كالبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور فقد ذكروا أنها في قصة زينب بنت جحش - رضي الله عنها -.
قال الطبري: (واختلف أهل العلم في السبب الذي نزلت هذه الآية فيه، فقال بعضهم نزلت بسبب قوم طعموا عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في وليمة زينب بنت جحش، ثم جلسوا يتحدثون في منزل رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى أهله حاجة، فمنعه الحياء من أمرهم بالخروج من منزله) اهـ.
وقال البغوي: (قال أكثر المفسرين: نزلت هذه الآية في شأن وليمة زينب بنت جحش حين بنى بها رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) اهـ.
وقال أبو بكر بن العربي لما ذكر ستة أسباب لنزول الآية: (هذه الروايات ضعيفة إلا الأولى - يعني بها قصة زينب - والسادسة - يعني بها حديث أنس عن عمر في موافقته للَّه) اهـ.
وهذا منه يقتضي أنه يضعِّف حديث عائشة في قصة سودة مع عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
وقال ابن عطية: (فالجمهور من المفسرين على أن سببها أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما تزوج زينب بنت جحش أولم عليها) اهـ.
وقال ابن كثير: (وكان وقت نزولها في صبيحة عرس رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بزينب بنت جحش التي تولى اللَّه تعالى تزويجها بنفسه وكان ذلك في ذي القعدة من السنة الخامسة في قول قتادة والواقدي وغيرهما).
وقال عن حديث عائشة في قصة سودة مع عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - والذي وضع له رقم (3): (هكذا وقع في هذه الرواية والمشهور أن هذا كان بعد نزول الحجاب، ثم ساق حديث عائشة - رضي الله عنها - وفيه: قالت: خرجت سودة بعدما ضُرب الحجاب لحاجتها وكانت امرأة جسيمةً لا تخفى على من يعرفها فذكرت الحديث وفيه: قالت: فأوحى الله إليه ثم رُفع عنه وإن العرق في يده ما وضعه فقال: (إنه قد أُذن لكنَّ أن تخرجن لحاجتكن)) اهـ.
وقال ابن عاشور: (لما بيَّن الله في الآيات السابقة آداب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع أزواجه قفّاه في هذه الآية بآداب الأمة معهن، وصدره بالإشارة إلى قصة هي سبب نزول هذه الآية ثم ذكر حديث أنس في قصة زينب).
ثم جمع بين حديث أنس في قصة زينب، وحديث أنس في قصة عمر: (وافقت الله في ثلاث) فقال: (وليس بين الخبرين تعارض لجواز أن يكون قول عمر كان قبل البناء بزينب بقليل ثم عقبته قصة وليمة زينب فنزلت الآية بإثرها) اهـ.
وبعد ذكر أقوال المفسرين في سبب النزول سأذكر الراجح من هذه الأقوال مستعيناً باللَّه فأقول:
أما حديث عائشة - رضي الله عنها - في قصة أكلها مع عمر، وإصابة أصبعه أُصبعها فلا يصح سبباً للنزول لضعف سنده، وغرابة متنه.
وأما حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في قصة زينب بنت جحش - رضي الله عنها - فلا ريب أنه سبب نزولها لأن سياق القرآن يطابق الحديث تماماً.
وأما حديث أنس عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (وافقت ربي في ثلاث وفيه: قلت: يا رسول اللَّه يدخل عليك البر والفاجر فلو أَمرت أُمهات المؤمنين بالحجاب فأنزل الله آية الحجاب) فهذا لا يعارض حديث أنس؛ لأن عمر يشير على رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بما يرى، لكن النزول كان في قصة زينب، والأمر كما قال ابن عاشور: (جائز أن يكون قول عمر قبل البناء بزينب بقليل فنزلت الآية بإثرها).
وأقول: جائز أن يكون قوله قبل البناء بكثير لكنَّ حكمة أحكم الحاكمين اقتضت أن يتأخر نزول الحجاب إلى قصة زينب.
وأما حديث عائشة - في قصة عمر مع سودة وقولها: فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - آية الحجاب. فمعارض بأمور:
الأول: أن لفظ البخاري ومسلم عنها - رضي الله عنها - بدون نزول آية الحجاب بل اقتصر على الإذن لهن بالخروج عند الحاجة، وما رواه الشيخان مقدم على ما انفرد به أحدهما.
الثاني: أن حديث أنس نصٌّ في أن الآية نزلت في وليمة زينب، وليست في الإذن لسودة - رضي الله عنها -.
الثالث: أن ابن كثير ذكر أن المشهور في قصة سودة أنها كانت بعد نزول الحجاب: وهذا مروي في البخاري، وحينئذٍ كيف تكون القصة سبب نزول الآية ولم تقع إلا بعدها؟
الرابع: أن حديث عائشة في قصة سودة - رضي الله عنها - غير محفوظ ففي لفظ: فقال: عرفناك يا سودة حرصًا على أن ينزل الحجاب، وفي لفظ: خرجت سودةُ بعد ما ضُرب الحجاب لحاجتها. وهذا اختلاف ظاهر يمتنع الاحتجاج به.
* النتيجة:
أن سبب نزول الآية المذكورة حديث أنس في قصة زينب - رضي الله عنها - ووليمتها لصحة سنده وتصريحه بالنزول وموافقته سياق القرآن، واحتجاج المفسرين به، وخلوه من معارض راجح والله أعلم.
* * * * *



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #124  
قديم 15-12-2022, 10:47 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,412
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن

المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الثانى

سورة يس

من صــ 828 الى صـ 836
(الحلقة 124)

147 - قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (69)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن موسى كان رجلاً حييًا ستيرًا، لا يرى من جلده شيء استحياءً منه، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل، فقالوا: ما يستتر هذا التستر إلا من عيب بجلده: إما برص وإما أُدرة، وإما آفة، وإن الله أراد أن يبرئه مما قالوا لموسى، فخلا يومًا وحده، فوضع ثيابه على الحجر، ثم اغتسل، فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها، وإن الحجر عدا بثوبه، فأخذ موسى عصاه، وطلب الحجر، فجعل يقول: ثوبي حجر، ثوبي حجر، حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل فرأوه عريانًا أحسن ما خلق اللَّه، وأبرأه مما يقولون وقام الحجر فأخذ ثوبه فلبسه، وطفق بالحجر ضربًا بعصاه، فوالله إن بالحجر لنَدَبًا من أثر ضربه ثلاثًا أو أربعًا أو خمسًا) فذلك قوله:؟ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا).
ولفظ مسلم ونزلت: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا).
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في تفسير هذه الآية الكريمة. وقد أورد جمهور المفسرين هذا الحديث عند تفسيرها ولم يذكروا أن الحديث سبب نزولها منهم الطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير والسعدي وابن عاشور.
قال الطبري: (يقول تعالى ذكره لأصحاب نبي اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يا أيها الذين آمنوا باللَّه ورسوله لا تؤذوا رسول اللَّه بقول يكرهه منكم ولا بفعل لا يحبه منكم، ولا تكونوا أمثال الذين آذوا موسى نبي الله فرموه بعيب كذباً وباطلاً فبرأه الله مما قالوا فيه من الكذب والزور بما أظهر من البرهان على كذبهم) اهـ.
وقال القرطبي: (لما ذكر اللَّه تعالى المنافقين والكفار الذين آذوا رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والمؤمنين حذر المؤمنين من التعرض للإيذاء ونهاهم عن التشبه ببني إسرائيل في أذيتهم نبيهم موسى) اهـ.
وقال السعدي: (يحذر تعالى عباده المؤمنين عن أذية رسولهم محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لئلا يقابلوه بضد ما يجب له من الإكرام والاحترام وأن لا يتشبهوا بحال الذين آذوا موسى بن عمران كليم الرحمن فبرأه الله مما قالوا من الأذية أي أظهر اللَّه لهم براءته) اهـ.
* النتيجة:
أن الحديث المذكور ليس سبباً لنزول الآية الكريمة؛ لأن التصريح بالنزول شاذ غير محفوظ كما أنه غير ممكن أن تكون قصة موسى سبباً للنزول لأنها لم تحدث وقت نزول القرآن ولهذا لم يذكر هذا أحد من المفسرين واللَّه أعلم.
* * * * *
سورة يس
(148) - قال الله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

أخرج الترمذي عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: كانت بنو سلمة في ناحية المدينة فأرادوا النُقلَةَ إلى قرب المسجد فنزلت هذه الآية: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ) فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن آثاركم تكتب فلا تنتقلوا).
وأخرجه ابن ماجه من حديث ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بلفظ: كانت الأنصار بعيدةً منازلهم من المسجد فأرادوا أن يقتربوا فنزلت: (وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ) قال: فثبتوا.
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية. وقد ذكر بعض المفسرين هذه الأحاديث ولم يتعقبها بشيء كالطبري والبغوي والقرطبي.
قال الطبري: (وذكر أن هذه الآية نزلت في قوم أرادوا أن يقربوا من مسجد رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليقرب عليهم) اهـ ذكر من قال ذلك ثم ساق الروايات.
وذكر بعض المفسرين هذه الأحاديث وأبوا أن تكون سبب نزول الآية كابن عطية وابن كثير وابن عاشور.
قال ابن عطية: (هذه السورة مكية بإجماع إلا أن فرقة قالت إن قوله: (وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ) نزلت في بني سلمة من الأنصار حين أرادوا أن يتركوا ديارهم وينتقلوا إلى جوار مسجد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال لهم: دياركم تكتب آثاركم وكره رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن تعروا المدينة وعلى هذا فالآية مدنية وليس الأمر كذلك، وإنما نزلت الآية بمكة، ولكنه احتج بها عليهم في المدينة ووافقها قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المعنى فمن هنا قال من قال أنها نزلت في بني سلمة) اهـ.
وقال ابن كثير بعد ذكر حديث أبي سعيد: (وفيه غرابة من حيث ذكر نزول هذه الآية والسورة بكمالها مكية فاللَّه أعلم) اهـ.
وقال ابن عاشور: (وتوهم راوي الحديث عن الترمذي أن هذه الآية نزلت في ذلك، وسياق الآية يخالفه، ومكيتها تنافيه) اهـ.
وخلاصة ما تقدم أن الأحاديث المذكورة ليست سبباً للنزول للأسباب التالية:
1 - أن أسانيد هذه الأحاديث وطرقها ضعيفة.
2 - أن الآية مكية والقصة مدنية.
3 - أن سياق الآية يخالف الحديث لأن حديث الآية عن الموتى بقوله: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ) بينما الحديث في الأحياء فكيف تنزل الآية بسببه.
ولعل سبب الخطأ ما ذكره ابن عطية بقوله: (ووافقها - أي الآية - قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المعنى فمن هنا قال من قال إنها نزلت في بني سلمة).
والمراد بقوله - عليه الصلاة والسلام -: (دياركم تكتب آثاركم).
* النتيجة:
أن الحديث المذكور ليس سبب نزول الآية لضعف سنده، ومخالفته لسياق القرآن، ووقوعه بعد نزول الآية والله أعلم.
* * * * *


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #125  
قديم 15-12-2022, 10:53 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,412
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن

المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الثانى

سورة الزمر

من صــ 837 الى صـ 846
(الحلقة 125)


سورة (ص)
149 - قال الله تعالى: (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (2) كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3) وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (7)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

أخرج أحمد والترمذي والنَّسَائِي عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: مرض أبو طالب، فأتته قريش، وأتاه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعوده، وعند رأسه مقعد رجلٍ، فقام أبو جهل، فقعد فيه، فقالوا: إن ابن أخيك يقع في آلهتنا. وقال: ما شأنُ قومك يشكونك؟ قال: (يا عم، أُريدهم على كلمة واحدة تدينُ لهم بها العرب، وتؤدي العجم إليهم الجزية) قال: ما هي؟ قال: (لا إله إلا الله) فقاموا فقالوا: أَجعل الآلهة إلهاً واحداً؟ قال: ونزل (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) فقرأ حتى بلغ: (إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ) ولفظ الترمذي إلى قوله: (مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ).
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول الآيات الكريمة. وقد أورد جمهور المفسرين هذا الحديث عند تفسيرها كالطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.
قال الطبري: (وكان سبب قيل هؤلاء المشركين ما أخبر الله عنهم أنهم قالوه من ذلك أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لهم: أسألكم أن تجيبوني إلى واحدة تدين لكم بها العرب وتعطيكم بها الخراج العجم فقالوا: وما هي؟ فقال: تقولون لا إله إلا الله، فعند ذلك قالوا: (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا) تعجبًا منهم من ذلك) اهـ.
ثم ساق الحديث برواياته.
وقال ابن عاشور بعد ذكر الحديث عن أغراضها: (أصلها ما علمت من حديث الترمذي في سبب نزولها، وما اتصل به من توبيخ المشركين على تكذيبهم الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتكبرهم عن قبول ما أرسل به، وتهديدهم بمثل ما حل بالأمم المكذبة قبلهم وأنهم إنما كذبوه لأنه جاء بتوحيد الله تعالى ولأنه اختص بالرسالة من دونهم). اهـ.
والظاهر - والله أعلم - أن الحديث المذكور وإن كان معتلاً سبب لنزول الآيات لما بينه وبين سياق الآيات من المطابقة التامة مع ما يؤيد هذا من أقوال المفسرين المتقدمين منهم والمتأخرين.
* النتيجة:
أن الحديث المذكور سبب نزول الآيات الكريمة لما بينه وبين سياق الآيات من الموافقة مع تصريحه بالنزول واحتجاج المفسرين به وتعويلهم عليه والله أعلم.
* * * * *
سورة الزمر
150 - قال الله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

أخرج البخاري ومسلم والنَّسَائِي عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن ناساً من أهل الشرك كانوا قد قتلوا وأكثروا، وزنوا وأكثروا فأتوا محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالوا: إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن، لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة فنزل: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ) ونزل: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ).
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية. وقد ذكر جمهور المفسرين نزول هذه الآية عند تفسيرها منهم الطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.
قال الطبري: (اختلف أهل التأويل في الذين عُنوا بهذه الآية فقال بعضهم: عُني بها قوم من أهل الشرك قالوا لما دعوا إلى الإيمان باللَّه كيف نؤمن وقد أشركنا وزنينا وقتلنا النفس التي حرم اللَّه، والله يعد فاعل ذلك النار فما ينفعنا مع ما قد سلف منا الإيمان فنزلت هذه الآية ثم ساق الأحاديث) اهـ.
قال ابن عاشور بعد سياق الحديث: (وقد رويت أحاديث عدةً في سبب نزول هذه الآية غير حديث البخاري وهي بين ضعيف ومجهول ويستخلص من مجموعها أنها جزئيات لعموم الآية وأن الآية عامة لخطاب جميع المشركين) اهـ.
والظاهر - والله أعلم - أن الحديث المذكور سبب نزول الآية الكريمة؛ لأن سياق الحديث في المشركين، وكذلك سياق الآيات في المشركين لقوله تعالى: (بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (59).
مع ما جاء في أول سياق الآيات من ذكر الإسراف على النفس، وعدم القنوط من رحمة الله. وهذا يتفق مع أفعال المشركين في الحديث حيث جمعوا بين الشرك والقتل والزنا ففي الشرك فساد الأديان، وفي القتل إزهاق الأرواح وإراقة الدماء، وفي الزنا إفساد الأعراض وهذه أصول الذنوب والمعاصي.
* النتيجة:
أن الحديث الذي معنا سبب نزول الآية الكريمة لصحة سنده، وتصريحه بالنزول وموافقته لسياق القرآن، واحتجاج المفسرين به والله أعلم.
* * * * *



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #126  
قديم 15-12-2022, 10:58 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,412
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن

المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الثانى

سورة فصلت

من صــ 847 الى صـ 855
(الحلقة 126)


151 - قال الله تعالى: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

1 - أخرج أحمد والترمذي عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: مر يهودي برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو جالس، قال: كيف تقول يا أبا القاسم يوم يجعل الله السماء على ذِه وأشار بالسبابة، والأرض على ذِه، والجبال على ذِه، وسائر الخلق على ذِه؟ كل ذلك يشير بأصابعه، قال: فأنزل الله - عزَّ وجلَّ - (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ).
2 - أخرج أحمد والنَّسَائِي عن عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: جاء رجل إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أهل الكتاب، فقال: يا أبا القاسم، أَبَلَغَك أن الله - عَزَّ وَجَلَّ - يحمل الخلائق على إصبع، والسماوات على إصبع، والأرضين على إصبع والشجر على إصبع، والثرى على إصبع؟ فضحك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى بدت نواجذه، فأنزل الله - عزَّ وجلَّ -: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ).
وفي لفظ: ثم قرأ: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ... ).
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول الآية الكريمة. وقد ذكر جمع من المفسرين هذه الأحاديث لكن منهم من اقتصر على سياقها كالطبري والبغوي والقرطبي وابن كثير ولم يتعقبها بشيء.
ومنهم من بيّن أن الأحاديث ليست سبباً لنزول الآية كابن عطية وابن عاشور.
قال ابن عطية: (فرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تمثل بالآية وقد كانت نزلت) اهـ.
وقال ابن عاشور: (ومعنى قوله: ثم قرأ هذه الآية، نزلت قبل ذلك لأنها مما نزل بمكة، والحبر من أحبار يهود المدينة ... ثم ذكر كلامًا حتى قال: وفي بعض روايات الحديث فنزل قوله تعالى: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ) وهو وهم من بعض رواته وكيف وهذه مكية وقصة الحبر مدنية).
وعندي - والله أعلم - أن الآية لم تنزل بسبب تلك القصة لسببين:
الأول: أن السورة كلها مكية عند جمهور العلماء، والحدث مع اليهود في المدينة وبناءً عليه فلا يمكن أن تكون القصة سبباً لها.
الثاني: أنه قد تبين من طرق الأحاديث أن التصريح بالنزول شاذ غير محفوظ وأن المحفوظ من ذلك الذي تتابعت عليه الروايات ثم قرأ: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ) فالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استدل بالآية على قدرة اللَّه التي أشار إليها الحبر، والله أعلم.
* النتيجة:
أن الآية نزلت ابتداءً وليس بسبب القصة المذكورة لأن السورة كلها مكية والقصة مدنية، ومع هذا فإن التصريح بالنزول ليس محفوظاً بل هو شاذ واللَّه أعلم.
* * * * *
سورة فصلت
152 - قال الله تعالى: (وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (24)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

أخرج البخاري، وأحمد ومسلم والترمذي والنَّسَائِي عن عبد اللَّه بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: اجتمع عند البيت قرشيان وثقفي، أو ثقفيان وقرشي، كثيرة شحمُ بطونهم، قليلة فِقهُ قلوبهم، فقال أحدهم: أترون أن اللَّه يسمع ما نقول؟ قال الآخر: يسمع إن جهرنا، ولا يسمع إن أخفينا. وقال الآخر: إن كان يسمع إذا جهرنا فإنه يسمع إذا أخفينا فأنزل الله - عَزَّ وَجَلَّ - (وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ) الآية.
وفي رواية لأحمد إلى قوله: (فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ).
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية. وقد ذكر جمع من المفسرين هذا الحديث عند تفسيرها كالطبري والبغوي والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.
قال الطبري: (وذُكر أن هذه الآية نزلت من أجل نفر تدارؤوا بينهم في علم الله بما يقولونه ويتكلمون سرًّا) اهـ.
وقال ابن عاشور بعد ذكر الحديث: (وهذا بظاهره يقتضي أن المخاطب به نفر معين في قضية خاصة مع الصلاحية لشمول من عسى أن يكون صدر منهم مثل هذا للتساوي في التفكير، ويجعل موقعها بين الآيات التي قبلها وبعدها غريباً، فيجوز أن يكون نزولها صادف الوقت الموالي لنزول التي قبلها، ويجوز أن تكون نزلت في وقت آخر وأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بوضعها في موضعها هذا لمناسبة ما في الآية التي قبلها من شهادة سمعهم وأبصارهم) اهـ.
وذهب ابن عطية إلى أن القصة ليست سبباً للنزول فقال: (ويشبه أن يكون هذا بعد فتح مكة فالآية مدنية ويشبه أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قرأ الآية متمثلاً بها عند إخبار عبد اللَّه إياه والله أعلم) اهـ.
والغريب حقاً أن ينتصر ابن عاشور لآخر كلام ابن عطية فيقول (وأحسن ما في كلام ابن عطية طرفه الثاني وهو أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قرأ الآية متمثلاً بها فإن ذلك يؤول قول ابن مسعود فأنزل الله تعالى، ويبين وجه قراءة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إياها عندما أخبره ابن مسعود بأنه قرأها تحقيقاً لمثال من صور معنى الآية وهو أن مثل هذا النفي ممن يشهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم) اهـ.
وعندي - والله أعلم - أن ما ذكره ابن عطية وانتصر لبعضه ابن عاشور خطأ لأنه لا يوجد ما يدل عليه وليس له ما يبرره.
وإذا كان الأمر كذلك فمن المعلوم أنه قد اجتمع في الحديث الذي معنا ما يوجب الإذعان والتسليم ومن ذلك:
1 - أن الحديث صحيح السند لا مطعن فيه، وقد أخرج في أصح كتابين بعد كتاب اللَّه.
2 - التصريح بالنزول، ومن المعلوم اعتبار صيغة النزول عند العلماء.
3 - موافقة القصة لسياق القرآن وهذا يدل على وجود ارتباط بينهما.
4 - أن القصة والسورة مكيتان فما الذي يمنع أن تكون الأولى سبب نزول الأخرى.
5 - احتجاج جمع من المفسرين بالحديث على نزول الآيات.
* النتيجة:
أن الحديث الذي معنا سبب نزول هذه الآيات الكريمة لصحة سنده وموافقته لسياق القرآن واحتجاج جمع من المفسرين به واللَّه أعلم.
* * * * *



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #127  
قديم 15-12-2022, 12:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,412
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن

المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الثانى

سورة الزخرف

من صــ 856 الى صـ 869
(الحلقة 127)


سورة الشورى
153 - قال الله تعالى: (ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23)

* سَبَبُ النُّزُولِ:
أخرج الإمام أحمد والبخاري عن طاووس قال: سأل رجل ابن عبَّاسٍ المعنى، عن قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) فقال سعيد بن جبير: قرابة محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال ابن عبَّاسٍ: عجلتَ إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يكن بطن من قريش إلا لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيهم قرابة، فنزلت: (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) إلا أن تصلوا قرابةَ ما بيني وبينكم.
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية، وقد ذكر الحديث بهذا اللفظ الطبري ثم قال: (يقول تعالى ذكره لنبيه محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قل يا محمد للذين يمارونك في الساعة من مشركي قومك، لا أسألكم أيها القوم على دعايتكم إلى ما أدعوكم إليه من الحق الذي جئتكم به، والنصيحة التي أنصحكم ثواباً وجزاءً وعوضاً من أموالكم تعطوننيه (إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) اهـ.
أما سائر المفسرين كالبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور فقد ذكروا ألفاظًا قريبة من هذا لكنها خالية من ذكر النزول.
قال ابن كثير: (قل يا محمد لهؤلاء المشركين من كفار قريش لا أسألكم على هذا البلاع والنصح لكم مالاً تعطونيه، وإنما أطلب منكم أن تكفوا شركم عني، وتذروني أبلغ رسالات ربي، إن لم تنصروني فلا تؤذوني بما بيني وبينكم من القرابة) اهـ.
والظاهر - والله أعلم - أن التصريح بنزول الآية لهذا السبب لا يصح لأمور:
1 - أنه لا يعرف حدث بعينه نزلت عليه الآية، ومن المعلوم أن السبب المصطلح عليه لا بد أن يقترن به حدث أو سؤال، وهذا لا دليل عليه هنا.
2 - أن المفسرين لا يذكرون أن هذا سبب نزولها باستثناء الطبري، الذي ذكر هذا الحديث ضمن رواياته، وإعراض المفسرين عنه قرينة تدل على عدم ثبوته عندهم.
3 - أنه قد جاء عند البخاري في إحدى روايات الحديث: (فقال ابن عبَّاسٍ: عجلت، إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة فقال: (إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة). ولم يذكر الآية هنا.
وفي رواية أخرى: (فنزلت عليه: إلا أن تصلوا قرابةً بيني وبينكم).
قال ابن حجر في شرحه للرواية الثانية: (كذا وقع هنا من رواية يحيى وهو القطان عن شعبة، ووقع في التفسير (يعني الرواية التي قبلها) من رواية محمد بن جعفر وهو غندر عن شعبة بلفظ: (إلا كان له فيهم قرابة فقال إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة) وهذه الرواية واضحة، والأولى مشكلة لأنها توهم أن المذكور بعد قوله: (فنزلت) من القرآن وليس كذلك، وقد مشى بعض الشراح على ظاهره فقال: كان هذا قرآناً فنسخ، وقال غيره يحتمل أن هذا الكلام معنى الآية فندسب إلى النزول مجازاً. قلت: والذي يظهر لي أن الضمير في قوله فنزلت، للآية المسؤول عنها وهي قوله: (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) وقوله: (إلا أن تصلوا) كلام ابن عبَّاسٍ تفسير لقوله تعالى: (إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) فعرف بهذا أن المراد ذكر بعض الآية بالمعنى على جهة التفسير) اهـ.
وقد أطنب ابن حجر في الحديث عن سبب نزولها.
وبهذا يتبين أن الحديث عن سبب النزول غير محفوظ، وإنما نزلت الآية ابتداءً لغرض كف أذى المشركين عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن لم يكن بسبب النبوة فبسبب القربى.
* النتيجة:
أن الحديث المذكور ليس سبباً لنزول الآية لعدم الدليل على ذلك من لفظ الحديث أو سياقه مع الآيات والله أعلم.
* * * * *
سورة الزخرف
154 - قال اللَّه تعالى: (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

أخرج الإمام أحمد عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: إن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لقريش: (يا معشر قريش إنه ليس أحد يعبد من دون الله فيه خير) وقد علمت قريش أن النصارى تعبد عيسى ابن مريم، وما تقول في محمد، فقالوا: يا محمد، ألست تزعم أن عيسى كان نبيًا وعبدًا من عباد الله صالحًا، فلئن كنتَ صادقًا فإن آلهتهم لكَما تقولون قال: فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ) قال: قلت: ما يصدون؟ قال: يضجون، (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ) قال: هو خروج عيسى ابن مريم - عليه السلام - قبل يوم القيامة.
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة. وقد ذكر هذا الحديث القرطبي وابن كثير، وذكرا معه غيره.
أما الطبري والبغوي وابن عطية والشنقيطي وابن عاشور فلم يذكروا هذا الحديث وقد تباينت أقوالهم واختلفت آراؤهم فيما يذكرون من سبب نزولها وتفسيرها.
قال الطبري: (يقول تعالى ذكره: ولما شبه الله عيسى في إحداثه وإنشائه إياه من غير فحل بآدم، فمثله به بأنه خلقه من تراب من غير فحل، إذا قومك يا محمد من ذلك يضجون ويقولون: ما يريد محمد منا إلا أن نتخذه إلهًا نعبده كما عبد النصارى المسيح ... ثم ذكر الروايات) اهـ.
وقال البغوي: (قال ابن عبَّاسٍ وأكثر المفسرين إن الآية نزلت في مجادلة عبد اللَّه بن الزِبعرى مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في شأن عيسى - عليه السلام - لما نزل قوله تعالى: (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) اهـ.
وقال ابن كثير: (وكأن السبب في ذلك ما ذكره محمد بن إسحاق في السيرة حيث قال: وجلس رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما بلغني يوماً مع الوليد بن المغيرة ... فذكر قصة عبد الله بن الزبعرى) اهـ.
وقال الشنقيطي: (قال جمهور المفسرين هو عبد الله بن الزِبْعَري السهمي قبل إسلامه أي: ولما ضَرَبَ ابنُ الزبعرى المذكور عيسى ابن مريم مثلاً فاجأك قومك بالضجيج والصياح والضحك فرحاً منهم وزعماً أن ابن الزبعرى خصمك أو فاجأك صدودهم عن الإيمان بسبب ذلك المثل.
وإيضاح معنى ضرب ابن الزبعرى عيسى مثلاً أن اللَّه لما أنزل قوله تعالى: (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ): قال ابن الزبعرى: إن محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: إن كل معبود من دون الله في النار وأننا وأصنامنا جميعاً في النار، وهذا عيسى ابن مريم قد عبده النصارى من دون اللَّه فإن كان ابن مريم مع النصارى الذين عبدوه في النار فقد رضينا أن نكون نحن وآلهتنا معه.
وقالوا مثل ذلك في عزير والملائكة لأن عزيراً عبده اليهود، والملائكة عبدهم بعض العرب.
فاتضح أن ضربه عيسى مثلاً يعني أنه على ما يزعم أن محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قاله من أن كل معبود وعابده في النار، يقتضي أن يكون عيسى مثلاً لأصنامهم في كون الجميع في النار، مع أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يثني على عيسى الثناء الجميل، ويبين للناس أنه عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه.
فزعم ابن الزبعرى أن كلام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما اقتضى مساواة الأصنام مع عيسى في دخول النار مع أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعترف بأن عيسى رسول الله وأنه ليس في النار دلّ ذلك على بطلان كلامه عنده، وعند ذلك أنزل اللَّه: (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) وأنزل الله أيضاً قوله تعالى: (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا ... ) الآية.
وعلى هذا القول فمعنى قوله تعالى: (مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا) أي ما ضربوا عيسى مثلاً إلا من أجل الجدل والخصومة بالباطل.
قال جماعة من العلماء: والدليل أنهم قصدوا الجدل بشيء يعلمون في أنفسهم أنه باطل أن الآية التي تذرعوا بها إلى الجدل لا تدل ألبتَّة على ما زعموا وهم أهل اللسان ولا تخفى عليهم معاني الكلمات.
والآية المذكورة إنما عبر الله فيها بلفظة (ما) التي هي في الوضع العربي لغير العقلاء لأنه قال: (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ) ولم يقل: (ومَن تعبدون) وذلك صريح في أن المراد الأصنام، وأنه لا يتناول عيسى ولا عزيرًا ولا الملائكة، كما أوضح تعالى أنه لم يرد ذلك بقوله تعالى بعده: (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى) وإذا كانوا يعلمون من لغتهم أن الآية الكريمة لم تتناول عيسى بمقتضى لسانهم العربي الذي نزل به القرآن، تحققنا أنهم ما ضربوا عيسى مثلاً إلا لأجل الجدل والخصومة بالباطل.
وقال بعض العلماء: الفاعل المحذوف في قوله: (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا) هو عامة قريش.
والذين قالوا إن كفار قريش لما سمعوا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يذكر عيسى وسمعوا قول اللَّه تعالى: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ)، قالوا للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما تريد بذكر عيسى إلا أن نعبدك كما عبد النصارى عيسى.
وعلى هذا القول فمعنى قوله: (مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا) أي ما ضربوا لك هذا المثل إلا لأجل الخصومة بالباطل، مع أنهم يعلمون أنك لا ترضى أن تعبد بوجه من الوجوه. اهـ بتصرف.
والظاهر - والله أعلم - أن المعنى الأول أصح وهو اختيار أكثر المفسرين، ويدل عليه سياق القرآن، بخلاف القول الثاني الذي اختاره الطبري فإنه لا دليل على أن المشركين كانوا يعتقدون أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يريد منهم أن يعبدوه كما عبد النصارى عيسى ابن مريم.
وسياق الآيات يدل على أن ضارب المثل بعيسى بعض المشركين لأن الله قال: (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ) إلى قوله: (مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ) ولو كان المثل هنا هو المذكور في قوله تعالى:
(إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ) ما حسن أن يقول: (مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا).
ثم إن سورة الزخرف مكية، وآل عمران مدنية، فكيف يُفسر المثل المذكور في سورة الزخرف مع تقدم نزولها، بالمثل المذكور في سورة آل عمران مع تأخر نزولها؟
وإذا تحققنا ضعف القول الثاني الذي اختاره الطبري، فلننظر في موافقة القول الأول لسبب النزول.
وأقول: إن سياق السبب الذي معنا لا يخالف ما ذكره المفسرون وخصوصًا الشنقيطي ففي سياق الحديث أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (يا معشر قريش إنه ليس أحد يعبد من دون الله فيه خير) هذا يتفق مع قوله تعالى: (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ) لأنه لو كان فيهم خير ما كانوا حصب جهنم.
وقوله في الحديث: فقالوا يا محمد ألست تزعم أن عيسى كان نبيًا وعبدًا من عباد الله صالحًا، لا يمنع أن يكون القائل بحسب قول المفسرين ابنَ الزِبعرى.
قال الشنقيطي: (ووجه التعبير بصيغة الجمع في قوله: (مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا) مع أن ضارب المثل واحد وهو ابن الزبعرى يرجع إلى أمرين:
أحدهما: أن من أساليب اللغة العربية إسناد فعل الرجل الواحد من القبيلة إلى جميع القبيلة.
والأمر الثاني: أن جميع كفار قريش، صوبوا ضرب ابن الزبعرى عيسى مثلاً وفرحوا بذلك ووافقوه عليه، فصاروا كالمتمالئين عليه) اهـ بتصرف.
وبهذا يتبين موافقة الحديث لسياق القرآن، ودلالته على نزولها واللَّه أعلم.
* النتيجة:
أن الحديث الذي معنا وإن كان موقوفًا على ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إلا أنه سبب نزول الآية لموافقته لسياق القرآن وتصريحه بالنزول واتفاق أكثر المفسرين على معناه واللَّه أعلم.
* * * *



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #128  
قديم 15-12-2022, 12:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,412
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن

المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الثانى

سورة الدخان

من صــ 870 الى صـ 882
(الحلقة 128)


سورة الدخان
155 - قال اللَّه تعالى: (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (14) إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

أخرج البخاري ومسلم وأحمد والنَّسَائِي عن مسروق قال: جاء إلى عبد الله رجل فقال: تركت في المسجد رجلاً يفسر القرآن برأيه يفسر هذه الآية (يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ) قال: يأتي الناس يوم القيامة دخان فيأخذ بأنفاسهم حتى يأخذهم منه كهيئة الزكام، فقال عبد الله: من علم علماً فليقل به، ومن لم يعلم فليقل: اللَّه أعلم، فإن من فقه الرجل أن يقول لما لا علم له به: اللَّه أعلم، إنما كان هذا أن قريشاً لما استعصت على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دعا عليهم بسنين كسني يوسف. فأصابهم قحط وجهد. حتى جعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد. وحتى أكلوا العظام فأتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجل، فقال: يا رسول الله استغفر اللَّه لِمُضَرَ فإنهم قد هلكوا فقال: (لمضر إنك لجريء) قال: فدعا اللَّه لهم، فأنزل الله - عزَّ وجلَّ -: (إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ) قال: فمطروا، فلما أصابتهم الرفاهية، قال: عادوا إلى ما كانوا عليه. قال فأنزل الله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ) (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ) قال: يعني يوم بدر.
وفي لفظ للبخاري: فذلك قوله تعالى: (يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ) - إلى قوله جل ذكره - (إِنَّا مُنْتَقِمُونَ).
وفي لفظ له أيضاً: (ثم قرأ: (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ) حتى بلغ (إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ). قال عبد الله: أفيكشف عنهم العذاب يوم القيامة).
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة. وقد ذكر جمهور المفسرين هذا الحديث وغيره من الأحاديث الواردة في شأن الدخان فمنهم من اختار حديث ابن مسعود هذا كالطبري وابن عطية وابن عاشور.
قال الطبري: (وأولى القولين بالصواب في ذلك ما رُوي عن ابن مسعود من أن الدخان الذي أمر الله نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يرتقبه هو ما أصاب قومه من الجهد بدعائه عليهم؛ لأن اللَّه جل ثناؤه توعد بالدخان مشركي قريش وأن قوله لنبيه محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ) في سياق خطاب اللَّه كفار قريش وتقريعه إياهم بشركهم بقوله: (لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (8) بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ)، ثم اتبع ذلك قوله لنبيه - عليه الصلاة والسلام - (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ) أمرا منه له بالصبر إلى أن يأتيهم بأسه، وتهديدًا للمشركين فهو بأن يكون إذ كان وعيدًا لهم قد أحله بهم أشبه من أن يكون أخره عنهم لغيرهم.
وبعد فإنه غير منكر أن يكون أَحلَّ بالكفار الذين توعدهم بهذا الوعيد ما توعدهم ويكون مُحِلًّا فيما يستأنف بعد بآخرين دخانًا على ما جاءت به الأخبار عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عندنا كذلك لأن الأخبار عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قد تظاهرت بأن ذلك كائن) اهـ بتصرف.
وقال ابن عطية: (وقالت فرقة منها عبد اللَّه بن مسعود وأبو العالية وإبراهيم النخعي هو الدخان الذي رأته قريش حين دعا عليهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بسبع كسبع يوسف ... حتى قال: وما يأتي من الآيات يقوي هذا التأويل) اهـ.
وقال ابن عاشور: (فالمراد بالناس من قوله: (يَغْشَى النَّاسَ) هم المشركون كما هو الغالب في إطلاق لفظ الناس في القرآن، وأنه يكشف زمنًا قليلاً عنهم عذارا لهم لعلهم يؤمنون وأنهم يعودون بعد كشفه إلى ما كانوا عليه، وأن الله يعيده عليهم كما يؤذن بذلك قوله: (إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا) وكل ذلك يؤذن بأن العذاب بالدخان يقع في الدنيا وأنه مستقبل قريب، وإذ قد كانت الآية مكية تعين أن هذا الدخان الذي هو عذاب للمشركين لا يصيب المؤمنين لقوله تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)، فتعين أن المؤمنين يوم هذا الدخان غير قاطنين بدار الشرك، فهذا الدخان قد حصل بعد الهجرة لا محالة، وتعين أنه قد حصل قبل أن يسلم المشركون الذين بمكة وما حولها فيتعين أنه حصل قبل فتح مكة أو يوم فتح مكة على اختلاف الأقوال.
والأصح أن هذا الدخان عُني به ما أصاب المشركين من سني القحط بمكة بعد هجرة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى المدينة، والأصح في ذلك حديث عبد اللَّه بن مسعود في صحيح البخاري ثم ساق الحديث حتى قال: وعلى هذه الرواية يكون قوله تعالى: (يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ) تمثيلاً لهيئة ما يراه الجائعون من شبه الغشاوة على أبصارهم حين ينظرون في الجو بهيئة الدخان النازل من الأفق) اهـ بتصرف.
ومنهم من اختار أن الدخان لم يأتِ بعد وأنه من الآيات المنتظرة كابن كثير والسعدي.
قال ابن كثير: (قال ابن جرير: ثم ساق الإسناد إلى عبد الله بن أبي مليكة قال: غدوت على ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ذات يوم فقال ما نمتُ الليلة حتى أصبحت قلت: لم؟ قال: قالوا: طلع الكوكب ذو الذنب فخشيت أن يكون الدخان قد طرق فما نمتُ حتى أصبحت) وهكذا رواه ابن أبي حاتم، وهذا إسناد صحيح إلى ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حبر الأمة وترجمان القرآن، وهكذا قول من وافقه من الصحابة والتابعين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أجمعين مع الأحاديث المرفوعة من الصحاح والحسان وغيرهما التي أوردوها مما فيه مقنع ودلالة ظاهرة على أن الدخان من الآيات المنتظرة مع أنه ظاهر القرآن. قال الله تبارك وتعالى: (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ) أي بيّن واضح يراه كل أحد، وعلى ما فسر به ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنما هو خيال رأوه في أعينهم من شدة الجوع والجهد، وهكذا قوله تعالى: (يَغْشَى النَّاسَ) أي يتغشاهم ويعميهم، ولو كان أمراً خيالياً يخص أهل مكة المشركين لما قيل فيه: (يَغْشَى النَّاسَ) وقوله تعالى: (هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ) أي يقال لهم ذلك تقريعاً وتوبيخاً كقوله - عَزَّ وَجَلَّ - (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13) هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (14)، أو يقول بعضهم لبعض ذلك. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ - (رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ) أي يقول الكافرون إذا عاينوا عذاب الله وعقابه سائلين رفعه وكشفه عنهم كقوله جلت عظمته (وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)، وكذا قوله جل وعلا: (وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44)، وهكذا قال جل وعلا هاهنا: (أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ) وهذا كقوله جلت عظمته: (يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى)، وكقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (51) وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (52).
وقوله تعالى: (إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ) يحتمل معنيين أحدهما أنه يقول تعالى ولو كشفنا عنكم العذاب ورجعناكم إلى الدار الدنيا لعدتم إلى ما كنتم فيه من الكفر والتكذيب كقوله تعالى: (وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ)، وكقوله جلت عظمته: (وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (28).
والثاني: أن يكون المراد إنا مؤخروا العذاب عنكم قليلاً بعد انعقاد أسبابه ووصوله إليكم، ولا يلزم من الكشف عنهم أن يكون باشرهم كقوله تعالى: (إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ)، ولم يكن العذاب باشرهم واتصل بهم، بل كان قد انعقد سببه عليهم) اهـ بتصرف.
وقال السعدي: (واختلف المفسرون بهذا الدخان فقيل إنه الدخان، الذي يغشى الناس ويعمهم، حين تقرب النار من المجرمين في يوم القيامة، وأن الله توعدهم بعذاب يوم القيامة وأمر نبيه أن ينتظر بهم ذلك اليوم. ويؤيد هذا المعنى أن هذه الطريقة هي طريقة القرآن في توعد الكفار والتأني بهم، وترهيبهم بذلك اليوم وعذابه، وتسلية الرسول والمؤمنين بالانتظار بمن آذاهم.
ويؤيده أيضاً أنه قال في هذه الآية: (أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ) وهذا يقال يوم القيامة للكفار حين يطلبون الرجوع إلى الدنيا فيقال قد ذهب وقت الرجوع. وهذا يتناول قوله: (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ) إلى قوله (ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ) فهذا كله يوم القيامة.
وأن قوله: (إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ) أن هذا ما وقع لقريش.
وإذا نزلت هذه الآيات على هذين المعنيين لم تجد في اللفظ ما يمنع من ذلك بل تجدها مطابقةً لهما أتم المطابقة، وهذا الذي يظهر عندي ويترجح والله أعلم) اهـ بتصرف.
وقال عن حديث ابن مسعود: (وفي هذا القول نظر ظاهر).
ولما ذكر القول بأن الدخان من أشراط الساعة وأنه يكون في آخر الزمان قال: (والقول هو الأول) اهـ.
ومن المفسرين من ذكر الأحاديث في هذا الشأن لكن لم يذكر قوله فيها أو اختياره كالبغوي والقرطبي.
وقال أبو العباس القرطبي متعقباً قول ابن مسعود: (لا شك في أن تسمية هذا دخاناً تجوز، وحقيقة الدخان، ما ذكر في حديث أبي سعيد، والذي حمل عبد اللَّه بن مسعود على هذا الإنكار قوله: (رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ) وقوله: (إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ) ولذلك قال أفيكشف عذاب الآخرة؟ وهذا لا دليل فيه على نفي ما قاله ذلك القائل، لأن حديث أبي سعيد إنما دلّ على أن ذلك الدخان يكون من أشراط الساعة قبل أن تقوم القيامة، فيجوز انكشافه كما تنكشف فتن الدجال ويأجوج ومأجوج، وأما الذي لا ينكشف فعذاب الكافر بعد الموت فلا معارضة بين الآية والحديث) اهـ بتصرف يسير.
أما الحافظ ابن حجر فإنه لما ذكر بعض الآثار عن الصحابة والتابعين في عدم حصول آية الدخان وفي أسانيد بعضها ضعف قال: (لكن تضافر هذه الأحاديث يدل على أن لذلك أصلاً) اهـ.
وإذا أردنا أن نختصر حجج الفريقين فإننا نقول إن الذين احتجوا بحديث ابن مسعود استدلوا بدليلين: الأول: أن الله قال في سياق الآيات: (إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ) وعذاب الآخرة لا يكشف.
الثاني: أن سياق الآيات في مخاطبة المشركين لقوله تعالى: (لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ)،
وأما الذين ذهبوا إلى أن الدخان من الآيات المنتظرة فاستدلوا بما يلي:
أولاً: أن هذا اختيار أكثر الصحابة والتابعين.
ثانياً: أن الأحاديث المرفوعة من الصحاح والحسان تدل على أن الدخان منتظر.
ثالثاً: أن هذا هو ظاهر القرآن لقوله (بِدُخَانٍ مُبِينٍ).
وسأناقش الأقوال مستعيناً باللَّه تعالى فأقول:
أولاً: أن هذا العذاب لو كان في الآخرة فإنه لا يكشف فدل على أنه في الدنيا، وهذا صحيح أن عذاب الآخرة لا يكشف لكن من قال إن الدخان في الآخرة؟ النصوص تدل على خلاف هذا وستأتي إن شاء اللَّه.
وبناء على ما تقدم فالخطأ في النتيجة مبني على الخطأ في المقدمة.
ثانياً: أن سياق الآيات في مخاطبة المشركين وهذا حق لا إشكال فيه ولا يلزم من كون الآيات في سياق مخاطبتهم أن يفسر الدخان بما ذكره ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بل غاية ما في الأمر أن الآيات تخاطبهم وتهددهم بعذاب الله سواءً أكان في الدنيا أو في الآخرة أو فيما بين ذلك، أما تحديد زمنه فلا يستفاد من مجرد السياق بل تحدده دلائل وقرائن أخر.
أما من ذهب إلى أن الدخان منتظر فاستدلوا بما يلي:
أولاً: أن هذا اختيار أكثر الصحابة والتابعين وهذا صحيح فقد ذهب إلى هذا علي بن أبي طالب، وابن عبَّاسٍ، وابن عمر، وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة، وحذيفة بن اليمان، وأبو مالك الأشعري، وحذيفة بن أسيد الغفاري، وزيد بن علي، والحسن، وابن أبي مُليكة وغيرهم، والكثرة قرينة على الصواب، كيف لا وبينهم عدد من كبار الصحابة.
ثانياً: أن الأحاديث المرفوعة من الصحاح والحسان تدل على أن الدخان منتظر وهذا أيضاً حق فمن ذلك:
أولاً: عن حذيفة بن أَسيد الغفاري قال: اطلع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علينا ونحن نتذاكر. فقال: (ما تذاكرون)؟ قالوا: نذكر الساعة قال: (إنها لن تقوم حتى ترونَ قبلها عشر آيات) فذكر الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى ابن مريم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويأجوج ومأجوج وثلاثة خسوف خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم.
ثانياً: عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (بادروا بالأعمال ستاً: الدجال، والدخان، ودابة الأرض، وطلوع الشمس من مغربها، وأمر العامة، وخويصةَ أحدكم).
ثالثاً: عن أبي مالك الأشعري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن ربكم أنذركم ثلاثاً الدخان يأخذ المؤمن كالزكمة، ويأخذ الكافر فينتفخ حتى يخرج من كل مسمع منه، والثانية الدابة، والثالثة الدجال).
رابعاً: عن عبد اللَّه بن أبي مليكة قال: غدوت على ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ذات يوم فقال: ما نمتُ الليلة حتى أصبحت. قلت: لم؟ قال: قالوا طلع الكوكب ذو الذنب فخشيت أن يكون الدخان قد طرق فما نمتُ حتى أصبحت.
ثالثاً: أن هذا هو ظاهر القرآن لأن اللَّه وصف الدخان بأنه مبين، وعلى قول ابن مسعود إنما هو خيال رأوه في أعينهم من شدة الجوع والجهد، وفرق بين البيِّن الواضح، والخيال.
فإن قيل: ما الجواب عن قوله: (إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ)؟
فالجواب: أن ابن كثير أجاب بجوابين:
الأول: (أننا لو كشفنا العذاب لعدتم لما كنتم فيه من الكفر) وهذا مدفوع بأن اللَّه أخبر أنه سيكشف العذاب ثم يعودون، ومقتضى قوله: أن الله لن يكشفه عنهم لأنه لو كشفه عادوا.
الثاني: (أننا مؤخرو العذاب قليلاً بعد انعقاد أسبابه) وهذا مدفوع بأن اللَّه أخبر عن مجيء العذاب وأنه يغشى الناس حتى يقال هذا عذاب أليم، ومقتضى قول ابن كثير أن العذاب يرجأُ وإن انعقدت أسبابه.
أما جواب السعدي عن هذه الآية فهي أنها في قريش خاصة بينما المراد بقوله: (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ) إنما هو يوم القيامة فهذا قول بعيد لا يسعفه سياق القرآن؛ لأن المراد بقوله: (إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا) هو الدخان المبين؛ لأن اللَّه وصفه بقوله: (هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ) فإذا كان المراد بالعذاب في الآيتين هو الدخان فكيف تكون الأولى يوم القيامة، والثانية في قريش؟
فإن قال قائل: ما الصواب إذن في معنى الآية؟
فالجواب: أن جملة الآيات يدور حديثها على علامة من علامات الساعة الكبرى التي تسبقها وهو الدخان الذي دلت على مجيئه أحاديث صحيحة لا مطعن فيها. ففي حديث حذيفة الغفاري عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قوله: (إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات فذكر منها الدخان) وهذا نص في أن الدخان يسبق يوم القيامة.
أما قوله: (إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ) فقد قال أبو العباس القرطبي - رحمه الله -: (فيجوز انكشاف الدخان كما تنكشف فتن الدجال، ويأجوج وما جوج). اهـ.
وأما قوله: (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ) فيوم البطشة هو يوم القيامة الذي يتبع الدخان وسائر الآيات الكبرى، وهذا هو قول ابن عبَّاسٍ والحسن البصري وعكرمة.
فعن عكرمة قال: قال ابن عبَّاسٍ: قال ابن مسعود: البطشة الكبرى يوم بدر وأنا أقول هي يوم القيامة.
وإذا فسرت الآيات على هذا النحو خلت من التعارض والاضطراب وسلمت من التكلف وحصل من ذلك تفسير القرآن بالسنة والنظر الصحيح.
وبما تقدم يتبين أن التصريح بنزول الآية لا يتفق مع التفسير الذي اخترناه لأن المختار أن الجميع يتحدث عن آية الدخان التي تسبق الساعة، والنزول على تفسير ابن مسعود إنما يتناول القحط الذي أصاب قريشاً مع غزوة بدر.
وإذا كان الراجح في تفسير الآية يمنع القول بسبب النزول، فكذلك دراسة الإسناد قد تبين من خلالها أن التصريح بالنزول شاذ غير محفوظ، وتفصيله بيِّن في موضعه.
* النتيجة:
أن الحديث المذكور ليس سبباً لنزول الآيات الكريمة لأن التصريح بنزول الآية غير محفوظ، بل هو شاذ كما أن سياق الآيات يدل على تأخر الدخان، وعلى هذا أكثر المفسرين والله أعلم.
* * * * *



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #129  
قديم 15-12-2022, 01:04 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,412
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن

المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الثانى

سورة الفتح

من صــ 883 الى صـ 897
(الحلقة 129)

سورة الأحقاف
156 - قال اللَّه تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

1 - أخرج أحمد عن عوف بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: انطلق النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوماً وأنا معه حتى دخلنا كنيسة اليهود بالمدينة يوم عيد لهم فكرهوا دخولنا عليهم فقال لهم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (يا معشر اليهود أروني اثني عشر رجلاً يشهدون أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول اللَّه يحبط الله عن كل يهودي تحت أديم السماء الغضب الذي غضب عليه)، قال: فأُسكتوا ما جاوبه منهم أحد ثم رد عليهم فلم يجبه أحد، ثم ثلث فلم يجبه أحد فقال: (أبيتم فوالله إني لأنا الحاشر وأنا العاقب وأنا النبي المصطفى آمنتم أو كذبتم) ثم انصرف وأنا معه حتى إذا كدنا أن نخرج نادى رجل من خلفنا: كما أنت يا محمد. قال: فأقبل فقال ذلك الرجل: أي رجل تعلمون فيكم يا معشر اليهود؟ قالوا: والله ما نعلم أنه كان فينا رجل أعلم بكتاب الله منك، ولا أفقه منك، ولا من أبيك قبلك، ولا من جدك قبل أبيك. قال: فإني أشهد له باللَّه أنه نبي الله الذي تجدونه في التوراة.
قالوا: كذبت ثم ردوا عليه قوله، وقالوا فيه شراً، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
(كذبتم لن يقبل قولكم، أما آنفاً فتثنون عليه من الخير ما أثنيتم، ولما آمن كذبتموه وقلتم فيه ما قلتم فلن يقبل قولكم). قال: فخرجنا ونحن ثلاثة: رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا وعبد الله بن سلام، وأنزل الله - عزَّ وجلَّ - فيه: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10).
2 - أخرج الترمذي عن ابن أخي عبد الله بن سلام قال: لما أُريد عثمان جاء عبد الله بن سلام، فقال له عثمان: ما جاء بك؟ قال: جئت في نصرتك، قال: اخرج إلى الناس فاطردهم عني فإنك خارج خير لي منك داخل، فخرج عبد الله إلى الناس فقال: أيها الناس، إنه كان اسمي في الجاهلية فلاناً، فسماني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عبد الله ونزلت فيَّ آيات من كتاب الله، نزلت فيَّ: (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ونزلت في: (قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ)، إن لِلَّهِ سيفاً مغموداً عنكم، وإن الملائكة قد جاورتكم في بلدكم هذا الذي نزل فيه نبيكم فاللَّه اللَّه في هذا الرجل أن تقتلوه، فواللَّه إن قتلتموه لتطردن جيرانكم الملائكة ولتسلن سيف الله المغمود عنكم فلا يغمد إلى يوم القيامة قال: فقالوا: اقتلوا اليهودي واقتلوا عثمان.
3 - أخرج البخاري عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: ما سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول لأحد يمشي على الأرض: إنه من أهل الجنة إلا لعبد اللَّه بن سلام. قال: وفيه نزلت هذه الآية: (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ) قال: لا أدري، قال مالك: الآية أو في الحديث.
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية، وقد تباينت أقوال المفسرين واختياراتهم.
فأما حديث عوف بن مالك فقد ذكره الطبري.
وأما حديث ابن أخي ابن سلام فقد ذكره القرطبي وابن عاشور.
وأما حديث سعد بن أبى وقاص فقد ذكره الطبري والبغوي وابن كثير وابن عاشور.
وفي الجملة فإن كثيراً من المفسرين يذكرون أن الآية في عبد اللَّه بن سلام - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وسأذكر أقوال المفسرين وأدلتهم.
الأول: أن الشاهد عبد اللَّه بن سلام - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وعلى هذا فالآية مدنية في سورة مكية وحجتهم ما يلي:
أ - أن عوف بن مالك الذي روى الحديث صرح في القصة بنزول الآية فيه.
ب - أن الأخبار وردت عن جماعة من الصحابة أنه ابن سلام وعلى هذا جمهور أهل التأويل وهم أعلم بمعاني القرآن، والسبب الذي فيه نزل، وما أُرلد به.
الثاني: أن الشاهد غير معين بل هو اسم جنس يتناول أيَّ شاهد فقد يكون عبد اللَّه بن سلام، وقد يكون رجلاً من بني إسرائيل كان بمكة، وقد يكون الكتب المتقدمة المنزلة على الأنبياء قبله بشرت به، وأخبرت بمثل ما أخبر القرآن به.
والحجة في ذلك:
أ - أن الآية مكية، وإسلام ابن سلام كان بعد الهجرة إلى المدينة.
ب - أن سياق الآيات خطاباً وتوبيخاً موجه إلى مشركي قريش، ولم يجر لأهل الكتاب ولا لليهود ذكر قبل ذلك.
الثالث: يجوز أن يكون هذا إخباراً من الله لرسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بما سيقع من إيمان عبد الله بن سلام فيكون هو المراد بالشاهد وإن كانت الآية مكية فقد تضمنت غيباً أبرزه الوجود.
والظاهر - والله أعلم - أن الآية لم تنزل بسبب عبد الله بن سلام لما يلي:
1 - أن الآية مكية نزلت قبل أن يسلم ابن سلام بزمن فكيف تنزل فيه وهو لا يعرف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد، كما أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يعرفه بعد بدليل أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما قدم المدينة وأقبل إليه ابن سلام التمس من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يسأل اليهود عنه، ولو كان يعرفه قبل ذلك لما سأله ذلك.
2 - أنه قد تقدم في السبب رقم (1) قصة عبد الله بن سلام - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في نزول قوله: (قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ) والقصة هناك شبيهة بالقصة هنا ولم يذكر فيها نزول هذه الآية: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ).
3 - أن سياق الآيات قبل الآية وبعدها في المشركين، ولم يرد ذكر اليهود أو أهل الكتاب في قليل أو كثير من هذه السورة باستثناء الآية التي معنا وفيها ذكر بني إسرائيل.
وأما حجة من ذهب إلى أنها في ابن سلام نزلت واستدلوا بالتصريح بنزول الآية فيمكن أن يقال: إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استدل بالآية لما سمع مقالة اليهود؛ لأن ابن سلام من بني إسرائيل، والآية بعمومها تتناوله فظن عوف بن مالك أنها نزلت فيه.
أما أن هذا قول الصحابة والتابعين وعليه جمهور أهل التأويل أنه ابن سلام فيقال نعم. ابن سلام من بني إسرائيل وشهد على مثله، لكن هل هذا يعني أنها نزلت فيه؟
الجواب: لا وقولهم فيه من باب التفسير فقط وهو حق فإن العموم يشمله.
وأما من قال من العلماء: إن هذا إخبار من اللَّه بما سيقع من إيمان عبد اللَّه بن سلام فهذا غريب، إذ كيف يقول اللَّه: (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ) وهو لم يشهد بعد؟
ثم كيف يحتج اللَّه على المشركين بأمر لم يقع؟ بل هل انقضت الحجج والدلائل فلم يبق إلا هذا؟
فإن قيل: قد قلت ما قلت فمن هو الشاهد إذن؟
فالجواب: أن الشاهد هنا العلماء المتقدمون من بني إسرائيل فإن عندهم من الدلائل والبراهين من الكتب المتقدمة ما يعرفون به صدقه وصدق ما جاء به قال اللَّه تعالى: (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197).
قال السعدي: (أولم يكن لهم آيةً على صحته وأنه من اللَّه أن يعلمه علماء بني إسرائيل الذين قد انتهى إليهم العلم، وصاروا أعلم الناس، وهم أهل الصنف فإن كل شيء يحصل به اشتباه يرجع فيه إلى أهل الخبرة والدراية فيكون قولهم حجةً على غيرهم كما عرف السحرة الذين مهروا في علم السحر صدق معجزة موسى وأنه ليس بسحر فقول الجاهلين بعد هذا لا يؤبه به) اهـ.
وقال الله تعالى: (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43).
قال ابن كثير: (والصحيح في هذا أن (وَمَنْ عِنْدَهُ) اسم جنس يشمل علماء أهل الكتاب الذين يجدون صفة محمد - صلى الله عليه وسلم - ونعته في كتبهم المتقدمة من بشارات الأنبياء به كما قال تعالى: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ) اهـ محل الشاهد.
فهل يقال هنا إن آيتي الرعد والشعراء قد نزلتا في المدينة أيضاً؟ وهل المراد فيهما ابن سلام؟
الجواب: لا إنما نزلتا في مكة لا في المدينة، وليس المراد منهما ابن سلام.
وحينئذٍ يقال: لماذا لا يكون المقصود بالشاهد هنا العلماء من أهل الكتاب المذكورين في الآيتين السابقتين وغيرهما إذ لا فرق لأنهم شهود من بني إسرائيل.
وصدق الله القائل: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ).
وبيان ذلك: أن الله قال بعد الآية التي معنا: (وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً).
وقال في سورة هود: (أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ).
وإن الناظر في الآيتين ليتحقق له حديثهما عن القرآن والشاهد وكتاب موسى الذي جعله إماماً ورحمةً.
قال - شيخ الإسلام - ابن تيمية عن الشاهد في آية هود هو القرآن.
* النتيجة:
أن الحديث المذكور ليس سبباً لنزول الآية الكريمة لأن الآية مكية والقصة مدنية، والآية تخاطب المشركين، وقصة ابن سلام مع اليهود من الكتابيين. واللَّه أعلم.
* * * *
سورة الفتح
157 - قال اللَّه تعالى: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (2) وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا (3) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (4) لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا (5) وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (6) وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (7) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (9) إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10) سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (11) بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا (12) وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا (13) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (14) سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا (15) قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (16) لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا (17)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

1 - أخرج البخاري ومسلم والنَّسَائِي عن سهل بن حنيف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: أيها الناس اتهموا أنفسكم، فإنا كنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم الحديبية ولو نرى قتالاً لقاتلنا، فجاء عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ قال: بلى، قال: أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال: بلى، قال: فعلام نعطي الدنيَّة في ديننا، أنرجع ولما يحكم اللَّه بيننا وبينهم؟ فقال: (يا ابن الخطاب إني رسول الله ولن يضيعني اللَّه أبداً) فانطلق عمر إلى أبي بكر فقال له مثل ما قال للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: إنه رسول الله ولن يضيعه الله أبداً، فنزلت سورة الفتح، فقرأها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على عمر إلى آخرها، فقال عمر: يا رسول الله، أو فتح هو؟ قال: (نعم).
2 - أخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنَّسَائِي عن أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: لما انصرف رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الحديبية نزلت هذه الآية: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا) قال المسلمون: يا رسول اللَّه هنيئاً لك ما أعطاك اللَّه فما لنا فنزلت: (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا (5).
3 - أخرج البخاري والترمذي عن زيد بن أسلم عن أببه أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يسير في بعض أسفاره، وعمر بن الخطاب يسير معه ليلاً فسأله عمر بن الخطاب عن شيء فلم يجبه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم سأله فلم يجبه ثم سأله فلم يجبه فقال عمر بن الخطاب: ثكلت أم عمر، نزرت رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاث مرات، كُلَّ ذلك لا يجيبك، قال عمر: فحركتُ بعيري ثم تقدمت أمام الناس، وخشيتُ أن ينزل فيَّ القرآن فما نشبتُ أن سمعتُ صارخًا يصرخ بي، فقلت: لقد خشيتُ أن يكون نزل فيَّ قرآن، فجئت رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسلمتُ عليه، فقال: (لقد أُنزلت عليَّ الليلة سورةٌ لهي أحبُّ إليَّ مما طلعت عليه الشمس. ثم قرأ: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا).
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه السورة. وقد ذكر المفسرون هذه الأحاديث عند تفسيرها على اختلاف بينهم في إيرادها منهم الطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.
قال ابن عطية: (هذه السورة نزلت على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منصرفه من الحديبية وفي ذلك أحاديث كثيرة عن أنس وابن مسعود وغيرهما تقتضي صحته) اهـ.
وقال القرطبي: (نزلت ليلاً بين مكة والمدينة في شأن الحديبية، روى محمد بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم قالا: نزلت سورة الفتح بين مكة والمدينة في شأن الحديبية من أولها إلى آخرها) اهـ.
وقال ابن كثير: (نزلت هذه السورة الكريمة لما رجع رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -من الحديبية في ذي القعدة من سنة ست من الهجرة حين صده المشركون عن الوصول إلى المسجد الحرام) اهـ.
وهذا الذي ذكره المفسرون يوافق ما جاء في حديثي سهل بن حنيف، وزيد بن أسلم عن أبيه.
فقد جاء في حديث سهل: (فنزلت سورة الفتح فقرأها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على عمر إلى آخرها).
وجاء في حديث زيد بن أسلم عن أبيه: (فقال: لقد أُنزلت عليَّ الليلةَ سورةٌ هي أحب إليَّ مما طلعت عليه الشمس) فالحديثان يتحدثان عن سورة كاملة وليس عن آية فقط.
أما حديث أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وفيه: أن المسلمين قالوا: هنيئًا لك ما أعطاك اللَّه فما لنا فنزلت: (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ... ) الآية. فهذا مرجوح لوجهين:
الأول: من جهة الإسناد فقد جاء في لفظ البخاري عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا). قال: الحديبية، قال أصحابه: هنيئًا مريئًا فما لنا؟ فأنزل الله: (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) قال شعبة: فقدمت الكوفة، فحدثت بهذا كلِّه عن قتادة، ثم رجعتُ فذكرتُ له فقال: أما: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ) فعن أنس، وأما هنيئًا مريئًا فعن عكرمة.
وقد فصّل شعبة القول في هذا فقال: (كان قتادة يذكر هذا الحديث في قصصه عن أنس بن مالك قال: نزلت هذه الآية لما رجع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الحديبية (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ) ثم يقول: قال أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هنيئًا لك ... هذا الحديث. قال: فظننت أنه كله عن أنس، فأتيت الكوفة، فحدثت عن قتادة عن أنس ثم رجعتُ فلقيت قتادة بواسط، فإذا هو يقول: أوّله عن أنس، وآخره عن عكرمة. قال: فأتيتهم بالكوفة فأخبرتهم بذلك) اهـ.
وإذا كان الأمر كذلك وأن قوله: هنيئًا مريئاً وما بعده عن عكرمة، فلا ريب أن المقدم قول الصحابة في نزولها جميعاً.
الثاني: من حيث النظر فقد قال الشنقيطي: (أظهر الأقوال وأصحها في الآية أن اللام في قوله: (لِيُدْخِلَ) متعلقه بقوله: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ). وإيضاح المعنى: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ) أي السكون والطمأنينة إلى الحق في قلوب المؤمنين ليزدادوا بذلك إيمانًا لأجل أن يدخلهم بالطمانينة إلى الحق وازدياد الإيمان جنات تجري من تحتها الأنهار) اهـ.
وإذا كان إنزال السكينة علةً لزيادة الإيمان ودخول الجنات، فكيف ساغ الفصل بين الإنزال وعلته حسبما تدل عليه رواية عكرمة؟.
* النتيجة:
أن سورة الفتح بكمالها نزلت على رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرجعه من الحديبية، وكان موضوعها على تلك القضية يدور بما فيها من قصص وأحداث متفرقة وذلك لصحة أسانيد الأحاديث في ذلك، وصراحة ألفاظها، واتفاق المفسرين عليها واللَّه أعلم.
* * * * *



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #130  
قديم 15-12-2022, 01:10 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,412
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن

المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الثانى

سورة الفتح

من صــ 898 الى صـ 906
(الحلقة 130)


158 - قال الله تعالى: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

أخرج الترمذي عن جابر بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - في قوله تعالى: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) قال جابر: بايعنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على أن لا نفِرَّ ولم نبايعه على الموت.
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية، وقد ذكر جمهور المفسرين أن هذه الآية نزلت في شأن بيعه الرضوان ومن هؤلاء الطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير والسعدي وابن عاشور.
قال الطبري: (يقول تعالى ذكره: لقد رضي اللَّه يا محمد عن المؤمنين (إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) يعني بيعة أصحاب رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رسول اللَّه بالحديبية حين بايعوه على مناجزة قريش الحرب وعلى أن لا يفروا ولا يولوهم الدبر تحت الشجرة وكان سبب هذه البيعة ما قيل: إن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان أرسل عثمان بن عفان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - برسالته إلى الملأ من قريش. فأبطأ عليه عثمان بعض الإبطاء، فظن أنه قد قتل فدعا أصحابه إلى تجديد البيعة على حربهم فبايعوه على ذلك وهذه البيعة التي تسمى بيعة الرضوان). اهـ. بتصرف.
قال السعدي: (يخبر تعالى بفضله ورحمته برضاه عن المؤمنين إذا يبايعون الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تلك المبايعة التي بيضت وجوههم واكتسبوا بها سعادة الدنيا والآخرة، وكان سبب هذه البيعة أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما دار الكلام بينه وبين المشركين يوم الحديبية في شأن مجيئه، وأنه لم يجئ لقتال أحد وإنما جاء زائراً هذا البيت معظماً له، فبعث رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عثمان ابن عفان لمكة في ذلك، فجاء خبر غير صادق أن عثمان قتله المشركون.
فجمع رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من معه من المؤمنين وكانوا نحواً من ألف وخمسمائة فبايعوه تحت شجرة على قتال المشركين وأن لا يفروا حتى يموتوا.
فأخبر تعالى أنه رضي عن المؤمنين في تلك الحال التي هي من أكبر الطاعات وأجل القربات) اهـ بتصرف وعندي - واللَّه أعلم - أن كلام جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يحتمل السببية والتفسير فمن نظر إلى أن الآية إنما نزلت بسبب البيعة لأن هذا الرضا رتب عليها قال المراد بها السببية.
ومن نظر إلى أن حديث جابر خلا من التصريح بنزول الآية قال المراد به التفسير وليس ذكر النزول.
وأيًّا كان مراد جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فإن من الثابت أن البيعة سبب النزول وإن لم يَدُلَّ حديث جابر على هذا فقد دلت عليه أدلة أخر واللَّه أعلم.
* النتيجة:
أن سبب نزول الآية الكريمة بيعة الرضوان التي كانت تحت الشجرة وإن كان الحديث الذي معنا لا يحتج به على تلك النتيجة لضعف سنده، وإعراض المفسرين عنه، مع عدم تصريح جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بنزول الآية واللَّه أعلم.
* * * * *

159 - قال الله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (24)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

1 - أخرج مسلم عن سلمة بن الأكوع - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قدمنا الحديبية مع رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونحن أربع عشرةَ مائة، وعليها خمسون شاةً لا تُرويها. قال: فقعد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على جبا الرَّكيَّة فإما دعا وإما بسق فيها، قال: فجاشت. فسقينا واستقينا. قال: ثم إن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دعانا للبيعة في أصل الشجرة. قال: فبايعته أول الناس ثم بايع وبايع. حتى إذا كان في وسط من الناس قال: (بايع يا سلمة) قال: قلت: قد بايعتك يا رسول اللَّه في أول الناس - قال: (وأيضاً) قال: ورآني رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَزلاً - يعني ليس معه سلاح -. قال: فأعطاني رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَفَةً أو درَقَةً ثم بايع. حتى إذا كان في آخر الناس قال: (ألا تبايعني يا سلمة) قال: قلت: قد بايعتك يا رسول الله في أول الناس وفي أوسط الناس. قال: (وأيضاً) قال: فبايعته الثالثة. ثم قال لي: (يا سلمة أين حَجَفَتُك أو درَقَتُك التي أعطيتك؟) قال: قلت: يا رسول اللَّه لقيني عمي عامر عَزِلاً فأعطيته إياها، قال: فضحك رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال: (إنك كالذي قال الأول: اللهم أبغني حبيباً هو أحب إليَّ من نفسي) ثم إن المشركين راسلونا الصلح، حتى مشى بعضنا في بعض، واصطلحنا. قال: وكنت تبيعًا لطلحة بن عبيد الله أَسقي فرسه وأحُسُّهُ وأخدمه. وآكل من طعامه، وتركت أهلي ومالي مهاجرًا إلى الله ورسوله قال: فلما اصطلحنا نحن وأهل مكة واختلط بعضنا ببعض أتيت شجرة فكسحت شوكها. فاضطجعت في أصلها. قال: فأتاني أربعة من المشركين من أهل مكة فجعلوا يقعون في رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فأبغضتهم فتحولت إلى شجرة أخرى وعلقوا سلاحهم واضطجعوا فبينما هم كذلك إذ نادى مُنادٍ من أسفل الوادي: يا للمهاجرين قُتل ابن زُنَيم. قال: فاخترطت سيفي ثم شددت على أولئك الأربعة وهم رقود فأخذتُ سلاحهم فجعلته ضِغثًا في يدي. قال: ثم قال: والذي كرم وجه محمد لا يرفع أحد منكم رأسه إلا ضربتُ الذي فيه عيناه. قال: ثم جئت بهم أسوقهم إلى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: وجاء عمي عامر برجل من العَبَلَاتِ يُقال له مكرزٌ يقوده إلى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على فرسٍ مُجَفَّفٍ في سبعين من المشركين. فنظر إليهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: (دعوهم يكن لهم بدءُ الفجور وثناه) فعفا عنهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنزل الله: (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ ... ).
2 - أخرج مسلم وأحمد وأبو داود والترمذي والنَّسَائِي عن أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن ثمانين رجلاً من أهل مكة هبطوا على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من جبل التنعيم متسلحين. يريدون غِرةَ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه: فأخذهم سِلْماً. فاستحياهم فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ).
3 - أخرج البخاري وأحمد عن المسور بن مخرمة ومروان في قصة الحديبية قالا: خرج رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زمن الحديبية حتى كانوا ببعض الطريق فذكرا الحديث ... إلى أن قالا: وينفلت منهم أبو جندلِ بن سهيل، فلحق بأبي بصير، فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير، حتى اجتمعت منهم عصابة، فوالله ما يسمعون بعيرٍ خرجت لقريش إلى الشأم إلا اعترضوا لها، فقتلوهم وأخذوا أموالهم، فأرسلت قريش إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تناشده باللَّه والرحم: لمَّا أَرسل: - فمن أتاه فهو آمن فأرسل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إليهم، فأنزل الله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ) - حتى بلغ - (الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ) وكانت حميتهم أنهم لم يقروا أنه نبي الله، ولم يقروا ببسم الله الرحمن الرحيم. وحالوا بينهم وبين البيت.
4 - أخرج أحمد والنَّسَائِي عن عبد الله بن مغفل المزني - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: كنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالحديبية في أصل الشجرة التي قال الله، وكأني بغصن من أغصان تلك الشجرة على ظهر رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرفعته عن ظهره، وعلي بن أبي طالب، وسهيل بن عمرو بين يديه فقال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اكتب (بسم اللَّه الرحمن الرحيم) فأخذ سهيل يده فقال: ما نعرف الرحمن الرحيم، اكتب في قضيتنا ما نعرف، فقال: (اكتب باسمك اللهم، هذا ما صالح عليه محمد رسول اللَّه أهلَ مكة) فأمسك بيده، فقال: لقد ظلمناك إن كنت رسولاً، اكتب في قضيتنا ما نعرف فقال: (اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، وأنا رسول الله) قال: فكتب، فبينما نحن كذلك، إذ خرج علينا ثلاثون شاباً عليهم السلاح، فثاروا في وجوهنا، فدعا عليهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخذ الله بأبصارهم فقمنا إليهم فأخذناهم، فقال لهم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (هل جئتم في عهد أحد، أو هل جعل لكم أحد أماناً) فقالوا: لا، فخلى سبيلهم، فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ) إلى قوله: (بَصِيرًا).

* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:

هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة. وقد جاء في نزولها أربعة أحاديث ثلاثة منها اتفق النزول فيها على قصة الحديبية. أما الرابع وهو حديث المسور بن مخرمة ومروان فالنزول فيه إنما هو في قصة أبي جندل وأبي بصير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولعل هذا هو سبب إعراض المفسرين عنه فلم يذكر هذا الحديث إلا البغوي.
أما الأحاديث الثلاثة الأخرى فقد ذكرها جمهور المفسرين على تفاوت بينهم في إيراد بعضها أو جميعها ومن هؤلاء الطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير والسعدي وابن عاشور.
قال الطبري: (يقول تعالى ذكره لرسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والذين بايعوا بيعة الرضوان (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ) يعني أن الله كف أيدي المشركين الذين كانوا خرجوا على عسكر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالحديبية يلتمسون غِرتهم ليصيبوا منهم فبعث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأُتي بهم أسرى فخلى عنهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومنَّ عليهم ولم يقتلهم) اهـ.
وقال السعدي: (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ) أي أهل مكة (عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ) أي: من بعد ما قدرتم عليهم، وصاروا تحت ولايتكم بلا عقد ولا عهد، وهم نحو ثمانين رجلاً، انحدروا على المسلمين ليصيبوا منهم غِرة فوجدوا المسلمين منتبهين فأمسكوهم فتركوهم ولم يقتلوهم رحمة من الله بالمؤمنين إذ لم يقتلوهم) اهـ.
وقال ابن عاشور: (اتفق المفسرون الأولون على أن هذا الكف وقع في الحديبية). اهـ. وأما الجواب عن حديث المسور بن مخرمة ومروان في نزول الآية في قصة أبي جندل وأبي بصير فقد قال ابن حجر مجيباً عن هذا الإشكال: (قوله: فأنزل الله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ) كذا هنا، وظاهره أنها نزلت في شأن أبي بصير، وفيه نظر، والمشهور في سبب نزولها ما أخرجه مسلم من حديث سلمة بن الأكوع ومن حديث أنس بن مالك أيضاً، وأخرجه أحمد والنَّسَائِي من حديث عبد الله بن مغفل بإسناد صحيح أنها نزلت بسبب القوم الذي أرادوا من قريش أن يأخذوا من المسلمين غِرة فظفروا بهم، فعفا عنهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فنزلت الآية) اهـ.
* النتيجة:
أن الأحاديث المذكورة معنا باستثناء حديث المسور ومروان سبب نزول الآية الكريمة لصحة أسانيدها وصراحة ألفاظها وموافقتها لسياق القرآن واحتجاج المفسرين بها.
أما حديث المسور ومروان فلئن كان سنده صحيحاً ولفظه صريحاً فإنه لا يوافق سياق القرآن ولم يحتفِ به المفسرون واللَّه أعلم.
* * * * *



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 317.55 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 311.86 كيلو بايت... تم توفير 5.70 كيلو بايت...بمعدل (1.79%)]