أبي وأمي يريدان الانفصال

[ابوالوليد المسلم]

أبي وأمي يريدان الانفصال
أ. منى مصطفى


السؤال:

♦ الملخص:
فتاة أبوها وأمُّها ليسا أهلًا للمسؤولية، كلٌّ منهما يفكِّر في نفسه، ويريدان الانفصال، ويأخذون أموال أولادهم ليُنفقوها في أشياءَ لا قيمة لها، وتَسأل عن حلٍّ.

♦ التفاصيل:
أبي وأمي يريدان الطلاق، اشترطتْ أمي على أبي أن تأخذ كل أثاث البيت، كما أنه يوجد بيت هو ملكٌ لأبي، دفعت أمي فيه أموالًا كثيرة، طلبتْ منه الطلاق، وأن يدفع هذه الأموال في شهر واحد، فرفض أبي فهو لا يستطيع الدفع، فالمنزل تحت تصرف البنك لحين سداد القرض، وأمي تضغط علينا نحن الأبناء للضغط على أبينا؛ كي يطلقها ويدفع المبلغ.


من هنا بدأت المشاكل، فأمي تدَّعي أن كل الأجهزة والعفش في البيت ملكها بالإضافة إلى إرثها؛ ما أدى لاختلاط الملكيات، وقد تبرع أخي لأمي بأربعة آلاف شهريًّا رجاءَ ألَّا تأخذ أثاث البيت ونبقى نحن على "البلاط" - على حد تعبيرها - وأخي هذا غير متزوج، وراتبه كله ديون، ولا يستطيع الزواج؛ لأن راتبه ضائع بين أمي وأبي، فأما أمي فتأخذ نصف راتبه، وتشتري أثاثًا لبيتها الجديد، وتبدده في خروجاتها مع صاحباتها، وأما أبي فيأخذ النصف الآخر ويبدده على امرأة يريد أن يتزوَّجها، فهو يخرج صباحًا ولا يعود إلا منتصف الليل، ويقول: "أنا في ضيقٍ وأريد أسعَد مع أصحابي"، أصبحت أخاف على إخوتي، فهم أيضًا يشعرون بالضياع، سؤالي: هل يحق لهم أخذ هذه الأموال من أخي وإخوتي، وهم يهددوننا بالدعاء علينا والبراءة منا إذا لم نحقِّق لهم ما يطلبونه؟ أفيدونا، وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين؛ أما بعد:
فإني يا ابنتي الغالية أشفق عليكِ وعلى إخوتكِ من هذا الحال المزعج المفكك، يسر الله أموركم وهدى والديكم، هذه الحال التي وصل إليها الوالدان ليست نتيجة يومٍ ولا أسبوع ولا أشهر، بل نتيجة أعوام وتراكمات، وانحرافات في المشاعر من كل طرف، هي تريد الدنيا وهو يريد نفسه ومُتعتها، وتناسَوا في غمرة العناد أهمَّ متع الدنيا التي يتصارعون لتحقيقها، وهذه المتع هي أنتم (الأبناء).

لكن من رحمة الله أنكم جميعًا بالغون عاقلون، أسأل الله أن يحفظكم جميعًا، ويكلأ برعايته مَن لم يتزوج مِن إخوتكِ.

بالنسبة لسؤالكِ عن المال الذي يستنزفه الوالدان منكم عَنوة، ثم ينفقانه في الترفيه وإشباع رغبات ربما بعضها مجلبة للذنوب:
أولًا: ننظر لحق الوالدين على الأبناء، لا شك أنه البر والطاعة، ولكن كيف نحقق البر؟ هل يتحقق بأن نعينهم على المعصية لمجرد أنهم والدينا؟

لا أظن ذلك يرضي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، كل ما أستطيع أن أنصحكِ به هو:
خفض الجناح لهما، وحلاوة اللسان، وعدم الإساءة إليهما بإظهار عيوبهما، حتى ولو كنتِ محقة.

وبالنسبة للمال، فلا تعطيهم أنتِ ولا أخوكِ إلا إن علمتُم كيفية إنفاقه، فإن كان سيُنفق فيما لا يُغضِب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فأفيضوا عليهم ما استطعتم، بشرط ألَّا تأخذي من حقوق أولادكِ، أو يؤخر أخوكِ زواجه نتيجة ابتزاز والديه له بحجة البر، فالأولى أن يبركم الوالدان، ثم تردون لهم أنتم ذلك البر.

توضيحًا أقول: إن احتاجا للمأكل أو المشرب، أو العلاج، أو الحج والعمرة - فساعدوهم، غير هذا فلا أظنه واجبًا عليكم، خاصة وأنهما ميسوران، فالوالدة لها ميراث قدرتِهِ بآلاف الريالات، وتأخذ منكِ المال للرفاهية والمجاملات الفارغة، والوالد يملِك ما يعينه على مرافقة امرأة تبتزُّه هي الأخرى تحت أمل الزواج، والله أعلم بحالهم.

إن كنتم تريدون الرشاد، فحاولوا مع عقلاء العائلتين الصلح بينهما، وذكِّروهم بالعشرة وبحاجة إخوانكِ للزواج، وأن الاستقرار والعائلة أمتع كثيرًا مما يبحثان عنه بغواية الشيطان لهما، وأن متع الدنيا مهما بلغت فهي مؤقتة، فلا سعادة هنا تدوم، وضِّحي لهم أن هذه المرحلة من عمرهم هي مرحلة مراجعات، والفائز مَن جعل الله جاره، الحياة الأسرية تحتاج إلى صبر وإيثار، فلا يكونا كالتي نقضت غزلها أنكاثًا من بعد قوة، مرَّ من العمر أكثره، فلنصبر على ما قضى رب العالمين، فإن لم تفلحا، فاحتكموا للقضاء أو لبعض عقلاء العائلة من الطرفين، واكتبوا أوراقًا موثقة بمبلغ من المال لكل منهما بحسب حقه في البيت، وبعد انقضاء سداد الإسكان يُباع البيت، وكل منهما يأخذ ما تمَّ الاتفاق عليه.

أما أموالكِ وأموال أخيكِ، فلا تعطوهم إلا لحاجةٍ حقيقية، وفي غير سفهٍ ولا تبذير ولا معصية، ولا تخافي من أنهم سيدعون عليكم، فإن الله حَكَمٌ عدلٌ، حرم الظلم على نفسه ولا يرتضيه لعباده، وقد قال سبحانه في كتابه: ﴿ وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ ﴾ [يونس: 11].

أخيرًا أنصحكم ونفسي بأن تجعلوا نِعَمَ الله عليكم بابًا للجنة ونعيمها، لا بلاءً نكتوي بناره في الدنيا والآخرة عياذًا بالله، أصلح الله ذاتَ بينكم، وألَّف بين قلوبكم بعلمه ورحمته سبحانه الحنان المنان.