استعينوا بالله واصبروا - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12522 - عددالزوار : 213609 )           »          أطفالنا والمواقف الدموية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          عشر همسات مع بداية العام الهجري الجديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          وصية عمر بن الخطاب لجنوده (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          المستقبل للإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          انفروا خفافاً وثقالاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          أثر الهجرة في التشريع الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          مضار التدخين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          متعة الإجازة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          التقوى وأركانها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 07-06-2023, 12:50 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي استعينوا بالله واصبروا

استعينوا بالله واصبروا (1)



كتبه/ إبراهيم بركات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فواجب العبد عند حلول الفتن، وشيوع الجهل، وغلبة الهوى، هو اللجوء إلى ربِّه؛ يسأله الهداية والسداد والتوفيق؛ لينجو، وينجو معه مَن هو مسئول عنهم، كذلك يجتهد في أداء الأسباب التي تعين على تنزل الرحمات، ونيل الفضل والرضوان، وقبول المغفرة لتصرف عنا البلاء لدخول الجنة والنجاة من النيران.

ومن هذه الأسباب:

1- الاجتماع والتواصل، والتآزر والصبر على ذلك، فالسنة قرينة للجماعة، والجماعة رحمة والفرقة عذاب، ويد الله مع الجماعة، والبدعة قرينة الفرقة والهوى.

2- السداد والمقاربة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في حديث أبي هريرة وعائشة -رضي الله عنهما-: (‌سَدِّدُوا، ‌وَقَارِبُوا، ‌وَأَبْشِرُوا) (متفق عليه)، والمراد بالتسديد: العمل بالسداد، وهو: القصد والتوسط في العبادة، فلا يقصِّر فيما أمر به، ولا يتحمل منها ما لا يطيقه.

وقال النضر بن شميل: السداد القصد في الدِّين والسبيل، وكذلك المقاربة المراد بها: التوسط بين التفريط والإفراط؛ فهما كلمتان بمعنى واحد، أو معناهما متقارب، وهو المراد بقوله -صلى الله عليه وسلم-: (عَلَيْكُمْ ‌هَدْيًا ‌قَاصِدًا).

- (‌وَأَبْشِرُوا) أي: مَن مشى في طاعة الله على التسديد والمقاربة؛ فليبشر فإنه يصل ويسبق الدائب المجتهد في الأعمال، فإن الاقتصاد في السُّنة خير من الاجتهاد في غيرها، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-.

- وليست الفضائل بكثرة الأعمال البدنية، ولكن بكونها خالصة لله صوابًا على متابعة السنة (الإخلاص والنصح ولزوم الجماعة)، وكذلك بكثرة معارف القلوب وأعمالها، وهذه التي سبق بها الأوائل من الصحابة وما عندهم من سخاوة الأنفس، وسلامة الصدور والنصيحة للأمة؛ فهم أعمق الناس علومًا، وأقلهم تكلفًا، وأبرهم قلوبًا؛ اختارهم ربنا لصحبة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، فصدقوا الله فصدقهم؛ فكذلك فكونوا.

3- البشارة والفرحة، وعدم الإحباط والانهزامية، وذلك ثمرة بذل الجهد في الطاعة الفردية والجماعة مع السداد والمقاربة، فإن طغيان الفردية وتسلط المرض الشخصي مهما قدم، ففيه العوار وعدم الكمال، وبركات العمل المؤسسي تحفظ أفراده من رؤية أنفسهم أو أعمالهم وسط بركان العطاء المتدفق برحمة الله من الجميع، وإن ما يخرج من اللؤلؤ والمرجان من بحر الجماعة لا يراه الحاقدون إلا حجارة، ومع الأيام سوف تتجلَّى الحقائق، وسيبصر مَن لم يرَ اليوم حقيقة الأمور وقواعد الشرع الحنيف، وما يكون في محيط الجماعة من كنوز وأصداف ولآلئ ومرجان، يحفظ بها ديننا، ونرعى به نسلنا وأهلينا، ولا نراوغ ونضل، فيحاط بكلِّ مقدارتنا وثمارنا.

4- الاستقامة والحياة على المنهج الصحيح الرباني الذي عاش عليه الأوائل يحتاج إلى سقاية ورعاية، وبذل وصبر؛ للاستمرار على السير عليه، فالله -عز وجل- ما زال يهدي نبيه إلى صراطه المستقيم قبل وفاته بقليل كما في سورة الفتح في بدايتها: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا . لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ ‌وَيَهْدِيَكَ ‌صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا) (الفتح: 1-2)؛ ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في تفسيره لقول الله: (‌اهْدِنَا ‌الصِّرَاطَ ‌الْمُسْتَقِيمَ) (الفاتحة: 6)، فالناس محتاجون إلى الهداية أشد من حاجتهم إلى الرزق والنصر، فإن فات العبد الرزق مات وأمره إلى الله، وإن لم ينتصر مات شهيدًا، ولكن إن فاتته الهداية ضل، فالهداية بها يُنال الرزق والنصر، وكذلك من ثمراتها هداية بعد هداية، كما قال -تعالى-: (‌وَالَّذِينَ ‌اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) (محمد: 17)، والصادق يعلم أن النجاة بتوفيق الله -عز وجل-، قال -تعالى-: (‌يُدْخِلُ ‌مَنْ ‌يَشَاءُ ‌فِي ‌رَحْمَتِهِ) (الشورى: 8)، وأولى الناس بذلك مَن يذكر اسم ربه بكرة وأصيلًا، ومن الليل يسجد له ويسبحه ليلًا طويلًا.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 30-06-2023, 02:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: استعينوا بالله واصبروا

استعينوا بالله واصبروا (2)



كتبه/ إبراهيم بركات
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فلا زال حديثنا موصولًا عن الأسباب التي تعين على تنزل الرحمات، ونيل الفضل والرضوان، وقبول المغفرة، ورفع البلاء ودخول الجنة والنجاة من النيران؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لَنْ يُنْجِيَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ، قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: وَلَا أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللهُ بِرَحْمَةٍ، سَدِّدُوا، وَقَارِبُوا، وَاغْدُوا، وَرُوحُوا، ‌وَشَيْءٌ ‌مِنَ ‌الدُّلْجَةِ، وَالْقَصْدَ الْقَصْدَ تَبْلُغُوا) (رواه البخاري).
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ تَعَالَى ‌أَدْوَمُهَا ‌وَإِنْ قَلَّ) (رواه مسلم).
والله شكور يَشكر على قليل الطاعة وكثيرها، إن تقبلها الله -عز وجل-؛ فيثيب صاحبها عليها مذاق حلاوة الإيمان وتيسيره لطاعات جديدة، ويقوي عود استقامته، ويشرح صدره للإيمان، ويثبته على قول الحق ويلهمه الرشد في أمره، ويجمعه على أهل الإيمان ويزيده وصلًا للصفوف ورحمة للمؤمنين، ويشغله بما ينفعه ويفيده، ويحميه من وراء ظهره، ويطهر قلبه من الغل والحق، ويبارك الله في منهجه وسيره لعمله، كما في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ثَلَاثٌ ‌لَا ‌يُغِلُّ ‌عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُؤْمِنٍ: إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ، وَالنَّصِيحَةُ لِوُلَاةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ، فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ، تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ) (رواه الترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني).
وقد بيَّن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- العلاج النافع القوي لمرض الغل؛ فذكر أن الغل لا يجتمع وتلك الثلاث في قلب المؤمن -وهي: النصح والإخلاص ولزوم الجماعة-؛ فتفطن لهذا المعني لتعلم السبب وراء الحرب الضروس على الدعوة، وذلك بسبب الفردية وطغيان الشخصية، والبعد عن العمل الجماعي، وكذلك العصبية المقيتة التي تمنع وتصرف عن النصح للغير بإخلاص وتجرد.
وقد قال الله -تعالى-: (وَلَا تُطِعْ ‌مَنْ ‌أَغْفَلْنَا ‌قَلْبَهُ ‌عَنْ ‌ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) (الكهف: 28)، ويظهر ذلك جليًّا: فإن أمر كل مَن يتبع هواه يكون عليه فرطًا مشتتًا، وقال -تعالى-: (‌وَلَا ‌تُطِعْ ‌مِنْهُمْ ‌آثِمًا ‌أَوْ ‌كَفُورًا) (الإنسان: 24).
والظالمون عندما يدعوهم أهل المنهج الحق؛ فإنهم يدعونهم إلى المنهج الرباني بعد الحصانة الإيمانية (‌وَقُلِ ‌الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ) (الكهف: 29)، ويذكرونهم بسجن النار وحبسهم فيها، وأنهم لا يخرجون منها أبدًا (نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا)؛ فقد قالوا ما شاءوا واتهموا دون قيد، فكان الجزاء السلاسل والأغلال، والأسر والسجن، وإن استغاثوا فالمهل الذي يشوى الوجوه التي أرادت وجاهة الدنيا والاستعلاء، فالجزاء من جنس العمل.
وفي النهاية من القلب إلى القلب رسالة:
تفكر في قوله -تعالى-: (‌وَبَدَا ‌لَهُمْ ‌مِنَ ‌اللَّهِ ‌مَا ‌لَمْ ‌يَكُونُوا ‌يَحْتَسِبُونَ) (الزمر: 47)، وتأمل قول الله -تعالى-: (‌أَفَمَنْ ‌زُيِّنَ ‌لَهُ ‌سُوءُ ‌عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) (فاطر: 8).
وكذلك قوله -تعالى-: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ ‌بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا . الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) (الكهف: 103-104).
وكان السلف ترتجف قلوبهم من كلام ربهم؛ فانظر إلى رصيدك وبضاعتك، فالكل قادم على مَن يعلم السر وأخفى، وليكن لك خبيئة إيمان في الغداة والعشي، وكذلك والناس نيام؛ لذلك يجب على المؤمن حال الفتن والشدائد أن يجتهد في أعمال العبادات القلبية والبدنية، ويراجع ويحاسب نفسه دائمًا، وكما نتوكل لكسب لقمة العيش ورعاية أولادنا، فعلينا أن نتوكل على الله في أن يهدينا ويصلح قلوبنا وأعمالنا، وأن يعيننا على أن نكون رحمة للمسلمين، وعونًا للمحتاجين، متصفين دائمًا بالخُلُق الحسن والقلب السليم.
والله من وراء القصد.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 04-01-2024, 12:13 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي استعينوا بالله واصبروا

استعينوا بالله واصبروا (1)



كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد قضى الله -عز وجل- بعدله وحكمته أن جعل الأيام بين الناس دولًا (وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ) (آل عمران:140- 141).
فجعل الله -عز وجل- الأيام يتناوب الناس فيها اليسر والعسر، والعز والذل، والتمكين والاستضعاف، وقدَّر الله -سبحانه وتعالى- لأنبيائه ورسله -وهم صفوته من خلقه- وقدر أيضًا على أوليائه، أن تمر عليهم فترات من المحن والشدائد، وأن تمر عليهم فترات يُستضعفون فيها في الأرض، وأن يكونوا قِلَّة أذلة (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآَوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (الأنفال:26).
قدَّر الله -عز وجل- ذلك، مع كونه لا يحب الظالمين ولا يحب الكافرين، وإنما سلطهم مدة وجيزة من الزمن على عباده المؤمنين؛ ليستخرج من عبده المؤمن أنواعًا من العبودية يحبها، ولا يمكن أن توجد هذه الأنواع لو أنه هدى الناس جميعًا، وهو -عز وجل- لو شاء لهدى الناس جميعًا، وأمره -سبحانه وتعالى- لا يحتاج إلى تكرار وتثنية، (وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) (القمر: 50).
يقع ما أمر -سبحانه وتعالى- به، وهو -عز وجل- لا يعجزه أن يجعل الناس أمة واحدة على الإيمان، حتى أعدى أعداء الدين هو قادر -عز وجل- أن يقلب قلوبهم على الهدى، ولو شاء لجعل الناس أمة واحدة، لكنه قدَّر ذلك للحكم البالغة، فله الحمد -سبحانه وتعالى- عليها؛ لذلك عندما يجد المؤمن المسلمين يصابون بأنواع المصائب والمحن، ويضطهدون بأنواع الاضطهاد، ويجد الفساد ينتشر في مشارق الأرض ومغاربها، ويرى البلاء والمحن، ويرى أنواع الشدائد يحمد الله -سبحانه وتعالى-.
ولا بد أن تقع في قلبه معانٍ إيمانية ضرورية لكي يستفيد من هذه المرحلة التي قدرها الله -عز وجل-؛ في الحقيقة ليظهر فيه الخير، ليخرج -سبحانه وتعالى- من قلوب أوليائه ما يحب من الاستعانة به، والصبر على طاعته -سبحانه وتعالى-، وعلى ما يصيب الإنسان بسبب مخالفته لأهل الفساد والكفر والنفاق.
وكذلك ليوقن المؤمن بوعد الله -سبحانه وتعالى-، ويستحضر أن الله الذي أعطى، وأن الله الذي مَنَّ، وأن الله الذي آوى؛ لأنه سوف تأتي عليهم فترات يكونون هم ملوك الدنيا فوق الخلق يتحكمون فيهم فيما يبدو لهم، فهل يكونون في ذلك كملوك الدنيا وأهل الدنيا، يتحكمون فيهم لأنفسهم ولهواهم ويقولون: صنعنا وانتصرنا وغلبنا وقهرنا، و(إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي) (القصص: 78)، (هَذَا لِي) (فصلت:50)، ونحو ذلك مما قصَّ الله علينا من كلام الكفرة والفسقة والفاجرين؟! أم يعلمون أن الله -سبحانه- هو الذي أورثهم الأرض بمشيئته -سبحانه وتعالى-، لا بقدرتهم، ولا بتخطيطهم، ولا بأعدادهم.
هناك معان إيمانية لا بد أن يستحضرها المؤمن عندما يمر بظروف تشبه الظروف التي مَرَّ بها أنبياء الله -سبحانه وتعالى- من قبل:
أول هذه المعاني أن يشهد المؤمن قضاء الله -عز وجل- وقدرته، وحكمته وعدله -سبحانه وتعالى-، ويشهد أن الأمور كلها بقضاء (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) (القمر:49)، وذلك من أعظم ثمرات الإيمان، وأن يشهد خلق الله -عز وجل- لأفعال العباد، وأنه هو -سبحانه وتعالى- الذي جعلهم كذلك، ليستحضر ملك الله، وليستحضر عزته وقهره -عز وجل-.
انظر وتأمل في قول موسى -صلى الله عليه وسلم- وهو يدعو ربه -عز وجل-: (رَبَّنَا إِنَّكَ آَتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ) (يونس:88).
وموسى -عليه الصلاة والسلام- لم يستحضر في هذه اللحظة أن فرعون عنده ما عنده من المال والجنود والملك والسلطان، لم يستحضر هذا المعنى، وإنما استحضر أن الله آتاه، فقال: (رَبَّنَا إِنَّكَ آَتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ)؛ لم يستحضر إلا أن فرعون آلة لنفوذ قضاء الله وقدره، وهذا والله من أعظم الأمور أهمية، حين يرى العبد أن مَن يواجههم مِن الكفرة والظالمين أعداء الإسلام أضعف وأذل من أن يرجوهم أو يخالفهم أو أن يظن أن الأمور بأيديهم، لماذا يسير الناس في ركب الظالمين؟ ولماذا يداهنون الكافرين؟ لماذا يوالونهم؟
ذكر الله -عز وجل- عن المنافقين ذلك بأنهم يخشون أن تكون الدولة والغلبة لهم، يخشون أن تكون هناك مرحلة أخرى، فهم يعدون العدة لذلك، وحينما يكون الأمر بالفعل للكفرة والظلمة فإن أكثر الناس تبع لهم؛ لأنهم استحضروا أن الملك لهؤلاء كما قال الله -عز وجل- عن المنافقين: (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) (النساء:138).
فضحهم الله -عز وجل- وبيَّن حقيقة ما في قلوبهم؛ أنهم يتولون الذين كفروا لأنهم يبتغون عندهم العزة، ويعاونون على الفساد؛ لأنهم يريدون مِن المفسد مكانة ومنزلة؛ لم يستحضروا أن المُلْكَ لله، وأن الله الذي آتى فرعون وملأه زينة وأموالًا في الحياة الدنيا، وأنه -سبحانه- الذي قدَّر أن يوجد من يضل عن سبيله، وفي قدرته أن يمحوهم في لحظة، وفي قدرته -سبحانه وتعالى- أن يزيلهم مِن على وجه الأرض، ومع ذلك قدَّر ربنا أن يضلوا عن سبيله.
ولماذا قدر الله ذلك؟!
لأن هناك قلوبًا خبيثة، وهناك ما يشبه المغناطيس يجذبها له، كما قال -عز وجل-: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (الأنفال:36-37).
الكفار ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله، وذلك سيكون عليهم بعد ذلك حسرة: (فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ) يتحسرون لماذا؟! لأنهم لا يجدون ثمرة لما يفعلون، يجدون عكس ما يريدون من صد الناس عن سبيل الله. وفي نهاية الأمر: (ثُمَّ يُغْلَبُونَ).
وتأمل ذكر (ثُمَّ) في هذا الموضع، وهي للتراخي؛ لكي تطمئن، لكي يسكن قلبك؛ ولكي تعلم أن الأمور كلها بمقادير، وأنها لها موعد محدد، ولا تقل: لماذا لم يأخذهم الله الآن؟ لماذا تركهم يفسدون في الأرض ثم يغلبون؟ ثم سوف يأتي ذلك الزمان.
ولذلك قال الله -عز وجل- لنبيه: (وَلاَ تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ) (الأحقاف:35)، فإياك أن تستعجل، واعلم أن كل شيء بحكمة وبقدر من الله -عز وجل- الملك المليك المقتدر، فهو -عز وجل- الذي آتى فرعون وأمثاله في كل زمان هذه القوة والزينة.
وقال -عز وجل-: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ . وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآَخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ) (الأنعام:112-113).
تأمل -والله- هذه الكنوز القرآنية، تأمل أن الله الذي جعل، وهذا أول ما ينبغي أن تلحظه: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا)، لم يقل كذلك كان لكل نبي وإنما قال: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا)، فالله الذي خلق في قلوبهم ذلك كما قال -تعالى-: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ)، وبدأ بشياطين الإنس؛ لأنهم أكثر (يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ) يشير بعضهم على بعض، ويأمر بعضهم بعضًا، وينصح بعضهم على الفساد والكفر والنفاق، (زُخْرُفَ الْقَوْلِ) أي: القول المزخرف الذي يحسبه سامعه حقًّا وهو باطل، وأكثر الناس ليس عندهم من التمييز والقدرة على معرفة النافع من الضار (غُرُورًا) أي: ليغروهم به.
(وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ) استحضر هذا جيدًا؛ أن كل الأمور بمشيئته -سبحانه-: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ)، ثم إذا تَمَّ ذلك بإذنه وحكمته، وَقَع ما أراد -سبحانه وتعالى-، وهو الذي قَدَّر -عز وجل- وجود الأعداء وكيد الأعداء، وكل ذلك لهوانهم عليه؛ ولذلك قال لنبيه -عليه الصلاة والسلام-: (فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ)، وهذا نوع من الاحتقار؛ لا تعبأ بهم، لا تقلق، لا تضطرب من ذلك، والخطاب في حقيقة الأمر لكل مؤمن كما قال: (‌لَا ‌يَغُرَّنَّكَ ‌تَقَلُّبُ ‌الَّذِينَ ‌كَفَرُوا ‌فِي ‌الْبِلَادِ) (آل عمران:196).
هم أهون على الله -سبحانه وتعالى- من أن يجعل لهم منزلة وقَدْرًا، ولو كانت الدنيا بأسرها تساوى عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرًا منها شربة ماء.
لو أن الدنيا بأسرها كانت تساوى عند الله شيئًا ما مَدَّ عمر إبليس ليطول في الدنيا، فهو منذ خلق الله آدم -عليه السلام- وأمر ملائكته بالسجود له فأبى، هو مخلوق قبل آدم، وسيبقى إلى قيام الساعة، سأل الله -تعالى- النظرة، فأعطاها الله له.
انظر لتعرف هذه الدنيا، ما أشد تفاهتها وحقارتها! فإن الله أعطاها لعدوه إبليس اللعين حين سألها؛ لأنها أتفه ما تكون؛ لذلك استحضر أن ذلك بمشيئة الله -سبحانه وتعالى-: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) (الأنعام:112).
وللحديث بقية -إن شاء الله-.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 08-01-2024, 01:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: استعينوا بالله واصبروا

استعينوا بالله واصبروا (2)



من تراث الدعوة حول القضية الفلسطينية

كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فالكفار يكيدون كيدًا، والله -عز وجل- يكيد كيدًا، (فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا) (الطارق:17)، وكذلك قال -سبحانه-: (فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ) (القلم:40)، يمد لهم -عز وجل- لكنهم مربوطون فيما أراد -عز وجل- أن يكونوا فيها (وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) لمتانة كيده -عز وجل- أملى لهم، وفتح عليهم أبواب كل شيء، قال الله -سبحانه وتعالى-: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ . فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ . فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام:42-45).
وقال الله -سبحانه وتعالى-: (وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ) أي: إلى الزخرف من القول الغرور، (أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآَخِرَةِ) فمن حكمته -سبحانه وتعالى- أنه جعل قلوبًا تميل إلى هذا الباطل وتقبله وتحبه وترضاه، وتعين عليه وتدعو له، وتسعى إلى نشره في الأرض، وهذا باطل وأمر قبيح، ولكن كثير جدًّا من النفوس تميل إليه، بسبب ماذا؟ بسبب انعدام الإيمان (وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآَخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ) (الأنعام: 113)؛ ليكتسبوا ما هم مكتسبون، لتكون نهايتهم، ولتكون عاقبتهم كما كانت عاقبة من قبلهم.
كذلك استحضر أن الله الذي يجعل هذا في النهاية لا شيء، يجعله مطموسًا عليه، فلا يثمر الثمرة التي رجاها أصحابه منه، هان عليه أمرهم؛ ولذا دعا موسى -عليه السلام- ربَّه أن يطمس على أموال آل فرعون، قال: (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ) (يونس:88)، ومضى زمن، بعض أهل العلم من أهل التفسير يقول: "بين الدعوة وبين الإجابة أربعون سنة"، فالله أعلم كم كان الوقت؟! ولكن الدعوة أجيبت، ولا يعني ذلك أن تجاب في نفس اللحظة، فالدعوة المجابة يمكن أن تبقى مدة لا يرى الناس إجابتها في الواقع إلى أن يأذن الله -سبحانه وتعالى-؛ لأن كل شيء بمقدار (قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ) (يونس:89).
كذلك الاستقامة على أمر الله هي من أعظم ما يعين على الثبات على دين الله، وعدم متابعة سبيل الذين لا يعلمون، وعدم متابعة الكفرة، والظلمة والمنافقين والفسقة؛ فكل هؤلاء لا يعلمون، وبالأولى أنك لا تكون من الذين لا يعلمون، فإذا كنت قد نُهِيت عن اتباع سبيلهم، فمن باب أولى ألا تكون منهم، فذلك العلم من أعظم ما يعين على الثبات على دين الله -سبحانه وتعالى-، أن تكون على علم؛ لأنك إذا علمت الحق وأيقنت بوعد الله -سبحانه وتعالى- فإنك لن تعبأ بما تراه من مقدمات وبدايات.
هذا هو الدرس الأول والفائدة الأولى، أن تستحضر أن الأمور بمقادير؛ أن تشهد قضاء الله -عز وجل- وقدره، وأن الملك لله -سبحانه-، وأنه يفعل ما يشاء، وأن الأمور كلها بيده، (هُوَ الَّذِي جَعَلَ) تكرر هذا في القرآن كثيرًا.
قال -تعالى-: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا) (الفرقان:31)، فالله -عز وجل- جعل المجرمين يدبِّرون الإضلال، ومع ذلك فكفى بالله هاديًا، والمؤمنون لا يجدون أي سبيل للنصرة من الناس في الأرض، والله كفى به نصيرًا (وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا).
كما أنه -سبحانه وتعالى- الذي يجعل أئمة الهدى، فأنت إذا نظرت إلى مِنَّة الله -عز وجل- عليك أن جعلك مؤمنًا مسلمًا، وترجو أن تكون محسنًا في ظروف وفي أحوال، أكثر أهل الأرض فيها قد ضلوا عن سبيل الله، فذلك مِنَّة من الله -سبحانه وتعالى- عليك، فهو -عز وجل- الذي جعلك كذلك، فاشهد مِنَّته وفضله العظيم.
ووالله إنه لفضل عظيم أن يصطفيك الله -سبحانه وتعالى- لدينه وسط هذا الركام الهائل، وسط هذه الضلالات والمنكرات والمفاسد، فيجعلك ملتزمًا بطاعته؛ اختارك الله من بين ملايين البشر لتكون مسلمًا، وقد جعل غيرك يعبدون البقر، ويعبدون الشياطين، ويعبدون الأوثان، ويعبدون البشر، وينسبون إلى الله الصاحبة والولد، ويفعلون ويفعلون، انظر إلى ما اجتباك الله به: (هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ) (الحج:78).
مِنَّة من الله أن سمَّاك مسلمًا قبل أن تُولَد، وكتبك في اللوح المحفوظ مؤمنًا مسلمًا متابعًا لنبيه -عليه الصلاة والسلام- قبل أن يصدر منك شيء، وقبل أن توجد الأرض بمن فيها، فإن الله كتب في الذكر كل شيء، وكتب مقادير الخلائق قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، فإذا نظرت إلى هذا رأيت مِنَّة الله عليك.
وإذا كنت ممَّن رفع الله همته أكثر فجعله يعمل من أجل الإسلام؛ فهذا -والله- لهو الشرف، فإذا كنت تعمل بالإسلام، وإذا كنت ملتزمًا بالدين في وسط الملايين من الكفرة والمنافقين، بل آلاف الملايين من البشر؛ فذلك شرف عظيم لك.
فإذا أضفتَ إلى ذلك -وهي في الحقيقة من ضمن العمل بالإسلام-: أن تعمل من أجل إعلاء كلمة الله، وتدعو إليه، وتسعى لتكون كلمة الله هي العليا؛ فهذا شرف وكرم من الله -تعالى- عليك أعظم.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 15-01-2024, 11:00 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: استعينوا بالله واصبروا

استعينوا بالله واصبروا (3)



من تراث الدعوة حول القضية الفلسطينية

كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فأمر مهم ينبغي أن نتفكر فيه، هل الذي جعله الله -سبحانه وتعالى- ينصر الدين في وسط إشراقه وانتصاره أفضل، أمَّن جعله الله -سبحانه وتعالى- ينصر الدين في وسط إظلام الدنيا وإدبارها وابتعاد الناس عن الدين؟!
لماذا سبق السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار؟
لأنهم التزموا حينما كانت الدنيا ظلامًا.
لأنهم التزموا حينما كان أكثر أهل الأرض ليسوا على الإيمان، ولا يعمل أحد لأجل إعلاء كلمة الله في الأرض، وإنما بقي على دين الأنبياء قِلَّة، لكنها اكتفت أن تعبد الله في الصوامع والبيع.
انظر... شرف عظيم للسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار؛ لأنهم سبقوا إلى الله في الدلجة، عندما كانت الدنيا مظلمة، فسبقهم لا يصل إليه أحدٌ؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- جعلهم هم على الإسلام في وقت كانت الأرض فيه كلها ظلام، وكل من شابههم في جزء من صفاتهم كان له نصيب من ثوابهم.
فعندما يتسمى الناس بالإسلام -والحمد لله على ذلك- دون أن يعمل به أكثرهم أو من أجله، ثم يجعلك الله -سبحانه وتعالى- تلتزم به وتدعو إليه في هذه الظروف؛ فذلك لأن الله ـسبحانه وتعالى- اجتباك لذلك واصطفاك وشرفك بأن تعمل للدِّين في أحلك الظروف، فإذا شاهدت قضاء الله وقدره وشهدت منته وفضله لم تعجب بنفسك، ولم تصب بالكبر والغرور، ولم تنسب الفضل إلى نفس جاهلة ظالمة، بل إن الله -سبحانه وتعالى- هو الذي مَنَّ عليك بالإسلام والإيمان، إن كنت صادقاً فلا تمنَّ على أحدٍ بطاعتك وعملك وإسلامك، (بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (الحجرات:17).
فإذا شهدت قضاء الله وقدره فيمن يخالف الإسلام، وشهدت قضاء الله وقدره فيمن يطيع الله -سبحانه وتعالى-، وتعبدت الله بمقتضى ذلك من شهود فضله وشهود ملكه، وأنه -سبحانه وتعالى- هو الذي بيده الأمر كله، وله الحمد كله وبيده الخير كله -سبحانه وتعالى-، وإذا علمت أن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، وشهدت ذلك؛ شكرت نعمة الله -سبحانه وتعالى- عليك.
ثم هذا الشهود لقضاء الله وقدره وملكه وسلطانه وربوبيته، هو الذي يجعلك تنتقل إلى مشهد الاستعانة، حيث طلب العون من الله وحده لا شريك له، وهو من أشرف المقامات في مراتب العبودية، وهي إحدى العبادات، ولكن ذكرت هذه العبادة مؤكدة بعد دخولها في عموم (إِيَّاكَ نَعْبُدُ)، فأمرنا الله -سبحانه وتعالى- أن نقول: (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)، مع أن الاستعانة عبادة لله -سبحانه وتعالى-؛ لأنه بدونها لا تتم العبادة، لأنه بدون الاستعانة بالله وبدون توفيقه لا تكون العبودية له -سبحانه-، استعينوا بالله... ومن أين تحصل هذه الاستعانة؟ من شهود أن الأمر بيد الله، وأن الملك ملكه، وأن الخلق كلهم نواصيهم بيده.
اسمع إلى قول المستعين حقًّا بالله -سبحانه وتعالى- من أنبياء الله -عز وجل-، وكيف كان موقفهم ممن يمكرون بهم؟ اسمع إلى قول الله -عز وجل- عن نوح -عليه السلام- فيما ذكر عنه فيما قال لقومه أنه قال: (يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآَيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلاَ تُنْظِرُونِ) (يونس:71)، لا يقول لهم: كفوا عني أو ابتعدوا عني ولا تؤذوني، وإنما يقول لهم: أجمعوا كل ما عندكم أنتم وشركاؤكم، وكيدونِ بكلِّ ما تقدرون عليه من كيد، ولا تؤخروني لحظة، (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً)، لا تترددوا (ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلاَ تُنْظِرُونِ)؛ لأنه توكل على الله -عز وجل، سبحانه وتعالى-.
وقال هود -عليه السلام- مثلها حين قال قومه له: (إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آَلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنْظِرُونِ) (هود:54-55)، (كِيدُونِي) أي: اجتمعوا على كيدي، (ثُمَّ لاَ تُنْظِرُونِ) أي: لا تؤخروني ولا تعطوني مهلة، لماذا؟ (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ).
سبحان الله! هذا القدر العظيم من التوكل على الله والاستعانة بالله جعله يحثهم -استهتارًا بمكرهم واستهانة بملكهم وتخطيطهم- على أن يكيدوا له، وأن يجتمعوا على ذلك؛ لأنه متوكل على مَن الخلق كلهم نواصيهم بيده (مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا).
كان يدعو النبي -صلى الله عليه وسلم- بمثل ذلك كل ليلة، عندما يقول قبل أن ينام: (اللهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ وَرَبَّ الْأَرْضِ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى، وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، اللهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ، وَأَغْنِنَا مِنَ الْفَقْرِ) (رواه مسلم).
وبذلك نقول: إن الاستعانة تحصل في قلب العبد إذا استشعر أن الله هو الذي بيده نواصي الخلق، أمورهم كلها بيده، وكذلك إذا استحضر أنه ملك لله يفعل به ما يريد، وهو مطلوب منه أن يفعل ما أمر به من العبادة؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ -رضي الله عنه-: (يَا مُعَاذُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ. أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ: لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ ‌أَعِنِّي ‌عَلَى ‌ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني)، فأنت تستعين بالله على أن تظل ثابتًا، وعلى أن تظل عابدًا شاكرًا (‌أَعِنِّي ‌عَلَى ‌ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ).
وقد طلب موسى -عليه السلام- المؤازرة بهارون، لكي يسبحا كثيرًا، فقال: (وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي . هَارُونَ أَخِي . اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي . وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي . كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا . وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا . إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا . قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى) (طه: 29-36).
فالاستعانة بالله -عز وجل- تنبع من شهود أن الأمر بيده، من شهود القضاء والقدر، ومرتبة الاستعانة -أي طلب العون من الله- إنما هي استعانة على عبادته -سبحانه وتعالى-، والله -عز وجل- جعل الناس في هذه المنزلة مراتب وأنواعًا، فمنهم مَن يستعين بالله -سبحانه وتعالى- على قضاء مصالحه الدنيوية فهو يتوكل على الله في أمر الرزق، وفي أمر الأولاد، وفي أمر الوظيفة، وفي أمر العمل، وغير ذلك، وهذا وإن كان حسنًا؛ إلا أنه ليس فقط هو المطلوب.
وكثير من الناس يستعين بالله -عز وجل- ويدعوه لنيل المحرم -والعياذ بالله-؛ فهو يتوجه إلى الله وليس في باله أن يطيع الله -عز وجل-!
وربما وجدت مَن يخرج لأكل الربا، يقول: "توكلت على الله"، ونجده فعلًا يسأل الله التوفيق في هذا العمل؛ لأنه حصل له الجهل المركب -والعياذ بالله-، ولم يعبأ بأن يبحث عن الشرع، ولم يتعلم شرع الله -سبحانه وتعالى-، ولذلك ظن الجاهل أنه يتوكل على الله لنيل معصية، وربما حصل له ذلك.
وإبليس لم يتوجه لغير الله لطلب المد في عمره، قال: (رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (ص 79)، مَن سأل؟ سأل الله -سبحانه وتعالى-، وأعطاه الله ما سأل -والعياذ بالله-.
لماذا سأل إبليس ربه ذلك؟
لكي يستعين بهذا العمر الطويل على إضلال الناس، وعلى محاربة الله، فيا للعجب!
أيظن أن الله لا يدري، ولا يعلم ما في نفسه حتى كتم هذا الأمر إلى أن تأكد أن الله أنظره، فقال: (فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ . إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) (ص 82-83)؟! لكنها نوعية عجيبة، ونوعية من المخلوقات غريبة، تستعين بالله على الكفر به ومعاداته ومعصيته، وتطلب منه وتستعين به على ذلك، نوعية غريبة، لكنها موجودة بالفعل ولا تسغربها.
وأعلى الناس قدرًا في أمر الاستعانة هو مَن يستعين بالله على عبادته، على طاعته؛ لأنه يعلم أنه لا يقدر على الطاعة إلا بتوفيق الله -سبحانه وتعالى-.
فالله -سبحانه وتعالى- يحب مَن يذكره، فهذا الأمر الأول: (اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ) (الأعراف: 128)، أما الأمر الثاني: (وَاصْبِرُوا) (الأعراف: 128).
فتأمل معي في حال مَن يحاربون المسلمين بالفعل في كلِّ المشارق والمغارب؛ ألا يصيبهم من الجراح، والقتل والمتاعب والشقاء؟!
بلى، يصيبهم ذلك كثيرًا من الجراح والقتل، والأمراض والبلاء، ومع ذلك هم على ما هم عليه صابرون، فهناك مَن يصيبه ذلك وهو في إثم في عاقبته، وهناك مَن تسلب صحته جزاء إفراطه في ظلم الناس ويبدل بها ضعفًا.
فهذا أخ من الأخوة بالأمس يحكي لي: إنه كان من شهرين أو من شهر ونصف في كمال القوة والعافية، وكان من عادته أن يظلم كثيرًا من الناس، فيقول: مررتُ به الأسبوع الماضي وقد أصيب بورم -يعنى سرطاني- فأخذت حنجرته كلها وأصبح في هزال شديد، من شهر ونصف فقط.
وهناك مَن يجيء له الألم بسبب طاعة الله -سبحانه وتعالى-، وهذا في الحقيقة ألم له مرارة، ولكن حلاوة الطاعة أذابته.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 23-01-2024, 10:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: استعينوا بالله واصبروا

استعينوا بالله واصبروا (4)



من تراث الدعوة حول القضية الفلسطينية

كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فإن أنواع الصبر الثلاثة: الصبر على الطاعة، والصبر عن المعصية، والصبر على أقدار الله المؤلمة، مجتمعة فيمَن يطيع الله -سبحانه وتعالى- في وقت الشدة، لماذا؟ لأنك أثناء الشدة تحتاج إلى صبر شديد، الكل يريد أن يبعدك عن الطاعة، ويقول: ابتعد عن هذه الطاعة كي تسير حياتك بسهولة!
لا والله، الحياة لا تسير بسهولة بغير طاعة الله، وإن ظنَّ الناس أنهم يعيشون حياة سهلة، فانظر إلى متاعب الناس الذين ابتعدوا عن الإسلام، وابتعدوا عن الدين، هل يعيشون حياة سهلة أم ضنكًا؟!
والله إنها حياة ضنكٍ وشقاء بأنواعه، حتى الأغنياء وحتى الملوك والرؤساء والكبراء، وحتى السادة المبرزون المشهورون، فإن حياة الضنك تحيط بهم كما توعد الله فقال: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى . وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى . قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا . قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى) (طه:123-126)، ولو لم يكونوا في ضنك فلماذا يشربون الخمر؟! ولماذا يستعملون المخدرات؟! ولماذا يريدون أن يسيحوا في الأرض وينطلقوا بحثًا عن اللذات؟ لو أن الإنسان كان سعيدًا؛ فلماذا يبحث عن أسباب أقوى للمتعة؟! لماذا يغيب عقله؟!
ثم ننتقل بعد ذلك إلى مقام الصبر -الصبر بأنواعه الثلاثة- وهي مجتمعة فيمَن يطيع الله، في فترات الشدة والمحن، وهي مجتمعة بالفعل؛ لأن الصبر صبر على الطاعات: وهو أعلى أنواع الصبر، وصبر عن المعاصي: وهو حبس النفس عنها، وصبر على أقدار الله المؤلمة، والإنسان تصيبه أشياء مؤلمة.
على أي الأحوال لا تخلو الحياة من ألم؛ منذ نزل آدم -عليه السلام- والإنسان يشقى، الدنيا فيها ضنك، لا بد من وجود ألم في الدنيا، ولكن من الناس من يجري عليه الألم وهو في معصية الله، وهناك من يجري عليه الألم بغير طاعة ولا معصية، بل مصيبة تصيبه، وهناك من يجري عليه الألم من الكفار وهم في الكفر -والعياذ بالله-.
أما الصبر عن المعاصي فالكل يدعوك إلى المعاصي، وانتشار الفساد يجعل المعصية سهلة، يجعل المعاصي في متناول كل إنسان، إذا أراد شاب مثلًا: أن ينال من فتاة شيئًا أيصعب عليه ذلك في وسط هذا الكم الهائل من التسيب والانحلال والإباحية؟ ولذلك فالصبر في هذا المقام أعظم من الصبر عن هذه المعصية في مجتمع مسلم كل الفتيات فيه محجبات، والرجال فيه -رجال- يمنعون نساءهم من الاختلاط المحرم الفاسد، ويمنعون بناتهم وأخواتهم من ذلك، المجتمع كله يذم من يزني، ويذم من ينظر، ويذم من يعاكس، ويتوعده بالعقاب؛ أي الصبرين أعظم؟!
مع ما يوجد في المجتمع المسلم وهو مأمور بالصبر وكان ثوابه عظيمًا؛ فكيف في وسط الفساد المنتشر في الأرض، المبثوث في كل مكان، الذي يسهل معه أن ينال ما يريد إذا لم يكن يتقي الله -سبحانه وتعالى-.
أما الصبر على أقدار الله المؤلمة فإنما يصيبه بسبب طاعته؛ لأنه يتوعد ويخوف (وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) (الزمر:36)، وقد يصيبه في ذلك فيحتسب عند الله -سبحانه وتعالى-، ويصبر ويكون بذلك قد حصل أعظم أنواع الصبر.
استعينوا بالله واصبروا: هذه الكلمة الخالدة التي يحتاجها كل مسلم عبر التاريخ ثم يورث الله -سبحانه وتعالى- الأرض لعباده المتقين، قال -تعالى-: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ) (السجدة:24).
اليقين بوعد الله -سبحانه وتعالى- والصبر على دينه في فترات الشدائد؛ كل ذلك من أعظم الواجبات، عندما يقال لك ما قيل للرسل من قبل، عندما تُقبِل على الالتزام بطاعة الله -سبحانه وتعالى- يكون اليقين بوعد الله من أعظم مقامات العبادة، والإيمان أن توقن أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، توقن أن العاقبة للمتقين، لا تغتر بما يرى من بداية ترى فيها الموازين لصالح الكفر، وترى القوى في العالم بأسره بأيدي المشركين، والله إن ذلك اختبار لك لكي تستحضر ما أخبر الله -سبحانه وتعالى- به من أن المؤمنين هم المنتصرون، وتتذكر ذلك لتزداد يقينًا بوعد الله؛ هذه الآية الكريمة من المبشِّرات: (إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (الأعراف:128).
قال -عز وجل- في معنى هذه الآية آيات كثيرة لكي نستيقن بوعد الله -سبحانه وتعالى-، قال -عز وجل-: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ) (الأنبياء:105- 106)، (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ) أي: في جنس الكتب المنزلة على الأنبياء وهي: الكتب التي تزبر -أي تكتب- (مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ) أي: من بعد كتابه ذلك في اللوح المحفوظ (أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ)، العبادة والصلاح وصف الوارثين للأرض.
إذًا حقق الصلاح واجتهد في العبودية لكي تكون ممَّن يرث الأرض كما قال بعدها: (إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ)، إذًا نحتاج في هذا المقام إلى الاجتهاد في العبادة، وإلى أن نكثر من الصلاة والصيام والدعاء والتضرع إلى الله -سبحانه وتعالى- وخصوصًا إذا خوفت كما قال -عز وجل-: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (آل عمران:173- 175).
لذلك أنت تحتاج إلى تتبع رضوان الله، افعل ما يرضي الله... أكثر من الطاعة... أكثر من العبادة، ومن الذكر ومن الدعاء؛ فإن ذلك من أعظم ما يعينك على الثبات على دين الله -سبحانه وتعالى-.
ومِن أعظم ما يحتاج إليه المؤمن: أن يكون مع إخوانه في الله، يوثق علاقته بهم، ويتعاون معهم على نصرة الدين وإقامة شرع الله، ولا يبتعد عنهم.
فمجتمعنا الذي كان في يوم من الأيام مجتمعًا مثاليًّا يعيش الناس فيه بالإسلام وللإسلام؛ ينجو بأفراده وجماعاته لا يعبأ بالفتن، ولا تنال منه المحن، ولا تستميله الشهوات، ولا تضله الشبهات، ابتَعد شيئًا فشيئًا عن حقيقة الالتزام بدين الله ولم يبقَ منه على الخير إلا بقية قليلة لاذوا بقوارب النجاة وتحصنوا بالدعوة إلى الله وملازمة المساجد، ومصاحبة أهل الخير ممَّن يدعون إلى إقامة دين الله، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر بحكمة وبصيرة، وهؤلاء هم الأحياء -أحياء القلوب- الذين نجوا بسفينة السُّنَّة، وفطنوا لشراك البدعة فأفلتوا منها.
نحن كنا كركاب سفينة كبيرة، ولكنها غرقت وبقيت لنا قوارب نجاة يجتمع فيها بعض مَن يلتمس النجاة، وأسماك القرش في البحر المتلاطم الأمواج تحيط بقوارب النجاة من كلِّ جانب وتنهش في جوانبه، وهي ليست كالسفينة شديدة محكمة، بل هي مطاطية؛ أسماك القرش ربما تأخذها من جوانبه وتفزع كل من فيها، ومع ذلك أتظنون عاقلًا يقول: أسماك القرش تحيط بالقارب وأنا أريد إنقاذ نفسي، سوف ألقي بنفسي في البحر، أيكون عاقلًا هذا الذي يلقي بنفسه وسط الأسماك ويترك قارب النجاة الوحيد؟! لا شك أنه هالك قبلهم، وأسماك القرش تفعل ذلك لكي يلقي الناس أنفسهم إليها لكي يأكلوهم أكلًا، وأما العاقل فهو يسعى إلى سدِّ ثغرات القارب ونزح المياه التي تأتي عليه من البحر.
ولا شك أن أمواج الفتن عالية ورياحها عاتية، والأخطار محدقة، ونذر الهلاك كثيرة، لكن لا بد أن نتعاون على حفظ هذا القارب.
المجتمع الذي كان في يوم من الأيام مجتمعًا مثاليًّا يعيش الناس فيه بالإسلام وللإسلام منذ مئات السنين غرق تدريجيًّا إلى أن صار بعيدًا عن حقيقة الالتزام بالإسلام، وبقيت فيه قوارب النجاة، وهي مَن يدعو إلى الله -عز وجل- ويلتزم من أهل المساجد ومن أهل الخير، وممَّن يدعون إلى إقامة دين الله؛ فهذه قوارب النجاة، أما أسماك القرش حولك -وهي أهل الفتن- الذين يقولون لك: "ابتعد عن هؤلاء لكي تطمئن!"؛ لماذا هم المقصودون؟ لأنهم هم الباقون؛ لأن الآخرين قد غرقوا، لا يريد أحد أن يبحث عن هؤلاء الموتى، وإنما يريدون هؤلاء الأحياء -أحياء القلوب-؛ لذلك الخطر كل الخطر أن تذهب بنفسك إلى أمواج الفتن، وأن تبتعد عن أسباب طاعة الله -سبحانه وتعالى-؛ هذه أمور لا بد أن تكون على بينة منها لكي تثبُت على دين الله -سبحانه وتعالى-، وكي تستمر على طريق الهداية، رغم كل أنواع المعوقات والعقبات التي تموج بنا في الطريق.
وكذلك وصية أخرى نختم بها كلامنا: أعظم ما يحيي القلب هو ما أنزله الله روحًا من عنده؛ "كتاب الله -سبحانه وتعالى-"، الذي لا بد أن نستمد منه الحياة، قال الله -تعالى-: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ . صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلاَ إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ) (الشورى:52، 53).
ولا أعني بذلك مجرد تصحيح اللسان، وحفظ الحروف والكلمات -وإن كان ذلك هو الخطوة الأولى اللازمة-، ولكن لا بد بعدها من التدبر وإمرار الآيات على القلوب: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ) (ص:29)، وليكن تصحيحك للحروف والكلمات وسيلة إلى تدبر قلبك لها، كما قال أبو موسى الأشعري -رضي الله عنه- للنبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَوْ عَلِمْتُ مَكَانَكَ ‌لَحَبَّرْتُهُ لَكَ تَحْبِيرًا) (رواه البخاري ومسلم، وابن حبان واللفظ له)، أي: لزينتُ لك القرآن بصوتي تزيينًا، وأنت تريد بتصحيح الكلمات والحروف أن تتفهم القرآن أكثر؛ لأن مَن لا يحسن القراءة ربما يفوت على نفسه خيرًا كثيرًا من التدبر في القراءة؛ بسبب عدم إتقانه للقراءة.
فنصيحتي إلى إخواني وأبنائي الشباب... أن يستغلوا هذه الفرصة، فأنت في مرحلة يمكنك أن تحفظ، ولكن كما ذكرتُ لا يكون همك أنهم سيقولون عنك: إنك متقن أو ستُعطى إجازة تفخر بها وتعلِّقها على الجدران، أو تعمل بها في أوقات تحتاج إلى العمل فيها.
ولكن اجعل ذلك وسيلة إلى الغاية المقصودة، فإنما أنزله الله القرآن للتدبر: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ) (ص: 29)، نسأل الله -عز وجل- أن يجعلنا منهم، وأن يثبِّت قلوبنا على دينه.
اللهم يا مصرِّف القلوب صرِّف قلوبنا على طاعتك، واجعلنا من عبادك المخلصين.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 123.69 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 119.50 كيلو بايت... تم توفير 4.20 كيلو بايت...بمعدل (3.39%)]