تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد - الصفحة 46 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         عقد مودة ورحمة بين زوجين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          16طريقة تجلب بها البركة لبيتك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          ألا تشعرين بالحر ؟! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          المرأة عند الإغريق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          القاضي الفارس الفرج بن كنانة وأسد بن الفرات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          مجموع الأثبات الحديثية لآل الكزبري الدمشقيين وسيرهم وإجازاتهم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          من مواعظ الإمام سفيان الثوري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          أولادنا... هل نستوعبهم؟! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          الشَّبَابُ وَرَمَضَان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          هل في الشر خير؟ دروس من قصة الإفك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 20 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #451  
قديم 03-05-2023, 07:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,965
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ النِّسَاءُ
الحلقة (451)
صــ 511إلى صــ 525



[ ص: 511 ] [ ص: 512 ] [ ص: 513 ] ( الْقَوْلُ فِي تَفْسِيرِ السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا النِّسَاءُ ) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رَبِّ يَسِّرِ

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ )

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : يَعْنِي بِقَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ " ، احْذَرُوا ، أَيُّهَا النَّاسُ ، رَبَّكُمْ فِي أَنْ تُخَالِفُوهُ فِيمَا أَمَرَكُمْ وَفِيمَا نَهَاكُمْ ، فَيَحِلُّ بِكُمْ مِنْ عُقُوبَتِهِ مَا لَا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ .

ثُمَّ وَصَفَ تَعَالَى ذِكْرُهُ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ الْمُتَوَحِّدُ بِخَلْقِ جَمِيعِ الْأَنَامِ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ ، مُعَرِّفًا عِبَادَهُ كَيْفَ كَانَ مُبْتَدَأُ إِنْشَائِهِ ذَلِكَ مِنَ النَّفْسِ الْوَاحِدَةِ ، وَمُنَبِّهَهُمْ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ جَمِيعَهُمْ بَنُو رَجُلٍ وَاحِدٍ وَأُمٍّ وَاحِدَةٍ وَأَنَّ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ ، وَأَنَّ حَقَّ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ وَاجِبٌ وُجُوبَ حَقِّ الْأَخِ عَلَى أَخِيهِ ، لِاجْتِمَاعِهِمْ فِي النَّسَبِ إِلَى أَبٍ وَاحِدٍ وَأُمٍّ وَاحِدَةٍ وَأَنَّ الَّذِي يَلْزَمُهُمْ مِنْ رِعَايَةِ بَعْضِهِمْ حَقَّ بَعْضٍ ، وَإِنْ بَعُدَ التَّلَاقِي فِي النَّسَبِ إِلَى الْأَبِ الْجَامِعِ بَيْنَهُمْ ، مِثْلَ الَّذِي يَلْزَمُهُمْ مِنْ ذَلِكَ فِي النَّسَبِ [ ص: 514 ] الْأَدْنَى وَعَاطِفًا بِذَلِكَ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ، لِيَتَنَاصَفُوا وَلَا يَتَظَالَمُوا ، وَلِيَبْذُلَ الْقَوِيُّ مِنْ نَفْسِهِ لِلضَّعِيفِ حَقَّهُ بِالْمَعْرُوفِ عَلَى مَا أَلْزَمَهُ اللَّهُ لَهُ ، فَقَالَ : " الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ " ، يَعْنِي : مِنْ آدَمَ ، كَمَا : -

8400 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ ، عَنِ السُّدِّيِّ : أَمَّا" خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ " ، فَمِنْ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ .

8401 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيدٌ ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ " ، يَعْنِي آدَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ .

8402 - حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ رَجُلٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ : " خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ " ، قَالَ : آدَمَ .

وَنَظِيرُ قَوْلِهِ : " مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ " ، وَالْمَعْنِيُّ بِهِ رَجُلٌ ، قَوْلُ الشَّاعِرِ .


أَبُوكَ خَلِيفَةٌ وَلَدَتْهُ أُخْرَى وَأَنْتَ خَلِيفَةٌ ، ذَاكَ الْكَمَالُ


فَقَالَ : "وَلَدَتْهُ أُخْرَى" ، وَهُوَ يُرِيدُ"الرَّجُلَ" ، فَأُنِّثَ لِلَفْظِ"الْخَلِيفَةِ" . وَقَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ : "مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ" لِتَأْنِيثِ"النَّفْسِ" ، وَالْمَعْنَى : مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ . وَلَوْ قِيلَ : "مِنْ نَفْسٍ وَاحِدٍ" ، وَأُخْرِجَ اللَّفْظُ عَلَى التَّذْكِيرِ لِلْمَعْنَى ، كَانَ صَوَابًا .
[ ص: 515 ] القول في تأويل قوله جل ثناؤه ( وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : " وخلق منها زوجها " ، وخلق من النفس الواحدة زوجها يعني ب"الزوج" ، الثاني لها . وهو فيما قال أهل التأويل ، امرأتها حواء .

ذكر من قال ذلك :

8403 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " وخلق منها زوجها " ، قال : حواء ، من قصيري آدم وهو نائم ، فاستيقظ فقال : "أثا" بالنبطية ، امرأة .

8404 - حدثنا المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

8405 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " وخلق منها زوجها " ، يعني حواء ، خلقت من آدم ، من ضلع من أضلاعه .

8406 - حدثني موسى بن هارون قال : أخبرنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : أسكن آدم الجنة ، فكان يمشي فيها وحشا ليس له زوج يسكن إليها . فنام نومة ، فاستيقظ ، فإذا عند رأسه امرأة قاعدة ، خلقها [ ص: 516 ] الله من ضلعه ، فسألها ما أنت؟ قالت : امرأة . قال : ولم خلقت؟ قالت : لتسكن إلي .

8407 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : ألقي على آدم صلى الله عليه وسلم السنة - فيما بلغنا عن أهل الكتاب من أهل التوراة وغيرهم من أهل العلم ، عن عبد الله بن العباس وغيره - ثم أخذ ضلعا من أضلاعه ، من شقه الأيسر ، ولأم مكانه ، وآدم نائم لم يهب من نومته ، حتى خلق الله تبارك وتعالى من ضلعه تلك زوجته حواء ، فسواها امرأة ليسكن إليها ، فلما كشفت عنه السنة وهب من نومته ، رآها إلى جنبه ، فقال - فيما يزعمون ، والله أعلم - : لحمي ودمي وزوجتي! فسكن إليها .

8408 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " وخلق منها زوجها " . جعل من آدم حواء .

وأما قوله : " وبث منهما رجالا كثيرا ونساء " ، فإنه يعني : ونشر منهما ، يعني من آدم وحواء " رجالا كثيرا ونساء " ، قد رآهم ، كما قال جل ثناؤه : ( كالفراش المبثوث ) [ سورة القارعة : 4 ] .

يقال منه : "بث الله الخلق ، وأبثهم" .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . [ ص: 517 ]

ذكر من قال ذلك :

8409 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " وبث منهما رجالا كثيرا ونساء " ، وبث ، خلق .
القول في تأويل قوله جل ثناؤه ( واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام )

قال أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة ذلك .

فقرأه عامة قرأة أهل المدينة والبصرة : "تساءلون" بالتشديد ، بمعنى : تتساءلون ، ثم أدغم إحدى"التاءين" في"السين" ، فجعلهما"سينا" مشددة .

وقرأه بعض قرأة الكوفة : "تساءلون" ، بالتخفيف ، على مثال"تفاعلون" ،

وهما قراءتان معروفتان ، ولغتان فصيحتان أعني التخفيف والتشديد في قوله : "تساءلون به" وبأي ذلك قرأ القارئ أصاب الصواب فيه . لأن معنى ذلك ، بأي وجهيه قرئ ، غير مختلف .

وأما تأويله : واتقوا الله ، أيها الناس ، الذي إذا سأل بعضكم بعضا سأل به ، فقال السائل للمسئول : "أسألك بالله ، وأنشدك بالله ، وأعزم عليك بالله" ، وما أشبه ذلك . يقول تعالى ذكره : فكما تعظمون ، أيها الناس ، ربكم بألسنتكم حتى تروا أن من أعطاكم عهده فأخفركموه ، فقد أتى عظيما . فكذلك فعظموه بطاعتكم إياه فيما أمركم ، [ ص: 518 ] واجتنابكم ما نهاكم عنه ، واحذروا عقابه من مخالفتكم إياه فيما أمركم به أو نهاكم عنه ، كما : -

8410 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله : " واتقوا الله الذي تساءلون به " ، قال يقول : اتقوا الله الذي تعاقدون وتعاهدون به .

8411 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : " واتقوا الله الذي تساءلون به " ، يقول : اتقوا الله الذي به تعاقدون وتعاهدون .

8412 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس مثله .

8413 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : أخبرنا حجاج ، عن ابن جريج قال : قال ابن عباس : " تساءلون به" ، قال : تعاطفون به .

وأما قوله : "والأرحام" ، فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله . فقال بعضهم : معناه : واتقوا الله الذي إذا سألتم بينكم قال السائل للمسئول : "أسألك به وبالرحم"

ذكر من قال ذلك :

8414 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام ، عن عمرو ، عن منصور ، عن إبراهيم : " واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام " ، يقول : اتقوا الله الذي تعاطفون به والأرحام . يقول : الرجل يسأل بالله وبالرحم .

8415 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم ، عن مغيرة ، عن إبراهيم قال : هو كقول الرجل : "أسألك بالله ، أسألك بالرحم" ، يعني قوله : " واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام " . [ ص: 519 ]

8416 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم : " واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام " ، قال يقول : "أسألك بالله وبالرحم" .

8417 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا هشيم ، عن مغيرة ، عن إبراهيم : هو كقول الرجل : "أسألك بالرحم" .

8418 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام " ، قال يقول : "أسألك بالله وبالرحم" .

8419 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحماني قال : حدثنا شريك ، عن منصور - أو مغيرة - عن إبراهيم في قوله : " واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام " ، قال : هو قول الرجل : "أسألك بالله والرحم" .

8420 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن معمر ، عن الحسن قال : هو قول الرجل : "أنشدك بالله والرحم" .

قال محمد : وعلى هذا التأويل قول بعض من قرأ قوله : " والأرحام" بالخفض عطفا ب"الأرحام" ، على"الهاء" التي في قوله : "به" ، كأنه أراد : واتقوا الله الذي تساءلون به وبالأرحام فعطف بظاهر على مكني مخفوض . وذلك غير فصيح من الكلام عند العرب ، لأنها لا تنسق بظاهر على مكني في الخفض ، [ ص: 520 ] إلا في ضرورة شعر ، وذلك لضيق الشعر . وأما الكلام ، فلا شيء يضطر المتكلم إلى اختيار المكروه من المنطق ، والرديء في الإعراب منه . ومما جاء في الشعر من رد ظاهر على مكني في حال الخفض ، قول الشاعر :


نعلق في مثل السواري سيوفنا وما بينها والكعب غوط نفانف


فعطف ب"الكعب" وهو ظاهر ، على"الهاء والألف" في قوله : "بينها" وهي مكنية .

وقال آخرون : تأويل ذلك : "واتقوا الله الذي تساءلون به ، واتقوا الأرحام أن تقطعوها . [ ص: 521 ]

ذكر من قال ذلك :

8421 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي في قوله : " واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام " ، يقول : اتقوا الله ، واتقوا الأرحام لا تقطعوها .

8422 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة : " واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا " ، ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : اتقوا الله ، وصلوا الأرحام ، فإنه أبقى لكم في الدنيا ، وخير لكم في الآخرة .

8423 - حدثني علي بن داود قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قول الله : " واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام " ، يقول : اتقوا الله الذي تساءلون به ، واتقوا الله في الأرحام فصلوها .

8424 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا هشيم ، عن منصور ، عن الحسن في قوله : " واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام " ، قال : اتقوا الذي تساءلون به ، واتقوه في الأرحام .

8425 - حدثنا سفيان قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن خصيف ، عن عكرمة في قول الله : " الذي تساءلون به والأرحام " ، قال : اتقوا الأرحام أن تقطعوها .

8426 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن الحسن في قوله : " واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام " ، قال : هو قول الرجل : "أنشدك بالله والرحم" .

8427 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : اتقوا الله ، وصلوا الأرحام . [ ص: 522 ]

8428 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " الذي تساءلون به والأرحام " ، قال : اتقوا الأرحام أن تقطعوها .

8429 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثني أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله : " الذي تساءلون به والأرحام " ، قال يقول : اتقوا الله في الأرحام فصلوها .

8430 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : " واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام " ، قال يقول : واتقوا الله في الأرحام فصلوها .

8431 - حدثنا المثنى قال : حدثنا إسحاق ، عن عبد الرحمن بن أبي حماد ، وأخبرنا أبو جعفر الخزاز ، عن جويبر ، عن الضحاك : أن ابن عباس كان يقرأ : " والأرحام" ، يقول : اتقوا الله لا تقطعوها .

8432 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال ابن عباس : اتقوا الأرحام .

8433 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قال : " واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام " ، أن تقطعوها .

8434 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " واتقوا الله الذي تساءلون به " ، واتقوا الأرحام أن تقطعوها وقرأ : ( والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ) [ سورة الرعد : 21 ] .

قال أبو جعفر : وعلى هذا التأويل قرأ ذلك من قرأه نصبا بمعنى : واتقوا الله الذي تساءلون به ، واتقوا الأرحام أن تقطعوها عطفا ب"الأرحام" ، في إعرابها بالنصب [ ص: 523 ] على اسم الله تعالى ذكره .

قال : والقراءة التي لا نستجيز لقارئ أن يقرأ غيرها في ذلك ، النصب : ( واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام ) ، بمعنى : واتقوا الأرحام أن تقطعوها ، لما قد بينا أن العرب لا تعطف بظاهر من الأسماء على مكني في حال الخفض ، إلا في ضرورة شعر ، على ما قد وصفت قبل .
القول في تأويل قوله ( إن الله كان عليكم رقيبا ( 1 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك تعالى ذكره : إن الله لم يزل عليكم رقيبا .

ويعني بقوله : "عليكم" ، على الناس الذين قال لهم جل ثناؤه : " يا أيها الناس اتقوا ربكم " ، والمخاطب والغائب إذا اجتمعا في الخبر ، فإن العرب تخرج الكلام على الخطاب ، فتقول : إذا خاطبت رجلا واحدا أو جماعة فعلت هي وآخرون غيب معهم فعلا"فعلتم كذا ، وصنعتم كذا" .

ويعني بقوله : " رقيبا" ، حفيظا ، محصيا عليكم أعمالكم ، متفقدا رعايتكم حرمة أرحامكم وصلتكم إياها ، وقطعكموها وتضييعكم حرمتها ، كما : -

8435 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " إن الله كان عليكم رقيبا " ، حفيظا .

8435 م - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : سمعت ابن زيد في قوله : " إن الله كان عليكم رقيبا " ، على أعمالكم ، يعلمها ويعرفها .

ومنه قول أبي دؤاد الإيادي :

[ ص: 524 ]
كمقاعد الرقباء للضرباء أيديهم نواهد

القول في تأويل قوله ( وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب )

قال أبو جعفر : يعني بذلك تعالى ذكره أوصياء اليتامى . يقول لهم : وأعطوا يا معشر أوصياء اليتامى : [ اليتامى ] أموالهم إذا هم بلغوا الحلم ، وأونس منهم الرشد [ ص: 525 ] "ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب" ، يقول : ولا تستبدلوا الحرام عليكم من أموالهم بأموالكم الحلال لكم ، كما : -

8436 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله تعالى : " ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب" ، قال : الحلال بالحرام .

8437 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

8438 - حدثني سفيان قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : " ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب " ، قال : الحرام مكان الحلال .

قال أبو جعفر : ثم اختلف أهل التأويل في صفة تبديلهم الخبيث كان بالطيب ، الذي نهوا عنه ، ومعناه .

فقال بعضهم : كان أوصياء اليتامى يأخذون الجيد من ماله والرفيع منه ، ويجعلون مكانه لليتيم الرديء والخسيس ، فذلك تبديلهم الذي نهاهم الله تعالى عنه .

ذكر من قال ذلك :

8439 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن مغيرة ، عن إبراهيم : " ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب " ، قال : لا تعط زيفا وتأخذ جيدا .

8440 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن السدي وعن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب ومعمر عن الزهري ، قالوا : يعطي مهزولا ويأخذ سمينا .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #452  
قديم 03-05-2023, 08:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,965
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ النِّسَاءُ
الحلقة (452)
صــ 526إلى صــ 540





8441 - وبه عن سفيان ، عن رجل ، عن الضحاك قال : لا تعط فاسدا ، وتأخذ جيدا . [ ص: 526 ]

8442 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب " ، كان أحدهم يأخذ الشاة السمينة من غنم اليتيم ويجعل مكانها الشاة المهزولة ، ويقول : "شاة بشاة"! ويأخذ الدرهم الجيد ويطرح مكانه الزيف ، ويقول : "درهم بدرهم"!!

وقال آخرون : معنى ذلك : لا تستعجل الرزق الحرام فتأكله قبل أن يأتيك الذي قدر لك من الحلال .

ذكر من قال ذلك :

8443 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب " ، قال : لا تعجل بالرزق الحرام قبل أن يأتيك الحلال الذي قدر لك .

8444 - وبه عن سفيان ، عن إسماعيل ، عن أبي صالح مثله .

وقال آخرون : معنى ذلك ، كالذي : -

8445 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب " ، قال : كان أهل الجاهلية لا يورثون النساء ولا يورثون الصغار ، يأخذه الأكبر وقرأ ( وترغبون أن تنكحوهن ) قال : إذا لم يكن لهم شيء : ( والمستضعفين من الولدان ) [ سورة النساء : 127 ] ، لا يورثونهم . قال : فنصيبه من الميراث طيب ، وهذا الذي أخذه خبيث .

قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية ، قول من قال : تأويل ذلك : ولا تتبدلوا أموال أيتامكم - أيها الأوصياء - الحرام عليكم الخبيث لكم ، [ ص: 527 ] فتأخذوا رفائعها وخيارها وجيادها . بالطيب الحلال لكم من أموالكم [ أي لا تأخذوا ] الرديء الخسيس بدلا منه .

وذلك أن"تبدل الشيء بالشيء" في كلام العرب : أخذ شيء مكان آخر غيره ، يعطيه المأخوذ منه أو يجعله مكان الذي أخذ .

فإذ كان ذلك معنى"التبدل" و"الاستبدال" ، فمعلوم أن الذي قاله ابن زيد من أن معنى ذلك : هو أخذ أكبر ولد الميت جميع مال ميته ووالده ، دون صغارهم ، إلى ماله - قول لا معنى له . لأنه إذا أخذ الأكبر من ولده جميع ماله دون الأصاغر منهم ، فلم يستبدل مما أخذ شيئا . فما"التبدل" الذي قال جل ثناؤه : " ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب " ، ولم يتبدل الآخذ مكان المأخوذ بدلا؟

وأما الذي قاله مجاهد وأبو صالح من أن معنى ذلك : لا تتعجل الرزق الحرام قبل مجيء الحلال فإنهما أيضا ، إن لم يكونا أرادا بذلك نحو القول الذي روي عن ابن مسعود أنه قال : "إن الرجل ليحرم الرزق بالمعصية يأتيها" ، ففساده نظير فساد قول ابن زيد . لأن من استعجل الحرام فأكله ، ثم آتاه الله رزقه الحلال ، فلم يبدل شيئا مكان شيء . وإن كانا قد أرادا بذلك ، أن الله جل ثناؤه نهى عباده أن يستعجلوا الحرام فيأكلوه قبل مجيء الحلال ، فيكون أكلهم ذلك [ ص: 528 ] سببا لحرمان الطيب منه فذلك وجه معروف ، ومذهب معقول . يحتمله التأويل . غير أن أشبه [ القولين ] في ذلك بتأويل الآية ، ما قلنا; لأن ذلك هو الأظهر من معانيه ، لأن الله جل ثناؤه إنما ذكر ذلك في قصة أموال اليتامى وأحكامها ، فلأن يكون ذلك من جنس حكم أول الآية وآخرها ، [ أولى ] من أن يكون من غير جنسه .
القول في تأويل قوله ( ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم )

قال أبو جعفر : يعني بذلك تعالى ذكره : ولا تخلطوا أموالهم - يعني : أموال اليتامى بأموالكم - فتأكلوها مع أموالكم ، كما : -

8446 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم " ، يقول : لا تأكلوا أموالكم وأموالهم ، تخلطوها فتأكلوها جميعا .

8447 - حدثنا المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير ، عن مبارك ، عن الحسن قال : لما نزلت هذه الآية في أموال اليتامى ، كرهوا أن يخالطوهم ، وجعل ولي اليتيم يعزل مال اليتيم عن ماله ، فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، [ ص: 529 ] فأنزل الله : ( ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم ) [ سورة البقرة : 220 ] قال : فخالطوهم واتقوا .
القول في تأويل قوله ( إنه كان حوبا كبيرا ( 2 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره [ بقوله ] : " إنه كان حوبا كبيرا " ، إن أكلكم أموال أيتامكم ، حوب كبير .

و"الهاء" في قوله : "إنه" دالة على اسم الفعل ، أعني"الأكل" .

وأما"الحوب" ، فإنه الإثم ، يقال منه : "حاب الرجل يحوب حوبا وحوبا وحيابة" ، ويقال منه : "قد تحوب الرجل من كذا" ، إذا تأثم منه ، ومنه قول أمية بن الأسكر الليثي :


وإن مهاجرين تكنفاه غداتئذ ، لقد خطئا وحابا


ومنه قيل : "نزلنا بحوبة من الأرض ، وبحيبة من الأرض" ، إذا نزلوا بموضع سوء منها .

و"الكبير" العظيم .

[ ص: 530 ]

فمعنى ذلك : إن أكلكم أموال اليتامى مع أموالكم ، إثم عند الله عظيم .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

8448 - حدثني محمد بن عمرو وعمرو بن علي قالا حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : " حوبا كبيرا " قال : إثما .

8449 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

8450 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " إنه كان حوبا كبيرا " ، قال : إثما عظيما .

8451 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " كان حوبا " أما"حوبا" فإثما .

8452 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : " حوبا" ، قال : إثما .

8453 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " إنه كان حوبا كبيرا " يقول : ظلما كبيرا .

8454 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : سمعت ابن زيد يقول في قوله : " إنه كان حوبا كبيرا " قال : ذنبا كبيرا وهي لأهل الإسلام .

8455 - حدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا يحيى بن سعيد قال : حدثنا قرة بن خالد قال : سمعت الحسن يقول : " حوبا كبيرا " ، قال : إثما والله عظيما .
[ ص: 531 ] القول في تأويل قوله ( وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك .

فقال بعضهم : معنى ذلك : وإن خفتم ، يا معشر أولياء اليتامى ، أن لا تقسطوا في صداقهن فتعدلوا فيه ، وتبلغوا بصداقهن صدقات أمثالهن ، فلا تنكحوهن ، ولكن انكحوا غيرهن من الغرائب اللواتي أحلهن الله لكم وطيبهن ، من واحدة إلى أربع ، وإن خفتم أن تجوروا إذا نكحتم من الغرائب أكثر من واحدة فلا تعدلوا ، فانكحوا منهن واحدة ، أو ما ملكت أيمانكم .

ذكر من قال ذلك :

8456 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا ابن المبارك ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة : " وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء " ، فقالت : يا ابن أختي ، هي اليتيمة تكون في حجر وليها ، فيرغب في مالها وجمالها ، ويريد أن ينكحها بأدنى من سنة صداقها ، فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن في إكمال الصداق ، وأمروا أن ينكحوا ما سواهن من النساء .

8457 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب قال : أخبرني عروة بن الزبير : أنه سأل عائشة [ ص: 532 ] زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله تبارك وتعالى : " وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء " ، قالت : يا ابن أختي ، هذه اليتيمة ، تكون في حجر وليها تشاركه في ماله ، فيعجبه مالها وجمالها . فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها ، فيعطيها مثل ما يعطيها غيره ، فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن ، ويبلغوا بهن أعلى سنتهن في الصداق ، وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن قال يونس بن يزيد قال ربيعة في قول الله : " وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى " ، قال يقول : اتركوهن ، فقد أحللت لكم أربعا .

8458 - حدثنا الحسن بن الجنيد وأخبرنا سعيد بن مسلمة قالا . أنبأنا إسماعيل بن أمية ، عن ابن شهاب ، عن عروة قال : سألت عائشة أم المؤمنين فقلت : يا أم المؤمنين ، أرأيت قول الله : " وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء "؟ قالت : يا ابن أختي ، هي اليتيمة تكون في حجر وليها ، فيرغب في جمالها ومالها ، ويريد أن يتزوجها بأدنى من سنة صداق نسائها ، فنهوا عن ذلك : أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا فيكملوا لهن الصداق ، ثم أمروا أن ينكحوا سواهن من النساء إن لم يكملوا لهن الصداق . [ ص: 533 ]

8459 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني الليث قال : حدثني يونس ، عن ابن شهاب قال : حدثني عروة بن الزبير : أنه سأل عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر مثل حديث يونس ، عن ابن وهب .

8460 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري عن عروة ، عن عائشة ، مثل حديث ابن حميد ، عن ابن المبارك .

8461 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : نزل تعني قوله : " وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى " ، الآية في اليتيمة تكون عند الرجل ، وهي ذات مال ، فلعله ينكحها لمالها ، وهي لا تعجبه ، ثم يضربها ، ويسيء صحبتها ، فوعظ في ذلك .

[ ص: 534 ]

قال أبو جعفر : فعلى هذا التأويل ، جواب قوله : " وإن خفتم ألا تقسطوا " ، قوله : " فانكحوا" .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : النهي عن نكاح ما فوق الأربع ، حذارا على أموال اليتامى أن يتلفها أولياؤهم . وذلك أن قريشا كان الرجل منهم يتزوج العشر من النساء والأكثر والأقل ، فإذا صار معدما ، مال على مال يتيمه الذي في حجره فأنفقه أو تزوج به . فنهوا عن ذلك ، وقيل لهم : إن أنتم خفتم على أموال أيتامكم أن تنفقوها فلا تعدلوا فيها ، من أجل حاجتكم إليها لما يلزمكم من مؤن نسائكم ، [ ص: 535 ] فلا تجاوزوا فيما تنكحون من عدد النساء على أربع وإن خفتم أيضا من الأربع أن لا تعدلوا في أموالهم ، فاقتصروا على الواحدة ، أو على ما ملكت أيمانكم .

ذكر من قال ذلك :

8462 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن سماك قال : سمعت عكرمة يقول في هذه الآية : " وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى " ، قال : كان الرجل من قريش يكون عنده النسوة ، ويكون عنده الأيتام ، فيذهب ماله ، فيميل على مال الأيتام ، قال : فنزلت هذه الآية : " وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء " .

8463 - حدثنا هناد بن السري قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن عكرمة في قوله : " وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم " ، قال : كان الرجل يتزوج الأربع والخمس والست والعشر ، فيقول الرجل : "ما يمنعني أن أتزوج كما تزوج فلان"؟ فيأخذ مال يتيمه فيتزوج به ، فنهوا أن يتزوجوا فوق الأربع .

8464 - حدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن طاوس ، عن ابن عباس قال : قصر الرجال على أربع من أجل أموال اليتامى .

8465 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى " ، فإن الرجل كان يتزوج بمال اليتيم ما شاء الله تعالى ، فنهى الله عن ذلك .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : أن القوم كانوا يتحوبون في أموال اليتامى أن لا يعدلوا فيها ، ولا يتحوبون في النساء أن لا يعدلوا فيهن ، فقيل لهم : كما خفتم أن [ ص: 536 ] لا تعدلوا في اليتامى ، فكذلك فخافوا في النساء أن لا تعدلوا فيهن ، ولا تنكحوا منهن إلا من واحدة إلى الأربع ، ولا تزيدوا على ذلك . وإن خفتم أن لا تعدلوا أيضا في الزيادة على الواحدة ، فلا تنكحوا إلا ما لا تخافون أن تجوروا فيهن من واحدة أو ما ملكت أيمانكم .

ذكر من قال ذلك :

8466 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية ، عن أيوب ، عن سعيد بن جبير قال : كان الناس على جاهليتهم ، إلا أن يؤمروا بشيء أو ينهوا عنه ، قال : فذكروا اليتامى ، فنزلت : " وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم " ، قال : فكما خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى ، فكذلك فخافوا أن لا تقسطوا في النساء .

8467 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ( وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى ) إلى : "أيمانكم" ، كانوا يشددون في اليتامى ، ولا يشددون في النساء ، ينكح أحدهم النسوة ، فلا يعدل بينهن ، فقال الله تبارك وتعالى : كما تخافون أن لا تعدلوا بين اليتامى ، فخافوا في النساء ، فانكحوا واحدة إلى الأربع . فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم .

8468 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء " حتى بلغ"أدنى ألا تعولوا" ، يقول : كما خفتم الجور في اليتامى وهمكم ذلك ، فكذلك فخافوا في جمع النساء ، وكان الرجل في الجاهلية يتزوج العشرة [ ص: 537 ] فما دون ذلك ، فأحل الله جل ثناؤه أربعا ، ثم صيرهن إلى أربع قوله : " مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة " ، يقول ، إن خفت أن لا تعدل في أربع فثلاث ، وإلا فثنتين ، وإلا فواحدة . وإن خفت أن لا تعدل في واحدة ، فما ملكت يمينك .

8469 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن أيوب ، عن سعيد بن جبير قوله : " وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء " ، يقول : ما أحل لكم من النساء" مثنى وثلاث ورباع " ، فخافوا في النساء مثل الذي خفتم في اليتامى : أن لا تقسطوا فيهن .

8470 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحجاج بن المنهال قال : حدثنا حماد ، عن أيوب ، عن سعيد بن جبير قال : جاء الإسلام والناس على جاهليتهم ، إلا أن يؤمروا بشيء فيتبعوه ، أو ينهوا عن شيء فيجتنبوه ، حتى سألوا عن اليتامى ، فأنزل الله تبارك وتعالى : " فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع " .

8471 - حدثنا المثنى قال : حدثنا أبو النعمان عارم قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن سعيد بن جبير قال : بعث الله تبارك وتعالى محمدا صلى الله عليه وسلم والناس على أمر جاهليتهم ، إلا أن يؤمروا بشيء أو ينهوا عنه ، وكانوا يسألونه عن اليتامى فأنزل الله تبارك وتعالى : " وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع " ، قال : فكما تخافون أن لا تقسطوا في اليتامى ، فخافوا أن لا تقسطوا وتعدلوا في النساء .

8472 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى " ، قال : كانوا في الجاهلية ينكحون عشرا من النساء الأيامى ، وكانوا [ ص: 538 ] يعظمون شأن اليتيم ، فتفقدوا من دينهم شأن اليتيم ، وتركوا ما كانوا ينكحون في الجاهلية ، فقال : " وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع " ، ونهاهم عما كانوا ينكحون في الجاهلية .

8473 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ قال : حدثنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء " ، كانوا في جاهليتهم لا يرزأون من مال اليتيم شيئا ، وهم ينكحون عشرا من النساء ، وينكحون نساء آبائهم ، فتفقدوا من دينهم شأن النساء ، فوعظهم الله في اليتامى وفي النساء ، فقال في اليتامى : ( ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ) إلى ( إنه كان حوبا كبيرا ) ووعظهم في شأن النساء فقال : " فانكحوا ما طاب لكم من النساء " الآية ، وقال : ( ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء ) [ سورة النساء : 22 ] .

8474 - حدثت عن عمار عن ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : " وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى " إلى"ما ملكت أيمانكم" ، يقول : فإن خفتم الجور في اليتامى وغمكم ذلك ، فكذلك فخافوا في جمع النساء ، قال : [ ص: 539 ] وكان الرجل يتزوج العشر في الجاهلية فما دون ذلك ، وأحل الله أربعا ، وصيرهم إلى أربع ، يقول : " فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة " ، وإن خفت أن لا تعدل في واحدة ، فما ملكت يمينك .

وقال آخرون : معنى ذلك : فكما خفتم في اليتامى ، فكذلك فتخوفوا في النساء أن تزنوا بهن ، ولكن انكحوا ما طاب لكم من النساء .

ذكر من قال ذلك :

8475 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : أخبرنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى " ، يقول : إن تحرجتم في ولاية اليتامى وأكل أموالهم إيمانا وتصديقا ، فكذلك فتحرجوا من الزنا ، وانكحوا النساء نكاحا طيبا" مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم " .

8476 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى اللاتي أنتم ولاتهن ، فلا تنكحوهن ، وانكحوا أنتم ما حل لكم منهن .

ذكر من قال ذلك :

8477 - حدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة : " وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى " ، قال : نزلت في اليتيمة تكون عند الرجل ، هو وليها ، ليس لها ولي غيره ، وليس أحد ينازعه فيها ، ولا ينكحها لمالها ، فيضربها ، ويسيء صحبتها . [ ص: 540 ]

8478 - حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا يونس ، عن الحسن في هذه الآية : " وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم " أي : ما حل لكم من يتاماكم من قراباتكم" مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم " .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال التي ذكرناها في ذلك بتأويل الآية ، قول من قال : تأويلها : "وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى ، فكذلك فخافوا في النساء ، فلا تنكحوا منهن إلا ما لا تخافون أن تجوروا فيه منهن ، من واحدة إلى الأربع ، فإن خفتم الجور في الواحدة أيضا ، فلا تنكحوها ، ولكن عليكم بما ملكت أيمانكم ، فإنه أحرى أن لا تجوروا عليهن" .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #453  
قديم 03-05-2023, 08:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,965
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ النِّسَاءُ
الحلقة (453)
صــ 541إلى صــ 555





وإنما قلنا إن ذلك أولى بتأويل الآية ، لأن الله جل ثناؤه افتتح الآية التي قبلها بالنهي عن أكل أموال اليتامى بغير حقها وخلطها بغيرها من الأموال ، فقال تعالى ذكره : ( وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا ) . ثم أعلمهم أنهم إن اتقوا الله في ذلك فتحرجوا فيه ، فالواجب عليهم من اتقاء الله والتحرج في أمر النساء ، مثل الذي عليهم من التحرج في أمر اليتامى ، وأعلمهم كيف التخلص لهم من الجور فيهن ، كما عرفهم المخلص من الجور في أموال اليتامى ، فقال : انكحوا إن أمنتم الجور في النساء على أنفسكم ، ما أبحت لكم منهن وحللته ، مثنى وثلاث ورباع ، فإن خفتم أيضا الجور على أنفسكم في أمر الواحدة ، بأن لا تقدروا على إنصافها ، فلا تنكحوها ، [ ص: 541 ] ولكن تسروا من المماليك ، فإنكم أحرى أن لا تجوروا عليهن ، لأنهن أملاككم وأموالكم ، ولا يلزمكم لهن من الحقوق كالذي يلزمكم للحرائر ، فيكون ذلك أقرب لكم إلى السلامة من الإثم والجور .

ففي الكلام - إذ كان المعنى ما قلنا - متروك استغنى بدلالة ما ظهر من الكلام عن ذكره . وذلك أن معنى الكلام : وإن خفتم أن لا تقسطوا في أموال اليتامى فتعدلوا فيها ، فكذلك فخافوا أن لا تقسطوا في حقوق النساء التي أوجبها الله عليكم ، فلا تتزوجوا منهن إلا ما أمنتم معه الجور مثنى وثلاث ورباع ، وإن خفتم أيضا في ذلك فواحدة . وإن خفتم في الواحدة ، فما ملكت أيمانكم فترك ذكر قوله : "فكذلك فخافوا أن لا تقسطوا في حقوق النساء" ، بدلالة ما ظهر من قوله تعالى : " فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم " .

فإن قال قائل : فأين جواب قوله : " وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى

قيل : قوله" فانكحوا ما طاب لكم " ، غير أن المعنى الذي يدل على أن المراد بذلك ما قلنا قوله : " فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا " .

وقد بينا فيما مضى قبل أن معنى"الإقساط" في كلام العرب : العدل والإنصاف وأن"القسط" : الجور والحيف ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

وأما"اليتامى" ، فإنها جمع لذكران الأيتام وإناثهم في هذا الموضع .

[ ص: 542 ]

وأما قوله : " فانكحوا ما طاب لكم من النساء " ، فإنه يعني : فانكحوا ما حل لكم منهن ، دون ما حرم عليكم منهن ، كما : -

8479 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا ابن المبارك ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي مالك قوله : " فانكحوا ما طاب لكم من النساء " ، ما حل لكم .

8480 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن أيوب ، عن سعيد بن جبير في قوله : " فانكحوا ما طاب لكم من النساء " ، يقول : ما حل لكم .

فإن قال قائل : وكيف قيل : "فانكحوا ما طاب لكم من النساء" ، ولم يقل : "فانكحوا من طاب لكم" ؟ وإنما يقال : "ما" في غير الناس .

قيل : معنى ذلك على غير الوجه الذي ذهبت إليه ، وإنما معناه : فانكحوا نكاحا طيبا ، كما : -

8481 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " فانكحوا ما طاب لكم من النساء " ، فانكحوا النساء نكاحا طيبا .

8481 م - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

فالمعني بقوله : " ما طاب لكم " ، الفعل ، دون أعيان النساء وأشخاصهن ، فلذلك قيل"ما" ولم يقل"من" ، كما يقال : "خذ من رقيقي ما أردت" ، إذا عنيت : خذ منهم إرادتك . ولو أردت : خذ الذي تريد منهم ، لقلت : "خذ من رقيقي من أردت منهم" . وكذلك قوله : "أو ما ملكت أيمانكم" ، بمعنى : أو ملك أيمانكم .

[ ص: 543 ]

وإنما معنى قوله : "فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع" ، فلينكح كل واحد منكم مثنى وثلاث ورباع ، كما قيل : ( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ) [ سورة النور : 4 ] .

وأما قوله : " مثنى وثلاث ورباع " ، فإنما ترك إجراؤهن ، لأنهن معدولات عن"اثنين" و"ثلاث" و"أربع" ، كما عدل"عمر" عن"عامر" ، و"زفر" عن"زافر" فترك إجراؤه ، وكذلك ، "أحاد" و"ثناء" و"موحد" و"مثنى" و"مثلث" و"مربع" ، لا يجري ذلك كله للعلة التي ذكرت من العدول عن وجوهه . ومما يدل على أن ذلك كذلك ، وأن الذكر والأنثى فيه سواء ، ما قيل في هذه السورة و"سورة فاطر" ، [ 1 ] : "مثنى وثلاث ورباع" يراد به"الجناح" ، و"الجناح" ذكر وأنه أيضا لا يضاف إلى ما يضاف إليه"الثلاثة" و"الثلاث" وأن"الألف واللام" لا تدخله فكان في ذلك دليل على أنه اسم للعدد معرفة ، ولو كان نكرة لدخله"الألف واللام" ، وأضيف كما يضاف"الثلاثة" و"الأربعة" . ومما يبين في ذلك قول تميم بن أبي بن مقبل :


ترى النعرات الزرق تحت لبانه أحاد ومثنى أصعقتها صواهله
[ ص: 544 ]

فرد"أحاد ومثنى" ، على"النعرات" وهي معرفة . وقد تجعلها العرب نكرة فتجريها ، كما قال الشاعر :


وإن الغلام المستهام بذكره قتلنا به من بين مثنى وموحد
بأربعة منكم وآخر خامس وساد مع الإظلام في رمح معبد


ومما يبين أن"ثناء" و"أحاد" غير جارية ، قول الشاعر :


ولقد قتلتكم ثناء وموحدا وتركت مرة مثل أمس المدبر


[ ص: 545 ] وقول الشاعر :


منت لك أن تلاقيني المنايا أحاد أحاد في شهر حلال


ولم يسمع من العرب صرف ما جاوز"الرباع" و"المربع" عن جهته . لم يسمع منها"خماس" ولا"المخمس" ، ولا"السباع" ولا"المسبع" ، وكذلك ما فوق"الرباع" إلا في بيت للكميت . فإنه يروى له في"العشرة" ، "عشار" وهو قوله :


فلم يستريثوك حتى رمي ت فوق الرجال خصالا عشارا
[ ص: 546 ]

يريد : "عشرا ، عشرا" ، يقال : إنه لم يسمع غير ذلك .

وأما قوله : " فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة " ، فإن نصب"واحدة" ، بمعنى : فإن خفتم أن لا تعدلوا فيما يلزمكم من العدل ما زاد على الواحدة من النساء عندكم بنكاح ، فيما أوجبه الله لهن عليكم فانكحوا واحدة منهن .

ولو كانت القراءة جاءت في ذلك بالرفع ، كان جائزا ، بمعنى : فواحدة كافية ، أو : فواحدة مجزئة ، كما قال جل ثناؤه : ( فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ) [ سورة البقرة : 282 ] .

وإن قال لنا قائل : قد علمت أن الحلال لكم من جميع النساء الحرائر ، نكاح أربع ، فكيف قيل : " فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع " ، وذلك في العدد تسع؟

قيل : إن تأويل ذلك : فانكحوا ما طاب لكم من النساء ، إما مثنى إن أمنتم الجور من أنفسكم فيما يجب لهما عليكم وإما ثلاث ، إن لم تخافوا ذلك وإما أربع ، إن أمنتم ذلك فيهن .

يدل على صحة ذلك قوله : " فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة " ، لأن المعنى : [ ص: 547 ] فإن خفتم في الثنتين فانكحوا واحدة . ثم قال : وإن خفتم أن لا تعدلوا أيضا في الواحدة ، فما ملكت أيمانكم .

فإن قال قائل : فإن أمر الله ونهيه على الإيجاب والإلزام حتى تقوم حجة بأن ذلك على التأديب والإرشاد والإعلام ، وقد قال تعالى ذكره : " فانكحوا ما طاب لكم من النساء " ، وذلك أمر ، فهل من دليل على أنه من الأمر الذي هو على غير وجه الإلزام والإيجاب؟

قيل : نعم ، والدليل على ذلك قوله : " فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة " . فكان معلوما بذلك أن قوله : " فانكحوا ما طاب لكم من النساء " ، وإن كان مخرجه مخرج الأمر ، فإنه بمعنى الدلالة على النهي عن نكاح ما خاف الناكح الجور فيه من عدد النساء ، لا بمعنى الأمر بالنكاح ، فإن المعني به : وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى ، فتحرجتم فيهن ، فكذلك فتحرجوا في النساء ، فلا تنكحوا إلا ما أمنتم الجور فيه منهن ، ما أحللته لكم من الواحدة إلى الأربع .

وقد بينا في غير هذا الموضع أن العرب تخرج الكلام بلفظ الأمر ومعناها فيه النهي أو التهديد والوعيد ، كما قال جل ثناؤه : ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) [ سورة الكهف : 29 ] ، وكما قال : ( ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون ) [ سورة النحل : 55\ سورة الروم : 34 ] ، فخرج ذلك مخرج الأمر ، والمقصود به التهديد والوعيد والزجر والنهي ، فكذلك قوله : " فانكحوا ما طاب لكم من النساء " ، بمعنى النهي : فلا تنكحوا إلا ما طاب لكم من النساء .

وعلى النحو الذي قلنا في معنى قوله : " أو ما ملكت أيمانكم " قال أهل التأويل . [ ص: 548 ]

ذكر من قال ذلك :

8482 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم " ، يقول : فإن خفت أن لا تعدل في واحدة ، فما ملكت يمينك .

8483 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " أو ما ملكت أيمانكم " ، السراري .

8484 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : " فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم " ، فإن خفت أن لا تعدل في واحدة ، فما ملكت يمينك .

8485 - حدثني يحيى بن أبي طالب قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا جويبر ، عن الضحاك ، قوله : " فإن خفتم ألا تعدلوا " ، قال : في المجامعة والحب .
القول في تأويل قوله ( ذلك أدنى ألا تعولوا ( 3 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك تعالى ذكره وإن خفتم أن لا تعدلوا في مثنى أو ثلاث أو رباع فنكحتم واحدة ، أو خفتم أن لا تعدلوا في الواحدة فتسررتم ملك أيمانكم ، فهو"أدنى" يعني : أقرب ، " ألا تعولوا " ، يقول : أن لا تجوروا ولا تميلوا .

يقال منه : "عال الرجل فهو يعول عولا وعيالة" ، إذا مال وجار . ومنه : "عول الفرائض" ، لأن سهامها إذا زادت دخلها النقص . [ ص: 549 ]

وأما من الحاجة ، فإنما يقال : "عال الرجل عيلة" ، وذلك إذا احتاج ، كما قال الشاعر :


وما يدري الفقير متى غناه وما يدري الغني متى يعيل


بمعنى : يفتقر .

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

8486 - حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا يونس ، عن الحسن : " ذلك أدنى ألا تعولوا " ، قال : العول الميل في النساء .

8487 - حدثنا ابن حميد قال : حدثني حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن مجاهد في قوله : " ذلك أدنى ألا تعولوا " ، يقول : لا تميلوا .

8488 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " ذلك أدنى ألا تعولوا " ، أن لا تميلوا .

8489 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

8490 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا أبو النعمان محمد بن الفضل [ ص: 550 ] قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا داود بن أبي هند ، عن عكرمة : " ألا تعولوا " قال : أن لا تميلوا ثم قال : أما سمعت إلى قول أبي طالب :


بميزان قسط وزنه غير عائل


8491 - حدثني المثنى قال : حدثنا حجاج قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن الزبير ، عن حريث ، عن عكرمة في هذه الآية : " ألا تعولوا " ، قال : أن لا تميلوا قال : وأنشد بيتا من شعر زعم أن أبا طالب قاله :


بميزان قسط لا يخس شعيرة ووازن صدق وزنه غير عائل


قال أبو جعفر ويروى هذا البيت على غير هذه الرواية :


بميزان صدق لا يغل شعيرة له شاهد من نفسه غير عائل


8492 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم ، عن مغيرة ، عن إبراهيم في قوله : " ألا تعولوا " ، قال : أن لا تميلوا . [ ص: 551 ]

8493 - حدثني المثنى قال : حدثنا عمرو بن عون قال : أخبرنا هشيم ، عن مغيرة ، عن إبراهيم مثله .

8494 - حدثني المثنى قال : حدثنا عمرو بن عون قال : أخبرنا هشيم ، عن أبي إسحاق الكوفي قال : كتب عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى أهل الكوفة في شيء عاتبوه عليه فيه : "إني لست بميزان لا أعول" .

8495 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عثام بن علي قال : حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي مالك في قوله : " أدنى ألا تعولوا " ، قال : لا تميلوا .

8496 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " ذلك أدنى ألا تعولوا " ، أدنى أن لا تميلوا .

8497 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " ألا تعولوا " ، قال : تميلوا .

8498 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : " ذلك أدنى ألا تعولوا " ، يقول : أن لا تميلوا .

8499 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " ذلك أدنى ألا تعولوا " ، يقول : تميلوا .

8500 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثنا معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " أدنى ألا تعولوا " ، يعني : أن لا تميلوا .

8501 - حدثنا محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " ذلك أدنى ألا تعولوا " ، يقول : ذلك أدنى أن لا تميلوا . [ ص: 552 ]

8502 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا حصين ، عن أبي مالك في قوله : " ذلك أدنى ألا تعولوا " ، قال : أن لا تجوروا .

8503 - حدثني المثنى قال : حدثنا عمرو بن عون ، وعارم أبو النعمان قالا حدثنا هشيم ، عن حصين ، عن أبي مالك مثله .

8504 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن يونس ، عن أبي إسحاق ، عن مجاهد : " ذلك أدنى ألا تعولوا " قال : تميلوا .

8505 - حدثنا يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : " ذلك أدنى ألا تعولوا " ، ذلك أقل لنفقتك ، الواحدة أقل من ثنتين وثلاث وأربع ، وجاريتك أهون نفقة من حرة" أن لا تعولوا " ، أهون عليك في العيال .
القول في تأويل قوله ( وآتوا النساء صدقاتهن نحلة )

قال أبو جعفر : يعني بذلك تعالى ذكره : وأعطوا النساء مهورهن عطية واجبة ، وفريضة لازمة .

يقال منه : "نحل فلان فلانا كذا فهو ينحله نحلة ونحلا" ، كما : -

8506 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا [ ص: 553 ] سعيد ، عن قتادة قوله : " وآتوا النساء صدقاتهن نحلة " ، يقول : فريضة .

8507 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : أخبرني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " وآتوا النساء صدقاتهن نحلة " ، يعني ب"النحلة" ، المهر .

8508 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قوله : " وآتوا النساء صدقاتهن نحلة " ، قال : فريضة مسماة .

8509 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : سمعت ابن زيد يقول في قوله : " وآتوا النساء صدقاتهن نحلة " ، قال : "النحلة" في كلام العرب ، الواجب يقول : لا ينكحها إلا بشيء واجب لها ، صدقة يسميها لها واجبة ، وليس ينبغي لأحد أن ينكح امرأة ، بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا بصداق واجب ، ولا ينبغي أن يكون تسمية الصداق كذبا بغير حق .

وقال آخرون : بل عنى بقوله : " وآتوا النساء صدقاتهن نحلة " ، أولياء النساء ، وذلك أنهم كانوا يأخذون صدقاتهن .

ذكر من قال ذلك :

8510 - حدثني المثنى قال : حدثنا عمرو بن عون قال : حدثنا هشيم ، عن سيار ، عن أبي صالح قال : كان الرجل إذا زوج أيمه أخذ صداقها دونها ، فنهاهم الله تبارك وتعالى عن ذلك ، ونزلت : " وآتوا النساء صدقاتهن نحلة " .

وقال آخرون : بل كان ذلك من أولياء النساء ، بأن يعطي الرجل أخته لرجل ، على أن يعطيه الآخر أخته ، على أن لا كثير مهر بينهما ، فنهوا عن ذلك . [ ص: 554 ]

ذكر من قال ذلك :

8511 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه قال : زعم حضرمي أن أناسا كانوا يعطي هذا الرجل أخته ، ويأخذ أخت الرجل ، ولا يأخذون كثير مهر ، فقال الله تبارك وتعالى : " وآتوا النساء صدقاتهن نحلة " .

قال أبو جعفر : وأولى التأويلات التي ذكرناها في ذلك ، التأويل الذي قلناه . وذلك أن الله تبارك وتعالى ابتدأ ذكر هذه الآية بخطاب الناكحين النساء ، ونهاهم عن ظلمهن والجور عليهن ، وعرفهم سبيل النجاة من ظلمهن . ولا دلالة في الآية على أن الخطاب قد صرف عنهم إلى غيرهم . فإذ كان ذلك كذلك ، فمعلوم أن الذين قيل لهم : " فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع " ، هم الذين قيل لهم : " وآتوا النساء صدقاتهن " وأن معناه : وآتوا من نكحتم من النساء صدقاتهن نحلة ، لأنه قال في أول [ الآية ] : " فانكحوا ما طاب لكم من النساء " ، ولم يقل : "فأنكحوا" ، فيكون قوله : " وآتوا النساء صدقاتهن " ، مصروفا إلى أنه معني به أولياء النساء دون أزواجهن .

وهذا أمر من الله أزواج النساء المدخول بهن والمسمى لهن الصداق ، أن يؤتوهن صدقاتهن ، دون المطلقات قبل الدخول ممن لم يسم لها في عقد النكاح صداق .
[ ص: 555 ] القول في تأويل قوله ( فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا ( 4 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : فإن وهب لكم ، أيها الرجال ، نساؤكم شيئا من صدقاتهن ، طيبة بذلك أنفسهن ، فكلوه هنيئا مريئا ، كما : -

8512 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا بشر بن المفضل قال : حدثنا عمارة ، عن عكرمة : " فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا " ، قال : المهر .

8513 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثني حرمي بن عمارة قال : حدثنا شعبة ، عن عمارة ، عن عكرمة ، [ عن عمارة ] في قول الله تبارك وتعالى : " فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا " ، قال : الصدقات .

8514 - حدثني المثنى قال : حدثني الحماني قال : حدثنا شريك ، عن سالم ، عن سعيد : " فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا " قال : الأزواج .

8515 - حدثني المثنى قال : حدثنا عمرو بن عون قال : أخبرنا هشيم ، عن عبيدة قال : قال لي إبراهيم : أكلت من الهنيء المريء! قلت : ما ذاك؟ قال : امرأتك أعطتك من صداقها .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #454  
قديم 03-05-2023, 08:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,965
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ النِّسَاءُ
الحلقة (454)
صــ 556إلى صــ 570





8516 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم قال : دخل رجل على علقمة وهو يأكل من طعام بين يديه ، من شيء أعطته امرأته من صداقها أو غيره ، فقال له علقمة : ادن فكل من الهنيء المريء! [ ص: 556 ]

8517 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا " ، يقول : إذا كان غير إضرار ولا خديعة ، فهو هنيء مريء ، كما قال الله جل ثناؤه .

8518 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج : " فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا " ، قال : الصداق ، "فكلوه هنيئا مريئا" .

8519 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : سمعت ابن زيد يقول في قوله : " فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا " بعد أن توجبوه لهن وتحلوه ، "فكلوه هنيئا مريئا" . .

8520 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا المعتمر ، عن أبيه قال : زعم حضرمي أن أناسا كانوا يتأثمون أن يراجع أحدهم في شيء مما ساق إلى امرأته ، فقال الله تبارك وتعالى : " فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا " .

8521 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا " ، يقول : ما طابت به نفسا في غير كره أو هوان ، فقد أحل الله لك ذلك أن تأكله هنيئا مريئا .

وقال آخرون : بل عنى بهذا القول أولياء النساء ، فقيل لهم : إن طابت أنفس النساء اللواتي إليكم عصمة نكاحهن ، بصدقاتهن نفسا ، فكلوه هنيئا مريئا .

ذكر من قال ذلك :

8522 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : حدثنا سيار ، عن أبي صالح في قوله : " فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا " ، قال : كان الرجل [ ص: 557 ] إذا زوج ابنته ، عمد إلى صداقها فأخذه ، قال : فنزلت هذه الآية في الأولياء : " فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا " .

قال أبو جعفر وأولى التأويلين في ذلك بالصواب ، التأويل الذي قلنا وأن الآية مخاطب بها الأزواج . لأن افتتاح الآية مبتدأ بذكرهم ، وقوله : " فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا " في سياقه .

وإن قال قائل : فكيف قيل : " فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا " ، وقد علمت أن معنى الكلام : فإن طابت لكم أنفسهن بشيء؟ وكيف وحدت"النفس" ، والمعنى للجميع؟ وذلك أنه تعالى ذكره قال : " وآتوا النساء صدقاتهن نحلة " .

قيل : أما نقل فعل النفوس إلى أصحاب النفوس ، فإن ذلك المستفيض في كلام العرب . من كلامها المعروف : "ضقت بهذا الأمر ذراعا وذرعا""وقررت بهذا الأمر عينا" ، والمعنى! ضاق به ذرعي ، وقرت به عيني ، كما قال الشاعر :


إذا التياز ذو العضلات قلنا : إليك ، إليك"! ضاق بها ذراعا
[ ص: 558 ]

فنقل صفة"الذراع" إلى"رب الذراع" ، ثم أخرج"الذراع" مفسرة لموقع الفعل .

وكذلك وحد"النفس" في قوله : فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا إذ كانت"النفس" مفسرة لموقع الخبر .

وأما توحيد"النفس" من النفوس ، لأنه إنما أراد"الهوى" ، و"الهوى" يكون جماعة ، كما قال الشاعر :


بها جيف الحسرى ، فأما عظامها فبيض ، وأما جلدها فصليب


وكما قال الآخر :


في حلقكم عظم وقد شجينا
[ ص: 559 ]

وقال بعض نحويي الكوفة : جائز في"النفس" في هذا الموضع الجمع والتوحيد ، " فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا " و"أنفسا" ، و"ضقت به ذراعا" و"ذرعا" و"أذرعا" ، لأنه منسوب إليك وإلى من تخبر عنه ، فاكتفى بالواحد عن الجمع لذلك ، ولم يذهب الوهم إلى أنه ليس بمعنى جمع ، لأن قبله جمعا .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندنا ، أن"النفس" وقع موقع الأسماء التي تأتي بلفظ الواحد ، مؤدية معناه إذا ذكر بلفظ الواحد ، وأنه بمعنى الجمع عن الجميع .

وأما قوله : "هنيئا" ، فإنه مأخوذ من : "هنأت البعير بالقطران" ، إذا جرب فعولج به ، كما قال الشاعر :


متبذلا تبدو محاسنه يضع الهناء مواضع النقب
[ ص: 560 ]

فكأن معنى قوله : "فكلوه هنيئا مريئا" ، فكلوه دواء شافيا .

يقال منه : "هنأني الطعام ومرأني" ، أي صار لي دواء وعلاجا شافيا ، "وهنئني ومرئني" بالكسر ، وهي قليلة . والذين يقولون هذا القول ، يقولون : "يهنأني ويمرأني" ، والذين يقولون : "هنأني" يقولون : "يهنيني ويمريني" . فإذا أفردوا قالوا : "قد أمرأني هذا الطعام إمراء" . ويقال : "هنأت القوم" إذا علتهم ، سمع من العرب من يقول : "إنما سميت هانئا لتهنأ" ، بمعنى : لتعول وتكفي .
القول في تأويل قوله ( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في" السفهاء" الذين نهى الله جل ثناؤه عباده أن يؤتوهم أموالهم .

فقال بعضهم : هم النساء والصبيان .

ذكر من قال ذلك :

8523 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال [ ص: 561 ] حدثنا إسرائيل ، عن عبد الكريم ، عن سعيد بن جبير قال : اليتامى والنساء .

8524 - حدثنا المثنى قال : حدثنا عمرو بن عون قال : حدثنا هشيم ، عن يونس ، عن الحسن في قوله : " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم " ، قال : لا تعطوا الصغار والنساء .

8525 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا يزيد بن زريع ، عن يونس ، عن الحسن قال : المرأة والصبي .

8526 - حدثني المثنى قال : حدثنا عمرو بن عون قال : أخبرنا هشيم ، عن شريك ، عن أبي حمزة ، عن الحسن قال : النساء والصغار ، والنساء أسفه السفهاء .

8527 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : حدثنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن الحسن في قوله : " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم " ، قال : "السفهاء" ابنك السفيه ، وامرأتك السفيهة . وقد ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اتقوا الله في الضعيفين ، اليتيم والمرأة " .

8528 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحماني قال : حدثنا حميد ، عن عبد الرحمن الرؤاسي ، عن السدي قال : يرده إلى عبد الله قال : النساء والصبيان .

8529 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم " ، أما"السفهاء" ، فالولد والمرأة .

8530 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ يقول ، أخبرنا عبيد بن سليمان ، عن الضحاك قوله : " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم " ، يعني بذلك ولد الرجل وامرأته ، وهي أسفه السفهاء .

8531 - حدثني يحيى بن أبي طالب قال : حدثنا يزيد قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك في قوله : " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم " ، قال : "السفهاء" الولد ، [ ص: 562 ] والنساء أسفه السفهاء ، فيكونوا عليكم أربابا .

8532 - حدثنا أحمد بن حازم الغفاري قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا سفيان ، عن سلمة بن نبيط ، عن الضحاك ، قال : أولادكم ونساؤكم .

8533 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحماني قال : حدثنا أبي ، عن سلمة ، عن الضحاك قال : النساء والصبيان .

8534 - حدثنا أحمد بن حازم قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا سفيان ، عن حميد الأعرج ، عن مجاهد : " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم " ، قال : النساء والولدان .

8535 - حدثنا أحمد قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا ابن أبي غنية ، عن الحكم : " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم " ، قال : النساء والولدان .

8536 - حدثنا بشر بن معاذ : قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما " ، أمر الله بهذا المال أن يخزن فتحسن خزانته ، ولا يملكه المرأة السفيهة والغلام السفيه .

8537 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحماني قال : حدثنا ابن المبارك ، عن إسماعيل ، عن أبي مالك قال : النساء والصبيان .

8538 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم " ، قال : امرأتك [ ص: 563 ] وبنيك وقال : "السفهاء" ، الولدان ، والنساء أسفه السفهاء .

وقال آخرون : بل"السفهاء" ، الصبيان خاصة .

ذكر من قال ذلك :

8539 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن شريك ، عن سالم ، عن سعيد بن جبير في قوله : " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم " ، قال : هم اليتامى .

8540 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثني أبي ، عن شريك ، عن سالم ، عن سعيد قال : "السفهاء" ، اليتامى .

8541 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا يونس ، عن الحسن في قوله : " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم " ، يقول : لا تنحلوا الصغار .

وقال آخرون : بل عنى بذلك : السفهاء من ولد الرجل .

ذكر من قال ذلك :

8542 - حدثنا سعيد بن يحيى الأموي قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي مالك قوله : " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم " ، قال : لا تعط ولدك السفيه مالك فيفسده ، الذي هو قوامك بعد الله تعالى .

8543 - حدثنا محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم " ، يقول : لا تسلط السفيه من ولدك فكان ابن عباس يقول : نزل ذلك في السفهاء ، وليس اليتامى من ذلك في شيء . [ ص: 564 ]

8544 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن فراس ، عن الشعبي ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى الأشعري أنه قال : ثلاثة يدعون الله فلا يستجيب لهم : رجل كانت له امرأة سيئة الخلق فلم يطلقها ، ورجل أعطى ماله سفيها وقد قال الله : " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم " ، ورجل كان له على رجل دين فلم يشهد عليه .

8545 - حدثنا يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : سمعت ابن زيد : " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم " الآية ، قال : لا تعط السفيه من ولدك رأسا ولا حائطا ، ولا شيئا هو لك قيما من مالك .

وقال آخرون : بل"السفهاء" في هذا الموضع ، النساء خاصة دون غيره .

ذكر من قال ذلك :

8546 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه قال : زعم حضرمي أن رجلا عمد فدفع ماله إلى امرأته ، فوضعته في غير الحق ، فقال الله تبارك وتعالى : " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم " .

8547 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن حميد ، عن مجاهد : " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم " ، قال : النساء .

8548 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا ابن وهب قال : حدثنا سفيان ، عن الثوري ، عن حميد ، عن قيس ، عن مجاهد في قوله : " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم " ، قال : هن النساء . [ ص: 565 ]

8549 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله تبارك وتعالى : " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما " ، قال : نهى الرجال أن يعطوا النساء أموالهم ، وهن سفهاء من كن أزواجا أو أمهات أو بنات .

8550 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

8551 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا هشام ، عن الحسن قال : المرأة .

8552 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك قال : النساء من أسفه السفهاء .

8553 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن أبي عوانة ، عن عاصم ، عن مورق قال : مرت امرأة بعبد الله بن عمر لها شارة وهيئة ، فقال لها ابن عمر : " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما " .

وقال أبو جعفر : والصواب من القول في تأويل ذلك عندنا ، أن الله جل ثناؤه عم بقوله : " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم " ، فلم يخصص سفيها دون سفيه . فغير جائز لأحد أن يؤتي سفيها ماله ، صبيا صغيرا كان أو رجلا كبيرا ، ذكرا كان أو أنثى .

و"السفيه" الذي لا يجوز لوليه أن يؤتيه ماله ، هو المستحق الحجر بتضييعه ماله وفساده وإفساده وسوء تدبيره ذلك .

وإنما قلنا ما قلنا ، من أن المعني بقوله : " ولا تؤتوا السفهاء " هو من وصفنا دون غيره ، لأن الله جل ثناؤه قال في الآية التي تتلوها : " وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم " ، فأمر أولياء اليتامى بدفع أموالهم إليهم إذا [ ص: 566 ] بلغوا النكاح وأونس منهم الرشد ، وقد يدخل في"اليتامى" الذكور والإناث ، فلم يخصص بالأمر بدفع ما لهم من الأموال ، الذكور دون الإناث ، ولا الإناث دون الذكور .

وإذ كان ذلك كذلك ، فمعلوم أن الذين أمر أولياؤهم بدفعهم أموالهم ، إليهم ، وأجيز للمسلمين مبايعتهم ومعاملتهم ، غير الذين أمر أولياؤهم بمنعهم أموالهم ، وحظر على المسلمين مداينتهم ومعاملتهم .

فإذ كان ذلك كذلك ، فبين أن"السفهاء" الذين نهى الله المؤمنين أن يؤتوهم أموالهم ، هم المستحقون الحجر والمستوجبون أن يولى عليهم أموالهم ، وهم من وصفنا صفتهم قبل ، وأن من عدا ذلك فغير سفيه ، لأن الحجر لا يستحقه من قد بلغ وأونس رشده .

وأما قول من قال : "عنى بالسفهاء النساء خاصة" ، فإنه جعل اللغة على غير وجهها . وذلك أن العرب لا تكاد تجمع"فعيلا" على"فعلاء" إلا في جمع الذكور ، أو الذكور والإناث . وأما إذا أرادوا جمع الإناث خاصة لا ذكران معهم ، جمعوه على : "فعائل" و"فعيلات" ، مثل : "غريبة" ، تجمع"غرائب" و"غريبات" ، فأما"الغرباء" ، فجمع"غريب" .

واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : " أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم " ،

فقال بعضهم : عنى بذلك : لا تؤتوا السفهاء من النساء والصبيان على [ ص: 567 ] ما ذكرنا من اختلاف من حكينا قوله قبل أيها الرشداء ، أموالكم التي تملكونها ، فتسلطوهم عليها فيفسدوها ويضيعوها ، ولكن ارزقوهم أنتم منها إن كانوا ممن تلزمكم نفقته ، واكسوهم ، وقولوا لهم قولا معروفا .

وقد ذكرنا الرواية عن جماعة ممن قال ذلك ، منهم : أبو موسى الأشعري ، وابن عباس ، والحسن ، ومجاهد ، وقتادة ، وحضرمي ، وسنذكر قول الآخرين الذين لم يذكر قولهم فيما مضى قبل .

8554 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها " ، يقول : لا تعط امرأتك وولدك مالك ، فيكونوا هم الذين يقومون عليك ، وأطعمهم من مالك واكسهم .

8555 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا " ، يقول : لا تسلط السفيه من ولدك على مالك ، وأمره أن يرزقه منه ويكسوه .

8556 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم " ، قال : لا تعط السفيه من مالك شيئا هو لك .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : "ولا تؤتوا السفهاء أموالهم" ، ولكنه أضيف إلى الولاة ، لأنهم قوامها ومدبروها .

ذكر من قال ذلك :

8557 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر قال : حدثنا ابن المبارك ، عن شريك ، عن سالم ، عن سعيد بن جبير في قوله : "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم " ، [ ص: 568 ]

[ هو مال اليتيم يكون عندك ، يقول : لا تؤته إياه ، وأنفقه عليه حتى يبلغ . وإنما أضاف إلى الأولياء فقال : "أموالكم" ، لأنهم قوامها ومدبروها ] .

قال أبو جعفر : وقد يدخل في قوله : " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم " ، أموال المنهيين عن أن يؤتوهم ذلك ، وأموال"السفهاء" . لأن قوله : "أموالكم" غير مخصوص منها بعض الأموال دون بعض . ولا تمنع العرب أن تخاطب قوما خطابا ، فيخرج الكلام بعضه خبر عنهم ، وبعضه عن غيب ، وذلك نحو أن يقولوا : "أكلتم يا فلان أموالكم بالباطل" ، فيخاطب الواحد خطاب الجمع ، بمعنى : أنك وأصحابك أو وقومك أكلتم أموالكم . فكذلك قوله : " ولا تؤتوا السفهاء " ، معناه : لا تؤتوا أيها الناس ، سفهاءكم أموالكم التي بعضها لكم وبعضها لهم ، فيضيعوها .

وإذ كان ذلك كذلك ، وكان الله تعالى ذكره قد عم بالنهي عن إيتاء السفهاء الأموال كلها ، ولم يخصص منها شيئا دون شيء ، كان بينا بذلك أن معنى قوله : " التي جعل الله لكم قياما " ، إنما هو التي جعل الله لكم ولهم قياما ، ولكن السفهاء دخل ذكرهم في ذكر المخاطبين بقوله : "لكم" .

وأما قوله : " التي جعل الله لكم قياما " ، فإن"قياما" و"قيما" و"قواما" في [ ص: 569 ] معنى واحد . وإنما"القيام" أصله"القوام" ، غير أن"القاف" التي قبل"الواو" لما كانت مكسورة ، جعلت"الواو""ياء" لكسرة ما قبلها ، كما يقال : "صمت صياما" ، "وصلت صيالا" ، ويقال منه : "فلان قوام أهل بيته" و"قيام أهل بيته" .

واختلفت القرأة في قراءة ذلك .

فقرأ بعضهم : " التي جعل الله لكم قيما" بكسر"القاف" وفتح"الياء" بغير"ألف" .

وقرأه آخرون : "قياما" بألف .

قال محمد : والقراءة التي نختارها : "قياما" بالألف ، لأنها القراءة المعروفة في قراءة أمصار الإسلام ، وإن كانت الأخرى غير خطأ ولا فاسد . وإنما اخترنا ما اخترنا من ذلك ، لأن القراءات إذا اختلفت في الألفاظ واتفقت في المعاني ، فأعجبها إلينا ما كان أظهر وأشهر في قرأة أمصار الإسلام .

وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله : "قياما" قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

8558 - حدثنا سعيد بن يحيى الأموي قال : حدثنا ابن المبارك ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي مالك : " أموالكم التي جعل الله لكم قياما " ، التي هي قوامك بعد الله .

8559 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " أموالكم التي جعل الله لكم قياما " ، فإن المال هو [ ص: 570 ] قيام الناس ، قوام معايشهم . يقول : كن أنت قيم أهلك ، فلا تعط امرأتك [ وولدك ] مالك ، فيكونوا هم الذين يقومون عليك .

8560 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما " يقول الله سبحانه : لا تعمد إلى مالك وما خولك الله وجعله لك معيشة ، فتعطيه امرأتك أو بنيك ، ثم تنظر إلى ما في أيديهم . ولكن أمسك مالك وأصلحه ، وكن أنت الذي تنفق عليهم في كسوتهم ورزقهم ومؤونتهم . قال : وقوله : " قياما" ، بمعنى : قوامكم في معايشكم .

8561 - حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن الحسن قوله : " قياما" قال : قيام عيشك .

8562 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا بكر بن شرود ، عن مجاهد أنه قرأ : " التي جعل الله لكم قياما " ، بالألف ، يقول : قيام عيشك .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #455  
قديم 03-05-2023, 08:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,965
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ النِّسَاءُ
الحلقة (455)
صــ 571إلى صــ 585





8563 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : [ ص: 571 ] " أموالكم التي جعل الله لكم قياما " ، قال : لا تعط السفيه من ولدك شيئا ، هو لك قيم من مالك .

وأما قوله : " وارزقوهم فيها واكسوهم " ، فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله .

فأما الذين قالوا : إنما عنى الله جل ثناؤه بقوله : " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم " ، [ أموال ] أولياء السفهاء ، لا أموال السفهاء ، فإنهم قالوا : "معنى ذلك : وارزقوا ، أيها الناس ، سفهاءكم من نسائكم وأولادكم ، من أموالكم طعامهم ، وما لا بد لهم منه من مؤنهم وكسوتهم" .

وقد ذكرنا بعض قائلي ذلك فيما مضى ، وسنذكر من لم يذكر من قائليه .

8564 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : أمروا أن يرزقوا سفهاءهم - من أزواجهم وأمهاتهم وبناتهم - من أموالهم .

8565 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

8566 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج قال : قال ابن عباس قوله : " وارزقوهم" ، قال : يقول : أنفقوا عليهم .

8567 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " وارزقوهم فيها واكسوهم " ، يقول : أطعمهم من مالك واكسهم .

وأما الذين قالوا : "إنما عنى بقوله : " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم " ، أموال السفهاء أن لا يؤتيهموها أولياؤهم" ، فإنهم قالوا : "معنى قوله : [ ص: 572 ] " وارزقوهم فيها واكسوهم " ، وارزقوا ، أيها الولاة ولاة أموال السفهاء ، سفهاءكم من أموالهم ، طعامهم وما لا بد لهم من مؤنهم وكسوتهم . وقد مضى ذكر ذلك .

قال أبو جعفر : وأما الذي نراه صوابا في قوله : " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم " من التأويل ، فقد ذكرناه ، ودللنا على صحة ما قلنا في ذلك بما أغنى عن إعادته .

فتأويل قوله : " وارزقوهم فيها واكسوهم " ، على التأويل الذي قلنا في قوله : " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم " وأنفقوا على سفهائكم من أولادكم ونسائكم الذين تجب عليكم نفقتهم من طعامهم وكسوتهم في أموالكم ، ولا تسلطوهم على أموالكم فيهلكوها وعلى سفهائكم منهم ، ممن لا تجب عليكم نفقته ، ومن غيرهم الذين تلون أنتم أمورهم ، من أموالهم فيما لا بد لهم من مؤنهم في طعامهم وشرابهم وكسوتهم . لأن ذلك هو الواجب من الحكم في قول جميع الحجة ، لا خلاف بينهم في ذلك ، مع دلالة ظاهر التنزيل على ما قلنا في ذلك .
القول في تأويل قوله ( وقولوا لهم قولا معروفا ( 5 ) )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك :

فقال بعضهم : معنى ذلك : عدهم عدة جميلة من البر والصلة .

ذكر من قال ذلك :

8568 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، [ ص: 573 ] عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " وقولوا لهم قولا معروفا " ، قال : أمروا أن يقولوا لهم قولا معروفا في البر والصلة يعني النساء ، وهن السفهاء عنده .

8569 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : " وقولوا لهم قولا معروفا " ، قال : عدة تعدهم .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : ادعوا لهم .

ذكر من قال ذلك :

8570 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " وقولوا لهم قولا معروفا " ، إن كان ليس من ولدك ولا ممن يجب عليك أن تنفق عليه ، فقل لهم قولا معروفا ، قل لهم : "عافانا الله وإياك" ، "وبارك الله فيك" .

قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال في ذلك بالصحة ، ما قاله ابن جريج . وهو أن معنى قوله : " وقولوا لهم قولا معروفا " ، أي : قولوا ، يا معشر ولاة السفهاء ، قولا معروفا للسفهاء : "إن صلحتم ورشدتم سلمنا إليكم أموالكم ، وخلينا بينكم وبينها ، فاتقوا الله في أنفسكم وأموالكم" ، وما أشبه ذلك من القول الذي فيه حث على طاعة الله ، ونهي عن معصيته .
[ ص: 574 ] القول في تأويل قوله جل ثناؤه ( وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " وابتلوا اليتامى " ، واختبروا عقول يتاماكم في أفهامهم ، وصلاحهم في أديانهم ، وإصلاحهم أموالهم ، كما : -

8571 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة والحسن في قوله : " وابتلوا اليتامى " ، قالا يقول : اختبروا اليتامى .

8572 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : أما" ابتلوا اليتامى " ، فجربوا عقولهم .

8573 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " وابتلوا اليتامى " ، قال : عقولهم .

8574 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " وابتلوا اليتامى " ، قال : اختبروهم .

8575 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح " ، قال : اختبروه في رأيه وفي عقله كيف هو . إذا عرف أنه قد أنس منه رشد ، دفع إليه ماله . قال : وذلك بعد الاحتلام .

قال أبو جعفر : وقد دللنا فيما مضى قبل على أن معنى"الابتلاء" الاختبار ، بما فيه الكفاية عن إعادته .

وأما قوله : " إذا بلغوا النكاح " ، فإنه يعني : إذا بلغوا الحلم : كما : -

8576 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن [ ص: 575 ] ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " حتى إذا بلغوا النكاح " ، حتى إذا احتلموا .

8577 - حدثني علي بن داود قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " حتى إذا بلغوا النكاح " ، قال : عند الحلم .

8578 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " حتى إذا بلغوا النكاح " ، قال : الحلم .
القول في تأويل قوله ( فإن آنستم منهم رشدا )

قال أبو جعفر : يعني قوله : " فإن آنستم منهم رشدا " ، فإن وجدتم منهم وعرفتم ، كما : -

8579 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " فإن آنستم منهم رشدا " ، قال : عرفتم منهم .

يقال : "آنست من فلان خيرا - وبرا" بمد الألف"إيناسا" ، و"أنست به آنس أنسا" ، بقصر ألفها ، إذا ألفه .

وقد ذكر أنها في قراءة عبد الله : ( فإن أحسيتم منهم رشدا ) ، بمعنى : أحسستم ، أي : وجدتم .

[ ص: 576 ]

واختلف أهل التأويل في معنى : "الرشد" الذي ذكره الله في هذه الآية .

فقال بعضهم : معنى"الرشد" في هذا الموضع ، العقل والصلاح في الدين .

ذكر من قال ذلك :

8580 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " فإن آنستم منهم رشدا " ، عقولا وصلاحا .

8581 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " فإن آنستم منهم رشدا " ، يقول : صلاحا في عقله ودينه .

وقال آخرون : معنى ذلك : صلاحا في دينهم ، وإصلاحا لأموالهم .

ذكر من قال ذلك :

8582 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثني أبي ، عن مبارك ، عن الحسن قال : رشدا في الدين ، وصلاحا ، وحفظا للمال .

8583 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " فإن آنستم منهم رشدا " ، في حالهم ، والإصلاح في أموالهم .

وقال آخرون : بل ذلك العقل ، خاصة .

ذكر من قال ذلك :

8584 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد قال : لا ندفع إلى اليتيم ماله وإن أخذ بلحيته ، وإن كان شيخا ، حتى يؤنس منه رشده ، العقل . [ ص: 577 ]

8585 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا يحيى ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد : " آنستم منهم رشدا " ، قال : العقل .

8586 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا أبو شبرمة ، عن الشعبي قال : سمعته يقول : إن الرجل ليأخذ بلحيته وما بلغ رشده .

وقال آخرون : بل هو الصلاح والعلم بما يصلحه .

ذكر من قال ذلك :

8587 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج : " فإن آنستم منهم رشدا " ، قال : صلاحا وعلما بما يصلحه .

قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال عندي بمعنى"الرشد" في هذا الموضع ، العقل وإصلاح المال لإجماع الجميع على أنه إذا كان كذلك ، لم يكن ممن يستحق الحجر عليه في ماله ، وحوز ما في يده عنه ، وإن كان فاجرا في دينه . وإذ كان ذلك إجماعا من الجميع ، فكذلك حكمه إذا بلغ وله مال في يدي وصي أبيه ، أو في يد حاكم قد ولي ماله لطفولته واجب عليه تسليم ماله إليه ، إذا كان عاقلا بالغا ، مصلحا لماله غير مفسد ، لأن المعنى الذي به يستحق أن يولى على ماله الذي هو في يده ، هو المعنى الذي به يستحق أن يمنع يده من ماله الذي هو في يد ولي ، فإنه لا فرق بين ذلك .

وفي إجماعهم على أنه غير جائز حيازة ما في يده في حال صحة عقله وإصلاح [ ص: 578 ] ما في يده ، الدليل الواضح على أنه غير جائز منع يده مما هو له في مثل ذلك الحال ، وإن كان قبل ذلك في يد غيره ، لا فرق بينهما . ومن فرق بين ذلك ، عكس عليه القول في ذلك ، وسئل الفرق بينهما من أصل أو نظير ، فلن يقول في أحدهما قولا إلا ألزم في الآخر مثله .

فإذ كان ما وصفنا من الجميع إجماعا ، فبين أن"الرشد" الذي به يستحق اليتيم ، إذا بلغ فأونس منه ، دفع ماله إليه ، ما قلنا من صحة عقله وإصلاح ماله .
القول في تأويل قوله جل ثناؤه ( فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا )

قال أبو جعفر : يعني بذلك تعالى ذكره ولاة أموال اليتامى . يقول الله لهم : فإذا بلغ أيتامكم الحلم ، فآنستم منهم عقلا وإصلاحا لأموالهم ، فادفعوا إليهم أموالهم ، ولا تحبسوها عنهم .

وأما قوله : " فلا تأكلوها إسرافا " ، يعني : بغير ما أباحه الله لك ، كما : -

8588 - حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة والحسن : " ولا تأكلوها إسرافا " ، يقول : لا تسرف فيها .

8589 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا [ ص: 579 ] أسباط ، عن السدي : " ولا تأكلوها إسرافا " ، قال : يسرف في الأكل .

وأصل"الإسراف" : تجاوز الحد المباح إلى ما لم يبح . وربما كان ذلك في الإفراط ، وربما كان في التقصير . غير أنه إذا كان في الإفراط ، فاللغة المستعملة فيه أن يقال : "أسرف يسرف إسرافا" وإذا كان كذلك في التقصير ، فالكلام منه : "سرف يسرف سرفا" ، يقال : "مررت بكم فسرفتكم" ، يراد منه : فسهوت عنكم وأخطأتكم ، كما قال الشاعر :


أعطوا هنيدة يحدوها ثمانية ما في عطائهم من ولا سرف


يعني بقوله : "ولا سرف" ، لا خطأ فيه ، يراد به : أنهم يصيبون مواضع العطاء فلا يخطئونها .
[ ص: 580 ] القول في تأويل قوله ( وبدارا أن يكبروا )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : " وبدارا" ، ومبادرة . وهو مصدر من قول القائل : "بادرت هذا الأمر مبادرة وبدارا" .

وإنما يعني بذلك جل ثناؤه ولاة أموال اليتامى . يقول لهم : لا تأكلوا أموالهم إسرافا - يعني ما أباح الله لكم أكله - ولا مبادرة منكم بلوغهم وإيناس الرشد منهم ، حذرا أن يبلغوا فيلزمكم تسليمه إليهم ، كما : -

8590 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " إسرافا وبدارا " ، يعني : أكل مال اليتيم مبادرا أن يبلغ ، فيحول بينه وبين ماله .

8591 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة والحسن : " ولا تأكلوها إسرافا وبدارا " ، يقول : لا تسرف فيها ولا تبادره .

8592 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " وبدارا " ، تبادرا أن يكبروا فيأخذوا أموالهم .

8593 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " إسرافا وبدارا " ، قال : هذه لولي اليتيم يأكله ، جعلوا له أن يأكل معه ، إذا لم يجد شيئا يضع يده معه ، فيذهب يؤخره ، يقول : "لا أدفع إليه ماله" ، وجعلت تأكله تشتهي أكله ، لأنك إذا لم تدفعه إليه لك فيه نصيب ، وإذا دفعته إليه فليس لك فيه نصيب .

[ ص: 581 ]

وموضع"أن" في قوله : " أن يكبروا" نصب ب"المبادرة" ، لأن معنى الكلام : لا تأكلوها مبادرة كبرهم .
القول في تأويل قوله ( ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : " ومن كان غنيا " ، من ولاة أموال اليتامى على أموالهم ، فليستعفف بماله عن أكلها - بغير الإسراف والبدار أن يكبروا - بما أباح الله له أكلها به ، كما : -

8594 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش وابن أبي ليلى ، عن الحكم عن مقسم ، عن ابن عباس في قوله : " ومن كان غنيا فليستعفف " ، قال : بغناه من ماله ، حتى يستغني عن مال اليتيم .

8595 - وبه قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم في قوله : " ومن كان غنيا فليستعفف " بغناه .

8596 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية ، عن ليث ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس في قوله : [ ص: 582 ] " ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " ، قال : من مال نفسه ، ومن كان فقيرا منهم ، إليها محتاجا ، فليأكل بالمعروف .

قال أبو جعفر : ثم اختلف أهل التأويل في"المعروف" الذي أذن الله جل ثناؤه لولاة أموالهم أكلها به ، إذا كانوا أهل فقر وحاجة إليها .

فقال بعضهم : ذلك هو القرض يستقرضه من ماله ثم يقضيه .

ذكر من قال ذلك :

8597 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان وإسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن حارثة بن مضرب قال : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : إني أنزلت مال الله تعالى مني بمنزلة مال اليتيم ، إن استغنيت استعففت ، وإن افتقرت أكلت بالمعروف ، فإذا أيسرت قضيت .

8598 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن عطية ، عن زهير ، عن العلاء بن المسيب ، عن حماد ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله : " ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " ، قال : وهو القرض .

8599 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا المعتمر قال : سمعت يونس ، عن محمد بن سيرين ، عن عبيدة السلماني ، أنه قال في هذه الآية : " ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " ، قال : الذي ينفق من مال اليتيم ، يكون عليه قرضا .

8600 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية قال : حدثنا سلمة بن علقمة ، عن محمد بن سيرين قال : سألت عبيدة عن قوله : [ ص: 583 ] ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف ، قال : إنما هو قرض ، ألا ترى أنه قال : " فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم "؟ قال : فظننت أنه قالها برأيه .

8601 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا هشام ، عن محمد ، عن عبيدة في قوله : " ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " ، وهو عليه قرض .

8602 - حدثني يعقوب قال : حدثنا هشيم ، عن سلمة بن علقمة ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة في قوله : " ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " ، قال : المعروف القرض ، ألا ترى إلى قوله : " فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم

8603 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : حدثنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن أيوب ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة مثل حديث هشام .

8604 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " ، يعني القرض .

8605 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " ، يقول : إن كان غنيا ، فلا يحل له من مال اليتيم أن يأكل منه شيئا ، وإن كان فقيرا فليستقرض منه ، فإذا وجد ميسرة فليعطه ما استقرض منه ، فذلك أكله بالمعروف . [ ص: 584 ]

8606 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس قال : سمعت أبي يذكر ، عن حماد ، عن سعيد بن جبير قال : يأكل قرضا بالمعروف .

8607 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا حجاج ، عن سعيد بن جبير قال : هو القرض ، ما أصاب منه من شيء قضاه إذا أيسر يعني قوله : " ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " .

8608 - حدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية ، عن هشام الدستوائي قال : حدثنا حماد قال : سألت سعيد بن جبير عن هذه الآية : " ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " ، قال : إن أخذ من ماله قدر قوته قرضا ، فإن أيسر بعد قضاه ، وإن حضره الموت ولم يوسر ، تحلله من اليتيم . وإن كان صغيرا تحلله من وليه .

8609 - حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا بشر بن المفضل قال : حدثنا شعبة ، عن حماد ، عن سعيد بن جبير : فليأكل قرضا .

8610 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن حماد ، عن سعيد بن جبير : " ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " ، قال : هو القرض .

8611 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام ، عن عمرو بن أبي قيس ، عن عطاء بن السائب ، عن الشعبي : " ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " ، قال : لا يأكله إلا أن يضطر إليه كما يضطر إلى الميتة ، فإن أكل منه شيئا قضاه . [ ص: 585 ]

8612 - حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا بشر بن المفضل قال : حدثنا شعبة ، عن عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " فليأكل بالمعروف " ، قال : قرضا .

8613 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

8614 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " فليأكل بالمعروف " ، قال : سلفا من مال يتيمه .

8615 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وعن حماد ، عن سعيد بن جبير " فليأكل بالمعروف " ، قالا هو القرض قال الثوري : وقاله الحكم أيضا ، ألا ترى أنه قال : " فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم

8616 - حدثني يعقوب قال : حدثنا هشيم قال : حدثنا حجاج ، عن مجاهد قال : هو القرض ، ما أصاب منه من شيء قضاه إذا أيسر يعني : " ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " .

8617 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : " فليأكل بالمعروف " ، قال : القرض ، ألا ترى إلى قوله : " فإذا دفعتم إليهم أموالهم

8618 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن عاصم ، عن أبي وائل قال : قرضا .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #456  
قديم 03-05-2023, 08:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,965
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ النِّسَاءُ
الحلقة (456)
صــ 586إلى صــ 599




8619 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن الحكم ، عن سعيد بن جبير قال : إذا احتاج الولي أو افتقر فلم يجد شيئا ، أكل من مال [ ص: 586 ] اليتيم وكتبه ، فإن أيسر قضاه ، وإن لم يوسر حتى تحضره الوفاة ، دعا اليتيم فاستحل منه ما أكل .

8620 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية قال : أخبرنا ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " ، من مال اليتيم ، بغير إسراف ولا قضاء عليه فيما أكل منه .

واختلف قائلو هذا القول في معنى : "أكل ذلك بالمعروف" . فقال بعضهم : أن يأكل من طعامه بأطراف الأصابع ، ولا يلبس منه .

ذكر من قال ذلك :

8621 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا سفيان ، عن السدي قال : أخبرني من سمع ابن عباس يقول : " ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " ، قال : بأطراف أصابعه .

8622 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عبيد الله الأشجعي ، عن سفيان ، عن السدي ، عمن سمع ابن عباس يقول ، فذكر مثله .

8623 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " ، يقول : " ومن كان غنيا " من ولي مال اليتيم ، فليستعفف عن أكله" ومن كان فقيرا " ، من ولي مال اليتيم ، فليأكل معه بأصابعه ، لا يسرف في الأكل ، ولا يلبس . [ ص: 587 ]

8624 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا حرمي بن عمارة قال : حدثنا شعبة ، عن عمارة ، عن عكرمة في مال اليتيم : يدك مع أيديهم ، ولا تتخذ منه قلنسوة .

8625 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عطاء وعكرمة قالا تضع يدك مع يده .

وقال آخرون : بل"المعروف" في ذلك : أن يأكل ما يسد جوعه ، ويلبس ما وارى العورة .

ذكر من قال ذلك :

8626 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا مغيرة ، عن إبراهيم قال : إن المعروف ليس بلبس الكتان ولا الحلل ، ولكن ما سد الجوع ووارى العورة .

8627 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن مغيرة ، عن إبراهيم قال : كان يقال : ليس المعروف بلبس الكتان والحلل ، ولكن المعروف ما سد الجوع ووارى العورة .

8628 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري ، عن مغيرة ، عن إبراهيم نحوه .

8629 - حدثنا علي بن سهل قال حدثنا الوليد بن مسلم قال : حدثنا أبو معبد قال : سئل مكحول عن والي اليتيم ، ما أكله بالمعروف إذا كان فقيرا؟ قال : يده مع يده . قيل له : فالكسوة؟ قال : يلبس من ثيابه ، فأما أن يتخذ من ماله مالا لنفسه فلا .

8630 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا الأشجعي ، عن سفيان ، عن مغيرة ، عن إبراهيم في قوله : " فليأكل بالمعروف " ، قال : ما سد الجوع ووارى [ ص: 588 ] العورة . أما إنه ليس لبوس الكتان والحلل .

وقال آخرون : بل ذلك"المعروف" ، أكل تمره ، وشرب رسل ماشيته ، بقيامه على ذلك ، فأما الذهب والفضة ، فليس له أخذ شيء منهما إلا على وجه القرض .

ذكر من قال ذلك :

8631 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن القاسم بن محمد قال : جاء رجل إلى ابن عباس فقال : إن في حجري أموال أيتام؟ وهو يستأذنه أن يصيب منها ، فقال ابن عباس : ألست تبغي ضالتها؟ قال : بلى! قال : ألست تهنأ جرباها؟ قال : بلى! قال : ألست تلط حياضها؟ قال : بلى! قال : ألست تفرط عليها يوم وردها؟ قال : بلى! قال : فأصب من رسلها يعني : من لبنها .

8632 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري ، عن يحيى بن سعيد ، عن القاسم بن محمد قال : جاء أعرابي إلى ابن عباس فقال : إن في حجري أيتاما ، وإن لهم إبلا ولي إبل ، وأنا أمنح في إبلي [ ص: 589 ] وأفقر ، فماذا يحل لي من ألبانها؟ قال : إن كنت تبغي ضالتها ، وتهنأ جرباها ، وتلوط حوضها ، وتسقى عليها ، فاشرب غير مضر بنسل ، ولا ناهك في الحلب .

8633 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الوهاب قال : حدثنا داود ، عن أبي العالية في هذه الآية : " ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " ، قال : من فضل الرسل والتمرة .

8634 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا داود ، عن أبي العالية في والي مال اليتيم قال : يأكل من رسل الماشية ومن التمرة لقيامه عليه ، ولا يأكل من المال . وقال : ألا ترى أنه قال : " فإذا دفعتم إليهم أموالهم

8635 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس قال سمعت داود ، عن رفيع أبي العالية قال : رخص لولي اليتيم أن يصيب من الرسل ويأكل من التمرة ، وأما الذهب والفضة فلا بد أن ترد . ثم قرأ : " فإذا دفعتم إليهم أموالهم " ، [ ص: 590 ] ألا ترى أنه قال : "لا بد من أن يدفع"؟

8636 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا عوف ، عن الحسن أنه قال : إنما كانت أموالهم إذ ذاك النخل والماشية ، فرخص لهم إذا كان أحدهم محتاجا أن يصيب من الرسل .

8637 - حدثني يعقوب قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا إسماعيل بن سالم ، عن الشعبي في قوله : " ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " ، قال : إذا كان فقيرا أكل من التمر ، وشرب من اللبن ، وأصاب من الرسل .

8638 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " ، ذكر لنا أن عم ثابت بن رفاعة وثابت يومئذ يتيم في حجره من الأنصار ، أتى نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا نبي الله ، إن ابن أخي يتيم في حجري ، فما يحل لي من ماله؟ قال : أن تأكل بالمعروف ، من غير أن تقي مالك بماله ، ولا تتخذ من ماله وفرا . وكان اليتيم يكون له الحائط من النخل ، فيقوم وليه على صلاحه وسقيه ، فيصيب من تمرته ، أو تكون له الماشية ، فيقوم وليه على صلاحها ، أو يلي علاجها [ ص: 591 ] ومئونتها ، فيصيب من جزازها وعوارضها ورسلها . فأما رقاب المال وأصول المال ، فليس له أن يستهلكه .

8639 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ يقول ، أخبرنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : "ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " ، يعني ركوب الدابة وخدمة الخادم . فإن أخذ من ماله قرضا في غنى ، فعليه أن يؤديه ، وليس له أن يأكل من ماله شيئا .

وقال آخرون منهم : له أن يأكل من جميع المال ، إذا كان يلي ذلك ، وإن أتى على المال ، ولا قضاء عليه .

ذكر من قال ذلك :

8640 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا إسماعيل بن صبيح ، عن أبي أويس ، عن يحيى بن سعيد وربيعة جميعا ، عن القاسم بن محمد قال : سئل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عما يصلح لولي اليتيم قال : إن كان غنيا فليستعفف ، وإن كان فقيرا فليأكل بالمعروف . [ ص: 592 ]

8641 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرنا يحيى بن أيوب ، عن محمد بن عجلان ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه : أن عمر بن الخطاب كان يقول : يحل لولي الأمر ما يحل لولي اليتيم : من كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " .

8642 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا الفضل بن عطية ، عن عطاء بن أبي رباح في قوله : " ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " ، قال : إذا احتاج فليأكل بالمعروف ، فإن أيسر بعد ذلك فلا قضاء عليه .

8643 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح قال : حدثنا الحسين بن واقد ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة والحسن البصري قالا ذكر الله تبارك وتعالى مال اليتامى فقال : " ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " ، ومعروف ذلك : أن يتقي الله في يتيمه .

8644 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام ، عن عمرو ، عن منصور ، عن إبراهيم : أنه كان لا يرى قضاء على ولي اليتيم إذا أكل وهو محتاج .

8645 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مغيرة ، عن حماد ، عن إبراهيم : " فليأكل بالمعروف " ، في الوصي ، قال : لا قضاء عليه .

8646 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن منصور ، عن إبراهيم أنه قال في هذه الآية : " ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " ، قال : إذا عمل فيه ولي اليتيم أكل بالمعروف .

8647 - حدثنا بشر بن محمد قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : كان الحسن يقول : إذا احتاج أكل بالمعروف من المال طعمة من الله له . [ ص: 593 ]

8648 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن الحسن البصري قال : قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم : إن في حجري يتيما ، أفأضربه؟ قال : فيما كنت ضاربا منه ولدك؟ قال : أفأصيب من ماله؟ قال : بالمعروف ، غير متأثل مالا ولا واق مالك بماله .

8649 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري ، عن ابن أبي نجيح ، عن الزبير بن موسى ، عن الحسن البصري ، مثله .

8650 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن عطاء أنه قال : يضع يده مع أيديهم فيأكل معهم ، كقدر خدمته وقدر عمله .

8651 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : والي اليتيم ، إذا كان محتاجا ، يأكل بالمعروف لقيامه بماله .

8652 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، وسألته عن قول الله تبارك وتعالى : " ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " ، قال : إن استغنى كف ، وإن كان فقيرا أكل بالمعروف . قال : أكل بيده معهم ، لقيامه على أموالهم ، وحفظه إياها ، يأكل مما يأكلون منه . وإن استغنى كف عنه ولم يأكل منه شيئا .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، قول من قال : "المعروف" [ ص: 594 ] الذي عناه الله تبارك وتعالى في قوله : " ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " ، أكل مال اليتيم عند الضرورة والحاجة إليه ، على وجه الاستقراض منه فأما على غير ذلك الوجه ، فغير جائز له أكله .

وذلك أن الجميع مجمعون على أن والي اليتيم لا يملك من مال يتيمه إلا القيام بمصلحته . فلما كان إجماعا منهم أنه غير مالكه ، وكان غير جائز لأحد أن يستهلك مال أحد غيره ، يتيما كان رب المال أو مدركا رشيدا وكان عليه إن تعدى فاستهلكه بأكل أو غيره ، ضمانه لمن استهلكه عليه ، بإجماع من الجميع وكان والي اليتيم سبيله سبيل غيره في أنه لا يملك مال يتيمه كان كذلك حكمه فيما يلزمه من قضائه إذا أكل منه ، سبيله سبيل غيره ، وإن فارقه في أن له الاستقراض منه عند الحاجة إليه ، كما له الاستقراض عليه عند حاجته إلى ما يستقرض عليه ، إذا كان قيما بما فيه مصلحته .

ولا معنى لقول من قال : "إنما عنى بالمعروف في هذا الموضع ، أكل والي اليتيم من مال اليتيم ، لقيامه عليه على وجه الاعتياض على عمله وسعيه" . لأن لوالي اليتيم أن يؤاجر نفسه منه للقيام بأموره ، إذا كان اليتيم محتاجا إلى ذلك بأجرة معلومة ، كما يستأجر له غيره من الأجراء ، وكما يشتري له من يعينه ، غنيا كان الوالي أو فقيرا .

وإذ كان ذلك كذلك وكان الله تعالى ذكره قد دل بقوله : " ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " ، على أن أكل مال اليتيم إنما أذن لمن أذن له من ولاته في حال الفقر والحاجة وكانت الحال التي للولاة [ ص: 595 ] أن يؤجروا أنفسهم من الأيتام مع حاجة الأيتام إلى الأجراء ، غير مخصوص بها حال غنى ولا حال فقر كان معلوما أن المعنى الذي أبيح لهم من أموال أيتامهم في كل أحوالهم ، غير المعنى الذي أبيح لهم ذلك فيه في حال دون حال .

ومن أبى ما قلنا ، ممن زعم أن لولي اليتيم أكل مال يتيمه عند حاجته إليه على غير وجه القرض ، استدلالا بهذه الآية قيل له : أمجمع على أن الذي قلت تأويل قوله : " ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف

فإن قال : لا!

قيل له : فما برهانك على أن ذلك تأويله ، وقد علمت أنه غير مالك مال يتيمه؟

فإن قال : لأن الله أذن له بأكله!

قيل له : أذن له بأكله مطلقا أم بشرط؟

فإن قال : بشرط ، وهو أن يأكله بالمعروف .

قيل له : وما ذلك"المعروف"؟ وقد علمت القائلين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الخالفين أن ذلك هو أكله قرضا وسلفا؟

ويقال لهم أيضا مع ذلك : أرأيت المولى عليهم في أموالهم من المجانين والمعاتيه ، ألولاة أموالهم أن يأكلوا من أموالهم عند حاجتهم إليه على غير وجه القرض لا الاعتياض من قيامهم بها ، كما قلتم ذلك في أموال اليتامى فأبحتموها لهم؟ فإن قالوا : ذلك لهم خرجوا من قول جميع الحجة .

وإن قالوا : ليس ذلك لهم .

قيل لهم : فما الفرق بين أموالهم وأموال اليتامى ، وحكم ولاتهم واحد : في أنهم ولاة أموال غيرهم؟ [ ص: 596 ]

فلن يقولوا في أحدهما شيئا إلا ألزموا في الآخر مثله .

ويسألون كذلك عن المحجور عليه : هل لمن يلي ماله أن يأكل ماله عند حاجته إليه؟ نحو سؤالناهم عن أموال المجانين والمعاتيه .
القول في تأويل قوله عز وجل ( فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : وإذا دفعتم ، يا معشر ولاة أموال اليتامى ، إلى اليتامى أموالهم"فأشهدوا عليهم" ، يقول : فأشهدوا على الأيتام باستيفائهم ذلك منكم ، ودفعكموه إليهم ، كما : -

8653 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم " ، يقول : إذا دفع إلى اليتيم ماله ، فليدفعه إليه بالشهود ، كما أمره الله تعالى .
القول في تأويل قوله ( وكفى بالله حسيبا ( 6 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : وكفى بالله كافيا من الشهود الذين يشهدهم والي اليتيم على دفعه مال يتيمه إليه ، كما : -

8654 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " وكفى بالله حسيبا " ، يقول : شهيدا . [ ص: 597 ]

يقال منه : "قد أحسبني الذي عندي" ، يراد به : كفاني . وسمع من العرب : "لأحسبنكم من الأسودين" يعني به : من الماء والتمر"والمحسب" من الرجال : المرتفع الحسب ، "والمحسب" ، المكفي .
القول في تأويل قوله ( للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا ( 7 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك تعالى ذكره : للذكور من أولاد الرجل الميت حصة من ميراثه ، وللإناث منهم حصة منه ، من قليل ما خلف بعده وكثيره ، حصة مفروضة ، واجبة معلومة مؤقتة .

وذكر أن هذه الآية نزلت من أجل أن أهل الجاهلية كانوا يورثون الذكور دون الإناث ، كما : -

8655 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة قال : كانوا لا يورثون النساء ، فنزلت : " وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون " . [ ص: 598 ]

8656 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة قال : نزلت في أم كحلة وابنة كحلة ، وثعلبة وأوس بن سويد ، وهم من الأنصار . كان أحدهم زوجها والآخر عم ولدها ، فقالت : يا رسول الله ، توفي زوجي وتركني وابنته ، فلم نورث! فقال عم ولدها : يا رسول الله ، لا تركب فرسا ، ولا تحمل كلا ولا تنكى عدوا ، يكسب عليها ولا تكتسب! فنزلت : " للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا " . [ ص: 599 ]

8657 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون " ، قال : كان النساء لا يورثن في الجاهلية من الآباء ، وكان الكبير يرث ، ولا يرث الصغير وإن كان ذكرا ، فقال الله تبارك وتعالى : " للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون " إلى قوله : " نصيبا مفروضا " .

قال أبو جعفر : ونصب قوله : " نصيبا مفروضا " ، وهو نعت للنكرة ، لخروجه مخرج المصدر ، كقول القائل : "لك علي حق واجبا" . ولو كان مكان قوله : " نصيبا مفروضا " اسم صحيح ، لم يجز نصبه . لا يقال : "لك عندي حق درهما" فقوله : " نصيبا مفروضا " ، كقوله : نصيبا فريضة وفرضا ، كما يقال : "عندي درهم هبة مقبوضة" .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #457  
قديم 03-05-2023, 08:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,965
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثامن
تَفْسِيرِ سُّورَةِ النِّسَاءُ
الحلقة (457)
صــ 7إلى صــ 21




[ ص: 7 ] القول في تأويل قوله تعالى ( وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا ( 8 ) )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في حكم هذه الآية ، هل هو محكم أو منسوخ ؟

فقال بعضهم : هو محكم .

ذكر من قال ذلك :

8658 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن الشيباني ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : محكمة ، وليست منسوخة يعني قوله : وإذا حضر القسمة أولو القربى الآية .

8659 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا الأشجعي ، عن سفيان ، عن الشيباني ، عن عكرمة ، عن ابن عباس مثله .

8660 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن مغيرة ، عن إبراهيم والشعبي قالا هي محكمة .

8661 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : واجب ، ما طابت به أنفس أهل الميراث .

[ ص: 8 ] 8662 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا الأشجعي ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين ، قال : هي واجبة على أهل الميراث ما طابت به أنفسهم .

8663 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا الأشجعي ، عن سفيان ، عن مغيرة ، عن إبراهيم والشعبي قالا : هي محكمة ، ليست بمنسوخة .

8664 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا يحيى بن عبد الرحمن ، عن سفيان وحدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : هي واجبة على أهل الميراث ، ما طابت به أنفسهم .

8665 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير : أنه سئل عن قوله : وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا فقال سعيد : هذه الآية يتهاون بها الناس . قال : وهما وليان ، أحدهما يرث ، والآخر لا يرث . والذي يرث هو الذي أمر أن يرزقهم قال : يعطيهم قال : والذي لا يرث هو الذي أمر أن يقول لهم قولا معروفا . وهي محكمة وليست بمنسوخة .

8666 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا مغيرة ، عن إبراهيم بنحو ذلك وقال : هي محكمة وليست بمنسوخة .

8667 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن مطرف ، عن الحسن قال : هي ثابتة ، ولكن الناس بخلوا وشحوا .

8668 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا منصور والحسن قالا : هي محكمة وليست بمنسوخة .

8669 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا عباد بن العوام ، عن الحجاج ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس قال : هي قائمة يعمل بها .

8670 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، [ ص: 9 ] عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه ، ما طابت به الأنفس حقا واجبا .

8671 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن الحسن والزهري قالا في قوله : وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه قال : هي محكمة .

8672 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا منصور ، عن قتادة ، عن يحيى بن يعمر قال : ثلاث آيات محكمات مدنيات تركهن الناس : هذه الآية : وآية الاستئذان : ( يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم ) [ سورة النور : 58 ] ، وهذه الآية : ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ) [ سورة الحجرات : 13 ] .

8673 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : كان الحسن يقول : هي ثابتة .

وقال آخرون : منسوخة .

ذكر من قال ذلك :

8674 - حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى قالا حدثنا ابن أبي عدي ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن سعيد أنه قال في هذه الآية : وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين قال : كانت هذه الآية قسمة قبل المواريث ، فلما أنزل الله المواريث لأهلها ، جعلت الوصية لذوي القرابة الذين يحزنون ولا يرثون .

8675 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا قرة بن خالد ، عن قتادة قال : سألت سعيد بن المسيب عن هذه الآية : وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين قال : هي منسوخة .

[ ص: 10 ] 8676 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب قال : كانت هذه قبل الفرائض وقسمة الميراث ، فلما كانت الفرائض والمواريث نسخت .

8677 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن السدي ، عن أبي مالك قال : نسختها آية الميراث .

8678 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا الأشجعي ، عن سفيان ، عن السدي ، عن أبي مالك مثله .

8679 - حدثنا محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثنا أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى الآية ، إلى قوله : قولا معروفا ، وذلك قبل أن تنزل الفرائض ، فأنزل الله تبارك وتعالى بعد ذلك الفرائض ، فأعطى كل ذي حق حقه ، فجعلت الصدقة فيما سمى المتوفى .

8680 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك قال : نسختها المواريث .

وقال آخرون : " هي محكمة وليست بمنسوخة ، غير أن معنى ذلك : وإذا حضر القسمة ، يعني بها قسمة الميت ماله بوصيته لمن كان يوصي له به " . قالوا : وأمر بأن يجعل وصيته في ماله لمن سماه الله تعالى في هذه الآية .

ذكر من قال ذلك :

8681 - حدثنا سعيد بن يحيى الأموي قال : حدثنا ابن المبارك ، عن ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة ، عن القاسم بن محمد : أن عبد الله بن عبد الرحمن قسم ميراث أبيه ، وعائشة حية ، فلم يدع في الدار أحدا إلا أعطاه ، وتلا هذه الآية : وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه . قال [ ص: 11 ] القاسم : فذكرت ذلك لابن عباس فقال : ما أصاب ، إنما هذه الوصية يريد الميت أن يوصي لقرابته . .

8682 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن جريج قال : أخبرني ابن أبي مليكة : أن القاسم بن محمد أخبره ، أن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر قسم ، فذكر نحوه .

8684 - حدثنا عمران بن موسى الصفار قال : حدثنا عبد الوارث بن سعيد قال : حدثنا داود ، عن سعيد بن المسيب في قوله : وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين قال : أمر أن يوصي بثلثه في قرابته .

8684 - حدثنا ابن المبارك قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا داود ، عن سعيد بن المسيب قال : إنما ذلك عند الوصية في ثلثه .

8685 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا عبد الوهاب قال : حدثنا داود ، عن سعيد بن المسيب : وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه ، قال : هي الوصية من الناس .

8686 - حدثنا يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين قال : القسمة الوصية ، كان الرجل إذا أوصى قالوا : " فلان يقسم ماله " . فقال : " ارزقوهم منه " . يقول : أوصوا لهم . يقول للذي يوصي : وقولوا لهم قولا معروفا فإن لم توصوا لهم ، فقولوا لهم خيرا .

[ ص: 12 ] قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصحة ، قول من قال : " هذه الآية محكمة غير منسوخة ، وإنما عنى بها الوصية لأولي قربى الموصي وعنى باليتامى والمساكين : أن يقال لهم قول معروف " .

وإنما قلنا ذلك أولى بالصحة من غيره ، لما قد بينا في غير موضع من كتابنا هذا وغيره - أن شيئا من أحكام الله تبارك وتعالى التي أثبتها في كتابه أو بينها على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - غير جائز فيه أن يقال له ناسخ لحكم آخر ، أو منسوخ بحكم آخر ، إلا والحكمان اللذان قضي لأحدهما بأنه ناسخ والآخر بأنه منسوخ - ناف كل واحد منهما صاحبه ، غير جائز اجتماع الحكم بهما في وقت واحد بوجه من الوجوه ، وإن كان جائزا صرفه إلى غير النسخ ، أو تقول بأن أحدهما ناسخ والآخر منسوخ ، حجة يجب التسليم لها .

وإذ كان ذلك كذلك ، لما قد دللنا في غير موضع وكان قوله تعالى ذكره : وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه ، محتملا أن يكون مرادا به : وإذا حضر قسمة مال قاسم ماله بوصية ، أولو قرابته واليتامى والمساكين ، فارزقوهم منه - يراد : فأوصوا لأولي قرابتكم الذين لا يرثونكم منه ، وقولوا لليتامى والمساكين قولا معروفا ، كما قال في موضع آخر : ( كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين ) [ سورة البقرة : 180 ] ، ولا يكون منسوخا بآية الميراث - لم يكن لأحد صرفه إلى أنه منسوخ بآية الميراث ، إذ كان لا دلالة على أنه منسوخ بها من كتاب أو سنة ثابتة ، وهو محتمل من التأويل ما بينا .

[ ص: 13 ] وإذ كان ذلك كذلك ، فتأويل قوله : وإذا حضر القسمة ، قسمة الموصي ماله بالوصية ، أولو قرابته واليتامى والمساكين فارزقوهم منه ، يقول : فاقسموا لهم منه بالوصية ، يعني : فأوصوا لأولي القربى من أموالكم وقولوا لهم ، يعني الآخرين ، وهم اليتامى والمساكين قولا معروفا ، يعني : يدعى لهم بخير ، كما قال ابن عباس وسائر من ذكرنا قوله قبل .

وأما الذين قالوا : " إن الآية منسوخة بآية المواريث " والذين قالوا : " هي محكمة ، والمأمور بها ورثة الميت " فإنهم وجهوا قوله : وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه ، يقول : فأعطوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا ، وقد ذكرنا بعض من قال ذلك ، وسنذكر بقية من قال ذلك ممن لم نذكره :

8687 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين ، أمر الله - جل ثناؤه - المؤمنين عند قسمة مواريثهم أن يصلوا أرحامهم ويتاماهم من الوصية ، إن كان أوصى ، وإن لم تكن وصية ، وصل إليهم من مواريثهم .

8688 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : وإذا حضر القسمة أولو القربى الآية ، يعني : عند قسمة الميراث .

8689 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن هشام بن عروة : أن أباه أعطاه من ميراث المصعب ، حين قسم ماله .

8690 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا [ ص: 14 ] عوف ، عن ابن سيرين قال : كانوا يرضخون لهم عند القسمة .

8691 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن مطر ، عن الحسن عن حطان : أن أبا موسى أمر أن يعطوا إذا حضر قسمة الميراث : أولو القربى واليتامى والمساكين والجيران من الفقراء .

8692 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا يحيى بن سعيد وابن أبي عدي ، ومحمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن قتادة ، عن يونس بن جبير ، عن حطان بن عبد الله الرقاشي قال : قسم أبو موسى بهذه الآية : وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين " .

8693 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا محمد ويحيى بن سعيد ، عن شعبة ، عن قتادة ، عن يونس بن جبير ، عن حطان ، عن أبي موسى في هذه الآية : " وإذا حضر القسمة " الآية قال : قضى بها أبو موسى .

8694 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن العلاء بن بدر في الميراث إذا قسم قال : كانوا يعطون منه التابوت والشيء الذي يستحيى من قسمته .

8695 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا داود ، عن الحسن وسعيد بن جبير ، كانا يقولان : ذاك عند قسمة الميراث .

8696 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن عاصم ، عن أبي العالية والحسن قالا : يرضخون ويقولون قولا معروفا ، في هذه الآية : وإذا حضر القسمة .

ثم اختلف الذين قالوا : " هذه الآية محكمة ، وأن القسمة لأولي القربى [ ص: 15 ] واليتامى والمساكين واجبة على أهل الميراث ، إن كان بعض أهل الميراث صغيرا فقسم عليه الميراث ولي ماله " .

فقال بعضهم : ليس لولي ماله أن يقسم من ماله ووصيته شيئا ، لأنه لا يملك من المال شيئا ، ولكنه يقول لهم قولا معروفا . قالوا : والذي أمره الله بأن يقول لهم معروفا ، هو ولي مال اليتيم إذا قسم مال اليتيم بينه وبين شركاء اليتيم ، إلا أن يكون ولي ماله أحد الورثة ، فيعطيهم من نصيبه ، ويعطيهم من يجوز أمره في ماله من أنصبائهم . قالوا : فأما من مال الصغير ، فالذي يولى عليه ماله ، لا يجوز لولي ماله أن يعطيهم منه شيئا .

ذكر من قال ذلك :

8697 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن السدي ، عن أبي سعيد قال : سألت سعيد بن جبير ، عن هذه الآية : وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه قال : إن كان الميت أوصى لهم بشيء ، أنفذت لهم وصيتهم ، وإن كان الورثة كبارا رضخوا لهم ، وإن كانوا صغارا قال وليهم : إني لست أملك هذا المال وليس لي ، وإنما هو للصغار . فذلك قوله : وقولوا لهم قولا معروفا .

8698 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير في هذه الآية : وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا قال : هما وليان ، ولي يرث ، وولي لا يرث . فأما الذي يرث فيعطى ، وأما الذي لا يرث فقولوا له قولا معروفا .

8699 - حدثني ابن المثنى قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثني داود ، عن الحسن وسعيد بن جبير كانا يقولان : ذلك عند قسمة الميراث . إن كان الميراث لمن قد أدرك ، فله أن يكسو منه وأن يطعم الفقراء والمساكين . وإن كان [ ص: 16 ] الميراث ليتامى صغار ، فيقول الولي : " إنه ليتامى صغار " ويقول لهم قولا معروفا .

8700 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن السدي ، عن أبي سعد ، عن سعيد بن جبير قال : إن كانوا كبارا رضخوا ، وإن كانوا صغارا اعتذروا إليهم .

8701 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن سليمان الشيباني ، عن عكرمة : وإذا حضر القسمة أولو القربى قال : كان ابن عباس يقول : إذا ولي شيئا من ذلك ، يرضخ لأقرباء الميت . وإن لم يفعل ، اعتذر إليهم وقال لهم قولا معروفا .

8702 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا ، هذه تكون على ثلاثة أوجه : أما وجه ، فيوصي لهم وصية ، فيحضرون ويأخذون وصيتهم وأما الثاني ، فإنهم يحضرون فيقتسمون إذا كانوا رجالا فينبغي لهم أن يعطوهم وأما الثالث ، فتكون الورثة صغارا ، فيقوم وليهم إذا قسم بينهم ، فيقول للذين حضروا : " حقكم حق ، وقرابتكم قرابة ، ولو كان لي في الميراث نصيب لأعطيتكم ، ولكنهم صغار ، فإن يكبروا فسيعرفون [ ص: 17 ] حقكم " فهذا القول المعروف .

8703 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا عبد الوهاب قال : حدثنا داود ، عن رجل ، عن سعيد أنه قال : وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا قال : إذا كان الوارث عند القسمة ، فكان الإناء والشيء الذي لا يستطاع أن يقسم ، فليرضخ لهم . وإن كان الميراث لليتامى ، فليقل لهم قولا معروفا .

وقال آخرون منهم : ذلك واجب في أموال الصغار والكبار لأولي القربى واليتامى والمساكين ، فإن كان الورثة كبارا تولوا عند القسمة إعطاءهم ذلك ، وإن كانوا صغارا تولى إعطاء ذلك منهم ولي مالهم .

ذكر من قال ذلك :

8704 - حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية ، عن يونس في قوله : وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه ، فحدث عن محمد ، عن عبيدة : أنه ولي وصية ، فأمر بشاة فذبحت وصنع طعاما ، لأجل هذه الآية ، وقال : لولا هذه الآية لكان هذا من مالي قال : وقال الحسن : لم تنسخ ، كانوا يحضرون فيعطون الشيء والثوب الخلق قال يونس : إن محمد بن سيرين ولي وصية - أو قال : أيتاما - فأمر بشاة فذبحت ، فصنع طعاما كما صنع عبيدة .

8705 - حدثنا مجاهد بن موسى قال : حدثنا يزيد قال : أخبرنا هشام بن حسان ، عن محمد : أن عبيدة قسم ميراث أيتام ، فأمر بشاة فاشتريت من مالهم ، [ ص: 18 ] وبطعام فصنع ، وقال : لولا هذه الآية لأحببت أن يكون من مالي . ثم قرأ هذه الآية : وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه ، الآية .

قال أبو جعفر : فكأن من ذهب من القائلين القول الذي ذكرناه عن ابن عباس وسعيد بن جبير ، ومن قال : " يرضخ عند قسمة الميراث لأولي القربى واليتامى والمساكين " تأول قوله : فارزقوهم منه ، فأعطوهم منه وكأن الذين ذهبوا إلى ما قال عبيدة وابن سيرين ، تأولوا قوله : " فارزقوهم منه " فأطعموهم منه .

واختلفوا في تأويل قوله : وقولوا لهم قولا معروفا .

فقال بعضهم : هو أمر من الله - تعالى ذكره - ولاة اليتامى أن يقولوا لأولي قرابتهم ولليتامى والمساكين إذا حضروا قسمتهم مال من ولوا عليه ماله من الأموال بينهم وبين شركائهم من الورثة فيها ، أن يعتذروا إليهم ، على نحو ما قد ذكرناه فيما مضى من الاعتذار ، كما :

8706 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : حدثنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير : وقولوا لهم قولا معروفا قال : هو الذي لا يرث ، أمر أن يقول لهم قولا معروفا . قال يقول : " إن هذا المال لقوم غيب ، أو ليتامى صغار ، ولكم فيه حق ، ولسنا نملك أن نعطيكم منه شيئا " . قال : فهذا القول المعروف .

وقال آخرون : بل المأمور بالقول المعروف الذي أمر - جل ثناؤه - أن يقال له ، هو الرجل الذي يوصي في ماله و " القول المعروف " هو الدعاء لهم بالرزق والغنى وما أشبه ذلك من قول الخير ، وقد ذكرنا قائلي ذلك أيضا فيما مضى .
[ ص: 19 ] القول في تأويل قوله تعالى ( وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا ( 9 ) )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك : فقال بعضهم : " وليخش " ليخف الذين يحضرون موصيا يوصي في ماله - أن يأمره بتفريق ماله وصية منه فيمن لا يرثه ، ولكن ليأمره أن يبقي ماله لولده ، كما لو كان هو الموصي ، يسره أن يحثه من يحضره على حفظ ماله لولده ، وأن لا يدعهم عالة مع ضعفهم وعجزهم عن التصرف والاحتيال .

ذكر من قال ذلك :

8707 - حدثني علي بن داود قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم إلى آخر الآية ، فهذا في الرجل يحضره الموت فيسمعه يوصي بوصية تضر بورثته ، فأمر الله سبحانه الذي سمعه أن يتقي الله ويوفقه ويسدده للصواب ، ولينظر لورثته كما كان يحب أن يصنع لورثته إذا خشي عليهم الضيعة .

8708 - حدثنا علي قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم ، يعني : الذي يحضره الموت فيقال له : " تصدق من مالك ، وأعتق ، وأعط منه في سبيل الله " . فنهوا أن يأمروه بذلك يعني أن من حضر [ ص: 20 ] منكم مريضا عند الموت فلا يأمره أن ينفق ماله في العتق أو الصدقة أو في سبيل الله ، ولكن يأمره أن يبين ماله وما عليه من دين ، ويوصي في ماله لذوي قرابته الذين لا يرثون ، ويوصي لهم بالخمس أو الربع . يقول : أليس يكره أحدكم إذا مات وله ولد ضعاف يعني صغارا أن يتركهم بغير مال ، فيكونوا عيالا على الناس ؟ فلا ينبغي أن تأمروه بما لا ترضون به لأنفسكم ولا أولادكم ، ولكن قولوا الحق من ذلك .

8709 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا ، قال يقول : من حضر ميتا فليأمره بالعدل والإحسان ، ولينهه عن الحيف والجور في وصيته ، وليخش على عياله ما كان خائفا على عياله لو نزل به الموت .

8710 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا قال : إذا حضرت وصية ميت فمره بما كنت آمرا نفسك بما تتقرب به إلى الله ، وخف في ذلك ما كنت خائفا على ضعفة ، لو تركتهم بعدك . يقول : فاتق الله وقل قولا سديدا ، إن هو زاغ .

8711 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا ، الرجل يحضره الموت ، فيحضره القوم عند الوصية ، فلا ينبغي لهم أن يقولوا له : " أوص بمالك كله ، وقدم لنفسك ، فإن الله سيرزق عيالك " ولا يتركوه يوصي بماله كله ، يقول للذين حضروا : وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم ، فيقول : كما [ ص: 21 ] يخاف أحدكم على عياله لو مات - إذ يتركهم صغارا ضعافا لا شيء لهم - الضيعة بعده ، فليخف ذلك على عيال أخيه المسلم ، فيقول له القول السديد .

8712 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن حبيب قال : ذهبت أنا والحكم بن عتيبة إلى سعيد بن جبير ، فسألناه عن قوله : وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا الآية ، قال قال : الرجل يحضره الموت ، فيقول له من يحضره : " اتق الله ، صلهم ، أعطهم ، برهم " ولو كانوا هم الذين يأمرهم بالوصية ، لأحبوا أن يبقوا لأولادهم .

8713 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير في قوله : وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا قال : يحضرهم اليتامى فيقولون : " اتق الله ، وصلهم ، وأعطهم " فلو كانوا هم ، لأحبوا أن يبقوا لأولادهم .

8714 - حدثني يحيى بن أبي طالب قال : أخبرنا يزيد قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك في قوله : وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا ، الآية ، يقول : إذا حضر أحدكم من حضره الموت عند وصيته ، فلا يقل : " أعتق من مالك ، وتصدق " فيفرق ماله ويدع أهله عيلا ولكن مروه فليكتب ماله من دين وما عليه ، ويجعل من ماله لذوي قرابته خمس ماله ، ويدع سائره لورثته .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #458  
قديم 03-05-2023, 08:37 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,965
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثامن
تَفْسِيرِ سُّورَةِ النِّسَاءُ
الحلقة (458)
صــ 22إلى صــ 36







8715 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم [ ص: 22 ] الآية قال : هذا يفرق المال حين يقسم ، فيقول الذين يحضرون : " أقللت ، زد فلانا " فيقول الله تعالى : وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ، فليخش أولئك ، وليقولوا فيهم مثل ما يحب أحدهم أن يقال في ولده بالعدل إذا أكثر : " أبق على ولدك " .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : وليخش الذين يحضرون الموصي وهو يوصي الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا فخافوا عليهم الضيعة من ضعفهم وطفولتهم أن ينهوه عن الوصية لأقربائه ، وأن يأمروه بإمساك ماله والتحفظ به لولده ، وهم لو كانوا من أقرباء الموصي ، لسرهم أن يوصي لهم .

ذكر من قال ذلك :

8716 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن حبيب قال : ذهبت أنا والحكم بن عتيبة ، فأتينا مقسما فسألناه يعني عن قوله : وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا الآية فقال : ما قال سعيد بن جبير ؟ فقلنا : كذا وكذا . فقال : ولكنه الرجل يحضره الموت ، فيقول له من يحضره : " اتق الله وأمسك عليك مالك ، فليس أحد أحق بمالك من ولدك " ولو كان الذي يوصي ذا قرابة لهم ، لأحبوا أن يوصي لهم .

8717 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري ، عن حبيب بن أبي ثابت قال : قال مقسم : هم الذين يقولون : " اتق الله وأمسك عليك مالك " فلو كان ذا قرابة لهم لأحبوا أن يوصي لهم .

8718 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن [ ص: 23 ] أبيه قال : زعم حضرمي وقرأ : وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا ، قال قالوا : حقيق أن يأمر صاحب الوصية بالوصية لأهلها ، كما أن لو كانت ذرية نفسه بتلك المنزلة ، لأحب أن يوصي لهم ، وإن كان هو الوارث ، فلا يمنعه ذلك أن يأمره بالذي يحق عليه ، فإن ولده لو كانوا بتلك المنزلة أحب أن يحث عليه ، فليتق الله هو ، فليأمره بالوصية ، وإن كان هو الوارث ، أو نحوا من ذلك .

وقال آخرون : بل معنى ذلك ، أمر من الله ولاة اليتامى أن يلوهم بالإحسان إليهم في أنفسهم وأموالهم ، ولا يأكلوا أموالهم إسرافا وبدارا أن يكبروا ، وأن يكونوا لهم كما يحبون أن يكون ولاة ولده الصغار بعدهم لهم بالإحسان إليهم ، لو كانوا هم الذين ماتوا وتركوا أولادهم يتامى صغارا .

[ ص: 24 ] ذكر من قال ذلك :

8719 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم ، يعني بذلك الرجل يموت وله أولاد صغار ضعاف ، يخاف عليهم العيلة والضيعة ، ويخاف بعده أن لا يحسن إليه من يليهم ، يقول : فإن ولي مثل ذريته ضعافا يتامى ، فليحسن إليهم ، ولا يأكل أموالهم إسرافا وبدارا خشية أن يكبروا ، فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا .

وقال آخرون : معنى ذلك : وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا ، يكفهم الله أمر ذريتهم بعدهم .

ذكر من قال ذلك :

8720 - حدثنا إبراهيم بن عطية بن رديح بن عطية قال : حدثني عمي محمد بن رديح ، عن أبيه ، عن السيباني قال : كنا بالقسطنطينية أيام مسلمة بن عبد الملك ، وفينا ابن محيريز وابن الديلمي ، وهانئ بن كلثوم قال : فجعلنا نتذاكر ما يكون في آخر الزمان . قال : فضقت ذرعا بما سمعت . قال : فقلت لابن الديلمي : يا أبا بشر ، بودي أنه لا يولد لي ولد أبدا ! قال : فضرب بيده على منكبي وقال : يابن أخي ، لا تفعل ، فإنه ليست من نسمة كتب الله لها أن تخرج من صلب رجل إلا وهي خارجة إن شاء ، وإن أبى . قال : ألا أدلك على أمر إن أنت أدركته نجاك الله منه ، وإن تركت ولدك من بعدك حفظهم الله فيك ؟ قال : قلت : بلى ! قال : فتلا عند ذلك هذه الآية : وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا . .

[ ص: 25 ] قال أبو جعفر : وأولى التأويلات بالآية ، قول من قال : تأويل ذلك : وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم العيلة لو كانوا فرقوا أموالهم في حياتهم ، أو قسموها وصية منهم بها لأولي قرابتهم وأهل اليتم والمسكنة ، فأبقوا أموالهم لولدهم خشية العيلة عليهم بعدهم ، مع ضعفهم وعجزهم عن المطالب ، فليأمروا من حضروه وهو يوصي لذوي قرابته - وفي اليتامى والمساكين وفي غير ذلك - بماله بالعدل وليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا ، وهو أن يعرفوه ما أباح الله له من الوصية ، وما اختاره للموصين من أهل الإيمان بالله وبكتابه وسنته .

وإنما قلنا ذلك بتأويل الآية أولى من غيره من التأويلات ، لما قد ذكرنا فيما مضى قبل : من أن معنى قوله : " وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا " : وإذا حضر القسمة أولو القربي واليتامى والمساكين فأوصوا لهم - بما قد دللنا عليه من الأدلة .

فإذا كان ذلك تأويل قوله : وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين الآية ، فالواجب أن يكون قوله تعالى ذكره : وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ، تأديبا منه عباده في أمر الوصية بما أذنهم فيه ، إذ كان ذلك عقيب الآية التي قبلها في حكم الوصية ، وكان أظهر معانيه ما قلنا ، فإلحاق حكمه بحكم ما قبله أولى ، مع اشتباه معانيهما ، من صرف حكمه إلى غيره بما هو له غير مشبه . [ ص: 26 ] وبمعنى ما قلنا في تأويل قوله : وليقولوا قولا سديدا ، قال من ذكرنا قوله في مبتدأ تأويل هذه الآية ، وبه كان ابن زيد يقول .

8721 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا قال : يقول قولا سديدا ، يذكر هذا المسكين وينفعه ، ولا يجحف بهذا اليتيم وارث المؤدي ولا يضر به ، لأنه صغير لا يدفع عن نفسه ، فانظر له كما تنظر إلى ولدك لو كانوا صغارا .

و " السديد " من الكلام ، هو العدل والصواب .
القول في تأويل قوله ( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا ( 10 ) )

قال أبو جعفر : يعني بقوله - جل ثناؤه - : إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما ، يقول : بغير حق ، إنما يأكلون في بطونهم نارا يوم القيامة ، بأكلهم أموال اليتامى ظلما في الدنيا ، نار جهنم " وسيصلون " بأكلهم " سعيرا " كما :

8722 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا قال : إذا قام الرجل يأكل مال اليتيم ظلما ، يبعث يوم القيامة ولهب النار يخرج من فيه ومن مسامعه ومن أذنيه وأنفه وعينيه ، يعرفه من رآه بأكل مال اليتيم .

[ ص: 27 ] 8723 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر قال : أخبرني أبو هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري قال : حدثنا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ليلة أسري به قال : نظرت فإذا أنا بقوم لهم مشافر كمشافر الإبل ، وقد وكل بهم من يأخذ بمشافرهم ، ثم يجعل في أفواههم صخرا من نار يخرج من أسافلهم ، قلت : يا جبريل ، من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا " . .

8724 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا قال : قال أبي : إن هذه لأهل الشرك ، حين كانوا لا يورثونهم ، ويأكلون أموالهم .

وأما قوله : وسيصلون سعيرا ، فإنه مأخوذ من " الصلا " و " الصلا " الاصطلاء بالنار ، وذلك التسخن بها ، كما قال الفرزدق :


وقاتل كلب الحي عن نار أهله ليربض فيها والصلا متكنف
[ ص: 28 ] وكما قال العجاج :


وصاليات للصلا صلي
ثم استعمل ذلك في كل من باشر بيده أمرا من الأمور ، من حرب أو قتال أو خصومة أو غير ذلك ، كما قال الشاعر : [ ص: 29 ]
لم أكن من جناتها علم الل ه وإني بحرها اليوم صالي


فجعل ما باشر من شدة الحرب وأذى القتال ، بمنزلة مباشرة أذى النار وحرها .

واختلفت القرأة في قراءة ذلك .

فقرأته عامة قرأة المدينة والعراق : ( وسيصلون سعيرا ) بفتح " الياء " على التأويل الذي قلناه .

وقرأ ذلك بعض المكيين وبعض الكوفيين : " وسيصلون " بضم " الياء " بمعنى : يحرقون .

من قولهم : " شاة مصلية " يعني : مشوية .

قال أبو جعفر : والفتح بذلك أولى من الضم ، لإجماع جميع القرأة على فتح " الياء " في قوله : ( لا يصلاها إلا الأشقى ) [ سورة الليل : 15 ] ، ولدلالة قوله : ( إلا من هو صالي الجحيم ) [ سورة الصافات : 163 ] ، على أن الفتح بها أولى من الضم .

[ ص: 30 ] وأما " السعير " : فإنه شدة حر جهنم ، ومنه قيل : " استعرت الحرب " إذا اشتدت ، وإنما هو " مسعور " ثم صرف إلى " سعير " كما قيل : " كف خضيب " و " لحية دهين " وإنما هي " مخضوبة " صرفت إلى " فعيل " .

فتأويل الكلام إذا : وسيصلون نارا مسعرة ، أي : موقودة مشعلة شديدا حرها .

وإنما قلنا إن ذلك كذلك ، لأن الله - جل ثناؤه - قال : ( وإذا الجحيم سعرت ) ، [ سورة التكوير : 12 ] ، فوصفها بأنها مسعورة .

ثم أخبر - جل ثناؤه - أن أكلة أموال اليتامى يصلونها وهي كذلك . ف " السعير " إذا في هذا الموضع ، صفة للجحيم على ما وصفنا .
القول في تأويل قوله تعالى ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين )

قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : يوصيكم الله ، يعهد الله إليكم ، في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ، يقول : يعهد إليكم ربكم إذا مات الميت منكم وخلف أولادا ذكورا وإناثا ، فلولده الذكور والإناث ميراثه أجمع بينهم ، للذكر منهم مثل حظ الأنثيين ، إذا لم يكن له وارث غيرهم ، سواء فيه صغار ولده وكبارهم وإناثهم ، في أن جميع ذلك بينهم ، للذكر مثل حظ الأنثيين .

[ ص: 31 ] ورفع قوله : " مثل " بالصفة ، وهي " اللام " التي في قوله : " للذكر " ولم ينصب بقوله : " يوصيكم الله " لأن " الوصية " في هذا الموضع عهد وإعلام بمعنى القول ، و " القول " لا يقع على الأسماء المخبر عنها . فكأنه قيل : يقول الله تعالى ذكره لكم : في أولادكم للذكر منهم مثل حظ الأنثيين .

قال أبو جعفر : وقد ذكر أن هذه الآية نزلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - تبيينا من الله الواجب من الحكم في ميراث من مات وخلف ورثة ، على ما بين . لأن أهل الجاهلية كانوا لا يقسمون من ميراث الميت لأحد من ورثته بعده ، ممن كان لا يلاقي العدو ولا يقاتل في الحروب من صغار ولده ، ولا للنساء منهم . وكانوا يخصون بذلك المقاتلة دون الذرية . فأخبر الله - جل ثناؤه - أن ما خلفه الميت بين من سمى وفرض له ميراثا في هذه الآية ، وفي آخر هذه السورة ، فقال في صغار ولد الميت وكبارهم وإناثهم : لهم ميراث أبيهم ، إذا لم يكن له وارث غيرهم ، للذكر مثل حظ الأنثيين .

ذكر من قال ذلك :

8725 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ، كان أهل الجاهلية لا يورثون الجواري ولا الصغار من الغلمان ، لا يرث الرجل من ولده إلا من أطاق القتال ، فمات عبد الرحمن أخو حسان الشاعر ، وترك امرأة يقال لها أم كجة ، وترك خمس أخوات ، فجاءت الورثة يأخذون ماله ، فشكت أم كجة ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية : [ ص: 32 ] فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ثم قال في أم كجة : ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن .

8726 - حدثنا محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ، وذلك أنه لما نزلت الفرائض التي فرض الله فيها ما فرض للولد الذكر والأنثى والأبوين ، كرهها الناس أو بعضهم ، وقالوا : " تعطى المرأة الربع والثمن وتعطى الابنة النصف ، ويعطى الغلام الصغير ، وليس من هؤلاء أحد يقاتل القوم ولا يحوز الغنيمة ! ! اسكتوا عن هذا الحديث لعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينساه ، أو نقول له فيغيره " . فقال بعضهم : يا رسول الله ، أنعطي الجارية نصف ما ترك أبوها ، وليست تركب الفرس ولا تقاتل القوم ، ونعطي الصبي الميراث وليس يغني شيئا ؟ ! وكانوا يفعلون ذلك في الجاهلية ، لا يعطون الميراث إلا من قاتل ، يعطونه الأكبر فالأكبر .

وقال آخرون : بل نزل ذلك من أجل أن المال كان للولد قبل نزوله ، وللوالدين الوصية ، فنسخ الله تبارك وتعالى ذلك بهذه الآية .

ذكر من قال ذلك :

8727 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد أو عطاء ، عن ابن عباس في قوله : يوصيكم الله في أولادكم [ ص: 33 ] قال : كان المال للولد ، وكانت الوصية للوالدين والأقربين ، فنسخ الله من ذلك ما أحب ، فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين ، وجعل للأبوين لكل واحد منهما السدس مع الولد ، وللزوج الشطر والربع ، وللزوجة الربع والثمن .

8728 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين قال : كان ابن عباس يقول : كان المال ، وكانت الوصية للوالدين والأقربين ، فنسخ الله تبارك وتعالى من ذلك ما أحب ، فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين ، ثم ذكر نحوه .

8729 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد عن ابن عباس مثله .

وروي عن جابر بن عبد الله ما : -

8730 - حدثنا به محمد بن المثنى قال : حدثنا وهب بن جرير قال : حدثنا شعبة ، عن محمد بن المنكدر قال : سمعت جابر بن عبد الله قال : دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا مريض ، فتوضأ ونضح علي من وضوئه ، فأفقت فقلت : يا رسول الله ، إنما يرثني كلالة ، فكيف بالميراث ؟ فنزلت آية الفرائض . [ ص: 34 ] 8731 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : حدثني محمد بن المنكدر ، عن جابر قال : عادني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر رضي الله عنه في بني سلمة يمشيان ، فوجداني لا أعقل ، فدعا بماء فتوضأ ثم رش علي ، فأفقت فقلت : يا رسول الله ، كيف أصنع في مالي ؟ فنزلت يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين . . .
القول في تأويل قوله تعالى ( فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك )

قال أبو جعفر : يعني بقوله : " فإن كن " فإن كان المتروكات نساء فوق اثنتين ، ويعني بقوله : " نساء " بنات الميت ، " فوق اثنتين " يقول : أكثر في العدد من اثنتين فلهن ثلثا ما ترك ، يقول : فلبناته الثلثان مما ترك بعده من ميراثه ، دون سائر ورثته ، إذا لم يكن الميت خلف ولدا ذكرا معهن . واختلف أهل العربية في المعنى بقوله : فإن كن نساء .

فقال بعض نحويي البصرة بنحو الذي قلنا : فإن كان المتروكات نساء وهو أيضا قول بعض نحويي الكوفة . [ ص: 35 ] وقال آخرون منهم : بل معنى ذلك ، فإن كان الأولاد نساء ، وقال : إنما ذكر الله الأولاد فقال : يوصيكم الله في أولادكم ، ثم قسم الوصية فقال : فإن كن نساء ، وإن كان الأولاد نساء ، وإن كان الأولاد واحدة ، ترجمة منه بذلك عن " الأولاد " .

قال أبو جعفر : والقول الأول الذي حكيناه عمن حكيناه عنه من البصريين ، أولى بالصواب في ذلك عندي . لأن قوله : " وإن كن " لو كان معنيا به " الأولاد " لقيل : " وإن كانوا " لأن " الأولاد " تجمع الذكور والإناث . وإذا كان كذلك ، فإنما يقال ، " كانوا " لا " كن " .
القول في تأويل قوله تعالى ( وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد )

قال أبو جعفر : يعني بقوله : " وإن كانت " : وإن كانت المتروكة ابنة واحدة " فلها النصف " يقول : فلتلك الواحدة نصف ما ترك الميت من ميراثه ، إذا لم يكن معها غيرها من ولد الميت ذكر ولا أنثى .

[ ص: 36 ] فإن قال قائل : فهذا فرض الواحدة من النساء وما فوق الاثنتين ، فأين فريضة الاثنتين ؟

قيل : فريضتهم بالسنة المنقولة نقل الوراثة التي لا يجوز فيها الشك .

وأما قوله : " ولأبويه " فإنه يعني : ولأبوي الميت لكل واحد منهما السدس ، من تركته وما خلف من ماله ، سواء فيه الوالدة والوالد ، لا يزداد واحد منهما على السدس إن كان له ولد ، ذكرا كان الولد أو أنثى ، واحدا كان أو جماعة .

فإن قال قائل : فإن كان كذلك التأويل ، فقد يجب أن لا يزاد الوالد مع الابنة الواحدة على السدس من ميراثه عن ولده الميت . وذلك إن قلته - قول خلاف لما عليه الأمة مجمعة ، من تصييرهم باقي تركة الميت مع الابنة الواحدة بعد أخذها نصيبها منها - لوالده أجمع !




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #459  
قديم 03-05-2023, 08:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,965
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثامن
تَفْسِيرِ سُّورَةِ النِّسَاءُ
الحلقة (459)
صــ 37إلى صــ 51




قيل : ليس الأمر في ذلك كالذي ظننت ، وإنما لكل واحد من أبوي الميت السدس من تركته مع ولده ، ذكرا كان الولد أو أنثى ، واحدا كان أو جماعة ، فريضة من الله له مسماة . فإما زيد على ذلك من بقية النصف مع الابنة الواحدة [ ص: 37 ] إذا لم يكن غيره وغير ابنة للميت واحدة ، فإنما زيدها ثانيا بقرب عصبة الميت إليه ، إذ كان حكم كل ما أبقته سهام الفرائض ، فلأولى عصبة الميت وأقربهم إليه ، بحكم ذلك لها على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان الأب أقرب عصبة ابنه وأولاها به ، إذا لم يكن لابنه الميت ابن .
القول في تأويل قوله تعالى ( فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث )

قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : فإن لم يكن له ، فإن لم يكن للميت " ولد " ذكر ولا أنثى وورثه أبواه ، دون غيرهما من ولد وارث فلأمه الثلث ، يقول : فلأمه من تركته وما خلف بعده - ثلث جميع ذلك .

فإن قال قائل : فمن الذي له الثلثان الآخران .

قيل له : الأب .

فإن قال : بماذا ؟ [ ص: 38 ] قلت : بأنه أقرب أهل الميت إليه ، ولذلك ترك ذكر تسمية من له الثلثان الباقيان ، إذ كان قد بين على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعباده أن كل ميت فأقرب عصبته به أولى بميراثه ، بعد إعطاء ذوي السهام المفروضة سهامهم من ميراثه .

وهذه العلة ، هي العلة التي من أجلها سمي للأم ما سمي لها ، إذا لم يكن الميت خلف وارثا غير أبويه ، لأن الأم ليست بعصبة في حال للميت . فبين الله - جل ثناؤه - لعباده ما فرض لها من ميراث ولدها الميت ، وترك ذكر من له الثلثان الباقيان منه معه ، إذ كان قد عرفهم في جملة بيانه لهم من له بقايا تركة الأموال بعد أخذ أهل السهام سهامهم وفرائضهم ، وكان بيانه ذلك ، مغنيا لهم على تكرير حكمه مع كل من قسم له حقا من ميراث ميت ، وسمى له منه سهما .
القول في تأويل قوله تعالى ( فإن كان له إخوة فلأمه السدس )

قال أبو جعفر : إن قال قائل : وما المعنى الذي من أجله ذكر حكم الأبوين مع الإخوة ، وترك ذكر حكمهما مع الأخ الواحد ؟

قلت : اختلاف حكمهما مع الإخوة الجماعة والأخ الواحد ، فكان في إبانة [ ص: 39 ] الله - جل ثناؤه - لعباده حكمهما فيما يرثان من ولدهما الميت مع إخوته ، غنى وكفاية عن أن حكمهما فيما ورثا منه غير متغير عما كان لهما ، ولا أخ للميت ولا وارث غيرهما . إذ كان معلوما عندهم أن كل مستحق حقا بقضاء الله ذلك له ، لا ينتقل حقه الذي قضى به له ربه - جل ثناؤه - عما قضى به له إلى غيره ، إلا بنقل الله ذلك عنه إلى من نقله إليه من خلقه . فكان في فرضه تعالى ذكره للأم ما فرض إذا لم يكن لولدها الميت وارث غيرها وغير والده ولا أخ - الدلالة الواضحة للخلق أن ذلك المفروض وهو ثلث مال ولدها الميت حق لها واجب حتى يغير ذلك الفرض من فرض لها . فلما غير تعالى ذكره ما فرض لها من ذلك مع الإخوة الجماعة ، وترك تغييره مع الأخ الواحد ، علم بذلك أن فرضها غير متغير عما فرض لها إلا في الحال التي غيره فيها من لزم العباد طاعته ، دون غيرها من الأحوال .

ثم اختلف أهل التأويل في عدد الإخوة الذين عناهم الله تعالى ذكره بقوله : " فإن كان له إخوة " .

فقال جماعة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتابعين لهم بإحسان ، ومن بعدهم من علماء أهل الإسلام في كل زمان : عنى الله - جل ثناؤه - بقوله : فإن كان له إخوة فلأمه السدس اثنين كان الإخوة أو أكثر منهما ، أنثيين كانتا أو كن إناثا ، أو ذكرين كانا أو كانوا ذكورا ، أو كان أحدهما ذكرا والآخر أنثى . واعتل كثير ممن قال ذلك ، بأن ذلك قالته الأمة عن بيان الله جل [ ص: 40 ] ثناؤه على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - فنقلته أمة نبيه نقلا مستفيضا قطع العذر مجيئه ، ودفع الشك فيه عن قلوب الخلق وروده .

وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقول : بل عنى الله - جل ثناؤه - بقوله : فإن كان له إخوة ، جماعة أقلها ثلاثة . وكان ينكر أن يكون الله - جل ثناؤه - حجب الأم عن ثلثها مع الأب بأقل من ثلاثة إخوة . فكان يقول في أبوين وأخوين : للأم الثلث ، وما بقي فللأب ، كما قال أهل العلم في أبوين وأخ واحد .

ذكر الرواية عنه بذلك :

8732 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال : حدثنا ابن أبي فديك قال : حدثني ابن أبي ذئب ، عن شعبة مولى ابن عباس ، عن ابن عباس : أنه دخل على عثمان رضي الله عنه فقال : لم صار الأخوان يردان الأم إلى السدس ، وإنما قال الله : فإن كان له إخوة ، والأخوان في لسان قومك وكلام قومك ليسا بإخوة ؟ فقال عثمان رحمه الله هل أستطيع نقض أمر كان قبلي ، وتوارثه الناس ومضى في الأمصار ؟ [ ص: 41 ] قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي أن المعني بقوله : فإن كان له إخوة - اثنان من إخوة الميت فصاعدا ، على ما قاله أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دون ما قاله ابن عباس رضي الله عنهما ، لنقل الأمة وراثة صحة ما قالوه من ذلك عن الحجة ، وإنكارهم ما قاله ابن عباس في ذلك .

فإن قال قائل : وكيف قيل في الأخوين " إخوة " وقد علمت أن ل " الأخوين " في منطق العرب مثالا لا يشبه مثال " الإخوة " في منطقها ؟

قيل : إن ذلك وإن كان كذلك ، فإن من شأنها التأليف بين الكلامين يتقارب معنياهما ، وإن اختلفا في بعض وجوههما . فلما كان ذلك كذلك ، وكان مستفيضا في منطقها منتشرا مستعملا في كلامها : " ضربت من عبد الله وعمرو رءوسهما ، وأوجعت منهما ظهورهما " وكان ذلك أشد استفاضة في منطقها من أن يقال : " أوجعت منهما ظهريهما " وإن كان مقولا " أوجعت ظهريهما " كما قال الفرزدق :


بما في فؤادينا من الشوق والهوى فيبرأ منهاض الفؤاد المشعف
[ ص: 42 ] غير أن ذلك وإن كان مقولا فأفصح منه : " بما في أفئدتنا " كما قال - جل ثناؤه - : ( إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما ) [ سورة التحريم : 4 ] .

فلما كان ما وصفت من إخراج كل ما كان في الإنسان واحدا إذا ضم إلى الواحد منه آخر من إنسان آخر فصارا اثنين من اثنين ، بلفظ الجميع - أفصح في منطقها وأشهر في كلامها وكان " الأخوان " شخصين ، كل واحد منهما غير صاحبه ، من نفسين مختلفين ، أشبه معنياهما معنى ما كان في الإنسان من [ ص: 43 ] أعضائه واحدا لا ثاني له ، فأخرج اثناهما بلفظ اثني العضوين اللذين وصفت ، فقيل " إخوة " في معنى " الأخوين " كما قيل " ظهور " في معنى " الظهرين " و " أفواه " في معنى " فموين " و " قلوب " في معنى " قلبين " .

وقد قال بعض النحويين : إنما قيل " إخوة " لأن أقل الجمع اثنان . وذلك أن ذلك ضم شيء إلى شيء صارا جميعا بعد أن كانا فردين ، فجمعا ليعلم أن الاثنين جمع .

قال أبو جعفر : وهذا وإن كان كذلك في المعنى ، فليس بعلة تنبئ عن جواز إخراج ما قد جرى الكلام مستعملا مستفيضا على ألسن العرب لاثنيه بمثال وصورة غير مثال ثلاثة فصاعدا منه وصورتها . لأن من قال : " أخواك قاما " فلا شك أنه قد علم أن كل واحد من " الأخوين " فرد ضم أحدهما إلى الآخر فصارا جميعا بعد أن كانا شتى . غير أن الأمر وإن كان كذلك ، فلا تستجيز العرب في كلامها أن يقال : " أخواك قاموا " فيخرج قولهم " قاموا " وهو لفظ للخبر عن الجميع ، خبرا عن " الأخوين " وهما بلفظ الاثنين . لأن كل ما جرى به الكلام على ألسنتهم معروفا عندهم بمثال وصورة ، إذا غيره مغير عما قد عرفوه فيهم ، [ ص: 44 ] نكروه . فكذلك " الأخوان " وإن كان مجموعين ضم أحدهما إلى صاحبه ، فلهما مثال في المنطق وصورة غير مثال الثلاثة منهم فصاعدا وصورتهم . فغير جائز أن يغير أحدهما إلى الآخر إلا بمعنى مفهوم . وإذا كان ذلك كذلك ، فلا قول أولى بالصحة مما قلنا قبل .

قال أبو جعفر : فإن قال قائل : ولم نقصت الأم عن ثلثها بمصير إخوة الميت معها اثنين فصاعدا ؟

قيل : اختلفت العلماء في ذلك .

فقال بعضهم : نقصت الأم عن ذلك دون الأب ، لأن على الأب مؤنهم دون أمهم .

ذكر من قال ذلك :

8733 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس ، أضروا بالأم ولا يرثون ، ولا يحجبها الأخ الواحد من الثلث ، ويحجبها ما فوق ذلك . وكان أهل العلم يرون أنهم إنما حجبوا أمهم من [ ص: 45 ] الثلث لأن أباهم يلي نكاحهم والنفقة عليهم دون أمهم .

وقال آخرون : بل نقصت الأم السدس ، وقصر بها على سدس واحد ، معونة لإخوة الميت بالسدس الذي حجبوا أمهم عنه .

ذكر من قال ذلك :

8734 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : السدس الذي حجبته الإخوة الأم - لهم ، إنما حجبوا أمهم عنه ليكون لهم دون أمهم .

وقد روي عن ابن عباس خلاف هذا القول ، وذلك ما :

8735 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن الحسن بن محمد ، عن ابن عباس قال : الكلالة من لا ولد له ولا والد .

قال أبو جعفر : وأولى ذلك بالصواب أن يقال في ذلك : إن الله تعالى ذكره فرض للأم مع الإخوة السدس ، لما هو أعلم به من مصلحة خلقه وقد يجوز أن يكون ذلك كان لما ألزم الآباء لأولادهم وقد يجوز أن يكون ذلك لغير ذلك . وليس ذلك مما كلفنا علمه ، وإنما أمرنا بالعمل بما علمنا .

وأما الذي روي عن طاوس عن ابن عباس ، فقول لما عليه الأمة مخالف . وذلك أنه لا خلاف بين الجميع : أن لا ميراث لأخي ميت مع والده . فكفى إجماعهم على خلافه شاهدا على فساده .
[ ص: 46 ] القول في تأويل قوله تعالى ( من بعد وصية يوصي بها أو دين )

قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : من بعد وصية يوصي بها أو دين ، أن الذي قسم الله تبارك وتعالى لولد الميت الذكور منهم والإناث ولأبويه من تركته من بعد وفاته ، إنما يقسمه لهم على ما قسمه لهم في هذه الآية من بعد قضاء دين الميت الذي مات وهو عليه من تركته ، ومن بعد تنفيذ وصيته في بابها بعد قضاء دينه كله . فلم يجعل تعالى ذكره لأحد من ورثة الميت ، ولا لأحد ممن أوصى له بشيء ، إلا من بعد قضاء دينه من جميع تركته ، وإن أحاط بجميع ذلك . ثم جعل أهل الوصايا بعد قضاء دينه - شركاء ورثته فيما بقي لما أوصى لهم به ، ما لم يجاوز ذلك ثلثه . فإن جاوز ذلك ثلثه ، جعل الخيار في إجازة ما زاد على الثلث من ذلك أو رده إلى ورثته : إن أحبوا أجازوا الزيادة على ثلث ذلك ، وإن شاءوا ردوه . فأما ما كان من ذلك إلى الثلث ، فهو ماض عليهم .

وعلى كل ما قلنا من ذلك الأمة مجمعة . وقد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك خبر ، وهو ما :

8736 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا يزيد بن هارون قال : أخبرنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث الأعور ، عن علي رضي الله عنه قال : إنكم تقرءون هذه الآية : من بعد وصية يوصي بها أو دين ، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى بالدين قبل الوصية .

8737 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا يزيد بن هارون قال : حدثنا زكريا بن أبي زائدة ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث ، عن علي رضوان الله عليه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثله .

[ ص: 47 ] 8738 - حدثنا أبو السائب قال : حدثنا حفص بن غياث قال : حدثنا أشعث ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث ، عن علي ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثله .

8739 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا هارون بن المغيرة ، عن ابن مجاهد ، عن أبيه : من بعد وصية يوصي بها أو دين قال : يبدأ بالدين قبل الوصية .

قال أبو جعفر : واختلفت القرأة في قراءة ذلك . فقرأته عامة قرأة أهل المدينة والعراق : ( يوصي بها أو دين ) .

وقرأه بعض أهل مكة والشأم والكوفة ، " يوصى بها " على معنى ما لم يسم فاعله .

[ ص: 48 ] قال أبو جعفر : وأولى القراءتين بالصواب قراءة من قرأ ذلك : ( من بعد وصية يوصي بها أو دين ) على مذهب ما قد سمي فاعله ، لأن الآية كلها خبر عمن قد سمي فاعله . ألا ترى أنه يقول : ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد ؟ فكذلك الذي هو أولى بقوله : يوصي بها أو دين ، أن يكون خبرا عمن قد سمي فاعله ، لأن تأويل الكلام : ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد من بعد وصية يوصي بها أو دين يقضى عنه .
القول في تأويل قوله تعالى ( آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا )

قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : آباؤكم وأبناؤكم ، هؤلاء الذين أوصاكم الله به فيهم - من قسمة ميراث ميتكم فيهم على ما سمي لكم وبينه في هذه الآية - آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا ، يقول : أعطوهم حقوقهم من ميراث ميتهم الذي أوصيتكم أن تعطوهموها ، فإنكم لا تعلمون أيهم أدنى وأشد نفعا لكم في عاجل دنياكم وآجل أخراكم .

واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : " لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا " . [ ص: 49 ] فقال بعضهم : يعني بذلك : أيهم أقرب لكم نفعا في الآخرة .

ذكر من قال ذلك :

8740 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله ، آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا ، يقول : أطوعكم لله من الآباء والأبناء أرفعكم درجة يوم القيامة ، لأن الله سبحانه يشفع المؤمنين بعضهم في بعض .

وقال آخرون : معنى ذلك ، لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا في الدنيا .

ذكر من قال ذلك :

8741 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : أيهم أقرب لكم نفعا ، في الدنيا .

8742 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

8743 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا ، قال بعضهم : في نفع الآخرة ، وقال بعضهم : في نفع الدنيا .

وقال آخرون في ذلك بما قلنا .

ذكر من قال ذلك :

8744 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا ، قال : أيهم خير لكم في الدين والدنيا ، [ ص: 50 ] الوالد أو الولد الذين يرثونكم ، لم يدخل عليكم غيرهم فرض لهم المواريث ، لم يأت بآخرين يشركونهم في أموالكم .
القول في تأويل قوله تعالى ( فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما ( 11 ) )

قال أبو جعفر : يعني بقوله - جل ثناؤه - : فريضة من الله ، " وإن كان له إخوة فلأمه السدس " فريضة ، يقول : سهاما معلومة موقتة بينها الله لهم .

ونصب قوله : " فريضة " على المصدر من قوله : يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين " فريضة " فأخرج " فريضة " من معنى الكلام ، إذ كان معناه ما وصفت .

وقد يجوز أن يكون نصبه على الخروج من قوله : فإن كان له إخوة فلأمه السدس " فريضة " فتكون " الفريضة " منصوبة على الخروج من قوله : فإن كان له إخوة فلأمه السدس ، كما تقول : " هو لك هبة ، وهو لك صدقة مني عليك " . [ ص: 51 ] وأما قوله : إن الله كان عليما حكيما ، فإنه يعني - جل ثناؤه - : أن الله لم يزل ذا علم بما يصلح خلقه ، أيها الناس ، فانتهوا إلى ما يأمركم ، يصلح لكم أموركم . " حكيما " يقول : لم يزل ذا حكمة في تدبيره ، وهو كذلك فيما يقسم لبعضكم من ميراث بعض ، وفيما يقضي بينكم من الأحكام ، لا يدخل حكمه خلل ولا زلل ، لأنه قضاء من لا تخفى عليه مواضع المصلحة في البدء والعاقبة .
القول في تأويل قوله ( ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين )

قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - " ولكم " أيها الناس نصف ما ترك أزواجكم بعد وفاتهن من مال وميراث " إن لم يكن لهن ولد " يوم يحدث بهن الموت ، لا ذكر ولا أنثى فإن كان لهن ولد أي : فإن كان لأزواجكم يوم يحدث لهن الموت ولد ذكر أو أنثى فلكم الربع مما تركن من مال وميراث ، ميراثا لكم عنهن من بعد وصية يوصين بها أو دين يقول : ذلكم لكم ميراثا عنهن ، مما يبقى من تركاتهن وأموالهن ، من بعد قضاء ديونهن التي يمتن وهي عليهن ، ومن بعد إنفاذ وصاياهن الجائزة إن كن أوصين بها .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #460  
قديم 03-05-2023, 08:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,965
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثامن
تَفْسِيرِ سُّورَةِ النِّسَاءُ
الحلقة (460)
صــ 52إلى صــ 66


[ ص: 52 ] القول في تأويل قوله ( ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين )

قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد ولأزواجكم - أيها الناس - ربع ما تركتم بعد وفاتكم من مال وميراث ، إن حدث بأحدكم حدث الوفاة ولا ولد له ذكر ولا أنثى فإن كان لكم ولد يقول : فإن حدث بأحدكم حدث الموت وله ولد ذكر أو أنثى واحدا كان الولد أو جماعة فلهن الثمن مما تركتم يقول : فلأزواجكم حينئذ من أموالكم وتركتكم التي تخلفونها بعد وفاتكم - الثمن من بعد قضاء ديونكم التي حدث بكم حدث الوفاة وهي عليكم ، ومن بعد إنفاذ وصاياكم الجائزة التي توصون بها .

وإنما قيل : من بعد وصية توصون بها أو دين فقدم ذكر الوصية على ذكر الدين ؛ لأن معنى الكلام : إن الذي فرضت لمن فرضت له منكم في هذه الآيات - إنما هو له من بعد إخراج أي هذين كان في مال الميت منكم ، من وصية أو دين . فلذلك كان سواء تقديم ذكر الوصية قبل ذكر الدين ، وتقديم ذكر الدين قبل ذكر الوصية ؛ لأنه لم يرد من معنى ذلك إخراج الشيئين : " الدين والوصية " من ماله ، فيكون ذكر الدين أولى أن يبدأ به من ذكر الوصية .
[ ص: 53 ] القول في تأويل قوله ( وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة )

قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : وإن كان رجل أو امرأة يورث كلالة .

ثم اختلفت القرأة في قراءة ذلك .

فقرأ ذلك عامة قرأة أهل الإسلام : ( وإن كان رجل يورث كلالة ) ، يعني : وإن كان رجل يورث متكلل النسب .

ف " الكلالة " على هذا القول مصدر من قولهم : " تكلله النسب تكللا وكلالة " بمعنى : تعطف عليه النسب .

وقرأه بعضهم : " وإن كان رجل يورث كلالة " بمعنى : وإن كان رجل يورث من يتكلله ، بمعنى : من يتعطف عليه بنسبه من أخ أو أخت .

واختلف أهل التأويل في " الكلالة " .

فقال بعضهم : هي ما خلا الوالد والولد .

ذكر من قال ذلك :

8745 - حدثنا الوليد بن شجاع السكوني قال : حدثني علي بن مسهر ، عن عاصم ، عن الشعبي قال : قال أبو بكر - رحمة الله عليه - : إني قد رأيت في الكلالة رأيا فإن كان صوابا فمن الله وحده لا شريك له ، وإن يك خطأ فمني ومن الشيطان ، والله منه بريء : إن الكلالة ما خلا الولد والوالد . فلما [ ص: 54 ] استخلف عمر - رحمة الله عليه - قال : إني لأستحيي من الله - تبارك وتعالى - أن أخالف أبا بكر في رأي رآه .

8746 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا عاصم الأحول قال : حدثنا الشعبي : أن أبا بكر رحمه الله قال في الكلالة : أقول فيها برأيي ، فإن كان صوابا فمن الله : هو ما دون الولد والوالد . قال : فلما كان عمر رحمه الله قال : إني لأستحيي من الله أن أخالف أبا بكر .

8747 - حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا سفيان ، عن عاصم الأحول ، عن الشعبي : أن أبا بكر وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما قالا : الكلالة من لا ولد له ولا والد .

8748 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثني أبي ، عن عمران بن حدير ، عن السميط قال : كان عمر رجلا أيسر ، فخرج يوما وهو يقول بيده [ ص: 55 ] هكذا ، يديرها ، إلا أنه قال : أتى علي حين ولست أدري ما الكلالة ، ألا وإن الكلالة ما خلا الولد والوالد .

8749 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن جابر ، عن عامر ، عن أبي بكر قال : الكلالة ما خلا الولد والوالد .

8750 - حدثني يونس قال : أخبرنا سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن الحسن بن محمد ، عن ابن عباس قال : الكلالة من لا ولد له ولا والد .

8751 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : سمعت ابن جريج يحدث ، عن عمرو بن دينار ، عن الحسن بن محمد ، عن ابن عباس قال : الكلالة من لا ولد له ولا والد .

8752 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا مؤمل قال : حدثنا سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن الحسن بن محمد ابن الحنفية ، عن ابن عباس ، قال : الكلالة ما خلا الولد والوالد .

8753 - حدثنا ابن بشار وابن وكيع قالا : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا [ ص: 56 ] أبي ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن سليم بن عبد ، عن ابن عباس بمثله .

8754 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن سليم بن عبد السلولي ، عن ابن عباس قال : الكلالة ما خلا الولد والوالد .

8755 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة قال : الكلالة من لم يترك ولدا ولا والدا .

8756 - حدثني محمد بن عبيد المحاربي قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن أبي إسحاق ، عن سليم بن عبد قال : ما رأيتهم إلا قد اتفقوا أن من مات ولم يدع ولدا ولا والدا ، أنه كلالة .

8757 - حدثنا تميم بن المنتصر قال : حدثنا إسحاق بن يوسف ، عن شريك ، عن أبي إسحاق ، عن سليم بن عبد قال : ما رأيتهم إلا قد أجمعوا أن الكلالة الذي ليس له ولد ولا والد .

8758 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن سليم بن عبد قال : الكلالة ما خلا الولد والوالد .

8759 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا ابن فضيل ، عن أشعث ، عن أبي [ ص: 57 ] إسحاق ، عن سليم بن عبد قال : أدركتهم وهم يقولون ، إذا لم يدع الرجل ولدا ولا والدا ، ورث كلالة .

8760 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة ، والكلالة الذي لا ولد له ولا والد ، لا أب ولا جد ، ولا ابن ولا ابنة ، فهؤلاء الإخوة من الأم .

8761 - حدثني محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن الحكم قال في الكلالة : ما دون الولد والوالد .

8762 - حدثنا يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : الكلالة كل من لا يرثه والد ولا ولد ، وكل من لا ولد له ولا والد فهو يورث كلالة ، من رجالهم ونسائهم .

8763 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة والزهري وأبي إسحاق ، قال : الكلالة من ليس له ولد ولا والد .

8764 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا محمد بن محمد ، عن معمر ، عن الزهري وقتادة وأبي إسحاق مثله .

وقال آخرون : " الكلالة ما دون الولد " وهذا قول عن ابن عباس ، وهو الخبر الذي ذكرناه قبل من رواية طاوس عنه : أنه ورث الإخوة من الأم السدس مع الأبوين .

وقال آخرون : الكلالة ما خلا الوالد .

ذكر من قال ذلك :

8765 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا سهل بن يوسف ، عن شعبة قال : [ ص: 58 ] سألت الحكم عن الكلالة قال : فهو ما دون الأب .

واختلف أهل العربية في الناصب للكلالة .

فقال بعض البصريين : إن شئت نصبت " كلالة " على خبر " كان " وجعلت " يورث " من صفة " الرجل " . وإن شئت جعلت " كان " تستغني عن الخبر نحو " وقع " وجعلت نصب " كلالة " على الحال ، أي : يورث كلالة ، كما يقال : " يضرب قائما " .

وقال بعضهم قوله : " كلالة " خبر " كان " لا يكون الموروث كلالة ، وإنما الوارث الكلالة .

قال أبو جعفر والصواب من القول في ذلك عندي أن " الكلالة " منصوب على الخروج من قوله : " يورث " وخبر " كان " " يورث " . و " الكلالة " وإن كانت منصوبة بالخروج من " يورث " فليست منصوبة على الحال ، ولكن على المصدر من معنى الكلام ؛ لأن معنى الكلام : وإن كان رجل يورث متكلله النسب كلالة ، ثم ترك ذكر " متكلله " اكتفاء بدلالة قوله : " يورث " عليه .

واختلف أهل العلم في المسمى " كلالة " .

فقال بعضهم : " الكلالة " الموروث ، وهو الميت نفسه ، يسمى بذلك إذا ورثه غير والده وولده .

ذكر من قال ذلك :

8766 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا [ ص: 59 ] أسباط ، عن السدي قوله في الكلالة قال : الذي لا يدع والدا ولا ولدا .

8767 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا ابن عيينة ، عن سليمان الأحول ، عن طاوس ، عن ابن عباس قال : كنت آخر الناس عهدا بعمر رحمه الله ، فسمعته يقول : القول ما قلت . قلت : وما قلت ؟ قال : الكلالة من لا ولد له .

8768 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ويحيى بن آدم ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن سليم بن عبد ، عن ابن عباس قال : الكلالة من لا ولد له ولا والد .

[ ص: 60 ] وقال آخرون : " الكلالة " هي الورثة الذين يرثون الميت ، إذا كانوا إخوة أو أخوات أو غيرهم ، إذا لم يكونوا ولدا ولا والدا ، على ما قد ذكرنا من اختلافهم في ذلك .

وقال آخرون : بل " الكلالة " الميت والحي جميعا .

ذكر من قال ذلك :

8769 - حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال قال ابن زيد : الكلالة الميت الذي لا ولد له ولا والد أو الحي كلهم " كلالة " هذا يرث بالكلالة ، وهذا يورث بالكلالة .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي ما قاله هؤلاء ، وهو أن " الكلالة " الذين يرثون الميت ، من عدا ولده ووالده ، وذلك لصحة الخبر الذي ذكرناه عن جابر بن عبد الله أنه قال : قلت : يا رسول الله ؟ إنما يرثني كلالة ، فكيف بالميراث وبما :

8770 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية ، عن ابن عون ، عن عمرو بن سعيد قال : كنا مع حميد بن عبد الرحمن في سوق الرقيق قال : فقام من عندنا ثم رجع ، فقال : هذا آخر ثلاثة من بني سعد حدثوني هذا الحديث ، قالوا : مرض سعد بمكة مرضا شديدا ، قال : فأتاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعوده . فقال : يا رسول الله ، لي مال كثير ، وليس لي وارث إلا كلالة ، فأوصي بمالي كله ؟ فقال : لا .

[ ص: 61 ] 8771 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية قال : حدثنا إسحاق بن سويد ، عن العلاء بن زياد قال : جاء شيخ إلى عمر رضي الله عنه فقال : إني شيخ ، وليس لي وارث إلا كلالة أعراب متراخ نسبهم ، أفأوصي بثلث مالي ؟ قال : لا .

فقد أنبأت هذه الأخبار عن صحة ما قلنا في معنى " الكلالة " وأنها ورثة الميت دون الميت ، ممن عدا والده وولده .
القول في تأويل قوله ( وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث )

قال أبو جعفر : يعني بقوله - جل ثناؤه - : " وله أخ أو أخت " وللرجل الذي يورث كلالة أخ أو أخت يعني : أخا أو أختا من أمه كما :

8772 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن يعلى بن عطاء ، عن القاسم ، عن سعد أنه كان يقرأ : وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت [ ص: 62 ] قال : سعد : لأمه .

8773 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا شعبة ، عن يعلى بن عطاء قال : سمعت القاسم بن ربيعة يقول : قرأت على سعد : وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت قال سعد : لأمه .

8774 - حدثني محمد بن المثنى قال : حدثنا وهب بن جرير قال : حدثنا شعبة ، عن يعلى بن عطاء ، عن القاسم بن ربيعة بن قانف قال : قرأت على سعد ، فذكر نحوه .

8775 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : أخبرنا هشيم قال : أخبرنا يعلى بن عطاء ، عن القاسم بن ربيعة قال : سمعت سعد بن أبي وقاص قرأ : " وإن كان رجل يورث كلالة وله أخ أو أخت من أمه " .

8776 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : وله أخ أو أخت فهؤلاء الإخوة من الأم : إن كان واحدا فله السدس ، وإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث ، ذكرهم وأنثاهم فيه سواء .

8778 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت ، [ ص: 63 ] فهؤلاء الإخوة من الأم ، فهم شركاء في الثلث ، سواء الذكر والأنثى .

قال أبو جعفر : وقوله : فلكل واحد منهما السدس ، إذا انفرد الأخ وحده أو الأخت وحدها ، ولم يكن أخ غيره أو غيرها من أمه ، فله السدس من ميراث أخيه لأمه . فإن اجتمع أخ وأخت ، أو أخوان لا ثالث معهما لأمهما ، أو أختان كذلك ، أو أخ وأخت ليس معهما غيرهما من أمهما فلكل واحد منهما من ميراث أخيهما لأمهما السدس " فإن كانوا أكثر من ذلك " يعني : فإن كان الإخوة والأخوات لأم الميت الموروث كلالة أكثر من اثنين فهم شركاء في الثلث ، يقول : فالثلث الذي فرضت لاثنيهم إذا لم يكن غيرهما من أمهما ميراثا لهما من أخيهما الميت الموروث كلالة - شركة بينهم ، إذا كانوا أكثر من اثنين إلى ما بلغ عددهم على عدد رءوسهم ، لا يفضل ذكر منهم على أنثى في ذلك ، ولكنه بينهم بالسوية .

فإن قال قائل : وكيف قيل : وله أخ أو أخت ، ولم يقل : " لهما أخ أو أخت " وقد ذكر قبل ذلك " رجل أو امرأة " فقيل : " وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة " ؟ قيل : إن من شأن العرب إذا قدمت ذكر اسمين قبل الخبر ، فعطفت أحدهما على الآخر " ب " أو " ثم أتت بالخبر ، أضافت الخبر إليهما أحيانا ، وأحيانا إلى أحدهما ، وإذا أضافت إلى أحدهما ؛ كان سواء عندها إضافة ذلك إلى أي الاسمين - اللذين ذكرتهما - أضافته ، فتقول : " من كان عنده غلام أو جارية فليحسن إليه " يعني : فليحسن إلى الغلام - و " فليحسن إليها " يعني : فليحسن إلى الجارية - و " فليحسن إليهما " .

[ ص: 64 ] وأما قوله : فلكل واحد منهما السدس ، وقد تقدم ذكر الأخ والأخت بعطف أحدهما على الآخر ، والدلالة على أن المراد بمعنى الكلام أحدهما في قوله : " وله أخ أو أخت " فإن ذلك إنما جاز ، لأن معنى الكلام : فلكل واحد من المذكورين السدس .
القول في تأويل قوله ( من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار وصية من الله والله عليم حليم ( 12 ) )

قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : من بعد وصية يوصي بها ، أي : هذا الذي فرضت لأخي الميت الموروث كلالة وأخته أو إخوته وأخواته من ميراثه وتركته ، إنما هو لهم من بعد قضاء دين الميت الذي كان عليه يوم حدث به حدث الموت من تركته ، وبعد إنفاذ وصاياه الجائزة التي يوصي بها في حياته لمن أوصى له بها بعد وفاته ، كما :

8779 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : من بعد وصية يوصي بها أو دين ، والدين أحق ما بدئ به من جميع المال ، فيؤدى عن أمانة الميت ، ثم الوصية ، ثم يقسم أهل الميراث ميراثهم .

وأما قوله : غير مضار ، فإنه يعني تعالى ذكره : من بعد وصية يوصي بها ، غير مضار ورثته في ميراثهم عنه ، كما :

8780 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، [ ص: 65 ] عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : غير مضار ، قال : في ميراث أهله .

8781 - حدثني القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قوله : غير مضار ، قال : في ميراث أهله .

8782 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : غير مضار وصية من الله ، وإن الله تبارك وتعالى كره الضرار في الحياة وعند الموت ، ونهى عنه ، وقدم فيه ، فلا تصلح مضارة في حياة ولا موت .

8783 - حدثني نصر بن عبد الرحمن الأزدي قال : حدثنا عبيدة بن حميد وحدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية جميعا ، عن داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في هذه الآية : غير مضار وصية من الله والله عليم حليم ، قال : الضرار في الوصية من الكبائر .

8784 - حدثنا ابن أبي الشوارب قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : الضرار في الوصية من الكبائر .

8785 - حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا بشر بن المفضل قال : حدثنا داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس مثله .

8786 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا عبد الوهاب قال : حدثنا داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : الحيف في الوصية من الكبائر .

8787 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا ابن أبي عدي وعبد الأعلى قالا : حدثنا داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : الضرار والحيف في الوصية من الكبائر .

[ ص: 66 ] 8788 - حدثني موسى بن سهل الرملي قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم أبو النضر قال : حدثنا عمر بن المغيرة قال : حدثنا داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " الضرار في الوصية من الكبائر " .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 393.47 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 387.39 كيلو بايت... تم توفير 6.08 كيلو بايت...بمعدل (1.55%)]