درس وعظي في رمضان عن التوبة - ملتقى الشفاء الإسلامي
اخر عشرة مواضيع :         واحة الفرقان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 3363 )           »          مكافحة الفحش.. أسباب وحلول (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          أي الفريقين؟! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          الصراع مع اليهود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 19 )           »          نكبتنا في سرقة كتبنا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          كيف نجيد فن التعامل مع المراهق؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          الطفل والأدب.. تنمــية الذائقة الجمالية الأدبية وتربيتها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          ترجمة موجزة عن فضيلة العلامة الشيخ: محمد أمان بن علي الجامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          يجب احترام ولاة الأمر وتوقيرهــم وتحرم غيبتهم أو السخرية منهم أو تنــقّصهم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 37 - عددالزوار : 1186 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > ملتقى اخبار الشفاء والحدث والموضوعات المميزة > رمضانيات

رمضانيات ملف خاص بشهر رمضان المبارك / كيف نستعد / احكام / مسابقات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 07-04-2023, 04:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,014
الدولة : Egypt
افتراضي درس وعظي في رمضان عن التوبة

درس وعظي في رمضان عن التوبة (1)
مرشد الحيالي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد:
فهذا أنموذج لدرس وعظيٍّ في رمضان المبارك، راعيت فيه الأسلوب الأمثل في الدعوة، وينبغي للواعظ في هذا الشهر الفضيل أن يسلُكَ سبيلَ الحكمة والموعظة الحسنة؛ من أجل أن تؤتي موعظته ثمارَها، وينتفع منه المستمعون؛ ومن ذلك:
1- أن يتدرج في دروس رمضان، ويبدأ بالأهم ثم المهم، فليس من الحكمة أن يبدأ وعظه في رمضان المبارك بمبطلات الصوم من الغِيبة والنميمة، وإنَّ مَن صام مع المعاصي، فصيامه مردود عليه، فلا فائدة مِن صومِ مَن يخل به ويبطله، ونحو ذلك؛ لأن من يحضر المسجد هم من شرائح المجتمع المختلفة، فيهم المطيع، وفيهم العاصي المُقْبِل على التوبة، وغالبهم من المسلمين الجدد؛ ولذلك فمن المفيد النافع أن يقسم دروسه ومواعظه إلى مراحل حسب أيام رمضان المبارك، فيكون أول ما يتكلم به ويتحدث عنه الترغيب في الصوم، وأنه سبب من أسباب المغفرة ومحو الخطايا، ويرغبهم في أداء الصلوات الخمس في أوقاتها، ويربط ذلك كله بالعقيدة الصحيحة، واتباع النبي صلى الله عليه وسلم.

ولذا أرى - والله أعلم - أن تكون الدروس في العشر الأوائل من رمضان تتعلق بأحكام الصيام؛ كالنية، والإمساك عن المفطرات، والاستعداد له بالعمل الصالح؛ كقراءة القرآن والذكر، وفضل الصائمين وما أعدَّ الله لهم من الأجر العظيم، وأن تكون العشر الثانية من رمضان في أثر الصوم في تقويم الأخلاق، والسلوك، والمعاملة، وأن الصوم المقبول ما تحققت شروطه؛ من تقوى الله، وفعل الأوامر، وترك المحرمات، وانتفَتْ موانعه من اجتناب الكبائر؛ كقطع الرحم، وأكل الربا، ونحوها من الآثام التي تخل بالصيام، وتؤثر في قبوله، والعشر الأواخر من رمضان يكون الحديث فيها عن فضل قيام الليل، وإدراك ليلة القدر، وأن خير الأعمال خواتيمها، وأن الإنسان في هذه الدنيا لا يدري ما ينزل به ويحل من الآجال، والانتقال عن الدنيا إلى الدار الآخرة؛ فلذلك ينبغي المبادرة إلى الأعمال الصالحات قبل فوات الأوان.

2- ألَّا يتجاوز الدرس في المقدار الزمني 10 دقائق، وهذا أفضل؛ لأن التطويل يُورِث الملل، إلا إذا رأى من الحاضرين رغبةً في ذلك، وأضفى عليها ما يشوِّق، وإطالة الموعظة مشكلة بعض المرشدين في رمضان، حتى إنها أحيانًا تتجاوز نصف ساعة من الوقت، وهذا أثره غير محمود؛ لأن القصد هو هداية الناس إلى سبيل الحق، وهذا يتحقق بموعظة قصيرة مفيدة مؤثرة، والله المستعان.

3- ألَّا يسرع في إلقائه وموعظته كأنه في حلبة سباق أو ماراثون، بل يتمهل وخاصة عند تلاوة الآيات المباركة، وأن تكون وفق أحكام التجويد، وليبتعد عن رفع الصوت؛ لأن ذلك موضعه الخطابة يوم الجمعة، والتأني في الإلقاء من علامات النجاح، وفيه فائدة أنه يعطي فرصة للمعلم والمربي أن يتذكر أو ينقدح في ذهنه معنًى جميلٌ أو فائدة للمستمع، وهذا هو هَدْيُ المصطفى صلى الله عليه وسلم في خطبه ووعظه.

4- أن يختم الدرس بدعاء قصير يتضمن ما جاء في موعظته من معانٍ وإشارات، والله الموفَّق.

وهذا أنموذج لموعظة كنت ألقيتُها في أحد مساجد الدولة، وعنوانها: (رمضان شهر التوبة والغفران)، والغرض أن ينسج الواعظ على منوالها، ويجعلها منهجًا في جميع دروسه:
الحمد لله الذي يقبل توبة التائبين، ويستجيب دعاء الداعين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين؛ سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:
فقد قال تعالى في محكم التنزيل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [التحريم: 8].

وعن عبدالله بن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((يا أيها الناس، توبوا إلى الله؛ فإني أتوب في اليوم إليه مائة مرة))؛ [الحديث أخرجه الإمام مسلم].

والتوبة هي الإقلاع عن الذنب، والندم على فعله، والعزم على عدم العودة إليه مستقبلًا، ورد الحقوق إلى أصحابها أو التماس العفو منهم.

ومن كرم الله علينا أنْ فتح باب التوبة إلى قيام الساعة؛ فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((إن الله تعالى يبسُط يده بالليل ليتوب مُسِيءُ النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها))؛ [رواه مسلم].

بل إن الله يفرح بتوبة التائبين، ويحب عودتهم إليه من الذنوب والآثام؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ [البقرة: 222].

وفي الحديث الصحيح: ((لَلَّهُ أشد فرحًا بتوبة عبده حين يتوب إليه، من أحدكم كان على راحلته بأرض فَلاة، فانفلتت منه وعليها طعامُه وشرابه، فأيِسَ منها، فأتى شجرةً، فاضطجع في ظلِّها، وقد أيِس من راحلته، فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده، فأخذ بِخِطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك؛ أخطأ من شدة الفرح)).

فحرِيٌّ بنا أن نسارع إلى التوبة وطلب المغفرة قبل فوات الأوان، وحلول الأجل، فالإنسان لا يدري متى يأتي أجله، أو ينزل به الموت؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المنافقون: 9 - 11].

اللهم تُبْ علينا إنك أنت التواب الرحيم، وتقبل منا إنك أنت السميع العليم، وصلى اللهم على نبينا وسيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 13-04-2023, 05:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,014
الدولة : Egypt
افتراضي درس وعظي عن الإنفاق والجود في رمضان

درس وعظي عن الإنفاق والجود في رمضان(2)*
مرشد الحيالي


الحمد لله الذي وعد المنفقين بالزيادة، والصلاة والسلام على سيد الخلق وصاحب الريادة، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:
فقد قال تعالى في كتابه الكريم: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 261].

وقال تعالى أيضًا: ﴿ وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [المنافقون: 10].

وفي الحديث الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجودَ ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريلُ، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيُدارسه القرآن، فلَرسولُ الله صلى الله عليه وسلم أجودُ بالخير من الريح المرسلة))؛ [رواه مسلم].

وقد حثَّنا المولى على الإنفاق في وجه الخير وأبواب البر والإحسان، والمال مما تحبه النفس وتتعلق به وتهواه، ولا يُقدِم على بذله وزكاته إلا من سَخَتْ نفسه وزكَت، وتحررت من قيود البخل والشح، وسائر الأدواء النفسية.

ورمضان موسم من مواسم القُرُبات والطاعات، فيه يتنافس المتنافسون على موائد البر والجود والخيرات، فمن أراد التقرب إلى الله بالعمل الصالح، فإنه يستطيع تحقيق ذلك بالصدقات، والقرآن الكريم حثَّ على الصدقة بشكل عام؛ لِما لها من الأثر في زكاة النفس ونفع الفقراء، وحث عليها بشكل مخصوص في رمضان، وخاصة في الإسهام بإفطار صائم؛ لِما لهذا الشهر الكريم من ميزات وخصائص جمة.

فعن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((منَ فطَّر صائمًا، كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء)).

فحريٌّ بنا أن نسارع في الإنفاق بما تيسر، ولنحذر من التسويف وتأجيل العمل الصالح وتأخيره، قبل فوات الأوان وحلول الأجل؛ وفي الحديث أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ((يا رسول الله، أيُّ الصدقة أعظمُ أجرًا؟ فقال: أمَا وأبيك لَتنبَّأنَّه أنْ تصدقَ وأنت صحيح شحيح، تخشى الفقر، وتأمل البقاء، ولا تُمْهِل حتى إذا بلغت الحلقوم، قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان)).

اللهم تقبل منا وتُبْ علينا إنك أنت التواب الرحيم، واجعلنا من المتصدقين الخاشعين المنفقين، وبارك لنا في أموالنا وذرياتنا وأزواجنا، وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

[*]هذا درس وعظي مختصر مناسب للواعظ الذي يريد تذكير الناس، وحثهم على فعل الخير، وخاصة في رمضان، والدروس الموجودة على شبكة الإنترنت إما أن تكون مطولة، أو أن أسلوبها لا يناسب مدارك المدعوين؛ ولذا كتبت سلسلة من الدروس الوعظية، التي كنت أُلقيها في مساجد دولة الإمارات، وكنت توخيت من خلالها تعليم الناس، وتذكيرهم بأسلوب سهل واضح لا تعقيد فيه، ولا لبس، ولا غموض، وقد لاقت - ولله الحمد والمنة - قبولًا واستحسانًا.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 15-04-2023, 03:38 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,014
الدولة : Egypt
افتراضي درس وعظي عن الدعاء في شهر رمضان

درس وعظي عن الدعاء في شهر رمضان (3)
مرشد الحيالي

الحمد لله الذي دعانا إلى الدعاء، ووعدنا بالإجابة عند كل ضرٍّ وبلاء، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وفضَّله على جميع الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:
فقد قال تعالى في سياق آيات الصيام: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186]، فقد جاء فضل الدعاء في سياق الآيات التي بينت أحكام الصيام ووجوبه، مما يدل على فضل الدعاء في رمضان، وأنه مظنة الإجابة والقبول.

وعن أبي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة لا تُرَدُّ دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حين يفطر، ودعوة المظلوم يرفعها فوق الغمام، وتُفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب عز وجل: وعزتي لأنصرنَّكِ ولو بعد حين))؛ [رواه الترمذي].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أيضًا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني، فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟)).

والدعاء من العبادة، بل هو لُبُّها وجوهرها؛ قال تعالى: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر: 60].

وقد حثَّت السنة النبوية - على صاحبها أفضل الصلاة والسلام - على الدعاء، وبيَّنت آدابه وفضائله، ومما بيَّنتْهُ السنة النبوية ووضحته الأوقاتُ الفاضلة التي يُستجاب فيها الدعاء، وخاصة في رمضان، ومن تلك الأوقات الشريفة:
وقت السَّحَر، والثلث الأخير من الليل؛ جاء في حديث جابر بن عبدالله، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن في الليل لَساعةً لا يوافقها رجل مسلم، يسأل الله خيرًا من أمر الدنيا والآخرة، إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلة))؛ [رواه مسلم].

وكذلك الدعاء عند الإفطار قبله أو بعده؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن للصائم عند فطره لَدعوةً ما تُرَدُّ))؛ [رواه ابن ماجه].

ومن الأوقات التي يُستجاب فيها للمؤمن في رمضان في ليلة القدر؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((قلت: يا رسول الله، أرأيت إن علمت أي ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو، فاعفُ عني)).

فحري بنا أن نغتم تلك الأوقات الشريفة في رمضان في الإكثار من الدعاء، فإن الله يحب الْمُلِحِّين في الدعاء، وليدعُ المسلم لأهله وأولاده ولوالديه وللمسلمين أجمعين.

اللهم تقبل منا الصيام والقيام، وأصلح حالنا وحال المسلمين، وانصرهم على عدوك وعدوهم، وارحم موتاهم، وفك أسراهم، واشفِ مرضاهم، آمين يا رب العالمين، وصلى الله على نبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 26-04-2023, 05:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,014
الدولة : Egypt
افتراضي درس وعظي عن فضل ليلة القدر

درس وعظي عن فضل ليلة القدر (4)

مرشد الحيالي

الحمد لله الغفور الشكور، فضَّل بمنِّه وكرمه ليلةَ القدر على سائر الأزمنة والشهور، والصلاة والسلام على مَن بعثه الله بالرحمة واليسر إلى الأنام، ورفع ذكره وأعلى مقامه على الدوام، وعلى آله وصحبه، ومن سار على نهجه إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فقد قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾ [القدر: 1 - 5].

وقال تعالى في فضل الليلة المباركة الطيبة: ﴿ حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [الدخان: 1 - 6].

وليلة القدر المباركة هبةٌ من الله لعباده المؤمنين، وجائزة خصَّ الله بها عباده المتقين المخلصين، وقد جعلها سبحانه بألف شهر في أجرها وثوابها، وخصها بالبركة ونزول الملائكة، وحصول البركة والخير العميم، بل وخصها بنزول أعظم كتاب، وأكرم كلام وأطهره؛ ألا وهو القرآن العظيم.

ومن أجل ذلك حثَّت السُّنَّة المطهرة على اغتنام هذه الليلة في الطاعات، والحرص على التنافس في أعلى الدرجات، ولفضلها وعظيم كرمِها؛ بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم موقعها من الشهر؛ فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((تحرَّوا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان)).

والعاقل اللبيب مَن يجتهد في رمضان، ويخص العشر الأواخر من رمضان بمزيد من الذكر والدعاء وقراءة القرآن.

وإن من أهم ما ينبغي للمرء أن يعمله في هذه الليلة المباركة ما يلي:
1- طلب العفو والعافية في الدنيا والآخرة، والمعافاة في الدين والدنيا، وقد أدركت السيدة عائشة الصديقة رضي الله عنها فضلها وشرفها، وسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أشرف الأعمال التي يمكن للمرء عملها فيها؛ فقالت: ((يا رسول الله، أرأيت إن وافقت ليلة القدر، فبمَ أدعو؟ قال: قولي: اللهم إنك عفوٌّ تحب العفو، فاعفُ عني)).

2- ومن أهم ما يطلبه المرء أيضًا في هذه الليلة المباركة ترك الخصام والجدال، والعفو عن الإساءة، وطلب المغفرة، وسلامة الصدر من الأحقاد والضغائن والحسد.

3- ومن الأعمال الفاضلة الكريمة تلاوة القرآن وقيام الليل؛ فقد كان نبينا يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في رمضان؛ وما ذاك إلا لشرف هذه الأيام وبرِّها وكرمها، ولأن فيها ليلة القدر، فكان صلى الله عليه وسلم يوقظ أهله، وينبه الغافل منهم إلى الاستعداد والاجتهاد في العمل الصالح فيها؛ جاء في الحديث أنه عليه الصلاة والسلام ((كان إذا دخل العشر، شدَّ مِئزرَه، وأحيا ليله، وأيقظ أهله))؛ [رواه البخاري].

فلنحرص على إحياء الليلة والدعاء فيها، والبعد قدر الإمكان عن الخصام؛ لأنه يؤثر على الطاعات في القبول، ولنَغْتَنْم أوقات العمر فيما ينفع ويفيد، وفي كل ما يقرب المرء من نية وقول وعمل، فاليوم عمل بلا حساب، وغدًا حساب ولا عمل، والسعيد من وفَّقه الله لقيام ليلة القدر؛ لينجو من عذاب الله، ويفوز بالأجر العظيم وبرضا الله سبحانه.

اللهم تقبَّل منا صالح الأعمال، واكتبنا عندك من المقبولين، ونجِّنا برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم لا تردنا خائبين، ولا عن بابك مطرودين، واغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا ولجميع المسلمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى وأصحابه أجمعين.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 05-04-2024, 04:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,014
الدولة : Egypt
افتراضي رد: درس وعظي في رمضان عن التوبة

درس وعظي عن الاستقامة عنوان الفلاح (5)

مرشد الحيالي

الحمد لله الذي جعل الاستقامة عنوان الفلاح، ورَزَقَ مَن داوم على الطاعة حسن الخاتمة والنجاح، والصلاة والسلام على خير نبي أُرسِل، وأوحى إليه بأعظم كتاب أُنزل، وعلى آله وزوجاته الطاهرات والأصحاب، الذي جعلهم الله بمنِّه وفضله من أولي الألباب، وعلى من تبعهم، وسار على هديهم ونهجهم إلى يوم الدين؛ أما بعد:
قال تعالى في محكم التنزيل: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴾ [فصلت: 30 - 32].

بيَّن الله في هذه الآيات الكريمات أن الملائكة الكرام تبشر المستقيمين المطيعين عند الاحتضار بخيرٍ عظيم، ونُزُلٍ كريم في جنات النعيم.

وعن أبي عمرو سفيان بن عبدالله الثقفي رضي الله عنه، قال: ((قلت: يا رسول الله، قُلْ لي في الإسلام قولًا لا أسأل عنه أحدًا غيرك، قال: قل: آمنت بالله، ثم استقم))؛ [رواه مسلم في صحيحه].

وعن أبي ذر ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اتقِ الله حيثما كنت، وأتْبِعِ السيئةَ الحسنةَ تَمْحُها، وخالِقِ الناس بخُلُق حسن)).

وإنما قال ذلك لمعاذ حينما أراد أن يسافر، فأوصاه بملازمة التقوى في كل حال، خاصة في حال السفر، ولأن كثيرًا من الناس يتفلَّتون في أسفارهم، ويفعلون أمورًا لا يفعلونها في حال الحضر والإقامة.

والإيمان - كما جاء عن سلف الأمة - هو قول باللسان، وتصديق بالجَنان، وعمل بالأركان، كما اتفق على ذلك أئمة الهدى، ومصابيح الدُّجى، ثم يأتي بعد الإيمان الاستقامةُ؛ ومعناها: المداومة على كل عمل صالح مبرور في كل وقت وزمان.

وكان نبينا صلى الله عليه وسلم يحث أصحابه الكرام على المداومة على العمل الصالح، وعدم الانقطاع عنه، ولو كان العمل قليلًا، ويبين أن ذلك من صفات المؤمنين الصادقين، وألَّا يروغَ الإنسان روغان الثعالب.

فعن هشام بن عروة، قال: أخبرني أبي عن عائشة: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها، فرأى عندها امرأةً، فقال: من هذه؟ فقالت: هذه فلانة، من حالها لا تنام، فقال: مَهْ، عليكم من الأعمال ما تطيقون؛ فإن الله لا يَمَلُّ حتى تملوا، وكان أحب الدين إليه أدومه)).

ولهذا كان من هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم أنه إذا فاته وِرْدُه من الليل، قضاه في النهار؛ لئلا يترك عبادةً كان قد تعوَّد عليه، ودوام عليها.

فعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غلبه نوم أو وجع عن قيام الليل، صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة)).

وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من نام عن حزبه أو عن شيء منه، فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر، كُتب له كأنما قرأه من الليل)).

وهذا لا يعني أن الإنسان لا يخطئ، ولا يقع في المعصية والذنب، فقد يقع في المعصية، ولكنه لا يصر عليها؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ﴾ [الأعراف: 201].

فحرِيٌّ بنا ونحن نودع شهر رمضان المبارك أن نستمر على القيام، وقراءة القرآن والصيام، ومن أجل ذلك شرع لنا الإسلام صوم ستٍّ من شوال؛ فعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من صام رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوال، كان كصيام الدهر))؛ [أخرجه مسلم].

اللهم ارزقنا المداومة على الطاعات، وثبتنا وجميع المسلمين عند الممات، واختم بالصالحات أعمالنا، وتقبل منا يا رب أعمالنا، وجمِّلنا بالإخلاص في القول والعمل، وارزقنا الشهادة عند حلول الأجل، وصلِّ اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 05-04-2024, 04:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,014
الدولة : Egypt
افتراضي رد: درس وعظي في رمضان عن التوبة

درس وَعْظِيٌّ: الغذاء الروحي في رمضان (6)

مرشد الحيالي

الحمد لله الذي فرض علينا الصيام، وجعل عامَه من أفضل الأعوام، والصلاة والسلام على سيد الأنام، والأسوة القدوة لكل مسلم وإمام، وعلى آله وأصحابه المؤمنين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فقد قال تعالى في محكم التنزيل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183].

فقد بيَّن سبحانه أن ثمرة الصيام؛ والذي هو الامتناع عن الْمُفْطِرات التي تميل إليها النفس تقرُّبًا إلى المولى سبحانه - هو حصول التقوى، وتزكية النفس، وتهذيبها من الأدران، وتحليتها بالأخلاق الفاضلة، والأعمال الصالحة.

وعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجودَ الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيُدارسه القرآن، فَلَرَسولُ الله صلى الله عليه وسلم أجودُ بالخير من الرِّيح المرسلة))؛ [رواه البخاري]، وهذا الجود وسعة الكرم، والسخاء وقوة الإقدام الذي كان يتحلى به نبينا صلى الله عليه وسلم سببُهُ مُدارسة القرآن، وتلاوته وتدبر آياته، وتذوق ألفاظه ومعانيه، والتغلغل في مراميه، وهو من أعظم الأغذية النافعة للقلب والروح، يسعَد بها القلب ويطمئن.

إن من رحمة الله التامة، وفضله العظيم بعباده أنْ جَعَلَ فريضة الصيام من أعظم العبادات التي تُزكِّي النفس، وتُغذِّي الروح بما يُسعدها، ويصلح حالها، ويدفع عنها الشقاء في الدنيا وبعد الممات، وقد سمَّى الله سبحانه التقوى غذاء وزادًا؛ لِما يحصل به للنفس من القوة والنشاط في طاعة الله، والتحلي بسائر الأخلاق الفاضلة؛ قال تعالى: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 197].

أيها الإخوة الكرام:
إن شهر الصيام موسمٌ من مواسم الخيرات، ومائدة من موائد الرحمن، يتناول فيها المؤمن منها ما يمنحه الثبات عند الشدائد، والصبر عند النوائب، ويُعطيه دافعًا قويًّا للتنافس في فعل الخيرات، وبذل المعروف للخلق أجمعين، ويزيده نورًا وهدًى ويقينًا، ويمنعه عن فعل المعاصي والمنكرات، ويحجزه عن ارتكاب الذنوب والموبقات.

إن حاجة النفس والروح للغذاء الروحي كحاجته إلى الغذاء البدني، بل أشد من ذلك؛ لأن غذاء البدن يحتاج إليه الإنسان في اليوم مرتين أو أكثر؛ كما قال الإمام أحمد رحمه الله، أما الغذاء النفسي من القرآن والصيام والذِّكْرِ، فيحتاج الإنسان في كل لحظة من عمره، فإنه يحيا ويسعد به، وبدونه، فإنه يشقى ويطغى إلى الأبد؛ وما أجمل ما قاله الشاعر[1]:
يا خادم الجسم كم تشقى بخدمته
أتطلبُ الرِّبْح فيما فيه خسرانُ
أقْبِلْ على النفس واستكمل فضائلها
فأنت بالنفس لا بالجسم إنسانُ


إن من آثار هذا الغذاء الروحي والنفسي في الحياة:
أن تجود النفس بالمحبوبات والمرغوبات لله سبحانه؛ كالمال والنفس، والعطاء والبذل، والجود والعفو والإحسان، بنفس راضية سخيَّة محبة للخير، تُقدِّم رضا الله على رضا النفس والهوى.

ومن آثار الغذاء الروحي أن تقوى إرادة العبد على قَهْرِ شهوته، وقمع هواه، فيمتنع عن النظر للمحرَّمات طوعًا غير مكرهٍ وباختياره، فلا يكون عبدًا إلا لمولاه، ولا مقيَّدًا أو أسيرًا لشيطانه، وخاصة في شهر الصوم الذي تسلسل فيه الشياطين عن المؤمنين الصادقين المخبتين، فترى المؤمن يعيش بجَنَّةٍ عاجلة يأتيه من نعيمها وفضلها، فيسعد بلقاء ربه، ويتضرع إليه ويحب مناجاته وسؤاله ودعاءه، قد انتصر على النفس الأمَّارة بالسوء، وفاز بالسعادة الأبدية.

ومن الآثار المحمودة في نفس المسلم أنه يتنازل عن كبريائه، فلا يثور لغضبه، بل يصفح ويعفو عمن ظَلَمَهُ وآذاه، ويسامح في حقِّ نفسه، وهذا يفسِّر الصفح الذي كان يتحلى به نبينا صلى الله عليه وسلم عمن عاداه، وقد أوصى رسول الله الصائم أن يقول: ((إني صائم))[2] ، فيمن حصل له من إيذاء، أو سخرية، أو عَدَاء.

ولا بد أيها الأحباب من التركيز على الغذاء الروحي، والاهتمام به في رمضان وغيره، بدلًا من التنافس على حُطامِ الدنيا؛ لأن الغذاء الروحي يمنح الإنسان حياةَ القلب وسعادته، ويعطي البدن القوةَ والنشاطَ والحيوية، ويؤثِّر فيمن حوله بأخلاقه وتواضعه، وحِلْمِهِ وصَفْحِهِ، ومن هذه الأغذية النافعة المفيدة للقلب والروح في رمضان ما يلي:
أولًا: الصيام:
فإن الصيام يضيِّق مجرى الشهوات والملذات، ويحُثُّ المسلم على بذل المزيد من الطاعات والْمَكْرُمات، والصوم غذاء تحيا به الروح، ويستقيم به الحال، وتطمئن به النفس، وترسخ في النفس الاطمئنان والاستقرار النفسي، وهو عبادة عظيمة تُذكِّر الصائم بحال الفقير والمسكين، والمحتاج والمبتلى، فيَقْوَى رابط التآخي بين المسلمين، فيصلح به حال الأمة، وينتصر فيه المرء على شهوته وهواه، ويقمع فيها شيطانه وأعداءه.

لقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم يواصل في الصيام؛ لِما يجد فيه من الحياة والإشراق، والرحمة والإنفاق، وسَعَةِ الصدر والإشفاق؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تواصلوا، قالوا: إنك تواصل، قال: إني لستُ مثلكم، إني أبِيتُ يطعمني ربي ويسقيني))؛ [رواه البخاري]، وهذا الطعام والشراب الذي كان نبينا يتناوله هو الغذاء الروحي من مائدة القرآن، والذكر، وطاعة الرحمن.

ثانيًا: الدعاء:
وهو من أعظم الأغذية النافعة، ولقد كان الصحابة الكرام يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن أعظم ما يقرِّبهم إلى ربهم في رمضان، ويمنحهم السعادة في الدارين، ويُغذي أرواحهم بالإيمان واليقين، فكان صلوات ربي وسلامه عليه يرشدهم إلى الدعاء؛ جاء في الحديث عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قلت: يا رسول الله، أرأيتَ إن علمتُ أيُّ ليلةٍ القدر ما أقول فيها؟ قال: ((قولي: اللهم إنك عفو تحب العفوَ؛ فاعْفُ عني))؛ [رواه أحمد، وابن ماجه، والترمذي وصححه].

إن فائدة الدعاء في جلب المنافع ودفع المضار، وكشف الكروب، ودفع الخطوب معلوم ومجرَّب، وإنه سمة علامة للعبودية لله وحده، والغذاء الروحي، لا سيما عند الشدائد الشديدة، والخطوب العظيمة، وفي الأوقات الفاضلة الشريفة، فإن الله يفتح على العبد المؤمن من عظيم مناجاته ولذيذ محادثته ما يتمنى ألَّا يُعجِّل له قضاء حاجته، ومن أجْلِ ذلك؛ فقد ذكر الله أهمية الدعاء، وأنه مجاب للعبد - إذا استوفت شروطه وانتفت موانعه – بعد أحكام الصيام وفريضته؛ ليُدلِّلَ أنه الغذاء الروحي للصائم؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾ [البقرة: 186].

القرآن الكريم وتلاوته:
وهو مأدُبَةُ الله لخَلْقِهِ؛ كما جاء في الحديث عن عبدالله بن مسعود، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن هذا القرآن مأدبة الله، فتعلَّموا من مأدبته ما استطعتم...))[3] ، فقد حوى القرآن محاسن الأقوال، وأفضل الكلام، وهو كلام الله المعجِز، الذي أنزله الله على قلب النبي صلى الله عليه وسلم ليبلغه إلى الخلق أجمعين، وقد بيَّن نبينا صلى الله عليه وسلم أن القرآن غذاء المسلم، الذي يقيم الأرواح ويُغذِّيها؛ قال أبو عبيدة في تفسير الحديث[4]: "وتأويل الحديث أنه مَثَلٌ، شبَّه القرآن بصنيع صنعه الله عز وجل للناس، لهم فيه خير ومنافع، ثم دعاهم إليه...".

فحرِيٌّ بنا - أيها المسلمون - في هذا الشهر الكريم الذي تُغفَر فيه الزَّلَّات، وتُرفع فيه الدرجات، وتُفتح فيه أبواب السماوات، وتُغلق فيه أبواب النيران - حَرِيٌّ بنا أن نغتنمَ تلك الأوقات الشريفة في رمضان، في الإكثار من الدعاء، فإن الله يحب الْمُلِحِّين في الدعاء، وأن نُدِيمَ النظر في كتاب الله تلاوةً وتدبُّرًا، وأن نصلح به نفوسنا، ونغذي من مائدته أرواحنا، ونداوي بآياته أمراضنا.

اللهم تقبَّل منا الصيام والقيام، وأصلح حالنا وحال المسلمين، وانصرهم على عدوك وعدوهم، وارحم موتاهم، وفُكَّ أسْرَاهم، واشفِ مرضاهم، آمين يا رب العالمين، وصلى الله على نبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

[1] الأبيات من قصيدة مشهورة للشاعر أبي الفتح البستي، أحد شعراء العصر العباسي، والقصيدة من بحر البسيط.

[2] عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((وإذا كان يومُ صومِ أحدكم، فلا يرفُث، ولا يصخَب، فإن سابَّه أحد، أو قاتله، فلْيَقُلْ: إني امرؤ صائم))؛ [أخرجه البخاري ومسلم].

[3] الأثر صححه موقوفًا الشيخ عبدالله بن يوسف الجديع في "المقدمات الأساسية في علوم القرآن" (ص 460)، وقال: ولم يثبت مرفوعًا، وقال ابن الجوزي في "العلل المتناهية": "هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويشبه أن يكون من كلام ابن مسعود".

[4] تفسير الطبري، للإمام شمس الدين محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، الجزء الأول، ص26.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 101.92 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 97.80 كيلو بايت... تم توفير 4.11 كيلو بايت...بمعدل (4.04%)]