مواهب الصحابة: عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنموذجا - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4418 - عددالزوار : 855047 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3949 - عددالزوار : 389894 )           »          معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 58 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          ذكر الله دواء لضيق الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          بيان فضل صيام الست من شوال وصحة الحديث بذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          صيام الست من شوال قبل صيام الواجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          صلاة الوتر بالمسجد جماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          قراءة القرآن بغير حفظ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 49 )           »          الإلحاح في الدعاء وعدم اليأس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى التنمية البشرية وعلم النفس

ملتقى التنمية البشرية وعلم النفس ملتقى يختص بالتنمية البشرية والمهارات العقلية وإدارة الأعمال وتطوير الذات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13-01-2023, 08:13 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي مواهب الصحابة: عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنموذجا

مواهب الصحابة: عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنموذجا
محمد عباس محمد عرابي

لقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تربية أصحابه مستغلًّا مواهبهم، فكانوا نجومًا ساطعة في المحامد والفضائل، وكانوا ذوي أفعال حميدة، وأخلاق كريمة، وكانوا كما قال ابن مسعود أبرَّ هذه الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا، وأقومها هديًا، وأحسنها حالًا.

ولقد استوعب صلى الله عليه وسلم أصحابه وهم كثيرون بالتوجيه والرعاية في فترة قياسية على المستوى العالمي، وسلك صلى الله عليه وسلم مسلكًا راقيًا في توجيه صحابته، وهذا المسلك يعتبر من أعظم المناهج في التربية، استطاع به أن يجعل من الصحابة قادة عظماءَ[1]؛ حيث عمل النبي صلى الله عليه وسلم على اكتشاف الموهوبين وعمل على رعايتهم.

ولقد أبرزت السيرة النبوية الشريفة نماذجَ عديدة للمواهب، فهذا يتقن لغة عدوه في أيام قليلة، وهذا يحفظ الأنساب والأثر، وهذا يحفظ العلم ويرويه، وهذا يحمل بابًا من حديد ينوء بحمله عشرة رجال وغير ذلك كثير، والأعظم من استثمار المواهب كشفها ورعايتها.

فلقد كان للصحابة رضوان الله عليهم مواهبُ عديدة اكتشفها ورعاها رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ، وَأَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا وَإِنَّ أَمِينَ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ))؛ رواه الترمذي، سنن الترمذي/ 3791.

ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم خبيرًا بخصائص النفوس، وسبر أغوار الطبائع والأفكار، عالِمًا بقدرات أصحابه ومواهبهم، منزلًا كلًّا في منزله، لا يكلف أحدًا أكبر من قدراته واستطاعته، فهذا أبو ذر يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ويطلب الإمارة، فيصارحه النبي صلى الله عليه وسلم قائلًا: (يا أبا ذر، إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدَّى الذي عليه فيها)؛ صحَّحه الألباني في صحيح الجامع الصغير.

واكتشف ابن عباس رضي الله عنهما عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: ضَمَّنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ: ((اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ))؛ البخاري/ 75، ومسلم/ 2477.

وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الْخَلاءَ فَوَضَعْتُ لَهُ وَضُوءًا، قَالَ: (مَنْ وَضَعَ هَذَا)، فَأُخْبِرَ، فَقَالَ: ((اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ))؛ مسلم / 2477.

ويحاول هذا المقال إلقاء الضوء على أبرز مواهب ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما من خلال العناصر التالية:
دور الأسرة في تعليم ابن عباس وتوجيهه: لقد كان لأسرة ابن عباس رضي الله عنهما دورٌ مهم في تربيته وتنشئته التنشئة السليمة، فقد سلَّمه والده منذ صغره للنبي صلى الله عليه وسلم، وجعله يرافقه وينهل من علمه، ويتحلى بأخلاقه، ولم يغفل العباس رضي الله عنه عن توجيه ابنه مع ما أنعم الله عليه من علمٍ وذكاء، فعندما رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يُدنيه ويقربه مع كبار الصحابة، خاف أن تزل قدمه عند عمر، فأخذ يوصيه ويوجهه[2].

شهادة الصحابة والتابعين بموهبة ابن عباس:
روى أبو زرعةالدمشقيفي تاريخهعن ابن عمر، قال: هو أعلم الناس بما أنزل الله على محمد، وعن مسروق قال: (كنت إذا رأيتُ ابن عباس، قلت: أجمل الناس، فإذا نطق قلت: أفصح الناس، فإذا تحدث، قلت: أعلم الناس، وقال مكحول: قيل لابن عباس: أنَّى أصبتَ هذا العلم؟ قال: بلسان سؤول، وقلب عقول.

وقال مُجاهد: كان ابن عباس يُسَمَّى "البحر" من كثرة علمه.
وقال الأعمش: كان ابن عباس إذا رأيته قلت: أجمل الناس، فإذا تكلم قلت: أفصح الناس، فإذا تحدث قلت: أعلم الناس[3].

وكثيرًا ما يستدل بجودة الإنتاج على تفوُّق صاحبه وبراعته، فلقد قال ابن حزم في كتاب الإحكام في أصول الأحكام: جمع أبو بكر محمد بن موسىأحدُ أئمة الإسلام فتاوى ابن عباس في عشرين كتابًا[4].

وفي هذه الشهادة نرى أن ابن عباس قد حاز أغلب مجالات التفوق من ناحية الجمال والحسن، ومن ناحية الطلاقة اللغوية والفصاحة في عصر تميَّز بالفصاحة، كما تعددت أوجه تفوُّقه في أغلب مجالات الحياة.

لقد كانت موهبة ابن عباس وتنوُّع ثقافته، وشمول معرفته - مما يبهر الألباب، فهو الحَبر الحاذق، الفطن في كل علم، في تفسير القرآن وتأويله، وفي الفقه، وفي التاريخ، وفي لغة العرب وآدابهم، فلقد كان مفسرًا فذًّا، تشرئبُّ له الأعناق، ثم إنه عالم لغوي وأديب كبير، وعالم بالقراءات واختلافاتها، ومِن ثَمَّ فقد كان مقصدَ الباحثين عن المعرفة، يأتيه الناس أفواجًا من أقطار الإسلام؛ ليسمعوا منه، وليتفقهوا عليه[5].

ومن أبرز مواهب عبدالله بن عباس رضي الله عنهما التي سيعرض لها المقال: فهمُه القرآن الكريم وتفسيره، قوة الذاكرة، الذكاء والفطنة، القيادة.

موهبة عبدالله بن عباس رضي الله عنها في فهم القرآن الكريم وتفسيره:
عاصر الصحابة رضي الله عنهم نزول القرآن الكريم، وشهِدوا من أسباب نزوله وتنزيله على وقائع الحياة ما لم يشهده مَن جاء بعدهم، فكانوا بحقٍّ أعلم هذه الأمة بتفسير هذا الكتاب، وأبصرهم بمقاصده وغاياته.

ولم يكن الصحابة رضي الله عنهم على درجة واحدة بعلم تفسير القرآن الكريم، فقد امتاز بعضهم عن بعض، وعلم بعضهم ما لم يعلمه غيره.

ولازم ابن عباس- إضافة إلى ملازمته رسول الله صلى الله عليه وسلم - كبارَ الصحابة؛ أمثال: أبي بكر، وعمر، وأخذ عنهم ما فاته في صغره، وقد شهد له الجميع بسَعة علمه، ورجاحة عقله، حتى لقَّبوه بألقاب عدة: فلُقِّب بـ"البحر"، و"الحبر"، و"ترجمان القرآن"؛ يقول ابن مسعود رضي الله عنه في حقه: (نِعْم ترجمان القرآن ابن عباس)؛ رواه الحاكم في "المستدرك".

لقد لازم ابن عباس شيوخ الصحابة رضي الله عنهم أجمعين؛ حيث كان ينهل من علمهم الفيَّاض، وإحاطته رضي الله عنه بلغة القرآن الكريم اللغة العربية وفَهم معانيها؛ مما ساعده على تدبر معاني القرآن الكريم وتفسيره.

وكان من منهج ابن عباس في تفسيره لكتاب الله أن يرجع إلى ما سمعه من رسول الله، وما سمعه من الصحابة، فإن لم يجد في ذلك شيئًا اجتهد رأيه، وهو أَهْلٌ لذلك، وكان رضي الله عنه يرجع أحيانًا إلى أخبار أهل الكتاب، ويقف منها موقف الناقد البصير، والممحِّص الخبير، فلا يقبل منها إلا ما وافَق الحق، ولا يُعوِّل على شيء وراء ذلك.

ومن الجدير بالذكر أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان من أكثر الناس إعجابًا به تقديرًا لعلمه ومكانته؛ حيث كان رضي الله عنه يَستفتيه ويعده للمعضلات، وكان يقول فيه: (ابن عباس فتى الكهول، له لسان سؤول، وقلب عقول)، كما كان يجلسه مع كبار الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، ومما يدل على علمه الغزير: (ما روى الإمام البخاري عن ابن عباس قال: "كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر، فكأن بعضهم وجد في نفسه، فقال: لم تدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال: إنه من علمتم! فدعاني ذات يوم فأدخلني معهم، قال: فما رأيتُ أنه دعاني إلا ليُريهم، فقال عمر: ما تقولون في قول الله تعالى: ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ﴾ [النصر: 1] ؟ فقال بعضهم: أُمرنا بأن نحمد الله ونستغفره إذا نُصرنا وفُتح علينا، وسكَت بعضهم فلم يقل شيئًا، فقال لي: أكذا تقول يا ابن عباس؟ قلت: لا، قال: فما تقول؟ قلت: هو أجَلُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلَمه إياه، فقال: ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ﴾، فذلك علامة أجلك، ﴿ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ﴾ [النصر: 3]، فقال عمر: والله ما أعلم منها إلا ما تقول).

قوة الذاكرة: كان ابن عباس ذا ذاكرة قوية، وما أكثر الشواهد على ذلك؛ منها ما قاله المبرد: ويُروى أن ابن الأزرق جاء ابن عباس، فجعل يسأله حتى أملَّه، فجعل ابن عباس يُظهر الضجر، وطلع عمر بن عبدالله بن أبي ربيعة على ابن عباس وهو يومئذ غلام، فسلَّم وجلس، فقال له ابن عباس: ألا تنشدنا شيئًا من شعرك؟ فأنشده: الطويل:
أمِن آل نعمٍ أنت غادٍ فمبكر *** غداة غدٍ أم رائحٌ فمهجَّر

حتى أتمها وهي ثمانون بيتًا، فقال له ابن الأزرق: لله أنت يا ابن عباس، أنضرب إليك أكباد الإبل نسألك عن الدين فتعرض، ويأتيك غلام من قريش، فينشدك سفهًا فتسمعه؟! فقال: تالله ما سمعت سفهًا، فقال ابن الأزرق: أما أنشدك: الطويل:
رأت رجلًا أيَّما إذا الشمس عارضت *** فيخزى وأمَّا بالعشيِّ فيخسر
فقال: ما هكذا ؟ قال: إنما قال:
فيضحى وأما بالعشيِّ فيخصر
قال: أو تحفظ الذي قال؟ قال: والله ما سمعتها إلا ساعتي هذه، ولو شئتَ أن أردَّها لرددتُها، قال: فارددها. فأنشده إياها، وروى الزبيريون أن نافعًا قال له: ما رأيت أروى منك قط! فقال ابن عباس: ما رأيت أروى من عمر، ولا أعلم من علي .[6]

وروى الواقدي: حدثنا أبو بكر بن أبي سرة، عن موسى بن سعد، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص: سمعت أبي يقول: ما رأيت أحدًاأحضر فهمًا، ولا ألب لبًّا، ولا أكثر علمًا، ولا أوسع حلمًا من ابن عباس، لقد رأيت عمر يدعوه للمعضلات، فيقول: قد جاءت معضلة، ثم لا يجاوز قوله، وإن حوله لأهل بدر[7].

الذكاء والفطنة: لقد كان ابن عباس يتمتع بذكاء وفطنة وسرعة بديهة، برزت في كثير من مواقف حياته، وتفوق بفراسته في بعض المواقف على كثير من الصحابة، ولعل من بينهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي وافق رأيه القرآن في أكثر من موضع، كما أعجب بذكائه الخليفة الرابع علي بن أبي طالب رضي الله عنه في بعض الحوادث التي خالفه فيها، وأخرج الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنتُ قاعدًا عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ إذ جاءه كتاب أن أهل الكوفة قد قرأ منهم القرآن كذا وكذا فكبَّر، فقلت: اختلفوا، قال: من أي شيء عرفت؟ قال: قرأت: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [البقرة: 204]، فإذا فعلوا ذلك لم يصبر صاحب القرآن، ثم قرأت: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾ [البقرة: 206]، ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [البقرة: 207]، قال: صدقت والذي نفسي بيده"[8].


وعن يزيد بن الأعصم عن ابن عباس قال: قدم على عمر رجل، فجعل عمر يسأله عن الناس، فقال: يا أمير المؤمنين، قد قرأ منهم القرآن كذا وكذا، فقال ابن عباس: فقلت: والله ما أحب أن يتسارعوا يومهم هذا في القرآن هذه المسارعة، قال: فزبرني عمر، ثم قال: "مه"، قال: فانطلقت إلى أهلي مكتئبًا حزينًا، فقلت: قد كنت نزلت من هذا الرجل منزلة، فلا أراني إلا قد سقطت من نفسه، قال: فرجعت إلى منزلي، فاضطجعتُ على فراشي حتى عادني نسوة أهلي وما بي وجع، وما هوإلا الذي تقبلني به عمر، قال: فبينا أنا على ذلك أتاني رجل، فقال: أجب أمير المؤمنين، قال: خرجتُ فإذا هو قائم ينتظرني، قال: فأخذ بيدي ثم خلا بي، فقال: "ما الذي كرهت مما قال الرجل آنفًا؟"، قال: فقلت: يا أمير المؤمنين، إن كنت أسأت، فإني أستغفر الله وأتوب إليه، وأنزل حيث أحببت، قال: "لتحدثني بالذي كرهت مما قال الرجل"، فقلت: يا أمير المؤمنين متى ما تسارعوا هذه المسارعة يحيفوا، ومتى ما يحيفوايختصموا، ومتى ما يختصموا يختلفوا، ومتى ما يختلفوا يقتتلوا، فقال عمر: "لله أبوك، لقد كنت أكاتمها الناس حتى جئت بها"[9].


وعن ابن علية قال: حدثنا أيوب، عن عكرمة أن عليًّا حرق ناسًا ارتدوا عن الإسلام، بلغ ذلكابن عباس، فقال: لم أكن لأحرقهم بالنار، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"لا تعذبوا بعذاب الله"، وكنت قاتلهم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من بدل دينه فاقتلوه"، فبلغ ذلك عليًّا، فقال: ويح أمابن عباس[10].


وعن سعيد بن جبير أن معاوية كتب إلى ابن عباس يسألهعَنْ ثَلاثَةِ أَشْيَاءَ، وَقَالَ: إِنَّ هِرَقْلَ كَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ يَسْأَلُهُ عَنْهُنَّ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: فَمَنْ لِهَذَا؟ قِيلَ: ابْنُ عَبَّاسٍ، فَكَتَبَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ عَنِ الْمَجَرَّةِ، وَعَنِ الْقَوْسِ، وَعَنْ مَكَانٍ مِنَ الأَرِضِ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ لَمْ تَطْلُعْ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلا بَعْدَهُ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " أَمَّا الْمَجَرَّةُ فَبَابُ السَّمَاءِ الَّذِي تَنْشَقُّ مِنْهُ، وَأَمَّا الْقَوْسُ فَأَمَانٌ لأَهْلِ الأَرْضِ مِنَ الْغَرَقِ، وَأَمَّا الْمَكَانُ الَّذِي طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ لَمْ تَطْلُعْ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلا بَعْدَهُ فَالْمَكَانُ الَّذِي انْفَرَجَ مِنَ الْبَحْرِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ" [11].


ومما يبين حنكته ونظرته الثاقبة للأمور ما حدث بينه، وبين الإمام علي عندما ولاه الشام، فرفَض ذلك في بداية الأمر، وأشار إليه أن يكتب إلى معاوية، وكأن ابن عباس كان يتوقع ما حدث من فتنة قال عنها العلماء: (إنها فتنة عصم الله منها دماءنا، فلنعصم منها ألسنتنا)، وهذا يدل على ما كان يتمتع به ابن عباس من نظرة ثاقبة لعواقب الأمور.

القيادة: قيادته لمعظم الوقائع التي يشارك فيها:
تقديم عمر بن الخطاب رضي الله عنه لرأي ابن عباس على آراء كبار الصحابة في كثير من المواقف؛ مما يدل على اتجاه الأنظار إليه في كل مجلس شورى.

وقد وصف صعصعة بن صوحان ابن عباس حين إمارته على البصرة عندما سأله علي بن أبي طالب، فقال صعصعة: يا أمير المؤمنين، إنه آخذ بثلاث، وتارك لثلاث. آخذ بقلوب الرجال إذا حدث، وبحسن الاستماع إذا حُدِّث، وبأيسر الأجرين إذا خولف، وتارك المراء، ومقارنة اللئيم، وما يعتذر منه[12].


وقد ثبت أنه تولى إمارة كثير من مواسم الحج؛ كما قال أبو وايل: (خطبنا ابن عباس، وهو أمير على الموسم)[13].

ويُستفاد من تولي ابن عباس الولاية أكثر من مرة ما يلي: تفوق ابن عباس في القيادة؛ مما جعله يتولى الإمارة أكثر من مرة، من وسائل تنمية قدرات ومواهب الفائقين إفساح المجال لهم في المجالات التي لم يظهر فيها تفوقهم بشكل واضح.

مشروعية طلب المتفوق للقيادة؛ لكي يستطيع أن يصلح ويوجه من كرسي الكلمة المسموعة، ولعل خير دليل على ذلك ما فعله سيدنا يوسف عليه السلام عندما طلب أن يتولى القيادة: ﴿ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾ [يوسف: 55].

وختامًا لقد حُق فعلًا لقريش أن تفتخر بابن عباس، بل حُق للمسلمين أن يفخروا، وجدير بكل مرب أن يجعل ابن عباس مثلًا لأبنائه؛ ليقتدوا به، ويجعلوا من سيرته ومواهبه نبراسًا يهتدون به.

مصادر ومراجع المقال:
المصادر:
الإمام أحمد بن حنبل: مسند الإمام أحمد بن حنبل، مؤسسة قرطبة.
الإمام البخاري، صحيح البخاري، دارالسلام، ط2، 1419هـ.
الإمام الترمذي، سنن الترمذي، تحقيق أحمد شاكر، دار إحياء التراث العربي.
الإمام الذهبي، سير أعلام النبلاء، مؤسسة الرسالة، 1405هـ.
الألباني (محمد ناصر الدين): صحيح الجامع الصغير وزيادته، المكتب الإسلامي، ط3، 1408هـ.
الإمام مسلم، صحيح مسلم، دار ابن حزم، 1419هـ.
إسماعيل بن كثير، البداية والنهاية، ط2، بيروت، مكتبة المعارف، 1990م.
الحاكم: المستدرك، دارالكتب العلمية، ط1، 1415هـ.
عز الدين ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ط1، بيروت، دار الكتب العلمية، 1987.
يوسف القرطبي، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، بيروت، دار صادر، د. ت.
المراجع:
أحمد العجمي، التفوق والنجابة على نهج الصحابة، الرياض، مكتبة العبيكان، 1423هـ.
كمال الدين المرسي، الدين والحياة منهج في التربية الدينية، الإسكندرية، دار الوفاء، 1996م.
محمد يوسف الكاندهلوي، حياة الصحابة، تحقيق بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، 1420هـ.
منير عرفة، ابن عباس ومسائل نافع ابن الأزرق، القاهرة، 2015 م.

[1] كمال الدين المرسي، الدين والحياة منهج في التربية الدينية، ص71.

[2]حمد العجمي، التفوق والنجابة على نهج الصحابة، ص92.

[3]منير عرفة، ابن عباس ومسائل نافع ابن الأزرق، ص9.

[4]الإمام الذهبي، سير أعلام النبلاء،3/ 358.

[6] عز الدين ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 7/ 166.

[8] محمد يوسف الكاندهلوي، حياة الصحابة، 3/ 753.

[9] الإمام الذهبي، سير أعلام النبلاء،3 / 348.

[10]نفسه 3/ 346.

[11] الإمام الذهبي، سير أعلام النبلاء، 3/ 349.

[12] إسماعيل بن كثير، البداية والنهاية، 8/ 300.

[13] يوسف القرطبي، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، 3/ 936.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 66.87 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 64.98 كيلو بايت... تم توفير 1.89 كيلو بايت...بمعدل (2.83%)]