مظاهر التيسير في الشريعة الإسلامية - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          ذكر الله دواء لضيق الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          بيان فضل صيام الست من شوال وصحة الحديث بذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          صيام الست من شوال قبل صيام الواجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          صلاة الوتر بالمسجد جماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          قراءة القرآن بغير حفظ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          الإلحاح في الدعاء وعدم اليأس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          الفهم الخطأ للدعوة يحولها من دعوة علمية تربوية ربانية إلى دعوة انفعالية صدامية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          معالجة الآثار السلبية لمشاهد الحروب والقتل لدى الأطفال التربية النفسية للأولاد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16-01-2023, 08:55 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي مظاهر التيسير في الشريعة الإسلامية

مظاهر التيسير في الشريعة الإسلامية
الشيخ محمد عبدالتواب سويدان


الحمد لله ربِّ العالمين على كل حال، المتصف سبحانه بالعِزَّة والعظمة والجلال، نحمده تبارك وتعالى بالغدوِّ والآصال، وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد الأحد، فالشبيه محال، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبدُه ورسولُه كريم الخِصال، خير البرية أتقاها وأعدلها، سيد الرجال، اللهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارك عليه، وعلى الصَّحْب والآل، ما دام في الكون شُخُوصٌ وظلال، أما بعد:
فيا أيها الكرماء الأجِلَّاء، التيسير مَعْلَمٌ من معالم وخصائص الشريعة الإسلامية، ومظهرٌ من مظاهرها، وسِمَةٌ بارزة من سماتها، ووصفٌ ملازمٌ لها، ومنحةٌ إلهيةٌ رفَعَ اللهُ بها شأنَ هذه الرسالة الخالدة؛ إذْ إنَّ المُتتبِّع لأحكام الشريعة الغرَّاء في كلِّ أحوالها وجوانبها يُلاحظ التيسير نمطًا سائدًا، وهدفًا واضحًا؛ بل إننا لا نكون قد تجاوزنا الحدَّ إذا قلنا: إنَّ التيسير من المقاصد العُلْيا للشريعة الإسلامية، قال تعالى: ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ [الحج: 78]، وقال تعالى: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة: 185]، وقال: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة: 286]، وقال: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا [الطلاق: 7].


وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا)(أخرجه البخاري).


وعَنْ مِحْجَنِ بْنِ الْأَدْرَع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إِنَّ خَيْرَ دِينِكُمْ أَيْسَرُهُ، إِنَّ خَيْرَ دِينِكُمْ أَيْسَرُهُ، إِنَّ خَيْرَ دِينِكُمْ أَيْسَرُهُ)(أخرجه أحمد، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع).


وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ، عَلَيْكُمْ مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللهِ مَا دُووِمَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَلَّ)(أخرجه مسلم).


وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ، كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ)(أخرجه ابن حِبَّان، وصحَّحَه الألباني).
والنبيُّ صلى الله عليه وسلم لمَّا بَعَثَ مُعَاذًا وَأَبَا مُوسَى إلى الْيَمَنِ؛ قال لهما: ((يَسِّرَا ولا تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا ولا تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا ولا تَخْتَلِفَا))؛ أخرجه البخاري ومسلم.


وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((يَسِّرُوا وَلا تُعَسِّرُوا، وَبَشِّرُوا، وَلا تُنَفِّرُوا)(أخرجه البخاري ومسلم).


وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إِنَّ اللَّهَ لم يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا، ولا مُتَعَنِّتًا؛ وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا))؛ أخرجه مسلم.


أيها المسلمون، ومعالم ومظاهر التيسير في الشريعة الإسلامية تتجلَّى في مجالات الحياة كلها؛ لأنه الله لطيف بعباده، كما قال سبحانه: ﴿ اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ [الشورى: 19].


وإذا أردنا أن نخوض في أعماق التيسير في دين الله؛ فإننا سنجد أنفسنا أمام بحر زاخر من الشواهد والنصوص والأحداث التي تقر هذا المبدأ، فتعالوا بنا نستعرض بعضًا من مظاهر ومعالم التيسير في الشريعة الإسلامية.


فتح باب التوبة من أعظم التيسير:
أيها الأحِبَّة الكِرام، أولى مظاهر التيسير في الشريعة الإسلامية فتح باب التوبة؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر: 53]، وقال عز وجل: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ [الشورى: 25].


وقد يتعجَّب البعض؛ ولكن لكي نقف على يُسْر شريعة الإسلام، في فتح باب التوبة؛ فلا بُدَّ أن نتعرَّف على شرع من كان قبلنا:
فقد كان للتوبة في شرع من قبلنا شرط خُفِّف عنا، فلما عَبَدَ قوم موسى العِجْل وسقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا، وأرادوا التوبة، فجعل الله لهم امتحانًا شديدًا لقبول توبتهم؛ وذلك بأن يقتلوا أنفسهم فيُغِير بعضهم على بعض، ويتقاتلوا بينهم، فكان قتل النفس شرطًا لقبول توبتهم؛ قال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ [البقرة: 54].


قال الزهري: لما أمرت بنو إسرائيل بقتل أنفسها، برزوا ومعهم موسى، فاضطربوا بالسيوف، وتطاعنوا بالخناجر، وموسى رافع يديه، حتى إذا أفنوا بعضهم [يعني كثر القتلى منهم]، قالوا: يا نبي الله، ادع الله لنا، وأخذوا بعضديه يسندون يديه، فلم يزل أمرهم على ذلك، حتى إذا قبل الله توبتهم قبض أيديهم بعضهم عن بعض، فألقوا السلاح، وحزن موسى وبنو إسرائيل للذي كان من القتل فيهم، فأوحى الله جل ثناؤه إلى موسى: ما يحزنك؟ أما من قتل منكم فحَيٌّ عندي يُرزَق، وأمَّا مَن بقي فقد قُبِلت توبتُه؛ فَسُرَّ بذلك موسى، وبنو إسرائيل؛ (رواه ابن جرير بإسناد جيد عنه"، انتهى من "تفسير ابن كثير").


أمَّا في الشريعة الإسلامية؛ فيتجلَّى فضل الله وتيسيره على هذه الأُمَّة من خلال قبول توبة العاصي بمجرد الإنابة إلى الله والتوبة النصوح، فمن تاب وأقلع عن الذنب، وعزم على عدم العودة إليه، وردَّ المظالم إلى أصحابها، تاب الله عليه، وقَبِلَ منه، ولا أدلُّ من ذلك من قوله سبحانه: ﴿ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الفرقان: 70]، وقوله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ [التحريم: 8].


وفي سنن الترمذي أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((قَالَ اللَّهُ: يَا بْنَ آدَمَ، إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلا أُبَالِي، يَا بْنَ آدَمَ، لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي، غَفَرْتُ لَكَ وَلا أُبَالِي، يَا بْنَ آدَمَ، إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا، ثُمَّ لَقِيتَنِي لا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا، لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً)).


فأي تيسير أكثر من أن يعلم الخاطئ أن باب التوبة مفتوحٌ على مصراعيه، وأنه إن بذل جهدًا في التقرُّب إلى الله، فإن خالق الكون يتقرَّب إليه بأكثر ممَّا يصنعه العبد؛ فمهما عظُمَ جرم الإنسان وكبر ذنبه، فباب التوبة مفتوح؛ فالله جل وعلا لا يتعاظَمُه ذنب.


وَعَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم شَيْخٌ كَبِيرٌ يَدَّعِمُ عَلَى عَصًا لَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِي غَدَرَاتٍ وَفَجَرَاتٍ، فَهَلْ يُغْفَرُ لِي؟ قَالَ: ((أَلَسْتَ تَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؟))، قَالَ: بَلَى، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، قَالَ صلى الله عليه وسلم: ((قَدْ غُفِرَ لَكَ غَدَرَاتُكَ وَفَجَرَاتُكَ))؛ [رواه أحمد].

وكان من قبلنا إذا أذنب أحدهم ذنبًا يُكتَب ذنبه على باب داره، وتُكتَب معه كفَّارته، أمَّا نحن الأُمَّة المحمديَّة فقد جعل الله كفَّارة ذنوبنا قولًا نقوله بألسنتنا، فتوبتنا أسهلُ تناولًا، وأسرع قبولًا، وقد ورد في تفسير ابن المنذر رحمه الله: أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا مجتمعين عند ابن مسعود رضي الله عنه، فتذاكروا بني إسرائيل وما أعطاهم الله من فضائل، فقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: "كان الرجل من بنــي إسرائيل إذا أذنب ذنبًا كُتِبَ ذنبه علـــى بـــاب داره، وكُتِبَ معه كفــَّـارة ذلك؛ ليغفر ذلك الذنب، أما أنتم فجعل الله مغفرة ذنوبكم قولًا تقولونه بألسنتكم، ثم تلا قول الحق: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [آل عمران: 135، 136]، فقال ابن مسعود رضي الله عنه: والله ما أحب أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية.


بل جعل الله لسيئات المؤمنين ما يوجب تكفيرها، وإن لم يحصل من العبد توبة أو استغفار، وهذه المكفِّرات على نوعين: الأول: نوع من كسب العبد، وهي الحسنات؛ قال الله تعالى: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ [هود: 114].


الثاني: نوع من غير كسب العبد، وهي المصائب؛ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُشَاكُ شَوْكَةً فَمَا فَوْقَهَا، إِلَّا كُتِبَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ))؛ [أخرجه مسلم].


تخفيف التكاليف ورفع الحرج:
ومن مظاهر التيسير في الشريعة الإسلامية تخفيف التكاليف ورفع الحرج، ونجد لهذا نماذج كثيرة في العبادات؛ ففي الصلاة - على سبيل المثال- التي هي أكبر أركان الإسلام بعد الشهادتين نجد أن الله عز وجل تخفيفًا عنَّا شرع لنا خمس صلوات في اليوم والليلة، وأباح لنا الصلاة في أي مكان، وكانت لا تحل في الأُمَم الماضية لهم ولا تجوز، أو لا تقبل منهم إلا في بقاع من الأرض معلومة لديهم، وإن بعدت؛ وهي البيع والكنائس والمحاريب، وهذه الأُمَّة جعلت الأرض كلها مسجدًا وطهورًا؛ ويشير إلى هذا المعنى الحديث: ((وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ))؛ رواه البخاري؛ وفي لفظ مسلم في صحيحه، وغيره: ((جعلت لنا الأرض كلها مسجدًا، وجعلت تربتها لنا طهورًا إذا لم نجد الماء)).


وكذلك تجب في الحَضَر أربعًا، وفي السفر تُقْصَر إلى ثِنْتَين، والقيام فيها يسقط بعذر المرض، فيُصلِّيها المريض جالسًا، فإن لم يستطِعْ فعلى جنبه، ورفعت عن الحائض والنفساء، ولا تُقْضى بعد الطُّهْر، وهذا يُسْر ولُطْف على المرأة، حيث تعاني في فترة الحيض والنفاس آلامًا ودماء، يصعب معها الصلاة، وقد تطول هذه المدة فيشق القضاء، فجاءت الرحمة الربانية على المرأة بهذا التيسير، ولم يطلب منها قضاء تلك الصلوات الفائتة عنها بعد، إلى غير ذلك من الرخص والتخفيفات.


وممَّا خفَّف الله به عن هذه الأُمَّة في باب الطهارة، نجد أن طهارة الثوب في شرع من قبلنا كانت بقَطْع ما نالتْه النجاسةُ من الثوب؛ فكان إذا أصاب النجسُ ثوبَ أحدهم لا يُطهره؛ بل يقطع الثوب؛ كما ورد في رواية الإمام أحمد والحاكم واللفظ له من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كان بنو إسرائيل إذا أصاب ثوب أحدهم البول، قرضه بالمقراض))، أمَّا في شريعة الإسلام فمعلوم ما في ديننا من التيسير الكثير في شأن الطهارة ورفع الحرج، فيكفي أن نغسل مكان النجاسة مرةً واحدةً بماء طهور، ويتبين هذا الدين في قصة الأعرابي الذي بال في المسجد، فقام الناس ليقعوا به، ففي صحيح البخاري (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي الْمَسْجِدِ، فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ، فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((دَعُوهُ وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ، أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ)).


ثم إنه رخَّص لمن لا يستطيع استخدام الماء أن يتيمَّم؛ قال الله تعالى: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا [النساء: 43]، وقال تعالى: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ [المائدة: 6].


والمتأمِّل يرى في ختم هاتين الآيتين بما يدل على العفو والغفران ورفع الحرج ما يدل دلالةً واضحةً على التيسير والتخفيف في كل ما يتعلَّق بالطهارة.


ومن مظاهر التيسير في الصيام:
إباحة الأكل والشرب ليلًا؛ أي: من بعد غروب الشمس إلى طلوع الفجر؛ فقد رُوي عن ابن عباس، وأبي العالية، وعبدالرحمن بن أبي ليلى، ومجاهد، وسعيد بن جبير، ومقاتل بن حيان، والربيع بن أنس، وعطاء الخراساني، أن صيام الأُمَم السابقة كان من الليلة إلى الليلة.


يقول ابن عاشور: حصل في صيام الإسلام ما يخالف صيام الأُمَم السابقة في قيود ماهية الصيام وكيفيتها، ولم يكن صيامنا مماثلًا لصيامهم تمام المماثلة، فقوله: ﴿ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة: 183] تشبيه في أصل فرض ماهية الصوم لا في الكيفيات، والتشبيه يُكتفَى فيه ببعض وجوه المشابهة، وهو وجه الشَّبَه المُراد في القصد.


وجاء عن ابن عمر، أنه قال: أنزلت ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة: 183] كتب عليهم أن أحدهم إذا صلَّى على العتمة ونام، حرم عليه الطعام والشراب والنساء إلى مثلها.


واستمر الأمر على هذا عند المسلمين الأوائل؛ فقد كان في أول فرض الصيام، يحرم على المسلمين في الليل بعد النوم الأكل والشرب والجِماع، فحصلت المشقَّة لبعضهم، فخفَّف الله تعالى عنهم ذلك، وأباح في ليالي الصيام كلها الأكل والشرب والجِماع، سواء نام أو لم يَنَمْ؛ لكونهم يختانون أنفسهم بترك بعض ما أمروا به.


روى البخاري عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاء رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم إِذَا كَانَ الرَّجُلُ صَائِمًا فَحَضَرَ الْإِفْطَارُ، فَنَامَ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَ، لَمْ يَأْكُلْ لَيْلَتَهُ وَلَا يَوْمَهُ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنَّ قَيْسَ بْنَ صِرْمَةَ الْأَنْصَارِيَّ كَانَ صَائِمًا، فَلَمَّا حَضَرَ الْإِفْطَارُ أَتَى امْرَأَتَهُ، فَقَالَ لَهَا: أَعِنْدَكِ طَعَامٌ؟ قَالَتْ: لَا، وَلَكِنْ أَنْطَلِقُ فَأَطْلُبُ لَكَ، وَكَانَ يَوْمَهُ يَعْمَلُ فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَجَاءَتْهُ امْرَأَتُهُ، فَلَمَّا رَأَتْهُ، قَالَتْ: خَيْبَةً لَكَ، فَلَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ غُشِيَ عَلَيْهِ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة: 187]، فَفَرِحُوا بِهَا فَرَحًا شَدِيدًا.


ومن مظاهر التيسير في الصيام:
إباحة الفطر للمريض والمسافر والحامل والمرضع؛ قال الله تعالى: ﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة: 184]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ اللهَ وضع عن المسافر نصف الصلاة والصوم، ورخص للحبلى والمرضع))؛ [صحيح النسائي].


وكذلك التيسير على الصغير الذي لم يبلغ، فلا يجب الصيام عليه حتى يبلغ، وكذلك التيسير على الحائض والنفساء، فيحرم عليهما الصوم ولا يصح منهما؛ والتيسير على العاجز والهرم، فإذا كان عجزًا مستمرًّا لا يُرجى زواله؛ كالكبير والمريض مرضًا لا يُرجَى برؤه، فلا يجب عليه الصيام حتى يستطيعه، ويجب عليه أن يُطعِم عن كل يوم مسكينًا.


ومن مظاهر التيسير في الصيام:
عدم الفطر لمن أكل أو شرب ناسيًا؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أكل ناسيًا وهو صائمٌ، فليتمَّ صومَه؛ فإنما أطعمه اللهُ وسقاه))؛ [صحيح النسائي].


ومَن غَلَبه القيء فتقيَّأ فإنه لا يفسد صومه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ ذَرَعَه قيءٌ وهو صائمٌ، فليس عليه قضاءٌ، وإن استقاء فليقضِ))؛ [صحيح أبي داود].


وعدم فساد الصوم إذا أدركه الفجر وهو جُنُب؛ فعن عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُدركه الفجر، وهو جُنُبٌ من أهله، ثم يغتسل، ويصوم)؛ [أخرجه البخاري].


أحِبَّتي الكِرام، إن مظاهر التيسير في الشريعة الإسلامية عديدة، ولو تتبَّعْناها لطال بنا المقام، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية
الحمدُ لله وكفى، وصلاةً وسلامًا على عباده الذين اصطفى، وبعد:
أيها المسلمون، فمتى ذُكِرَ الإسلامُ، ذُكِرَ وصْفُه باليُسْر، فكل تشريعاته وإرشاداته قائمةٌ على اليُسْر والتخفيف، وهذه ميزةٌ خاصَّةٌ بدين الإسلام؛ حيث ربط النبيُّ صلى الله عليه وسلم بينها وبين أصل الدِّين الإسلامي؛ إذْ جعلها في العديد من أحاديثه وَصْفًا مُلازمًا، ومن ذلك: ما جاء عن أَبِي أُمامةَ رضي الله عنه، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ))، وعن ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أيُّ الأَدْيَانِ أَحَبُّ إلى اللَّهِ؟ قال: ((الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ)) والحنيفيَّة؛ أي: المائلة عن الباطل إلى الحقِّ، والسمحة؛ أي: السهلة اليسيرة.


وقد ذُكرت صفة الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه مُيسِّر ومُبشِّر ورافع لتلك الأغلال التي كانت على تلك الأمم السالفة، قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ [الأعراف: 157].


والمراد بالإصر: الشرائع الشديدة والتكاليف الشاقَّة التي كانت مفروضةً على الأمم قبلنا، فكما ذكرنا من أنه كانت الأُمَم السابقة تُكلَّف بتكاليف عسيرة، وتُفرَض عليها فرائض شديدة، وربما حظر الله عليها بعض المباحات والطيبات، أمَّا هذه الأُمَّة فقد جعل الله شريعتها خاتمةً للشرائع كلها، أنزلها الله كافةً للناس في مشارق الأرض ومغاربها، ولم يجعل فيها عنتًا وشدة؛ بل خفَّف الله تبارك وتعالى عن هذه الأُمَّة الإسلامية، ووضع عنها الآصار والأغلال التي كانت على الأمم السابقة، فأحَلَّ لها كثيرًا ممَّا حُرِّم على غيرها، فلا عسر فيه ولا أغلال ولا آصار، كل هذا من تيسير الله بنا ورفقه بنا؛ ولهذا فالمسلم يدعو دائمًا بهذا الدعاء العظيم ﴿ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [البقرة: 286]، وجاء في الحديث الصحيح أن الله قال: ((قد فعلت))؛ يعني: استجبتُ دعاءكم ووهبتكم ذلك الذي سألتموني إيَّاه؛ فاعتزُّوا بدينكم، وافتخروا بدينكم، واحمدوا الله على هذه الشريعة؛ على كمالها ويُسْرها وتيسيرها، فالحمد لله ربِّ العالمين.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وأقِمِ الصلاة.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 73.02 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 71.12 كيلو بايت... تم توفير 1.90 كيلو بايت...بمعدل (2.60%)]