تكملة الفوائد العقدية من حديث: احفظ الله يحفظك - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12670 - عددالزوار : 222374 )           »          يوم المرأة العالمي وعيد الأم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          نحو مجتمع إسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          الأم نبع الحنان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          عَدي بن حاتم - قصة إسلامه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          الأخبار المستقبلية في القرآن الكريم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          كيف نقرأ قرناً من الصراع؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          الإمام أبو حنيفة قادح زناد الفكر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          صرخة في وجه الفساد الاجتماعي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          من حسنت بدايته حسنت نهايته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12-06-2021, 03:40 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,464
الدولة : Egypt
افتراضي تكملة الفوائد العقدية من حديث: احفظ الله يحفظك

تكملة الفوائد العقدية من حديث: احفظ الله يحفظك


الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري



الحمدُ للهِ رَبِّ العالمينَ، ولهُ الحمدُ والْمِنَّةُ على الإسلامِ والسُّنَّةِ، حَمْداً يُكَافِئُ نِعَمَهُ الظَّاهِرَةَ والباطِنَةَ، وكَمَا يَنبغي لِكَرَمِ وَجْهِهِ وعِزِّ جَلالِهِ، ملءَ سماواته وملءَ أرضه، وملءَ ما بينَهُما وملءَ ما شاءَ مِن شيءٍ بعدُ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبده ورسولُه، صلَّى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وأصحابهِ وأزواجهِ أُمَّهَاتِ المؤمنينَ، والتابعينَ لهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّينِ، وسلَّمَ تسليماً كثيراً.




أما بعد:

فيا أيها الناسُ اتقوا اللهَ تعالى واحفظوهُ ما استحفَظَكُم، وكُونوا أُمَناءَ على ما استودَعَكُم، ﴿ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ [سبأ: 21].



أيها المسلمون: لقد كان الحديث في الجمعة الماضية عن الفوائد العَقَدية في وصيَّةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما، والتي هي مِنْ أعظمِ جوامع الكَلِمِ التي أُوتيها نبيُّنا صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، وقد ذكرنا خمس فوائد، ونذكرُ إن شاء الله بعض ما تيسَّر في هذه الجمعة.



الفائدة السادسة: في قولهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (واعلَمْ أنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ على أنْ يَنْفَعُوكَ بشَيْءٍ لم يَنْفَعُوكَ إلاَّ بشَيْءٍ قدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، ولوْ اجْتَمَعُوا على أنْ يَضُرُّوكَ بشيْءٍ لم يَضُرُّوكَ إلاَّ بشيْءٍ قدْ كَتَبَهُ اللهُ عليكَ)، قال الشيخ ابن عثيمين: (الإيمان بهذا يستلزم أن يكون الإنسانُ مُتعلِّقاً بربِّهِ، ومُتَّكِلاً عليه، لا يهتمُّ بأحدٍ؛ لأنه يعلم أنه لو اجتمَعَ كُلُّ الخلق على أن يضروه بشيءٍ لم يضرُّوه إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ عليه، وحينئذٍ يُعلِّق رجاءه بالله، ويعتصم به، ولا يَهُّمهُ الخلق، ولو اجتمعوا عليه، ولهذا نجدُ الناسَ في سلف هذه الأمة لَما اعتمدوا على الله وتوكَّلُوا عليه لم يَضُرُّهم كيد الكائدين، ولا حَسَدُ الحاسدين: ﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾ [آل عمران: 120]) انتهى.



وهذا الحديث العظيم يُوجب الإيمان بالقضاء والقدر، وهو الركن السادس من أركان الإيمان، والإيمانُ به يتضمَّنُ الإيمان بمراتبه الأربع: الإيمانُ بعلم الله المحيطِ بكل شيء، قال تعالى: ﴿ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ﴾ [يونس: 61]، والإيمان بأن الله تعالى قد كتب جميع ما سبق به علمه أنه كائن، وفي ضمن ذلك الإيمان باللوح والقلم، قال تبارك وتعالى: ﴿ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ﴾ [يس: 12]، والإيمان بمشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة، قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [النحل: 40]ﱠ، والإيمان بأن الله تعالى خالق كل شيء، وأنه ما من ذرة في السموات ولا في الأرض إلا والله خالقها وخالق حركاتها وسكناتها، لا خالق غيره ولا ربَّ سواه، قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [يس: 82].



وقال صلَّى الله عليهِ وسلَّمَ في روايةٍ أُخرى: (لَوْ أنَّ اللهَ عَذَّبَ أَهْلَ سَمَاواتِهِ وأهلَ أرْضِهِ، لَعذَّبَهُمْ غيرَ ظالمٍ لهم، ولو رحِمَهُم كانتْ رحْمَتُهُ لهم خيراً من أعمالهم، ولو كانَ لكَ جَبَلُ أُحُدٍ أو مِثْلُ جَبَلِ أُحُدٍ ذهَبَاً أنفَقْتَهُ في سبيلِ اللهِ، ما قَبلَهُ اللهُ منكَ حتى تُؤْمِنَ بالقَدَرِ، وتعلَمَ أنَّ ما أصابَكَ لم يكُنْ ليُخْطِئَكَ، وأنَّ ما أخْطَأَكَ لم يكُنْ ليُصيبَكَ، وأنكَ إنْ مِتَّ على غيرِ هذا دخَلْتَ النَّارَ) رواه الإمام أحمد وقوَّى إسنادَهُ مُحقِّقُو المسند.




ومعنى ذلك: أنه قد فُرغ مما أصابك أو أخطأك من خير وشر، فما أصابك فإصابته لك محتومة لا يمكن أن يخطئك، وما أخطأك فسلامتك منه محتومة فلا يُمكن أن يُصيبك، قال تعالى: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [الحديد: 22، 23]، ﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [التوبة: 51]، و (عن جابرٍ قالَ: جاءَ سُرَاقةُ بنُ مالكِ بنِ جُعْشُمٍ قالَ: يا رسولَ اللهِ بيِّنْ لنا دِينَنا كأنَّا خُلِقْنَا الآنَ، فيما العَمَلُ اليومَ؟ أَفيما جَفَّتْ بهِ الأقلامُ وجَرَتْ بهِ الْمَقاديرُ، أمْ فيما نَسْتَقْبلُ؟ قالَ: «لا، بلْ فيما جَفَّتْ بهِ الأقلامُ وجَرَتْ بهِ الْمَقادِيرُ»، قالَ: فَفيمَ العَمَلُ؟ فقالَ: «اعْمَلُوا فكُلٌّ مُيَسَّرٌ») رواه مسلم.




قال ابنُ القيم: (فاتفقت هذه الأحاديث ونظائرها على أن القدر السابق لا يمنع العمل ولا يوجب الاتكال عليه، بل يُوجب الْجِدَّ والاجتهاد، ولهذا لَما سمع بعض الصحابة ذلك قال: "ما كُنتُ أشد اجتهاداً منِّي الآن" وهذا مما يدلُّ على جلالة فقه الصحابة ودِقة أفهامهم وصحة علومهم) انتهى.




والأسباب وإن عظمت إنما تنفع إذا لم يعارضها القدر والقضاء، فإذا عارضها القدر لم تنفع شيئاً، بل لا بد أن يمضي الله ما كتب في اللوح المحفوظ من الموت والحياة، وعموم المصائب التي تصيب الخلق، من خير وشر، فكُلُّها قد كُتب في اللوح المحفوظ، قال الشيخ السعدي: (وهذا أمرٌ عظيمٌ لا تُحيطُ به العُقول، بل تذهلُ عنه أفئدة أولي الألباب، ولكنه على الله يسير) انتهى.




وقال ابنُ رَجَب: (واعلم أنَّ مدار جميع هذه الوصية من النبيِّ صلى الله عليه وسلم لابن عباس على هذا الأصل، وما بعده وما قبله متفرع عليه وراجع إليه، فإنه إذا علم العبد أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له، من خير أو شر، أو نفع أو ضر، وأن اجتهاد الخلق كلهم جميعاً على خلاف المقدور غير مفيد شيئاً البتة، علم حينئذ أن الله تعالى وحده هو الضار النافع، والمعطي المانع، فأوجب ذلك للعبد توحيد ربه عز وجل، وإفراده بالاستعانة والسؤال والتضرع والابتهال، وإفراده أيضاً بالعبادة والطاعة) انتهى.



سابعاً: في قوله صلى الله عليه وسلم: (ما أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ ليُخْطِئَكَ): أعظم وقاية ضد القلق النفسي، وسائر الهواجس والاضطرابات النفسية، التي يشتكي منها كثير من الناس، حتى سماها بعضهم بمرض العصر، فمن آمن بهذا الحديث اطمأن قلبه وانشرح صدره، وعلم أن كل ذلك بقضاء الله وقدره، وأنه خير له، فيبتعد عن التضجر والزفرات والحسرات.



ثامناً: في قوله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (رُفِعَتِ الأقلامُ وجَفَّتْ الصُّحُفُ): أي تركت الكتابة في الصحف، لفراغ الأمر وانبرامه منذ أمد بعيد، فقد تقدم كتابة المقادير كلها، فما كتبه الله فقد انتهى ورُفع، والصحف جفت من المداد، ولم يبق مراجعة، قال تعالى: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [الحديد: 22]، وقال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (كَتَبَ اللهُ مَقادِيرَ الخلائِقِ قبلَ أنْ يَخلُقَ السماواتِ والأرضَ بخمسينَ ألفَ سَنَةٍ، قالَ: وعَرْشُهُ على الْماءِ) رواه مسلم، وقال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (فَرَغَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ إلى كُلِّ عَبْدٍ مِنْ خَلْقِهِ، مِنْ خَمْسٍ: مِنْ عَمَلِهِ وأَجَلِهِ ورِزْقِهِ وأَثَرِهِ ومَضْجَعِهِ) رواه الطبرانيُّ في الأوسط وصحَّحه الألباني، قال ابن الْمُلقِّن: (ومَضْجَعِهِ: يعني قبرَهُ، فإنهُ مضْجَعُهُ على الدَّوَام: (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)) انتهى.




وقد ذكَرَ العلماءُ أقساماً للأقلام:

القلم الأول: العام الشامل لجميع المخلوقات، وهو القلم الذي خلقه الله وكتب به في اللوح المحفوظ مقادير الخلائق، وهذا أول الأقلام وأفضلها وأجلها، قال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (إنَّ أوَّلَ ما خَلَقَ اللهُ القَلَمَ، فقالَ لهُ: اكْتُبْ، فجَرَى بما هُوَ كائنٌ إلى الأبَدِ) رواه الترمذيُّ وحسَّنه صدرُ الدين أبو المعالي.




القلم الثاني: قلم الوحي: وهو الذي يكتب به وحي الله إلى أنبيائه ورسله، قال صلى الله عليه وسلم في قصة المعراج: (ثمَّ عُرِجَ بي حتَّى ظَهَرْتُ لِمُسْتوىً أَسْمَعُ فيهِ صَرِيفَ الأقلامِ) متفق عليه.




القلم الثالث: حين خُلق آدم عليه السلام، وهو قلم عام أيضاً، لكن لبني آدم.




القلم الرابع: حين يُرْسَلُ الْمَلَكُ إلى الجنين في بطن أُمِّهِ، قال صلى الله عليه وسلم: (ثمَّ يَبْعَثُ اللهُ مَلَكاً فَيُؤْمَرُ بأرْبَعِ كَلِمَاتٍ، ويُقالُ لهُ: اكْتُبْ عَمَلَهُ، ورِزْقَهُ، وأَجَلَهُ، وشَقِيٌّ أوْ سَعِيدٌ، ثمَّ يُنْفَخُ فيهِ الرُّوحُ) الحديث رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري.




القلم الخامس: الموضوع على العبد، الذي بأيدي الكرام الكاتبين، الذين يكتبون ما يفعله بنو آدم، كما قال تعالى: ﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ﴾.



♦♦♦♦♦

إنَّ الحمدَ للهِ، نَحمَدُه ونستعينُه، مَن يَهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأنَّ محمداً صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عبدُهُ ورسولُهُ.




أمَّا بعدُ: (فإنَّ خَيْرَ الحديثِ كِتابُ اللهِ، وخيرُ الْهُدَى هُدَى مُحمَّدٍ، وشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثاتُها، وكُلُّ بدعَةٍ ضَلالَةٌ)، و (لا إيمانَ لِمَن لا أَمانةَ لَهُ، ولا دِينَ لِمَنْ لا عَهْدَ لَهُ).




أيها المسلمون: من الفوائد العقدية في هذه الوصية الجامعة:

تاسعاً: في قوله صلى الله عليه وسلم: (تعرَّف إلى اللهِ في الرَّخاءِ يعرفك في الشدَّة): قال ابنُ علاَّن: («تعرَّف».. أي: تَحَبَّ «إلى الله في الرَّخاء» بالدأب في الطاعات والإنفاق في وجوه القُرَبِ والْمَثوبات، حتى تكون مُتصفاً عنده بذلك معروفاً به، «يعرفك في الشدة» بتفريجها عنك، وجعله لك من كُلِّ ضيقٍ فرجاً، ومن كُلِّ همٍّ مَخرجاً، بواسطة ما سَلَفَ منكَ من ذلكَ التصرُّف) انتهى.




وقال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: قال الله تعالى: (وما يَزَالُ عبْدِي يَتَقَرَّبُ إليَّ بالنَّوَافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ) رواه البخاري، وقال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (مَنْ سَرَّهُ أنْ يَسْتَجِيبَ اللهُ لهُ عِنْدَ الشَّدائدِ والكَرْبِ، فلْيُكْثِرِ الدُّعاءَ في الرَّخَاءِ) رواه الترمذيُّ وحسَّنه صدر الدين أبو المعالي، وقال تعالى في قصة يونس عليه السلام: ﴿ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [الصافات: 143، 144]، قال ابن جرير: (يَقُولُ تعالى ذِكْرُهُ: (فَلَوْلَا أَنَّهُ) يَعني يُونُسَ (كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ) الْمُصَلِّينَ للهِ قبلَ البَلاءِ الذي ابْتُلِيَ بهِ مِنَ العُقُوبَةِ بالحَبْسِ في بَطْنِ الحُوتِ (لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)، يقولُ: لَبَقيَ في بَطْنِ الحُوتِ إلى يومِ القيامةِ يومِ يَبْعَثُ اللهِ فيهِ خَلْقَهُ مَحبُوساً، ولكنهُ كانَ من الذاكرِينَ اللهَ قبلَ البلاءِ، فذكَرَهُ اللهُ في حالِ البلاءِ، فأنْقَذَهُ ونَجَّاهُ) انتهى.




وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [الطلاق: 2، 3]، قال السعدي: (فكلُّ من اتقى الله ولازم مرضاتهِ في جميع أحواله، فإن الله يثبته في الدنيا والآخرة، ومن جملة ثوابه أن يجعل له فرجاً ومخرجاً من كل شدة ومشقة.. ويسوق الله الرزق للمُتَّقي من وجهٍ لا يحتسبه ولا يَشعر به) اهـ.




ومن أحوج ما تكون إلى معرفة الله لك في الشِّدة: إذا نزلت بك سكرات الموت، قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ للموتِ سَكَرات) رواه الإمام أحمد وقال ابن منده: (هذا إسنادٌ مُتصلٌ مشهورٌ).

قال ابنُ رجب: (وفي الجُمْلَةِ، فَمَنْ عاملَ اللهَ بالتَّقْوَى والطاعةِ في حالِ رَخائهِ، عاملَهُ اللهُ باللُّطْفِ والإعانةِ في حالِ شِدَّتِهِ) انتهى.




عاشراً: في قولهِ صلى الله عليه وسلم: (واعلم أن النصرَ مع الصبر): تنبيهٌ على أن المسلم في هذه الدار معرض للمحن والمصائب وطروق المنغصات والمتاعب، فينبغي له أن يصبر ويحتسب، ويرضى بالقضاء والقدر، ويفعل ما أمره الله به من وسائل النصر، وينتظر وعد الله تعالى له بأن عليه صلوات من ربه ورحمة وبأنه المهتدي، فالنصر من الله تعالى للعبد على جميع أعداء دينه ودنياه إنما يوجد مع الصبر على طاعته وعن معصيته، فهو سبب للنصر، ولهذا فإن الغالب على من انتصر لنفسه عدم النصر والظفر، وعلى من صبر ورضي بقضاء الله تعالى وحُكمه تعجيلهما له، كما هو المعهود من مزيد كرمه وإحسانه، قال تعالى: ﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ [النحل: 126]، وقال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللهَ إذا أَحَبَّ قَوْماً ابتلاهُمْ، فَمَنْ صَبَرَ فلَهُ الصَّبْرُ، ومَنْ جَزِعَ فلَهُ الجَزَعُ) رواه الإمام أحمد وقال الهيثمي: (رجاله ثقات)، وإذا عَظُمت المحنة كان الصبر للمؤمن سبباً في علوِّ درجته، سُئل صلى الله عليه وسلم: (أيُّ الناسِ أَشَدُّ بلاءً؟ قالَ: «الأنبياءُ ثمَّ الأمثلُ فالأمْثَلُ، فيُبْتَلَى الرَّجُلُ على حَسَبِ دِينهِ، فإنْ كانَ دِينُهُ صُلْباً اشْتَدَّ بلاؤُهُ، وإنْ كانَ في دِينهِ رِقَّةٌ ابْتُليَ على حَسَبِ دِينهِ، فمَا يَبْرَحُ البلاءُ بالعَبْدِ حتى يَتْرُكَهُ يَمْشي على الأرضِ ما عليهِ خَطِيئَةٌ) رواه الترمذي وقال (حَسَنٌ صَحِيحٌ).




والصبرُ بأنواعه مع اليقين سببٌ للإمامة في الدين، قال تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ [الأنبياء: 73].




الحادي عشر: في قوله صلى الله عليه وسلم: (واعلم أن الفَرَجَ مع الكَرْب): فكُلَّما اشتدت الأمور واكتربت وضاقت، فإن الفرج بإذن الله تعالى قريب، والكرب إذا اشتد وأيس العبد من جميع المخلوقين، وتعلق قلبه بالله وحده، وهذا هو حقيقة التوكل على الله،فالفرج يحصل سريعاً مع الكرب، فلا دوام للكرب، وحينئذ فيحسن بك إذا نزل بك كرب أن تكون صابراً محتسباً راجياً سرعة الفرج مما نزل بك، حسن الظن بربك، في جميع أمورك، فالله تبارك وتعالى أرحم بك من أرحم الوالدات بولدها.




الثاني عشر: في قوله صلى الله عليه وسلم: (وإنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً): أي أنَّ كُلَّ عُسْرٍ بعدَهُ يُسْرٌ، بل إن العُسر مَحفوفٌ بيُسْرَين، يُسْرٌ سابقٌ ويُسْرٌ لاحق، قال تعالى: (سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا)، وقال السعدي: (في قوله: ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ [الشرح: 5، 6] بشارةٌ عظيمةٌ أنه كُلَّما وُجدَ عُسْرٌ وصعوبة؛ فإنَّ اليُسْرَ يُقاربه ويصاحبه، وتعريف العسر في الآيتين يدل على أنه واحد، وتنكير اليسر يدل على تكراره، فلن يغلب عسر يسرين، وفي تعريفه بالألف واللام، الدال على الاستغراق والعموم دلالة على أن كل عسر، وإن بلغ من الصعوبة ما بلغ، فإنه في آخره اليسر ملازم له) انتهى.



فالعسر إذا اشتد بالعبد؛ فإن بعده اليسر بإذن الله تعالى، قال تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [يوسف: 110].


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 68.24 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 66.52 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (2.52%)]