الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة - الصفحة 10 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4525 - عددالزوار : 1160112 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4065 - عددالزوار : 677311 )           »          موسوعة الفقه الإسلامي 5 كتاب الكتروني رائع (اخر مشاركة : Adel Mohamed - عددالردود : 0 - عددالزوار : 87 )           »          كيف تحول الأحلام إلى أهداف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 88 )           »          الامتحان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 82 )           »          المستقبل الأخلاقي للجيل القادم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 95 )           »          استنجاء مَن به سلس البول لكل صلاة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 85 )           »          الأمور التي يفعلها الإنسان إذا ولد له مولود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 60 )           »          حكم ما يخرج من بول بعد الاستنجاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 62 )           »          كتاب (فوق أطلال الماركسية والإلحاد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 103 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى حراس الفضيلة
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى حراس الفضيلة قسم يهتم ببناء القيم والفضيلة بمجتمعنا الاسلامي بين الشباب المسلم , معاً لإزالة الصدأ عن القلوب ولننعم بعيشة هنية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #91  
قديم 18-06-2024, 10:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 137,987
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة

الحكمة ضالة المؤمن (92)


- ولكن ليطمئن قلبي



في مقابلة صحفية أوضح د.عادل الزايد أن الاكتئاب هو الأكثر شيوعا في الكويت ثم القلق إضافة إلى الرهاب الاجتماعي والوسواس القهري، مشيرا إلى أن الانتحار يعد من أعراض الاكتئاب الشديد، وفي مقابلة أخرى أكد د. عبد الله الحمادي أن نسبة اضطرابات القلق في الكويت أعلى من النسب العالمية.
وهذه التأكيدات من أهل الاختصاص في مقابلات قريبة منذ عامين أو أقل، وهي نابعة من إحصائيات واستقراء للأوضاع في المجتمع الكويتي، تدل على وجود خطر صامت يهدد الناس من حيث لا يشعرون، ولا تحتاج إلى كبير جهد لترى التوتر الذي يعيشه كثير من الناس، فنظرة متأملة في شوارعنا المزدحمة يوميا، واستماع مدقق في أحاديث مجالسنا تدلك على وجود نسبة كبيرة من التوتر والقلق وخيبة الأمل الذي يعاني منه الكثير.
والقرآن الكريم يرشدنا إلى علاج القلق والتوتر، فيأمرنا بالتوكل على الله تعالى وحده فقال سبحانه: {وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين}، فعن ابْن عَبَّاس أَنَّهُ رَكِبَ خَلْف رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم يَوْمًا فَقَالَ لَهُ: «يَا غُلام إِنِّي مُعَلِّمُك كَلِمَات احْفَظْ اللَّه يَحْفَظْك احْفَظْ اللَّه تَجِدهُ تُجَاهك وَإِذَا سَأَلْت فَاسْأَلْ اللَّه وَإِذَا اِسْتَعَنْت فَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّة لَوْ اِجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَنْفَعُوك لَمْ يَنْفَعُوك إِلَّا بِشَيْءٍ كَتَبَهُ اللَّهُ لَك وَلَوْ اِجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوك لَمْ يَضُرُّوك إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّه عَلَيْك رُفِعَتْ الْأَقْلَام وَجَفَّتْ الصُّحُف».
ويرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى حسن الظن بالله تعالى كما قال صلى الله عليه وسلم : «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل»، وقال الله تعالى في الحديث القدسي: «أنا عند ظن عبدي بي، إن ظن خيرا فله، وإن ظن شرا فله» أخرجه أحمد.
ويطالبنا بالتحلي بالسكينة والوقار والطمأنينة، والطمأنينة هي السكون، يقال: اطمأن الرجل اطمئنانا وطمأنينة أي: سكن.
قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} الرعد:28)، قال الطبري: وقوله: {وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ }، يقول: وتسكن قلوبهم وتستأنس بذكر الله، وقوله: {أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} يقول: ألا بذكر الله تسكن وتستأنس قلوب المؤمنين.
ويبين الشيخ ابن سعدى رحمه الله أن الطمأنينة علامة المؤمنين، وهي تحصل بالذكر والقرآن فيقول: «ذكر تعالى علامة المؤمنين، فقال: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ}؛ أي: يزول قلقها واضطرابها، وتحضُرُها أفراحها ولذَّاتها. {أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}؛ أي: حقيق بها وحريٌّ أن لا تطمئنَّ لشيءٍ سوى ذكره؛ فإنَّه لا شيء ألذ للقلوب ولا أشهى ولا أحلى من محبة خالقها والأنس به ومعرفته، وعلى قَدْرِ معرفتها باللّه ومحبَّتها له يكون ذِكْرُها له، هذا على القول بأنَّ ذكرَ اللّه ذِكْرُ العبد لربِّه من تسبيح وتهليل وتكبير وغير ذلك.
وقيل: إن المراد بذِكْر اللّه كتابُه الذي أنزله ذكرى للمؤمنين؛ فعلى هذا معنى طمأنينة القلب بذكر اللّه أنها حين تَعْرِفُ معاني القرآن وأحكامه تطمئنُّ لها؛ فإنَّها تدل على الحقِّ المبين المؤيَّد بالأدلة والبراهين، وبذلك تطمئنُّ القلوب؛ فإنَّها لا تطمئنُّ إلا باليقين والعلم، وذلك في كتاب اللّه مضمونٌ على أتمِّ الوجوه وأكملها، وأما ما سواه من الكتب التي لا ترجِعُ إليه؛ فلا تطمئنُّ بها، بل لا تزال قلقةً من تعارض الأدلَّة وتضادِّ الأحكام، {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} (النساء:82)، وهذا إنما يعرفه من خَبَرَ كتابَ اللّه، وتدبَّره، وتدبَّر غيره من أنواع العلوم؛ فإنَّه يجد بينها وبينه فرقاً عظيماً».
وحرص إبراهيم عليه السلام على هذه الصفة الطيبة كما قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} (البقرة:260)، قال الطبري: معنى قوله: {ليطمئن قلبي} ليسكن ويهدأ باليقين الذي يستيقنه أو ليزداد يقينا أو إيمانا». وهو قول سعيد بن جبير والضحاك وقتادة والربيع و مجاهد وإبراهيم.
قال ابن سعدي: {وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} وذلك أنه بتوارد الأدلة اليقينية مما يزداد به الإيمان ويكمل به الإيقان ويسعى في نيله أولو العرفان».
وقد بشرنا ربنا تعالى بحسن العاقبة للأنفس المطمئنة فقال تعالى: {يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية}، قال الطبري: يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل الملائكة لأوليائه يوم القيامة: يا أيتها النفس المطمئنة، يعني بالمطمئنة: التي اطمأنت إلى وعد الله الذي وعد أهل الإيمان به في الدنيا من الكرامة في الآخرة فصدقت بذلك.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: المصدقة الموقنة بأن الله ربها، المسلمة لأمره فيما هو فاعل بها، وهو قول مجاهد.
قال الطاهر بن عاشور: «والمطمئنة: اسم فاعل من (اطمأن) إذا كان هادئا غير مضطرب ولا منزعج، فيجوز أن يكون من سكون النفس بالتصديق لما جاء به القرآن دون تردد ولا اضطراب بال فيكون ثناء على هذه النفس، ويجوز أن يكون من هدوء النفس بدون خوف ولا فتنة في الآخرة».
قال الشيخ ابن سعدي: {يا أيتها لنفس المطمئنة} إلى ذكر الله، الساكنة إلى حبه، التي قرت عينها بربها.
فعلى المسلم أن يحرص على طلب الطمأنينة والتحلي بالوقار، والبعد عن القلق والنزق والطيش والعجلة، فعباد الرحمن سيماهم السكينة والوقار قال تعالى:{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} (الفرقان:63)، قال ابن كثير: هذه صفات عباد الله المؤمنين {الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} أي: بسكينة ووقار من غير جبرية ولا استكبار، كما قال: {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا} (الإسراء:37) فأما هؤلاء فإنهم يمشون من غير استكبار ولا مرح، ولا أشر ولا بطر، وليس المراد أنهم يمشون كالمرضى من التصانع تصنعا ورياء، فقد كان سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم إذا مشى كأنما ينحط من صبب، وكأنما الأرض تطوى له».
ما أحوجنا اليوم إلى سكينة الإيمان، وطمأنينة اليقين، ووقار الصالحين، ومنح أنفسنا حظها من الراحة والخلوة بالذكر، وتلاوة القرآن، والانفراد بالدعاء والمناجاة، والإقلال من الجري وراء الشهوات، والاستكثار من الملذات، والمنافسة مع الآخرين، والتزاحم بالأكتاف وراء كل وهم وسراب بالثراء العاجل، وكل عرض زائل، فما أهلك الناس إلا الدينار والدرهم، وقد أخرج مسلم عَنْ عَبْدِاللّهِ بْنِ عَمْرِو، أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافاً، وَقَنَّعَهُ اللّهُ بِمَا آتَاهُ».
نسأل الله تعالى القناعة وغنى النفس وطمأنينة القلب.


اعداد: د.وليد خالد الربيع





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #92  
قديم 28-06-2024, 11:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 137,987
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة

الحكمــــة ضالـــة المؤمـــــن (93)


-يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب



ارتقى الإسلام بالفرد من الغرائز البهيمية المجردة إلى الصفات الإنسانية المكرمة بما شرعه الله تعالى من أحكام محكمة، وأخلاق رفيعة وآداب سنية كما قال تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم}، فغالب الحيوان لا يبالي أن يتواصل من أي أنثى من نوعه ولو كانت قريبة جدا له، إلا أن الإسلام أحاط المسلم بمحرمات من النساء، وجعل علاقته بهن قائمة على أساس الاحترام وقطع الرغبة فيهن.
لأنهن من محارمه كما قال تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا}(النساء:23).
ومن خلال الآية يمكن تقسيم المحرمات من النساء في الشريعة إلى ثلاثة أنواع:
1- محرمات بالنسب: كالأم، والبنت، والأخت، والعمة، والخالة، وبنات الأخ، وبنات الأخت.
2- محرمات بالصهر: كزوجة الابن، وزوجة الأب، وأم الزوجة، وبنت الزوجة المدخول بأمها.
3- محرمات بالرضاع.
والرضاع في الاصطلاح: هو وصول لبن الآدمية إلى جوف الآدمي بشروط مخصوصة.
وقد ورد في الرضاع نصوص شرعية عديدة تبين أحكامه وتقرر شروطه وضوابطه؛ منها الآية المتقدمة من سورة النساء، وعن ابن عباس قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم أريد على ابنة حمزة - أي: يتزوجها - فقال: «إنها لا تحل لي، إنها ابنة أخي من الرضاعة، ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» أخرجه مسلم.
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عندها وإنها سمعت صوت رجل يستأذن في بيت حفصة قالت عائشة: يارسول الله هذا رجل يستأذن في بيتك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أراه فلانا» - لعم حفصة من الرضاعة - فقالت عائشة: يا رسول الله لو كان فلان حيا - لعمها من الرضاعة - دخل عليّ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «نعم إن الرضاعة تحرم ما يحرم من الولادة».
وعن عائشة قالت أتاني عمي من الرضاعة أفلح أخو أبي القعيس يستأذن عليّ بعدما نزل الحجاب - وكان أبو القعيس أبا عائشة من الرضاعة- فقلت: والله لا آذن لأفلح حتى أستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن أبا القعيس ليس هو الذي أرضعني ولكن أرضعتني امرأته، قالت عائشة فلما دخل رسول الله قلت: يا رسول الله إن أفلح أخا أبي القعيس جاءني يستأذن عليّ فكرهت أن آذن له حتى أستأذنك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ائذني له » وفي لفظ قال: «فليلج عليك عمك» قالت عائشة: إنما أرضعتني المرأة فقال: «إنه عمك فليلج عليك»، وفي لفظ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تحتجبي منه فإنه يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب».
ولخطورة أمر الرضاع فقد ذكر الفقهاء له شروطا عديدة حتى يتحقق وجوده وتثبت آثاره:
- الشرط الأول: أن تكون المرضعة امرأة، فلا يتحقق الرضاع بسبب لبن البهيمة.
- الشرط الثاني: أن يكون الرضاع في العامين الأولين من عمر الطفل، فلا يحرم رضاع الكبير وهو ما كان بعد الحولين، وهو مذهب جمهور الفقهاء وكبار الصحابة كعمر وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وغيرهم، وذلك لقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ }(البقرة:233)، وقوله صلى الله عليه وسلم : «لا يحرم من الرضاعة إلا ما فتق الأمعاء في الثدي وكان قبل الفطام»، وكان رجل في سفر فولدت امرأته فاحتبس لبنها فجعل يمصه ويمجه فدخل حلقه، فأتى أبا موسى الأشعري فسأله فقال: حرمت عليك امرأتك، فأتى ابن مسعود فلم يحرم عليه امرأته وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا يحرم من الرضاع إلا ما أنبت اللحم وأنشر العظم».
- الشرط الثالث: التيقن من وصول اللبن إلى جوف الطفل سواء أتم الرضاع عن طريق المصّ من الثدي، أو تم صب اللبن في إناء ثم سقيه للطفل وهو (الوجور)، أو عن طريق الأنف وهو (السعوط) أما إذا حصل شك في وصول اللبن إلى جوفه فلا يثبت التحريم.
- الشرط الرابع: أن يبلغ اللبن المقدار الذي ينشر المحرمية وهو خمس رضعات مشبعات وذلك لقول عائشة: «كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يتلى من القرآن».
ولابد أن تكون الرضعات متفرقات بحيث يفصل بينها زمن، وهو الأحوط وهو اختيار ابن القيم وابن سعدي وابن عثيمين فلو نقلته المرضع من ثدي لآخر فلا تعد هذه رضعة.
وإذا ثبت الرضاع بشروطه يترتب عليه مجموعة من الأحكام منها:
1- ثبوت الحرمة بالرضاع، فالرضاع يشترك مع النسب في حرمة النكاح، وجواز النظر، وإباحة الخلوة، وثبوت المحرمية، ويفترقان من حيث وجوب النفقة، وثبوت الميراث، وتحمل الدية، ووجوب صلة الرحم، قال النووي: «وأجمعت الأمة على ثبوتها بين الرضيع والمرضع وأنه يصير ابنا لها، يحرم عليه نكاحها أبدا، ويحل له النظر إليها والخلوة بها والمسافرة، ولا يترتب عليه أحكام الأمومة من كل وجه، فلا يتوارثان ولا يجب على واحد منهما نفقة الآخر، ولا ترد شهادته لها، ولا يعقل عنها (دفع الدية)، ولا يسقط القصاص عنها بقتله فهما كالأجنبيين في هذه الأحكام».
2-إذا كان للمرضع زوج فإنه يكون أبا لهذا الرضيع - ذكرا كان أم أنثى - لأنه صاحب اللبن قال ابن تيمية: «وصار الرجل الذي درّ اللبن بوطئه أبا لهذا المرتضع باتفاق الأئمة المشهورين» وهو مذهب الجمهورمن الصحابة والتابعين وذلك لحديث عائشة في قصة أفلح أخي أبي القعيس.
ولو كان لرجل امرأتان فأرضعت هذه طفلا وهذه طفلة كانا أخوين ولم يجز لأحدهما التزوج من الآخر باتفاق الأئمة الأربعة، وهذه المسألة سأل عنها ابن عباس فقال: «اللقاح واحد» يعني الرجل الذي وطئ المرأتين حتى درّ اللبن بسببه واحد.
3- تنتشر الحرمة بسبب الرضاع بين الرضيع وأصول المرضع وفروعها وحواشيها فجميع أقارب المرأة أقارب الرضيع من الرضاعة؛ فأولادها: إخوته.
وأولاد أولادها: أولاد إخوته. وآباؤها وأمهاتها: أجداده وجداته، وإخوانها وأخواتها: أخواله وخالاته، وكل ما سبق عليه حرام.
وأبناء إخوانها وأبناء أخواتها: أبناء أخواله وخالاته حلال عليها إن كان المرتضع أنثى.وبنات إخوانها وأخواتها: بنات أخواله وخالاته حلال عليه الزواج منهن إن كان المرتضع ذكرا. وهكذا بالنسبة لزوج المرأة في أصوله وفروعه وإخوانه وأخواته وأبنائهم وبناتهم.
4- الحرمة تنتاول الرضيع وأولاده فقط فهم بالنسبة للمرضعة وزوجها كأبنائهما الحقيقيين في الحرمة والمحرمية، أما إخوة المرتضع الحقيقيون أو من رضاع آخر فهم أجانب بالنسبة لهذه المرضعة وزوجها وأقاربهما، فيجوز لإخوة المرتضع الحقيقيين أن يتزوجوا من أبناء المرضعة سواء من هذا الزوج أوغيره الذين هم إخوة المرتضع بالرضاع، والعكس صحيح فيجوز لإخوة المرتضع من الرضاعة أن يتزوجوا من اخواته الحقيقيات حيث إن علاقة الرضاعة قاصرة على الرضيع وفروعه دون إخوته وبقية عائلته.
قال شيخ الإسلام: «لا فرق باتفاق المسلمين بين أولاد المرأة الذين رضعوا مع الطفل وبين من ولد لها قبل الرضاعة وبعد الرضاعة باتفاق المسلمين».
فهذه نبذة موجزة عما اشتملت عليه الكلمة النبوية الجامعة: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» مما استخرجه العلماء منها من شروط وآثار، نسأل الله العلم النافع والعمل الصالح.


اعداد: د.وليد خالد الربيع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #93  
قديم 30-06-2024, 05:31 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 137,987
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة

الحكمــــة ضالـــة المؤمـــــن (94)


أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا


يعجب المرء حين يتأمل أحوال الناس، فيجد بعضهم قد تمادى في ضلاله، وأوغل في عمايته، وغلا في جهالته، لا تجدي فيه النصيحة، ولا ينفع معه الوعظ، قد أعجب برأيه، وزين له سوء عمله، يظن أن ذلك من رجاحة العقل، وقوة الشخصية، وسداد الرأي، وما درى أن ذلك قد يكون عقوبة من الله تعالى على بعض سيئاته، ومجازاة له على سوء اعتقاده أو سوء عمله.
قال ابن القيم وهو يعدد بعض العقوبات التي يمكن أن يعاقب بها الله تعالى بعض عباده فذكر منها التزيين فقال: «وأما التزيين، فقال تعالى:{وكذلك زينا لكل أمة عملهم}، وقال: {أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء}، وقال: {وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون}؛ فأضاف التزيين إليه منه سبحانه خلقا ومشيئة، وحذف فاعله تارة، ونسبهُ إلى سببه ومن أجراه على يده تارة.
وهذا التزيين منه سبحانه حَسَنٌ، إذ هو ابتلاء واختبار لعبيده ليتميز المطيع منهم من العاصي، والمؤمن من الكافر، كما قال تعالى:{إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا}.»
وبين رحمه الله أن التزيين قد يكون من الشيطان بإذن الله تعالى كما قال سبحانه عنه:{قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ}.
قال ابن القيم: فتزيينه سبحانه للعبد عملَه السيئ عقوبة منه له على إعراضه عن توحيده وعبوديته، وإيثار سيء العمل على حسنه، فإنه لابد أن يعرّفَه سبحانه السيء من الحسن، فإذا آثر القبيح، واختاره وأحبه ورضيه لنفسه زيّنَه سبحانه له، وأعماه عن رؤية قبحه بعد أن رآه قبيحا، وكل ظالم وفاجر وفاسق لابد أن يريه الله تعالى ظلمه وفجوره وفسقه قبيحا، فإذا تمادى عليه ارتفعت رؤية قبحه من قلبه، فربما رآه حسنا عقوبة له، فإنه إنما يكشف له عن قبحه بالنور الذي في قلبه، وهو حجة الله عليه، فإذا تمادى في غيِّه وظلمه ذهب ذلك النور، فلم ير قبحه في ظلمات الجهل والفسوق والظلم.
ومع هذا فحجة الله قائمة عليه بالرسالة، وبالتعريف الأول، فتزيين الرب تعالى عدل، وعقوبته حكمة، وتزيين الشيطان إغواء وظلم، وهو السبب الخارج عن العبد، والسبب الداخل فيه حبه وبغضه وإعراضه، والرب سبحانه خالق الجميع، والجميع واقع بمشيئته وقدرته، ولو شاء لهدى خلقه أجمعين، والمعصوم من عصمه الله، والمخذول من خذله الله، {ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين}.
وهذا الصنف من الناس قد أشار إليه القرآن الكريم مبينا حاله، ومنبها على سبب ضلاله، ومحذرا من مشابهته وسوء عاقبته، فقال تعالى:{أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا}(فاطر:8)
قال الشيخ ابن سعدي: أفمن حسن له الشيطان أعماله السيئة من معاصي الله والكفر وعبادة ما دونه من الآلهة والأوثان فرآه حسنا جميلا, كمن هداه الله تعالى, فرأى الحسن حسنا والسيئ سيئا؟ فإن الله يضل من يشاء من عباده, ويهدي من يشاء, فلا تهلك نفسك حزنا على كفر هؤلاء الضالين, إن الله عليم بقبائحهم وسيجازيهم عليها أسوأ الجزاء.
قال الشيخ ابن عاشور: «لما جرى تحذير الناس من غرور الشيطان وإيقاظهم إلى عداوته للنوع الإنساني، وتقسيم الناس إلى فريقين: فريق انطلت عليه مكائد الشيطان واغتروا بغروره ولم يناصبوه العداء، وفريق أخذوا حذرهم منه واحترسوا من كيده وتجنبوا السير في مسالكه.
ففرع على جميع ما تقدم قوله:{ أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا} فأشير إلى أن وقوعه في هذه الحالة ناشئ من تزيين الشيطان له سوء عمله، فالمزين للأعمال السيئة هو الشيطان قال تعالى: {وزين لهم الشيطان أعمالهم} فرأوا أعمالهم السيئة حسنة، فعكفوا عليها ولم يقبلوا فيه نصيحة ناصح ، ولا رسالة مرسل » باختصار .
وقال تعالى:{أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله}(محمد:14)
قال الشيخ ابن سعدي: أي: «لا يستوي من هو على بصيرة من أمر دينه، علما وعملا قد علم الحق واتبعه، ورجا ما وعده الله لأهل الحق، كمن هو أعمى القلب، قد رفض الحق وأضله، واتبع هواه بغير هدى من الله، ومع ذلك يرى أن ما هو عليه من الحق، فما أبعد الفرق بين الفريقين، وما أعظم التفاوت بين الطائفتين، أهل الحق وأهل الغي.
وقال تعالى:{كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون}(يونس:12)، قال الإمام الطبري: يقول:كما زين لهذا الإنسان الذي وصفنا صفته ، استمراره على كفره بعد كشف الله عنه ما كان فيه من الضر،كذلك زين للذين أسرفوا في الكذب على الله وعلى أنبيائه، فتجاوزوا في القول فيهم إلى غير ما أذن الله لهم به، ما كانوا يعملون من معاصي الله والشرك به.
وأخبر تعالى في أكثر من موضع أن الكافرين وقعوا في سوء أعمالهم وفساد عقائدهم واتباعهم للشيطان فقال تعالى:{زين للذين كفروا الحياة الدنيا}(البقرة:212)، وقال تعالى:{بل زين للذين كفروا مكرهم}(الرعد:33)،وقال تعالى:{كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون}(الأنعام:122)قال الشيخ ابن سعدي: «فلم يزل الشيطان يحسن لهم أعمالهم، ويزينها في قلوبهم، حتى استحسنوها ورأوها حقا. وصار ذلك عقيدة في قلوبهم، وصفة راسخة ملازمة لهم، فلذلك رضوا بما هم عليه من الشر والقبائح. وهؤلاء الذين في الظلمات يعمهون،وفي باطلهم يترددون، غير متساوين».
وقال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور: التزيين: جعل الشيء زينا أو الاحتجاج لكونه زينا؛ لأن التفعيل يأتي للجعل ويأتي للنسبة كالتعليم وكالتفسيق والتزكية ، والزين شدة الحسن .
وحذف فاعل التزيين؛ لأن المزين لهم أمور كثيرة: منها خلق بعض الأشياء حسنة بديعة كمحاسن الذوات والمناظر، ومنها إلقاء حسن بعض الأشياء في نفوسهم وهي غير حسنة كقتل النفس، ومنها إعراضهم عمن يدعوهم إلى الإقبال على الأمور النافعة حتى انحصرت هممهم في التوغل من المحاسن الظاهرة التي تحتها العار لو كان باديا، ومنها ارتياضهم على الانكباب على اللذات دون الفكر في المصالح، إلى غير ذلك من أمور يصلح كل منها أن يعد فاعلا للتزيين حقيقة أو عرفا ، فلأجل ذلك طوي ذكر هذا الفاعل تجنبا للإطالة .مختصرا
- ثم بين رحمه الله تعالى أن المراد من ذكر التزيين للكفار ذمهم والتحذير من خلقهم، ثم قال: وقد استقريت مواقع التزيين المذموم فحصرتها في ثلاثة أنواع :
- الأول: ما ليس بزين أصلا لا ذاتا ولا صفة؛ لأن جميعه ذم وأذى، ولكنه زين للناس بأوهام وخواطر شيطانية وتخييلات شعرية كالخمر . الثاني: ما هو زين حقيقة لكن له عواقب تجعله ضرا وأذى كالزنا. الثالث: ما هو زين لكنه يحف به ما يصيره ذميما كنجدة الظالم.
وقد بين لنا سبحانه سبيل النجاة من تزيين الشيطان وأتباعه وذلك بالإيمان بالله تعالى وإخلاص الدين له؛ اعتقادا وقولا وعملا، ظاهرا وباطنا فقال تعالى عن محاورة الشيطان لربه:{قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين. إلا عبادك منهم المخلصين. قال هذا صراط علي مستقيم. إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين}
قال الطبري: وعنى بقوله: {لأزينن لهم في الأرض} لأحسنن لهم معاصيك، ولأحببنها إليهم في الأرض{ولأغوينهم أجمعين} يقول: ولأضلنهم عن سبيل الرشاد {إلا عبادك منهم المخلصين} يقول: إلا من أخلصته بتوفيقك فهديته، فإن ذلك ممن لا سلطان لي عليه ولا طاقة لي به.
وقال البغوي: {إلا عبادك منهم المخلصين} المؤمنين الذين أخلصوا لك الطاعة والتوحيد، ومن فتح اللام، أي : من أخلصته بتوحيدك واصطفيته .
نسأل الله تعالى أن يرزقنا الإخلاص والاتباع، ويحفظنا من الشيطان وتزيينه والدنيا وزخرفها.


اعداد: د.وليد خالد الربيع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #94  
قديم 09-07-2024, 05:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 137,987
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة

الحكمة ضالة المؤمن (95)


- ولينوا بأيدي إخوانكم



صلاة الجماعة مظهر من مظاهر العبودية لله تعالى، وصورة جميلة من صور تآخي المسلمين وترابطهم؛ حيث يجتمعون خمس مرات كل يوم وليلة لأداء فريضة الصلاة، وينتظمون في صفوف متراصة تتحد حركاتهم خلف إمام واحد، وتتجه أجسادهم إلى قبلة واحدة، وتتعلق قلوبهم بإله واحد، فهو موقف عظيم وصورة مؤثرة لمن اعتبرها وتفكر فيها.
وينغص على تلك الصورة الجميلة أحيانا تصرفات بعض المسلمين، فالمرء يعاني أحيانا من صنفين من المصلين، الأول: المفرط في أحكام تسوية الصفوف جهلا أو تجاهلا، والثاني: الفظ الغليظ الذي يريد تطبيق السنة ولكن بصورة منفرة وطريقة مزعجة.
والمتأمل فيما ورد من الحث على تسوية الصفوف ترغيبا وترهيبا، يجد العلم والحلم، فيرى التوجيه النبوي الرفيق، والتطبيق العملي الأنيق؛ حيث يتجلى الحرص على تطبيق السنة بكل دقة، مع البعد عن إيذاء المصلين بدنيا ونفسيا، والتشويش عليهم بعدم المبالاة أو بالغلظة والفظاظة.
فعن ابن عمر أن رسول اللهصلى الله عليه وسلم قال: «أقيموا الصلاة، وحاذوا بين المناكب، وسدوا الخلل، ولينوا بأيدي إخوانكم، ولا تذروا فرجات للشيطان، ومن وصل صفا وصله الله، ومن قطع صفا قطعه الله». أخرجه أبو داود
فقوله: «أقيموا الصفوف» أي: عدلوها وسووها، وقوله: «وحاذوا بين المناكب» أي: اجعلوا بعضها حذاء بعض بحيث يكون منكب كل واحد من المصلين موازيا لمنكب الآخر ومسامتا له فتكون المناكب والأعناق والأقدام على سمت واحد، وقوله: «وسدوا الخلل» أي: الفرجة في الصفوف وقوله: «ولينوا» أي: كونوا لينين هينين منقادين، وقوله: «بأيدي إخوانكم» أي: إذا أخذوا بها ليقدموكم أو يؤخروكم، حتى يستوي الصف لتنالوا فضل المعاونة على البر والتقوى، قال أبو داود: «ومعنى «ولينوا بأيدي إخوانكم»: إذا جاء رجل إلى الصف فذهب يدخل فيه فينبغي أن يلين له كل رجل منكبيه حتى يدخل في الصف».
وقوله: «ولا تذروا» أي: لا تتركوا «فرجات الشيطان» أي: الجني والإنسي، وقوله: «ومن وصل صفا» أي: بالحضور فيه وسد الخلل منه «وصله الله» أي: برحمته «ومن قطعه» أي: بالغيبة ، أو بعدم السد ، أو بوضع شيء مانع «قطعه الله» أي: من رحمته الشاملة وعنايته الكاملة، وفيه تهديد شديد ووعيد بليغ.
وأثنى النبي صلى الله عليه وسلم على الهيّن اللّين في تسوية الصفوف فقال: «خياركم ألينكم مناكب في الصلاة، وما من خطوة أعظم أجرا من خطوة مشاها رجل إلى فرجة في الصف فسدها».
قال الخطابي: معنى لين المنكب: لزوم السكينة في الصلاة والطمأنينة فيها؛ لا يلتفت ولا يحاك بمنكبه منكب صاحبه، وقد يكون فيه وجه آخر وهو: أن لا يمتنع على من يريد الدخول بين الصفوف ليسد الخلل أو لضيق المكان، بل يمكنه من ذلك، ولا يدفعه بمنكبه لتتراص الصفوف، ويتكاتف الجموع».
ولأهمية الأمر فقد عدّ النبي صلى الله عليه وسلم تسوية الصفوف من مكملات الصلاة، فعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «سووا صفوفكم، فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة».
فتسوية الصفوف اعتدال القائمين بها على سمت واحد، وقد يراد بتسويتها أيضا سد الفرج فيها ، بناء على التسوية المعنوية، ولا خلاف في أن تسويتها بالمعنى الأول والثاني أمر مطلوب .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرص على تطبيق الصحابة لهذه السنة بنفسه فيتفقد صفوفهم قبل الصلاة كما قال البراء: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي ناحية الصف ويسوي بين صدور القوم ومناكبهم ويقول: «لا تختلفوا فتختلف قلوبكم إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول» رواه أبو داود وابن خزيمة في صحيحه وصححه الألباني.
وقال النعمان بن بشير: «كَانَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم يُسَوِّي صُفُوفَنَا حَتَّى كَأَنَّمَا يُسَوِّي بِهَا الْقِدَاحَ, حَتَّى إذَا رَأَى أَنْ قَدْ عَقَلْنَا عَنْهُ, ثُمَّ خَرَجَ يَوْمًا فَقَامَ, حَتَّى إذَا كَادَ أَنْ يُكَبِّرَ, فَرَأَى رَجُلاً بَادِياً صَدْرُهُ, فَقَالَ: «عِبَادَ اللَّهِ, لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ».
قال النووي: قيل: معناه يمسخها ويحولها عن صورها لقوله صلى الله عليه وسلم : «يجعل الله تعالى صورته صورة حمار»، وقيل: يغير صفاتها، والأظهر - والله أعلم - أن معناه يوقع بينكم العداوة والبغضاء واختلاف القلوب، كما يقال تغير وجه فلان عليَّ أي ظهر لي من وجهه كراهة لي وتغير قلبه علي؛ لأن مخالفتهم في الصفوف مخالفة في ظواهرهم، واختلاف الظواهر سبب لاختلاف البواطن.
وانظر إلى حرص الصحابة الكرام على حسن الامتثال لأمره صلى الله عليه وسلم ، فعن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أقيموا صفوفكم فإني أراكم من وراء ظهري»، وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه، وفي السنن قال النعمان: «فلقد رأيت الرجل منا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وكعبه بكعبه».
قال ابن حجر: «وأفاد هذا التصريح أن الفعل المذكور كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وبهذا يتم الاحتجاج به على بيان المراد بإقامة الصف وتسويته».
وأختم بنصيحة لمن يؤذي المصلين بمزاحمتهم في الصفوف المقدمة، ويتسبب بإضاعة خشوعهم لمضايقته لهم في الصف، أو يجر المصلي إلى جنبه بفظاظة وغلظة، أو يوسع لنفسه مكانا في الصف ولو ضيق على الآخرين، أهمس في أذنه قائلا: إذا أردت فضل الصف المقدم فاحرص على الحضور مبكرا، لأن التبكير مستحب، والتأخر مذموم فقد قال صلى الله عليه وسلم : «ولا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمْ اللَّهُ». أي: لا يزال قوم يعتادون التأخر عن الصف الأول، أو عن الصفوف الأولى حتى يعاقبهم الله تعالى فيؤخرهم.
وقال الشيخ ابن عثيمين: «يخشى على الإنسان إذا عود نفسه التأخر في العبادة أن يبتلى بأن يؤخره الله عز وجل في جميع مواطن الخير».
وإذا أردت فضل الصف المقدم - وهو أمر مستحب - فلا تقع في الحرام أو المكروه لتحقيق ذلك المستحب، فإيذاء الناس ممنوع شرعا كما قال صلى الله عليه وسلم : «يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تؤذوا المسلمين»، وقال أيضا: «والله يكره أذى المؤمن».
قال الشيخ ابن عثيمين: «إيذاء المسلمين محرم، وأنواع الأذى كثيرة منها أن يؤذي جاره ، ومنها أن يؤذي صاحبه، ومنها أن يؤذي من كان في عمل من الأعمال - وإن لم يكن بينهم صداقة - بالمضايقة وما أشبه ذلك، وكل هذا حرام، والواجب على المسلم الحذر منه».
وأي أذى أكثر من مضايقة المصلي حتى لا يخشع في صلاته ويظل يحصي الدقائق والثواني حتى يحرر نفسه من ذلك الضيق والأذى الذي سببه ذلك المتأخر ممن يريد أن ينال فضل المبكر.
فالمسلم يوازن بين الأمور، ويرجح ما كان أفضل وأقرب إلى الله دون تضييع حقوق الله تعالى ولا إيذاء الخلق، وسبيل ذلك بالتعلم والتفقه في الدين، وترك الأنانية، ومراعاة الآخرين، وبالله التوفيق.

اعداد: د.وليد خالد الربيع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



مجموعة الشفاء على واتساب


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 92.54 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 89.46 كيلو بايت... تم توفير 3.09 كيلو بايت...بمعدل (3.34%)]