هجر فؤادي (قصة) - ملتقى الشفاء الإسلامي
 

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12535 - عددالزوار : 215331 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          اضطراباتي النفسية دمرتني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          زوجي مصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 182 - عددالزوار : 61195 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 123 - عددالزوار : 29178 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى الشعر والخواطر > من بوح قلمي

من بوح قلمي ملتقى يختص بهمسات الاعضاء ليبوحوا عن ابداعاتهم وخواطرهم الشعرية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29-04-2021, 01:10 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي هجر فؤادي (قصة)

هجر فؤادي (قصة)
عادل عبدالله أحمد محمد الفقيه


ما إن تزقزق عصافير الصباح الباكر حتى تأخذ نطاقَها لتضعه فوق رأسها؛ متجهةً نحو حارةٍ بعيدةٍ عن حارتها.

تطرق الأبوابَ باحثة عن لقمة عيشٍ تسد بها رمقها، ولتقضي على ألم الجوع الذي لطالما أرَّقها.

تدخل المنازل؛ فبيتٌ يقدِّم لها ما كتَب الله؛ شفقةً ورحمةً بأمٍّ قد احدودَب ظهرها، ورقَّ عظمها، وأكل منها الزمن ما أكل، وبيتٌ يزجرها ويُعيدها باكيةً حزينةً تشكو إلى الله من كان سببًا فيما وصلَت إليه.

وبينما هي تصنع ما تصنع من قرعِ أبواب أهل الخير، رآها رجلٌ خارجةً من بيت جاره، رآها خارجةً وعيناها تَفيض بالدمع؛ لقد سمع قاسيَ القلب يزجرها عن بابه.

كان الرجلُ قد عرَفها حق المعرفة، يعرفها ويعرف ولدها، وأيَّ منصبٍ قد تحمل مسؤوليته، ما إن رآها على حالها حتى رق قلبه، وحار فكره، وفاضت عيناه بالدمع.

آه! ماذا أرى؟! تقدم نحوها ليُلاطفها بكلامه، قائلًا: السلام عليكِ يا أماه.

قالت: وعليك السلام يا ولدي.
الرجل: هل تعرفين صاحب الدار؟
قالت: لا؛ بل أطلب أهل الخير، أطلب مَن في قلبه ذرةُ رحمة أو عطف أو حنان، أطلب لقمة العيش.
ردَّ الرجل: أوَليس لك أهل ولا ولد؟!
أجابت: بلى، لكنه أبَق مِن طاعة أمه.

فقال الرجل: هلا تَقبلين أن أكون لكِ ولدًا بارًّا؟
أجابت: لقد ترَكني من تربَّى في أحشائي، مَن سهرت عليه الليالي، مَن حُرمت عيني من أجله لذة النوم المريح، تركني بعد أن رمته الأيام في حصن زوجةٍ قاسية القلب، بعد أن قذفه بحر الحب إلى ساحل الكره والنسيان.. دعني - يا بنيَّ - أتوكل على من يَسمع النملة السوداء في الليلة الظلماء في الصخرة الصماء، تُناديه فيجيبها.

ردَّ عليها الرجل: إن كنت ترفضين ما أعرض عليك فدَعيني أدلَّك على عمل يكفُّ الله به وجهك عن سؤال الناس.

أجابت: وأي عمل تجيده عجوزٌ مثلي؟!
أدخَل الرجل يده سريعًا إلى جيبه وأخرج نقودًا كانت بحَوزته، فدفعها إليها قائلًا: عليكِ يا أماه أن تذهبي إلى متاجر القماش، ولْتَشتري أنواع الثياب، ثم تَعرضيها للبيع، والله هو الرزاق.

أخذَت العجوز تلك الدراهم، وبعد أن غابت عن عين الرجل، فكَّر ما الذي يُرسله لمن يعرف حتى يعيده إلى طاعة أمه؟! فتذكر أبياتًا شعرية كان قد ألصقها في هاتفه.

كتب تلك الأبيات ثم قام بإرسالها:
ولَدي الوحيد إلى متى
تلهو وتمرح بالقُبَلْ

ورميتَ قلبًا عُمرُه
قد زاد دهرًا واكتمَلْ

أخذَتْك مني زوجةٌ
تسمو على تلك (الفِلَلْ)

ألهاك عني ثَغرُها
فنسيتَ أمًّا لم تُصَلْ

أسقَتْك كأسَ جمالها
خمراً لتَنسى ما حصَلْ

ولدي الوحيد ألا يزل
هجر الفؤادِ عن المُقَلْ

ما زِلتَ تَبعُدُعنهما
حتى يداهمك الأجَلْ


وصلت الرسالة، ولكن هيهات هيهات مِن ولد! إنه كالصخر الأصم؛ لا ماء يخرج منه، ولا كلأ ينبت عليه ليستفيد منه الناس، لم يرِقَّ له قلب، ولم تدمَع له عين.

وأما تلك العجوز فقد توجهت صوب بائع الثياب؛ لتشتريَ بعض الملابس بما معها من مال، وبدأَت تطرق الأبواب بائعة ما معها من الثياب، لكنها لم تجد من يشتري منها إلا القليل؛ حبًّا في فعل الخير، فهي في مدينة كثيرًا ما تخرج النساء فيها لشراء الملابس من تلك المعارض.

وذات يومٍ دخلَت أحَد المتاجر لتشتري كالعادة، فأخفَت تحت إبْطَيها شيئًا، وكان صاحب المتجر يشاهدها عن قرب، والمتجر يشكو كثرةَ النساء الوافداتِ لشراء الملابس.

وبينما هي خارجةٌ أمسك على يدها وكأنه قد انقضَّ على فريسته التي يبحث عنها منذ زمن! أمسك بيدها طالبًا منها أن تُظهر ما تخفيه، لكنها رفضت أن تنصاع لما يطلب.

نظرت إليه ودمعُ عينيها يَفيض لما أصابها من ذلٍّ، تمنَّت لقاء الموت خيرًا لها من أن تقف موقفًا كهذا، أسقَط منها عزتها وكرامتها وهو يرفع صوته عاليًا:
ضَعي ما تخفين أيتها العجوز الكالحة!

نظرت إليه قائلةً: أتتهم عجوزًا بلغت الكِبَر، ودَنا أجلُها لملاقاة ربها؟! أتتَّهمها بما تظن؟!

ألحَّت النساء على صاحب المتجر في ترْكِها؛ فهي عجوز مسنَّة، لكنه كان قاسيَ القلب فقد اتهمها أنها تسرق كلما دخلت متجرَه، وليست المرة الأولى.

أصر أن يأخذها إلى قسم الشرطة؛ حتى تنال جزاءها جراء ما صنعَت.

أوصل الرجلُ العجوزَ إلى قسم الشرطة، ممسكًا بيده الغليظة عجوزًا دقيقةَ الساقين، ضعيفة النظر.

فما إن وصلا إلى قسم الشرطة حتى قدَّم طلب شكواه، موقِنًا كل اليقين أنها قد اعتَدَت على متجره مرارًا وتَكرارًا، وها هو اليوم يُلقي عليها القبضَ لتنال جزاءها!

قال التاجر: سيدي، إن هذه العجوزَ لم يمنعها طولُ زمانها ولا انحناء ظهرها ما تصنع؛ إنها يا سيدي تَسرق متجري كلما دخلَت إليه؛ فلا حياء من الله، ولا من الناس.

كان رئيس قسم الشرطة متكئًا على كرسيِّه، ناظرًا من شباك مكتبه نحو الشارع، معطيًا ظهره مُقدِّم الشكوى.

التفَت رافعًا صوته قائلًا: ما الذي جعَلك تصنعين ما صنعتِ أيتها العجوز الشمطاء؟!
فقالت: أنت أيها الضابط الآبِق!
أنت مَن جعلني أمدُّ يدي لكل من ألقاه، أنت مَن جعلني أمد يدي إلى ما يملكه الآخرون.
ألا تذكر ذلك أيها الضابط، أم أذكِّرُك؟! إن خانتك ذاكرتُك، أذكِّرُك بمن تخلَّيت، وبمن أمسكت.

أذكِّرك حينما رميتَ أمًّا عجوزًا قد أحرقَتها حرارة الشمس من أجل أن تجعل منك رجلًا يَهابه المجرمون خوفَ عقابه.
أنت من جعلتَها تمد يدها سائلةً كلَّ من تراه؛ حتى يعطف عليها.
أنت أيها الولد البار!

ردَّت العجوز بكلامٍ أفاض دمع عينيه، رمى الضابط ما بيده وتوجه نحو أمه مقبلًا قدميها، قائلًا:
صدقتِ أيتها العجوز؛ فأنا من أوصلَك إلى ما أنت عليه!

خارت قواه، بكى بكاء الثكلى بين يديها، ركع تحت قدميها طالبًا منها السماح والمعذرة.

لكنها كانت تنظر إليه، ونهر عينيها يتسرب نحو خديها، لقد بلل ثيابها لما أصابها!

رآها فلم يتحمل، أخرج مسدسه صوب رأسه قائلًا:
أمي، أنا لا أستحق الحياة، أنا مَن جرَّعَك كل التعب والنصَب، أنا من جعلك تتجرعين مرارة الأيام وسموم الليالي.
فلا حياة لي في هذا الكون بعد كل ما جرى لك.

رفعت صوتها عاليًا قائلة: ولمن تتركني إذًا؟!
هل تريدني أن أقضي بقية عمر طارقةً الأبوابَ أبحث عن لقمة عيش؟! وما الفائدة من عودتي إليك؟! ألقِ ما بيدك فقد عفوتُ عنك!

ألقى سلاحه آخذًا بيد أمه، ودمع عينيه ينهمر نحو خده، قائلًا:
سامحيني يا أمي.
رفعَت يدها عاليًا لضمِّه بين ذراعيها، فسقط ما كانت تُخفيه؛ إنه لحافها الذي كانت ترتديه عند دخول الحارات!
فذاب التاجرُ حياءً مما صنع، لكنه أعاد مياهًا خرجَت عن مَجاريها...


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 57.69 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 56.03 كيلو بايت... تم توفير 1.66 كيلو بايت...بمعدل (2.87%)]