تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد - الصفحة 26 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         إن ربـي قريـب مجـيب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          الاتفاقيات الدولية وأثرهــا علــى دولنــا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          كيفية التعامل مع الأعداء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 35 - عددالزوار : 1169 )           »          التربية على الإيجابية ودورها في نهضة الأمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          زخرفة المساجد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 70 - عددالزوار : 16857 )           »          لماذا نحن هنا؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          يغيب الصالحون وتبقى آثارهم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          الهواتف الذكية تحترف سرقة الأوقات الممتعة في حياة الزوجين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #251  
قديم 04-07-2022, 12:39 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,994
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد





تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثالث
سُورَةُ الْأَنْفَالِ
الحلقة (251)
صــ351 إلى صــ 357



والثالث: وما كان الله معذبهم ، يعني المشركين ، وهم- يعني المؤمنين الذين بينهم- يستغفرون; روي عن ابن عباس أيضا ، وبه قال الضحاك ، وأبو مالك . قال ابن الأنباري: وصفوا بصفة بعضهم ، لأن المؤمنين بين أظهرهم ، فأوقع [ ص: 351 ] العموم على الخصوص ، كما يقال: قتل أهل المسجد رجلا ، وأخذ أهل البصرة فلانا ، ولعله لم يفعل ذلك إلا رجل واحد .

والرابع: وما كان الله معذبهم وفي أصلابهم من يستغفر الله ، قاله مجاهد . قال ابن الأنباري: فيكون معنى تعذيبهم: إهلاكهم; فالمعنى: وما كان الله مهلكهم ، وقد سبق في علمه أنه يكون لهم أولاد يؤمنون به ويستغفرونه; فوصفهم بصفة ذراريهم ، وغلبوا عليهم كما غلب بعضهم على كلهم في الجواب الذي قبله .

والخامس: أن المعنى: لو استغفروا لما عذبهم الله ، ولكنهم لم يستغفروا فاستحقوا العذاب; وهذا كما تقولالعرب: ما كنت لأهينك وأنت تكرمني; يريدون: ما كنت لأهينك لو أكرمتني; فأما إذا لست تكرمني ، فإنك مستحق لإهانتي ، وإلى هذا القول ذهب قتادة والسدي . قال ابن الأنباري: وهو اختيار اللغويين . وذكر المفسرون في معنى هذا الاستغفار ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه الاستغفار المعروف; وقد ذكرناه عن ابن عباس .

والثاني: أنه بمعنى الصلاة; رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس ، ومنصور عن مجاهد ، وبه قال الضحاك .

والثالث: أنه بمعنى الإسلام رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد وبه قال عكرمة .
وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون

قوله تعالى: وما لهم ألا يعذبهم الله هذه الآية أجازت تعذيبهم ، والأولى [ ص: 352 ] نفت ذلك . وهل المراد بهذا: العذاب الأول ، أم لا فيه قولان

أحدهما أنه هو الأول إلا أن الأول امتنع بشيئين . أحدهما: كون النبي صلى الله عليه وسلم فيهم . والثاني: كون المؤمنين المستغفرين بينهم; فلما وقع التمييز بالهجرة ، وقع العذاب بالباقين يوم بدر ، وقيل: بل وقع بفتح مكة .

والثاني: أنهما مختلفان ، وفي ذلك قولان . أحدهما: أن العذاب الثاني قتل بعضهم يوم بدر ، والأول استئصال الكل; فلم يقع الأول لما قد علم من إيمان بعضهم ، وإسلام بعض ذراريهم ، ووقع الثاني . والثاني: أن العذاب الأول عذاب الدنيا . والثاني: عذاب الآخرة; قاله ابن عباس ، فيكون المعنى: وما كان الله معذب المشركين لاستغفارهم في الدنيا ، وما لهم ألا يعذبهم الله في الآخرة .

قوله تعالى: وهم يصدون قال الزجاج : المعنى: وهم يصدون عن المسجد الحرام أولياءه . وفي هاء الكناية في قوله: وما كانوا أولياءه قولان .

أحدهما: أنها ترجع إلى "المسجد" وهو قول الجمهور . قال الحسن: إن المشركين قالوا: نحن أولياء المسجد الحرام ، فرد الله عليهم بهذا .

والثاني: أنها تعود إلى الله عز وجل ، ذكره أبو سليمان الدمشقي .

قوله تعالى: إن أولياؤه أي: ما أولياؤه إلا المتقون للشرك والمعاصي ، ولكن أكثر أهل مكة لا يعلمون من الأولى ببيت الله .
وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون

قوله تعالى: وما كان صلاتهم عند البيت سبب نزولها أنهم كانوا يطوفون بالبيت ويصفقون ويصفرون ويضعون خدودهم بالأرض ، فنزلت هذه الآية ، قاله ابن عمر . فأما المكاء ، ففيه قولان . [ ص: 353 ] أحدهما: أنه الصفير ، قاله ابن عمر ، وابن عباس ، وابن جبير ، وقتادة ، وأبو عبيدة ، والزجاج ، وابن قتيبة . قال ابن فارس: يقال: مكا الطائر [يمكو] مكاء: إذا صفر ، ويقال: مكيت يده [تمكى] مكى ، مقصور ، أي: غلظت وخشنت ، ويقال: تمكى: إذا توضأ . وأنشدوا:


أنك والجور على سبيل كالمتمكي بدم القتيل


وسئل أبو سلمة بن عبد الرحمن عن المكاء ، فجمع كفيه ، وجعل يصفر فيهما .

والثاني: أنه إدخال أصابعهم في أفواههم يخلطون به وبالتصدية على محمد صلى الله عليه وسلم صلاته ، قاله مجاهد . قال ابن الأنباري: أهل اللغة ينكرون أن يكون المكاء إدخال الأصابع في الأفواه ، وقالوا: لا يكون إلا الصفير . وفي التصدية قولان .

أحدهما: أنها التصفيق ، قاله [ابن] عمر ، وابن عباس ، والحسن ، ومجاهد ، وقتادة ، والجمهور . قال ابن قتيبة: يقال: صدى: إذا صفق بيديه . قال الراجز:
ضنت بخد وجلت عن خد وأنا من غرو الهوى أصدي


الغرو: العجب ، يقال: لا غرو من كذا ، أي: لا عجب .

والثاني: أن التصدية: صدهم الناس عن البيت الحرام ، قاله سعيد بن جبير . وقال ابن زيد: هو صدهم عن سبيل الله ودينه . وزعم مقاتل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى في المسجد الحرام ، قام رجلان من المشركين من بني عبد الدار عن [ ص: 354 ] يمينه فيصفران ، ورجلان عن يساره فيصفقان ، فتختلط على النبي صلى الله عليه وسلم صلاته وقراءته ، فقتلهم الله ببدر ، فذلك قوله: فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون بتوحيد الله .

فإن قيل: كيف سمى المكاء والتصدية صلاة؟

فعنه: جوابان ذكرهما ابن الأنباري .

أحدهما: أنهم جعلوا ذلك مكان الصلاة ، ومشهور في كلام العرب أن يقول الرجل: زرت عبد الله ، فجعل جفائي صلتي ، أي: أقام الجفاء مقام الصلة ، قال الشاعر:
قلت له أطعمني عميم تمرا فكان تمري كهرة وزبرا


أي: أقام الصياح علي مقام التمر .

والثاني: أن من كان المكاء والتصدية صلاته ، فلا صلاة له ، كما تقول العرب: ما لفلان عيب إلا السخاء ، يريدون: من السخاء عيبه ، فلا عيب له ، قال الشاعر:
فتى كملت خيراته غير أنه جواد فلا يبقي من المال باقيا
إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون

قوله تعالى: إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال . [ ص: 355 ] أحدها: أنها نزلت في المطعمين ببدر ، وكانوا اثني عشر رجلا يطعمون الناس الطعام ، كل رجل يطعم يوما ، وهم: عتبة ، وشيبة ، ومنبه ونبية ابنا الحجاج ، وأبو البختري ، والنضر بن الحارث ، وأبو جهل ، وأخوه الحارث ، وحكيم بن حزام ، وأبي بن خلف ، وزمعة بن الأسود ، والحارث بن عامر بن نوفل ، هذا قول أبي صالح عن ابن عباس .

والثاني: أنها نزلت في أبي سفيان بن حرب ، استأجر يوم أحد ألفين من الأحابيش لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم سوى من استجاش من العرب ، قاله سعيد بن جبير . وقال مجاهد: نزلت في نفقة أبي سفيان على الكفار يوم أحد .

والثالث: أنها نزلت في أهل بدر ، وبه قال الضحاك . فأما سبيل الله ، فهو دين الله .

قوله تعالى: ثم تكون عليهم حسرة أي: تكون عاقبة نفقتهم ندامة ، لأنهم لم يظفروا .
ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون

قوله تعالى: ليميز الله الخبيث من الطيب قرأ ابن كثير ، ونافع ، وعاصم ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، "ليميز" خفيفة . وقرأ حمزة ، والكسائي "ليميز" بالتشديد وهما لغتان: مزته وميزته . وفي لام "ليميز" قولان . [ ص: 356 ] أحدهما: أنها متعلقة بقوله: "فسينفقونها" قاله ابن الأنباري .

والثاني: أنها متعلقة بقوله: "إلى جهنم يحشرون" ، قاله ابن جرير الطبري . وفي معنى الآية ثلاثة أقوال .

أحدها: ليميز أهل السعادة من أهل الشقاء ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس . وقال السدي ، ومقاتل: يميز المؤمن من الكافر .

والثاني: ليميز العمل الطيب من العمل الخبيث ، قاله أبو صالح عن ابن عباس .

والثالث: ليميز الإنفاق الطيب في سبيله ، من الإنفاق الخبيث في سبيل الشيطان ، قاله ابن زيد ، والزجاج .

قوله تعالى: ويجعل الخبيث بعضه على بعض أي: يجمع بعضه فوق بعض ، وهو قوله: فيركمه قال الزجاج : الركم: أن يجعل بعض الشيء على بعض ، يقال: ركمت الشيء أركمه ركما; والركام: الاسم; فمن قال: المراد بالخبيث: الكفار ، فإنهم في النار بعضهم على بعض; ومن قال: أموالهم ، فله في ذلك قولان .

أحدهما: أنها ألقيت في النار ليعذب بها أربابها ، كما قال تعالى: فتكوى بها جباههم [التوبة:35] .

والثاني: أنهم لما عظموها في الدنيا ، أراهم هوانها بإلقائها في النار كما تلقى الشمس والقمر في النار ، ليرى من عبدهما ذلهما .
قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنت الأولين

قوله تعالى: قل للذين كفروا نزلت في أبي سفيان وأصحابه ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . وفي معنى الآية قولان . [ ص: 357 ] أحدهما: إن ينتهوا عن المحاربة ، يغفر لهم ما قد سلف من حربهم ، فلا يؤاخذون به; وإن يعودوا إلى المحاربة ، فقد مضت سنة الأولين في نصر الله أولياءه وقيل: في قتل من قتل يوم بدر وأسر .

والثاني: إن ينتهوا عن الكفر ، يغفر لهم ما قد سلف من الإثم; وإن يعودوا إليه ، فقد مضت سنة الأولين من الأمم السالفة حين أخذوا بالعذاب المستأصل . قال يحيى بن معاذ في هذه الآية: إن توحيدا لم يعجز عن هدم ما قبله من كفر ، لا يعجز عن هدم ما بعده من ذنب .
وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير

قوله تعالى: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة أي: شرك . وقال الزجاج : حتى لا يفتن الناس فتنة كفر; ويدل عليه قوله: ويكون الدين كله لله

قوله تعالى: فإن انتهوا أي: عن الكفر والقتال ، فإن الله بما يعملون بصير وقرأ يعقوب إلا روحا "بما تعملون" بالتاء .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #252  
قديم 04-07-2022, 12:40 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,994
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثالث
سُورَةُ الْأَنْفَالِ
الحلقة (252)
صــ358 إلى صــ 364




وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير

قوله تعالى: وإن تولوا أي: أعرضوا عن الإيمان وعادوا إلى القتال .

[ ص: 358 ] فاعلموا أن الله مولاكم أي: وليكم وناصركم . قال ابن قتيبة: نعم المولى أي: نعم الولي ونعم النصير أي: الناصر ، مثل قدير وقادر ، وسميع وسامع .
واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير

قوله تعالى: واعلموا أنما غنمتم من شيء اختلفوا ، هل الغنيمة والفيء بمعنى واحد ، أم يختلفان؟ على قولين .

أحدهما: أنهما يختلفان . ثم في ذلك قولان . أحدهما: أن الغنيمة: ما ظهر عليه من أموال المشركين ، والفيء: ما ظهر عليه من الأرضين ، قاله عطاء بن السائب . والثاني: أن الغنيمة: ما أخذ عنوة والفيء ، ما أخذ عن صلح ، قاله سفيان الثوري . وقيل: بل الفيء: ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، كالعشور ، والجزية ، وأموال المهادنة ، والصلح ، وما هربوا عنه .

والثاني: أنهما واحد ، وهما: كل ما نيل من المشركين ، ذكره الماوردي . وقال الزجاج : الأموال ثلاثة أصناف; فما صار إلى المسلمين من المشركين في حال الحرب ، فقد سماه الله تعالى: أنفالا وغنائم; وما صار من المشركين من خراج أو جزية مما لم يؤخذ في الحرب ، فقد سماه: فيئا; وما خرج من أموال المسلمين ، كالزكاة والنذر ، والقرب ، سماه: صدقة . وأما قوله: من شيء فالمراد به: كل ما وقع عليه اسم الشيء . قال مجاهد: المخيط من الشيء .

قوله تعالى: فأن لله خمسه وروى عبد الوارث: "خمسه" بسكون الميم . وفي المراد بالكلام قولان . [ ص: 359 ] أحدهما: أن نصيب الله مستحق يصرف إلى بيته . قال أبو العالية: كان يجاء بالغنيمة فيقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على خمسة أسهم ، فيقسم أربعة بين الناس ، ثم يجعل من السهم الخامس للكعبة; وهذا مما انفرد به أبو العالية فيما يقال .

والثاني: أن ذكر الله هاهنا لأحد وجهين . أحدهما: لأنه المتحكم فيه ، والمالك له ، والمعنى: فإن للرسول خمسة ولذي القربى ، كقوله: يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول [الأنفال:1] . والثاني: أن يكون المعنى: أن الخمس مصروف في وجوه القرب إلى الله ، تعالى ، وهذ قول الجمهور . فعلى هذا ، تكون الواو زائدة ، كقوله: فلما أسلما وتله للجبين وناديناه بالصافات:103] المعنى: ناديناه; ومثله كثير .

فصل

أجمع العلماء على أن أربعة أخماس الغنيمة لأهل الحرب خاصة; فأما الخمس الخامس ، فكيف يقسم؟ فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: يقسم منه لله وللرسول ولمن ذكر في الآية . وقد ذكرنا أن هذا مما انفرد به أبو العالية ، وهو يقتضي أن يقسم على ستة أسهم .

والثاني: أنه مقسوم على خمسة أسهم: سهم للرسول وسهم لذوي القربى ، وسهم لليتامى ، وسهم للمساكين ، وسهم لأبناء السبيل ، على ظاهر الآية ، وبه قال الجمهور .

والثالث: أنه يقسم على أربعة أسهم . فسهم الله عز وجل وسهم رسوله عائد على ذوي القربى ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يأخذ منه شيئا ، وهذا المعنى رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس . [ ص: 360 ] فصل

فأما سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه كان يصنع فيه ما بينا ، وهل سقط بموته ، أم لا؟ فيه قولان .

أحدهما: لم يسقط بموته ، وبه قال أحمد ، والشافعي في آخرين . وفيما يصنع به قولان . أحدهما: أنه للخليفة بعده ، قاله قتادة . والثاني: أنه يصرف في المصالح ، وبه قال أحمد ، والشافعي .

والثاني: أنه يسقط بموته كما يسقط الصفي ، فيرجع إلى جملة الغنيمة ، وبه قال أبو حنيفة . وأما ذوو القربى ، ففيهم ثلاثة أقوال .

أحدها: أنهم جميع قريش . قال ابن عباس : كنا نقول: نحن هم; فأبى علينا قومنا ، وقالوا: قريش كلها ذوو قربى .

والثاني: بنو هاشم ، وبنو المطلب ، وبه قال أحمد ، والشافعي . والثالث: أنهم بنو هاشم فقط ، قاله أبو حنفية . وبماذا يستحقون؟ فيه قولان .

أحدهما: بالقرابة ، وإن كانوا أغنياء ، وبه قال أحمد ، والشافعي .

والثاني: بالفقر ، لا بالاسم ، وبه قال أبو حنيفة . وقد سبق في [البقرة:177] معنى اليتامى والمساكين وابن السبيل . وينبغي أن تعتبر في اليتيم أربعة أوصاف: موت الأب ، وإن كانت الأم باقية . والصغر ، لقوله عليه السلام: "لا يتم بعد حلم" والإسلام ، لأنه مال للمسلمين . والحاجة ، لأنه معد للمصالح . [ ص: 361 ] قوله تعالى: وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان هو يوم بدر ، فرق فيه بين الحق والباطل بنصر المؤمنين . والذي أنزل عليه يومئذ قوله: يسألونك عن الأنفال [الأنفال:1] نزلت حين اختلفوا فيها ، فالمعنى: إن كنتم آمنتم بذلك ، فاصدروا عن أمر الرسول في هذا أيضا .
إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منكم ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم

قوله تعالى: إذ أنتم بالعدوة الدنيا قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو: "بالعدوة" و"العدوة" العين فيهما مكسورة . وقرأ نافع ، وعاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي: بضم العين فيهما . قال الأخفش: لم يسمع من العرب إلا الكسر . وقال ثعلب: بل الضم أكثر اللغتين . قال ابن السكيت: عدوة الوادي وعدوته: جانبه; والجمع: عدى وعدى . والدنيا: تأنيث الأدنى; وضدها القصوى ، وهي تأنيث الأقصى; وما كان من النعوت على "فعلى" من ذوات الواو ، فإن العرب تحوله إلى الياء ، نحو: الدنيا ، من: دنوت; والعليا ، من: علوت; لأنهم يستثقلون الواو مع ضم الأول ، وليس في هذا اختلاف ، إلا أن [ ص: 362 ] أهل الحجاز قالوا: القصوى ، فأظهروا الواو ، وهو نادر; وغيرهم يقول: القصيا قال المفسرون: إذ أنتم بشفير الوادي الأدنى من المدينة ، وعدوكم بشفيره الأقصى من مكة ، وكان الجمعان قد نزلا وادي بدر على هذه الصفة ، والركب: أبو سفيان وأصحابه . قال الزجاج : من نصب "أسفل" أراد: والركب مكانا أسفل منكم ، ويجوز الرفع على معنى: والركب أشد تسفلا منكم . قال قتادة: وكان المسلمون أعلى الوادي ، والمشركون أسفله .

وفي قوله ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد قولان .

أحدهما: لو تواعدتم ، ثم بلغكم كثرتهم ، لتأخرتم عن الميعاد ، قاله ابن إسحاق

والثاني: لو تواعدتم على الاجتماع في المكان الذي اجتمعتم فيه من عدوتي وادي بدر لاختلفتم في الميعاد ، قاله أبو سليمان . وقال الماوردي : كانت تقع الزيادة والنقصان ، أو التقدم والتأخر من غير قصد لذلك .

قوله تعالى: ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا وهو إعزاز الإسلام وإذلال الشرك .

قوله تعالى: ليهلك من هلك عن بينة . وروى خلف عن يحيى: "ليهلك" بضم الياء وفتح اللام .

قوله تعالى: ويحيا من حي عن بينة قرأ أبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي: "من حي" بياء واحدة مشددة ، وهذه رواية حفص عن عاصم ، وقنبل عن ابن كثير . وروى شبل عن ابن كثير ، وأبو بكر عن عاصم: "حيي" بياءين ، الأولى مكسورة ، والثانية مفتوحة ، وهي قراءة نافع . فمن قرأ بياءين ، بين ولم يدغم . ومن أدغم ياء "حيي" فلاجتماع حرفين من جنس واحد . وفي معنى الكلام قولان . [ ص: 363 ] أحدهما: ليقتل من قتل من المشركين عن حجة ، ويبقى من بقي منهم عن حجة .

والثاني: ليكفر من كفر بعد حجة ، ويؤمن من آمن عن حجة .
إذ يريكهم الله في منامك قليلا ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ولكن الله سلم إنه عليم بذات الصدور

قوله تعالى: إذ يريكهم الله في منامك قليلا فيه قولان .

أحدهما: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم رأى عسكر المشركين في المنام قبل لقائهم في قلة ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . قال مجاهد: لما أخبر أصحابه بأنه رآهم في المنام قليلا ، كان ذلك تثبيتا لهم . قال أبو سليمان الدمشقي: والكلام متعلق بما قبله ، فالمعنى: وإن الله لسميع لما يقوله أصحابك ، عليم بما يضمرونه ، إذ حدثتهم بما رأيت في منامك .

والثاني: إذ يريكهم الله بعينك التي تنام بها ، قاله الحسن . قال الزجاج : وكثير من النحويين يذهبون إلى هذا المذهب . ومعناه عندهم إذ يريكهم الله في موضع منامك ، أي: بعينك; ثم حذف الموضع ، وأقام المنام مقامه .

قوله تعالى: لفشلتم أي: لجبنتم وتأخرتم عن حربهم . وقال مجاهد: لفشل أصحابك ، ولرأوا ذلك في وجهك .

قوله تعالى: ولتنازعتم في الأمر أي: لاختلفتم في حربهم ، فكان ذلك من دواعي هزيمتكم ، ولكن الله سلم من المخالفة والفشل .
[ ص: 364 ] وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمرا كان مفعولا وإلى الله ترجع الأمور

قوله تعالى: وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا قال مقاتل: صدق الله رؤيا رسوله التي أخبر بها المؤمنين عن قلة عدوهم قبل لقائهم ، بأن قللهم وقت اللقاء في أعينهم . وقال ابن مسعود: لقد قلوا في أعيننا ، حتى قلت لرجل إلى جانبي: أتراهم سبعين؟ قال أراهم مائة; حتى أخذنا رجلا منهم ، فسألناه ، فقال: كنا ألفا . قال أبو صالح عن ابن عباس: استقل المسلمون المشركين ، والمشركون المسلمين ، فاجترأ بعضهم على بعض .

فإن قيل: ما فائدة تكرير الرؤية هاهنا ، وقد ذكرت في قوله: إذ يريكهم الله ؟ فعنه جوابان .

أحدهما: أن الأولى كانت في المنام ، والثانية في اليقظة .

والثاني: أن الأولى للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة ، والثانية له ولأصحابه: فإن قيل: تكثير المؤمنين في أعين الكافرين أولى ، لمكان إعزازهم . فعنه ثلاثة أجوبة .

أحدها: أنهم لو كثروا في أعينهم ، لم يقدموا عليهم ، فلم يكن قتال; والقتال سبب النصر ، فقللهم لذلك .

والثاني: أنه قللهم لئلا يتأهب المشركون كل التأهب; فإذا تحقق القتال ، وجدهم المسلمون غير مستعدين ، فظفروا بهم .

والثالث: أنه قللهم ليحمل الأعداء عليهم في كثرتهم ، فيغلبهم المسلمون ، فيكون ذلك آية للمشركين ومنبها على نصرة الحق .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #253  
قديم 04-07-2022, 12:41 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,994
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثالث
سُورَةُ الْأَنْفَالِ
الحلقة (253)
صــ365 إلى صــ 371



يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله [ ص: 365 ] كثيرا لعلكم تفلحون وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين

قوله تعالى: إذا لقيتم فئة فاثبتوا الفئة: الجماعة . واذكروا الله كثيرا فيه قولان .

أحدهما: أنه الدعاء والنصر . والثاني: ذكر الله على الإطلاق .

قوله تعالى: ولا تنازعوا فتفشلوا قد سبق ذكر التنازع والفشل آنفا .

قوله تعالى: وتذهب ريحكم وروى أبان: "ويذهب" بالياء والجزم . وفيه أربعة أقوال .

أحدها: تذهب شدتكم ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . وقال السدي: حدتكم وجدكم . وقال الزجاج : صولتكم وقوتكم .

والثاني: يذهب نصركم ، قاله مجاهد ، وقتادة .

والثالث: تتقطع دولتكم ، قاله أبو عبيدة . وقال ابن قتيبة: يقال: هبت له ريح النصر: إذا كانت له الدولة . ويقال له الريح اليوم ، أي: الدولة .

والرابع: أنها ريح حقيقة ، ولم يكن نصر قط إلا بريح يبعثها الله فتضرب وجوه العدو; ومنه قوله عليه السلام: "نصرت بالصبا ، وأهلكت عاد بالدبور" ، وهذا قول ابن زيد ، ومقاتل .
ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط [ ص: 366 ] قوله تعالى: ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا قال المفسرون: هم أبو جهل ومن خرج معه من مكة ، خرجوا ليدفعوا عن عيرهم التي كانت مع أبي سفيان ، ومعهم القيان والمعازف ، وهم يشربون الخمور . فلما رأى أبو سفيان أنه قد أحرز ما معه ، كتب إليهم: إني قد أحرزت أموالكم فارجعوا ، فقال أبو جهل: والله لا نفعل حتى نرد بدرا فنقيم ثلاثا ، وننحر الجزر ، ونطعم الطعام ، ونسقي الخمور ، وتسمع بنا العرب ، فلا يزالون يهابونا . فساروا إلى بدر ، فكانت الوقعة; فسقوا كؤوس المنايا مكان الخمر ، وناحت عليهم النوائح مكان القيان . فأما البطر ، فهو الطغيان في النعم ، وترك شكرها . والرياء: العمل من أجل رؤية الناس . وسبيل الله هاهنا: دينه .
وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب .

قوله تعالى: وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم قال عروة بن الزبير: لما أجمعت قريش المسير إلى بدر ، ذكروا ما بينهم وبين كنانة من الحرب ، فتبدى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك المدلجي ، وكان من أشراف بني كنانة ، فقال لهم: لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم من أن تأتيكم كنانة بشيء تكرهونه ، فخرجوا سراعا . وفي المراد بأعمالهم هاهنا ثلاثة أقوال .

أحدها: شركهم . والثاني: مسيرهم إلى بدر . والثالث: قتالهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم .

قوله تعالى: فلما تراءت الفئتان أي: صارتا بحيث رأت إحداهما الأخرى . [ ص: 367 ] وفي المراد بالفئتين قولان .

أحدهما: فئة المسلمين ، وفئة المشركين ، وهو قول الجمهور .

والثاني: فئة المسلمين ، وفئة الملائكة ، ذكره الماوردي .

قوله تعالى: نكص على عقبيه قال أبو عبيدة: رجع من حيث جاء . وقال ابن قتيبة: رجع القهقرى . قال ابن السائب: كان إبليس في صف المشركين على صورة سراقة ، آخذا بيد الحارث بن هشام; فرأى الملائكة فنكص على عقبيه ، فقال له الحارث: أفرارا من غير قتال؟ فقال إني أرى ما لا ترون فلما هزم المشركون ، قالوا: هزم الناس سراقة ، فبلغه ذلك ، فقال: والله ما شعرت بمسيركم حتى بلغتني هزيمتكم . قال قتادة: صدق عدة الله في قوله: إني أرى ما لا ترون ، ذكر لنا أنه رأى جبريل ومعه الملائكة ، فعلم أنه لا يد له بالملائكة ، وكذب عدو الله في قوله: إني أخاف الله ، والله ما به مخافة الله ، ولكن علم أنه لا قوة له بهم . وقال عطاء: معناه: إني أخاف الله أن يهلكني . وقال ابن الأنباري: لما رأى نزول الملائكة ، خاف أن تكون القيامة ، فيكون انتهاء إنظاره ، فيقع به العذاب . ومعنى "نكص" رجع هاربا بخزي وذل . واختلفوا في قوله: والله شديد العقاب هل هو ابتداء كلام ، أو تمام الحكاية عن إبليس ، على قولين .
إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم

قوله تعالى: إذ يقول المنافقون قال ابن عباس : هم قوم من أهل المدينة من الأوس والخزرج . فأما الذين في قلوبهم مرض ، ففيهم ثلاثة أقوال .

أحدها: أنهم قوم كانوا قد تكلموا بالإسلام بمكة ، فأخرجهم المشركون [ ص: 368 ] معهم يوم بدر كرها; فلما رأوا قلة المسلمين وكثرة المشركين ، ارتابوا ونافقوا ، وقالوا: غر هؤلاء دينهم قاله أبو صالح عن ابن عباس ، وإليه ذهب الشعبي في آخرين . وعدهم مقاتل ، فقال: كانوا سبعة: قيس بن الوليد بن المغيرة ، وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة ، والحارث بن زمعة ، وعلي بن أمية بن خلف ، والعاص بن منية بن الحجاج ، والوليد بن الوليد بن المغيرة ، والوليد بن عتبة بن ربيعة .

والثاني: أنهم المشركون ، لما رأوا قلة المسلمين ، قالوا": "غر هؤلاء دينهم" رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس ، وبه قال الحسن .

والثالث: أنهم قوم مرتابون ، لم يظهروا عداوة النبي صلى الله عليه وسلم ، ذكره الماوردي . والمرض هاهنا: الشك ، والإشارة بقوله: "هؤلاء" إلى المسلمين; وإنما قالوا هذا ، لأنهم رأوا قلة المسلمين ، فلم يشكوا في أن قريشا تغلبهم .
ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق

قوله تعالى: ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة قرأ الجمهور "يتوفى" بالياء . ؟ وقرأ ابن عامر "تتوفى" بتاءين . قال المفسرون: نزلت في الرهط الذين قالوا: "غر هؤلاء دينهم" . وفي المراد بالملائكة ثلاثة أقوال .

أحدها: ملك الموت وحده ، قاله مقاتل . والثاني: ملائكة العذاب ، قاله أبو سليمان الدمشقي . والثالث: الملائكة الذين قاتلوا يوم بدر ، ذكره الماوردي .

وفي قوله: يضربون وجوههم وأدبارهم أربعة أقوال .

أحدها: يضربون وجوههم ببدر لما قاتلوا ، وأدبارهم لما انهزموا . [ ص: 369 ] والثاني: أنهم جاؤوهم من بين أيديهم ومن خلفهم ، فالذين أمامهم ضربوا وجوههم ، والذين وراءهم ضربوا أدبارهم .

والثالث: يضربون وجوههم يوم القيامة إذا لقوهم ، وأدبارهم إذا ساقوهم إلى النار .

والرابع: أنهم يضربون وجوههم وأدبارهم عند الموت بسياط من نار . وهل المراد نفس الوجوه والأدبار ، أم المراد ما أقبل من أبدانهم وأدبر؟ فيه قولان .

وفي قوله: وذوقوا عذاب الحريق قولان .

أحدهما: أنه في الدنيا; وفيه إضمار "يقولون" فالمعنى: يضربون ويقولون ، كقوله: وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل [البقرة:127] ربنا أي: ويقولان . قال النابغة:


كأنك من جمال بني أقيش يقعقع خلف رجليه بشن


والمعنى: كأنك جمل من جمال لبني أقيش ، هذا قول الفراء وأبي عبيدة .

والثاني: أن الضرب لهم في الدنيا ، فإذا وردوا يوم القيامة إلى النار ، قال خزنتها: ذوقوا عذاب الحريق ، هذا قول مقاتل .
[ ص: 370 ] ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد

قوله تعالى: ذلك بما قدمت أيديكم أي: بما كسبتم من قبائح أعمالكم وأن الله ليس بظلام للعبيد لا يظلم عباده بعقوبتهم على الكفر ، وإن كان كفرهم بقضائه ، لأنه مالك ، فله التصرف في ملكه كما يشاء ، فيستحيل نسبة الظلم إليه .
كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كفروا بآيات الله فأخذهم الله بذنوبهم إن الله قوي شديد العقاب

قوله تعالى: كدأب آل فرعون أي: كعادتهم . والمعنى: كذب هؤلاء كما كذب أولئك ، فنزل بهم العذاب كما نزل بأولئك . قال ابن عباس : أيقن آل فرعون أن موسى نبي الله فكذبوه ، فكذلك هؤلاء في حق محمد صلى الله عليه وسلم ،
ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم

قوله تعالى: ذلك بأن الله أي: ذلك الأخذ والعقاب بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا بالكفران وترك الشكر . قال مقاتل: والمراد بالقوم هاهنا أهل مكة ، أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ، ثم بعث فيهم محمدا صلى الله عليه وسلم ، فلم يعرفوا المنعم عليهم ، فغير الله ما بهم . وقال السدي: كذبوا بمحمد ، فنقله الله إلى الأنصار . قال أبو سليمان الخطابي والقوي يكون بمعنى القادر فمن قوي على شيء فقد قدر عليه ، وقد يكون معناه: التام القوة [ ص: 371 ] الذي لا يستولي عليه العجز في حال ، والمخلوق ، وإن وصف بالقوة ، فقوته متناهية ، وعن بعض الأمور قاصرة .
كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا آل فرعون وكل كانوا ظالمين

قوله تعالى: كدأب آل فرعون والذين من قبلهم أي: كذب أهل مكة بمحمد والقرآن ، كما كذب آل فرعون بموسى والتوراة ، وكذب من قبلهم بأنبيائهم قال مكي بن أبي طالب: الكاف من "كدأب" في موضع نصب ، نعت لمحذوف تقديره: غيرنا بهم لما غيروا تغييرا مثل عادتنا في آل فرعون ، ومثلها الآية الأولى ، إلا أن الأولى للعادة في العذاب; تقديره: فعلنا بهم ذلك فعلا مثل عادتنا في آل فرعون .

قوله تعالى: فأهلكناهم يعني الأمم المتقدمة ، بعضهم بالرجفة ، وبعضهم بالريح ، فكذلك أهلكنا كفار مكة ببدر . وقال بعضهم: يعني بقوله: "فأهلكناهم" الذين أهلكوا ببدر .
إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون

قوله تعالى: إن شر الدواب عند الله الذين كفروا قال أبو صالح عن ابن عباس: نزلت في بني قريظة من اليهود ، منهم كعب بن الأشرف وأصحابه .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #254  
قديم 04-07-2022, 12:41 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,994
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثالث
سُورَةُ الْأَنْفَالِ
الحلقة (254)
صــ372 إلى صــ 378




الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون

قوله تعالى: الذين عاهدت منهم في "من" أربعة أقوال .

أحدها: أنها صلة; والمعنى: الذين عاهدتم . [ ص: 372 ] الثاني: أنها للتبعيض; فالمعنى: إن شر الدواب الكفار . وشرهم الذين عاهدت ونقضوا .

والثالث: أنها بمعنى "مع"; والمعنى: عاهدت معهم .

والرابع: أنها دخلت ، لأن العهد أخذ منهم .

قوله تعالى: ثم ينقضون عهدهم في كل مرة أي: كلما عاهدتهم نقضوا .

وفي قوله: وهم لا يتقون قولان .

أحدهما: لا يتقون نقض العهد . والثاني: لا يتقون الله في نقض العهد .

قال المفسرون: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عاهد يهود قريظة أن لا يحاربوه ولا يعاونوا عليه ، فنقضوا العهد وأعانوا عليه مشركي مكة بالسلاح ، ثم قالوا: نسينا وأخطأنا; ثم عاهدوه الثانية ، فنقضوا ومالؤوا الكفار يوم الخندق ، وكتب كعب بن الأشرف إلى مكة يوافقهم على مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون

قوله تعالى: فإما تثقفنهم قال أبو عبيدة: مجازه: فإن تثقفنهم . فعلى قوله ، تكون "ما" زائدة . وقد سبق بيان "فإما" في (البقرة:38) . قال ابن قتيبة: فمعنى "تثقفنهم" تظفر بهم . فشرد بهم من خلفهم أي: افعل بهم فعلا من العقوبة والتنكيل يتفرق به من وراءهم من أعدائك . قال: ويقال: شرد بهم ، أي: سمع بهم ، بلغة قريش . قال الشاعر:


أطوف في الأباطح كل يوم مخافة أن يشرد بي حكيم


[ ص: 373 ] وقال ابن عباس : نكل بهم تنكيلا يشرد غيرهم من ناقضي العهد ، لعلهم يذكرون النكال فلا ينقضون العهد .
وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين

قوله تعالى: وإما تخافن من قوم خيانة قال المفسرون: الخوف هاهنا بمعنى العلم ، والمعنى: إن علمت من قوم قد عاهدتهم خيانة ، وهي نقض عهد . وقال مجاهد: نزلت في بني قريظة .

وفي قوله: فانبذ إليهم على سواء أربعة أقوال .

أحدها: فألق إليهم نقضك العهد لتكون وإياهم في العلم بالنقض سواء ، هذا قول الأكثرين ، واختاره الفراء ، وابن قتيبة . ، وأبو عبيدة .

والثاني: فانبذ إليهم جهرا غير سر ، ذكره الفراء أيضا في آخرين .

والثالث: فانبذ إليهم على مهل ، قاله الوليد بن مسلم .

والرابع: فانبذ إليهم على عدل من غير حيف ، وأنشدوا:


فاضرب وجوه الغدر الأعداء حتى يجيبوك إلى السواء


ذكره أبو سليمان الدمشقي .
ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون

قوله تعالى: " ولا تحسبن الذين كفروا سبقوا " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم "ولا تحسبن" بالتاء وكسر السين إلا أن عاصما فتح السين . وقرأ ابن عامر ، وحمزة وحفص ، عن عاصم: بالياء وفتح السين . وفي الكافرين هاهنا قولان . [ ص: 374 ] أحدهما: جميع الكفار ، قاله أبو صالح عن ابن عباس .

والثاني: أنهم الذين انهزموا يوم بدر ، ذكره محمد بن القاسم النحوي وغيره . "وسبقوا" بمعنى فاتوا . قال ابن الأنباري: وذلك أنهم أشفقوا من هلكة تنزل بهم في بعض الأوقات; فلما سلموا منها ، قيل: لا تحسبن أنهم فاتوا بسلامتهم الآن ، فإنهم لا يعجزونا ، أي: لا يفوتونا فيما يستقبلون من الأوقات .

قوله تعالى: إنهم لا يعجزون قرأ الجمهور: بكسر الألف . وقرأ ابن عامر: بفتحها; وعلى قراءته اعتراض . لقائل أن يقول: إذا كان قد قرأ "يحسبن" بالياء ، وقرأ "أنهم" بالفتح ، فقد أقرهم على أنهم لا يعجزون; ومتى علموا أنهم لا يعجزون ، لم يلاموا . فقد أجاب عنه ابن الأنباري فقال: المعنى: "لا يحسبن الذين كفروا سبقوا" لا يحسبن أنهم يعجزون; "ولا" زائدة مؤكدة . وقال أبو علي: المعنى: لا يحسبن الذين كفروا أنفسهم سبقوا وآباءهم سبقوا ، لأنهم لا يفوتون ، فهم يجزون على كفرهم .
وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون

قوله تعالى: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة في المراد بالقوة أربعة أقوال .

أحدها: أنها الرمي ، رواه عقبة بن عامر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال [ ص: 375 ] الحكم بن أبان: هي النبل . والثاني: ذكور الخيل ، قاله عكرمة . والثالث: السلاح ، قاله السدي ، وابن قتيبة . والرابع: أنه كل ما يتقوى به على حرب العدو من آلة الجهاد .

قوله تعالى: ومن رباط الخيل يعني ربطها واقتناءها للغزو; وهو عام في الذكور والإناث في قول الجمهور . وكان عكرمة يقول: المراد بقوله: "ومن رباط الخيل" إناثها .

قوله تعالى: ترهبون به روى رويس ، وعبد الوارث "ترهبون" بفتح الراء وتشديد الهاء ، أي: تخيفون وترعبون به عدو الله وعدوكم ، وهم مشركو مكة وكفار العرب .

قوله تعالى: وآخرين من دونهم أي من دون كفار العرب . واختلفوا فيهم على خمسة أقوال .

أحدها: أنهم الجن . روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "هم الجن ، وإن الشيطان لا يخبل أحدا في داره فرس عتيق" . والثاني: أنهم بنو قريظة ، قاله مجاهد . والثالث: أهل فارس ، قاله السدي . والرابع: المنافقون ، قاله ابن زيد . والخامس: اليهود ، قاله مقاتل :
وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم [ ص: 376 ] قوله تعالى: وإن جنحوا للسلم قرأ أبو بكر عن عاصم "للسلم" بكسر السين . قال الزجاج : السلم: الصلح والمسالمة . يقال: سلم وسلم وسلم في معنى واحد ، أي: إن مالوا إلى الصلح فمل إليه . قال الفراء: إن شئت جعلت "لها" كناية عن السلم لأنها تؤنث ، وإن شئت جعلتها للفعلة ، كقوله: إن ربك من بعدها لغفور رحيم [الأعراف: 153] .

فإن قيل: لم قال "لها" ولم يقل: "إليها"؟

فالجواب: أن "اللام" و"إلى" تنوب كل واحدة منهما عن الأخرى . وفيمن أريد بهذه الآية قولان .

أحدهما: المشركون ، وأنها نسخت بآية السيف . والثاني: أهل الكتاب .

فإن قيل: إنها نزلت في ترك حربهم إذ بذلوا الجزية وقاموا بشرط الذمة ، فهي محكمة .

وإن قيل: نزلت في موادعتهم على غير جزية ، توجه النسخ لها بآية الجزية .
وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم

قوله تعالى: وإن يريدوا قال مقاتل: يعني يهود قريظة (أن يخدعوك) بالصلح لتكف عنهم ، حتى إذا جاء مشركو العرب ، أعانوهم عليك (فإن حسبك الله) قال الزجاج : فإن الذي يتولى كفايتك الله هو الذي أيدك أي: قواك . وقال مقاتل: قواك بنصره وبالمؤمنين من الأنصار يوم بدر . [ ص: 377 ] قوله تعالى: وألف بين قلوبهم يعني الأوس والخزرج ، وهم الأنصار ، كانت بينهم عداوة في الجاهلية ، فألف الله بينهم بالإسلام . وهذا من أعجب الآيات ، لأنهم كانوا ذوي أنفة شديدة; فلو أن رجلا لطم رجلا ، لقاتلت عنه قبيلته حتى تدرك ثأره ، فآل بهم الإسلام إلى أن يقتل الرجل ابنه وأباه .
يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين

قوله تعالى: حسبك الله ومن اتبعك فيه قولان .

أحدهما: حسبك الله ، وحسب من اتبعك ، هذا قول أبي صالح عن ابن عباس ، وبه قال ابن زيد ، ومقاتل ، والأكثرون .

والثاني: حسبك الله ومتبعوك ، قاله مجاهد . وعن الشعبي كالقولين .

وأجاز الفراء والزجاج الوجهين . وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة وثلاثون ، ثم أسلم عمر فصاروا أربعين ، فنزلت هذه الآية . قال أبو سليمان الدمشقي: هذا لا يحفظ ، والسورة مدنية بإجماع ، والقول الأول أصح .
يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين

قوله تعالى: حرض المؤمنين على القتال قال الزجاج : تأويله حثهم . [ ص: 378 ] وتأويل التحريض في اللغة: أن يحث الإنسان على الشيء حثا يعلم معه أنه حارض إن تخلف عنه . والحارض:الذي قد قارب الهلاك .

قوله تعالى: إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين لفظ هذا الكلام لفظ الخبر ، ومعناه الأمر ، والمراد: يقاتلوا مائتين ، وكان هذا فرضا في أول الأمر ، ثم نسخ بقوله: الآن خفف الله عنكم ففرض على الرجل أن يثبت لرجلين ، فإن زادوا جاز له الفرار . قال مجاهد: وهذا التشديد كان في يوم بدر . واتفق القراء على قوله إن يكن منكم فقرؤوا "يكن" بالياء ، واختلفوا في قوله: وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا وفي قوله: ( فإن تكن منكم مائة صابرة ) فقرأ ابن كثير ، ونافع ، وابن عامر: بالتاء فيهما . وقرأهما عاصم ، وحمزة ، والكسائي: بالياء . وقرأ أبو عمرو "يكن منكم مائة يغلبوا" بالياء ، "فإن تكن منكم مائة صابرة "بالتاء . قال الزجاج : من أنث ، فللفظ المائة; ومن ذكر ، فلأن المائة وقعت على عدد مذكر . وقال أبو علي: من قرأ بالياء ، فلأنه أريد منه المذكر ، بدليل قوله: "يغلبوا" وكذلك المائة الصابرة هم رجال ، فقرؤوها بالياء ، لموضع التذكير . فأما أبو عمرو ، فإنه لما رأى صفة المائة مؤنثة بقوله: "صابرة" أنث الفعل ، ولما رأى "يغلبوا" مذكرا ، ذكر . ومعنى الكلام: إن يكن منكم عشرون صابرون يثبتون عند اللقاء ، يغلبوا مائتين ، لأن المؤمنين يحتسبون أفعالهم ، وأهل الشرك يقاتلون على غير احتساب ولا طلب ثواب ، فإذا صدقهم المؤمنون القتال لم يثبتوا; وذلك معنى قوله: لا يفقهون




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #255  
قديم 04-07-2022, 12:42 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,994
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثالث
سُورَةُ الْأَنْفَالِ
الحلقة (255)
صــ379 إلى صــ 385



قوله تعالى: وعلم وروى المفضل "وعلم" بضم العين "أن فيكم ضعفا" بضم الضاد . وقرأ عاصم ، وحمزة: بفتح الضاد . وكذلك خلافهم في [الروم:55] ، قال الفراء: الضم لغة قريش ، والفتح لغة تميم . قال الزجاج : والمعنى في القراءتين [ ص: 379 ] واحد ، يقال: هو الضعف والضعف ، والمكث والمكث ، والفقر والفقر ، وفي اللغة كثير من باب فعل وفعل ، والمعنى واحد . وقرأ أبو جعفر "وعلم أن فيكم ضعفاء" على فعلاء . فأما قوله: بإذن الله فهو إعلام بأن الغلبة لا تقع إلا بإرادته .
ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم

قوله تعالى: ( ما كان لنبي أن تكون له أسرى حتى يثخن في الأرض ) روى مسلم في إفراده من حديث عمر بن الخطاب قال: لما هزم الله المشركين يوم بدر ، وقتل منهم سبعون وأسر منهم سبعون ، استشار النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر وعليا ، فقال أبو بكر: يا نبي الله هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان ، وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية ، فيكون ما أخذنا منهم قوة لنا على الكفار ، وعسى أن يهديهم الله فيكونوا لنا عضدا . فقال رسول الله "ما ترى يا ابن الخطاب"؟ قلت: والله ما أرى ما رأى أبو بكر ، ولكن أرى أن تمكنني من فلان ، قريب لعمر ، فأضرب عنقه ، وتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه ، وتمكن حمزة من أخيه فلان فيضرب عنقه ، حتى يعلم الله أنه ليس في قلوبنا هوادة للمشركين ، هؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم . فهوى رسول الله ما قال أبو بكر ، ولم يهو ما قلت ، فأخذ منهم الفداء . فلما كان من الغد ، غدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا هو قاعد وأبو بكر الصديق وهما يبكيان . فقلت: يا رسول الله ، أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت ، وإن لم أجد بكاء تباكيت . فقال النبي صلى الله عليه وسلم "أبكي للذي عرض علي أصحابك من الفداء . لقد عرض علي عذابكم [ ص: 380 ] أدنى من هذه الشجرة" لشجرة قريبة ، فأنزل الله "ما كان لنبي أن يكون له أسرى" إلى قوله "عظيم" .

وروي عن ابن عمر قال: لما أشار عمر بقتلهم ، وفاداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنزل الله تعالى "ما كان لنبي" إلى قوله "حلالا طيبا" ، فلقي النبي صلى الله عليه وسلم عمر ، فقال "كاد يصيبنا في خلافك بلاء" . فأما الأسرى ، فهو جمع أسير ، وقد ذكرناه في (البقرة:85) والجمهور قرؤوا "أن يكون" بالياء لأن الأسرى مذكر . وقرأ أبو عمرو "أن تكون" قال أبو علي: أنث على لفظ الأسرى ، لأن الأسرى وإن كان المراد به التذكير والرجال فهو مؤنث اللفظ . والأكثرون قرؤوا "أسرى" وكذلك "لمن في أيديكم من الأسرى" . وقرأ أبو جعفر ، والمفضل "أسارى" في الموضعين ، ووافقهما أبو عمرو ، وأبان في الثاني . قال الزجاج : والإثخان في كل شيء: قوة الشيء وشدته . يقال: قد أثخنه المرض: إذا اشتدت قوته عليه . والمعنى: حتى يبالغ في قتل أعدائه . ويجوز أن يكون المعنى: حتى يتمكن في الأرض . قال المفسرون: معنى الآية: ما كان لنبي أن يحبس كافرا قدر عليه للفداء أو المن قبل الإثخان في الأرض . وكانت غزاة [ ص: 381 ] بدر أول قتال قاتله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يكن قد أثخن في الأرض بعد .

تريدون عرض الدنيا وهو المال . وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، قد فادوا يومئذ بأربعة آلاف أربعة آلاف . وفي قوله: والله يريد الآخرة قولان .

أحدهما: يريد لكم الجنة ، قاله ابن عباس .

والثاني: يريد العمل بما يوجب ثواب الآخرة ، ذكره الماوردي .

فصل

وقد روي عن ابن عباس ، ومجاهد في آ خرين: أن هذه الآية منسوخة بقوله: فإما منا بعد وإما فداء [محمد:4] ، وليس للنسخ وجه ، لأن غزاة بدر كانت وفي المسلمين قلة; فلما كثروا واشتد سلطانهم ، نزلت الآية الأخرى ، ويبين هذا قوله: حتى يثخن في الأرض
لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم

قوله تعالى: لولا كتاب من الله سبق في معناه خمسة أقوال .

أحدها: لولا أن الله كتب في أم الكتاب أنه سيحل لكم الغنائم لمسكم فيما تعجلتم من المغانم والفداء يوم بدر قبل أن تؤمروا بذلك عذاب عظيم ، روى هذا المعنى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ، وبه قال مقاتل . وقال أبو هريرة: تعجل ناس من المسلمين فأصابوا الغنائم ، فنزلت الآية .

والثاني: لولا كتاب من الله سبق أنه لا يعذب من أتى ذنبا على جهالة [ ص: 382 ] لعوقبتم ، روى هذا المعنى عطاء عن ابن عباس ، وابن جريج عن مجاهد . وقال ابن إسحاق: سبق أن لا أعذب إلا بعد النهي ، ولم يكن نهاهم .

والثالث: لولا ما سبق لأهل بدر أن الله لا يعذبهم ، لعذبتم ، قاله الحسن ، وابن جبير ، وابن أبي نجيح عن مجاهد .

والرابع: لولا كتاب من الله سبق من أنه يغفر لمن عمل الخطايا ثم علم ما عليه فتاب ، ذكره الزجاج .

والخامس: لولا القرآن الذي اقتضى غفران الصغائر ، لعذبتم ، ذكره الماوردي . فيخرج في الكتاب قولان .

أحدهما: أنه كتاب مكتوب حقيقة . ثم فيه قولان . أحدهما أنه ما كتبه الله في اللوح المحفوظ . والثاني: أنه القرآن .

والثاني: أنه بمعنى القضاء .
فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا واتقوا الله إن الله غفور رحيم يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم

قوله تعالى: فكلوا مما غنمتم قال الزجاج : الفاء للجزاء . والمعنى: قد أحللت لكم الفداء فكلوا . والحلال منصوب على الحال . قال مقاتل: إن الله غفور لما أخذتم من الغنيمة قبل حلها ، رحيم بكم إذ أحلها لكم . فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب ، وخباب بن الأرت يوم بدر على القبض ، وقسمها [ ص: 383 ] النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة ، وانطلق بالأسارى ، فيهم العباس ، وعقيل ، ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب . وكان مع العباس يومئذ عشرون أوقية من ذهب ، فلم تحسب له من فدائه ، وكلف أن يفدي ابني أخيه ، فأدى عنهما ثمانين أوقية من ذهب . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أضعفوا على العباس الفداء" فأخذوا منه ثمانين أوقية ، وكان فداء كل أسير أربعين أوقية . فقال العباس لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد تركتني ما حييت أسأل قريشا بكفي . فقال له: "أين الذهب الذي تركته عند أم الفضل"؟ فقال: أي الذهب؟ فقال: "إنك قلت لها: إني لا أدري ما يصيبني في وجهي هذا ، فإن حدث بي حدث ، فهو لك ولولدك" فقال: ابن أخي ، من أخبرك؟ فقال: "الله أخبرني" فقال العباس: أشهد أنك صادق ، وما علمت أنك رسول الله قبل اليوم; وأمر ابني أخيه فأسلما . وفيهم نزلت: قل لمن في أيديكم من الأسرى الآية . وروى العوفي عن ابن عباس أنها نزلت في جميع من أسر يوم بدر . وقال ابن زيد: لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أتاه رجال ، فقالوا: لولا أنا نخاف هؤلاء القوم لأسلمنا ، ولكنا نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله . فلما كان يوم بدر ، قال المشركون: لا يتخلف عنا أحد إلا هدمنا داره واستحللنا ماله ، فخرج أولئك القوم فقتلت طائفة منهم وأسرت طائفة فأما الذين قتلوا ، فهم الذين قال الله فيهم: الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم [النحل:28] . وأما الذين أسروا فقالوا: يا رسول الله أنت تعلم أنا كنا نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله . وإنما خرجنا مع هؤلاء خوفا منهم . فذلك قوله: قل لمن في أيديكم من الأسرى إلى قوله عليم حكيم . فأما قوله: إن يعلم الله في قلوبكم خيرا فمعناه إسلاما وصدقا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم من الفداء . وفيه قولان . [ ص: 384 ] أحدهما: أكثر مما أخذ منكم . والثاني: أحل وأطيب . وقرأ الحسن ، ومجاهد ، وقتادة ، وابن أبي عبلة: "مما أخذ منكم" بفتح الخاء; يشيرون إلى الله تعالى . وفي قوله: ويغفر لكم قولان .

أحدهما: يغفر لكم كفركم وقتالكم رسول الله ، قاله الزجاج .

والثاني: يغفر لكم خروجكم مع المشركين ، قاله ابن زيد في تمام كلامه الأول .
وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم والله عليم حكيم

قوله تعالى: وإن يريدوا خيانتك يعني: إن أراد الأسراء خيانتك بالكفر بعد الإسلام فقد خانوا الله من قبل إذ كفروا به قبل أسرهم . وقال ابن زيد: فقد خانوا بخروجهم مع المشركين; وقد ذكرنا عنه أنها نزلت في قوم تكلموا بالإسلام . وقال مقاتل: المعنى إن خانوك أمكنتك منهم فقتلتهم وأسرتهم كما أمكنتك ببدر . قال الزجاج : (والله عليم) بخيانة إن خانوها ، حكيم في تدبيره عليهم ومجازاته إياهم .
إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير

قوله تعالى: إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله يعني المهاجرين الذين هجروا ديارهم وأموالهم وقومهم في نصرة الدين [ ص: 385 ] والذين آووا ونصروا يعني: الأنصار ، آووا رسول الله ، وأسكنوا المهاجرين ، ديارهم ونصروهم على أعدائهم . أولئك بعضهم أولياء بعض فيه قولان .

أحدهما: في النصرة . والثاني: في الميراث .

قال المفسرون: كانوا يتوارثون بالهجرة ، وكان المؤمن الذي لم يهاجر لا يرث قريبه المهاجر ، وهو معنى قوله: ما لكم من ولايتهم من شيء قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، ونافع ، وابن عامر ، وعاصم ، والكسائي: ولايتهم بفتح الواو . وقرأ حمزة: بكسر الواو قال الزجاج : المعنى:ليس بينكم وبينهم ميراث حتى يهاجروا . ومن كسر واو الولاية ، فهي بمنزلة الإمارة; وإذا فتحت ، فهي من النصرة . وقال يونس النحوي: الولاية ، بالفتح ، لله عز وجل ، والولاية بالكسر ، من وليت الأمر . وقال أبو عبيدة: الولاية ، بالفتح ، للخالق; والولاية للمخلوق . قال ابن الأنباري: الولاية ، بالفتح ، مصدر الولي ، والولاية: مصدر الوالي ، يقال: ولي بين الولاية ، ووال بين الولاية; فهذا هو الاختيار; ثم يصلح في ذا . ما يصلح في ذا . وقال ابن فارس: الولاية ، بالفتح: النصرة ، وقد تكسر . والولاية ، بالكسر: السلطان .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #256  
قديم 04-07-2022, 12:43 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,994
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثالث
سُورَةُ التَّوْبَةِ
الحلقة (256)
صــ386 إلى صــ 392



فصل

وذهب قوم إلى أن المراد بهذه الولاية موالاة النصر والمودة . قالوا: ونسخ هذا الحكم بقوله: والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض [التوبة:71] . فأما القائلون بأنها ولاية الميراث ، فقالوا: نسخت بقوله: وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض .

[الأنفال:75] .

[ ص: 386 ] قوله تعالى: وإن استنصروكم في الدين أي: إن استنصركم المؤمنون الذين لم يهاجروا فانصروهم ، إلا أن يستنصروكم على قوم بينكم وبينهم عهد ، فلا تغدروا بأرباب العهد . وقال بعضهم: لم يكن على المهاجر أن ينصر من لم يهاجر إلا أن يستنصره .
والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم

قوله تعالى: والذين كفروا بعضهم أولياء بعض فيه قولان .

أحدهما: في الميراث ، قاله ابن عباس .

والثاني في النصرة ، قاله قتادة .

وفي قوله: إلا تفعلوه قولان .

أحدهما: أنه يرجع إلى الميراث ، فالمعنى: إلا تأخذوا في الميراث بما أمرتكم ، قاله ابن عباس .

والثاني: أنه يرجع إلى التناصر . فالمعنى: إلا تتعاونوا وتتناصروا في الدين ، قاله ابن جريج . وبيانه: أنه إذا لم يتول المؤمن توليا حقا ، ويتبرأ من الكافر جدا ، أدى ذلك إلى الضلال والفساد في الدين . فإذا هجر المسلم أقاربه الكفار ، ونصر المسلمين ، كان ذلك أدعى لأقاربه الكفار إلى الإسلام وترك الشرك .

قوله تعالى: وفساد كبير قرأ أبو هريرة ، وابن سيرين ، وابن السميفع: "كثير" بالثاء .

[ ص: 387 ] قوله تعالى: أولئك هم المؤمنون حقا أي: هم الذين حققوا إيمانهم بما يقتضيه من الهجرة والنصرة ، بخلاف من أقام بدار الشرك . والرزق الكريم: هو الحسن ، وذلك في الجنة .
والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل شيء عليم

قوله تعالى: والذين آمنوا من بعد أي: من بعد المهاجرين الأولين . قال ابن عباس : هم الذين هاجروا بعد الحديبية .

قوله تعالى: وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض أي: في المواريث بالهجرة . قال ابن عباس : آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه ، وكانوا يتوارثون بذلك الإخاء حتى نزلت هذه الآية ، فتوارثوا بالنسب .

قوله تعالى: في كتاب الله فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه اللوح المحفوظ .

والثاني: أنه القرآن - وقد بين لهم قسمة الميراث في سورة [النساء:11 ، 12] .

والثالث: أنه حكم الله ، ذكره الزجاج .
سُورَةُ التَّوْبَةِ

بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ

فَصْلٌ فِي نُزُولِهَا

هِيَ مَدَنِيَّةٌ بِإِجْمَاعِهِمْ ، سِوَى الْآَيَتَيْنِ فِي آَخِرِهَا لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ فَإِنَّهَا نَزَلَتْ بِمَكَّةَ . رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ" مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ قَالَ: آَخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بَرَاءَة وَقَدْ نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْعَرَبِ أَنَّهُ سَمِعَ قَارِئًا يَقْرَأُ هَذِهِ السُّورَةَ ، فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ : إِنِّي لَأَحْسَبُ هَذِهِ مِنْ آَخَرِ مَا نَزَلْ مِنَ الْقُرْآَنِ . قِيلَ لَهُ: وَمِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ! فَقَالَ: إِنِّي لَأَسْمَعُ عُهُودًا تُنْبَذُ ، وَوَصَايَا تُنَفَّذُ .

فَصْلٌ

وَاخْتَلَفُوا فِي أَوَّلِ مَا نَزَلَ مِنْ بَرَاءَةٌ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ .

أَحَدُهَا: أَنَّ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنْهَا قَوْلُهُ: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ [التَّوْبَةِ:25] ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ .

[ ص: 389 ] وَالثَّانِي: انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا [التَّوْبَةِ:41] ، قَالَهُ أَبُو الضُّحَى ، وَأَبُو مَالِكٍ .

وَالثَّالِثُ: إِلا تَنْصُرُوهُ [التَّوْبَةِ:40] قَالَهُ مُقَاتِلٌ . وَهَذَا الْخِلَافُ إِنَّمَا هُوَ فِي أَوَّلِ مَا نَزَلَ مِنْهَا بِالْمَدِينَةِ ، فَإِنَّهُمْ قَدْ قَالُوا: نَزَلَتِ الْآَيَتَانِ اللَّتَانِ فِي آَخِرِهَا بِمَكَّةَ .

فَصْلٌ

وَلَهَا تِسْعَةُ أَسْمَاءٍ . أَحَدُهَا: سُورَةُ التَّوْبَةِ . وَالثَّانِي: بَرَاءَةٌ; وَهَذَانَ مَشْهُورَانِ بَيْنَ النَّاسِ . وَالثَّالِثُ: سُورَةُ الْعَذَابِ ، قَالَهُ حُذَيْفَةُ . وَالرَّابِعُ: الْمُقَشْقَشَةُ ، قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ . وَالْخَامِسُ: سُورَةُ الْبُحُوثِ ، لِأَنَّهَا بَحَثَتْ عَنْ سَرَائِرِ الْمُنَافِقِينَ ، قَالَهُ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ . وَالسَّادِسُ: الْفَاضِحَةُ ، لِأَنَّهَا فَضَحَتِ الْمُنَافِقِينَ ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ . وَالسَّابِعُ: الْمُبَعْثَرَةُ ، لِأَنَّهَا بَعْثَرَتْ أَخْبَارَ النَّاسِ ، وَكَشَفَتْ عَنْ سَرَائِرِهِمْ ، قَالَهُ الْحَارِثُ بْنُ يَزِيدٍ ، وَابْنُ إِسْحَاقَ . وَالثَّامِنُ: الْمُثِيرَةُ لِأَنَّهَا أَثَارَتْ مَخَازِيَ الْمُنَافِقِينَ وَمَثَالِبَهُمْ ، قَالَهُ قَتَادَةُ . وَالتَّاسِعُ: الْحَافِرَةُ ، لِأَنَّهَا حَفَرَتْ عَنْ قُلُوبِ الْمُنَافِقِينَ ، قَالَهُ الزَّجَّاجُ .

فَصْلٌ

وَفِي سَبَبِ امْتِنَاعِهِمْ مِنْ كِتَابَةِ التَّسْمِيَةِ فِي أَوَّلِهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ .

أَحَدُهَا: رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ، قَالَ: قُلْتُ لَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ: مَا حَمْلُكُمْ عَلَى أَنْ عَمَدْتُمْ إِلَى (الْأَنْفَالِ) وَهِيَ مِنَ الْمَثَانِيَ ، وَإِلَى (بَرَاءَةَ) وَهِيَ مِنَ الْمِئِينَ ، فَقَرَنْتُمْ بَيْنَهُمَا وَلَمْ تَكْتُبُوا بَيْنَهُمَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم ؟ فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[ ص: 390 ] إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ الشَّيْءُ يَدْعُو بَعْضَ مَنْ يَكْتُبُ ، فَيَقُولُ: "ضَعُوا هَذَا فِي السُّورَةِ الَّتِي يَذْكُرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا" ، وَكَانَتِ [الْأَنْفَالُ] مِنْ أَوَائِلِ مَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ ، (وَبَرَاءَةٌ) مِنْ آَخِرِ الْقُرْآَنِ ، وَكَانَتْ قِصَّتُهَا شَبِيهَةً بِقِصَّتِهَا; وَقَبَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا أَنَّهَا مِنْهَا ، فَظَنَنَّا أَنَّهَا مِنْهَا; فَمِنْ ثَمَّ قَرَنَتْ بَيْنَهُمَا: وَلَمْ أَكْتُبْ بَيْنَهُمَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم وَذُكِرَ نَحْوُ هَذَا الْمَعْنَى عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ . قَالَ الزَّجَّاجُ : وَالشَّبَهُ الَّذِي بَيْنَهُمَا ، أَنَّ فِي (الْأَنْفَالِ) ذِكْرُ الْعُهُودِ ، وَفِي (بَرَاءَةَ) نَقْضُهَا . وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ: هُمَا سُورَةٌ وَاحِدَةٌ .

وَالثَّانِي: رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي: لِمَ لَمْ تَكْتُبُوا فِي (بَرَاءَةَ) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم فَقَالَ: يَا بُنَيَّ ، إِنَّ (بَرَاءَةَ) نَزَلَتْ بِالسَّيْفِ ، وَإِنَّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم أَمَانٌ . وَسُئِلَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ هَذَا ، فَقَالَ: لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ رَحْمَةٌ ، وَالرَّحْمَةُ أَمَانٌ ، وَهَذِهِ السُّورَةُ نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ .

وَالثَّالِثُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لَمَّا كَتَبَ فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم لَمْ يَقْبَلُوهَا وَرَدُّوهَا ، فَمَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ ، قَالَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى الْمَكِّيُّ .

فَصْلٌ

فَأَمَّا سَبَبُ نُزُولِهَا ، فَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ : أَخَذَتِ الْعَرَبُ تَنْقُضُ عُهُودًا بِنَتْهَا مَعَ [ ص: 391 ] رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِإِلْقَاءِ عُهُودِهِمْ إِلَيْهِمْ ، فَأَنَزَلَ (بَرَاءَةً) فِي سَنَةِ ، تِسْعٍ فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ أَبَا بَكْرٍ أَمِيرًا عَلَى الْمَوْسِمِ لَيُقِيمَ لَلنَّاسِ الْحَجَّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ ، وَبَعَثَ مَعَهُ صَدْرًا مِنْ (بَرَاءَةَ) لَيَقْرَأَهَا عَلَى أَهْلِ الْمَوْسِمِ ، فَلَمَّا سَارَ ، دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا ، فَقَالَ: "اخْرُجْ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ مَنْ صَدْرِ (بَرَاءَةَ) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِذَلِكَ" فَخَرَجَ عَلَيٌّ عَلَى نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَضْبَاءِ حَتَّى أَدْرَكَ أَبَا بَكْرٍ ، فَرَجَعَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَنْزِلُ فِي شَأْنِي شَيْءٌ؟ قَالَ: "لَا ، وَلَكِنْ لَا يُبَلِّغُ عَنِّي إِلَّا رَجُلٌ مِنِّي أَمَا تَرْضَى أَنَّكَ كُنْتَ صَاحِبِي فِي الْغَارِ ، وَأَنَّكَ صَاحِبِي عَلَى الْحَوْضِ"؟ قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ . فَسَارَ أَبُو بَكْرٍ أَمِيرًا عَلَى الْحَجِّ ، وَسَارَ عَلَيٌّ لِيُؤَذِّنَ بِـ (بَرَاءَةَ) .

فَصْلٌ

وَفِي عَدَدِ الْآَيَاتِ الَّتِي بَعَثَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَوَّلِ (بَرَاءَةَ) خَمْسَةُ أَقْوَالٍ . أَحَدُهَا: أَرْبَعُونَ آَيَةً ، قَالَهُ عَلَيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ . وَالثَّانِي: ثَلَاثُونَ آَيَةً ، قَالَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ . وَالثَّالِثُ: عَشْرُ آَيَاتٍ ، قَالَهُ أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ . وَالرَّابِعُ: سَبْعُ آَيَاتٍ ، رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ . وَالْخَامِسُ: تِسْعُ آَيَاتِ ، قَالَهُ مُقَاتِلٌ .

فَصْلٌ

فَإِنْ تَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ أَنَّ فِي أَخْذِ (بَرَاءَةَ) مِنْ أَبِي بَكْرٍ ، وَتَسْلِيمِهَا إِلَى عَلَيٍّ ، تَفْضِيلًا لِعَلِيٍّ عَلَى أَبِي بَكْرٍ ، فَقَدْ جَهِلَ; لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْرَى الْعَرَبَ فِي ذَلِكَ عَلَى عَادَتِهِمْ . قَالَ الزَّجَّاجُ : وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ الْعَرَبِ فِي عَقْدِ عَهْدِهَا وَنَقْضِهَا ، أَنْ [ ص: 392 ] يَتَوَلَّى ذَلِكَ عَلَى الْقَبِيلَةِ رَجُلٌ مِنْهَا; وَجَائِزٌ أَنْ تَقُولَ الْعَرَبُ إِذَا تَلَا عَلَيْهَا نَقْضَ الْعَهْدِ مَنْ لَيْسَ مِنْ رَهْطِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا خِلَافُ مَا نَعْرِفُ فِينَا فِي نَقْضِ الْعُهُودِ ، فَأَزَاحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِلَّةَ بِمَا فَعَلَ . وَقَالَ عَمْرُو بْنُ بَحْرٍ: لَيْسَ هَذَا بِتَفْضِيلٍ لِعَلِيٍّ عَلَى أَبِي بَكْرٍ ، وَإِنَّمَا عَامَلَهُمْ بِعَادَتِهِمُ الْمُتَعَارَفَة ِ فِي حَلِّ الْعَقْدِ ، وَكَانَ لَا يَتَوَلَّى ذَلِكَ إِلَّا السَّيِّدُ مِنْهُمْ ، أَوْ رَجُلٌ مِنْ رَهْطِهِ دَنِيًّا ، كَأَخٍ ، أَوْ عَمٍّ; وَقَدْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ فِي تِلْكَ الْحُجَّةِ الْإِمَامَ ، وَعَلِيٌّ يَأْتَمُّ بِهِ وَأَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ ، وَعَلِيٌّ يَسْمَعُ . وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ فِي تِلْكَ الْحُجَّةِ مَعَ الْمُؤَذِّنِينَ الَّذِينَ بَعَثَهُمْ يُؤَذِّنُونَ بِمِنَى: أَنْ لَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ ، وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ; فَأَذَّنَ مَعَنَا عَلِيٌّ بِـ (بَرَاءَةَ) وَبِذَلِكَ الْكَلَامِ . وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ عَلِيًّا يُؤَذِّنُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: "أَلَا لَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ ، أَلَا وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ ، أَلَا وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مُسْلِمٌ ، أَلَا وَمَنْ كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ مُدَّةً فَأَجَلُهُ إِلَى مُدَّتِهِ ، وَاللَّهُ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولِهِ" .

فَصْلٌ

فَأَمَّا التَّفْسِيرُ ، فَ قَوْلُهُ تَعَالَى: بَرَاءَةٌ قَالَ الْفَرَّاءُ: هِيَ مَرْفُوعَةٌ بِإِضْمَارِ "هَذِهِ" وَمِثْلُهُ (سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا)[النُّورِ:2] . وَقَالَ الزَّجَّاجُ : يُقَالُ: بَرِئْتُ مِنَ الرَّجُلِ وَالدِّينِ بَرَاءَةً ، وَبَرِئْتُ مِنَ الْمَرَضِ; وَبَرَأْتُ أَيْضًا أَبْرَأُ بُرْءًا وَقَدْ رَوَوْا: بَرَّأْتُ أَبْرُؤُ بُرُوءًا وَلَمْ نَجِدْ فِي مَا لَامُهُ هَمْزَةٌ: فَعَلْتُ أَفْعَلُ ، إِلَّا هَذَا الْحَرْفَ . وَيُقَالُ: بَرَيْتُ الْقَلَمَ ، وَكُلُّ شَيْءٍ نَحَتَّهُ: أَبْرِيهِ بَرْيًا ، غَيْرَ مَهْمُوزٍ . وَقَرَأَ أَبُو رَجَاءٍ ، وَمُورِقٌ ، وَابْنُ يَعْمُرَ: "بَرَاءَةً" بِالنَّصْبِ .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #257  
قديم 04-07-2022, 12:43 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,994
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثالث
سُورَةُ التَّوْبَةِ
الحلقة (257)
صــ393 إلى صــ 399


قَالَ الْمُفَسِّرُونَ : وَالْبَرَاءَةُ هَاهُنَا: قَطَعُ الْمُوَالَاةِ ،

[ ص: 393 ] وَارْتِفَاعُ الْعِصْمَةِ ، وَزَوَالُ الْأَمَانِ . وَالْخِطَابُ فِي قَوْلِهِ: إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالْمُرَادُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي كَانَ يَتَوَلَّى الْمُعَاهَدَةَ ، وَأَصْحَابُهُ رَاضُونَ; فَكَأَنَّهُمْ بِالرِّضَا عَاهَدُوا أَيْضًا; وَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ مَنْ عَاهَدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ مُقَاتِلٌ: هُمْ ثَلَاثَةُ أَحْيَاءٍ مِنَ الْعَرَبِ: خُزَاعَةُ ، وَبَنُو مُدْلِجٍ ، وَبَنُو جُذَيْمَةَ .
فسيحوا في الأرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين

قوله تعالى: فسيحوا في الأرض أي: انطلقوا فيها آمنين ، لا يقع بكم منا مكروه .

إن قال قائل: هذه مخاطبة شاهد ، والآية الأولى إخبار عن غائب ، فعنه جوابان .

أحدهما: أنه جائز عند العرب الرجوع من الغيبة إلى الخطاب . قال عنترة:


شطت مزار العاشقين فأصبحت عسرا علي طلابك ابنة مخرم


هذا قول أبي عبيدة

والثاني: أن في الكلام إضمارا ، تقديره: فقل لهم: سيحوا في الأرض ، أي: اذهبوا فيها ، وأقبلوا ، وأدبروا ، وهذا قول الزجاج .

واختلفوا فيمن جعلت له هذه الأربعة الأشهر على أربعة أقوال .

[ ص: 394 ] أحدها: أنها أمان لأصحاب العهد ، فمن كان عهده أكثر منها حط إليها ، ومن كان عهده أقل منها رفع إليها ، ومن لم يكن له عهد فأجله انسلاخ المحرم خمسون ليلة ، قاله ابن عباس ، وقتادة ، والضحاك .

والثاني: أنها للمشركين كافة ، من له عهد ، ومن ليس له عهد ، قاله مجاهد ، والزهري ، والقرظي .

والثالث: أنها أجل لمن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمنه أقل من أربعة أشهر ، أو كان أمانه غير محدود; فأما من لا أمان له ، فهو حرب ، قاله ابن إسحاق:

والرابع: أنها أمان لمن لم يكن له أمان ولا عهد; فأما أرباب العهود ، فهم على عهودهم إلى حين انقضاء مددهم ، قاله ابن السائب . ويؤكده ما روي أن عليا نادى يومئذ: ومن كان بينه وبين رسول الله عهد ، فعهده إلى مدته . وفي بعض الألفاظ: فأجله أربعة أشهر . واختلفوا في مدة هذه الأربعة الأشهر على أربعة أقوال .

أحدها: أنها الأشهر الحرم: رجب ، وذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ، قاله ابن عباس .

والثاني: أن أولها يوم الحج الأكبر ، وهو يوم النحر ، وآخرها العاشر من ربيع الآخر ، قاله مجاهد ، والسدي ، والقرظي .

والثالث: أنها شوال ، وذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ، لأن هذه الآية نزلت في شوال ، قاله الزهري . قال أبو سليمان الدمشقي: وهذا أضعف الأقوال ، لأنه لو كان كذلك ، لم يجز تأخير إعلامهم به إلى ذي الحجة إذ كان لا يلزمهم الأمر إلا بعد الإعلام .

والرابع: أن أولها العاشر من ذي القعدة ، وآخرها العاشر من ربيع الأول ، لأن الحج في تلك السنة كان في ذلك اليوم ، ثم صار في السنة الثانية في العشر [ ص: 395 ] من ذي الحجة ، وفيها حج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "إن الزمان قد استدار" ، ذكره الماوردي .

قوله تعالى: واعلموا أنكم غير معجزي الله أي: وإن أجلتم هذه الأربعة الأشهر فلن تفوتوا الله .

قوله تعالى: وأن الله مخزي الكافرين قال الزجاج : الأجود فتح "أن" على معنى: اعلموا أن ، ويجوز كسرها على الاستئناف . وهذا ضمان من الله نصرة المؤمنين على الكافرين .
وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله فإن تبتم فهو خير لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله وبشر الذين كفروا بعذاب أليم [ ص: 396 ] قوله تعالى: وأذان من الله ورسوله أي: إعلام; ومنه أذان الصلاة . وقرأ الضحاك ، وأبو المتوكل ، وعكرمة ، والجحدري ، وابن يعمر: "وإذن" بكسر الهمزة وقصرها ساكنة الذال من غير ألف .

قوله تعالى: إلى الناس أي: للناس . يقال: هذا إعلام لك ، وإليك . والناس هاهنا عام في المؤمنين والمشركين . وفي يوم الحج الأكبر ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه يوم عرفة ، قاله عمر بن الخطاب ، وابن الزبير ، وأبو جحيفة ، وطاووس ، وعطاء .

والثاني: يوم النحر ، قاله أبو موسى الأشعري ، والمغيرة بن شعبة ، وعبد الله بن أبي أوفى ، وابن المسيب ، وابن جبير ، وعكرمة ، والشعبي ، والنخعي ، والزهري ، وابن زيد ، والسدي في آخرين . وعن علي ، وابن عباس ، كالقولين .

والثالث أنه أيام الحج كلها ، فعبر عن الأيام باليوم ، قاله سفيان الثوري . قال سفيان: كما يقال: يوم بعاث ، ويوم الجمل ويوم صفين يراد به: أيام ذلك ، لا كل حرب من هذه الحروب دامت أياما . وعن مجاهد ، كالأقوال الثلاثة .

وفي تسميته بيوم الحج الأكبر ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه سماه بذلك لأنه اتفق في سنة حج فيها المسلمون والمشركون ، ووافق ذلك عيد اليهود والنصارى ، قاله الحسن .

والثاني: أن الحج الأكبر: هو الحج ، والأصغر: هو العمرة ، قاله عطاء ، والشعبي .

والثالث: أن الحج الأكبر: القرآن ، والأصغر الإفراد قاله مجاهد

قوله تعالى: أن الله بريء وقرأ الحسن ومجاهد وابن يعمر إن الله بكسر الهمزة من المشركين أي من عهد المشركين فحذف المضاف .

[ ص: 397 ] "ورسوله" رفع على الابتداء ، وخبره مضمر على معنى: ورسوله أيضا بريء . وقرأ أبو رزين ، وأبو مجلز ، وأبو رجاء ، ومجاهد ، وابن يعمر ، وزيد عن يعقوب: "ورسوله" بالنصب . ثم رجع إلى خطاب المشركين بقوله: عن الإيمان
إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين

قوله تعالى: إلا الذين عاهدتم من المشركين قال أبو صالح عن ابن عباس: فلما قرأ علي "براءة" قالت بنو ضمرة: ونحن مثلهم أيضا؟ قال: لا ، لأن الله تعالى قد استثناكم; ثم قرأ هذه الآية . وقال مجاهد: هم قوم كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد ومدة ، فأمر أن يفي لهم . قال الزجاج : معنى الكلام: وقعت البراءة من المعاهدين الناقضين للعهود ، إلا الذين عاهدتم ثم لم ينقضوكم ، فليسوا داخلين في البراءة ما لم ينقضوا العهد . قال القاضي أبو يعلى: وفصل الخطاب في هذا الباب: أنه قد كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين جميع المشركين عهد عام ، وهو أن لا يصد أحد عن البيت ، ولا يخاف أحد في الشهر الحرام ، فجعل الله عهدهم أربعة أشهر; وكان بينه وبين أقوام منهم عهود إلى آجال مسماة ، فأمر بالوفاء لهم ، وإتمام مدتهم إذا لم يخش غدرهم .
فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم

[ ص: 398 ] قوله تعالى: فإذا انسلخ الأشهر الحرم فيها قولان .

أحدهما: أنها رجب ، وذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ، قاله الأكثرون .

والثاني: أنها الأربعة الأشهر التي جعلت لهم فيها السياحة ، قاله الحسن في آخرين ، فعلى هذا ، سميت حرما لأن دماء المشركين حرمت فيها .

قوله تعالى: فاقتلوا المشركين أي: من لم يكن له عهد حيث (وجدتموهم) قال ابن عباس : في الحل والحرم والأشهر الحرم .

قوله تعالى: وخذوهم أي: ائسروهم; والأخيذ: الأسير . واحصروهم أي: احبسوهم; والحصر: الحبس . قال ابن عباس : إن تحصنوا فاحصروهم .

قوله تعالى: واقعدوا لهم كل مرصد قال الأخفش: أي: على كل مرصد; فألقى "على" وأعمل الفعل ، قال الشاعر:


نغالي اللحم للأضياف نيئا ونرخصه إذا نضج القدور


المعنى: نغالي باللحم فحذف الباء كما حذف "على" . وقال الزجاج : "كل مرصد" ظرف ، كقولك: ذهبت مذهبا ، فلست تحتاج أن تقول في هذه الآية إلا ما تقوله في الظروف ، مثل: خلف وقدام .

قوله تعالى: فإن تابوا أي: من شركهم .

وفي قوله: وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة قولان .

أحدهما: اعترفوا بذلك . والثاني: فعلوه .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #258  
قديم 04-07-2022, 12:44 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,994
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثالث
سُورَةُ التَّوْبَةِ
الحلقة (258)
صــ400 إلى صــ 406


فصل

واختلف علماء الناسخ والمنسوخ في هذه الآية على ثلاثة أقوال .

[ ص: 399 ] أحدها: أن حكم الأسارى كان وجوب قتلهم ، ثم نسخ بقوله: فإما منا بعد وإما فداء [محمد:4] ، قاله الحسن ، وعطاء في آخرين .

والثاني: بالعكس ، وأنه كان الحكم في الأسارى: أنه لا يجوز قتلهم صبرا ، وإنما يجوز المن أو الفداء بقوله: فإما منا بعد وإما فداء ثم نسخ بقوله: فاقتلوا المشركين قاله مجاهد ، وقتادة .

والثالث: أن الآيتين محكمتان ، والأسير إذا حصل في يد الإمام فهو مخير ، إن شاء من عليه ، وإن شاء فاداه ، وإن شاء قتله صبرا ، أي ذلك رأي فيه المصلحة للمسلمين فعل هذا ، قول جابر بن زيد ، وعليه عامة الفقهاء ، وهو قول الإمام أحمد .
وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون .

قوله تعالى: وإن أحد من المشركين استجارك قال المفسرون: وإن أحد من المشركين الذين أمرتك بقتلهم استأمنك يبتغي أن يسمع القرآن وينظر فيما أمر به ونهي عنه ، فأجره ، ثم أبلغه الموضع الذي يأمن فيه .

وفي قوله: ذلك بأنهم قوم لا يعلمون قولان .

أحدهما: أن المعنى: ذلك الذي أمرناك به من أن يعرفوا ويجاروا لجهلهم بالعلم .

والثاني: ذلك الذي أمرناك به من رده إلى مأمنه إذا امتنع من الإيمان ، لأنهم قوم جهلة بخطاب الله .
كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين

[ ص: 400 ] قوله تعالى: كيف يكون للمشركين عهد أي: لا يكون لهم ذلك ، إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام وفيهم ثلاثة أقوال .

أحدها: أنهم بنو ضمرة ، قاله ابن عباس .

والثاني: أنهم قريش ، قاله ابن عباس أيضا . وقال قتادة: هم مشركو قريش الذين عاهدهم نبي الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية ، فنكثوا وظاهروا المشركين .

والثالث: أنهم خزاعة ، قاله مجاهد . وذكر أهل العلم بالسير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صالح سهيل بن عمرو في غزوة الحديبية ، كتب بينه وبينه: "هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد الله وسهيل بن عمرو ، اصطلحا على وضع الحرب عشر سنين يأمن فيها الناس ، ويكف بعضهم عن بعض ، على أنه لا إسلال ولا إغلال ، وأن بيننا عيبة مكفوفة ، وأنه من أحب أن يدخل في عهد محمد وعقده فعل ، ومن أحب أن يدخل في عهد قريش وعقدها فعل ، وأنه من أتى محمدا منهم بغير إذن وليه رده إليه ، وأنه من أتى قريشا من أصحاب محمد لم يردوه ، وأن محمدا يرجع عنا عامه هذا بأصحابه ويدخل علينا في قابل في أصحابه ، فيقيم بها ثلاثا لا يدخل علينا بسلاح ، إلا سلاح المسافر ، السيوف في القرب" فوثبت خزاعة فقالوا: نحن ندخل في عهد محمد وعقده ، ووثبت بنو بكر فقالوا: نحن ندخل في عهد قريش وعقدها . ثم إن قريشا أعانت بني بكر على خزاعة بالرجال والسلاح فبيتوا خزاعة ليلا ، فقتلوا منهم عشرين رجلا . ثم إن قريشا ندمت على ما صنعت ، وعلموا أن هذا نقض للعهد والمدة التي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخرج قوم من خزاعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه بما أصابهم ، فخرج إليهم وكانت غزاة الفتح .

قال أبو عبيدة: الإسلال: السرقة ، والإغلال: الخيانة .

قال ابن الأعرابي: وقوله: "وأن بيننا عيبة مكفوفة" مثل ، أراد: أن صلحنا [ ص: 401 ] محكم مستوثق منه ، كأنه عيبة مشرجة . وزعم بعض المفسرين أن قوله: إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام نسخ بقوله: فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم [التوبة:5] .
كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون

قوله تعالى: كيف وإن يظهروا عليكم قال الزجاج : المعنى: كيف يكون لهم عهد وأن يظهروا عليكم ، فحذف ذلك ، لأنه قد سبق ، قال الشاعر:


وخبرتماني أنما الموت بالقرى فكيف وهذي هضبة وقليب


أي: فكيف مات وليس بقرية؟ ومثله قول الحطيئة:


فكيف ولم أعلمهم خذلوكم على معظم ولا أديمكم قدوا


أي: فكيف تلومونني على مدح قوم؟ واستغني عن ذكر ذلك ، لأنه قد جرى في القصيدة ما يدل على ما أضمر . وقوله: يظهروا يعني: يقدروا ويظفروا .

وفي قوله: لا يرقبوا ثلاثة أقوال .

أحدها: لا يحفظوا . والثاني: لا يخافوا ، قاله السدي . والثالث: لا يراعوا ، قاله قطرب .

وفي الإل خمسة أقوال .

[ ص: 402 ] أحدها: أنه القرابة ، رواه جماعة عن ابن عباس ، وبه قال الضحاك ، والسدي ، ومقاتل ، والفراء ، وأنشدوا:


إن الوشاة كثير إن أطعتهم لا يرقبون بنا إلا ولا ذمما


وقال الآخر:


لعمرك إن إلك من قريش كإل السقب من رأل النعام


والثاني: أنه الجوار ، قاله الحسن .

والثالث: أنه الله تعالى ، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد ، وبه قال عكرمة .

والرابع: أنه العهد ، رواه خصيف عن مجاهد ، وبه قال ابن زيد وأبو عبيدة .

والخامس: أنه الحلف ، قاله قتادة . وقرأ عبد الله بن عمرو ، وعكرمة ، وأبو رجاء ، وطلحة بن مصرف: "إيلا" بياء بعد الهمزة . وقرأ ابن السميفع ، والجحدري: "ألا" بفتح الهمزة وتشديد اللام . وفي المراد بالذمة ثلاثة أقوال .

أحدها: أنها العهد ، قاله ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ، والضحاك في آخرين .

والثاني: التذمم ممن لا عهد له ، قاله أبو عبيدة ، وأنشد:


لا يرقبون بنا إلا ولا ذمما


والثالث: الأمان ، قاله اليزيدي ، واستشهد بقوله: "ويسعى بذمتهم أدناهم" .

[ ص: 403 ] قوله تعالى: يرضونكم بأفواههم فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: يرضونكم بأفواههم في الوفاء ، وتأبى قلوبهم إلا الغدر .

والثاني: يرضونكم بأفواههم في العدة بالإيمان ، وتأبى قلوبهم إلا الشرك .

والثالث: يرضونكم بأفواههم في الطاعة ، وتأبى قلوبهم إلا المعصية ، ذكرهن الماوردي .

قوله تعالى: وأكثرهم فاسقون قال ابن عباس : خارجون عن الصدق ، ناكثون للعهد .
اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا فصدوا عن سبيله إنهم ساء ما كانوا يعملون لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة وأولئك هم المعتدون فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ونفصل الآيات لقوم يعلمون

قوله تعالى: اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا في المشار إليهم قولان .

أحدهما: أنهم الأعراب الذين جمعهم أبو سفيان على طعامه ، قاله مجاهد .

والثاني: أنهم قوم من اليهود ، قاله أبو صالح . فعلى الأول ، آيات الله: حججه . وعلى الثاني: هي آيات التوراة . والثمن القليل: ما حصلوه بدلا من الآيات . وفي وصفه بالقليل وجهان .

أحدهما: لأنه حرام ، والحرام قليل . والثاني لأنه من عرض الدنيا الذي بقاؤه قليل . وفي قوله: فصدوا عن سبيله ثلاثة أقوال .

أحدها: عن بيته ، وذلك حين منعوا النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية دخول مكة . والثاني: عن دينه يمنع الناس منه . والثالث: عن طاعته في الوفاء بالعهد .
[ ص: 404 ] وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون

قوله تعالى: وإن نكثوا أيمانهم قال ابن عباس : نزلت في أبي سفيان بن حرب ، والحارث بن هشام ، وسهيل بن عمرو ، وعكرمة ابن أبي جهل ، وسائر رؤساء قريش الذين نقضوا العهد حين أعانوا بني بكر على خزاعة حلفاء رسول الله ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسير إليهم فينصر خزاعة ، وهم الذين هموا بإخراج رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأما النكث ، فمعناه: النقض . والإيمان هاهنا: العهود . والطعن في الدين: أن يعاب ، وهذا يوجب قتل الذمي إذا طعن في الإسلام ، لأن المأخوذ عليه أن لا يطعن فيه .

قوله تعالى: فقاتلوا أئمة الكفر قرأ عاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، "أئمة" بتحقيق الهمزتين . وقرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو: بتحقيق الأولى وتليين الثانية . والمراد بأئمة الكفر: رؤوس المشركين وقادتهم . إنهم لا أيمان لهم أي: لا عهود لهم صادقة; هذا على قراءة من فتح الألف ، وهم الأكثرون . وقرأ ابن عامر "لا إيمان لهم" بالكسر; وفيها وجهان ذكرهما الزجاج .

أحدهما: أنه وصف لهم بالكفر ونفي الإيمان ، والثاني: لا أمان لهم ، تقول: آمنته إيمانا ، والمعنى: فقد بطل أمانكم لهم بنقضهم .

[ ص: 405 ] وفي قوله: لعلهم ينتهون قولان .

أحدهما: عن الشرك . والثاني عن نقض العهود .

وفي "لعل" قولان .

أحدهما: أنها بمعنى الترجي ، المعنى ليرجى منهم الانتهاء ، قاله الزجاج .

والثاني: أنها بمعنى: "كي" قاله أبو سليمان الدمشقي .
ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدءوكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشاء والله عليم حكيم

قوله تعالى: ألا تقاتلون قوما قال الزجاج : هذا على وجه التوبيخ ، ومعناه الحض على قتالهم . قال المفسرون: وهذا نزل في نقض قريش عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي عاهدهم بالحديبية حيث أعانوا على خزاعة .

وفي قوله: وهموا بإخراج الرسول قولان .

أحدهما: أنهم أبو سفيان في جماعة من قريش ، كانوا فيمن هم بإخراج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة .

والثاني: أنهم قوم من اليهود ، غدروا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونقضوا عهده وهموا بمعاونة المنافقين على إخراجه من المدينة .

قوله تعالى: وهم بدءوكم أول مرة فيه قولان .

أحدهما: بدؤوكم بإعانتهم على حلفائكم ، قاله ابن عباس .

والثاني: بالقتال يوم بدر ، قاله مقاتل .

[ ص: 406 ] قوله تعالى: أتخشونهم قال الزجاج : أتخشون أن ينالكم من قتالهم مكروه؟! فمكروه عذاب الله أحق أن يخشى إن كنتم مصدقين بعذابه وثوابه .

قوله تعالى: ويشف صدور قوم مؤمنين قال ابن عباس ، ومجاهد: يعني خزاعة .

قوله تعالى: ويذهب غيظ قلوبهم أي: كربها ووجدها بمعونة قريش بني بكر عليها .

قوله تعالى: ويتوب الله على من يشاء قال الزجاج : هو مستأنف ، وليس بجواب "قاتلوهم" وفيمن عني به قولان .

أحدهما: بنو خزاعة ، والمعنى: ويتوب الله على من يشاء من بني خزاعة ، قاله عكرمة .

والثاني: أنه عام في المشركين كما تاب على أبي سفيان ، وعكرمة ، وسهيل . والله عليم بنيات المؤمنين ، "حكيم" فيما قضى .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #259  
قديم 04-07-2022, 12:44 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,994
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثالث
سُورَةُ التَّوْبَةِ
الحلقة (259)
صــ407 إلى صــ 413



أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة والله خبير بما تعملون

قوله تعالى: أم حسبتم أن تتركوا في المخاطب بهذا قولان .

أحدهما: أنهم المؤمنون ، خوطبوا بهذا حين شق على بعضهم القتال ، قاله الأكثرون .

والثاني: أنهم قوم من المنافقين كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج معه إلى الجهاد تعذيرا ، قاله ابن عباس . وإنما دخلت الميم في الاستفهام ، لأنه استفهام [ ص: 407 ] معترض في وسط الكلام ، فدخلت لتفرق بينه وبين الاستفهام المبتدإ . قال الفراء: ولو أريد به الابتداء ، لكان إما بالألف ، أو بـ "هل" ، ومعنى الكلام: أن تتركوا بغير امتحان يبين به الصادق من الكاذب ولما يعلم الله أي: ولم تجاهدوا فيعلم الله وجود ذلك منكم; وقد كان يعلم ذلك غيبا ، فأراد إظهار ما علم ليجازي على العمل .

فأما الوليجة ، فقال ابن قتيبة: هي البطانة من غير المسلمين ، وهو أن يتخذ الرجل من المسلمين دخيلا من المشركين وخليطا ووادا; وأصله من الولوج . قال أبو عبيدة: وكل شيء أدخلته في شيء ليس منه فهو وليجة ، والرجل يكون في القوم وليس منهم فهو وليجة فيهم .
ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين

قوله تعالى: ( ما كان للمشركين أن يعمروا مسجد الله ) قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو: "مسجد الله" على التوحيد ، "إنما يعمر مساجد الله" على الجمع . وقرأ عاصم ، ونافع ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي على الجمع فيهما . وسبب نزولها أن جماعة من رؤساء قريش أسروا يوم بدر فيهم العباس بن عبد المطلب ، فأقبل عليهم نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فعيروهم بالشرك ، وجعل علي بن أبي طالب يوبخ العباس بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقطيعة الرحم ، فقال العباس: ما لكم تذكرون مساوئنا وتكتمون محاسننا؟ فقالوا وهل لكم من محاسن؟ قالوا:

[ ص: 408 ] نعم ، لنحن أفضل منكم أجرا; إنا لنعمر المسجد الحرام ، ونحجب الكعبة ، ونسقي الحجيج ، ونفك العاني ، فنزلت هذه الآية ،
قاله مقاتل في جماعة .

وفي المراد بالعمارة قولان .

أحدهما: دخوله والجلوس فيه . والثاني: البناء له وإصلاحه; فكلاهما محظور على الكافر . والمراد من قوله: ما كان للمشركين أي: يجب على المسلمين منعهم من ذلك . قال الزجاج : وقوله: شاهدين حال . المعنى: ما كانت لهم عمارته في حال إقرارهم بالكفر ، أولئك حبطت أعمالهم لأن كفرهم أذهب ثوابها .

فإن قيل كيف يشهدون على أنفسهم بالكفر ، وهم يعتقدون أنهم على الصواب؟ فعنه ثلاثة أجوبة .

أحدها: أنه قول اليهودي: أنا يهودي: وقول النصراني: أنا نصراني ، قاله السدي .

والثاني: أنهم ثبتوا على أنفسهم الكفر بعدولهم عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو حق لا يخفى على مميز ، فكانوا بمنزلة من شهد على نفسه .

والثالث: أنهم آمنوا بأنبياء شهدوا لمحمد صلى الله عليه وسلم بالتصديق ، وحرضوا على اتباعه ، فلما آمنوا بهم وكذبوه ، دلوا على كفرهم ، وجرى ذلك مجرى الشهادة على أنفسهم بالكفر ، لأن الشهادة هي تبيين وإظهار ، ذكرهما ابن الأنباري .

فإن قيل: ما وجه قوله: إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر ولم يذكر الرسول ، والإيمان لا يتم إلا به؟ فالجواب: أن فيه دليلا على الرسول ، لقوله: وأقام الصلاة أي: الصلاة التي جاء بها الرسول ، قاله الزجاج .

فإن قيل: (فعسى) ترج ، وفاعل هذه الخصال مهتد بلا شك . فالجواب: أن "عسى" [ ص: 409 ] من الله واجبة ، قاله ابن عباس . فإن قيل: قد يعمر مساجد الله من ليس فيه هذه الصفات . فالجواب: أن المراد أنه من كان على هذه الصفات المذكورة ، كان من أهل عمارتها; وليس المراد أن من عمرها كان بهذه الصفة .
أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم خالدين فيها أبدا إن الله عنده أجر عظيم

قوله تعالى: أجعلتم سقاية الحاج في سبب نزولها ستة أقوال .

أحدها: رواه مسلم في "صحيحه" من حديث النعمان بن بشير قال: كنت عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رجل: ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد [الإسلام إلا] أن أسقي الحاج ، وقال الآخر: ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد [الإسلام إلا] أن أعمر المسجد الحرام ، وقال آخر: الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم ، فزجرهم عمر ، وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو يوم الجمعة ، ولكني إذا صليت الجمعة ، دخلت فاستفتيت رسول الله فيما اختلفتم فيه ، فنزلت هذه الآية .

[ ص: 410 ] والثاني: أن العباس بن عبد المطلب قال يوم بدر: لئن كنتم سبقتمونا بالإسلام والهجرة والجهاد ، لقد كنا نعمر المسجد الحرام ونسقي الحاج ونفك العاني ، فنزلت هذه الآية ، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس .

والثالث: أن المشركين قالوا: عمارة بيت الله الحرام ، والقيام على السقاية ، خير ممن آمن وجاهد ، وكانوا يفتخرون بالحرم من أجل أنهم أهله ، فنزلت هذه الآية ، رواه عطية العوفي عن ابن عباس .

والرابع: أن عليا والعباس وطلحة - يعني سادن الكعبة افتخروا ، فقال طلحة: أنا صاحب البيت ، بيدي مفتاحه ، ولو أشاء بت فيه . وقال العباس: أنا صاحب السقاية ، والقائم عليها ، ولو أشاء بت في المسجد . وقال علي: ما أدري ما تقولون ، لقد صليت ستة أشهر قبل الناس ، وأنا صاحب الجهاد ، فنزلت هذه الآية ، قاله الحسن ، والشعبي ، والقرظي .

والخامس: أنهم لما أمروا بالهجرة قال العباس: أنا أسقي الحاج ، وقال طلحة: أنا صاحب الكعبة فلا نهاجر ، فنزلت هذه الآية والتي بعدها ، قاله مجاهد . هكذا ذكر مجاهد ، وإنما الصواب عثمان بن طلحة ، لأن طلحة هذا لم يسلم .

والسادس: أن عليا قال للعباس: ألا تلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ألست في أفضل من الهجرة ، ألست أسقي حاج بيت الله وأعمر المسجد الحرام؟ فنزلت هذه الآية والتي بعدها ، قاله المرة الهمداني ، وابن سيرين . قال الزجاج : ومعنى الآية: أجعلتم أهل سقاية الحاج وأهل عمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله؟ فحذف المضاف ، وأقام المضاف إليه مقامه . قال الحسن: كان ينبذ زبيب ، فيسقون [ ص: 411 ] الحاج في الموسم . وقال ابن عباس : عمارة المسجد: تجميره ، وتخليقه ، فأخبر الله أن أفعالهم تلك لا تنفعهم مع الشرك ، وسماهم ظالمين لشركهم .

قوله تعالى: أعظم درجة قال الزجاج : هو منصوب على التمييز . والمعنى: أعظم من غيرهم درجة . والفائز: الذي يظفر بأمنيته من الخير . فأما النعيم ، فهو لين العيش ، والمقيم: الدائم .
يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون

قوله تعالى: لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء في سبب نزولها خمسة أقوال .

أحدها: أنه لما أمر المسلمون بالهجرة ، جعل الرجل يقول لأهله: إنا قد أمرنا بالهجرة ، فمنهم من يسرع إلى ذلك ، ومنهم من يتعلق به عياله وزوجته فيقولون: ننشدك الله أن تدعنا إلى غير شيء ، فيرق قلبه فيجلس معهم ، فنزلت هذه الآية ، قاله أبو صالح عن ابن عباس .

والثاني: أنه لما أمر الله المؤمنين بالهجرة ، قال المسلمون: يا نبي الله ، إن نحن اعتزلنا من خالفنا في الدين ، قطعنا آباءنا وعشائرنا ، وذهبت تجارتنا ، وخربت ديارنا ، فنزلت هذه الآية ، قاله الضحاك عن ابن عباس .

والثالث: أنه لما قال العباس: أنا أسقي الحاج ، وقال طلحة: أنا أحجب الكعبة فلا نهاجر ، نزلت هذه الآية والتي قبلها ، هذا قول قتادة ، وقد ذكرناه عن مجاهد .

والرابع: أن نفرا ارتدوا عن الإسلام ولحقوا بمكة ، فنهى الله عن ولايتهم ، وأنزل هذه الآية ، قاله مقاتل .

[ ص: 412 ] والخامس: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر الناس بالجهاد لنصرة خزاعة على قريش ، قال أبو بكر الصديق: يا رسول الله ، نعاونهم على قومنا؟ فنزلت هذه الآية ، ذكره أبو سليمان الدمشقي .
قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين

قوله تعالى: قل إن كان آباؤكم . . . الآية ، في سبب نزولها ثلاثة أقوال .

أحدها أنها نزلت في الذين تخلفوا مع عيالهم بمكة ولم يهاجروا ، قاله أبو صالح عن ابن عباس .

والثاني: أن علي بن أبي طالب قدم مكة ، فقال لقوم: ألا تهاجرون؟ فقالوا: نقيم مع إخواننا وعشائرنا ومساكننا ، فنزلت هذه الآية ، قاله ابن سيرين .

والثالث: أنه لما نزلت الآية التي قبلها ، قالوا: يا رسول الله ، إن نحن اعتزلنا من خالفنا في الدين ، قطعنا آباءنا وعشيرتنا ، وذهبت تجارتنا ، وخربت ديارنا ، فنزلت هذه الآية ، ذكره بعض المفسرين في هذه الآية ، وذكره بعضهم في الآية الأولى كما حكيناه عن ابن عباس . فأما العشيرة ، فهم الأقارب الأدنون . وروى أبو بكر عن عاصم "وعشيراتكم" على الجمع . قال أبو علي: وجهه أن كل واحد من المخاطبين له عشيرة ، فإذا جمعت قلت: عشيراتكم; وحجة من أفرد: أن العشيرة واقعة على الجمع فاستغنى بذلك عن جمعها . وقال الأخفش: لا تكاد [ ص: 413 ] العرب تجمع عشيرة: عشيرات ، إنما يجمعونها على عشائر . والاقتراف بمعنى الاكتساب . والتربص: الانتظار .

وفي قوله: حتى يأتي الله بأمره قولان .

أحدهما: أنه فتح مكة ، قاله مجاهد والأكثرون ، ومعنى الآية: إن كان المقام في أهاليكم ، وكانت الأموال التي اكتسبتموها وتجارة تخشون كسادها لفراقكم بلدكم ومساكن ترضونها أحب إليكم من الهجرة ، فأقيموا غير مثابين حتى تفتح مكة ، فيسقط فرض الهجرة .

والثاني أنه العقاب ، قاله الحسن .
لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين

قوله تعالى: لقد نصركم الله في مواطن كثيرة أي: في أماكن . قال الفراء: وكل جمع كانت فيه ألف قبلها حرفان وبعدها حرفان لم يجر ، مثل ، صوامع ، ومساجد . وجري "حنين" لأنه اسم لمذكر ، وهو واد بين مكة والطائف ، وإذا سميت ماء أو واديا أو جبلا باسم مذكر لا علة فيه ، أجريته من ذلك: حنين ، وبدر ، وحراء ، وثبير ، ودابق . ومعنى الآية: أن الله عز وجل أعلمهم أنهم إنما يغلبون بنصر الله لا بكثرتهم . وفي عددهم يوم حنين أربعة أقوال .

أحدها: أنهم كانوا ستة عشر ألفا ، رواه عطاء عن ابن عباس .

والثاني: عشرة آلاف ، رواه أبو صالح عن ابن عباس .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #260  
قديم 04-07-2022, 12:45 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,994
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثالث
سُورَةُ التَّوْبَةِ
الحلقة (260)
صــ414 إلى صــ 420


والثالث: كانوا اثني عشر ألفا ، قاله قتادة ، وابن زيد ، وابن إسحاق ، والواقدي .

والرابع: أحد عشر ألفا وخمسمائة ، قاله مقاتل . قال ابن عباس : فقال ذلك اليوم سلمة بن سلامة بن وقش ، وقد عجب لكثرة الناس: لن تغلب اليوم من قلة فساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كلامه ، ووكلوا إلى كلمة الرجل ، فذلك قوله: إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وقال سعيد بن المسيب: القائل لذلك أبو بكر الصديق . وحكى ابن جرير أن القائل لذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقيل: بل العباس . وقيل: رجل من بني بكر .

قوله تعالى: وضاقت عليكم الأرض بما رحبت أي: برحبها . قال الفراء: والباء هاهنا بمنزلة "في" كما تقول: ضاقت عليكم الأرض في رحبها وبرحبها .

الإشارة إلى القصة

قال أهل العلم بالسيرة: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة تآمر عليه أشراف هوازن وثقيف ، فجاؤوا حتى نزلوا أوطاس ، وأجمعوا المسير إليه ، فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما التقوا أعجبتهم كثرتهم فهزموا .

وقال البراء بن عازب: لما حملنا عليهم انكشفوا ، فأكببنا على الغنائم ، فأقبلوا بالسهام ، فانكشف المسلمون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وبعضهم يقول: [ ص: 415 ] ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ جماعة من أصحابه منهم أبو بكر ، وعمر ، وعلي ، والعباس ، وأبو سفيان بن الحارث .

وبعضهم يقول: لم يبق معه سوى العباس وأبي سفيان فجعل النبي يقول للعباس: "ناد يا معشر الأنصار ، يا أصحاب السمرة ، يا أصحاب سورة البقرة" فنادى ، وكان صيتا ، فأقبلوا كأنهم الإبل إذا حنت إلى أولادها ، يقولون: يا لبيك ، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى قتالهم ، فقال: "الآن حمي الوطيس" أنا النبي لا كذب ، أنا ابن عبد المطلب" ثم قال للعباس: "ناولني الحصيات" فناوله ، فقال: "شاهت الوجوه" ورمى بها ، وقال: "انهزموا ورب الكعبة" ، فقذف الله في قلوبهم الرعب فانهزموا . وقيل: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم كفا من تراب ، فرماهم به فانهزموا . وكانوا يقولون: ما بقي منا أحد إلا امتلأت عيناه بالتراب .

ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء والله غفور رحيم

قوله تعالى: ثم أنزل الله سكينته أي: بعد الهزيمة . قال أبو عبيدة: هي فعيلة من السكون ، وأنشد:

[ ص: 416 ]
لله قبر غالها ماذا يجن لقد أجن سكينة ووقارا


وكذلك قال المفسرون: الأمن والطمأنينة .

قوله تعالى: وأنزل جنودا لم تروها قال ابن عباس : يعني الملائكة . وفي عددهم يومئذ ثلاثة أقوال .

أحدها: ستة عشر ألفا ، قاله الحسن . والثاني: خمسة آلاف ، قاله سعيد بن جبير . والثالث: ثمانية ، قاله مجاهد ، يعني ثمانية آلاف . وهل قاتلت الملائكة يومئذ ، أم لا؟ فيه قولان .

وفي قوله: وعذب الذين كفروا أربعة أقوال .

أحدها: بالقتل ، قاله ابن عباس ، والسدي . والثاني: بالقتل والهزيمة ، قاله ابن أبزى ، ومقاتل . والثالث: بالخوف والحذر ، ذكره الماوردي . والرابع: بالقتل ، والأسر ، وسبي الأولاد ، وأخذ الأموال ، ذكره بعض ناقلي التفسير .

قوله تعالى: ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء أي: يوفقه للتوبة من الشرك .
يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم

قوله تعالى: إنما المشركون نجس قال أبو عبيدة: معناه: قذر . قال الزجاج : يقال لكل شيء مستقذر: نجس . وقال الفراء: لا تكاد العرب تقول: نجس ، إلا وقبلها رجس ، فإذا أفردوها قالوا: نجس .

[ ص: 417 ] وفي المراد بكونهم نجسا ثلاثة أقوال .

أحدها: أنهم أنجاس الأبدان ، كالكلب والخنزير ، حكاه الماوردي عن الحسن ، وعمر بن عبد العزيز . وروى ابن جرير عن الحسن قال: من صافحهم فليتوضأ .

والثاني: أنهم كالأنجاس لتركهم ما يجب عليهم من غسل الجنابة ، وإن لم تكن أبدانهم أنجاسا ، قاله قتادة .

والثالث: أنه لما كان علينا اجتنابهم ، كما تجتنب الأنجاس ، صاروا بحكم الاجتناب كالأنجاس ، وهذا قول الأكثرين ، وهو الصحيح .

قوله تعالى: فلا يقربوا المسجد الحرام قال أهل التفسير: يريد جميع الحرم . (بعد عامهم هذا) وهو سنة تسع من الهجرة ، وهي السنة التي حج فيها أبو بكر وقرئت (براءة) . وقد أخذ أحمد رضي الله عنه بظاهر الآية ، وأنه يحرم عليهم دخول الحرم ، وهو قول مالك ، والشافعي . واختلفت الرواية عنه في دخولهم غير المسجد الحرام من المساجد ، فروي عنه المنع أيضا إلا لحاجة ، كالحرم ، وهو قول مالك . وروي عنه جواز ذلك ، وهو قول الشافعي . وقال أبو حنيفة: يجوز لهم دخول المسجد الحرام ، وسائر المساجد .

قوله تعالى: وإن خفتم عيلة وقرأ سعد بن أبي وقاص ، وابن مسعود ، والشعبي ، وابن السميفع: "عايلة" . قال سعيد بن جبير: لما نزلت إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا شق على المسلمين ، وقالوا: من يأتينا بطعامنا؟ وكانوا يقدمون عليهم بالتجارة فنزلت وإن خفتم عيلة . . الآية . قال الأخفش: العيلة الفقر . يقال : عال يعيل عيلة: إذا افتقر . وأعال إعالة فهو [ ص: 418 ] يعيل: إذا صار صاحب عيال . وقال أبو عبيدة: العيلة هاهنا مصدر عال فلان: إذا افتقر وأنشد:


وما يدري الفقير متى غناه وما يدري الغني متى يعيل


وللمفسرين في قوله: "وإن" قولان .

أحدهما: أنها للشرط ، وهو الأظهر .

والثاني: أنها بمعنى "وإذ" ، قاله عمرو بن فائد . قالوا: وإنما خاف المسلمون الفقر ، لأن المشركين كانوا يحملون التجارات إليهم ، ويجيئون بالطعام وغيره .

وفي قوله: فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه أنزل عليهم المطر عند انقطاع المشركين عنهم ، فكثر خيرهم ، قاله عكرمة .

والثاني: أنه أغناهم بالجزية المأخوذة من أهل الكتاب ، قاله قتادة ، والضحاك .

والثالث: أن أهل نجد ، وجرش ، وأهل صنعاء أسلموا ، فحملوا الطعام إلى مكة على الظهر ، فأغناهم الله به ، قاله مقاتل .

قوله تعالى: إن الله عليم قال ابن عباس : عليم بما يصلحكم ، (حكيم) فيما حكم في المشركين .
[ ص: 419 ] قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون

قوله تعالى: قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله قال المفسرون: نزلت في اليهود والنصارى . قال الزجاج : ومعناها: لا يؤمنون بالله إيمان الموحدين ، لأنهم أقروا بأنه خالقهم وأنه له ولد ، وكذلك إيمانهم بالبعث لأنهم لا يقرون بأن أهل الجنة يأكلون ويشربون . وقال الماوردي : إقرارهم باليوم الآخر يوجب الإقرار بحقوقه ، وهم لا يقرون بها ، فكانوا كمن لا يقر به .

قوله تعالى: ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله قال سعيد بن جبير: يعني الخمر والخنزير .

قوله تعالى: ولا يدينون دين الحق في الحق قولان .

أحدهما: أنه اسم الله ، فالمعنى: دين الله ، قاله قتادة .

والثاني: أنه صفة للدين: والمعنى ولا يدينون الدين الحق; فأضاف الاسم إلى الصفة . وفي معنى "يدينون" قولان .

[ ص: 420 ] أحدهما: أنه بمعنى الطاعة ، والمعنى: لا يطيعون الله طاعة حق ، قاله أبو عبيدة . والثاني: أنه من دان: الرجل يدين كذا: إذا التزمه . ثم في جملة الكلام قولان .

أحدهما: أن المعنى: لا يدخلون في دين محمد صلى الله عليه وسلم ، لأنه ناسخ لما قبله .

والثاني: لا يعملون بما في التوراة من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم .

قوله تعالى: حتى يعطوا الجزية قال ابن الأنباري: الجزية الخراج المجعول عليهم; سميت جزية ، لأنها قضاء لما عليهم: أخذ من قولهم: جزى يجزي: إذا قضى; ومنه; قوله تعالى: لا تجزي نفس عن نفس شيئا [البقرة:48] ، وقوله "ولا تجزي عن أحد بعدك" . وفي قوله: (عن يد) ستة أقوال .

أحدها: عن قهر ، قاله قتادة ، والسدي . وقال الزجاج : عن قهر وذل .

والثاني: أنه النقد العاجل ، قاله شريك ، وعثمان بن مقسم .

والثالث: أنه إعطاء المبتدئ بالعطاء ، لا إعطاء المكافئ ، قاله ابن قتيبة .

والرابع: أن المعنى: عن اعتراف للمسلمين بأن أيديهم فوق أيديهم .

والخامس: عن إنعام عليهم بذلك ، لأن قبول الجزية منهم إنعام عليهم ، حكاهما الزجاج .

والسادس: يؤدونها بأيديهم ، ولا ينفذونها مع رسلهم ، ذكره الماوردي .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 415.75 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 409.68 كيلو بايت... تم توفير 6.07 كيلو بايت...بمعدل (1.46%)]