|
|
من بوح قلمي ملتقى يختص بهمسات الاعضاء ليبوحوا عن ابداعاتهم وخواطرهم الشعرية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
إهداء إلى أمه!
إهداء إلى أمه! ربيع بن المدني السملالي قبل انصرافي إلى النَّوم البارحة، فتحت كتابًا أنظر فيه للناقد المبدع شكري فيصل عنوانه: (مناهج الدراسة الأدبية)، فاستوقفني إهداؤه الجميل، الذي ينمُّ عن حسٍّ مُرْهفٍ، ونفْس بارَّةٍ، وقلب يشعُّ خيرًا وجمالًا. هذا الإهداءُ لم يتقدَّم به إلى حبيبةٍ أضناها الشوق من أجل إخراج هذا الكتاب، ولا لزوجةٍ تشاركه حياتَه حُلوَها ومُرَّها، ولا إلى فِلذات كَبِدِه - كما يفعل الكثير من الكُتَّاب والأدباء - ولا إلى أستاذ كان له أبلغُ الأثر في توجُّهه، ولا إلى صديقٍ شقَّ معه الطريق للوصول إلى ما وصل إليه، كلَّا، بل إلى التي لا يوجدُ لها مثيل في هذه الحياة؛ إلى منبعِ الحنان والدِّفء والرحمة، إلى مَن تَسهَرُ الليلَ من أجل راحتِنا، إلى التي كانت وما زالت وستظل رمزًا للصمود في وجه المُدْلَهمَّات؛ من أجل أن ترانا في أفضل حال، إلى مَن تبكي بكاء مرًّا ويهجرُها النوم، وتجافيها شهيَّةُ الطعام حين يَمرَضُ أحدٌ من أبنائها، أو حينَ تُنشِبُ يدُ المُنونِ أظافرها على حين غفلة من قلبها الأسيف، إلى اليدِ الحانية التي تمسحُ التعب عن أجسادنا الضامرة وأرواحنا المُتهالِكة ونحن نسير بين مُنعرَجات الدنيا ونُتُوءاتها، إلى التي قال عنها المصطفى صلى الله عليه وسلم حين سُئل: "مَن أحقُّ الناس بحُسْن الصحبة؟": ((أمك، ثم أمك، ثم أمك))، أهداه إلى أمِّه، نَعم، إلى أمِّه الغالية الحبيبة أهدى مجهودَه الذي أنفَقَ في سبيله ليلَه ونهاره، وأتعب فيه نفسَه وجسدَه بهمة عالية، وعزيمة قوية لا تريم، أهداه لها بعبارة رشيقةٍ تُشعرُك بالصدق، ودقَّات قلبه الكبير الذي يضطربُ بين جوانحِه كما كانت تضطرب جوانحُها قبلَ ذلك وهو يصبو إلى ما وصل إليه؛ فللهِ درُّه ما أبرَّه! وما أذكاه! وما أجملَ الاعترافَ بالجميل في مثل هذه المواقف! وكأني به يقولُ ما قاله شيخنا الأديب علي الطنطاوي في كتابه "الذكريات" (ج 2 ص 97): وقد تجدُ في الناس مَن يُظهِرُ لك من حبِّه أكثر مما تُظهِرُ الأم ويُظهر الأب، ولكن منهم من يحبُّك لمالك، أو لجمالك، أو لجَاهك وصلاح حالك، فإن ساءت الحالُ، أو ذهب الجمال، أو قلَّ المال، أعرَضَ عنك، ولم يَعُدْ يعرفُك. أما الذي يحبُّك لذَاتك، ويبقى على حبِّك مهما تبدَّلت الحال بك، فهو أمُّك وأبوك، لا تجد مثلَهما. فمن كانت له أمٌّ، أو كان له أبٌ، فقد فُتح له بابُ الجنة، فمَن الذي يمرُّ بباب الجنة مفتوحًا فلا يدخلها؟! إني أكتبُ اليومَ عن موت أمي، وقد كتبتُ من قبلُ عن موت أبي، وإن كنت أتمنَّى أن أخسر تسعةَ أعشار ما أمْلِكُ من مالٍ اقتنَيْتُه وكتب ألَّفْتُها، وشهرةٍ نِلتها، ومناصبَ تقلَّدتها، وأن تكون بَقِيَت لي أمي، وبقي لي أبي. انتهى. فاسمع - هديت - يا قارئي، وعِ جيدًا كلماتِ إهدائه إليها؛ لعلَّها تدفعُك على أن تكون بأمِّك بارًّا رحيمًا، مُعترِفًا بجميلِها الذي لو أنفقتَ مثلَ أُحُدٍ ذهبًا، لَمَا وفَّيْتَها حقَّها عليك. يقول رحمه الله: إلى أمي التي علَّمتني الصبر، وحبَّبت إليَّ القناعة وغالبَتْ في غَيْبتي عنها الآلامَ والدموعَ وكانت تعيش ترقُّبًا دائمًا أوبة الغائب ويرفُّ جَفناها لصورته كما تُتَمْتِمُ شفتاها باسمِه وتسأل عنه في خلواتها، وصلواتها، وأحلامها، وسبحاتها ♦ ♦ ♦ إلى أمي التي كانت تَكْتُمُ الحُنوَّ في طفولتي في دمشق ثم كانت تفجرُ الحنينَ في فُتوَّتي في القاهرة ♦ ♦ ♦ إلى أمي وقد نذَرَتْ نفسَها لي متأبِّيةً على كل شيء، منصرفةً عن كل شيء أهدي هذه الرسالة ولن تكونَ شيئًا في جانب ما كانت تَلْقَى وإنما هو الإكبارُ والوفاءُ والبرُّ! ودامت لكم المسرَّات.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |