خاتم النبيين - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12547 - عددالزوار : 216138 )           »          معارج البيان القرآني ـــــــــــــ متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 7834 )           »          انشودة يا أهل غزة كبروا لفريق الوعد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 62 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 859688 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 394024 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 87 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 66 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 64 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 69 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 62 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث > ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #14  
قديم 20-03-2023, 01:57 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: خاتم النبيين

خاتم النبيين (41)
الشيخ خالد بن علي الجريش



بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من اصطفاه الله تعالى رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فمرحبًا بكم - أيها الكرام - في برنامجكم خاتم النبيين، وقد أسلفنا في الحلقة الماضية أيها الأفاضل الحديثَ عن غزوة تبوك، وعن سببها، وحال المسلمين فيها، وأيضًا عن تجهيزهم، وأيضًا كيف كان مسيرهم، وذكرنا الحديث عن أجواء تلك الغزوة التي كانت في جوٍّ حار، وبُعْدٍ في المسافة، وأيضًا ذكرنا ماذا عمل المنافقون في تلك الغزوة؟ وكم مكث المسلمون هناك؟ وأيضًا ذكرنا واقعهم، ثم ذكرنا رجوعهم إلى المدينة، مع الدروس المستفادة من ذلك، وفي حلقتنا هذه نستكمل الحديث عن قصة كعب بن مالك رضي الله عنه، وهو أحد الثلاثة الذين خُلِّفوا، ونذكر بعض الأحداث التي حصلت بعد تبوك، وهؤلاء الثلاثة الذين خُلِّفوا هم: كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية، رضي الله عنهم وأرضاهم، ويجمع أسماء هؤلاء الثلاثة اسم "مكة"؛ فالميم لمرارة، والكاف لكعب، والهاء لهلال، وقصة هؤلاء الثلاثة هي مهمة وطويلة جدًّا؛ لعلك - أخي الكريم - ترجع إليها في صحيحَيِ البخاري ومسلم، ولكننا لضِيقِ الوقت سنقف بعض الوقفات والدروس مع قصة كعب رضي الله عنه، ونكتفي بذكر الشاهد من القصة.


فالوقفة الأولى أن كعبًا رضي الله عنه أراد الخروج، وبدأ بجهازه، ولكن حصل عنده نسبة من التباطؤ والتسويف؛ حيث قال رضي الله عنه: "فلم يزل يتمادى بي حتى اشتد الناس الجِدَّ، فغَدَوا ولم أقضِ من جهازي شيئًا"، وفي هذا درس كبير وعظيم إلى أن المسلم إذا أراد شيئًا، فليبادر إلى تنفيذه، ولا يؤخره، فلربما مع التأخر حصل شيء من العقبات أو الموانع؛ فالمبادرة من أهم القيم لنجاح الأعمال، وأما التسويف والتأخر فهو سبب للإخفاق وقلة النتائج، فاعمل - أخي الكريم - أن تكون مبادرًا في جميع أعمالك.


الوقفة الثانية: عندما جلس النبي صلى الله عليه وسلم في تبوك؛ قال عليه الصلاة والسلام: ((ما فعل كعب بن مالك؟ فقال رجل من بني سلمة: يا رسول الله، حبسه بُرْدَاه ونظره في عطفيه؛ أي أعجبه ما هو عليه، فجلس، فقال له معاذ بن جبل رضي الله عنه: بئسما قلت، والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرًا))، وفي هذا درس عظيم جدًّا لنا في مجالسنا ومحادثاتنا أنه إذا تحدث أحد بأحدٍ بما يكرهه، فليس لنا أن نسمعه ونتركه، وإنما نذُبُّ عن عرض أخينا إن كان خاطئًا، وأما إن كان الكلام صوابًا، فَلْنَنْهَرِ المتحدث عن الغِيبة، وأيضًا نرشده أن هذا يكون بينهما ليتحقق الهدف في التغيير إلى الأحسن عند الطرف المغتاب؛ فالغِيبة - كما يقولون - هي مرعى اللئام، وجهد العاجز؛ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((من ردَّ عن عِرْضِ أخيه، ردَّ الله عن وجهه النار يوم القيامة))؛ [حديث حسن]، فكن كذلك أخي الكريم في مجالسك، ووسائل التواصل لديك؛ حتى لا تكون مشاركًا في إثم الغِيبة.


الوقفة الثالثة من قصة كعب رضي الله عنه: عندما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك إلى المدينة، وجلس في المسجد، جاء إليه كعب رضي الله عنه، وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما خلَّفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟ فقال كعب كلامًا وفيه: لا والله يا رسول الله، ما كان لي من عذر، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما هذا فقد صدق، فقُمْ حتى يقضِيَ الله فيك))، وفي هذا درس كبير في إحياء قيمة الصدق في الأقوال والأفعال، فإن الصدق يجر المصالح، وإن الكذب يجر المفاسد، وقد يكذب أحدهم فينجو في دنياه، ويأخذ شيئًا من حطامها، ولكنه قد يخسر غدًا بين يدي الله عز وجل، عندما يسأله الله تعالى عن ذلك، وأما إن صدق، فهو قد يخسر شيئًا من الدنيا، ولكنه سيربح الآخرة، والآخرة خير لك من الأولى، وقد يعتاد الإنسان الكذب أحيانًا، فلا يصدقه الناس، حتى ولو صدق، ثم إن الصدق يهدي إلى الجنة، والكذب يهدي إلى النار، وقد قال كعب: يا رسول الله، إنما نجاني الله بالصدق، وإن من توبتي ألَّا أُحدِّث إلا صدقًا ما بقيت)).


الوقفة الرابعة: عندما هجر الناس كعب بن مالك رضي الله عنه أتته رسالة من ملك غسان يقول له بـ((أن صاحبك قد جفاك - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - فالحق بنا نواسِك، يقول كعب: فقلت: هذا من البلاء، فتيمَّمتُ بها التنور فأحرقتها، وفي هذا درس عظيم للثبات على الحق، مهما كانت المغريات التي تساعد على اللحاق بالباطل، فإن كعبًا رضي الله عنه الذي دعاه هو أحد الملوك، ولا شك أنه سيكرمه ويعطيه عطاء كثيرًا، ولكنه عرف رضي الله عنه حقيقة الأمر، وثبته الله عز وجل على الحق، فلم تَزِلَّ قدمه في اتباع الباطل والتنازل عن دينه، بل إنه لم يفكر في بقائها، وإنما أحرقها لتزول تمامًا من ناظريه وبين يديه.


الوقفة الخامسة: لما تمَّ خمسون ليلة على هجر كعب وصاحبيه، أتاه المبشِّر يقول: ((أبْشِرْ يا كعب، يقول: فعرفت أنه قد جاء الفرج، فخررت ساجدًا))، وفي هذا فائدة عظيمة، وهي السجود للشكر عند تجدُّدِ النِّعَمِ، واندفاع النِّقَمِ، مع لهج اللسان بالحمد والثناء على الله عز وجل، فيا أخي الكريم، إذا تجددت لك نعمة أو اندفعت عنك نقمة، فكن مُحْيِيًا لسُنَّةِ سجود الشكر، فإن الجميع فضل من الله تبارك وتعالى، فإذا شكرته زادك من فضله ورحمته، واجعل ذلك سلوكًا لك ولأولادك، وحدِّث به مجالسِيك؛ ليعمَّ الخير، ويزداد الناس.


الوقفة السادسة: قال كعب رضي الله عنه: ((فلما نزلت توبتي، جاء الناس يبشرونني، وجاء طلحة بن عبيدالله يهرول يهنئني، ولا أنساها لطلحة))، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لكعب: ((أبشر بخيرِ يومٍ مرَّ عليك منذ ولدتك أمك))، وكان النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة استنارت وجوههم لكعب، وفي هذا درس كبير أنه إذا حصل لأحدنا ما يسره، فلنستبشر به، ولْنُدْخِلْ عليه السرور، ونقُمْ بتهنئته والدعاء له.


الوقفة السابعة: قال كعب رضي الله عنه: ((يا رسول الله، إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله تعالى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أمْسِكْ عليك بعض مالك؛ فهو خير لك))، وفي هذا درس كبير مهم؛ أن المسلم إذا حصل له فضل من الله تعالى، فليكن من شكره لله عز وجل أن يتصدق بشيء من ماله قُرْبَة إلى الله عز وجل؛ فقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم كعبًا رضي الله عنه أن يتصدق ببعض ماله لما حصلت توبته، وهي بإذن الله تعالى صدقة مخلوفة، إن هذه الوقفات هي بعض ما يمكن أن تكون مع قصة كعب رضي الله عنه في تخلفه عن غزوة تبوك، علمًا أن القصة مليئة بالدروس والعِبر، فليُرجَع إليها في الصحيحين، وهذه القصة هي من دروس غزوة تبوك في السنة التاسعة من الهجرة، وقد بلغت غزواته عليه الصلاة والسلام سبعًا وعشرين غزوة، قاتل عليه الصلاة والسلام في تسع منها، وبلغت بعوثه وسراياه سبعًا وثلاثين، وقيل سبعًا وأربعين، وقد توافدت القبائل بعد تبوك؛ ولذلك سُمِّيَ العام التاسع عام الوفود، فكانت الوفود تزيد على السبعين وفدًا، واستمرت في السنة العاشرة والحادية عشرة أيضًا، فكانوا يسمعون من النبي صلى الله عليه وسلم أحكام الإسلام وشرائعه، ولكل وفد منها مواقفُ وقصصٌ، وعِبر ودروس، وأحكام وحِكَمٌ، فليُرجَع إليها؛ فهي غاية في الأهمية، وفي هذه السنة التاسعة تُوفِّيَ رئيس المنافقين عبدالله بن أبي بن سلول بعد أن مرض عشرين ليلة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعوده خلال مرضه؛ وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((كنت أنهاك عن حب يهود، ثم قال عبدالله بن أبي: ليس هذا بحين عتاب يا رسول الله، ولكنه الموت، فإن مِتُّ، فامْنُنْ عليَّ؛ فكفِّني في قميصك، وصلِّ عليَّ واستغفر لي))، وقد روى البخاري ومسلم أنه لما تُوفِّيَ عبدالله بن أبي جاء ابنه عبدالله إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((يا رسول الله، أعطني قميصك أكفنه فيه، وصلِّ عليه واستغفر له، فأعطاه عليه الصلاة والسلام قميصه، وقال له: إذا فرغت منه فآذِنِّي))؛ [متفق عليه]، فلما فرغ عبدالله رضي الله عنه من تجهيز أبيه آذن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فجاء عليه الصلاة والسلام ووقف عليه ليصلي، فلما قام جاءه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وجذب رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثوبه، وقال: ((يا رسول الله، أتصلي على عبدالله بن أبي وقد نهاك أن تصلي عليه؟ وهو القائل يوم كذا وكذا كذا وكذا، وبدأ يعدد عمر على النبي صلى الله عليه وسلم تلك المثالب، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: أخِّر عني يا ابن الخطاب، فلما أكثر عليه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني خُيِّرت فاخترتُ، لو أعلم أني إن زدت على السبعين يُغفَر له، لَزدتُ عليها))؛ [أخرجه البخاري]، وفي رواية: ((إنما خيرني الله فقال: ﴿ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ [التوبة: 80]، وسأزيده على السبعين، فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم ثم انصرف، يقول الراوي: فما لبثنا إلا يسيرًا؛ حتى نزل قول الله تبارك وتعالى: ﴿ وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ [التوبة: 84]، فقال عمر رضي الله عنه: عجبت من جرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم))، وهذه هي أحد الأحوال والمواقف التي وافق القرآن فيها عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وفي العام التاسع بعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر ليحج بالناس، وكان النبي عليه الصلاة والسلام بالمدينة يتابع الوفود، ولم يرغب النبي صلى الله عليه وسلم بالحج في العام التاسع؛ لأنه قد يطوف بالبيت عراة، وقد يتمسكون بعضهم بغير التوحيد، وفيه اختلاط بأهل الشرك، وخرج أبو بكر إلى الحج ومعه ثلاثمائة رجل، ونزل على النبي صلى الله عليه وسلم حينها صدر سورة براءة، وأرسلها النبي صلى الله عليه وسلم مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ليعلنها في الحج، فخرج علي رضي الله عنه حتى أدرك أبا بكر، فأعطاه الكتاب وفيه صدر سورة براءة، وأمر أبو بكر عليًّا أن ينادي بها في الحج، فأعلنها عليٌّ يوم النحر وهي تتكون من هذه الوصايا أولًا: ألَّا يحجنَّ بعد هذا العام مشرك، والثانية: لا يطوف في البيت عريانًا، والثالثة لا يدخل الجنة إلا مؤمن، والرابعة من كان له عهد فإلى عهده، ومن لم يكن له عهد فمدته أربعة أشهر، فإذا انتهت فإن الله بريء من المشركين ورسوله، وشارك عليًّا رضي الله عنه في البلاغ عددٌ من الصحابة؛ منهم أبو هريرة رضي الله عنه، وبذلك قضى الإسلام على الشرك ومعالمه في مكة، وكانت تلك الحجة بمثابة التوطئة للحجة الكبرى، ثم دخل العام العاشر، وما زال النبي صلى الله عليه وسلم يستقبل الوفود ويفقههم في الدين، وبعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذًا إلى اليمن ومعه أبو موسى الأشعري؛ وقال: ((يسِّرا ولا تعسِّرا، وبشِّرا ولا تنفِّرا، وتطاوعا ولا تختلفا))؛ [متفق عليه]، وفي السنة العاشرة توفي إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع وكان عمره ستةَ عشر شهرًا؛ ففي البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه قال: ((دخلنا على إبراهيم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإبراهيم يجود بنفسه، فأخذه عليه الصلاة والسلام وقبَّله وشمَّه، وجعلت عيناه تذرفان، فقال عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه: وأنت يا رسول الله تبكي؟ قال: يا بن عوف، إنها رحمة))؛ [الحديث]، ودُفن إبراهيم في البقيع، وكان هديه صلى الله عليه وسلم في المصيبة أكمل هدي؛ فقد شرع لأمته الاسترجاع والرضا، وليس هذا منافيًا لدمع العين، ولا لحزن القلب، وأيضًا منع من النياحة وشق الجيوب ولطم الخدود، ويوم وفاة إبراهيم كسفت الشمس، فقال الناس: انكسفت لموته؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الشمس والقمر آيتان لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموها، فادعوا وصلوا حتى تنجلي))، أيها الكرام، في ختام تلك الحلقة نستعرض بعض الدروس والعبر مما سبق، وهي على النحو الآتي:
الدرس الأول: بيان شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته، ورأفته بهم؛ حيث إنه صلى على ابن أُبَيِّ، وهو رئيس المنافقين، وقد حصل من المواقف المسيئة القولية والفعلية ما حصل، ومع ذلك كفَّنه بقميصه، واستغفر له، وصلى عليه، فإذا كان هذا مع المنافق مشفقًا عليه، فما هي حال النبي صلى الله عليه وسلم مع المسلمين العابدين المخلصين؟ لا شك أنها أعظم شفقة ورحمة، وقد عمت شفقة النبي صلى الله عليه وسلم جميع الأمة، ويظهر هذا من خلال التشريعات الحكيمة التي تشتمل على الرأفة والرحمة؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((وددت أن رأينا إخواننا، قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعدُ))، وإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام مضرب المثل في الشفقة والرحمة والرأفة بأمته، فكيف يواجه بعض المسلمين تلك الرأفة والرحمة بالتساهل عند بعضهم في أفعالهم وأقوالهم عن اتباع نبيهم، فيأمرهم بشيء والبعض يهمله، وينهاهم عن شيء والبعض يرتكبه، فلننظر في أنفسنا وأولادنا وزوجاتنا عن الخلل فيُصحَّح؛ رغبة في الأجر، وإرضاء للرب، ومقابلة للشفقة العظيمة من النبي صلى الله عليه وسلم علينا، فكيف يهنأ ذلك العاصي بمعصيته؟ وهو يعلم أنه مخالف لأمر الله تعالى الذي خلقه، ولأمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي أشفق عليه ودلَّه على خيري الدنيا والآخرة، فإن تلك المخالفة ليست من الكرم والجود والرد بالتي هي أحسن، فإذا أحسن إليك أحد بشيء أَطَعْتَه وخدمته، فكيف بمن إحسانه إليك لا ينقطع؟ فإنه أولى بالطاعة والامتثال، فيا أخي ويا أختي الكرام، انظروا في الموضوع نظرة جد وتمحيص.


الدرس الثاني: عندما بعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا موسى ومعاذًا إلى اليمن، أوصاهما بثلاث صفات، هي من صفات النجاح والناجحين؛ الصفة الأولى: التيسير في التعامل والمعاملة وعدم المشقة على الآخرين، الصفة الثانية: التبشير، فيبشر الناس بما يسرهم؛ ليكسبوا قلوبهم وتنفتح لهما نفوسهم، الصفة الثالثة: الاتفاق وعدم الاختلاف؛ لأن الخلاف شرٌّ، إن هذه الصفات الثلاث؛ وهي التيسير والتبشير والاتفاق - يفترض أن تكون في كل عمل، ففي الدعوة والمدرسة والدائرة الحكومية، وفي الأعمال الحرة، وأيضًا كذلك في الشركات والمؤسسات، ومع العمالة وغيرها من المجالات، فماذا لو كان هذا هو الواقع في صفاتنا وتعاملنا؟ فماذا ستكون حالنا؟ لا شك أنه سيزول الخلاف، وتنتهي المشاكل، وتخف الجهود، وإنني عندما أقول ذلك للمجتمع جميعًا فإني آمر نفسي ونفسك أخي الكريم أن نبدأ ونصحح المسار، ولا ننظر إلى أفعال الآخرين ماذا فعلوا، فأنا وأنت نمثل نسبة من هذا المجتمع، فأنت مسؤول عن دائرتك ودائرة معاملاتك، أما دوائر الآخرين فلست مسؤولًا عنها، فهم مسؤولون عنها، فأتقن دائرتك، فلو كل منا أخذ بهذا لنجحنا في جميع شؤوننا، فاستعن بالله تبارك وتعالى، وابدأ في تفعيل تلك الصفات الثلاث، فالموظف – مثلًا - يحاول التيسير على مراجعيه، والآباء مع أولادهم، وكذلك الجيران بعضهم مع بعض، والمجتمع كله، فييسر بعضهم على بعض، ويبشر بعضهم بعضًا، ويتوافقون ولا يختلفون، فإذا اتصفوا بهذه الصفات، فهنيئًا لهذا المجتمع بسعادته وسكينته وطمأنينته.


الدرس الثالث: عندما بكى النبي صلى الله عليه وسلم عند وفاة ابنه إبراهيم، سأله عبدالرحمن بن عوف، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنها رحمة))، إن رحمة الوالدين بالأولاد شيء لا يوصف، وإذا كان هذا حاصلًا في البهائم والعجماوات، فكيف هو عند بني آدم؟ لذلك كان الوالدان يشقيان إذا مرض ولدهما، ويرتاحان إذا شُفِيَ، ويسهران إذا سهر، وينامان إذا نام، وإن همَّ الأولاد صلاحًا وتربية، ورعاية وشفقة ورحمة يحتل عند الوالدين مساحة كبيرة، وإن لم يظهراه، فيا أيها الأولاد، ماذا قابلتم تلك الشفقة والرحمة؟ هل قُوبِلَتْ بالبر والطاعة؛ فأبشروا بالخير في الدارين، أم قُوبِلَتْ بالعقوق؛ فإن الجزاء من جنس العمل؟ أيها الابن، وأيتها البنت، إن بركم بوالديكم هو عمل صالح جليل، عظيم جسيم، اجلسوا معهم وحدِّثوهم عما يسرهم، وأبهجوهم، واخدموهم، واعملوا ذلك قربة لله تبارك وتعالى، وحينها أبشروا بدعواتهم الصادقة، وأيضًا أبشروا ببرِّ أولادكم لكم، لا تخالفوهم، ولا تلحوا عليهم بأشياءَ لا يريدونها، واجعلوا بينكم وبينهم الجو العاطفي الكبير، إن ضاقوا فأوسعوا عليهم، وإن احتاجوا فأعطوهم، فإن الكبار لهم حاجات قد لا يظهرونها لأولادهم، فحاولوا معرفة حاجاتهم، ورسالة خاصة للشباب والشابات الذين في العقد الثاني والثالث من أعمارهم، أقول: اقتربوا من والديكم أكثر؛ فأنتم المحتاجون لبرهم ودعواتهم أكثر منهم؛ فإن بعض الآباء والأمهات يشكون جمود العاطفة بينهم وبين أولادهم في هذين العقدين، فعلى الابن والبنت الاقتراب من والديهم شيئًا فشيئًا، حتى تعود المياه إلى مجاريها، ويعود الجو العاطفي نشيطًا، وذلك من خلال الحديث مع الوالدين عن اهتماماتهم من خلال جلساتهم، أو مرافقتهم في بعض شؤونهم، ونحو ذلك، فأنتم - أيها الشباب والشابات - أصحاب الحاجة إليهم، إنكم إذا عملتم هذا مع والديكم، فإنكم بإذن الله تعالى ستعيشون سعداء، ولا أقل من نتيجتين عظيمتين؛ الأولى أن الله عز وجل يرضى عنكم وكفى بها، والثانية أنكم ستحظَون، لا أقول بدعوة، وإنما بدعوات من هؤلاء الوالدين، بسعادتكم في الدنيا والآخرة.


أسأل الله تبارك وتعالى لنا جميعًا الصلاح والإصلاح في النية والذرية، كما أسأله عز وجل الهدى والتقى، والسداد والرشاد لنا جميعًا، ولجميع المسلمين، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولوالديهم، والمسلمين الأحياء منهم والأموات، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 962.43 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 960.66 كيلو بايت... تم توفير 1.77 كيلو بايت...بمعدل (0.18%)]